طليعة التبيان (طليعة مُفصَّل البيان في حال ابن أبي سُفيان)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه ومَن والاه.
إذن بلغنا إلى قول السيد رشيد رضا – رحمة الله تعالى عليه – ولا خلاف في كون خروج مُعاوية على أمير المُؤمِنين هو الصدمة الأولى التي أصابت الإسلام فكانت علة العلل لكل ما جاء بعدها من أسباب الضعف، إذن قضية مُعاوية يا جماعة وما فعله ليست قضية ترف علمي، ليست مسألة تاريخية يُنقَّح فيها القول ثم يُمضى عنها، لا هي لست كذلك، القضية – كما قلت – أصابت الأمة بداء بل بأدوية وبيلة لا تزال تُخامِرنا إلى اليوم بل ننطوي عليها.

قال فلك أن تقول إن ذلك البغي علته الحسد لأن مَن لا يحسد صاحب النعمة لا يبغي عليه، ولذلك ورد في الحديث وإذا حسدت فلا تبغ، رضوان ابن أبي الدنيا من حديث أبي هُريرة بسند ضعيف ورسته عن الحسن مُرسلاً، والحسد كما يقع بين الأفراد يقع بين الأمم وأهل المِلل كما ورد في تفسير أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ ۩ … وإلى آخره، فهو ذكر هذا، إذن هذه هي العبارة التي أردنا أن نقفكم عليها.

في المُجلَّد الرابع والعشرين من المنار في الصفحة أو في الصحيفة الرابعة والثلاثين – إذن في المُجلَّد الرابع والعشرين في صفحة أربع وثلاثين – يقول السيد رشيد رضا – لأنه سيد طبعاً كما قلنا، فهو من نسل الرسول – وقد تمسَّك بهذا أئمة الجور وخلفاء التغلب والمطامع ولم يُراعوا فيه ما راعاه مَن احتجوا بعمله من استشارة أهل الحل والعقد والعلم، كأنه يتحدَّث عن مَن؟ عن سيدنا عمر، يقول التولية بالاستخلاف والعهد، هذا يعني أنه يتحدَّث عن سيدنا عمر، فهو يقول وهو الموافق لجعل عمر إياها شورى في الستة رضي الله عنهم، قال الماوردي وانعقد الإجماع عليها أصلاً في انعقاد الإمامة بالعهد، وفي انعقاد البيعة، وقد تمسك بهذا أئمة الجور وخلفاء التغلب والمطامع ولم يراعوا فيه ما راعاه مَن احتجوا بعمله من استشارة أهل الحل والعقد والعلم، قال عمر جعلها شورى في الستة، ونحن نفعل نفس الشيئ، يُمكِن أن نعهد لأبنائنا ولأبناء عمومتنا، عمر عهد وأبو بكر عهد، هل تعرفون مَن لعب على هذا الوتر كما في صحيح البخاري وأعتقد في النسائي وفي غيره؟ مروان بن الحكم، سعيد بن العاص ومروان كانا يتناوبان دائماً الولاية على المدينة، مرة سعيد ومرة مروان، مرة سعيد ومرة مروان وهكذا، مُعاوية بعث مروان بن الحكم وقال له اذهب خُذ لي البيعة واستوثق ليزيد، وهذا في صحيح البخاري الآن، ورواه ابن أبي حاتم في التفسير وسنأتي ببعض لفظه، المُهِم جاء فقام وقال لهم إن أمير المُؤمِنين مُعاوية عهد إلى ابنه من ورائه أو من بعده يزيد سُنة أبي بكر وعمر، أبو بكر عهد، أبو بكر عهد لمَن؟ لعمر، وعمر عهد لمَن؟ لستة، بقية العشرة المُبشَّرين بالجنة، ونحن نعهد لأبننا يزيد، سُنة أبي بكر وعمر، هذه نفس السُنة، فقام يرد عليه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال له بل سُنة كسرى وقيصر، ما هذا؟ قال له أتضحك علينا؟ هل أنت تستغفلنا، عيني عينك قال هما عهدا ونحن نعهد، انظر إلى هذا التغافل، هذا يُذكِّرني بالقذّافي، كل الطُغاة في كل زمان يلعبون لُعبة التغافل، يُحاوِلون أن يستحمروا الناس، أليس كذلك؟ نعم ليس كذلك، تضحك على مَن أنت؟ القذّافي كان هكذا، حياته كلها بهذه الطريقة، حياة التغافل، حتى لم أستخرجوه كالجرذ من مصرف المياه قال خيركم؟ ماذا حدث؟ كأنه لا يعلم ما الذي حدث، قتلت سبعين ألفاً وتقول ماذا حدث؟ ما لكم؟ لماذا تصرخون وما إلى ذلك؟ ما شاء الله، هذا نفس الشيئ، قال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بل سُنة كسرى وقيصر، تُريدون أن تجعلوها كسروية وهرقلية، قال له ما عهد أبو بكر إلى أحد من ولده بل عهد إلى عمر، وما عهد عمر إلى أحد من ولده، كيف تقول لي هذا؟ وإنما جعلتموها لابنكم كرامةً له ورحمةً، هذا ابنكم يزيد، فقام مروان وقال له ألست الذي قال لوالديه أُفٍ لكما؟ أنت نزل فيك قرآناً يا ابن أبي بكر، في سورة الأحقاف وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ – أي أُبعَث من الأرض – وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ۩، هذا في الأحقاف، قال له ألست الذي قال لوالديه أُفٍ لكما؟ فسمعت عائشة وقالت له كذبت، أي أن عائشة قالت لمروان كذبت، قالت له كذبت وأثمت، والله لم تنزل فيه وإنما نزلت في فلان ابن فلان، ولكن رسول الله لعن أباك وأنت في صُلبه، فمروان فضضٌ من لعنة الله، قالت له هذا هو، قالت له هل تُريد أن تسمع الحق؟ هذا هو، أنت تُعيِّر أخي وتقول له القرآن نزل فيك، قالت له والله ما نزل فيه، نزل في فلان ابن فلان، ذكرت رجلاً، لعله يكون منهم، أي من آل أبي سُفيان أو آل أبي العاص هؤلاء، ولكن – قالت له – الذي نعرفه ونُحقِّقه أن رسول الله لعن أباك، أبو الحكم لعنه الرسول، وأنت في صُلبه، فأنت فضضٌ – أنت قطعة، وفي رواية أنت بعض من لعنة لله عند ابن أبي حاتم – من لعنة الله ورسوله، المُهِم هذا موضوع تمسك بهذا أئمة الجور وخلفاء التغلب والمطامع، رشيد رضا فاهم، عمر عهد ونحن أيضاً نعهد إلى أولادنا وأولاد عمنا، ما المُشكِلة يا أخي؟ تغافل الطُغاة.

قال تمسَّك بهذا أئمة الجور وخلفاء التغلب والمطامع ولم يُراعوا فيه ما راعاه مَن احتجوا بعمله – مَن هو الذي احتُج بعمله؟ سيدنا عمر، من استشارة أهل الحل والعقد والعلم برضاهم أولاً وإقناع مَن كان توقف فيه – أي في العهد – والروايات في هذا معروفة في كتب الحديث، ومِن أجمعِها (كنز العمال) وكتب التاريخ والمناقب. وأي عالم أو عاقل – اسمعوا الآن رشيد رضا يقول وأي عالم أو عاقل – يقيس عهد أبي بكر إلى عمر في تحري الحق والعدل والمصلحة بعد الاستشارة فيه ورضاء أهل الحل والعقد به على عهد مُعاوية – أتقيسون عهد أبي بكر إلى عمر على عهد مُعاوية؟ – واستخلافه ليزيد الفاسق الفاجر بقوة الإرهاب من جهة – يقول رشيد رضا كيف استخلف مُعاوية لابنه؟ كيف عهد له؟ بقوة الإرهاب من جهة – ورشوة الزعماء من أُخرى؟ ثم ما تلاه واتُبِعت فيه سُنته السيئة – انظر إلى هذا، هذه سُنة مُعاوية السيئة – من احتكار أهل الجور والطمع للسطان وجعله إرثا لأولادهم أو لأوليائهم كما يورث المال والمتاع ؟ ألا إن هذه هي أعمال عصبية القوة القاهرة المخالفة لهدي القرآن وسُنة الإسلام.
قال ذكر الفقيه ابن حجر في (التحفة) ثم ذكر كلاماً، هو هذا، فرشيد رضا لا يحتمل مُجرَّد وهم أنك تقيس ما فعله مُعاوية على ما فعله أبو بكر وعمر، قال ما هذا؟ وينفي عنك العقل، يقول لك العقل عنك عازب، إذا قست ما فعله مُعاوية على ما فعله أبو بكر وعمر، قال أين؟ يقول رشيد رضا أبو بكر يعهد لعمر لكن أنت تعهد لرجل فاسق فاجر، معروف أن يزيد فاسق فاجر، وسوف نرى بعد ذلك هل يزيد كان فاسقاً فاجراً في حياة أبيه أم بعد أبيه؟ في حياة أبيه فاسق فاجر وشرّيب خمر وأبوه كان يعرف ويقول له افعل هذا في الليل، خبأه في الليل، وهذه المسألة سوف نأتي بها وحدها فيما بعد، من المُؤكَّد أن موضوع يزيد حلقاته ستأخذ أكثر من عشرين ساعة، موضوعات كثيرة نُريد أن نأخذها بالتحقيق والتدقيق إن شاء الله.

نأتي الآن إلى الصفحة ثلاثمائة وثلاث وخمسين، عنوان: سنة التغلب وعواقبها وإفساد الأعاجم لحكم الإسلام العربي، فتح مُعاوية للأقوياء باب التغلب – هو الذي فتح هذا الباب، القوي يأخذ، علماً بأن هذا الباب إخواننا هؤلاء إلى اليوم يُشرِّعونه ويدفعون عنه، قال أبوة صوة أنا مُفتي القذّافي، قال أنا كنت معه ونعم كنت ضدكم لكن لما دخلتم طرابلس وتغلَّبتم على طرابلس، أنا والله كتبت هذا بالأمس ليلاً وقلت قال شيخ الإسلام ابن تيمية وكذا وكذا، الذي يتغلَّب تجب له السمع والطاعة، أي دين هذا؟ أي عقل هذا يا جماعة؟ أي دين وأي عقل؟ عنده الذي يتغلَّب يُسمَع له، هذا يعني أن هذا التشريع وهذا الفقه الشرعي السياسي إغراءٌ لكل طمّاع نزّاء هوَّسه حب السُلطة وجنَّنه حُب الظهور والكرسي لكي يحمل سلاحه ويتعزى بقوم أو بعصبية ويُحدِث فتنة في الأمة، والذي يغلب نحن نُشرِّع له ونسمع ونُطيِع، ما هذا يا أبا صوة؟ ما هذا؟ هل هذا تعلَّمته في مدرسة ابن تيمية؟ أهذا ما تعلَّمته من ابن تيمية؟ شيئ غريب يا أخي، لكن مَن الذي فتح الباب أولاً؟ مُعاوية، مَن سن في الإسلام سُنة سيئة كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، أتُريدون رأي الرسول في مُعاوية؟ هذا هو، مُعاوية سن يا جماعة سُنة سيئة، يا جماعة محمد كان يستشير، صلى الله على محمد وآله، النبي كان يستشير أصحابه، والله قال له وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ ۩، لكن مُعاوية قال لا، لا تُوجَد شورى، أنا بالقوة وبالسيف وبالرشوة وبالخديعة وبالمكر سأجعل ابني خليفة عليكم، وهو كيف أصبح خليفة أصلاً؟ – فأقبلوا إليه يُهرَعون، ولم يثبت ملك الأمويين معه قرناً وَاحداً كَاملاً – عباس العقاد حقيقةً بذكاء رهيب تحدَّث عن مُعاوية، حين تقرأ كتاب مُعاوية لعباس العقاد تجد أنه قال أنا رأيي في مُعاوية عكس رأي الدنيا كلها، مُعاوية لم يكن لا ذكياً ولا بعيد النظر، قال كان داهية وكان كذا وكذا لكن نظره تحت قدميه، ولذلك مَن مِن ذُرية مُعاوية من الفرع السُفياني الذين حكموا؟ يزيد في سنتين وقليل وانتهى كل شيئ، هذا هو فقط، ثم جاء الفرع المرواني، أليس كذلك؟ وكلهم من سنة واحد وأربعين حين تنازل الحسن عليه السلام إلى مائة واثنين وثلاثين، ثمانون فقط للكل، وهذا لا شيئ في عمر الدول، إسرائيل اليوم عمرها سبعون سنة، سبعون سنة كلام فارغ، لكن انظر إلى بني العبّاس، إلى مُنتصَف القرن السادس الهجري، وطبعاً عليهم ما عليهم ولهم ما لهم المساكين، على كل حال يقول ولم يثبت ملك الأمويين معه قرناً وَاحداً كَاملاً، هذه خُطة خاطئة – ولما كان الإسلام قد أبطل عصبية العربالجنسية احتاج العباسيون إِلَى أَن يستعينوا على الأمويين بعصبية الأمة الفارسية، وكان للزنادقة والمُنافِقين من هؤلاء مكايد خفْية، يُرِيدون أَن يديلوا للفرس من العرب، وللمجوسية من الْإِسْلَام – فسد الدين كله بهذه الطريقة، كله من أجل أن يلعب مُعاوية بالدين، كان يلعب بالحكم للأسف – ولأجلها بثوا فِي المُسلِمين التفرقة بالغلو فِي آل البيت توسلاً لِلطَّعْنِ فِي جمهور الصحابة؛ ليُفرِّقوا كلمة العرب ويبعدوا بهم عَن أصُول الإسلام الشورى (الديمقراطي) ويُنشئوا فِيه – هم – حكومة (أتوقراطية) مُقَدَّسَة أَو معبودة بجعل رئاستها لمَن يدّعون فيهم العِصمَة من بَيت النبوة، ليسهل عليهم بذلك إعادة الكسروية والمجوسية، وَلما انكَشف ….

وبدأ يتحدَّث عن المصائب التي تلت ذلك، وقال السبب في كل هذا هو فتح مُعاوية لهذا الباب، حلَّل لك تحليلاً يُبيِّن فيه كيف أن دمار الإسلام كله بسبب ما فعله مُعاوية.
في المُجلَّد الثلاثين كتب – رحمة الله تعالى عليه – كلاماً مُهِماً جداً، وقد ذكرته قبل حوالي بضع عشرة سنة، المُجلَّد الثلاثون، صفحة أربعمائة وتسع وخمسين، يقول لقد كان مقتضى هذا الإصلاح الإسلامي العربي أن يعم الأرض – أي الدين يعم الأرض كلها، وهنا يُوجَد كلام مُحزِن، ستحزنون – ويملك أهله من العرب – يقصد المُسلِمين – سائر ممالك الشرق والغرب – لو بقينا على خُطة الراشدين ومن قبل خُطة رسول الله لعم الإسلام الأرض كلها اليوم، مَن الذي أفسد هذا المشروع كله؟ مُعاوية، مُعاوية فعل هذا، وستفهمون هذا الآن، هذا كلام رشيد، وهو والله مُعتقَدي وفهمي دائماً، مُعاوية أفسد مشروع الإسلام كله من أجل أن يجلس هو على الكرسي، والإمام عليّ كان يفهم هذا، يفهم أن هذا الرجل سيُطفيء نور الله، ولذلك لم يتوان في حربه ولم يُوافِق على أن يبقى في ولاية الشام حتى يوماً واحداً -؛ ولكن حال دون ذلك تعارض المانع والمقتضي، أما المقتضي فقد عرَّفناه إجمالاً بما تقدَّم، وأما المانع الذي حال دونه فهو (على قاعدة تقابل العدم بالملكة) – نحن درَّسنا لكم هذا في المنطق، أعني العدم بالملكة، فهذا الحائط لا يُقال فيه لا أعمى ولا بصير، لأن ليس عنده ملكة البصر أصلاً فلا يُقال أعمى كما لا يُقال بصير -عدم الاستقامة على ذلك المنهج الإصلاحي الذي شرعه الإسلام وسار عليه الرسول وخلفاؤه الراشدون، وكان أول مَن سن الخروج عنه معاويةُ بن أبي سفيان – ماذا يقول رشيد رضا؟ يقول رشيد رضا بُسنة مُعاوية تراجع الإسلام وانحصر، يقولون لك خلافة ومُعاوية فتح الأرض وكذا وكذا، قال فتح ماذا؟ لو بقيَ الأمر كما كان عليه لعم الإسلام الأرض كلها بإذن الله ولأظهره الله على الدين كله، مُعاوية أفسد كل شيئ، وطبعاً فتح فتوحات والأموال سوف نرى إن شاء الله في الدروس المُقبِلة ماذا فعل بها وبالصفي، الذهب والفضة له، وبنى قصر الخضراء، ويُعطى هذا مائة ألف وهذا مائتين ألف، يتألَّفهم لكي يُشايعوه في أغراضه، شيئ عجيب، ويمنع الأنصار، منع أبا أيوب الأنصاري، وسنسمع اليوم حديث أبي أيوب، وسوف ترون بالسند إن شاء الله في الحلقات المُقبِلة كل هذا، المُهِم أنه قال وكان أول مَن سن الخروج عنه مُعاويةُ، لأن مُعاوية هنا كاسم أفضل، فلا تقل هناك لحن، قال كان أول ثم قال مُعاويةُ بعد ذلك – ببغيه على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام والرضوان، ثم بإكراهه الناس على بيعة ولده الفاسق يزيد واحتكار السُلطان لبني أُمية، فهدم بذلك الحكم الإسلامي الشوروي المبني على أساس سُلطة الأُمة، وأقامه على الأساس الوراثي المبني على تغلب القوة، فما زالت القوة تعمل عملها حتى سلبتهم هذا المُلك المغصوب – هذا مُلك مغصوب، مُعاوية اغتصبوه، بنو أُمية غصبوه أصلاً، هذا مغصوب وليس حقاً لهم – وتغلغل نفوذ أعاجم الفرس في الدولة العباسية، ثم قضى عليها همج الشعوب التركية فتفرَّقت السلطة وتمزَّقت الوحدة وزُلزِلت العدالة وزالت الخلافة.

اسمع الآن الكلام المُبكي، ماذا يقول رشيد رضا رحمة الله عليه؟ يقول مِن ثم قال أحد علماء الألمان المُتعصِّبين لجنسيتهم أنه ينبغي لنا – أي الإلمان – أن نُقيم لمُعاوية تمثالاً من الذهب في أعظم ساحة من عاصمتنا برلين – افهم كيف فهم المُستشرِقون الأجانب مَن هو مُعاوية، أُقسِم بالله فهموا مَن هو مُعاوية أحسن منا، وعرفوا تماماً يده البيضاء على الغرب، لأنه هو الذي خصى الإسلام وأطفأ نوره، هؤلاء أُناس أذكياء لكن نحن هبل، ماذا يقول؟ يقول ينبغي لنا أن نُقيم لمُعاوية تمثالاً من الذهب في أعظم ساحة من عاصمتنا برلين – وينبغي مثل ذلك لجميع شعوب أوربة – في كل عاصمة يُنشأ تمثال من ذهب لمُعاوية، من المُؤكَّد أن الجرائد كتبت هذا في أيامه واحتج به، أعني رشيد رضا – إذ لولاه – لولا مُعاوية – لكانت هذه الشعوب كلها – أي الأوروبية – عربية تدين بالإسلام – الغرب يفهمون ما الذي حصل، أُمتك لا تُحِب أن تفهم، لا تُحِب هذا، ماذا نفعل؟ -، وبيَّن ذلك – هذا المُستشرِق – بنحو ما قلناه آنفاً … إلى آخر الكلام، تفضَّل لكي تعرف مدى جناية مُعاوية، هم يرون أن هذه مسألة عادية، ما المُشكِلة في أنه أخذ الحكم بأي طريقة وتسبَّب في قتل سبعين ألف في صفين أو أكثر أو أقل – لا تهمهم الأرقام – وبعد ذلك جعلها لابنه من بعده؟ ما المُشكِلة؟ اجتهد فأخطأ ورضيَ الله عنه وأرضاه، اجتهد فأخطأ، أُناس تنظر تحت رجليها بل ولا نظر لها حتى!

آخر شيئ في المُجلَّد الثالث والثلاثين من المنار، صفحة أربعمائة وسبع وأربعين، في الحقيقة هذا على ما أعتقد ضمن بحث يرد به على كتاب أصل الشيعة وأصولها ويُقرِّضه وينقده للعلّامة كاشف الغطاء رحمة الله عليهما، يقول في صفحة أربعمائة وسبع وأربعين ثم نقول ثامناً إن فرضنا أنه صح حديث مرفوع في ذكر شيعة علي فإننا ننقل الكلام إلى المُراد منه – أي من الشيعة والمُشايعة – في اللُغة، وقوله تعالى في موسى عليه السلام هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ ۩ فنقول إنهم – أي الشيعة – هم الذين اعتقدوا أنه – أي عليّ عليه السلام – هو الذي كان على الحق فنصروه على مَن عادوه وتبرّءوا منه – أي نصروه على مَن عادوه وعلى مَن تبرّءوا منه – وحاربوه من الخوارج، وكذا مُعاوية – أي نصروه أيضاً على مُعاوية – وأتباعه خلافاً لابن حجر الهيتمي وأمثاله – ينتقده هنا، الإمام رشيد رضا لا يعجبه موقف ابن حجر قال مُعاوية لا، هو أخو عليّ وهما أحباب واجتهد فأخطأ، قال له لا، عدو مثله مثل الخوارج، وشيعة عليّ يتبرّأون من الخوارج ومن مُعاوية، قال رشيد رضا لابد أن نكون واضحين – الذي يُخرِجونه ؤلاء منهم – أي من أعداء عليّ، قالوا ليسوا أعداء وإنما إخوة – بحُجة أنهم كانوا مُجتهِدين مُتأوِّلين فلهم أجرٌ واحد، ولعليّ وأتباعه أجران، فإن مُتبِع الحق مُستقِل الفكر – يقول رشيد رضا – فيه بلا هوى ولا تعصب لمذهب يجزم بأن مُعاوية نفسه كان باغياً خارجاً على الإمام الحق كالخوارج – رشيد رضا يقول كالخوارج، قال كان باغياً مثل الخوارج، أرأيتم؟ يقولون سيدنا ويترضون عنه وممنوع أن تسبه، لكن الحق أحق أن يُتبَع يا جماعة، احكوا الحق، قال كالخوارج – وأنه طالب مُلك، ويُؤيِّد ذلك إكراه الناس على جعل هذا المُلك لولده يزيد المُشتهِر بالفسق – قال واضح عندنا أن الرجل يُريد المُلك، لا يُريد الدين ولا يُريد الحق، بدليل أنه جعل المُلك من بعده لمَن؟ ليزيد، وبالأساليب المعروفة – وأن بعض الخوارج كانوا مُتأوِّلين كبعض أصحاب مُعاوية الذين اعتقدوا أنه كان على حق في مُطالَبته بدم عثمان – يُمكِن أن تجد بعض الخوارج المُتأوِّلين وبعض جماعة الشام المُتأوِّلين لكن مُعاوية نفسه ليس مُتأوِّلاً، قال كان باغياً ويعرف ماذا يفعل -، فمجموع كل من الفريقين بُغاة خارجون على إمامهم الحق، وأفرادهم يتفاوتون في النية والقصد – المُهِم عندنا من هؤلاء الأفراد مَن هو؟ رأس هؤلاء، قال لا، كان باغياً وطالباً المُلك والرياسة، قال بالنسبة لمُعاوية أمره واضح عندي، أرأيت؟ رشيد رضا واضح جداً هنا – كتفاوتهم في العلم والجهل، وحكمه كرّم الله تعالى وجهه عليهم في جُملتهم هو الحق – حكم عليّ هو الحق عليهم – وهو أن بغيهم لا يخرجهم من الإسلام، وإن كلمته عليه السلام (إخواننا بغوا علينا) لكلمة لو وزنت بالقناطير المُقنطَرة من اللؤلؤ والمرجان لكانت ذات الرجحان في هذا الميزان.

فهو لم يُكفِّرهم ولا نحن نُكفِّرهم، بعض الناس كتبوا لي كذا وكذا فجاوبت بسطرين، قلت ومَن ذا أصلاً يُناقِش في كفر هؤلاء؟ هل نحن قلنا أنهم كفّار؟ هل نحن نُكفِّر؟ هل نحن مُكفِّرة؟ لسنا مُكفِّرة، نتكلَّم عن حق وعن باطل، عن إمام حق وعن بُغاة، هذا هو فقط، وافقونا في هذا القدر وهو مُتواتِر عن رسول الله في البُغاة وإمام البُغاة، ما لكم؟
إلى آخر ما قال رحمة الله تعالى عليه، نكتفي الآن برشيد رضا، انتهينا – إن شاء الله – من المنار، نأتي الآن إلى آل الغُماري، المُحدِّثون الغُماريون، أسرة الغُماري – أيها الإخوة – أسرة حسنية، هم سادة أشراف من نسل الحسن – أبي محمد عليه السلام – وهم علماء مُتخصِّصون بالذات في الحديث ومن ثم في الفقه وفي الأصول وفي التفسير ولهم قدم راسخة في العلوم، أسرة عجيبة جداً – آل الصدّيق – أشهرهم وربما يكون أطولهم باعاً وأرسخهم قدماً أبو الفيض أحمد ابن الشيخ الصدّيق الغُماري رضوان الله تعالى عليه، بعض العلماء المُحدِّثين يراه آخر الحفّاظ في هذا العصر، لم يأت بعده حافظ، لا يُوجَد حافظ، يُوجَد مُحدِّثون يشتغلون، أما بالنسبة للحفّاظ هو كان آخر الحفّاظ، كان آية من آيات الله في الحفظ والذكاء وكثرة المُصنَّفات، كتبه بالعشرات وأكثرها في المخطوط، والذي طُبِع منها عشرات كثيرة، اسمه الحافظ أبو الفيض أحمد بن محمد – وهو الشيخ الصدّيق – الغُماري، مُتوفى سنة ألف وثلاثمائة وثمانين للهجرة رضوان الله تعالى عليه، يُوجَد كتاب مُراسَلات بينه وبين شيخه محمد بُوخُبزة أسماه الشيخ بُوخُبزة الجواب المُفيد للسائل المُستفيد، طبعة دار الكتب العلمية، سنة ألفين واثنين، في صفحة اثنين وثلاثين يتكلَّم عن حديث السفرجلة، يُوجَد حديث يُفيد بأن النبي أعطى مُعاوية سفرجلة وقال له القني بها في الجنة، وطبعاً الحديث موضوع وسخيف جداً، فطبعاً زيَّفه وقال هذا ساقط عقلاً ونقلاً ثم قال وجعفر – جعفر بن أبي طالب – مات في غزوة مؤتة قبل إسلام مُعاوية لأنه أسلم بالسيف في غزوة الفتح، قال مُعاوية إسلامه بالسيف، هذه كلمته، في صفحة ست وخمسين تحت عنوان – بُوخُبزة يُعنوِّن – مُعاوية بن أبي سُفيان في نظر الشيخ – مَن الشيخ؟ أبو الفيض أحمد الغُماري قدَّس الله سره – يقول أما المسألة الأُخرى فلو قدَّر الله اجتماعنا بالأستاذ وسمع منا ما يتعلق بمُعاوية لزال من نفسه كل غلط – يبدو أن هناك رجلاً آخر يتحدَّث عنه بُوخُبزة ويقول أستاذ، لا ندري مَن هو هذا الأستاذ، المُهِم كأنه مُنتقِد أن الشيخ الغُماري يتكلَّم في مُعاوية، يتهمه بالنفاق بل يُصرِّح بكفره ولعنته، فقال له لا، لو اجتمع بنا وسمع منا يزول كل شيئ في نفسه – بثه فيه التشعر – ما المقصود بالتشعر؟ أنه أشعري، لأن مُتأخِّري الأشعرية بالذات صارت قضيتهم الدفاع عن مُعاوية بل ودافع بعضهم عن يزيد، الغزالي رحمة الله عليه له موقف، أبو حامد قدَّس الله سره له موقف هنا، وهذا سيأتي فيما بعد لأنه طويل، وسترى أنت بعض الأشياء هنا – والدعاية الأشعرية – رغم أن أبا الحسن الأشعري له رأي ستراه الآن وستسمعه اليوم نقلاً عن أبي بكر بن فورك وهو من كبار الأشعريين، أبو الحسن الأشعري رأيه ليس كرأي مُتأخِّري الأشاعرة في مُعاوية، ويرى أنه باغٍ ومُخطيء فانتبه إلى هذا – التي أحكمها النواصب وحبكوها حبكا يروج على العقول الضعيفة، وأدرجوها في كتب التوحيد وألحقوها بصفات الله وأسمائه – كأن موضوع مُعاوية موضوع له علاقة بأُسس العقيدة، لكنه يقول ما دخل هذا بذاك؟ -، أما المُكاتَبة فلا تكفي – لا يُمكِن أن أكتب له، لابد أن أجلس معه، فهناك كلام كثير في رأس هذا الحافظ -، والأحاديث الثلاثة المذكورة – يبدو أن الاستفتاء وقع عن ثلاثة أحاديث عن مُعاوية، قال له التي تسألني عنها – اثنان منها صحيحان بأسانيد البخاري وشرطهما – المفروض وشرطه، إلا إن كان قصده وشرط البخاري ومُسلِم، فهذا مُمكِن -، وهما حديث (إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه) – قال هذا الحديث صحيح بشرطهما، وطبعاً هذا لنا أيضاً إن شاء الله جولة، أعني هذا الحديث، وسوف نفهم لماذا قال النبي ذلك – ولذلك اضطر بعضهم إلى تحريفه فرواه بعضهم فاقبلوه – إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقبلوه، أي أنه حرَّفوه، قال لأنه صحيح، هذا صحيح ويُحرِجهم، فاضطُروا إلى الكذب على رسول الله فحرَّفوه إلى فاقبلوه – بالباء، واضطُر الناصبي الكبير عبد الله بن أبي داود صاحب السُنن – ليس هو صاحب السُنن وإنما أبوه صاحب السُنن، عندنا أبو داود السجستاني رحمة الله عليه وهو إمام، وعنده ابن مُنحرِف، كان مُنحرِفاً حتى أخلاقياً، اقرأوا ترجمته للأسف، نسأل الله الستر والعافية، مُنحرِف أخلاقياً، اسمه عبد الله، علماً بأن مُعظَم أعداء أهل البيت في كل زمان عندهم انحرافات أخلاقية وهذا شيئ غريب، أعداء أهل البيت فانتبهوا، هذا شيئ غريب، النواصب فيه هذا، عبد الله بني أبي داود كان مُنحرِفاً أخلاقياً وكان ناصبياً، صاحب كتاب المصاحف، وأبوه كان يُحذِّر منه، وسيذكر هذا الشيخ أبو الفيض – (أعني الأب صاحب السنن التي هي أحد الكتب الستة، أما الابن فله مُؤلَّفات أُخرى وكان ناصبياً خبيثاً – أنتم تعرفون ما معنى الناصبي، الناصبي هو الذي يتديَّن ببغض أهل البيت، دينه بغض عليّ وأهل بيته والعياذ بالله – وكان أبوه أبو داود يقول عنه إنه كذّاب فلا ترووا عنه) اضطُر هذا – ابن أبي داود – إلى زعمه أن مُعاوية هذا هو ابن التابوه – نحن طبعاً لم نسمع ولا سمعت أُذن التاريخ … دلونا وعرِّفونا وأوقفونا أيها الإخوة على المكان الذي ولد فيه ابن التابوه هذا، لا أحد يعرفه، ألَّفه منه عنده، اخترقه واختلقه، أنه ابن التابوه – وكان مُنافِقاً – ابن التابوه – حلف أن يتغوط على المنبر – منبر رسول الله – فقال النبي الحديث – حديث إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه، وطبعاً القصة سخيفة وليس لها أي سند، كلام فارغ، ذكر هذا السيوطي طبعاً ولم يذكره أبو الفيض الغُماري، أنا قرأته أيضاً في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي، فهو ذكر هذا، كلام في مُنتهى السقوط والتهافت -، وذلك منه كذب كما ذكرته في جؤنة العطار وقد قال الحسن البِصري أو غيره – بل الحسن البِصري، مر علينا في أكثر من مرجع – عقب رواية هذا الحديث فقد رأينا مُعاوية يخطب – أي على منبر الرسول – فلم نقتله فما نجحنا و لا أفلحنا – يقول الحسن البِصري لو قتلناه لارتحنا وارتاحت الأمة لكننا لم نفعل -، والحديث الثاني رواه أحمد في مُسنَده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت يوم يموت على غير مِلتي) قال – عبد الله بن عمرو – وكنت تركت أبي يلبس ليخرج، فخفت أن يطلع، فطلع فـلان – لم يقل مَن هو، هكذا ستره أحمد – يقول الشيخ أبو الفيض – في المُسنَد على عادته – بعض الأسماء التي تزعج يسترونها – لكن البلاذري – في أنساب الأشراف – صرَّح به فطلع مُعاوية، ورواه من طرق كلها رجالها رجال البخاري ومُسلِم وقد ذكرها في جؤنة العطار – ونحن سنقف أيضاً وقفة طويلة مع هذا الحديث وسوف نأتي به وسوف نأتي بأنساب الأشراف، وقد شرحته قبل سنتين في مُحاضَرة أيضاً، وسوف نرى إسناده فعلاً مع كتب الرجال -، أما الثالث – قال هذان صحيحان – فرواه جماعة بلفظ أن رجلاً في النار يُنادي ألف سنة يا حنان يا منان، ورواه غيرهم من الثقات بلفظ أن معاوية في صندوق من نار ينادى فيه – لم يُصحِّح هنا وسكت عنه فكأنه غير صحيح، ولو كان صحيحاً لصحَّحه، وواضح أنه موضوع بهذه الطريقة -. الحديث.

وقد ذكرنا هذه الأحاديث كلها – كتب هكذا – المأمون في خُطبة التي رواها – يُوجَد تطبيع واضح، والمقصود وقد ذكر هذه الأحاديث كلها المأمون في خُطبته، وفي الحقيقة هي ليست خُطبة وإنما رسالة، واليوم تلونا عليكم جزءاً منها من تاريخ الطبري، وهل هو كتاب المأمون أو كتاب المُعتضِد الذي ظهر في آخر كتاب المُعتضِد أنه أنشأه أحد كتّاب المُعتضِد؟ لكن يبدو أنه نسج على منوال كتاب اصطُنِع أو أُنشيء للمأمون في وقته وإلى آخره، يُوجَد تصحيف هنا وتطبيع من المطبعة – ابن جرير في التاريخ سنة مائتين وسبع وعشرين – وهذا غير صحيح، الصحيح هو مائتان وأربع وثمانون، وقد نبَّهنا على هذا، هذا خطأ من أبي الفيض، لأنه حافظ ويكتب من عقله رحمة الله عليه، فهذا كان بعدها – أو بعدها، ونقل تلك الخُطبة برُمتها السيد محمد بن عقيل في آخر النصائح الكافية – وهذا صحيح، ابن عقيل ذكرها في آخر النصائح الكافية كاملة، من الطبري أخذها، هذا كلام مَن؟ ما زلنا مع أبي الفيض الغُماري-، و في الصحيح صحيح مُسلِم عن عليّ عليه السلام – طبعاً هو يُسلِّم على عليّ دائماً، علماً بأن آل الغُماري يُسلِّمون على النبي وآله فقط لكي نكون واضحين، لا يُصلون على الصحابة كلهم، حتى عبد الله بن الصدّيق يقول صلى الله على محمد وآلهن وعبد الله بن الصدّيق عنده تحقيق يرى فيه أن الأحاديث الصحيحة في الصلاة على النبي تأمر فقط بالصلاة عليه وعلى آله وأن الأمر بالصلاة عليه وعلى آله وأصحابه أحاديث لم تصح، هذا عبد الله بن الصدّيق لكي نكون أُمناء مع النقل، حين أقرأ أقرأ كما يكتبون – قال (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهدٌ عهده إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يُحِبني إلا مُؤمِن – لفظه إنه لعهد النبي الأُمي إليّ، لكنه يقول من حفظه – ولا يُبغِضني إلا مُنافِق) – هذا في الصحيح – و في صحيح الحاكم – أي المُستدرَك – وغيره (مَن سب عليّاً فقد سبني ومَن سبني فقد سب الله) ومَن سب الله كفر، و في الصحيح وغيره مما تواتر تواتراً مقطوعاً به – هذا صحيح وإن زعم ابن تيمية أن الحديث فيه مقال، مقال ماذا؟ ذكرت هذا في خُطبتي شفاء الأوام وتبديد الظلام في مناقب علي الإمام عليه السلام، هذا الحديث صحيح، وما ذكرته هناك ذكره أبو الفيض هنا أيضاً، سترون هذا، الطبري كتب فيه مُجلَّدين، أسانيد هذا الحديث ملأت مُجلَّدين، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه يُشكِّك فيه، وهذا عجب والله، ومَن رد على ابن تيمية؟ الألباني رحمة الله عليه، قال لا، معنى كلام الألباني لأنني لا استحضره الآن أن حمية ابن تيمية في الرد على الشيعة جعلته هنا يُخالِف الحق قليلاً، الألباني قال الحديث صحيح بلا كلام، كيف تطعن فيه؟ – (مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم وال مَن والاه و عاد مَن عاداه) – مُتواتِر، أبو جعفر محمد بن جرير في مُجلَّدين كتب أسانيد هذا الحديث، وهنا قد تقول لي والله هذه قارعة ما بعدها قارعة، أكبر أعداء عليّ كان مُعاوية، انتهى الأمر وأصابته الدعوة، قال الرسول اللهم وال مَن والاه و عاد مَن عاداه، ولك أن تتخيَّل هذا – وهذا الحديث قد جمع أسانيده ابن جرير الطبري في مُجلدَّين لكثرتها – أي كثرة الأسانيد، ولك أن تتخيَّل هذا، حديث تملأ أسانيده مُجلَّدين، مُتواتِر تواتراً فظيعاً هذا الحديث دون كلام، هل تعرفون لماذا؟ لأن النبي قاله مُنصرَفه من حجة الوداع في غدير خُم ومعه الألوف من الحجيج، ألوف من الناس سمعوا هذا الحديث، النبي وقف عند الغدير في مكان مُرتفِع قليلاً وأخذ عليّاً ورفع يده، قال لهم هل تعرفون مَن هذا؟ هذا عليّ وكذا وكذا، هذا وليي وأنا كذا، شيئ رهيب، حديث مُتواتِر لكن ابن تيمية يُشكِّك فيه، الألباني رد عليه وقال له لا، أنت أخذتك الحمية في الرد على الشيعة وتُريد أن تُشكِّك في هذا الحديث، هذا الحديث صحيح، وَلَيسَ يَصِحّ في الأفهامِ شيءٌ, إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ، قال له هل مثل هذا يُطعَن فيه يا ابن تيمية لكي تغيظ الشيعة؟ الحق أحق أن يُتبَع، هذا الحديث كما قلنا جمع أسانيده الطبري في مُجلدَّين لكثرتها – ورد عليه الباقلاني – أبو بكر الباقلاني رحمة الله عليه – الأشعري البِصري فكان مُغرِّباً، وابن جرير مُشرِّقاً، فابن جرير يُورِد الأحاديث وأسانيدها التي أبهرت عقول الحفّاظ، والباقلاني يبحث معه بعقله الأشعري البِصري، ولا يخفاك أن النواصب كان مقرهم بالشام والبَصرة والأندلس – قال هذا نوع منالنصب، لماذا تبحث معه؟ الحديث مُتواتِر فسلِّم لرسول الله -، والمقصود من هذه الأحاديث الصحيحة المُتفَق عليها مع ما تواتر من لعن مُعاوية لعليّ – هذه الأحاديث رأيتم كيف كانت في حُب عليّ وموالته وما إلى ذلك، قال هذه الأحاديث في جهة مع مَن تواتر من لعن مُعاوية لعليّ – على المنبر طول حياته وحياة دولته إلى عمر بن عبدالعزيز وقتاله وبغضه – لم يلعنه فقط بل قاتله وأبغضه -، يطلع منه – يتحصَّل منه، أي النتيجة، كأنه يقول إذن – أنه مُنافِقٌ كافر – الغُماري قال هذا، قال على بلاطة كما يُقال، لكي نكون واضحين، وطبعاً هذا الكلام فيه تسامحٌ كبير – فهي مُؤيّدة لتلك الأحاديث الأُخرى، و يزعم النواصب أن ذلك (أعني لعن مُعاوية لعليّ) كان اجتهاداً – اجتهد فأخطأ -، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مُطلّق الناس – ليس في عليّ – (لعن المُؤمِن كقتله)، فإذا كان الاجتهاد يدخل اللعن – لعن الصالحين – وارتكاب الكبائر فكل سارق – انظر إلى هذا الفقه – وزانٍ وشارب وقاتل يجوز أن يكون مُجتهِداً، فلا حد في الدنيا ولا عقاب في الآخرة….. أي سيجوز كل هذا بهذه الطريقة لكي تجعلوا مُعاوية بريئاً، تقولون اجتهد فأخطأ في كل شيئ، قال لهم بصراحة هذا غير جائز، أنا دائماً كنت أقول إذا كان مُعاوية اجتهد فأخطأ وما إلى ذلك فعبد الناصر وصدّام حسين وتيمورلنك وأي طاغوت في تاريخنا رضوان الله عليه واجتهد فأخطأ بصراحة، لأنهم لم يفعلوا عُشر ما فعل مُعاوية بصراحة، عبد الناصر قتل مَن؟ سيد قطب رحمة الله تعالى عليه، لكن مُعاوية قتل حُجر بن عدي، وتسبَّب بما فعله في قتل عليّ والخوارج وكل هذه القصة المُؤلِمة، وتسبَّب في تمزيق الأمة الإسلامية، ورأينا ماذا كتب رشيد رضا، هذا الرجل هو أُس نكباتنا ومُصيبة مصائبنا … إلى أن قال ويكفيه – أي يكفي الأستاذ الذي يُريد أن يُباحثني وليس يكفي مُعاوية – الحديث المُتواتِر أيضاً (عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار).

قال هذا حديث مُتواتِر، هذا الحديث مروي عن زُهاء عشرين وقيل أربعة عشر وقيل أربعة وعشرون وقيل ثمانية وعشرون صحابياً، وستكون لنا معه وقفة إن شاء الله، قيل ثمانية وعشرون صحابي رووا حديث ويح ابن سُمية تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، انتهينا من هذا الكتاب الخاص بمحمد بُوخُبزة عن شيخه الغُماري، نأتي الآن جؤنة العطار، على الشبكة العنكبوتية يُوجَد الجُزء الأول منه، في زُهاء مائة وخمسين صفحة، وهو كتاب في أجزاء، حين التقيت في بروكسل مع الدكتور عليّ الغُماري – ابن أخيه بارك الله فيه ومد في فُسحته في خير وعافية – قال لي هو أجزاء كبيرة ولم يُطبَع إلى الآن، كيف؟ من أين لك؟ قلت له أنا عندي جُزء منه، فاستغرب قائلاً هذا ما زال في المخطوط، قلت له هو مُصوَّر من الكتاب، المُهِم في جؤنة العطار يقول دليل على شرب مُعاوية للخمر – الصفحة الثانية في الجزء الأول، وهذا الكتاب كما قلنا موجود على الشبكة ومُصوَّر بي دي إف PDF – قال أحمد في مُسنَده – وساق سنده – عن عبد الله بن بُريدة – وهذا ذكرته في خُطبتي – قال دخلت أنا وأبي – بُريدة بن الحصيب الصحابي الجليل – على مُعاوية فأجلسنا على الفُرش ثم أُوتينا بالطعام فأكلنا ثم أُوتينا بالشراب فشرب مُعاوية – قالوا الشراب يُراد به أي شراب وليس الخمر، وهذا غير صحيح، إذا أُطلِقَت كلمة الشراب يُراد بها الخمر، لا ينبغي اللعب باللُغة، هذا في صحيح البخاري من حديث عمر وغيره، الصحابي الجليل الذي كان يُضحِك النبي ويُدعى عبد الله ويُلقَّب بحمار، وكان يُؤتَى به فيُجلَد في الشراب في صحيح البخاري، قال فيُجلَد في الشراب، قالوا المقصود بالشراب اللبن Yogurt، يقول الشراب، قالوا ليس الخمر لكي يردوا علىّ وعلى غيري، وسوف نرى هذا، على كل حال أنا أقول لك الشراب يُعرَف في هذا الحديث ليس باسمه كما سماه الراوي، وهذا اجتهادي الآن بفضل الله، فالشراب يُعرَف في هذا الحديث ليس باسمه كما سماه الراوي وإنما بشكله وواقعه كما رآه الصحابي الجليل، أليس كذلك؟ لأن له آنية خاصة وأكواب خاصة، فلما أُوتيَ بالشراب الصحابي عرف أنه خمر، أقداح معروفة يا أخي، خُذي هذه عني، هذه لم أُسبَق إليها، وقفوا مع الكلمة في الكتاب وقالوا الشراب ليس الخمر، هو لم يقل ائتوا بالشراب، هم اتوا به، فعرف الصحابي أنه خمر حين رآه، هذا الصحابي ابن الصحابي وصف وقال أُوتينا بالشراب بعد ذلك، وقد رآه وعرف أنه الخمر – ثم ناول أبي – أبوه طبعاً لا يشرب، رفض أن يشرب – ثم قال – مَن؟ مُعاوية – ما شربته مُنذ حرَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هذه أول مرة من يوم حرَّمه الرسول، هذه أول مرة نشربه، لكنهم قالوا المقصود ليس الخمر، هذا شيئ ثانٍ، وكأنه قال له هل ظننت أنه خمر؟ هذا ليس خمراً، الخمر لم أشربها من يوم حرَّمها الرسول، وهذا غير صحيح، المسألة ليست في الكتاب وإنما فيما رآه الصحابي، رأى خمراً وأقداح للخمر، وطبعاً موضوع مُعاوية والخمر ستكون لنا أيضاً حلقة خاصة عنه بإذن الله تعالى، وسوف ترون ما حدث، لأن مُعاوية من بيت خمّير سكّير، من أشهر رجال قريش في الخمر كان أبو سُفيان، هذا معروف وأخباره في هذا موجودة، سيذكر هذا أبو الفيض الغُماري، فهو أخباره كثيرة، سنترك الآن مُعاوية وكأنه بريء، لكن ماذا عن يزيد؟ سكّير خمّير كما قال الذهبي في ترجمته، قال يشرب المُسكِر ويفعل المُنكَر ويتديَّن ببغض أهل بيت رسول الله، فما شاء الله أبو سُفيان سكّير خمّير ويزيد سكّير خمّير لكن مُعاوية هو الحلقة البريئة بينهما، من أين هذا؟ يُوجَد تواصل ومعروف ما الذي يحصل، هذه تربية، وسوف نرى هذا، علماً بأن هناك مبحثاً طويلاً في الخمر وهناك أحاديث أُخرى سوف نراها، ثم أنه كان يُتاجر فيها ويبيعها وتُباع له، ماذا يقول الشيخ أبو الفيض الغُماري؟ يقول الشيخ أبو الفيض الغُماري قلت في هذا دليل على أن معاويةُ كان يشرب الخمر, لأنه من بيت كان يشربه في الجاهلية, فقد كان والده أبو سفيان شرّيباً للخمر وأخباره في ذلك كثيرة، وقوله ما شربته منذ حرَّمه رسول الله تعللٌ مكشوف, فإنه إذا لم يستطع الصبر عنه حتى بمحضر الناس الذين يُستتر منهم خوف الفضيحة والعار – جاء أمام الصحابة لكي يشرب وقال لم أشرب من مُدة، هل سنُصدِّقك؟ هذا كذب – وإشاعته بين الناس فكيف يتركه قبل ذلك؟ ولا يخفى ما في قوله مُنذ حرَّمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من النُكتة التي يُعرِّض بها؛ إذ لم يقل منذ حرَّمه الله.

أبو الفيض يقول كأنه لا يعتقد حُرمته بالكتاب بحسب ما أفهم، كأن الرسول حرَّمه لسبب ما، لم يقل مُنذ حرَّمه الله، في الحقيقة تحريم الخمر بالقرآن وليس بالسُنة، القرآن الذي حرَّمه، النبي لا يقدر على تحريمه وكان ساكتاً، كان عمر يُحدِّثه عن الخمر باستمرار وكان ساكتاً حتى أنزل الله آية المائدة، فلم يقل حرَّمه الله وإنما قال حرَّمه رسول الله، أرأيت؟ فأبو الفيض قال فيها نُكتة، علماً بأن عندي هنا تعليق طويل لكن سأتركه – إن شاء الله – لحلقة أُخرى، أنا أقول لك مُعاوية يشرب ويقول ما شربته مُنذ حرَّمه على طريقته في الاستهتار بالأوامر النبوية، سوف ترون أحاديث كثيرة يستهتر فيها بكلام النبي، تقول له ربا الفضل حرام فيقول لك لا بأس به عندي، في صحيح مُسلِم هذا، يقول لا بأس به، يا الله! فعُبادة قال له عجيب، والله لا أُساكِنك بأرضٍ أبداً، مَن يُنصِفني مِن مُعاوية؟ أُحدِّثه عن رسول الله فيُحدِّثني عن رأيه، قال لهم ما هذا الرجل؟ أنا أقول لكم هذا طاغية، هكذا هم الطُغاة، النبي يقول حرام لكن أنا أقول لا بأس، هل هذا دليلك؟ هل دليلك “لا بأس”؟ وهجره هذا الصحابي الجليل، وهجره أبو الدرداء أيضاً لأجل ربا الفضل.

في حديث اليوم سيحتج به عبد الله بن الصدّيق وسنراه في الحلقات المُقبِلة – بإذن الله – أبو أيوب الأنصاري – الصحابي الشهيد الجليل – طلبه في شيئ – قال له أعطني شيئاً وما إلى ذلك – فقال له ليس عندي، قال له صدق رسول الله، أراد أن يُذكِّره، قال له ماذا قال؟ قال يا معشر الانصار إنكم ستلقون أثرة بعدي، قال ماذا أوصاكم؟ انظر إلى مُعاوية، طاغية فعلاً، قال له بعد ذلك ماذا قال لكم؟ قال أوصانا بالصبر، قال فاصبروا، هذا هو والله العظيم، لكي تعرف نفسية هذا الرجل، وبعد ذلك ماذا قال له؟ قال أنا أول مَن صدَّقه، ألم يقل سيُستأثر عليكم؟ أنا استأثرت وأثبت لكم أن النبي صادق، أنا صدَّقته، أرأيت هذا الأسلوب؟ هذا هو والله العظيم، لابد أن تكون دارساً لعلم النفس أيضاً وذكياً لكي تفهم الشخصية التي أمامك من خلال هذه الوقائع، فضلاً عن أشياء أُخرى كثيرة سوف نأتي بها – إن شاء الله – في موضعها، قال له اصبروا.

في الصفحة التاسعة من جؤنة العطار في الجزء الأول يقول الحافظ الغُماري حالة معاوية في قبره: لما ملك بنو العباس – هذا معروف عندهم، كان يُوجَد حقد رهيب – كانوا يحفرون قبور بني أُمية ويُخرِجون منها عظامهم وأجسامهم فيحرقونها – انظر إلى أي مدى بلغ الحقد، هل هذا يليق بالمُسلِمين؟ شيئ فظيع في هذه الأمة – فحفروا قبر مُعاوية فلم يجدوا فيه إلا خيطاً أسود كالهباء – أكلته الأرض كله من عند آخره – وما ظهر أحدٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبره – علماً بأن الدكتور طارق السويدان حكى مثل هذا عن العلّامة المُجاهِد العراقي الصوّاف على ما أعتقد، الشيخ الصوّاف رحمة الله تعالى عليه كان في الجماعة التي شهدت هذا، جاء هكذا سيل ماء فسُبحان الله أبرز قبور شهداء أُحد، قال الله أكبر، أجساد كاملة، هذا هو والله العظيم، شيئ يُبكي أُقسِم بالله، رضوان الله عليهم، أجساد كاملة لم تأكل الأرض منها شيئاً، ورآه الشيخ الصوّاف كما قال وكانت حالة عظيمة، بكاء وشيئ رهيب، كانت كما هي وفاحت رائحة المسك، الدكتور طارق السويدان حفظه الله يروي هذا عن الشيخ الصوّاف، والشيخ الصوّاف مات قبل عقود يسيرة جداً جداً، هذا العلّامة المُجاهِد العراقي السُني رحمة الله عليه، فكلام الغُماري صحيح – إلا وُجِدَ كما هو يوم مات, وكذلك الصالحون من أمة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى وقتنا هذا, فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء كما في الحديث الصحيح – قال – ولا ورثتهم من العلماء العاملين, وهم العلماء بالله والعارفون بجلاله وإن كانوا أُميين لا يقرأون ولا يكتبون، كما أن الفجرة خلفاء إبليس ولو جمعوا علم الأولين والآخرين.

كونوا معنا – إن شاء الله – بعد هذا الفاصل بارك الله فيكم.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: