الأخبار والآثار

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

ومما يدل على أن مُعاوية لم يُسلِم قبل الفتح ما في الإصابة للحافظ ابن حجر، المُجلَّد الثالث، صفحة أربعمائة وثلاث وثلاثين، في صدر ترجمة مُعاوية، على كل حال طبعات الإصابة كثيرة جداً جداً، عودوا سواء إلكترونياً حتى أو غير ذلك إلى ترجمة مُعاوية بن أبي سُفيان بن صخر بن حرب، في صدر ترجمة مُعاوية قال وحكى الواقدي أنه أسلم بعد الحُديبية، وكتم إسلامه حتى أظهره عام الفتح، وأنه كان في عمرة القضاء مُسلِماً، وهذا يُعارِضه – زيَّفه – ما ثبت في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص – ما المقصود بالصحيح هنا؟ مُسلِم، لأن هذا من أفراد مُسلِم، أي هذا الحديث من أفراد مُسلِم، انفرد به دون البخاري -، أنه قال في العُمرة في أشهر الحج فعلناها – كان يُوجَد خلاف، والذي أثار عجاجة هذا الخلاف مُعاوية، لأنه نهى عن العُمرة في أشهر الحج، نهي عنه، قال لا يُفعَل هذا، وبدأ الناس يُردِّدون هذا، بعض رواة الحديث والفقه أخذوا يُردِّدون كلام مُعاوية، وسعد عارضه وابن عبّاس عارضه وأكثر الصحابة عارضوه، فلما سُئل سعد عن العُمرة في أشهر الحج قال فعلناها، وهذا يومئذ كافر بالعُرُش. مَن ضبطه كافر بالعَرش – أي عَرش الرحمن – هذا تصحيف، وإنما هي بالعُرُش، والمقصود بالعُرُش بيوت مكة، لأنها كانت كالعريش، تُنصَب أعواد ثم تُسقَف، هذه اسمها العُرُش، قال هو كان في مكة كافراً ونحن فعلناها، وذلك في سنة سبع، وهي ماذا؟ وهي عمرة القضية لأنهم خرجوا – كما قلت لكم – وزايلوا بيوتهم وبنوا لهم عُرُشاً، وضعوا على الجبال أعمدة وأوتاداً وعرَّشوها، وتركوا النبي وأصحابه لثلاثة أيام في الوادي، ولذلك قال نحن فعلناها في عُمرة القضية سنة سبع، وهذا يومئذ كافرٌذ بالعُرُش، في أعالي الجبال صعد مع أهله، هؤلاء كانوا كفاراً، في يوم عُمرة القضية كانوا كفاراً، قال هذا عن سعد وواضح أنه لم يُسلِم عام القضية، هذا غير صحيح يا أخي، كيف كان مُسلِماً، هذا غير صحيح، واكتفى بهذا، هذا يعني أن رأي ابن حجر في الإصابة أنه لم يكن مُسلِماً!
نأتي إلى تهذيب الكمال لأبي الحجّاج المزي، في بعض تراجم الصحابة أو في كثير منها المزي يكون عالة على ابن عبد البر، فربما ساق كلام ابن عبد البر في الاستيعاب بنصه وفصه كما هو، فنتنبَّه إلى هذا، وربما نبَّه وربما لم يُنبِّه، لا بأس فالمعلومة تكون موثوقة ومشهورة، في تهذيب الكمال لأبي الحجّاج المزي في المُجلَّد الثامن والعشرين، صفحة مائة وست وسبعين في ترجمة مُعاوية قال أبو الحجّاج – أبو الحجّاج شيخ ابن تيمية وشيخ الذهبي، إمام جليل وعبد صالح، وامرأته عالمة ومُحدِّثة كبيرة ومُقرئة، الإمام أبو الفيض الغُماري قال هذا الرجل كلما تفكَّرت فيه دائماً أتحيَّر: هل هو من الإنس أم من خلق آخر؟ عجيب قدَّس الله سره، أبو الحجّاج المزي التقوى التي كانت عنده عجيبة وكذلك الحفظ، الغُماري يتعجب من حفظه، حفظ غريب جداً جداً عنده للأسانيد والمتون والألفاظ، شيئ لا يُصدَّق، لا يكاد يُصدَّق، رحمة الله تعالى عليه، ويكفيه كتابه الأطراف، أعني تُحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، عجيب هذا، هذا يحتاج اليوم إلى حاسوب عظيم جداً جداً ومنهج دقيق حتى يُؤلَّف مثله، كيف وضعه؟ قال أبو الفيض الغُماري رحمة الله عليه دائماً أتفكَّر هل هو من الإنس أم من خلقٍ آخر غير الإنس الرجل هذا؟ فأبو الحجّاج المزي رجل صالح، صالح كبير ومن كبير أئمة الدين، رضوان الله تعالى عليه – وهو وأبوه من مُسلِمة الفتح وقيل – انظر إلى التضعيف – أنه أسلم زمن الحُديبية، ورُويَ عنه أنه كان يقول لقد أسلمت في عُمرة القضية – أي في مرة قبل عُمرة القضية، ومرة في عُمرة القضية كنت مُسلِماً، هكذا يروون عنه، وربما هذا يُكذَب كله عليه – ولكن كنت أخاف أن أخرج وكانت أمي تقول إن خرجت قطعت عنك القوت.

لم نفهم السبب، هل يخاف من قطع المصروف أم يخاف من أبي سُفيان؟ لعله يخاف من الاثنين إن صح الكلام، وهذا الكلام كما قلت لكم بنصه مذكور في الاستيعاب لابن عبد البر، فأبو الحجّاج أخذه مِن مَن؟ مِن ابن عبد البر، لأنه مُتقدِّم عليه بنحو قرنين من الزمان.

وفي أُسد الغابة لابن الأثير في ترجمة مُعاوية أسلم هو وأوبوه وأخوه يزيد وأمه هند في الفتح، وكان مُعاوية يقول أنه أسلم عام القضية وأنه لقيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسلِماً وكتم إسلامه من أبيه وأمه. وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنيناً – طبعاً هل ثبت أن مُعاوية قال هذا أم أن الواقدي روى هذا؟ الواقدي روى هذا، والواقدي لا يُعوَّل عليه عندهم، عند علمائنا من أهل السُنة لا يأخذون من الواقدي، هذا كما زيَّفه الحافظ الذهبي – وأعطاه من غنائم هوازن مائة بعير، وأربعين أُوقية – ويأتي اعتراض الذهبي، لو كان قديم الإسلام والنبي يعلم لم يتألَّفه؟ هذا الكلام غير مُنضبِط ومُتهافِت -. وكان هو وأبوه من المُؤلَّفة قلوبهم – هذه شهادة مَن؟ ابن الأثير الجزري في أُسد الغابة، قال من المُؤلَّفة قلوبهم، إذن لا يكون قديم الإسلام، هو من المُؤلَّفة -، وحسن إسلامهما، وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال النووي في شرحه للحديث أمراً هاماً، والآن احتجوا بشيئ أقوى من هذا، وطبعاً هذه ليست حُجة مُقابِل المشهور الثابت عند مُعظَم العلماء الذي لا يُستراب فيه أنه أسلم عام الفتح وهذا الظاهر، هذا الثابت المُتواتِر، من مُسلِمة الفتح هو، من الطُلقاء، لذلك هناك حديث ابن أبي شيبة وقد يكون رواه ابن عساكر عن الأسود بن يزيد، ورواه أبو داود الطيالسي ومن طريقه رواه ابن عساكر، لكن للأمانة العلمية ليس موجوداً فيما وصل إلينا من كتاب الطيالسي، يُقال الطيالُسي أو الطيالِسي، يُوجَد اختلاف في النسبة، على كل حال هو أبو داود الطيالسي، وهو مُتقدِّم على أبي داود السجستاني، والطيالسي مُتوفى في أول القرن الثالث، تحديداً في مائتين وأربع هجرية، أي بنحو نصف قرن على أبي داود السجستاني، إمام جليل أبو داود الطيالسي، في النُسخة التي بلغتنا وحُقِّقَت ونُشِرَت من أيام الشيخ عبد الرحمن البنا أبو الشيخ الشهيد الإمام حسن البنا ليس فيها هذا الأثر، لكن ابن عساكر في تاريخ دمشق – الكتاب العظيم – رواه من طريق الطيالسي، فقد يكون في النُسخ أو في القدر الذي لم يصلنا منه والله تعالى أعلم، ورواه مُختصَراً ببعض لفظه أبو بكر بن أبي شيبة في المُصنَّف، على كل حال هذه مخارجه، يقول الأسود بن يزيد قلت لعائشة – أم المُؤمِنين – يا أم المُؤمِنين ألا تعجبين لرجلٍ من الطُلقاء يُنازِع أصحاب محمد الخلافة أو قال هذا الأمر؟ يُنازِع مَن طبعاً؟ الإمام عليّاً، بماذا وسمه ونعته؟ من الطُلقاء، هذا كان واضحاً، عند الصحابة وعند التابعين الرجل طليق، كلمة طليق في حد ذاتها ليست مسبة وليست عاراً إلا من حيثية أن إسلامه تأخَّر، أي لم ينشرح صدره للإسلام إلا يوم الفتح، ولم يبق خيار حقيقي في النهاية، النبي لا يقتل ولكن في النهاية الناس كلهم أسلموا، العز والمُستقبَل والغزو والغنائم كلها للمُسلِمين، انتهى الأمر، فطبعاً ليس شرفاً أن تكون طليقاً، وبحد ذاتها ليست معرة أبدية، التعويل على ماذا؟ على العاقبة، هل حسن إسلامك؟ سوف نرى، نحن الذي نشهد به حسبما علمنا وقرأنا ودرسنا وسوف نقوله – إن شاء الله – أن هذا الرجل على ما يبدو – أعني مُعاوية – لم يحسن إسلامه حقيقةً، من مبدأ أمره إلى مُنتهاه لم يحسن إسلامه، وسوف نرى هذا فيما بعد إن شاء الله تعالى، المُهِم فقالت له وما يُعجِب؟ أي ما الذي يُثير العجب في هذا؟ إنه مُلك الله، يُؤتيه الله البر والفاجر، تُعرِّض بمَن؟ بمُعاوية، طبعاً أكيد هذا الأثر أحد أسباب نقمة الأُمويين على عائشة وسبهم لها في مُنتدياتهم ومجالسهم، كانوا يُسبونها، يُسبونها بشكل عادي، قالت يُؤتيه الله البر والفاجر وقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة، قالت له ماذا فيها؟ هكذا أراد الله عز وجل، هذا الطليق الفاجر – عن مُعاوية – سمح الله له بهذا، ماذا نفعل؟ هذا غير مُعجِب، هذا يحدث، ليس شرطاً دائماً أن الصالحين هم الذين يصلون إلى سُدة الحُكم، يُمكِن حتى للفجرة أن يصلوا، كلام عائشة قوي، فهذا دليل نعتمده نحن أيضاً على أن مُعاوية كان طليقاً، عائشة أقرت هذا ولم تُنكِره، ومعروف – كما قلنا – على كل حال، لكن هم يحتجون بدليل قوي، حديث رواه أحمد – لأنه سابق على الشيخين طبعاً – والبخاري ومُسلِم وأبو داود والنسائي في الكُبرى وكثيرون، أن مُعاوية كان يقول قصَّرت عن رسول الله بمشقصٍ على المروة، وفي بعض الروايات في ليالي العشر، أي في الحجة، يُريد بالليالي العشر حجة الوداع، يقول وعلى المروة، وهذا الكلام طبعاً مُتناقِض، والحديث كما قلنا في البخاري ومُسلِم ورواه أحمد من قبل طبعاً والنسائي في الكُبرى والصُغرى وغيرهم كثير، فقالوا هذا الحديث دليل على تقدم إسلام مُعاوية، لماذا؟ لأنه حكاية الليالي العشر ليست في البخاري وليست في مُسلِم، في كتب ثانية للسُنن سوف نراها، فلا تُوجَد الليالي العشر، وبعد ذلك على المروة مذكورة في بعض طرق الحديث، في أكثرها مذكورة، وفي بعضها غير مذكورة أيضاً، فلماذا لا يكون هذا نوع من الخبط والخبط صار في الأثر ومُعاوية يقصد أنه قصَّر عنه في عُمرة سابقة وهي عُمرة القضية؟ لعله لا يكون كافراً في العُرُش كما قال سعد، لكن سعد قال هذا يومئذ كافر بالعُرُش، قالوا لا، ابن حجر في فتح الباري قال لا، سعد يُخبِر عن حاصل علمه، عن محصوله هو، الذي يعرفه أن مُعاوية كان كافراً لكن مُعاوية كان مُسلِماً، يُسِر إسلامه من أبيه أو من أمه من أجل النفقة والمصروف، لكن انظر إلى التناقضات التي ستأتي، شيئ غريب سوف نُحاسِبه، اليوم بقية كلامنا عن إسلام مُعاوية في هذه النُقطة بالذات، لم نعد نفهم هل قصَّرت عنه في الحج أم في العُمرة؟ وهل قصَّرت عنه في المروة أم في غير المروة؟ وإذا كان في عُمرة فمتى؟ ومتى النبي قصَّر؟ ومتى حلق؟ مباحث كثيرة مُشتجَرة نُريد أن نُحقِّق فيها القول حتى نفهم، والعجيب أيضاً أن التابعين كانوا يُنكِرون هذا على مُعاوية، قالوا لا، لم يُكذِّبونه ولكن كانوا يُنكِرونه، وبعض شرّاح مُسلِم قالوا أكيد مُعاوية حدث عنه لبس لأنه كبر وكان عمره فوق الثمانين سنة، فبدأ يُدخِل الخميس في الجمعة، ربما هذا حدث لكن الموضوع له أصل، الآن سوف نقرأ ماذا قال الحافظ ابن حجر ومن قبله ماذا قال الإمام النووي وماذا قال بعض الشرّاح وسوف نقرأ بعض نصوص هذا الحديث ثم نتكلَّم ونستخلص الخُلاصة ومن ثم سوف نفهم، إن زيَّفنا هذا الدليل على أنه دليل على قِدم إسلامه سوف يبقى ثابتاً أن مُعاوية من مُسلِمة الفتح، طليق ومُؤلَّف، وسوف نرى ذلكم أيها الإخوة.

الآن الحديث – كما قلت لكم – أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي في الكُبرى وفي الصُغرى، عند البخاري عن طاوس – اليماني – عن ابن عباس عن معاوية قصَّرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص، لا تُوجَد المروة هنا كما قلنا ولا الليالي العشر، في البخاري قال قصرت بمشقص، مثل مقص صغير قصَّر به، أي أخذ من شعره، هل هذا واضح؟ في صحيح مُسلِم عن طاوس – من نفس الطريق هنا، أعني السند – قال قال ابن عباس قال لي مُعاوية أعلمت أني قصَّرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة – إذن هذه الزيادة عند مَن؟ عند مُسلِم دون البخاري، ذكر فيها المروة – بمشقص؟ فقلت له – ابن عباس – لا أعلم هذا إلا حُجةً عليك، لماذا قال حُجة عليك إذن؟ لأن مُعاوية كان ينهى عن المُتعة في الحج، ينهى عن التمتع في الحج، قلت لكم انتبهوا حتى نفقه النصوص، مُعاوية كان يحظر على الناس أن يتمتعوا في أشهر الحج، قال له أنت تقول قصَّرت عند المروة، ما دام النبي أحل عند المروة فالحديث عن عُمرة، الإحلال في الحج أين يكون؟ في منى، أليس كذلك؟ أنت لم تقل في منى، قلت عند المروة يا مُعاوية، هذا يعني أنك تتكلَّم عن ماذا؟ ولا يزال يُوجَد شيئ هنا مسكوت عنه، ومتى كان هذا؟ كأن ابن عباس يُصادِر على مُتبنى معروف – قضية معروفة – أن مُعاوية من مُسلِمة الفتح، فهذا قطعاً سوف يكون في حجة الوداع، أليس كذلك؟ لأنك لم تُسلِم قبل هذا، والنبي هذه قرن فيها، وهنا يُوجَد تهافت في الكلام أيضاً، هذا الكلام لا يصح، لأن النبي في حجة الوداع بالأحاديث الصحاح الملاح الكثيرة وخاصة في مُسلِم – ساقها مُسلِم في سياقها واحدة – حلق شعره، وإنما حلقه بمنى، هناك أحل أيها الإخوة، بمنى وليس على المروة، ولا يُوجَد تقصير، فعلى كل حال كأن ابن عباس يتنزَّل إن ثبت هذا كله – لكن الحديث في الصحيح – ويُرخي له العنان، يقول له لو سلَّمنا بقولك ومعروف متى أسلمت أنت فالكلام هذا سوف يكون في حجة الوداع، وتقول لي في المروة، هذا يعني أن النبي اعتمر، فالكلام عن عُمرة، ولذا قال فلا أعلم هذا إلا حُجةً عليك، أنتم رأيتم أين الخلط والخبط بين الموضوعات، خلط عجيب، ولذلك الذي يُريد أن يتكلَّم في الأحاديث ويقرأ الأحاديث لابد أن يُعمِل ملكة النقد للمتن، ينظر إلى المتون وليس إلى الأسانيد فقط، ينبغي أن ينظر إلى المتون ويرى التخبيص والخلط، هذا دخل في هذا، كلام لا يستقيم على كل حال!

عن ابن عباس أن مُعاوية أخبره قال قصَّرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على مروة أو رأيته يُقصَّر عنه بمشقص وهو على المروة، يُوجَد ترديد هنا، إما هو قصَّر أو رآه يُقصَّر عنه، والحديث رواه أحمد وأبو داود بهذا الترديد، قال قصَّرت أو رأيته يُقصَّر عنه، وهذه أيضاً مُشكِلة جديدة!

في مُسنَد أحمد عن طاوس عن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات وعثمان حتى مات – كلهم جمعوا هذا الشيئ، تمتعوا في أشهر الحج، رضيَ الله عنهم -، وكان أول مَن نهى عنها مُعاوية، قال ابن عباس فعجبت منه وقد حدَّثني أنه قصَّر عن رسول الله بمشقص، لكن هذا إسناده ضعيف!

عن عطاء – عطاء بن أبي رباح طبعاً – أن مُعاوية بن أبي سُفيان بن حرب أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو مُحرِم والناس يُنكِرون ذلك، عطاء يقول والناس يُنكِرون ذلك، التصريح الآن “في أيام العشر” مذكور في هذه الرواية، أرأيتم؟ قال في أيام العشر، التصريح بأنه في أيام العشر رواه النسائي في الصُغرى وفي الكُبرى، مذكور في الكُبرى وفي المُجتبى من الكُبرى، أيضاً وفيه قال قيس – مَن قيس؟ قيس بن سعد، هذا الراوي عن عطاء – والناس يُنكِرون هذا على مُعاوية، وسوف نرى لماذا يُنكِرون هذا على مُعاوية، ما هي أسباب الإنكار أيها الإخوة؟ وطبعاً شرحت لكم هذا على عجل، لأنهم فهموا أنه كان في الحجة، أعني حجة الوداع، يقول الأيام العشر، أليس كذلك؟ النبي حج حجة واحدة، يقول قصَّرنا عنه في أيام العشر، وأين؟ عند المروة، قصَّرت لكن النبي حلق، وحلق بالمنى ولم يُقصِّر بالمرة، قالوا إذن الكلام كله ليس له أصل، هذا الكلام غير مفهوم لماذا يقوله مُعاوية، لم يتهموه بأنه يكذب لكنهم قالوا نحن نُنكِره، لا نُسلِّم هذا الكلام، قال قيس – قيس بن سعد وهو الراوي عن عطاء – والناس يُنكِرون هذا، على كل حال كلام طويل وهناك عدة تخريجات لا نُريدها الآن، نعود إلى كلام النووي، ماذا قال النووي في هذا الخصوص؟

قال في شرحه على مُسلِم هذا الحديث محمولٌ على أن مُعاويةَ قصَّر عن النبي في عُمرة الجعرانة، وهذا الحمل استروح إليه ابن القيم وآخرون، ولسنا نستروح إليه، هل تعرفون لماذا؟ لما ورد عند الترمذي وغيره – والعلماء تقريباً يتفقون على هذا، لم يُشكِّكوا فيه – أن عمرة الجعرانة أسرها النبي جداً، عُمرة سرية كانت هذه، بعد أن قسم غنائم هوازن – حُنين – وعاد من حصار الطائف عاد بالليل وصلى بالعشاء ثم دخل عند زوجه، كأنه يُريد أن ينام، فانصرف كلٌ منهم إلى أهله وناموا، كانوا مُتعَبين، فخرج النبي في خاصةٍ له ومعهم الإمام عليّ السلام، فهو خرج في خاصة، أفراد قليلين خرج معهم واعتمر، ثم عاد فأُذِّن للفجر وهو عند أهله، فخرج وصلى بالناس، لم يعلم بها إلا قلة، ومن هنا وقع إنكار عُمرة الجعرانة، بعض الصحابة أنكروها وقالواه ذا غير موجود، متى؟ أين حدث هذا؟ لأنها كانت سرية، بالحتم والحري مُعاوية لم يكن معهم في هذه العُمرة، لأن النبي خص بها فئة قليلة جداً، أفراد معدودين على الأصابع ذهبوا معه تحت جِنح الليل في الظلام، فالنووي يقول في عُمرة الجعرانة، أين هذا يا إمام؟ كيف في عمرة الجعرانة؟ مُعاوية لم يعرف بها حينها، هذه عُمرة سرية، فهذا الاسترواح ليس في محله، ثم يقول لأن النبي في حجة الوداع كان قارناً – وأنتم تعرفون القارن، لا يحل له إلا ماذا؟ قال الله حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۩، أين يكون في النهاية؟ في منى، أليس كذلك؟ ما علاقة المروة وما المروة؟ والنبي ثبت عنه أنه في حجة الوداع حلق ولم يُقصِّر، فهو حلق ولم يُقصِّر – وثبت أنه حلق بمنى وفرَّق أبو طلحة شعره – كان حلّاقه أبو طلحة الأنصاري – بين الناس، فلا يصح حمل تقصير مُعاوية على حجة الوداع – يقول النووي هذا – ولا يصح حمله أيضاً على عُمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن مُعاوية لم يكن يومئذ مُسلِماً إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول مَن حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش ، فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مُتمتِعاً – تمتع بالعُمرة إلى الحج فقصَّر لأجل العُمرة وحلق لأجل الحج، لأن النبي ساق الهدي وكان قارناً – لأن هذا غلطٌ فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث في مُسلِم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ما شأن الناس حلوا من العُمرة ولم تُحل أنت من العُمرة؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر – قال الله حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۩، إذن هو قارن، هذا يعني أنه لم يكن مُتمتِعاً وإلا لحل قبل أن ينحر، بل كان قارناً – الهدي. هذا كلام الحافظ النووي، بعضه كلام قوي وجيد وبعضه كما رأيتم وعلَّقنا عليه!

الآن بعد الروايات لي بعض المُلاحَظات:

أولاً ابن عباس لم يُؤكِّد ادّعاء مُعاوية، لم يقل له بلى، هذا مضبوط، أنت مُحِق، لم يقل له هذا، وإنما أخذه حُجةً عليه في إنكاره ونهيه عن المُتعة في أشهر الحج، لم يقل له بلى وإنما قال لا أعلم هذا إلا حُجة عليك، ابن عباس لا يعرف، متى قصَّرت عنه؟ بل صرَّح في بعضها بالنفي، حديث رواه الإمام أحمد في المُسنَد، رقم ستة عشر ألفاً وتسعمائة وثلاثة وثلاثين، وهو صحيح، رواه بسند صحيح، قال له لا، قال له أما تعلم أنني كذا وكذا؟ قال له نعم ما أعلم، متى قصَّرت؟ أي أنه أنكر، هذا التصريح بالنفي مُهِم، على أنه صرَّح أن مُعاوية في الحديث عند الإمام أحمد ليس مُتهَماً في حديثه، قال وليس يُتهَم، لكن أنا أقول لا، لا أعرف هذا الكلام، ثانياً التقييد بالمروة “على المروة” غير وارد في صحيح البخاري كما رأينا، وارد أين؟ عند مُسلِم وغيره، لكنه زيدَ، في رواية مُسلِم وأبي داود والنسائي هذا مذكور، ثالثاً كونه كان على المروة يُعيِّن أن ذاك التقصير كان في عُمرة لأنه – صلى الله عليه وسلم – لم يُقصِّر في حجته بل حلق، هذا مُهِم لكي نُنظِّم الأفكار، إذن لابد أن نُخرِج حجة الوداع قولاً واحداً، يبقى الكلام في العُمر، وعندنا عُمرة الحُديبية وعندنا عُمرة الجعرانة، مُستحيل أن يُقال في الحُديبية، الصحابة الذين خرجوا مُنِعوا عن البيت، وصُدوا عن البيت، فهذا لم يحدث وهو لم يقل هذا، فهذا مُستحيل، وعُمرة الجعرانة سرية، ليس له فيها أي مُدخَلية، ما العُمرة التي بقيَت؟ عُمرة القضية، عُمرة القضية سنة سبع، لي أن أُلاحِظ هنا – حتى لا أنسى ولعلي لم أكتب هذا – وجود شيئ مُتهافِت هنا يُزيِّف هذا الكلام بضربة واحدة، أنت تقول أنا لم أجهر وأستعلن بإسلامي إلا يوم الفتح، كيف في عُمرة القضية ذهبت وقصَّرت عنه؟ هذا يعني أن الدنيا كلها عرفت أن مُعاوية كان صحابياً وأسلم، ما هذا الكلام؟ وهذا لم أجد من قاله، هذا قولي لكنه واضح جداً، أليس كذلك؟ أنت تقول أنك أسريت، رواية الزُبيري هذه وغيرها، الكل قال أنك أسريت، وطبعاً لم يُعلَن هذا إلا يوم فتح مكة، ولذلك الناس أنكروا إسلامه، كيف قصَّرت؟ لعله كان يرتدي قناعاً – Mask – حينها، لا أعرف، كيف ذهبت وقصَّرت؟ هذا يعني أنك محمدي، أنت مُسلِم عادي، إذن هذا مُتناقِض وانتهى الأمر، الموضوع لا أصل له، إما أن يكون كُذِبَ على مُعاوية أو هو لبَّس على الناس، لابد أن أحكي ضميري، إن ثبت أن مُعاوية قال هذا إما أن يكون لبَّس على الناس بكلامه هذا لعلة في نفسه حتى يُوهِمهم أنه قديم الإسلام وأنه ليس طليقاً وإما كُذِبَ عليه، هل تعرفون كيف؟ انتبهوا إلى حديث الأسود، ومُعاوية كان داهية، أنا أفهمه، هكذا عقلي – عقل عدنان – البسيط الصغير، هذا الرجل داهية وخبيث كبير جداً يا جماعة، داهية بمعنى الكلمة مثل دُهاة السياسة، يسمع الاعتراضات، بعض الناس تقول أنه طليق، كيف يُصبِح طليق خليفة يا جماعة؟ هذا لا يصح، لماذا؟ لأن عمر قال وهو يُسلِم الروح الطاهرة ويُنازِع هذا الأمر في البدريين ما بقيَ منهم واحد، فإن لم يكن فهو في أصحاب أُحد ما بقيَ منهم واحد، فإن لم يكن فهو في أصحاب السمرة – بيعة الرضوان – حتى يقول: وليس في هذا الأمر لطليق أو ابن طليق شيئ، قال الإمام ابن الأثير الجزري في أُسد الغابة أخرجه الثلاثة، مَن الثلاثة؟ ابن منده وأبو نُعيم وابن عبد البر في الاستيعاب، هذا اصطلاح فانتبهوا ولا تُخلِطوا، هذه اصطلاحات وكل أحد عنده اصطلاحه، الإمام ابن الأثير في أُسد الغابة قال الثلاثة وذكر هذا في أول مُجلَّد، الثلاثة هم هؤلاء: الحافظ ابن منده والحافظ أبو نُعيم في معرفة الصحابة وأيضاً ابن عبد البر في الاستيعاب، فطبعاً هذه شُبهة كبيرة، ولذلك أتى يحكي العجب العاجب الأسود بن يزيد عن أم المُؤمِنين عائشة رضيَ الله عنهما، يقول له ألا تعجبين من رجل طليق يُنازِع أصحاب محمد الخلافة؟ علماً بأنه ميَّز هنا بين الصُحبة وبين الطليق، قال أهذا صحابي؟ أصحاب محمد القدماء مثل عليّ يا جماعة، عليّ عليه السلام يُنازَعه طليق في الخلافة، والموضوع كان مفهوماً عندهم، لم يقل يطلب دم ابن عمه، هذا غير صحيح، هم يعرفون هو يطلب ماذا، لم يُصدِّق أحد دعواه!
لكي أشفي غيظكم – لأن إلى الأسابيع المُقبِلة يُمكِن أن تتألَّموا – سأقول كلمة على السريع وهذا بخلاف المنهج العلمي، لكن على السريع سأقول أن ابن تيمية – رحمه الله – يا جماعة قال شيئاً هاماً في منهاج السُنة، المُجلَّد الرابع، في صفحتي أربعمائة وسبع وأربعمائة وثماني، انتبهوا إلى هذا، جنَّنونا بحكاية مُعاوية اجتهد فأخطأ وأنه كان يُطالِب بدم عثمان، كان يُريد أن يقتص من القتلة، كان يُريد كذا وكذا، ونحن نقول سيدي عليّ أخطأ، أجرم عليّ – عليه السلام – وحاشاه ولم يُمكِّنه من أن يقتص ولم يقتص هو لعثمان، أنت أصبحت خليفة بقدر الله وبما حدث، هل اقتصيت لمُعاوية أم أغلقت الملف مُباشَرةً؟ أين ذهبت دماء سبعين ألف رجل بحُجة أنك تطلب بدم عثمان؟ ما القصة؟ اسمعوا ابن تيمية ماذا يقول، قال ولا حاجة إلى هذه الأعذار بل لم يكن عليٌّ مع تفرق الناس عليه مُتمكِّناً من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة – هنا يُدافِع عن عليّ – تزيد الأمر شراً وبلاءً ودفع أفسد الفاسدين – أي الأمرين الفاسدين – بالتزام أدناهما أولى من العكس لأنهم كانوا عسكراً وكان لهم قبائل تغضب لهم والمُباشِر منهم للقتل وإن كان قليلاً فكان ردؤهم أهل الشوكة – المفروض ردءهم أهل الشوكة، هذا أحسن – ولولا ذلك لم يتمكَّنوا ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان قام بسبب ذلك حرب قُتِل فيها خلق، ومما يُبيِّن ذلك أن مُعاوية – هذا نص مُمتاز من ابن تيمية – قد أجمع الناس عليه بعد موت عليّ – صار هو الخليفة ولم يُنازِعه أحد، الحسن تنازل والأمر استوثق له – وصار أميراً على جميع المُسلِمين ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا، بل رُويَ عنه أنه لما قدم المدينة حاجاً فسمع الصوت في دار عثمان يا أمير المُؤمِنيناه، يا أمير المُؤمِنيناه فقال ما هذا قالوا بنت عثمان تندب عثمان – سمعت أن مُعاوية ابن عمها جاء وهو خليفة فصارت تستغيث به، أين دم أبي؟ خُذ لي بدم أبي، تنعى وتندب بنت عثمان الشهيد – فصرف الناس ثم ذهب إليها فقال يا ابنة عم إن الناس قد بذلوا لنا الطاعة على كره وبذلنا لهم حلماً على غيظ – لا تقل لي أجمع الناس عليه ولا تقل لي هذا برضاهم، الناس وافقوا باستثناء أهل الشام وكأنهم يتجرَّعون كأساً من السم الزؤام، وغضبوا من الحسن عليه السلام لأنه كان تنازل، وكان الموت أحب إليهم والقتل والتقتيل من أن يتنازل لمُعاوية، يقولون لك أجمع عليه ويتحدَّثون عن عام الجماعة، هنا يعترف هو، قال بالكره وبالغيظ، هذا هو طبعاً، واضحة الأمور، الله أكبر يا أخي، الحق دائماً بفضل الله لابد أن يبرز مهما حدث، الحق لا يُمكِن أن يُدفَن، الحق لا يُدفَن، هذا صعب، الحق من الحق لا إله إلا هو، لكن لمَن كان له عقل، لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ۩ – فإن رددنا حلمنا ردوا طاعتهم، ولأن تكوني بنت أمير المُؤمِنين خيرٌ من أن تكوني واحدة من عرض الناس فلا أسمعنك بعد اليوم ذكرت عثمان.

نطق الحق، ثم يُدلَّس علينا وعلى أمة محمد كلها ويُقال مُعاوية اجتهد فأخطأ وكان طالباً بثأر عثمان، لا والله ما صدقتم، لا والله، وواضح من كلام الأئمة الذين قرأنا لهم وغيرهم أن الرجل كان طامعاً في مُلك، كان يُريد مُلكاً فلما استوثق الأمر كله له من كل ناحية أغلق ملف عثمان إلى الأبد، قال فلا أسمعنك بعد اليوم ذكرت عثمان، رضيَ الله عن عثمان، هل فهمتم؟ هذه أسلفتكم إياها على عجل حتى لا يبقى في قلبكم شيئ من هذا الكلام، لكن سوف نعود إلى الموضوع هذا إن شاء الله، هذا ابن تيمية بنفسه الذي يقول هذا، ابن عليه شيئاً يا ابن تيمية، ابن يا ابن تيمية شيئاً وقل لأجل الله ولأجل الحق هذا يُبيِّن – إن ثبت – أن مُعاوية كان يُخادِع الناس ويُخاتِلهم وما كان مُراده من كل ركب بالناس إلا المُلك، فلما حصَّله ترك كل شيئ من مزاعمه وأفائكه، قل هذا يا ابن تيمية، لكن لسنا بحاجة، يكفينا منك أنك قلت هذا وكتبته، يكفي والله المُستعان.

إذن كون مُعاوية كان في عُمرة القضاء وقصَّر عن النبي لا يصح بأي طريقة من الطرق، هذا غير معقول، لأنه يزعم أنه كان يستسر بإسلامه، فكيف نزلت من العُرُش الذي شهد سعد أنك كنت كافراً فيها وقصَّرت عن رسول الله؟ صلى الله على محمد وآله، من أين هذا الكلام؟ كلام مُتناقِض، عجزه يرد على صدره، كلام مُتهافِت مُتكاذِب، هذا كلام مُتكاذِب غير مُتصادق ومُتهافِت غير مُتآزِر، فيُلقى به في كل وعر وحزن، لا يُلتفَت إليه، ولذلك لم يُدرِك مُعاوية من عُمر النبي الأربع إلا ثنتين، ذكرت لكم أن النبي اعتمر أربع عُمرات أو أربع عُمر، معاوية لم يُدرِك منهن أو منها – يُمكِن أن نقول منهن – إلا ثنتين، وهما الأخيرتان، العُمرة التي كانت في الحج والنبي كان قارناً وعُمرة الجعرانة، الجعرانة سرية، وفي الحج النبي أحل بمنى وحلق، أبو طلحة حلق له، لا يُوجَد تقصير على المروة ولا كل هذا الكلام، ومُحال أن يكون إذن في عُمرة القضية فضلاً عن أن يكون في الحُديبية، بدليل – كتبت هذا في الورق – أن الروايات التي تدّعي إسلامه في القضية تذكر أنه كان يكتم إسلامه، فكيف يتأتى له الكتم وهو مع النبي يُقصِّر عنه بعض شعره وقومه بالعُرُش كالمطرودين – لا يصح، فالحمد لله الذي أفلج حُجة الحق وأهله، الأمور واضحة، قال والتحقيق أنه أسلم عام القضية، أين التحقيق يا بابا؟ أين التحقيق؟ هل هذا تحقيق؟ كيف تُحقِّقون؟ بأي منهج أنتم تزنون الأمور؟ لكن هوى في نفوسهم، أرادوا أن يُكسِبوه منقب وفضيلة لم يمنحه إياها الله تبارك وتعالى، إِنَّا لِلّهِ ۩ – على أنه ورد في بعض الروايات قوله وذلك في حجته؟ علماً بأن هذه أدهى وأمر، يقول في أيام العشر ويقول في حجته سواء الراوي أو مُعاوية الذي كان يُصرِّح، وهذا مُحال، وقلنا لماذا هو مُحال، الرسول حلق ولم يُقصِّر وفي منى وليس في المروة، انتهينا من هذا الأمر، هذا مُستحيل يا إخواني!
سنرى بعض كلام الشرّاح، ماذا قال محمد الأمين الهرري في الكوكب الوهّاج والروض البهّاج في شرح صحيح مُسلِم بن الحجّاج؟ هذا أوسع شرح على صحيح مُسلِم، هذا العالم مات من زُهاء مائة سنة أو أقل بقليل رحمة الله عليه، كان نزيل مكة وهو عالم صومالي هرري رحمة الله عليه، كتب شرحاً مُوسَّعاً جداً وهو الكوكب الوهّاج والروض البهّاج في شرح صحيح مُسلِم بن الحجّاج، قال الشيخ محمد الأمين – رحمة الله عليه – وأما ما جاء في بعض الروايات من قوله وذلك في حجته فمحمولٌ على سهوه – قال مُعاوية بدأ يخلط الأمور، هذا مُستحيل – وكان قد جاوز الثمانين – قال أكيد بدأ يخلط ويسهو لأن عمره أصبح فوق الثمانين – مع كثرة شواغله وكذا ما رُويَ من زيادة قوله وذلك في أيام العشر – يعني الحج، وهناك حجة واحدة، فيعني أن هذا في حجته – فإن عُمراته صلى الله عليه وسلم كانت كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته. قال ربما سها، وهذا يعني أنه رد هذا الكلام، قال هذا غير معقول، لا تقل لي في حجته، هذا غير معقول، ماذا عن العُمر؟ رأينا أيضاً أن هذا كله غير معقول، هذا مُستحيل!

سنرى كلام الحافظ الذي هو من فتح الله، أستغرب – سبحان الله – من هذا الكلام، قال هذا من فتح الله علىّ، قال الحافظ – رحمة الله عليه – في الفتح، باب الحلق والتقصير عند الإحلال: قوله (قصَّرت) – حديث مُعاوية – أي أخذت من شعر رأسه، وهو يشعر بأن ذلك كان في نُسك – أي في حجة أو في عُمرة طبعاً، أين قصَّر؟ طبعاً أما في حجة أو في عُمرة -، إما في حج أو عُمرة، وقد ثبت أنه حلق في حجته – لم يُقصِّر – فتعيَّن أن يكون في عُمرة، ولا سيما وقد روى مُسلِم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة – لأنه لو كان في الحج لكان في منى، ابن حجر يقول فلابد ألا يكون في حج، لابد أن يكون في عُمرة -، وهذا يحتمل أن يكون في عُمرة القضية – سنة سبع – أو الجعرانة – لابد أن يكون هذا في واحدة من الاثنتين ومن ثم سيتردد الكلام بينهما، لكن في الحُديبية مُستحيل طبعاً – لكن وقع عند مُسلِم من طريق أخرى (فقلت له – ابن عباس – لا أعلم هذه إلا حُجةً عليك) وبيَّن أن المُراد من ذلك في رواية النسائي هذه حجُة على مُعاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأحمد من وجهٍ آخر عن طاوس، عن ابن عباس قال: تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات. الحديث وقال (وأول من نهى عنها مُعاوية. قال ابن عباس: فعجبت منه، وقد حدَّثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص). وهذا – ما المُراد بهذا؟ احتجاج ابن عباس على مُعاوية – يدل على أن ابن عباس حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع – لأننا طبعاً نتحدَّث عن التمتع – لقوله لمُعاوية (إن هذه حُجة عليك) – العُمرة في أشهر الحج – إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على مُعاوية حُجة – وهذا صحيح، هذا اعتراض أيضاً، فلابد أن يكون هذا الآن في الحج بهذا اللفظ، ومُستحيل أن يكون هذا في الحج، يُوجَد تناقض ولذلك أُنكِرَ على مُعاوية الكلام هذا، أنكره التابعون، قالوا الكلام كله لا ينتظم -. وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد، عن عطاء (أن مُعاوية – قرأنا هذا الحديث – حدَّث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر – واضح أنه يتحدَّث عن الحجة – بمشقص معي وهو مُحرِم) وفي كونه في حجة الوداع نظرٌ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُحِل حتى بلغ الهدي محله فكيف يُقصَّر عنه على المروة؟ – هذا لا يصح، هذا مُستحيل – وقد بالغ النووي هنا في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع – كلام طويل، والله تعبت، رأسي الآن صُدّع، كم ساعة أتكلَّم؟ قُرابة ست ساعات مُتواصِلة، كلام طويل يُمكِن أن تعودوا إليه في فتح الباري كما قلت لكم، حاول أن يجمع بين أشياء لكن سأقرأ الكلام حتى لا نُتهَم، لابد أن أقرأه والله المُستعان – فقال: هذا الحديث محمولٌ على أن مُعاوية – قرأنا كلام النووي، هو ذكر الكلام الذي قرأناه من المنهاج شرح النووي – قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عُمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارناً وثبت أنه حلق بمنى وفرَّق أبو طلحة شعره بين الناس، فلا يصح حمل تقصير مُعاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضاً على عُمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن مُعاوية لم يكن يومئذ مُسلِماً إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مُتمتِّعاً لأن هذا غلطٌ فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر.

ماذا قال الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه؟ ولم يذكر الشيخ هنا ما مر في عمرة القضية، والذي رجَّحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، لكن يُمكِن الجمع – هنا نعترض على ابن الجمع، يُمكِن الجمع يا حافظ الإسلام لو صح السند، وأنتم لا تُصحِّحونه، فلم نجمع؟ صحَّ وتواتر إسلامه يوم الفتح، كيف تجمعون بين ما صح وثبت وبين شيئ لم يثبت عندكم أصلاً وهو أنه أسلم قبل ذلك؟ – بأنه كان أسلم خُفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكَّن من إظهاره إلا يوم الفتح – لكن مع ذلك قصَّر، ما هذا الكلام؟ أين أنت من قصَّر؟ كيف؟ غير معقول -. وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة مُعاوية – وهذه ليست طريقة الحافظ ابن حجر، ابن حجر لا يحتج بكتاب تاريخ وإنما يحتج بالأسانيد، وهذا لم يرو بإسناد يثبت عن مُعاوية في تاريخ ابن عساكر أصلاً – تصريح مُعاوية بأنه أسلم بين الحُديبية والقضية – رواية الواقدي، ورواها ابن عساكر من طريق ابن سعد، هذه غير مقبولة عندكم – وأنه كان يخفي إسلامه خوفاً من أبويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل في عُمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظروه – أي حتى لا ينظروا إليه – وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل مُعاوية كان مِمَن تخلَّف بمكة لسببٍ اقتضاه – انظر إلى هذه اللعلات وفتح باب الاحتمال، يقول ابن حجر هذا مُمكِن، وأنا أقول أيضاً لابن حجر لعل كلامك هذا يكون صحيحاً لكنه لو قصَّر عنه في تلك العُمرة سيُشتهَر أمره مُباشَرةً وستعرف كل الناس أن مُعاوية مُسلِم ولا يبقى مُستسِراً إلى يوم الفتح بعدها بسنة، هذا مُستحيل، أين هذا؟ قال يُمكِن ألا يكون في العُرُش مثلما قال سعد، لعله نزل وتخلَّف فذهب وقصَّر عن النبي، يا سلام -، ولا يُعارِضه أيضا قول سعد بن أبي وقاص – الذي عارضه به أين؟ في الإصابة، قال هذا مُعارِض لقول سعد، وهو يومئذ كافر بالعُرُش – فيما أخرجه مُسلِم وغيره “فعلناها – يعني العُمرة في أشهر الحج – وهذا يومئذ كافر بالعُرُش” بضمتين يعني بيوت مكة، يُشير إلى مُعاوية لأنه يُحمَل على أنه أخبر – سعد بن أبي وقاص – بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يُخفيه.

ألم يره وهو يُقصِّر؟ يا سيدي سلَّمنا، ألم يسمع بهذا؟ كلام غير معقول، هذه إرادة الإنسان لكي ينتصر لرأيه بحُجج مُتهافِتة ضعيفة، سلَّمنا أنه تخلَّف وجاء ونزل وقصَّر والصحابة تواصوا أن يكتموا عن أبيه وأمه وكفار قريش، فهل كتموه عن سعد؟ ومثل هذا لا يُكتَم، ابن زعيم مُحزِّب الأحزاب وكبير سدنة الكفر والشرك في مكة يُسلِم، ابن أبي سُفيان، علماً بأنه زعيم عبد شمس، بعد موت أبي هند عُتبة صار زعيم بني عبد شمس أبو سُفيان، قبل ذلك كان الزعيم أبو هند، معروف أنه زعيم بني عبد شمس، مات في بدر إلى غير رحمة الله مُشرِكاً كافراً فصار أبو سُفيان الزعيم، هذا ابن زعيم بني عبد شمس وأسلم، كل الصحابة سيتسامعون بهذا، بل سيرونه أصلاً وهو يُقصِّرعن النبي، أليس كذلك؟ لماذا سعد يثبت عنه في خلافة مُعاوية وفي أيام الحج أيضاً ما ثبت؟ أعتقد كانوا بمكة أو بمنى، وسمع سعد من أحد الرجال من التابعين ينهى عن المُتعة وما إلى ذلك فقال له بئس ما قلت، قال لا يفعلها إلا جاهل، الذي يعتمر في أشهر الحج جاهل، فقال له سعد بئس ما قلت يا ابن أخي، قال للضحاك بئس ما قلت…. إلى آخره، ثم قال له في رواية أطول فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعُرُش، فسعد واضح عنده، لم يُسلِم إلا يوم الفتح، كلام لا وزن له حقيقةً وفي مُنتهى الضعف، شيئ عجيب، لعله ولعله ولعله، لذلك قال لي مرة العلّامة البوطي والله يا أستاذ أنا حين أقرأ للعلماء الكبار – وذكر لي ابن حجر بالذات، قال مثل ابن حجر – أجد أحياناً لهم بعض التمحلات والأجوبة التي في مُنتهى الضعف والتهافت، قلت له هذا صحيح طبعاً، ليس معنى أنه عالم كبير وإمام كبير أن كل ما يقوله لابد أن يُسلَّم ويكون صحيحاً، عندهم بعض الجوابات والأشياء في مُنتهى الضعف والتهافت، وعندهم أشياء حين نقرأها نقول سبحان مَن خلق لهم هذا العقل حتى فهموا هذا الفهم، سبحان الله!

هذا كتاب للإمام القرطبي هنا وكنت أُحِب أن أقرأ لكم شيئاً منه، الإمام القرطبي – رحمة الله تعالى عليه – هنا يذكر شيئاً هاماً وهو يتكلَّم عن معركة الجمل، لدينا حديث الحوأب “أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوأب”، هذا الحديث وثَّقه الألباني، فيقول الإمام القرطبي في التذكرة، الجزء الثاني، صفحة مائتين وسبع وستين: والعجب من القاضي أبي بكر بن العربي – المالكي صاحب العواصم من القواصم – كيف أنكر – في العواصم أنكره – هذا الحديث – في كتبه منها في كتاب العواصم من القواصم وذكر أنه لا يُوجَد أصلاً – كما قال ابن تيمية في حديث يطلع عليكم، قال لا يُوجَد، لكن هو موجود وبإسناد قوي، ابن العربي أنكره، الإحاطة لله، طبيعي أن يحدث هذا مع الإنسان، لكن المُهِم هو ماذا قال الإمام القرطبي – وأظهر لعلماء المُحدِّثين بإنكاره غباوةً و جهلاً – ومَن يقرأ القرطبي في تفسيره يعلم كم وكم عوَّل على الإمام ابن العربي، يستفيد منه كثيراً وهو في رُتبة أشياخه، ولكن حين تأتي بشيخ غبي وبليد سوف نقول هذا غباء وبلادة، غباء وجهالة، هذا الإنصاف، بعد صحيفة واحدة: قال أبو بكر بن العربي ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز كذا وكذا، أي أنه يحتج به ويأخذ بكلامه، حين تُحسِن سوف نقول لك أهلاً وسهلاً ونأخذ بكلامك، وحين تأتي بكلام جاهل وغبي سوف نقول نقول هذا الكلام جاهل وغبي، هذا الإنصاف، بعض الناس يأخذون علينا وتحديداً علىّ أنا شخصياً أشياء، يقولون عجيب الرجل هذا، مرة يترحَّم ويُقدِّس سره ومرة يُسفِّه رأيه، نعم حين يقول رأياً سفيهاً وضعيفاً نقول هذا الرأي مُتهافِت وضعيف، هذا أمر عادي، وحين يقول رأياً حسناً نقول ما شاء الله، رضوان الله عليه، كلام عظيم، ونترحَّم دائماً، هذا أسلوب العلم والتحقيق، القرطبي قال وأظهر لعلماء المُحدِّثين بإنكاره غباوةً و جهلاً -، وشهرة هذا الحديث أوضح من فلق الصبح وأجلى وقد رواه أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب فقال حدَّثنا سعيد بن نصر …. إلى آخره، وبعد صحيفة يقول قال أبو بكر بن العربي، أي أنه يقتبسه، جميل الإنصاف، جميل الإنصاف والتفتح وأن تدور مع الحق ومع الدليل، لا يُشطَب عليك لأنك أخطأت مرة، لا نقول أخطأ ابن تيمية فنرمي بكتبه عُرض الحائط ولا نأخذ منه شيئاً، لماذا؟ ابن تيمية تُؤخَذ منه أشياء كثيرة، عنده تحقيقات باهرة الرجل في علوم كثيرة ما شاء الله، وعنده أخطاء فظيعة، نقول له هنا أحسنت وأحسنت وأحسنت، وهنا أسأت، وكذلك غير ابن تيمية وغير ابن العربي، يجب أن نتعلَّم هذا يا إخواني، لكن نحن لا نفعل هذا، كثير من الناس – حتى طلّاب العلم – لا يفعلون هذا.

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة على أن نُكمِل في حلقة أُخرى إن شاء الله.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: