أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المُرسَلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.

اليوم أيها الإخوة سوف أتكلَّم عن الكُليات الخمسة أو الخمس، نفس الشيئ! الكُليات الخمسة أو الخمس، أي الــ Praedicabilis، الكُليات الخمس أو الخمسة التي يعرفها العرب باسم إيساغوجي، أي Isagoge، إيساغوجي طبعاً تنتمي إلى منطق أرسطو Aristotle، تكلَّم فيها أرسطو Aristotle كثيراً، لكن جاء فرفوريوس الصوري Porphyry of Tyre –  فرفوريوس الصوري Porphyry of Tyre المُتوفى سنة ثلاثمائة وأربعة أحد المناطقة الكبار العظام – وأفردها بكتاب، موجود هذا ومطبوع! أفردها بكتاب سماه كتاب الكُليات الخمسة، أي إيساغوجي بالعربية، هذا فرفوريوس الصوري Porphyry of Tyre المُتوفى سنة ثلاثمائة وأربع.

لنبدأ – مثلاً – بمثال بسيط ننطلق منه، ألف، باء – مثلاً -، جيم، ودال، ما هذا الشكل الذي ترونه؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُربَّع، فوافق الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على أنه مُربَّع، وقال إذن الجواب واحد، هناك إمكانية لأن نقول مُربَّع، هذا الشكل مُربَّع، هذا إجمال! لو أردنا أن نُفصِّل الجواب ونشرح كلمة مُربَّع – أي بمعنى أن نُعطي تعريفاً، أي Definition بالإنجليزية أو Définition بالفرنسية – سنقول سطحٌ مُستوٍ، أليس كذلك؟ هذا أول شيئ، سطح هذا ومُستوٍ، هذه هندسة إقليدية، أليس كذلك؟ بعد ذلك هذا السطح المُستوي محوطٌ – أي مُحاطٌ، الأفصح أن نقول محوط وليس مُحاطاً، لأن يحوطه، حاطه يحوطه – بأضلاعٍ أربعة مُستقيمة مُتعادِلة أو مُتساوية – أي بنفس الطول – ومُتعامِدة، لأن طبعاً يُمكِن أن تعمل شكلاً لنفس الشيئ ويكون مُتساوياً – أي مُتعادِلاً – لكن غير مُتعامِد، سيصير كالمُعيَّن هذا مثلاً، جيد! هذا أيضاً جواب السؤال، بدل أن نقول مُربَّع نقول سطحٌ مُستوٍ محوطٌ وما إلى ذلك، مضبوط! هذا التعريف أعطانا ماهية المُربَّع، هذه الماهية! أتسألون عن الماهية؟ هذه الماهية، هذه ماهية المُربَّع! مثل ماهية الإنسان حيوان ناطق، هذه ماهية الإنسان! الغزال حيوان باغم، بسبب صوته! طبعاً يُخرِج صوتاً لا يُخرِجه إلا الغزال وهو البغم، حيوان باغم! وحيوان صاهل الفرس، إلى آخره! هذه الماهية، هذه اسمها الماهية، ونبَّهنا قبل اليوم على أن الماهية هي الحقيقة، حين نقول الماهية نعني الحقيقة، أي حقيقة الشيئ! حقيقته ماهيته.

هذا جيد، دعونا نزيد، نقول أيضاً – مثلاً – مجموع زواياه يُساوي كم؟ قائمتين، أي ثلاثمائة وستين درجة مثلاً، هذا مُمكِن، هذا صحيح! قد يقول لي أحدكم المُستطيل هكذا، وهذا صحيح، المُستطيل هكذا، لكن هذا مُمكِن، المُربَّع مجموع زواياه أيضاً قائمتين، هذا صحيح! يُمكِن أن نُدخِل هذا – مثلاً – في الكلام عنه، مضبوط! تكلَّمنا عنه وقلنا مجموع زواياه قائمتان، دعونا نرى خصائص أُخرى ونرجع للمُربَّع، هذا قطر وهذا أيضاً قطر، أرأيتم؟ قطراه مُتساويان مُتعادِلان ومُتعامِدان، ما هذه الزوايا كلها؟ قائمة، أليس كذلك؟ مضبوط! أيضاً هذا يدخل في الكلام عن المُربَّع، أليس كذلك؟

نرجع مرة أُخرى الآن إلى التعريف، نحن رأينا فعلاً أن التعريف حصل بتمام الماهية، بالجُملة هذه! سطحٌ مُستوٍ محوطٌ بأضلاع أربعة مُستقيمة مُتساوية ومُتعامِدة، فقط! هذه الأضلاع الخاصة به، هكذا هو مُربَّع بنسبة مائة في المائة، وحين تذهب وتُترجِم هذا الكلام إلى شيئ تعمله لن يكون له إلا هذه الصورة ترجمةً، مُستحيل أن تُترجِمه بغير هذه الصورة، تأتي بسطح ومُستوٍ ومحوط بكذا وكذا، لا يُمكِن غير هذا! لن يخرج معك إلا شكل واحد وهو المُربَّع، إذن فعلاً هذا تمام الماهية، ماذا عن أن مجموع زواياه قائمتان؟ مضبوط، هذا ينطبق عليه، أليس كذلك؟ قطراه كذا وكذا وكذا، وهذا ينطبق أيضاً عليه، ينطبق هذا عليه وينطبق هذا عليه، لكن هذا يبدو أنه خارج تمام الماهية، أرأيتم؟ فالداخل في تمام الماهية والذي لابد منه يُسمونه الذاتي، والخارج عن تمام الماهية – خارج عن تمام الماهية مثل الجُملتين الأُخريين – يُسمونه العرضي، هل هذا جيد؟ فهمنا هذا، أعتقد واضح هذا، واحفظوا هذا المثل لأنه سهل، سيُسهِّل الأمور عليكم، أنا فكَّرتم فيه وقلت نأتي بشيئ مثل هذا لأن أحسن من حكاية حيوان وإنسان وغزال كما يفعلون في كُتب المنطق، هذا أفضل!
الآن نرجع، سطحٌ مُستوٍ، هل هذا تمام الماهية؟ لأ، هذا جُزء الماهية، هذا صحيح! محوط بأضلاع أربعة مُستقيمة ومُتعامِدة – إلى آخره، الجُملة الأخيرة هذه – هل هذا تمام الماهية؟ لا، أيضاً هذا جُزء الماهية، هذا جُزء وهذا جُزء، الجُزءان مع بعض يُشكِّلان ماذا؟ تمام الماهية، هذا التعريف Définition، مثل الإنسان حيوان ناطق، هل حيوان تمام الماهية؟ لأ، جُزء! هل ناطق تمام الماهية؟ لأ، جُزء! مع بعضهما هما تمام الماهية، لكن يُوجَد فرق بينهما، نحن نقول سطح مُسطوٍ، وحتى المُستطيل سطحٌ مُستوٍ، حتى المُثلَّث سطحٌ مُستوٍ، والمُعيَّن هذا سطحٌ مُستوٍ، إلى آخره! نعم هذه كلها أسطح مُستوية، فكأن السطح المُستوي هذا شيئ كبير أو شيئ عالٍ – يُسمونه الجنس هذا – تدخل تحته عدة أنواع أو عدة أشياء، أليس كذلك؟ هذا يعني أن كلمة سطح مُستوٍ حصل فيها اشتراك أو لم يحصل فيها اشتراك؟ حصل فيها اشتراك، هذا صحيح ومُمتاز! هذا الاشتراك حصل بين المُربَّع الذي أخذنا عنه فكرة وبين المُستطيل وبين المُثلَّث وبين كذا، لأن هذه كلها أسطح مُستوية، هذا الاشتراك بين هذه الأشياء المُختلِفة! وهي مُختلِفة بالحقيقة أو بالعدد أو بالاثنين؟ ما الحقيقة إذن؟ سنرجع ونحكي مرة ثانية، ما هي الحقيقة؟ ركِّزوا! ما هي الحقيقة؟ الماهية، الماهية هي الحقيقة، هل ماهية مُثلَّث هي ماهية مُربَّع؟ مُستحيل، أنت حين تقول مُثلَّث ينتهي الأمر، هذه ماهيته! وأنت فهمت ما هو المُثلَّث، هو كذا وكذا وكذا، هذا المُثلَّث ماهيته غير ماهية المُربَّع التي هي تدخل في تعريفه، أنت حين تُعرِّف المُثلَّث تكون هذه ماهيته، فهذا يعني أن المُثلَّث، المُستطيل، والمُربَّع – إلى آخر هذه الأشياء، وحتى الدائرة لا تزال سطحاً مُستوياً، أليس كذلك؟ – أشياء مُختلِفة بالحقائق أو مُتحِدة؟ مُختلِفة، حقائق مُختلِفةَ! أي ماهيات مُختلِفة، هذا مُهِم لك حين تقرأ بعد ذلك التعريف المُعقَّد الخاص بأرسطو Aristotle، هو كُلي يُقال في جواب ما هو؟ على مُختلِف بالحقائق أو مُختلِف بالعدد وما إلى ذلك، حتى لا تتخربط ولا تخاف، نحن فهمنا ما الحقيقة، الحقيقة هي الماهية، فالمُثلَّث غير المُربَّع، غير المُستطيل، غير المُعيَّن، غير الدائرة، وغير كذا، هذه أسطح صحيح مُستوية لكن الماهيات مُختلِفة، ماهياتها مُختلِفة! نقول جسم، أنا جسم، الكوب جسم، هذا جسم، وهذه جسم، ما هذا؟ والماهيات مُختلِفة، هذا جسم بشري، هذا جسم كوب، وهذا كذا، جسم! هذا الشيئ يجمعهم كلهم، والسطح يجمعهم كلهم، لكن الماهيات مُختلِفة، أليس كذلك؟ إذا اختلفت الماهيات فالعدد يختلف أو لا يختلف؟ لابد وأن يختلف بالضرورة، أنت تقول لي مُثلَّث، مُربَّع، ومُستطيل، انتهى! إذت يُوجَد تكثر بالعدد أيضاً، أليس كذلك؟ عندنا تكثر بالعدد، إذا اختلفت الماهية فالعدد يختلف بنسبة مائة في المائة، أنت تتحدَّث عن ثلاثة أشياء على الأقل هنا، عن مُربَّع، مُستطيل، ومُثلَّث، هذه ثلاثة وليست شيئاً واحداً، فإذن ما اختلف بالحقيقة (وهي الماهية) اختلف بالعدد ضرورةً، هل هذا واضح؟ فهمنا! هذه ضرورة، لا كلام هنا، جيد!

إذن السطح المُستوي هذا سنُسميه الجنس، سُنسميه الجنس Genus، اسمه Genus بالإنجليزية وGenus بالألمانية وGenus باللاتينية مع اختلاف النطق عند اللفظ، Genus هي الجنس، الجنس إذن كُلي، ونحن نتحدَّث عن الكُليات، أليس كذلك؟ وخمسة هذه الكُليات، الكُليات الخمسة! فالجنس كُلي، ما شأنه؟ هذا الكُلي مُشترَك بين أفراد مُختلِفة بالماهيات وبالعدد، كيف نسأل عنه؟ يقع في جواب ما هو؟ أليس كذلك؟ نقول لك يُوجَد مُثلَّث الآن معنا، يُوجَد مُربَّع، ويُوجَد مُستطيل، فما هذا؟ ما هذا؟ وما هذا؟ ماذا سوف تقول لي في النهاية؟ سطوح مُستوية، هذا الجنس، هذا الصحيح! سأل السائل ما هو عن ثلاثة أشياء حقائقها مُختلِفة، شيئ هكذا، شيئ هكذا، وشيئ هكذا، مُختلِفة! واضح أنها ماهيات مُختلِفة، وسأل عنها بسؤال واحد، وهو ماذا؟ ما هو؟ أليس كذلك؟ والحقائق مُختلِفة، وطبعاً عندك ثلاث حقائق، الأعداد مُختلِفة أيضاً! بالعدد وبالحقيقة، بالعدد وبالماهية، فما يقع في الجواب عن مثل هذا السؤال لابد وأن يكون الجنس، هذا هو الجنس! أليس كذلك؟ حين نقول لك ما القرد، الغزال، الإنسان، السلُحفاة، التمساح، و… و… و…؟ ستقول لي حيوان، أسأل عن ماهيات مُختلِفة، عن غزال، فرس، قرد، إنسان، تمساح، وما إلى ذلك، هذه ماهيات مُختلِفة، الإنسان غير القرد، والقرد غير الغزال، الغزال غير التمساح، ماهيات مُختلِفة، حقائق مُختلِفة! أليس كذلك؟ صحيح يُوجَد شيئ يجمعها بينها وهو الحيوانية، تقول لي حيوان، هذا حيوان، كلها حيوان! أليس كذلك؟ وهذه هي الجهة المُشترَكة بينها على اختلاف حقائقها، هذا الجنس، إذن هذا يعني أننا نتحدَّث عن جهة الاشتراك بين ماهيات مُختلِفة، أي حقائق مُختلِفة، وطبعاً لابد وأن تختلف الأعداد، لا يُمكِن غير هذا، انتهى! إذا اختلفت الحقيقة اختلف العدد، سيكون عندك بمقدار ما تختلف عنه أفراد، يُمكِن أن تأتي بخمسين اسم حيوان، وتكون هذه كلها خمسين ماهية وخمسين عدداً على الأقل، هل هذا واضح؟

إذن هذا هو الجنس، الكُلي الذي يقع في جواب ما هو عن ماذا؟ عن ماذا سؤال ما هو؟ عن أفراد مُتعدِّدة بالحقائق، ومُتعدِّدة بالعدد طبعاً، أو مُختلِفة بالحقائق، ومُختلِفة أيضاً بالعدد بلا شك ضرورةً!

محوطٌ بأضلاع أربعة مُستقيمة مُتعادِلة مُتساوية مُتعامِدة، هذا اسمه ماذا؟ سوف نرى اسمه ماذا، اسمه الفصل Difference، الــ Difference هو الفصل! الذي يقع في جواب ما هو في ذاته، تقول لنا سطح مُستوٍ، ونحن نعرفه! السطوح المُستوية كثيرة، نُريد أن تُعرِّفه لنا بالجنس، هذا تعريف ناقص طبعاً، أليس كذلك؟ نقول لك ما الإنسان؟ فتقول حيوان، ما معنى أنه حيوان؟ حتى الأسد حيوان، لم نفهم شيئاً! نُريد بالضبط أن نفصله، صحيح هو حيوان لكننا نُريد أن نفصله عن الأسد، وعن كذا وكذا، عن كل الحيوانات الأُخرى! أليس كذلك؟ نُريد أن نفصله عن كل الحيوانات الأُخرى، فنذهب ونأتي بجواب عن سؤال ما هو؟ في ذاته، ترى أنت من بعيد شبحاً، فتقول ما هذا؟ تقول هذا الشيئ شبح، غير واضح ما هو، هل هو مُتحرِّك أو غير مُتحرِّك؟ غير واضح، لأن هذا في ظلام الليل! بعد ذلك ترى له حركة فتقول هو مُتحرِّك، مُتحرِّك يقترب! وهذا يعني أنه ليس نباتاً وليس جماداً قطعاً، لا هو نبات ولا هو جماد، لأن النبات لا يتحرَّك من مكانه وكذلك الجماد، لأن النبات يتحرَّك في مكانه، هذا مُمكِن مع الريح، لكن هذا يقترب منك، وهذا يعني أنه ليس نباتاً، انتهى! في الأول نحن فكَّرنا في أنه يُمكِن أن يكون حتى شجرة أو صخرة، لكن حين تحرَّك عرفنا أنه ليس صخرة، يُمكِن أن يكون نباتاً، مثل شجرة في مكانها، لكن حين اقترب منا – بدأ يقترب فعلاً – عرفنا أنه ليس نباتاً، فصار ليس جماداً وليس نباتاً، بقيَ أن يكون ماذا؟ قطعاً الآن هو ماذا؟ ستقول هو حيوان في أغلب الظن، إلا لو كنت مِمَن يُؤمِن بالأشياء الأُخرى، فتقول هذا قد يكون جناً وما إلى ذلك، فربما يكون هذا جن، على كل حال هذه كلها احتمالات واردة، فأنت قد تقول هذا حيوان، لكن بعد ذلك ستقول أي حيوان هذا؟ أي حيوان هو في ذاته؟ أي حيوان؟ يُوجَد خمسون ألف نوع، ومن ثم ستقول دعوني أنظر، لكن أنت بصرك ضعيف، مسكين عندك قصر نظر، لا ترى جيداً، فنظرت جيداً ثم قلت ما هذا؟ ووجدت أنه فرس، فقلت هذا فرس، أي هو حيوان ماذا الآن؟ صاهل، قد يقول لك أحدهم ما الفرس؟ لم يسمع في حياته بالفرس! فقل له هو حيوان صاهل، إذا قال لك ما معنى صاهل؟ فقل له هذا صوت مُعيَّن لا يُخرِجه إلا هذا الحيوان، ولابد أن تسمعه بنفسك وإلا لن ينفعك هذا في النهاية طبعاً، لابد وأن تسمعه، أليس كذلك؟ تخيَّل وجود إنسان أصم أو أطروش لم يسمع بهذا الصوت في حياته، هذا المسكين لا يسمع! وأنت تكتب له بلُغة بريل Braille أنه صاهل، سوف يستوعب هذا وسوف يبدأ يُكرِّر، سوف يقول هذا حيوان صاهل، لكن هو في داخله لا يعرف ما هو الصهيل، مسكين! هذا يُؤخَذ من التجربة الحسية، هذا مُدرَك حسي.

اليوم سنتكلَّم في الفلسفة عن الأشياء هذه وأنواعها، إلى آخره! إذن فهمنا ما هو الفصل، الفصل ما يقع في جواب أي شيئ هو في ذاته؟ عرفنا أنه حيوان! لكن الآن نرجع ونسأل – مثلاً – عن الإنسان، عن الغزال، عن التمساح، وعن الأسد، إلى آخره! انتبهوا، لو سألنا عن هذه جميعاً – ما هي؟ – ماذا سنقول؟ هي حيوان، أليس كذلك؟ هي حيوان، وانتبهوا! إنسان، غزال، تسماح، وأسد، هذه كُليات أو جُزئيات؟ كُليات، هذه كُليات طبعاً! كُلي هذا كله، أي General terms، الإنسان هذا كُلي، أدخل فيه أنا وتدخل فيه أنت، يدخل فيه البشر كلهم! والغزال هذا كُلي، أليس كذلك؟ لكن سيختلف الأمر لو سألت عن محمد، عن سعيد، عن جون John، عن سلوى، عن سيرا، عن هذا الغزال، عن ذاك الغزال، عن هذا التمساح، وعن ذاك الأسد، عن جُزئيات! سألت عنها كلها! وأيضاً الجواب سيكون ماذا؟ ماذا؟ أيضاً حيوان، انتبهوا! فإذن الجنس يُمكِن أن يقع جواباً عن كذا وكذا وكذا وكذا في سؤال ما هو؟ عن ماذا؟ عن كُليات مسؤول عنها، أو حتى عن جُزئيات، هذا مُمكِن! وهذا دقيق في المنطق ومُهِم، مُمكِن! يُمكِن أن تسأل عن جُزئيات، تقول ما هذا وهذا وهذا؟ عن أشخاص، وما ذاك وذاك وذاك؟ عن أشخاص حيوانات أُخرى، وما هذا وهذا وهذا؟ ستقول حيوان، كل أولئك حيوان، هذا مُمكِن! ما الإنسان؟ ما الغزال؟ وما التمساح؟ كُليات هذه، كُليات! ما هي؟ حيوان، مُمكِن! هذا الجنس، ما معنى الجنس إذن؟ الجنس هو المُشترَك –  كُلي مُشترَك، أي الذي يجمع – بين ماهيات مُختلِفة، أليس كذلك؟ ماهيات مُختلِفة! لكن ماذا لو الآن سألنا عن محمد، محمود، عليّ، عمر، سعيد، جون John، لويس Louis، سارة، وليلى، إلى آخره؟ ماذا لو سألنا عن هؤلاء؟ ما هؤلاء؟ ماذا ستقولون؟ ما هم؟ إنسان، سنقول ما هم؟ وستقولون إنسان، بعد ذلك سيقول لكم أحدهم هذا جواب جيد لكنه مُجمَل، ما الإنسان؟ حيوان ناطق، ستقولون له هؤلاء حيوانات ناطقة، هذا إنسان، بدل كلمة إنسان تقولون حيوانات ناطقة، مثل مُربَّع، تقولون مُربَّع وبعد ذلك تقولون سطح مُستوٍ وكذا وكذا، إذا جوابان لديكم! ما الفرق بينهما؟ هذا مُجمَل وهذا مُفصَّل، حين تقولون إنسان يكون هذا جواباً، صحيح! محمد وفلان وعلان – إلى آخره – إنسان، هذا صحيح! أو حيوانات ناطقة، هذا مُفصَّل، نفس الشيئ! كلمة إنسان تعني حيوان ناطق، فنحن فصَّلنا هذا، الاختلاف في التفصيل! هل مفهوم إنسان يُغاير مفهوم حيوان ناطق أو لا يُغايره؟ لا يُغايره طبعاً، هو يُعادِله، أنتم تضعون إشارة التساوي بينهما، تقولون الإنسان يُساوي حيوان ناطق، أليس كذلك؟ الألفاظ مُختلِفة هنا، إذن التغاير حصل من جهة ماذا إذن؟ علماً بأنني قلت لكم إياها، حصل من جهة الإجمال والتفصيل، هذا مُجمَل وهذا مُفصَّل، فقط! لكن مفهومياً مُتغايران أو مُتعادِلان؟ مُتعادِلان، الإنسان هو الحيوان الناطق، أنتم حين تُريدون أن تُعرِّفوه ستُعرِّفونه بالحيوان الناطق، فانتبهوا هنا! التغاير جاء من حيثية الإجمال والتفصيل، فقط! هذا مُجمَل وهذا مُفصَّل، أعطاكم الصندوق كاملاً وسكَّر عليه أو أعطاكم مفتوحاً وفيه عناصره لكي تروها، هذا هو! هذا مُفصَّل وهذا مُجمَل، مثلاً! هذا نفس الشيئ، وهذا التغاير، التغاير من أين جاء؟ من حيثية ماذا؟ الإجمال والتفصيل، ليس من حيثية المفهوم في ذاته، المفهوم في ذاته هو نفسه، الإنسان هو حيوان ناطق، هل هذا جيد؟ فما محمد وسعيد – إلى آخره – الآن؟ قلت لي ماذا؟ حيوان ناطق، إنسان! الآن الجواب أتى عن ماذا؟مثل ما المُربَّع؟ اتى عن ماذا؟ عن الماهية، أعطونا الماهية، وهكذا يُمكِن أن تأتوا بأمثلة بعدد ماهيات الأشياء، كما عرَّفتم المُربَّع عرِّفوا المُستطيل، عرِّفوا الدائرة، وعرِّفوا كذا وكذا، بعد ذلك عرِّفوا الإنسان، عرِّفوا القرد، عرِّفوا الغزال، وعرِّفوا كذا وكذا، تعريفات! التعريف هذا يأتي على الماهية، الحيوان الباغم غزال، هذه ماهية! هل هذا واضح؟ 

الماهية هذه كما رأينا فيها جُزءان، تتكوَّن من جُزئين، جُزء الماهية وجُزء الماهية، والجُزءان داخلان فيها، فهما ذاتيان، هل هذا واضح؟ هما في الحقيقة – سوف نرى هذا – ينحلان إلى ثلاثة أجزاء، عندنا الجنس، وعندنا الفصل، هل هذا واضح؟ قالوا لك الإنسان حيوان، بعد ذلك ماذا؟ ناطق، انتبه! الحيوانية الناطقية هي النوع، الحيوان هو الجنس، الناطق هو الفصل، حيوان ناطق نوع، وهو الإنسان، نوع واحد! هل هذا واضح؟ هذا هو الإنسان، وهو حيوان ناطق، هذا يُسمونه النوع، إذن النوع تقوَّم بعنصرين، بالحيوانية وبالناطقية، حيوان ناطق! حيوان صاهل، أليس كذلك؟ هذا نوع، وهو الفرس، حيوان زائر، هذا نوع، وهو الأسد، إلى آخره! فالآن عندنا الحيوان والناطق والنوع، أي عندنا الجنس والفصل والنوع، كل هذه الثلاثة يُسمونها ذاتية، وهذه كُليات طبعاً! هذا كُلي، هذا كُلي، وهذا كُلي، كُليات ثلاثة! والكُليات ذاتية، ما معنى ذاتية؟ بها قوام الشيئ، أي لا يقوم الشيئ ولا يكون الشيئ هو نفسه إلا بهذه الأشياء، وحين تُنقِص منها أي شيئ لن ينفع الأمر، حين تقول حيوان لن ينفع هذا، يدخل فيه مائة ألف نوع، لن ينفع! فهذا يعني أنها ذاتية، بها قوام ذات الشيئ، ماذا لو جئنا وقلنا الإنسان حيوان ناطق ضاحك؟ أضفنا ضاحك! وكذلك قابل لصنعة العلم والكتابة، يقدر أن يتعلَّم كيف يكتب ويقرأ، يتعلَّم ويستفيد معلومات جديدة مثلاً، هذا مضبوط! شاعر، ودارس – مثلاً – للفسفة، نقول هذا الإنسان، وصحيح لا يدرس أحد فلسفة من الحيوانات غيره أو النباتات أو الجمادات، هو الإنسان وحده! لكن هل هذه الأشياء داخلة في الماهية دخولاً ذاتياً كما شرحنا؟ لا، ماهية الإنسان شيئان، حيوان ناطق! أي شيئ زائد عنهما لابد وأن يكون خارجاً عن الماهية، لابد أن يكون خارجاً – انتبهوا – عن الماهية، والخارج عن الماهية أمران، أولاً الخاصة Proper، أو يُسمونها العرض الخاص، ثانياً العرض العام Accident، أي – انظر إلى هذا – اتفاقي حادث، العرض العام والخاصة!

إذن هذان ما شأنهما؟ خارجيان، أي خارجان عن ماذا؟ عن الماهية، ليسا من أجزاء الماهية، أليس كذلك؟ ليسا من أجزاء الماهية، أجزاء الماهية ذكرناها، الجنس والفصل! بهما يتحدَّد النوع، كل هذا ذاتي، لكن هذا ليس ذاتياً، هذا كله ليس ذاتياً! هل هذا واضح؟ هذا عرضي وخارج عن أجزاء الماهية، جُزء خارج عن أجزاء الماهية، جيد! ما الفرق بين الخاصة – أي العرض الخاص – وبين العرض العام؟ اسم على مُسمى الخاصة، هو شيئ خارج الماهية فعلاً لكنه خاص بصاحب الماهية، بذي الماهية! كالإنسان مثلاً، (ملحوظة) قال أحد الحضور حيوان ناطق، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نقول الإنسان حيوان ناطق، أحسنت! فيلسوف، دارس للفيزياء، ودارس لكذا، ائت بأي شيئ من نشاطات الإنسان، والتي لا تجدها عند غيره، تجدها عن الإنسان فعلاً، تجدها في الإنسان موجودة، صحيح أنها في الإنسان وتختص به، يُسمونها خاصة! لكنها خارجة عن الماهية، خارجة عن التعريف، التعريف حيوان ناطق، كل شيئ غير هذا تعرف أنه خارج عن الماهية، وإذا كانت تختص به فقل هذه خاصة Proper، هذه خاصة – قل لي – من خواص الإنسان، العرض العام مثل ماذا؟ ماشٍ، هذه أيضاً خارجة عن الماهية لكنها تعم وتعم أنواع أُخرى، حتى الفرس يمشي، أليس كذلك؟ وفرس النهر يمشي، وكذا وكذا يمشي، عندك أشياء كثيرة من الحيوانات التي تمشي، هذا صحيح! والإنسان يمشي، هذا ليس خاصة، هذا عرض عام، يعرض للماهية، يُقال يعرض لها أو يعرض عليها أيضاً، أي يعرض للماهية أو يعرض على الماهية، لكنه يعمها ويعم ماهيات أُخرى، بخلاف الخاصة، وقف على هذه الماهية، تعلم العلم وصنعة الكتاب أمر خاص بالإنسان، أليس كذلك؟ البادي البشرة والمُنتصِب القامة خاصة، أليس كذلك؟ لا يُوجَد حيوان آخر بادي البشرة مثلنا ومُنتصِب على رجليه، أليس كذلك؟ لا يُوجَد! هذا هو، أيضاً هذا يخص الإنسان، لكن هذا خارج عن الماهية، ليس داخلاً في تعريف الإنسان، هذا خاصة! الضحك خاصة، حيوان ضاحك، قابل للعلم وصنعة الكتابة، بادي البشرة، مُنتصِب القامة، ويمشي على قائمتين، كل هذه خواص! لكن الأمر يختلف مع ماشٍ، مُتنفِّس، وهاضم، يأخذ الطعام مُتمثِّلاً له، يتمثَّل الطعام، يُوجَد هذا في مُعظَم الحيوانات على الإطلاق بشكل أو بآخر، عنده هذا الميتابوليزم Metabolism، أليس كذلك؟ وتتنفَّس، أليس كذلك؟ وتمشي، كل هذه فعلاً موجودة في الإنسان، والإنسان هو فعلاً هكذا، الإنسان يمشي ويهضم ويفعل هذه الأشياء كلها، هذا صحيح! لكن ليس وحده، حتى هذه الأشياء الثانية من الحيوانات تفعل هذه الأشياء، فهذا عرض عام، ما معنى عرض؟ أنه ليس ذاتياً، أي ليس جُزءاً من الماهية، أليس كذلك؟ مضبوط! هذا معنى أنه عرض عام، هذا معنى كونه عرضاً عاماً، وهذا معنى كونه عرضاً خاصاً، أو يُسمونها الخاصة.

إذن تحصَّل لدينا أن الكُليات كم؟ خمسة، الكُليات خمسة! يُسميها ابن سينا في النجاة المُفرَدات الخمس أو الخمسة، وسماها أبو حامد الغزّالي في المعيار المُفرَدات الخمسة، مُتابِعاً لمَن؟ لابن سينا، فحين تقرأ المُفرَدات الخمسة اعلم أنها الكُليات الخمسة، أي الــ Praedicabilis، هذه هي! هذه مُهِمة جداً، وقد ألَّف فيها كتاباً كاملاً وما إلى ذلك.

يُمكِن الآن أن نُضيف إضافة بسيطة تتعلَّق بها، دعونا نرى الإنسان، الذي هو نوع من أنواع الحيوان، أليس كذلك؟ آخر ما يتنوَّع من الحيوان، هناك أنواع منها الإنسان، آخر شيئ! لا يخرج منه نوع اسمه – مثلاً – البلسان أو المنسان، هذا غير موجود! نحن آخر نوع، أليس كذلك؟ هذا مضبوط! ومثلنا القرد، الغزال، التمساح، والأسد، هذه آخر أنواع، لا يُوجَد بعدها شيئ، هذه أنواع مُستقِلة، الأنواع Species، اكتبوا النوع! النوع Species، هذا النوع، ماذا لو أردنا الآن أن نطلع مُصاعِدين إلى فوق؟ إذن هذا الإنسان يُسمونه نوع الأنواع، تمام! هو نوع الأنواع، حين نطلع إلى فوق مُباشَرةً ماذا سوف يأتي إلينا مثلاً؟ ماذا سوف يأتي إلينا؟ جنسه، أليس كذلك؟ من أين يتفرَّع الإنسان هذا؟ هل يتفرَّع من غزال أو من أسد؟ من ماذا يتفرَّع؟ من حيوان، حيوان! إذن هذا حيوان، سيُشكِّل للإنسان ماذا؟ نحن نمشي من تحت إلى فوق، بدأنا من نوع الأنواع، أي النوع السافل كما يُسمونه، ليس سافلاً أخلاقياً وإنما هو سافل ترتيباً وتصنيفاً، يُسمونه النوع السافل، نحن سنأخذ كلمتي نوع الأنواع لأنهما أحسن من كلمتي نوع سافل، في كُتب المنطق يقولون هذا نوع سافل، وهذه الشجرة هي شجرة فرفوريوس Porphyry، يُسمونها هكذا شجرة فرفوريوس Porphyry، ونحن سنرسمها مرتين، مرة مُصاعِدين ومرة نازلين، بدأنا من الأسفل، بدأنا من نوع الأنواع، هذا آخر نوع، لا تجد تحته نوعاً ثانياً من الإنسان، لا يُوجَد! هو هذا، قد تقول لي لا، يُوجَد غيره، يُوجَد أوروبي وأمريكي، عالم وجاهل، أحمر وقوقازي،  إلى آخره! لكن هذه اسمها ماذا؟ أصناف، هذه كلاسات – من Classes – كلها، تصنيف هذا! هذا ليس تنويعاً، انتبهوا! وفي نهاية المطاف الماهية واحدة، الإنسان القوزاقي، الإنسان الأسترالي، والإنسان الأمريكي، إلى آخره! هذا كله ماذا؟ حيوان ناطق أيضاً، نفس الماهية! أليس كذلك؟ ما دامت الماهية مُتحِدة فهذه ليست أنواع يا حبيبي، بخلاف ماهية غزال وإنسان، هاتان ماهيتان مُختلِفتان، أنواع! هذا نوع وهذا نوع، لكن هذه الماهية واحدة، شخص عالم وشخص جاهل، شخص مُسلِم وشخص كافر، إلى آخره! هذه ماهية واحدة! أليس كذلك؟ إذن هذه أصناف، واكتبوا هذا عندكم وافهموا كلمة صنف، ومنها التصنيف Classification، هذا التصنيف! فالتصنيف يكون للأنواع مثل التنويع للأجناس، أرأيتم كيف؟ عندنا جنس نُنوِّعه إلى أنواع، وعندنا نوع نُصنِّفه أصنافاً، هذا هو! هذه أصناف، وأنت عندك أصناف في أشياء كثيرة، الأقلام فيها أصناف، اللابتوبات Laptops فيها أصناف، الطاولات فيها أصناف، الفناجين فيها أصناف، والإنسان فيه أصناف، صنِّف كما تُريد! وكيف ستُصنِّف؟ بمعايير، وفق معايير مُعيَّنة! مرة معيار اللون، مرة معيار العرق،و مرة معيار كذا وكذا، أي ما تُريد! مرة معيار الدين، ومرة معيار القوميات Nationalities، أي شيئ تُريده! مرة بحسب اللُغات، أليس كذلك؟ مرة بحسب القارات جغرافياً، من أي قارة ينتمي؟ مرة بحسب البلاد، ومرة بحسب كذا وكذا، أي ما تُريد! مرة بحسب الوضع التنموي للقارات والبلاد التي ينتمي إليها، يقول لك هذا من البلاد المُتقدِّمة، من البلاد المُتأخِّرة، من العالم النامي، ومن العالم الثالث، عادي! يقول لك هذا إنسان عالم ثالثي، وقد كتب الكاتب العالم ثالثي، ما التصنيف هذا؟ تصنيف على معيار مُعيَّن، هناك تصنيفات كثيرة وذلك هي اعتبارية، هذه اسمها تصنيفات!

التصنيف للنوع كالتنويع للجنس، لكن هذه ليست أنواعاً وإنما أصناف، لماذا إذن؟ كيف عرفنا؟ الماهية واحدة، أليس كذلك؟ كيف تقول لي هذه أنواع؟ كيف تقول لي أنواع وكلها حيوان ناطق؟ كيف هذا؟ هل أنت تُخربِط؟ هذا يعني أنك لا تفهم ما هو النوع، مثلاً! رجعنا الآن إلى النوع، إذن هذا نوع، وجنسه حيوان، هذا الجنس قريب أو بعيد عنه؟ قريب، ليس بينهما شيئ، فسنقول هذا جنس قريب، ثم نصعد إلى أعلى، الحيوان ما هو في النهاية؟ حين نُعرِّفه نقول ماذا؟ الحيوان ما هو؟ سنقول جسمٌ نامٍ حسّاسٌ ومُتحرِّكٌ بالإرادة، أليس كذلك؟ مثلاً! هكذا هم يُعرِّفونه، جسمٌ نامٍ حسّاسٌ ومُتحرِّك بالإرادة، سوف نرى جنس الحيوان، ما الأشياء التي فيه؟ هو جسمٌ نامٍ، هذا صحيح! هذا جسمٌ نامٍ، لأن النبات جسمٌ نامٍ، والحيوان جسمٌ نامٍ، كيف نوَّعنا الآن؟ أخرجنا منه حيواناً ونباتاً، نحن نُريد فقط الحيوان، وأنت يُمكِن أن ترسم الشجرة عادي وتضع الجسم النامي ثم تقول هناك حيوانات ونباتات، لكن نحن كلامنا في الحيوان، هو هذا، هذا صحيح! هذا جنس، إذن جسمٌ نامٍ، صحيح أن النباتات تنمو، والحيوان ينمو، لكن يُوجَد فرق بين هذا النوع وهذا النوع، هما نوعان مُختلِفان، كيف هذا نوع؟ ستقول لي هذا جنس! لكن هذا نوع للجنس الذي فوقه، أرأيت؟ هذه مسألة إضافية – Relative – كلها، فيُمكِن أن يصير الجنس نوعاً قياساً إلى جنس أعلى منه، ويُمكِن أن يكون جنساً قياساً إلى نوع تحته، كما ترون هنا، هذا هو! فالآن الحيوان بالنسبة للجسم النامي هو يُعتبَر جنساً أو نوعاً؟ هو نوع طبعاً، طبعاً لأن الجسم النامي جنس، وتحته نوعان مثلاً، أليس كذلك؟ تحته النباتات والحيوانات، الحيوان الآن أصبح نوعاً من أنواع الجسم النامي، والحيوان نفسه صار جنساً لإنسان وقرد وغزال، هذه مسألة إضافية، حين تنظر من هنا تجد أنه جنس، وحين تنظر من هناك تجد أنه نوع، وهكذا! وأنت ترى هذا في هذه الشجرة، فنحن عندنا الجسم النامي إذن.

الجسم النامي جاء منه حيوان، ما الحيوان؟ جسمٌ نامٍ حسّاسٌ مُتحرِّكٌ بالإرادة، النبات ليس هكذا، فخرج النبات، صار ماهية ثانية، أليس كذلك؟ جيد! نطلع إلى أعلى مُصاعِدين، الجسم النامي لابد أن يكون نوعاً من أنواع شيئ أكبر منه، اسمه ماذا؟ الجسم طبعاً، لأن الجسم منه النامي ومنه غير النامي، هذه الطاولة جسم غير نامٍ، وكذلك الحجر والصخر وما إلى ذلك، هذه أجسام كلها غير نامية، أليس كذلك؟ فيُمكِن أن تعتبر هذا جنساً ثم تُنوِّع تحته أنواعاً، على الأقل تقول الجسم نامٍ وغير نامٍ، في غير النامي تدخل كل الجمادات المُصنَّعة والطبيعية، التي نُصنِّعها حتى من أشياء في الطبيعة ونُخلِّقها بأي طريقة والأشياء الطبيعية، مثل اللاب توب Laptop، الشجرة، السابورة، وكذا وكذا، أي الأشياء هذه كلها، الأشياء الجامدة! وهناك جسم نامٍ، وستقول عنه إنه ينقسم على الأقل إلى قسمين، وهما نبات وحيوان، ثم تقول ما هذا وما هذا، وهكذا! هذه شجرة كبيرة، لكننا نُريد أن نأخذ فقط شيئاً واحداً، فنحن عندنا الجسم، هل يُمكِن أن يرتفع الجسم إلى شيئ أعلى منه؟ هل يأتي منه شيئ؟ طبعاً، آخر شيئ الجوهر أو الكائن، أي الشيئ الكائن، الكائن! هذا يُسمونه الآن ماذا؟ جنس الأجناس أو الجنس العالي، مُقابِل النوع السافل، أرأيت؟ نوع الأنواع وجنس الأجناس، فوق جنس الأجناس لا تقدر أن تتقدَّ، انتهى! لابد وأن تقف، هو هذا! الجوهر، طبعاً هنا ستدخل في صراع مع الفلسفة، ما الجوهر؟ ما هو؟ هل هو الذرة؟ هل هو كذا؟ وهل هو الكوارك Quark؟ هذه مباحث علمية ليس لنا دخل فيها، لكن لابد وأن نفهم أن هذا الجوهر، جوهر مع جوهر مع جوهر – إلى آخره – يُكوِّنون لنا جسماً، ماذا لو قلنا الجوهر هو الذرة – مثلاً – Atom؟ نفترض أن هذا هو الجوهر، إذن ذرة مع ذرة مع ذرة مع ذرات، ومن ثم سيتكوَّن ماذا؟ جسم، Corpse أو Body أو أي شيئ! أليس كذلك؟ مثلاً! فآخر شيئ هذا، وهو مفتوح – كما قلنا – على العموم الطبيعية، هي حرة في أن تقول ما هو الجوهر الأول، فالفلسفة تتراجع هنا، وهذا صحيح! قديماً كانت مُفتئتة قليلاً ومفترية على العلوم، كانت تدّعي أنها أم العلوم، لكن الآن دخل علم الفيزياء، عنده مناهج دقيقة وأشياء تجريبية وما إلى ذلك فدعوه يتكلَّم، ما الجوهر؟ أرأيتم؟ ما أصل المادة؟ وما الوحدة الأولى التي يتكوَّن منها أي جسم؟ الفيزياء تتكلَّم هنا، وهذا مُهِم لكي نرى كيف يتقاطع العلم مع الفلسفة، جيد! لكن عندنا الجوهر هذا أو الكائن كما يُسمونه أو الــ Being أو الــ Thing وما إلى ذلك، هذا جنس الأجناس، يُسمونه الجنس العالي.

آخر شيئ نوع الأنواع، لا تقدر على أن تُنوِّعه، لا تستطيع أن تُنوِّع الإنسان، انتهى! ولا القرد، ولا الغزال، أليس كذلك؟ ولا تستطيع أن تجعل الجوهر هذا أو الكائن نوعاً لجنس أعلى منه، لا تستطيع! هذا آخر شيئ، أي السقف، يُسمونه جنس الأجناس، لكن ماذا عن الذي تحته؟ جسمٌ نامٍ يُعتبَر جنساً بعيداً، سقتول لي كيف هو جنس بعيد وهو قريب من الجوهر؟ لا تنس أننا نصعد من تحت إلى أعلى، أي أن النظر كله باعتبار نوع الأنواع، نوع الأنواع قال أنا نواع الأنواع، فوقي حيوان وهو جنس قريب مني، لكن الجسم النامي الآن جنس بعيد، ويُمكِن أن يكون مُتوسِّطاً، فنُسميه مُتوسِّطاً أيضاً، إذا لم تكن هناك حلقة أُخرى فدعونا نُسميه المُتوسِّط، لكن إذا كان آخر حلقة قبل جنس الأجناس فسوف نُسميه البعيد، انتبه! أنت يُمكِن أن تأتي بأشياء ثانية وتضع أكثر من حلقة، ففي المُنتصَف سيكون هناك المُتوسِّط والأبعد سيكون البعيد وذاك سيكون جنس الأجناس، وهكذا!

الآن نفس الشجرة هذه – شجرة فرفوريوس Porphyry – يُمكِن أن ترسمها ثم تنزل من فوق إلى تحت، أليس كذلك؟ سنقول هنا الجوهر أو الكائن، وطبعاً هذا لا يتغيَّر اسمه، دائماً هذا اسمه ماذا؟ جنس الأجناس، مثل نوع الأنواع، الذي لن يتغيَّر اسمه، سيظل أيضاً نوع الأنواع، هذا جنس الأجناس أو الجنس العالي، ثم ننزل، أول شيئ يأتي منه هو ماذا؟ الجسم، هذا نوع قريب، لماذا صار نوعاً وقد كان قبل قليل جنساً؟ لأنك كنت تمشي من تحت إلى فوق، أليس كذلك؟ عندك نوع الأنواع، والآن نُريد أن نرى أجناسه من فوق، جنس مُتوسِّط، جنس قريب، جنس مُتوسِّط، وجنس بعيد، أليس كذلك؟ جنس الأجناس! لكن الآن اختلف الأمر، بدأنا بجنس الأجناس، وسوف نرى أنواعه، أليس كذلك؟ فحين تأتي من فوق إلى تحت لابد أن تتكلَّم عن الأنواع، مع جنس الأجناس تكلَّم عن الأنواع، لا تُخربِط! لو جاءك سؤال في الامتحان يقول ارسم شجرة فرفوريوس Porphyry مرتين، مرة مُصاعِداً ومرة نازلاً، لابد أن تنتبه، طبعاً إذا صعدت من نوع الأنواع فلابد أن تنظر إلى أجناسه، جنسه القريب، جنسه المُتوسِّط، جنسه البعيد، وجنس الأجناس! إذا نزلت من جنس الأجناس فلابد أن تنظر إلى أنواع جنس الأجناس، أنواعه! ومن ثم سوف تقول لي نوع قريب، نوع مُتوسِّط، نوع بعيد، ونوع الأنواع، هذا هو وهو منطقي، ليس في هذا صعوبة.

عندنا الجسم، كما رأينا الجسم فيه اثنان، نامٍ وغير نامٍ، كلامنا الآن عن ماذا؟ عن النامي، أي الجسم النامي، بعد ذلك الجسم النامي هذا ينزل منه ماذا؟ الحيوان، لأن الجسم النامي نوعان، جسم نامٍ وغير مُتحرِّك بالإرادة وغير حسّاس، غير نامٍ حسّاس ومُتحرِّك بالإرادة وهو الحيوان، عندنا اثنان! والحيوان يأتي من ماذا؟ الغزال والقرد وما إلى ذلك، نحن أخذنا الإنسان ويُمكِن أن نأخذ القرد، أي يُمكِن أن نأخذ ما نُريد! أخذنا واحداً، فصار هذا الآن نوعاً قريباً، لكن هذا نوع مُتوسِّط مثلاً، هذا نوع بعيد، وهذا نوع الأنواع أو نوع سافل، فقط! 

هذه شجرة ماذا؟ فرفوريوس Porphyry، مرة من تحت ومرة من فوق إن شاء الله، وهكذا نكون أنهينا درس المنطق بعون الله.

إذن فهمنا ما الكُليات، يُمكِن أن أُعطيكم إضافات الآن بسيطة، لها علاقة بالكُليات، لأن الكُليات مُهِمة جداً في موضوع الحمل، لكي نتكلَّم عن الحمل بكلمات سريعة سنقول الآتي، أولاً الحمل، حمل شيئ على شيئ، وشرحناه عدة مرات، وقلنا في النحو ماذا يُسمونه وفي البلاغة ماذا يُسمونه، في المنطق يُسمونه الحمل يا إخواني لكي يتم لابد وأن يتوفَّر لدينا شيئان، وهما اختلاف واتفاق، علماً بأننا ذكرنا هذا في دروس سابقة قبل سنتين تقريباً، هذا لازم! أي لا يُحمَل الشيئ على نفسه، أليس كذلك؟ مُستحيل أن تحمل الشيئ على نفسه، لا يُمكِن أبداً! لأنك تحمل ماذا إذن؟ هل تحمل الشيئ على ذاته؟ هذا غير معقول يا أخي، ما الفائدة؟ لكنك تحمل شيئاً على شيئ، إذن بينهما ماذا؟ مُغايرة، لابد من وجود جهة مُغايرة، لكن لابد أن يُوجَد في المُقابِل جهة اشتراك أيضاً، لأن لا يُمكِن أن تحمل المُتباينين على بعضهما، كأن تقول الإنسان حجر، انتبه! كلام المناطقة ليس كلام بلاغة، لا تقل لي هو حجر وقال الله ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ ۩، هذا اسمه هبل! نحن نتكلَّم عن المنطق وليس عن البلاغة وعن الأشياء الشاعرية، نتكلَّم عن حقائق، هذا منطق وهذه مفاهيم ليس لها علاقة بالأشياء المجازية، لا يُمكِن أن يُقال الإنسان حجر أو الإنسان كوب أو الكوب إنسان، هذا كلام فارغ، لا يُمكِن أن يأتي هنا أبداً، أليس كذلك؟ لكن يختلف الأمر مع الإنسان ضاحك، الإنسان قابل للعلم وصنعة الكتابة، الإنسان مُتنفِّس، الإنسان آئض، أي عنده ميتابوليزم Metabolism، هو حيوان آئض، وحيوان ناطق، هذا صحيح! أهلاً وسهلاً، هنا صار عندنا اشتراك وعندنا اختلاف، الاختلاف موجود لأن لا يُمكِن حمل الشيئ على نفسه، لابد وأن يختلف! الموضوع غير المحمول، ما معنى أن تقول لي الإنسان إنسان؟ لم نستفد شيئاً، مثل الضاحك ضاحك، هذا كلام فارغ، لا يُمكِن أن يأتي هنا منطقياً، هذا غير أهداف البلاغة للتأكيد وما إلى ذلك، هذا كلام ليس لنا علاقة به، هذه بلاغة ونحن نتحدَّث عن المنطق، لكن في نفس الوقت لابد من وجود جهة اشتراك طبعاً، لكي تجعل الحمل عملية مُمكِنة، أليس كذلك؟ لابد من هذا، سُبحان الله! أما إذا كان هناك تباين كامل فلا يُحمَل أحد المُتباينين على الآخر، كأن تقول لي الإنسان قلم، هذا كلام فارغ، ليس له أي معنى، أو القلم سماء، كلام هبل هذا، لا يُمكِن! أليس كذلك؟ لا يُمكِن أبداً، لكن يختلف الأمر مع القلم جديد، هذا مُمكِن! القلم جديد، القلم – مثلاً – مملوء بالحبر السائل، هذا معقول! القلم مصنوع في ألمانيا أو مصنوع في اليابان، هذا معقول جداً!
إذن عندنا الحمل، ولابد فيه من توفر هذين الشرطين، وهما ماذا؟ الاختلاف من جهة، والاتفاق من جهة، لكي يتم الحمل، لكي يتيسَّر الحمل، لكن هذا الحمل قسَّمه المناطقة إلى أنواع، عندنا الحمل الأول حمل طبعي، والحمل الثاني حمل جعلي صناعي، الحمل الطبعي نسبة إلى الطبيعة، والحمل الجعلي أو الصناعي يُسمونه أيضاً الوضعي، إذن عندنا حملان، طبعاً الحمل الطبعي نسبة إلى الطبيعة، لأن طبيعة الإنسان تقبله ولا تأباه، بسهولة وبسلاسة! مفهوم جداً، كحمل الحيوان على الإنسان، هيا قولوا لي كيف يحمل لي أحدكم حيواناً على إنسان؟ ماذا سوف يقول المُجيب؟ نحن قلنا الحيوان، ولم نقل الناطق، انتبه! هذا منطق فكُن دقيقاً، الإنسان حيوان، مقبول! الإنسان حيوان، هذا صحيح، وهذا ليس تعريفاً بالمُناسَبة، التعريف – الماهية الكاملة – هو حيوان ناطق، لكن هذا يُمكِن في الحمل، الإنسان حيوان، طبعاً هو حيوان! الإنسان حيوان حيوان، بلا شك هو حيوان، الإنسان حيوان، القرد حيوان، والغزال حيوان، هذا صحيح، هذا حمل لا يأباه الطبع، يقبله! الإنسان حيوان، حملنا الحيوان على الإنسان، وأنت الآن فهمت ما الحمل، هو الإسناد أو الوصف، ودائماً المحمول هو الصفة، والموصوف يُسمونه الموضوع، أرأيت؟ الموصوف هو المُسنَد إليه، انظر إلى هذا، الإنسان حيوان، أين المحمول؟ حيوان، فيُقال حملنا الحيوان على الإنسان، والإنسان محمول عليه، الأحسن أن يُسموه الموضوع للاختصار، بدل أن نقول المحمول عليه نقول الموضوع، هو المحمول عليه! هذا المحمول عليه أو الموضوع وهذا المحمول، مَن أعم ومَن أخص: الإنسان أو الحيوان؟ الحيوان أعم طبعاً، هذا واضح طبعاً، لأن كل إنسان حيوان، لكن ليس كل حيوان إنسان، عندك القرد، الغزال، والتمساح، هذه كلها حيوانات يا حبيبي! فهذا أعم إذن، ونحن قلنا في الدروس السابقة العلاقة بين إنسان وحيوان علاقة عموم وخصوص مُطلَق، تُمثَّل بدائرتين مُتحدتي المركز، الدائرة الصُغرى هي دائرة الأخص مُطلَقاً، والدائرة الأوسع هي الأعم مُطلَقاً، فالدائرة الصُغرى إنسان، والدائرة الكُبرى حيوان، فطبعاً كل أفراد الإنسان يدخلون في الحيوانية، لكن عندنا أفراد في الحيوان هنا لا يدخلون في الإنسان، هذه الدائرة الصغرى ليس فيها إلا إنسان، فقط إنسان! لكن هنا يُوجَد تمساح، غزال، حية، سُلحفاة، وكذا وكذا، إلى آخره! تدخل في الحيوان، وهذا صحيح، عندها الحق في أن تدخل هنا، لكنها لا تدخل في الإنسان، هذا مضبوط! فكل إنسان حيوان، لكن ليس كل حيوان إنسان، هذا صحيح، هذا الحمل الطبعي، قد تقول لي ما الفائدة التي نخلص إليها من الكلام هذا؟ هذا الكلام له فوائدة مُمتازة جداً المنطق لكننا لن نعرض لها بالضبط حتى لا يُصبِح الأمر مُعقَّداً كثيراً، فدعها الآن، لكن فقط افهم هذا، إذا فهمته فسوف تعلم المعنى بعد ذلك حين تقرأ أن هناك مَن يقول لا يا أخي، أنت اعتراضك ساقط، لأن هنا الحمل كان حملاً طبعياً وليس حملاً وضعياً، فغلط اعتراضك هذا، أشياء دقيقة! مثل الحمل الأولي والشايع، علماً بأننا سنذكرها اليوم أيضاً، فهي تدخل في نفس التقسيم، وتحل لك مشاكل كُبرى، وهي في مُنتهى الدقة!

إذن عندنا الحمل الطبعي الذي لا يأباه الطبع، الطبع يأبى ماذا؟ الحمل الوضعي الجعلي الصناعي، وهو حمل ماذا؟ حمل الأخص مفهوماً على الأعم مفهوماً، ستقول لي ما معنى (مفهوماً)؟ انتبه، المفهوم غير المصداق، أليس كذلك؟ انتبه! دائماً حين نقول لك الأخص مفهوماً سيصير الكلام عن المفهوم وليس عن المصاديق، مثل ماذا؟ دعنا نرى، سأُعطيك مثالاً، مثل إنسان وناطق، نُريده كمفهوم الآن، من جهة المصداق الآن الإنسان والناطق مُتساويان أو غير مُتساويين؟ تماماً مُتساويان، لا يُوجَد كائن ناطق أو حيوان ناطق – وفهمنا ما الناطق – إلا وهو إنسان، ولا يُوجَد إنسان إلا وهو ناطق، لا كلام هنا! فمن جهة المصداق لا يُوجَد تفكيك بينهما، انتهى الأمر، لكن ما الوضع من جهة المفهوم؟ من جهة المفهوم ما الوضع؟ حين نأخذ مفهموم ناطق أو الناطقية نجد أنه أعم من إنسان، أليس كذلك؟ الذهن نفسه له أن يلحظ هذا المفهوم بغض النظر عن كون حامله أو المُتصِف به – أي يُحمَل على – إنساناً أو غير إنسان، الذهن مُتوسِّع، يأخذ هذا المفهوم بعمومه، لذلك يُقال مفهوم ناطق أعم من مفهوم إنسان، وهذا صحيح، هو أعم منه كمفهوم، لكن كمصداق هما مُتساويان، في الواقع الخارجي الناطق هو إنسان والإنسان هو ناطق، لكن كمفهوم هو أعم فعلاً يا أخي، حتى مفهوم ضاحك أعم من إنسان أو ليس أعم؟ أعم، الإنسان ينتزع هذا وحده لكونه إنساناً، بغض النظر ومن غير أن يُلاحَظ أنه لا ينطبق إلا على الإنسان، مفهوم! يقدر أن يتخيَّل أيضاً وجود مخلوقات أُخرى وأشياء أُخرى غير الإنسان وما إلى ذلك ويكون عندها صفة الضحك، التي هي طبعاً ماذا؟ عرض عام أو عرض خاص صفة الضحك؟ عرض خاص، إلا أن يثبت وجود أنواع من الحيوانات تضحك فعلاً، إذا عرَّفنا الضحك بدقة وفهمنا ما الضحك علمياً ونفسياً وفسيولوجياً وثبت أن الشِمْبانزِي Chimpanzee – مثلاً – يضحك وما إلى ذلك خاصة أنهم يتحدَّثون عنه كثيراً فهذا شيئ ثانٍ، على كل حال ستصير عرضاً عاماً، انتبه! إذا اشتركت بين اثنين أو كثر ستصير عرضاً عامً، وليس عندنا مُشكِلة بالمُناسَبة، ولذلك يُسمون هذا المنطق بالــ Formal logic، هو لم يأت لكي يُعلِّمك علوماً، هو لم يأت لكي يُعلِّمك – مثلاً – الفسيولوجيا Physiology، يقول لك ليس لي دخل بهذا، ولم يأت لكي يُعلِّمك حتى الفيزياء، كأن يقول جنس الأجناس هو الذرة أو الكوارك Quark؟ يقول لك هذا ليس شغلي، قديماً كان يدّعي أن هذا شغله مع الفلسفة وما إلى ذلك، لكن الآن اختلف الأمر، يقول لك هذا ليس شغلي، قد تقول المنطق كله غلط وكلام فارغ، فلماذا تقول هذا؟ لماذا “محروقة رزتك” كما يُقال؟ ما مُشكِلتك؟ قد تقول يا أخي ثبت غير هذا، وأنا حضرت برنامجاً وثائقياً عن أن الحيوانات تضحك، لكن نحن ليس عندنا أي مُشكِلة، احذف الضحك، الضحك صار عرضاً عاماً بدل خاصة يا سيدي، لكن كلامنا لا يزال عن وجود شيئ اسمه مفاهيم، وهذا فيه خاصة وعرض عام يا رجل، هذا منطق وهذه قوالب، فالتطبيق وما إلى ذلك يخضع لنتائج العلوم، ما لك؟ لماذا أنت زعلان؟ هذا اسمه منطق صوري Formal؟ هل هو جاء لكي يُعلِّمك الفسيولوجيا Physiology؟ هل جاء لكي يُعلِّمك علم الحيوان؟ لم يأت لكي يُعلِّمك هذه الأشياء، هل هو جاء لكي يُعلِّمك أو الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك؟ هو لم يأت لكي يُعلِّمك الأشياء هذه، يُمكِن أن تأتي بأمثلة من علم الفلك ثم يتضح أنها كانت خاطئة، المُقدِّمات نفسها والمعلومات كانت غير صحيحة، فلا تقل المنطق غالط، المنطق صحيح، ويشتغل بشكل صحيح دائماً، لكن المعلومات هذه نفسها خاطئة، وسوف نستبدل الصحيحة بها يا سيدي إن أمكن أو الصحيح من غيرها مما ثبت البرهان عليه، وهكذا! هذا معنى المنطق الصوري فانتبه! لأن هناك أُناساً يأتون بكل بلاهة ويقولون لك المنطق هذا علم لا يصلح لأنهم غلطوا وقد أثبتوا كذا كذا لأن فكه لا يتحرَّك، وهذه الأشياء ليس لها علاقة بالمنطق، المنطق فيه قوالب تشتغل بشكل صحيح دائماً، أليس كذلك؟ لكن حين تُشغِّلها على معلومات خاطئة تكون هذه مُشكِلتك.

نرجع، الناطق مثل الضاحك ومثل حتى قابلية العلم وصنعة الكتابة، أعم من الإنسان كمفهوم، لكن كمصداق يختلف الأمر، عندنا في الواقع الذي نراه – الواقع المحسوس – لا يُوجَد مَن عنده هذه القابلية إلا الإنسان، ففي المصداق يتعادلان تماماً، يستويان! لكن كمفهوم أعم، الناطقية أعم، الضحك أعم، الكذا أعم، كلها أعم – سُبحان الله – من الإنسان، فهذا الذي عندنا، إذن حمل الأعم على الأخص طبعي، يقبله الطبع فعلاً، ليس عنده اعتراض، لكن حمل الأخص على الأعم يستغربه الطبع، يقول لك لا، هذا شيئ غريب جداً، كيف تحمل أخص على أعم؟ هذا يُسمونه ماذا؟ الصناعي أو الوضعي.

عندنا الآن الحمل الأولي أو ما يُسمونه الذاتي والحمل الشايع، وقد شرحنا هذه النُقطة المرة السابقة وفصَّلنا فيها – والحمد لله – كثيراً، ختمنا بها الدرس واستفدنا استفادات مُهِمة في الموضوع هذا، انظر إلى الحمل الأولي، الأحسن – احفظ هذا – أن نُسميه الحمل الذاتي، كلمة الذاتي لا تُضيَّعها منك، الحمل الذاتي! لأنه حمل الشيئ على نفسه، ستقول لي هذا كيف؟ نحن قلنا قبل قليل حمل الشيئ على نفسه لا يُمكِن، أليس كذلك؟ لكن هنا يُوجَد تغاير، التغاير بلحاظ شيئ مُعيَّن، وسوف نرى هذا الآن، هل يُمكِن أن نقول الإنسان حيوان ناطق؟ كيف تقول هل يُمكِن هذا؟ كل الدنيا تقول هذا دائماً، المنطق كله عنده المثال هذا، طبعاً يُمكِن! ودائماً هذا يُقال، قد يقول أحدهم لك لا، أنت لم تفعل شيئاً، لأن ما الإنسان؟ هو حيوان ناطق، أليس كذلك؟ هذا هو تماماً! فأنت لم تفعل شيئاً، حملت الشيئ على نفسه، وهذا صحيح، هذا اسمه الحمل الذاتي، حملت الشيئ على ذاته، الحيوان الناطق هو الإنسان، لو أحدهم قال لك ما الحيوان الناطق؟ ستقول له الإنسان، ولو قال لك ما الإنسان؟ ستقول له الحيوان الناطق، مثل اثنين زائد اثنين يُساوي أربعة، لكن مثالنا هذا يعني أن أربعة تُساوي اثنين زائد اثنين، هو هذا! أربعة هي إنسان، اثنان الأولى حيوان، اثنان الثانية ناطق، هي نفسها! أي كأنها صارت قضية تحليلية أو تركيبية؟ تحليلية، هذه ليست تركيبية، هذه تحليلية وليست تركيبية، التحليلية يُسمونها تكرارية أو تحصيلية، والأخرى هي التركيبية، حين أقول الهيدروجين Hydrogen قابل للاشتعال تكون هذه تحليلية أو تركيبية؟ تركيبية، (ملحوظة) قال أحد الحضور تحليلية، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، لأنها أفادتنا شيئ جديد، أنت الآن حين تسمع كلمة الهيدروجين Hydrogen هل ستعرف أنه قابل للاشتعال؟ أنا أُراهِنك على أن أكثر الناس العوام لا يعرفون أنه قابل للاشتعال، يقولون إنه يشتعل مثل الأكسجين Oxygen، لا يعرفون! أفادت شيئاً جديداً وهذا لم يُعرَف قديماً، أرسطو Aristotle لم يعرفه، ابن سينا لم يعرفه، فيزيائيو القرن الخامس عشر لم يعرفونه، أليس كذلك؟ هذا عُرِف بعد قرون بالتجارب، أليس كذلك؟ هذا يعني أنه أفادنا معلومات جديدة، كل شيئ يُفيدك معلومة جديدة غير موجودة في الجُملة يُسمونه قضية تركيبية، احفظ هذا فهو مُهِم جداً في منهاج وفلسفة العلم، لكن القضية التحليلية ليست كذلك، يكفي فقط تحليل الألفاظ نفسها لكي نستخرج الشيئ الذي تدّعي أنك أضافتك، نقول لك لا، هذا موجود يا أخي، أنت حين تُحلِّل أصلاً مفهوم إنسان تجد أنه الحيوان الناطق، فما الذي أتيت به؟ حين تُحلِّل أربعة تجد أن أربعة هي اثنان زائد اثنين أو ثلاثة زائد واحد، أليس كذلك؟ أو أربعة زائد صفر أو صفر زائد أربعة أو ثمانية مُقسَّمة على اثنين، أليس كذلك؟ وهكذا إلى آخره، كل هذا في النهاية هو الأربعة، هذه الأربعة! هذا صحيح، أليس كذلك؟ هذه تحليلية، فالقضايا الرياضية في الرياضيات قضايا تحليلية طبعاً، علم الرياضيات علم تحليلي تحصيلي تكراري، لكن الأمر يختلف مع علم الفيزياء، علم الفسيولوجيا Physiology، علم الطب، علم الكيمياء، وعلم الهندسة، هذه كلها علوم قضاياها تركيبية، تُضيف لنا دائماً معلومات جديدة يا أخي، وتُحكِّمنا في الكون أكثر وأكثر، كيف هذا؟ هذه علوم تركيبية، ليست علوماً تحصيلية تكرارية، فهنا عندنا تحصيل وتكرار، الإنسان حيوان ناطق، ستقول لي إذن كلامك في الحمل صار هنا في هذه القضية لم يتحقَّق، لكن هذا غير صحيح، تحقَّق! يُوجَد اشتراك طبعاً، هذا الاشتراك كثير وهو اشتراك تعادلي، ويُوجَد اختلاف، الاختلاف جاء بلحاظ ماذا؟ الإجمال والتفصيل، فقط! هذا هو فعلاً، فالإنسان مُجمَل، حيوان ناطق مُفصَّل، مثل ما هذا الشكل الذي ذكرناه؟ يقول لك أحدهم مُربَّع، وهذا صحيح، كلامه صحيح لأن هذا مُربَّع، وآخر يقول لك هذا سطحٌ مُستوٍ محوظٌ بأربعة أضلاع وكذا وكذا، هو حكى في النهاية أنه مُربَّع، مُحصَّل كلامه أنه مُربَّع، أليس كذلك؟ لكن يُوجَد فرق حقيقة بين كلمة مُربَّع وبين هو سطحٌ مُستوٍ محوظٌ بأربعة أضلاع وكذا وكذا، ما هو؟ فرق بالإجمال والتفصيل، هذا صحيح! فالآن الحمل الذاتي – وهو الأولي – هو حمل الشيئ على ذاته، فيُفيدنا تحديداً لماذا إذن؟ للماهيات، الحمل الذاتي يُفيد الماهيات، الحمل الذاتي يُنظَر فيه إلى المصاديق أو إلى المفاهيم؟ هل يُنظَر إلى المفهوم نفسه والماهية؟ يُنظَر إلى المفهوم والماهية، انتبهوا! شرحنا هذا في المرة السابقة، شرحناه بشكل واضح، حين نُعرِّف الفعل والحرف والمُجمَل نقول المُجمَل هو غير ظاهر المعنى، إلى آخره! كل هذا ذكرناه من قبل.

نرجع الآن، عندنا الحمل الشايع، والآن ستفهمون بالضبط ما هو، لأنني قلت لكم حيلة حتى لا تخربطوا وتقولوا أين الحمل الذاتي الأولي والحمل الشايع؟ قلت لكم يكون شايعاً لأن له مصاديق كثيرة، هذه الخُطة من عندي! لكن المناطقة لم يُسمونه هكذا بسبب هذا الجُزء، لا! أنا قلت هذا حتى لا تنسوا هذا بالمرة حين تُفكِّرون، أُريد حين أُعطيكم سؤالاً أن تقولوا هذا حمل شايع أو هذا حمل أولي دون أن تُخربِطوا، الشايع هذا يلتفت إلى المصاديق، والمصاديق كثيرة! هذا صحيح، المفهوم واحد ومصاديقه كثيرة، مثل إنسان، مفهوم واحد، ومصاديقه – ما شاء الله – كثيرة، يُوجَد مليارات من البشر دائماً، أليس كذلك؟ مفهوم قلم واحد، مفهوم قلم فقط! مفهوم مُربَّع واحد، ومصاديق المُربَّع كثيرة، نتحدَّث عن كل مُربَّع في الكون، كل مُربَّع في الكون هو مصداق للمُربَّع، فلذلك قلت لكم احفظوه لكي تعرفوا ما الشايع، الشايع يلتفت إلى ماذا؟ إلى المصاديق، الأولي يلتفت إلى ماذا؟ إلى المفهوم، هذا مُهِم حتى لا تنسوا، لكن هل تعرفون لماذا هم سموه شايعاً؟ ليس من أجل هذا، هم سموه شايعاً لأنه مُتعارَف عليه، وسموه الحمل المُتعارَف وسموه الحمل الصناعي أيضاً، سموه الحمل الصناعي أو المُتعارَف أو الشايع، أشهر كلمة له الشايع! لأنه الشائع المعروف المُتعاطى بين أصحاب العلوم والفنون والصناعات، اسألوا أي طبيب عن الــ Milz، قولوا له ما الــ Milz؟ لأنكم لا تعرفون هذا مثلاً، تسمعون به لأول مرة، وسوف يقول لكم الــ Milz هو – عضو Organ، أي An organ، انتبه! قال عضو، فحين نأتي ونقول – مثلاً – ضرب سيقول أحدهم لما ما ضرب؟ ومن ثم سنقول له ضرب فعلٌ ماضٍ مثلاً، إذن هو فعلٌ ماضٍ! هل هذا جيد؟ هذا فيه حمل الآن، ضرب فعلٌ ماضٍ، فالآن سيقول لنا ما هذا الحمل؟ هل هذا حمل أولي؟ لا، ما هذا الحمل؟ حمل شايع طبعاً! ضرب فعلٌ ماضٍ، هذا حمل شايع، مضبوط! لكن ما الفعل الماضي؟ عُد إلى كُتب النحو، وسوف تعرف ما هو الفعل الماضي بالضبط، وعلى ماذا يُبنى وكيف كذا وكذا، كل هذه التعريفات تكون للحمل الأول، الحمل الذاتي! أرأيتم؟ هذا حمل شايع، ما الــ Milz؟ عضو Organ وكذا وكذا، هذا حمل شايع، أليس كذلك؟ ما القلب؟ عضو عضلي ضاخ لكذا ويفعل كذا، إلى آخره! هذا حمل شايع، أو نقول هو عضو من أعضاء الجسم، هذا حمل شايع، لأن مفهوم عضو أكبر من قلب، أليس كذلك؟ ويدخل فيه الــ Milz والكبد Liver والكُلى وكل شيئ، فلن نُطيل في هذا لأننا شرحناه في المرة السابقة شرحاً جيداً ومُفصَّلاً، ورأينا كيف أن فهم الحمل الذاتي والحمل الشايع – الحمل الذاتي يُنظَر فيه إلى المفهوم، الحمل الشايع يُنظَر فيه إلى المصداق – يحل لنا مُشكِلة كُبرى بل مشاكل تعرض للمُتكلِّمين والدارسين وما إلى ذلك، أليس كذلك؟ ويرفع التهافت في الكلام والفكر، وفقط سأسألكم عن مثال واحد لكي أرى هل حصَّلتم هذه المعلومة وثبتت عندكم أم لا، حين نأتي ونُعرِّف المُجمَل في علم أصول الفقه – مثلاً – ماذا نقول؟ بماذا يُعرَّف – كما قلنا – المُجمَل؟ هو لفظ غير ظاهر المعنى، ما المُجمَل؟ يُقال لفظ مُجمَل، فما هو؟ غير ظاهر المعنى، أليس كذلك؟ غير مُحدَّد المعنى، مُجمَل! والإجمال – قلنا – بسبب أمور كثيرة في علم أصول الفقه، من أشهرها – مثلاً – بسبب الاشتراك، أليس كذلك؟ مثل قرء، لفظ مُجمَل أو غير مُجمَل؟ هل هذا لفظ مُجمَل أو مُبيَّن؟ مُجمَل! ولذلك اختلفوا حتى في موضوع عدد المُطلَقة، أليس كذلك؟ حدث اختلاف بين الشافعية والأحناف، الشافعية قالوا أطهار، أي ثلاثة أطهار! الحنفية قالوا ثلاث حيض أو حيضات، لماذا؟ لأن هناك إجمالاً، كلمة قرء تُطلَق على الحيضة وتُطلَق على الطُهر يا أخي، فيها إجمال! هذا بسبب الاشتراك، العرب مرة وضعوا هذه اللفظة وأرادوا بها الطُهر، وربما قبيلة أُخرى وضعتها وأرادت بها الحيض، صار فيها اشتراك، صار فيها نوع من الاشتراك! واليوم في الفلسفة سوف أتكلَّم عن الاشتراك لكن عند الفلاسفة والمناطقة بكلام أوسع وأدق، هذا مُهِم جداً لكي نرد على الاسميين.

فالآن نأتي ونقول المُجمَل ما كان غير ظاهر المعنى مثلاً، هذا الكلام صحيح، لكن جاء شخص واعترض، قال لك كيف هو ظاهر غير المعنى وها أنت عرَّفته؟ أنت قمت بعمل تعريف – Définition – له، قلت غير ظاهر المعنى، فالمُجمَل مُبيَّن! صحيح أنه مُبيَّن، نحن بيَّناه والله، بيَّنا المُجمَل! كيف الجواب عن هذه الشُبهة؟ (ملحوظة) سمح الأستاذ الدكتور لأحد الحضور بالإجابة قائلاً تفضَّل يا أبا القاسم، فذكر أن المفهوم مُبيَّن، فقال له فضيلته أحسنت، المفهوم نفسه مُبيَّن، المفهوم – Concept – الخاص بمجُمَل مُبيَّن، وهذا بيانه! ما كان غير ظاهر المعنى، أليس كذلك؟ لو أخذنا مصداقاً واحداً – المصداق مثل ماذا مثلاً؟ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ۩، مثلاً! أو مثل ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۩ – وجئنا لكي نفحصه سنجد أنه مُبيَّن أو غير مُبيَّن؟ غير مُبيَّن، إذن هذا يعني أن الحمل هو ماذا؟ المُجمَل ما كان غير ظاهر المعنى، هذا حمل أولي أو شايع؟ هذا يُراد به الشايع، نحن أردنا به الشايع، خُذ أنت أي مصداق وسوف تجد أنه غير مُبيَّن، لو جاء شخص وقال المُجمَل مُبيَّن، سوف نقول له كلامك صحيح أو غير صحيح؟ صحيح، وهذا باعتبارين وقد شرحناهما، كيف يكون بحسب الاعتبار الأول هذا صحيحاً فيكون المُجمَل مُبيَّناً؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور إجابة خاطئة، فعلَّق عليها الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً كيف هذا؟ كيف يصير هذا مُبيَّناً؟ كيف؟ ائتني بمثال، قل لي ما قصدك، فذكر المُجيب ما عنده لكن الإجابة كانت خاطئة أيضاً، فقال له فضيلته لا، كيف المُجمَل مُبيَّن؟ أنت تقول لي شايع، هذا يعني أنه تحدَّد للفقيه أو للمُجتهِد – كالشافعية مثلاً – أن المُراد بالقرء الطهر وأتوا بأدلة، فأصبح المُجمَل مُبيَّناً، زال عنه الإجمال، أليس كذلك؟ يقول لك هذا عندي مُبيَّن، أي تم بيانه، تم تبيينه بالأدلة طبعاً، العلماء لا يتركون مُجمَلاً هكذا، لابد وأن يُبيِّنوه، طبعاً هنا يصير عندنا موضع للاجتهاد، إذن هو أصبح مُبيَّناً بهذا المعنى، والمقصود بالمُجمَل هنا – في المُجمَل المُبيَّن – فرد من أفراده، أي مصداق، كالقرء مثلاً! أليس كذلك؟ لكن دعونا المُجمَل مُبيَّن أيضاً باعتبار آخر، كيف يكون المُجمَل مُبيَّناً؟ هذا جواب، ماذا عن الجواب الثاني الذي ذكرناه؟ المُجمَل مُبيَّن بالحمل الأولي، هو مُبيَّن بالجمل الأولي بدليل أننا نُعرِّفه، أليس كذلك؟ عرَّفناه! أليس كذلك؟ نحن عرَّفناه، كما قلنا عن الفعل، الفعل ما لا يُخبَر عنه، لكن أحدهم قال لك أنت هكذا أخبرت عنه، أخبرت عنه بأنه لا يُخبَر عنه، فقل له أنا عيني ولحاظي حين قلت الفعل لا يُخبَر عنه كان على مصاديقه بالحمل الشايع، مثل ضرب يضرب، هذا لا يُخبَر عنه، يُخبَر به، أليس كذلك؟ والذي بيَّنته حين قلت الفعل ما لا يُخبَر عنه هو اسم الفعل، أي كحمل ذاتي، هذا صحيح! هذا كحمل ذاتي، لكن كحمل شايع يختلف الأمر، فلابد وأن تفهم أنواع الحمل لكي تعرف كيف تكون الاعتراضات وكيف يكون الجواب عنها.

آخر شيئ حمل مواطأة وحمل اشتقاق، عندنا ثلاثة أنواع من الحمل، أرأيتم؟ حمل طبعي، حمل جعلي أو وضعي، حمل ذاتي أولي أو حمل شايع أو صناعي أو مُتعارَف، وآخر شيئ حمل مواطأة وحمل اشتقاق، ما حمل المواطأة؟ نحن قلنا ما المواطأة حين تحدَّثنا عن المواطئ أو المتواطئ والمُشكِّك، المواطأة ما معناها؟ الاتفاق أو التساوي، أليس كذلك؟ فحين نقول الإنسان حيوان ضاحك يكون هذا حمل مواطأة أو حمل اشتقاق؟ سوف نرى! حمل المواطأة يُسمونه حمل هو هو، هذا حمل هو هو! حمل الاشتقاق يُسمونه حمل ذو هو، اجعله مرفوعاً على الحكاية، هذا حمل ذو! لو قلت حمل ذي هو سيكون هذا على القاعدة، لكن لو قلت حمل ذو هو سيكون هذا على الحكاية كما يُسمونه، مثل في سورة المُؤمِنون، هذا على الحكاية، أي مرفوع على الحكاية، لأن هذه اسمها سورة المُؤمِنون، فالآن لفظة الضاحك هذه مُشتَقة من ماذا؟ هذا اسم فاعل، ضاحك! أي Participle، مُشتَقة من ماذا؟ من الضحك، ضحك يضحك ضحكاً، المصدر الضحك، إذن هذا مُشتَق، المُشتَقات عندنا سبعة في اللُغة العربية، أليس كذلك؟ هذا مُشتَق! أحد المُشتَقات السبعة، وهو اسم الفاعل، فعندنا ضاحك وهو مُشتَق، هذا مضبوط، مُشتَق من ماذا؟ من ضحك، مُشتَق من ضحك، تمام! هل يُمكِن أن نقول الإنسان ضحك؟ أي بضرب من ضروب اللفت، مثلما يُقال الله محبة، الله رحمة، وما إلى ذلك! هذا اسمه حمل اشتقاق، لكي نفر منه ولا نقول الإنسان ضحك – هذا غير معقول يا أخي – نقول الإنسان ذو ضحكٍ، أي هي ضاحك في النهاية، أليس كذلك؟ هي ستصير ضاحكاً، فهذا يُسمونه حمل اشتقاق، لكن لو قلت الإنسان ضاحك سيكون هذا حمل مواطأة، لأن فعلاً الضحك خاصة من خواص الإنسان، ولن تجد ضاحكاً إلا الإنسان، لذلك فعلاً يتفق في المصاديق على الأقل، وإن كان مفهوم الضحك أعم من مفهوم الإنسان كما شرحت قبل قليل، هذا حمل مواطأة! لأن هو هو، مَن الحيوان الضاحك؟ الإنسان، هذا هو نفسه! أليس كذلك؟ أو حتى ناطق، هذا نفس الشيئ، فهذا سيصير حمل اشتقاق، لكن الأمر يختلف معه الإنسان نطق، هذا حمل اشتقاق وليس حمل مواطأة، أي ذو نطق، وهو يتحوَّل في النهاية إلى ناطق، فقط! وهذه أقل الثلاثة فائدة، مُجرَّد كلام لا ينبني عليه كبير تأثير إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: