– الأستاذ المُهندِس طرفة بغجاتي: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نُتابِع معكم – إن شاء الله – سلسلة الإمام الغزالي مع الحلقة الثانية عشرة مع شيخنا الفاضل عدنان إبراهيم.

الحلقة الماضية – الحلقة الحادية عشرة – بدأ فيها الشيخ بمُتابَعة الحلقة العاشرة وعن كوكب الشمس بين اندماج وانشطار وطاقة اندماج في الشمس وإمكانية موت الشمس وانكماشها، وبعد ذلك أخذ النُقطة الثالثة المُحيِّرة من النقاط الثلاث التي ذكرها وهي موضوع السببية التي أُسيء فيها للإمام الغزالي إساءة قلما أُسيء له مثل هذه الإساءة بغيرها من المسائل، وشرح لنا الشيخ وفصَّل آخذاً أمثلة النار والقطن وأمثلة الأكمه مع الليل والنهار والألوان والنور بين الاقتران والسبب، وكان لإمامنا الغزالي في هذا خروجٌ وقدرةٌ على الخروج عن المألوف مدحها الشيخ عدنان، وأكَّد أن العلم التجريبي أيضاً يصف ولا يُعلِّل، الفرق بين العادة والسبب، وكان أبو حامد الغزالي في كتابه محك النظر قد قال أنه لم يُنكِر السببية بل يُعيد تفسيرها ويشرح العلية، وشرح لنا الشيخ الفاضل أن العلم التجريبي بحد ذاته بيقين في المنطقيات والرياضيات هو شيئٌ من الترجيح وليس اليقين، الفرق بين الترجيح واليقين، وانتهت الحلقة في موضوع الشك حيث أن الإمام الغزالي قال مَن لم يشك لم ينظر، ونتجه الآن – إن شاء الله وبعون الله تعالى – إلى الحلقة الثانية عشرة مع شيخنا الفاضل، تفضَّل شيخ عدنان.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: شكراً، بارك الله فيك أبا عدنان وشكر الله لك.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.

إخواني:

ما زلنا في موضوع السببية، إذن أبو حامد الغزّالي أيها الإخوة – وقد صرَّح بهذا في مواضع من كُتبه – لو ذهبنا نسأله قائلين يا إمامنا ويا شيخنا نظريتك هذه التي أعدت فيها تفسير مبدأ أو قانون العلية أو السببية هل يترتَّب عليها أو تقتضي ألا نأخذ بالأسباب وألا نصطنع الأسباب: ألا نشرب لكي نرتوي ولا نأكل لكي نشبع ولا ننام لكي نرتاح ولا نعمل لكي نُحصِّل ونكتسب ولا ولا ولا ولا إلى آخره؟ سوف يقول لنا مُستحيل، بالعكس وأنا كلامي كثير ومُفصَّل في موضوع التسبب واحترام الأسباب، أنا لم أتطرق إلى هذا بأي نوع من الشجب أو الإنكار، وكما قلت لكم أنا فقط أعدت تفسير السببية، هذا كان أولاً.

ثانياً لو سألناه هل يا شيخنا ويا إمامنا وفق نظريتك التفسيرية الجديدة هذه يُحتمَل أن تختل أوضاع الكون؟ سوف يقول لنا لا، لأن الله شاءت حكمته أن يُجري هذه الأوضاع وفق هذه التعاقبات ووفق هذه الاقترانات في مجرى العادة بحيث يُعَد الشذوذ عن ذلك نادراً جداً في حال – مثلاً كما قلنا – المُعجِزات أو المعاجز للأنبياء، أين المعاجز هذه؟ الحياة ليست معاجز، الحياة مُطرِدة بقوانينها المعروفة لكن تحدث معاجز، والآن هنا سأُضيف إضافة مُهِمة جداً جداً، ما هي؟ لماذا لم يجد أبو حامد مناصاً من إعادة تفسير قانون السببية أو العلية على الطريقة التي شرحتها وبيَّنتها لكم من أجل أن – غير موضوع إفراد الله بالخالقية – يُفسِح للمُعجِزة؟ لكي تقع مُعجِزة لنبي لابد أن نُفسِّر السببية على هذا النحو، لماذا؟ بعض الناس لا يفهم، المسألة فيها عمق، أنا سأقول لكم لماذا بجُملتين قصيرتين، لو كانت الأسباب تفعل فعلاً بالطريقة التي يعتقد بها غير الأشاعرة وأن المُسبَّب ينتج بسببه وليس عنده والسبب يُنتِج مُسبَّبه بذاته أو بالقوة المُودَعة فيه لما أمكن أن تحصل مُعجِزة إلا برفع السبب، ممنوع أن يبقى موجوداً، لابد أن يُرفَع بالكُلية، لابد أن يُعدَم، لابد أن يُزال من الساحة حتى تأتي المُعجِزة، بمعنى لا يُمكِن على هذه الطريقة أو هذا النحو أن يُلقى بإبراهيم في النار والنار موجودة ويدخلها إبراهيم أو يُقذَف فيها ثم لا تحرقه، مُستحيل، لأن النار بطريقتها تُحرِق، أليس كذلك؟ هي مخلوقة هكذا، هذا هو طبعها، هذا طبعها وهذه القوة المُودَعة فيها، فلابد أن تُحرِق، وإبراهيم لم يضع على جسمه مواد حافظة تحفظه كما يفعل بعض المُشعوِذين وبعض السحرة، لم يفعل هذا أبداً، وإنما قُذِف هكذا لأنه لم يكن مُشعوِذاً، كان نبياً ورسولاً صادقاً، هل هذا واضح؟ لكن الحاصل أن النار موجودة ودخلها مَن هو لحمٌ وعظمٌ وشحمٌ ولم يحترق، علمنا أن النار لا تفعل بذاتها ولا بقوة فيها، وإنما الله – عز وجل – حين يشاء هو الذي يخلق فعل الحرق والاحتراق – الفعل والانفعال – عند مُلامَسة النار أو اقتراب النار من جسم من طبعه كما رأينا في مجرى العادة أن يحترق بالنار، هو هذا، عند لا بــ ، إذن لا يُمكِن في نظر أبي حامد – هذا فهمي – أن يُفسِّر المُعجِزة مع بقاء النظام السببي كما نفهمه أيها الإخوة، بل لابد أن يرتفع السبب أصلاً إذا انتحلنا طريقة الفلاسفة والطبيعيين في فهم الأسباب والمُسبَّبات، أما على طريقة الأشاعرة فالأمر جد واضح وبسيط، السبب موجود لكنه لا يُنتِج مُسبَّبه، لأنه أصلاً لا يُنتِجه، إنما الذي يخلقه مَن؟ الله، يخلق المُسبَّب عند السبب، الآن الله أتاح للسبب أن يكون حاضراً في المسرحية لكي يُؤدي دوره لكنه للأسف أو للعجب أو للمُعجِزة – يا للإعجاز! – لم يُؤد دوره، لأنه لا يُؤديه بذاته، الله يخلق أثره عنده لا به، الله أتاح لهذا المُؤثِّر أن يُوجَد ولم يخلق الأثر، إذن يُمكِن أن تحصل المُعجِزة الآن، وهذه هي المُعجِزة، أما أن تقذف إنساناً في هواء ولا يحترق هذا كلام فارغ، أليس كذلك؟ كيف تقول لنا مُعجِزة؟ أرأيتم أننا أودعناه في هواء ولم يحترق؟ هو أصلاً لا يحترق، المُعجِزة أين؟ أن يكون في النار التي تظن أنت أنها تُحرِق بذاتها ولم تحرقه، إذا كانت تُحرِق بذاتها لابد أن تحرقه، مُستحيل عكس هذا، لأنها تحرق بذاتها، أليس كذلك؟ الله فعل هذا، لكي تحدث مُعجِزة على هذا الفهم لابد أن تُحذَف النار كلها، ممنوع أن تكون موجودة وإلا تفعل، مثل الماء لابد أن يُبلِّل، أليس كذلك؟ إذا جاء على الورق أو على الملابس لابد أن يُبلِّل، إذا سقط على الأرض لابد أن تبتل، فإذا أردنا ألا تبتل ينبغي أن نُنحي الماء، لكن إن رأينا الماء نزل ولم تبتل علمنا أن الماء لا يُبلِّل وإنما الله هو الذي يخلق التبليل والابتلال أو الانبلال على طريقة الفرنسيين، الله يخلق هذا وهذا لا إله إلا هو، هذه طريقة أبي حامد، فهكذا نستطيع أن نُفسِّر المُعجِزة تفسيراً مُتسِقاً بهذه الطريقة، لكن على الفهم الأول صعب جداً جداً، لكن عملياً – دعونا نُحوصِل وننتهي من هذه المسألة فانتبهوا – هل هذا يُوجِب يا إخواني الفوضى في الكون؟ لا يُوجِب، لماذا؟ لأن أبا حامد يُسلِّم معنا أن هذه الأشياء مُطرِدة بإرادة الله وبحكمته، لا تتخلَّف إلا حين يُريد الله ذلك، وتقريباً الله لا يُريد ذلك إلا مُعجِزةً لنبي أو كرامةً لولي، أليس كذلك؟ هو هذا، أو استدراجاً لمنكور به، وهذا يحدث، الذين يُنكِرون الخوارق والمعاجز والكرامات هؤلاء مُجاحِدون مُباهِتون، يحدث ويحدث ويحدث! مَن لم يحدث له ولم يره هو المحروم، ماذا نفعل معه؟ ليس عليه أن يُكابِر وأن يُجاحِد، هذه تحدث وهي فعلاً خوارق، خوارق لا يُمكِن أن تُفسَّر بطريقة السببية المعروفة هذه، ولابد أن نُعيد النظر فعلاً في هذا النظام السببي، لكن الحياة تبقى كما هي.

أبو حامد – رحمة الله عليه – هنا في التهافت أجاب عن شُبهة قد يشغب بها بعضهم، افترض أن بعضهم سيقول لا، بهذا الفهم للسببية أو بهذا الفهم المُعاد للسببية أو الجديد المُبتكَر يُمكِن أن يتخلَّل الفوضى الكون فينقلب الشيئ إلى غيره، فينقلب الحجر إلى بشر والبشر إلى حجر، أليس كذلك؟ وكما قلنا لكم والشمس تُشرِق ولا يُضيء الكون، يبقى في ظُلمة، والعكس صحيح، تغرب فيُضيء الكون وما إلى ذلك، أبو حامد أجاب عن هذا بجهتين، أما جهة الانقلاب فأبو حامد يُنكِر انقلاب الأعيان، أبو حامد يُنكِر انقلاب الأعيان وسوف أبحث في أي صحيفة أنا سجَّلت هذا، أنكر – رحمة الله تعالى عليه – انقلاب الأعيان، سوف نرى هل هو ذكر هنا هذا أم لا، في الحلقات السابقة أنا ذكرت لكم براهينه التي يستند إليها في انقلاب الأعيان، على كل حال ما نُريده ها هنا في صحيفة مائتين وخمسين، في صحيفة مائتين وخمسين قال وأما قلب الأجناس – البشر يصير حجراً والحجر يصير بشراً – فقد قال بعض المُتكلِّمين أنه مقدور لله – بعض علماء العقيدة قالوا مقدور، الله يقدر على أن يقلب حجراً إلى بشر، انظر إلى موقف أبي حامد العقلاني، قيل أبو حامد كسف نور العقل، أبو حامد جعل العقل الإسلامي عقل غير مُعقلَن، بالعكس يا أخي، الرجل عقلاني إلى درجة بعيدة، اسمعوا الآن – فنقول مصير الشيء شيئاً آخر غير معقول – يستند إلى ماذا هنا؟ هل يستند إلى النقل أم إلى العقل؟ إلى العقل، قيل هو غير عقلاني، هو عقلاني بدرجة أولى الرجل هذا، لكن أنا أقول لكم هم يُريدون عقلاً يُبرِّر الإلحاد والسفسطة ومُتابَعة أرسطو Aristotle والماديين في كل شيئ لكي تكون عاقلاً، أبو حامد والله لو وجدهم أصابوا في شيئ لقبله، أليس كذلك؟ كما وافقهم في الطبيعيات إلا قليلاً وفي الرياضيات والمنطقيات والأخلاقيات وما إلى ذلك، فقط في الإلهيات خالف لأنهم غالطوا وهو كشف هذا رحمة الله تعالى عليه، لكن غير أبي حامد كاد لا يُوافِقهم في شيئ فصار صديقاً جاهلاً، أضر بالإسلام وقضيته، أبو حامد عقلاني، قال غير معقول، لماذا إذن؟ اسمعوا – لأن السواد إذا انقلب قدرة مثلاً فالسواد باق أم لا؟ – قل لي – فإن كان معدوما فلم ينقلب – هذا يعني أنه لم ينقلب وإنما عُدِم، سوف تقول لي عُدِم هذا، هذا عدم اسمه، أعدمت شيئاً عَرضاً، اليوم هو عَرض، فأنت أعدمت عَرضاً وأحللت في جوهر عَرضاً آخر، الألوان أعَراض – بل عُدِم ذاك ووُجِد غيره، وإن كان موجوداً مع القدرة – لكي يكون الأمر واضحاً لكم نقول سواد بياض، أي وإم كان موجوداً مع البياض – فلم ينقلب – هذا يعني أن العَرضين باقيين، هذا السواد وهذا البياض، هذا ليس انقلاباً، انظر إلى العقل، عقل جبّار – ولكن انضاف إليه غيره، وإن بقي السواد والقدرة معدومة فلم ينقلب – أين الانقلاب؟ – بل بقي على ما هو عليه.

أرأيت هذا العقل؟ فأبو حامد يُنكِر انقلاب ماذا؟ الأعيان، انتبهوا إلى هذا، نبَّهت أنا في الحلقات السابقة على أمر، أبو حامد لا يُنكِر تغير ماذا؟ الصور، ما المُراد بتغير الصور؟ عندك مادة تتعوارها صور مُتعدِّدة مع بقاء المادة، قال لا تُوجَد مُشكِلة، فالجوهر موجود والأعَراض تتبدَّل، قال ليس عندي أي مُشكِلة، أنا شبَّهتها وقرَّبتها تقريباً قد يكون مُخِلاً لكنه مُهِم للتقريب، قطعة طين الآن على شكل فرس، أعدنا عجنها وجعلناها في شكل كوب، هذا ليس انقلاباً للأعيان، هذا انقلاب للصور، تبديل للصور، العين أو المادة أو الجوهر باقٍ كما هو، لكن لبس صورة ثم اعترته صورة أُخرى، أبو حامد يقول هذا موجود، ليس عندي أي مُشكِلة، أما الانقلاب بحيث المادة نفسها تنقلب إلى شيئ آخر قال هذا مُستحيل، لأن إذا أنت افترضت أن العقل يُسوِّغ أنها تنقلب إلى مادة أُخرى هذا ليس انقلاباً أبداً، هذا إعدام، شيئ يُعدَم ويُخلَق غيره، هذا رجل عقلاني تماماً، لا يقبل الأشياء بطريقة غير عقلية، فماذا قال هنا؟

وإذا قلنا انقلب الدم منياً أردنا به أن تلك المادة بعينها – المادة الموجودة – خلعت صورة ولبست صورة أخرى فرجع الحاصل إلى أن صورة عدمت وصورة حدثت وثم مادة قائمة – المادة واحدة، الجوهر واحد، الصور تغيَّرت، قال أنا أُسلِّم به، لا تُوجَد مُشكِلة مع هذا، انظر إلى الذكاء، قال لك حتى انقلاب الدم إلى مني ليس انقلاباً، صور هذه، وهذا صحيح – تعاقبت عليها الصورتان. وإذا قلنا انقلب الماء هواءً – أو الماء بُخاراً أو البُخار ماءً بالتكثف، نفس الشيئ – بالتسخين أردنا به أن المادة القابلة لصورة المائية خلعت هذه الصورة – هذا كلام علمي فيزيائي – وقبلت صورة أخرى فالمادة مُشترَكة – المادة لا تزال موجودة والصور مُتغيِّرة، فهذا ليس انقلاباً – والصفة مُتغيِّرة. وكذلك إذا قلنا انقلبت العصا ثعباناً – أرأيت؟ هذا هو، ولذلك قد يقول له أحدهم أنت أخطأت، العصا في يد موسى صارت ثعباناً، قال لك هذا ليس انقلاباً أبداً، انقلاب صور، رهيب! – والتُراب حيواناً وليس بين العَرض والجوهر مادة مُشترَكة ولا بين السواد والقدرة ولا بين سائر الأجناس مادة مُشترَكة فكان هذا محالاً من هذا الوجه.

لك أن تتخيَّل هذا، غريب! هنا يُوجَد مثال آخر من أذكى ما يكون، فماذا يقول هنا؟

وكذلك إحياء الميت وقلب العصا حية – في المُعجِزات – يُمكِن بهذه الطريق وهو أن المادة قابلة لكل شيء فالتُراب وسائر العناصر يستحيل نباتاً – قلت لكم الرجل يُفكِّر خارج المألوف، دائماً يُفكِّر بهذه الطريقة الرجل هذا، وعنده قدرة خيال غير عادية، إبداعه فعلاً غير مُتخيَّل، لو كان شاعراً هذا لكان من درجة أولى – ثم النبات يستحيل عند أكل الحيوان له دماً ثم الدم يستحيل منياً ثم المني ينصب في الرحم فيخلق حيواناً وهذا بحكم العادة واقع – هذا الذي يحدث بالمُناسَبة، الآن اسأل نفسك كيف تكوَّنت هذه الحية التي أمامك؟ غير بعيد أن تكون هناك عصا في يد راعٍ رماها في الأرض فذابت في الأرض واختلطت بالتُراب، جاءت حية أكلت من هذا التُراب، وهذا التُراب بعضه من العصا، انعقد هذا دماً فمنياً، بعد ذلك صبته في أُنثاه فجاءت حية، وأصلها ماذا؟ عصا، انظر إلى التفكير الغريب، فيلسوف! وقال لك هذا يحدث في زمان طويل، فلو أراد الله أن يُكثِّفه ويُحدِثه في زمان قصير ما المانع؟ كما يحدث مع التصوير، تُصوِّر مثلاً كيف يتحلَّل البدن في أسبوع، وبعد ذلك يقومون بتكثيفه في التصوير فتراه في عشر ثوانٍ، مُمكِن جداً قال، لا تُوجَد مُشكِلة، وقال لك الزمان في النهاية تُدرِكه بالوهم، هو نسب كله في النهاية، نسب حتى غير حاكمة على الله، فالله يُظهِر لك هذه المُعجِزة في العصا، وهذا ليس انقلاباً حقيقياً، هذا انقلاب صور، ما هذا العقل؟ هذا أبو حامد، رحمة الله تعالى على أبي حامد، بالمُناسَبة في الإحياء يقول لك أسباب العشق، كيف تعشق إنساناً أنت؟ لكذا وكذا وكذا، من بين أسباب العشق تعشق الإنسان لذكائه ولجماله فعلاً، أنا أرى أن هذا من أعظم مُوجِبات العشق، أن ترى إنساناً كاملاً في عقله وذكياً جداً جداً ولمّاحاً وعبقرياً يُوجِب لك محبة غير طبيعية للإنسان هذا، أليس كذلك؟ وهذا عشق الكمالات، لكن الإنسان الشهواني لا يعشق إلا الحس، لابد أن يرى بنت جميلة وحلوة وما إلى ذلك لكي يعشقها، بدليل للأسف الشديد قل أن تجد بشراً من البشر إلا وهو يبخع ويخشع أمام الجمال الحسي، أليس كذلك؟ هذه مُلاحَظة مُهِمة، ويُمكِن أن يتعبَّد في محرابه، تجد رجلاً شيخاً كبيراً ويفعل هذا، ذات مرة قرأت شيئاً مثل هذا عن المُؤرِّخ الإنجليزي العظيم إدوارد جيبون Edward Gibbon، صاحب ألطف تاريخ وأعظم تاريخ للإمبراطورية الرومانية، اسمه The History of the Decline and Fall of the Roman Empire، أي انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية، وهو في ست أجزاء، المُهِم ذات مرة كان راكباً في القطار فمرت فتاة، قال مثل فلقة قمر، فقام السياسي والمُؤرِّخ والكاتب والأديب العظيم إدوارد جيبون Edward Gibbon وركع على ركبتيه، قال لها اسمحي لي أن أُؤدي تحية عبادية طقوسية لهذا الجمال الباهر يا سيدتي، رجل كبير في السن! مُعظَم البشر يبخع مُباشَرةً بل يتعبَّد للجمال الحسي، سؤالي أنا ولم لا نبخع ونتعبَّد لجمال الحقيقة؟ لما يظهر لي الحق في شيئ لن يهمني لا أبي ولا أمي ولا سُنة ولا شيعة ولا الدنيا كلها وسأقول به، لأن هذه حقيقة، الحقيقة أجمل شيئ في الوجود، أجمل من أي امرأة، أجمل من الحور العين والله العظيم، الحقيقة! هذا الحق وهذا الباطل، سأقول بالحقيقة لأنني إنسان سليم الفطرة، عاشق، إنسان عندي إحساس وعندي عاطفة، أنا بشر، أنا ابن آدم الحقيقي ووارث آدم، أنا وارث آدم، لما تظهر الحقيقة سأتعبَّد في محرابها مهما حصل، وسأشعر بنشوة العشق، عشق الحقيقة! لكن للأسف مُعظَم الناس أشبه بالبهائم، يعشقون الحس ولا يعشقون المعنى، لأنهم أشباه البهائم حتى وإن كانوا في صور مشائخ وعلماء ومُفكِّرين، أشباه البهائم! الواحد منهم لا يعشق الحقيقة، لا يبخع لها، يُكابِر عليها، لكن لابد أن نعشق الحقيقة، فتعشق أبا حامد حين تقرأه، حين تعرفه تعشقه حقاً ولا تظلمه، بل بالعكس تُنصِفه، ماذا يقول؟ – في زمان مُتطاوِل فلم يُحيل الخصم أن يكون في مقدورات الله تعالى أن يُدير المادة في هذه الأطوار – انظر إلى هذا، يُسمي هذا تدويراً Cycling، انظر حتى إلى استخداماته، الرجل دقيق جداً، يتحدَّث عن إعادة التدوير Recycling، قال يُدير – في وقت أقرب مما عُهِدَ فيه؟ – هي تحصل في عشر سنوات لكن هو يجعلها في خمس ثوانٍ، ما المُشكِلة؟ قال، لا تُوجَد مُشكِلة، هذا عادي، فالمُعجِزة مُمكِنة عقلياً قال، وخاصة على خلفية تفسيره للسببية، أرأيتم؟ تحدث مُعجِزة، هذا مُمكِن تماماً، انتهى الأمر، تأخذ تفسير السببية وتأخذ فهمه للزمان على أنه مقولة Category والوهم يعمل فيها فقط أكثر من العينية فتفهم كل شيئ ببساطة وتُصبِح مُفكِّراً – وإذا جاز في وقت أقرب فلا ضبط للأقل – هو يحدث في عشر سنين وأنت تقول لي يُمكِن أن يحدث في ثماني سنوات، لكن لا، هو يحدث في ثماني سنوات وفي ثماني ثوانٍ وفي كسر من الثانية وفي كسر من كسر الثانية، قال لا يُوجَد ضبط للأقل، انتهى الأمر، وربك لا يُعجِزه شيئ، وكل هذا في حيز الإمكان، ليس في حيز المُحال وإنما في حيز الإمكان – فيستعجل هذه القوى في عملها ويحصل به ما هو مُعجِزة للنبي عليه السلام.

مع العلم بأن الله يفعل هذا لكن مَن يقول لي أين؟ كل يوم نرى هذا، مَن يقول لي أين؟ الشيخوخة المُبكِّرة يا أحبابي، الشيخوخة المُبكِّرة! الخلايا تعمل بحسب زمن بيولوجي مُعيَّن فنشيخ، هناك Generation وهناك Regeneration وما إلى ذلك، مَن درس الفسيولوجيا Physiology يعرف هذا، بعد ذلك تظهر التجاعيد ويبيض الشعر ويتساقط حتى نصير كهنة، الأطفال الذين أُصيبوا بالشيخيوخة المُبكِّرة يحدث معهم عشرة أضعاف ما يحدث معنا، تكون في الرابعة من عمرها لكن صحتها كالتي في الأربعين من عمرها، تكون في الثامنة من عمرها لكن صحتها كالتي في الثمانين من عمرها، وبعد ذلك يموت المُصابون بهذا المرض، لماذا فعل الله هذا؟ انظر إلى الحكمة، قالوا الله خالق الشر، هذه خُطبة أمس، لكي يجعلك قادراً على التفكير مثل أبي حامد الغزّالي، ولعل الذي أوحى لأبي حامد بفكرة العصا وتحولها إلى ثعبان أنه رأى طفلاً شائخاً بشيخوخة مُبكِّرة، ففكر بعبقريته وقال كيف شاخ هذا؟ ثم قال هذا طبيعي، كما نشيخ نحن، نحن نشيخ في سبعين سنة وهو شاخ في سبع سنوات، هذا عادي، ما المُشكِلة؟ يُمكِن أن يشيخ في سبعة أيام ويُمكِن أن يشيخ في سبع دقائق، أليس كذلك؟ في قناة العربية قبل فترة أذاعوا خبراً صاعقاً مُخيفاً، فتاة أعتقد آسيوية كانت على شاطيء البحر، وجدت عُشبة مُعيَّنة فأخذتها وأكلت منها، أصبحت في اليوم الثاني وقد كبرت تقريباً خمسين سنة في ليلة واحدة، تهدَّم كل جسمها، كل جمسها تهدَّم، في العربية أذاعوا هذا وصوَّروها، افهموا! هذا أبو حامد، انظروا إلى عبقرية أبي حامد، فتاة آسيوية خرجت تلعب على شاطيء البحر، وجدت بعض الأعشاب التي رمى بها البحر، أخذتها وأكلت منها، يبدو كانت ذات رائحة طيبة وطعم لذيذ، نامت وقامت في اليوم الثاني وقد شاخت خمسين سنة، انتهت! انتهى كل الجسم بفعل هذه العُشبة، وطبعاً هنا الحكمة الإلهية، أنا مُوقِن أن أكيد هناك مواد أُخرى ومُركَّبات أُخرى في الطبيعة في مثل هذه العُشبة لو أخذتها ستفعل العكس، سوف ترى هذا، يكون عمرك خمسين سنة فتعود ثلاثين سنة إلى الوراء، قوة وشباب وحيوية وكل ما تُريد، تزوَّج أربع نسوان، ماذا أفعل لك؟ هذه مُشكِلتك، على كل حال هي ستفعل نفس الشيئ، ستأخذها ثم تُطلَّق منك وترى غيرك لكي تبدأ من جديد، على كل حال انظر إلى كلام أبي حامد، كلام علمي، ليس عقلياً فقط فهو علمي حقيقي يا جماعة، ولماذا يطرح ربنا في الطبيعة وفي الخلق هذه الأشياء؟ لكي يُعيننا، لكي تكون مدداً لنا يا جماعة أن نُفكِّر بهذه الطريقة التجريدية خارج الصندوق وخارج المألوف، هذه روعة الخلق، هذه روعة الفكر، نسأل الله أن يفتح علينا فتوح العارفين، فإذن أبو حامد نظريته في السببية نظرية لطيفة جداً وطيبة وعميقة وعلمية وفلسفية ودينية توحيدية، لا يستحق من أجل كل هذه العبقرية أن يُلام كل هذا اللوم وأن يُظلَم كل هذا الظُلم وأن يُحمَّل تبعة جريمة انحدار العقل وتأخر العقل الإسلامي وتأخر العلم التجريبي، وكل هذا كلام فارغ والله العظيم، بالعكس الروح التي تلبَّست أبا حامد وهو يكتب بحثه في السببية هي روح العلم الحديث تماماً، وكما قلت لك اسأل أي فيلسوف علم ولن يعدو ما قاله أبو حامد رحمة الله تعالى عليه، وانقلاب الأعيان عنده مُستحيل، لا يُوجَد انقلاب أعيان، والكون لن تُعربِد فيه الفوضى، بالعكس الكون مضبوط لأن الله شاءت حكمته أن يُجريه وفق هذا النظام، لكن لا يحصل إلا استثناءات منزورة جداً جداً على السبيل التي ذكرت لكم، إما وإما وإما، وهذه قليلة، متى نُشاهِد في حياتنا خوارق؟ متى نُشاهِد هذه الشذوذات؟ قليل جداً جداً جداً، في مُعظَم حياة الإنسان لا يتفق أن يحدث معه شيئ خارق للعادة، الإنسان يعيش سبعين أو ثمانين سنة ويتفق له مرة أو مرتين وبعض الناس لا يتفق أن يحدث معه شيئ خارق فعلاً للعادة كما حدث لي مرة بفضل الله، وإخواني يعرفون هذا، طارق المصري وأخي باسل ابن عم أبي عمّار يعرفان هذا، (ملحوظة) قال سأل الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم عن أبي عمّار الذي كان جالساً في المسجد وطلب منه أن يسأل ابن عمه عن هذه الواقعة قائلاً قل له بالله عليك هذا، اتصل به واسأله، باسل المُنشِد ابن عمك يا أبا عمّار في يوغوسلافيا بفضل الله عز وجل شاهد هذا، ثم استتلى قائلاً أنا كنت مُقتنِعاً ومُمتليء يقيناً بنظرية الأشاعرة في السببية، يقيني أن الفاعل الحق هو الله، لا شيئ يفعل سوى الله تبارك وتعالى بفضل الله، أسأل الله أن يزيدنا جميعاً من هذا اليقين، فكنت في زيارة إلى اثنين من إخواني هما طارق المصري وباسل الغزاوي في بيوجراد Beograd، يُسمونها بيوجراد Beograd، أي بلغراد، فالمُهِم استقبلاني وجلسنا قليلاً في المطبخ ثم دخلت إلى الغرفة لكي أخلد إلى النوم، فمددت يدي الشمال حين وجدت إبريزاً كهربائياً ففتحه وأضاء النور، هما كانا معي طبعاً خلفي، وجعلا يُكبِّران، سمعتم هذا مني أكثر من مرة، جعلا يقولا الله أكبر، الله أكبر، قلت ماذا؟ ما الذي حصل؟ قالا مُستحيل، أضاء الضوء، فقلت لهم غريب، طبعاً لابد أن يُضيء فأنا أشعلت الضوء، قالا يا شيخنا لا، قلت ماذا يا جماعة؟ فرفع أحدهما الإبريز فلم أجد شيئاً، هذا مُجرَّد شيئ موضوع كمنظر فقط، ولا يُوجَد خلفه أي شيئ، فقط لكي يُغلِق دائرة محفورة من غير أي شيئ، قالا الإبريز هنا على الجهة الأُخرى، على اليمين، فقلت لهما ما العجب في ذلك؟ قالا كيف تقول ما العجب؟ قلت لهما ما العجب؟ هل تظنا أن الإبريز هذا فعلاً بالكهرباء هو الذي يُضيء؟ فقالا نعم، كيف تقول هذا؟ فقلت لهما لا، أنتما ما عرفتما العقيدة، كل هذا يخلقه الله تبارك وتعالى، في هذه اللحظة شاء الله أن يُريني وأن يُريكم كيف يُوجِد هذه الأشياء من غير أن نظن أن هناك سبباً فيها، لا تُوجَد كهرباء ولا يُوجَد إبريز ولا تُوجَد وصلات ولا تُوجَد سلوك ولا يُوجَد أي شيئ، بالله عليك حين تتصل بباسل ابن عمك يا أبا عمّار سله عن هذه الحادثة وسله عن حادثة أُخرى في نفس الزيارة لكي تعرف أن هذا من لُطف الله بعباده، اللهم اجعلنا من خواص عبادك الصالحين وأصلحنا بما أصلحت به عبادك الصالحين، استيقظت يوماً ولا أعرف هذا كان في ثاني يوم أو في ثالث وإذا بالأخ باسل مُتوتِّر ومُنزعِج وما إلى ذلك، قال سوف تضيع علىّ فرصة الإقامة، قلت له ما الذي حصل يا أخ باسل؟ وهذه كانت أول زيارة تقرباً لهما أو ثاني زيارة ولا أعرف شيئاً في بيتهما، وأنا لا أعبث في أي شيئ لا يخصني بفضل الله عز وجل، فقال لي يا شيخنا اليوم عندي موعد مع Inspector، أي الضابط الخاص بالإقامات، لكن الرسالة التي بُعِثَت لي أنا فقدتها، واليوم هذا آخر موعد وإلا سأفقد الإقامة، لابد أن أذهب اليوم، هذا آخر موعد، فهكذا استعنت بالله في سري، قلت يا رب أعني على أن أُعين أخي، كان مُتوتِّراً جداً جداً، أقسم بالله هذا الذي حصل، والله العظيم لا أزيد ولا أنقص بفضل الله عز وجل، (ملحوظة) قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لأبي عمّار سله بالله عليك، يعني ابن عمه، ثم استتلى قائلاً كان يُوجَد خزان ملابس، أي دولاب ملابس، ققلت له أخ باسل في ذلك الرف التحتاني هل يُوجَد مُختَصر لتفسير ابن كثير؟ أُقسِم بالله هكذا، قال لي أعتقد موجود، الله أكبر، قلت له افتح المُجلَّد الثاني الورقة هناك، هكذا! هل أنا أُغامِر بشخصيتي؟ أنا شيخ ويحترموني جداً جداً ويعتزون بي، لا يُمكِن أن أعمل دجّالاً، لكن هكذا أنطقني الله، الله هكذا أنطقني أو أنطق ملكاً على لساني لكي يُرينا لطائفه، وإلا في الحالة العادية من المُستحيل أن تعرف شيئاً لم تعرفه من قبل ولم تره ولا لك علاقة به، مَن الذي ألهمك هذا؟ رب العالمين، لكي يقول لك كل شيئ بفضلي يحدث، كله من عندي، أنا الذي أُحرِّك كل شيئ، فتح وإذا فعلاً بالكتاب موجود، أنا نفسي صُعِقت، موجود مُختصَر ابن كثير للصابوني؟ الله أكبر، كيف؟ غريب! فتح المُجلَّد فوجد الورقة، وجاء مُباشَرةً يُقبِّل في وفي رأسي ويكبر، الله أكبر يا شيخنا، الله أكبر، الله أكبر، وصلت القصة إلى غزة على أنهم بالغوا فيها، جعلوها أنني بالتليفون Telephone قلت له هذا، فقلت لا، والدي قال لي يا ابني هل هذا حصل؟ قلت له لا، هذا لم يحصل بالتليفون Telephone، أنا كنت في الغرفة نفسها وطبعاً لا أعرف شيئاً في الخزانة ولم أفتحها ولم أرها من قبل والله، فهذا لم يحدث بالتليفون Telephone، هذا هو، وهذا كما قلت في نفس الزيارة التي أضاء فيها المصباح من غير كهرباء ومن غير سلوك ومن غير أي شيئ ولك أن تتخيَّل هذا، هذا هو، هذا المُؤمِن يُجرِّبه، الذي يجحده هو حر، له أن يجحده إلى آخر الدهر والأبد، هذه مُشكِلته لكن نحن لا نجحده، نحن هكذا اعتقادنا في الله، ومع ذلك نتسبب وندرس العلوم والأفكار والفلسفات ونأخذ بالأسباب ونحترمها وننزل على مُقتضاها بفضل الله – عز وجل – لأننا نعلم أن الله – تبارك وتعالى – بحكمته شاء ألا يُوجَد الشيئ في مجرى العادة إلا عند الشيئ فاحترمنا قانون الله، أليس كذلك؟ ما الفرق؟ هو هذا، ولذلك الإنسان الذي يعيش نفترض على شاطيء نهر وعنده أرض زراعية تحتاج إلى سُقي وإلى ماء يقول ابن الجوزي لو قام وصلى ألف ركعة وقال اللهم اسقني الغيث وما إلى ذلك الله لن يسقيه ولن تحيا أرضه لأن ليس بينه وبين إغاثة أرضه بالماء إلا ضربة بمسحاته يُحدِث بها ربيعاً صغيراً أو عمالاً إلى أرضه، لماذا لم يفعل هذا؟ يقول أبو حامد نفسه أعتقد في الإحياء لو جلس إنسان إلى آخر الدهر يدعو الله أن يرزقه الأطفال والأولاد الصالحين ولم يتزوَّج الله لا يفعل، هل من الهواء يا حبيبي؟ هل صرت آدم أو مريم؟ من أين سيأتي لك بهم؟ احترم الأسباب، اذهب وتزوَّج في الأول زوجة صالحة إن شاء الله تأتيها كما أمر الله تبارك وتعالى على شرع الله، وبعد ذلك ادع بالأولاد الصالحين، فأبو حامد من أكثر الناس احتراماً للأسباب، هذا معروف، في كتابه إحياء علوم الدين يأمر بهذا، وحديثه عن الواجب الكفائي وأنواع الواجبات الكفائية كله يُؤكِّد أنه يصطنع الأسباب ويأمر باصطناعها، لكن ما الجديد؟ يقول لك حرِّر عقلك من عبودية الفهم الخاطيء للأسباب وتلمَّح دائماً مُسبِّب الأسباب لا إله إلا هو، هذا يُعظِّم يقينك بالله ويجعل لك قلباً من حديد ويقيناً راسخاً فلا تستذل نفسك لغير الله، أليس كذلك؟ لن تكون شحاذاً ولن تكون ذليلاً ولن تهاب من قول الحق، أليس كذلك؟ ولن تستحي من هذا، لأن هناك يقيناً، تُوجَد عقيدة سليمة هنا، هذا هو الإيمان الصحيح، فنسأل الله أن يُغيثنا بإيمانه، اللهم يا غوثاه.

الآن نأتي إلى فقرة جديدة بسرعة إن شاء الله، الغزّالي بين العقل والنقل، وهذه مُهِمة الآن، لماذا هذا موضعها؟ بان لنا أن الغزّالي أبعد ما يكون أن يكون نداً وخصماً لدوداً للعقل، بالعكس بل هو العاقل في شكل جميل، شكل عقلاني مُتزِن مُقتصِد ومُتوسِّط، على كل حال يقول في ميزان العمل – أنا سأجتزيء بنقول فقط، وبعضها كلمات تُحفَظ وتُكتَب بماء الذهب وبالكافور على نحور الحور إذا أحببتم السجع – فجانب الالتفات إلى المذاهب – قال لك أنا سُني، يا حبيبي دعنا من الهبل هذا، لا سُني ولا شيعي، نُريد الحقائق نحن والأدلة، أبو حامد يُحرِّضنا، قال دعوكم من حكاية المذاهب هذه، أنا أشعري وأنت سُني وهو زيدي، قال هذا كلام فارغ كله – واطلب الحقائق بطريق النظر لتكون صاحب مذهب – سوف يكون لك مذهبك الخاص في الفهم، لا تأخذ كل شيئ هكذا كما هو – ولا تكن في صورة أعمى تُقلِّد قائداً يُرشِدك إلى الطريق وحولك ألف مثل قائدك – إذا أردت مذهباً يُوجَد ألف مذهب وجميعم ضد مذهبك، هل المسألة بالتكثر أم بماذا؟ هل المسألة بكثرة المذاهب؟ ليست هكذا – يُنادون عليك بأنه أهلكك، وأضلك سواء السبيل – أليس كذلك؟ ترى الزيدي يقول لك الإمامية ذهبوا في ستين داهية، السُنة ضلّال، والسُني يقول لك لا يُوجَد غيرنا، الإمامي في قعر جهنم، الزيدي في الطبقة الخمسين من جهنم، أصبحوا مثل دانتي أليغييري Dante Alighieri، عملوا طبقات ويُريدون أن يُنزِلوا فيها مَن أرادوا بحسب هواهم، قال ما قلنا هذا يا عدنان، لكن ليس شرطاً أن تقولوا هذا، طبعاً سوف يقولون هذا يكذب علينا، هم لا يفهمون حتى الكلام، هدانا الله وإياهم – وستعلم في عاقبة أمرك ظلم قائدك، فلا خلاص – سوف يُجننونك، قائدك يقول لك أنا والناس يقولون لك سوف يذهب بك إلى داهية، قال دعك من القصة هذه كلها – إلا في الاستقلال.

أليس كذلك؟ كم مرة استعملت في هذه المُحاضَرات التعبير هذا؟ قلت أن أبا حامد مُستقِل، لابد من الاستقلال، استقل! قد تقول لي ما هذه القصة؟ ما علاقتي بهذا؟ أنا أستمع لك من أربع ساعات حتى نفخت رأسي، أنا أخطأت لأنني جئت إلى هنا، ماذا تقصد باستقل وما إلى ذلك؟ سوف أقول لك والله رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، إذا كنت عامياً هذا الكلام غير مُوجَّه لك، هذا الكلام مُوجَّه لمَن؟ لعالم أو طالب علم حقيقي يُريد أن يُصبِح عالماً مُستقِلاً، أما إذا كنت عامياً تُريد أن تأكل وتشرب وتنام وتشخر ابعد عنا وسهَّل الله لك، لا تأت ولا تسمع، ما علاقتك بالقصة هذه؟ أليس كذلك؟

اسمع الكلمة العظيمة هذه:

ولو لم يكن فى مجارى هذه الكلمات – أي كلماتي هذه، حدَّثتك عن المذاهب والقائد وقلت لك استقل وتمرَّد – إلا ما يُشكِّك فى اعتقادك الموروث – أي في موروثاتك – لتنتدب للطلب فناهيك به نفعاً – قال هذا أعظم نفع، أعظم نفع وأعظم عائدة أنني خلقت فيك بذور شك فيما أنت عليه، طبعاً الآن أنا مُتأكِّد أن حتى السُني الذي يسمعني سوف يبدأ يشك في بعض الأشياء التي عنده، الشيعي الذي يسمعني سوف يبدأ يشك في بعض الأشياء التي عنده، وبعضهم كتب هذا، هناك مَن قال توقَّفت عن سب أبا بكر وعمر، أحترمها ورضيَ الله عنهما وما إلى ذلك، أليس كذلك؟ شك، لابد أن يشك الكل، أم أنك تطلب مني أنا فقط أنا أشك وأُشكِّك لكن أنت ما شاء الله كامل؟ غير صحيح، هذه حقيقة وهذا بحث عن حقيقة بالدليل، قال ناهيك به نفعاً -، إذ الشكوك هى الموصلة إلى الحق، فمَن لم يشك لم ينظر، ومَن لم ينظر لم يبصر، ومَن لم يبصر بقى فى العمى والضلال.

يا سلام! يقول فمَن لم يشك لم ينظر، ومَن لم ينظر لم يبصر، ومَن لم يبصر بقى فى العمى والضلال، هذا يعني أن بداية النور والهداية ما هي؟ الشك، يا سلام يا أبا حامد، فلماذا نفخ رأسنا طه حُسين وغير طه حُسين بالحديث المُستمِر عن ديكارت Descartes؟ ديكارت Descartes مَن يا بابا؟ عندك أبو حامد يا بابا، لكن – سبحان الله العظيم – زمّار الحي لا يُطرِب، لأنه منا ومُسلِم وما إلى ذلك فلم نُحِب أن نرفع ذكره وتحدَّثنا عن ديكارت Descartes، ديكارت Descartes مَن؟ ديكارت Descartes اتضح أنه سرّاق، هذا لص سرق أبا حامد.

سوف نرى الآن كيف يُوصِّف بعبارات جميلة بمثل هذا الجمال طبيعة العلاقة بين العقل والنقل، أي بين العقل والوحي، بين العقل والنص، أي قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمع ماذا يقول في كتاب المُستصفى، متى ألَّفه كما قلنا في الحلقات السابعة؟ في أربعمائة وثلاث، أي قبل وفاته بسنتين، من آخر ما ألَّف، وفعلاً المُستصفى مُستصفى!

قال فقد تناطق – لُغته جميلة يا أخي، مُدهِش الرجل هذا والله العظيم في تعبيره وصياغته وترتيبه، ما أجمل من هذا الإمام رحمة الله عليه – قاضي العقل – هذا حكى وهذا حكى، هذا معنى قوله تناطق، قال فقد تناطق قاضي العقل، هذا يعني أن العقل عنده صار ماذا؟ قاضياً، قاضٍ؟ والقاضي يُريد ماذا؟ شهوداً لكي يحكم، شهود؟ مَن الشاهد؟ الشرع، الشاهد هو الشرع، الشرع شاهد والقاضي هو العقل؟ قال لك نعم، هذا هو الترتيب، القاضي العقل، لا يُوجَد شرع ولا فهم للشرع من غير عقل، فانظر إلى هذه الكلمات الخطيرة، مَن يقول لك قل لي ما هو موقفك من العقل والنقل مثل حسن حنفي وغيره قل له أبو حامد يا حبيبي قال لك العقل قاضٍ والشرع شاهد، يا سلام، ومن عندي أقول لا حكم لقاضٍ بغير شهود عدول، ولا فائدة في إداء شاهدة العدل إلا بين يدي قاضٍ عدل، هو هذا، هذا أبو حامد يا أخي رحمة الله عليه، رجل موهوب – وهو الحاكم الذي لا يُعزَل ولا يبدَّل – هذا قاضٍ طيلة الحياة، هذا العقل وهو مناط التكليف -، وشاهد الشرع وهو الشاهد المُزكَّى المُعدَّل، بأن الدنيا دار غرور لا دار سرور ومطية عمل لا مطية كسل، ومنزل عبور لا متنزه حبور، ومحل تجارة لا مسكن عمارة ، ومتجر بضاعتها الطاعة وربحها الفوز يوم تقوم الساعة.

انظروا كيف جعل العقل قاضياً والشرع شاهداً، عجيب!

أما في كتابه معارج القدس في مدارج معرفة النفس ماذا يقول؟ هذا الكتاب للأمانة العلمية من الكتب التي أُثيرت حولها عجاجة في صحة نسبتها إلى إمامنا، عبد الرحمن بدوي شكَّك في نسبته، عبد الرحمن بدوي عنده كتاب مُهِم جداً جداً اسمه مُؤلَّفات الغزّالي، تحدَّث عن كل مُؤلَّفاته التي وصلت إلينا أو وصل لنا معلومات عنها، ذكر كل مُؤلَّف وموضوعه ونُسخه وأين يُوجَد وفي أي مكتبة مثل الإسكوريال El Escorial ولايدن Leiden وما إلى ذلك، ويذكر كذلك النسبة، هل هذا مشكوك؟ هل هذا منحول؟ هل هذا كذا وكذا؟ كتاب مُهِم جداً جداً، وعنده كتاب مثله اسمه مُؤلَّفات ابن خلدون أيضاً، فجزاه الله خيراً، أعني عبد الرحمن بدوي، باحث كبير وجودي، لكن الدكتور العلّامة سُليمان دنيا مُحقِّق الغزّالي وابن رشد رجَّح أن هذا الكتاب من كُتب أبي حامد خلافاً لبدوي، طبعاً هناك أُناس غير مُتخصِّصين في تخصّص هؤلاء أنكروا هذا مثل الدكتور القرضاوي الذي قال هذا منحول، لكن هنا نسمع لسُليمان دنيا، هذا مُتخصِّص، مُتخصِّص في الغزّالي ودرَّسه عقوداً، يعرفه ويعرف أسلوبه، والعجب أن الدكتور القرضاوي – حفظه الله – ماذا قال؟ قال أسلوبه ونفسه ليس نفس الغزّالي، سُليمنا دنيا قال نفسه هو نفس الغزّالي، طبعاً مَن شهادته مقبولة أكثر هنا؟ دنيا، لأنه خبير وخرّيت، فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ۩، الغزّالي فاسأل به خبيراً، سُليمان دنيا الخبير وليس القرضاوي مع احترامنا للجميع وشكر الله سعي العلّامة القرضاوي، ماذا قال الغزّالي؟

تظاهر الْعقل وَالشَّرْع وافتقار أَحدهمَا الى الآخر:

أي مُتظاهِران مُتآزِران مُتعاوِنان، قيل أنه ضد العقل، كيف يُقال أنه ضد العقل يا رجل؟

قال اعلَم أَن العقل لن يهتَدي إِلَّا بِالشرعِ وَالشرع لم يتَبَيَّن إِلَّا بِالْعقلِ فالعقل كالأُس – هذه من الكلمات المشهورة جداً للغزّالي، يقول فالعقل كالأس، العقل هو الأساس Foundation، والشرع ماذا سيكون؟ البناء، هل يقوم بناء على غير أساس؟ أليس كذلك؟ هذا هو، وهل ينفع أساس في الأرض ضارب من غير بناء بعد أن اشتغلت فيه شهرين؟ لماذا إذن؟ لماذا التعب هذا كله؟ نصبٌ في غير غاية، فإذن العقل هو الأُس والشرع هو البناء، هذا التعبير أخذه ابن تيمية وابن خلدون وحكا عن الأُس وعن البناء، هو تعبير الغزّالي رحمة الله عليه لكن ليس في المسألة هذه وإنما في مسألة الآيالة والسُلطان والخلافة – والشرع كالبناء ولن يُغني أُس ما لم يكن بِنَاء – لن يكون له غناء، لن يكون له فائدة، لماذا تضع الأُس فقط؟ لابد من بناء – ولن يثبت بِنَاء مَا لم يكن أُس – هذه كلمة عظيمة، كأنه يقول إذا ذهبت تتفقه في الدين فضلاً عن أن تعظ وتُعلِّم الناس الدين بدون أن يكون عندك عقيل رجيح وموزون سوف يكون كل بناؤك هذا مُتهاوياً، ستُخرِّب بناية الدين، وهذا ما يحدث الآن من بعض الذين يتكلَّمون باسم الدين للأسف الشديد، يا ليتهم ما تكلَّموا، يا ليتهم سكتوا سكوت القبور والله العظيم، يقولون لا يا أخي، لماذا أنت زعلان؟ هؤلاء دُعاة إلى الله، دُعاة؟ كثيرٌ منهم أو بعضهم يُفسِد أكثر مما يُصلِح والله العظيم – وأَيضًا فالعقل – هذا أيضاً مثال آخر، عندنا مثال الأُس والبناء، أليس كذلك؟ وعندنا مثال القاضي والشاهد، احفظوا هذا: القاضي والشاهد، الأُس والبناء، وهناك الشعاع والبصر – كالبصر وَالشرع كالشعاع…….

هل انتهت الحلقة؟ إذن نكتفي بهذا القدر على أن نلقاكم – إن شاء الله – في الحلقة الأخيرة المُقبِلة بإذن الله.

(تابعونا في الحلقة القادمة بإذن الله)

 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: