– الأستاذ المُهندِس طرفة بغجاتي: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نُتابِع معكم أيها الإخوة الأفاضل وأيتها الأخوات الكريمات الحلقة الحادية عشرة مع أستاذنا الفاضل الشيخ عدنان إبراهيم.

تحدَّث الشيخ في الحلقة العاشرة عن نُقطتين مُهِمتين في مسار الإمام الغزالي مع الفلاسفة، أولها رفض نظرية ثبات الكون التي تقول بعدم توسع وعدم انكماش الكون، وكان هناك ردٌ واضحٌ وصريحٌ للإمام الغزالي يرفض فيه كون هذا الأمر مُحالاً كما اعتبره ابن رشد، فمن الصحيح أن عدم تعلق القدرة الإلهية بالمُحالات أو بالأشياء التي لا معنى لها، وأكَّد الشيخ وأثبت علمياً أن هذا الموضوع – موضوع كبر أو انكماش الكون – ليس له علاقة بالمُحالات، ورد على ابن رشد في قوله في التهافت، وحلل قوله ومن ناحية علمية في العلم الحديث، في علم الكونيات – الكوزمولوجيا Cosmology – الذي يقول الآن بغالبيته وبمُعظَمه بنظرية الفرقعة العُظمى، أي الـ Urknall أو الـ Big Bang، وذكَّرنا الشيخ بأن الغزالي ليس أول مَن قال ذلك، بل قال هذا قبله الكندي والفارابي، اللذان أخذا رأى أفلاطون Plato في إمكانية كبر وصغر العالم مُخالِفان لأرسطو Aristotle الذي أخذ عنه .

النُقطة الثانية التي حللها شيخنا الفاضل هي فكرة الفلاسفة عن أبدية الأجرام العُلوية وعن موضوع فساد الأجرام العُلوية وإمكانية ذبولها، وقد حللها الشيخ وقرأ علينا ما كتبه الإمام الغزالي في هذا الموضوع ما هو ثابتٌ اليوم في علوم الكونيات المعروفة، وننتقل الآن للحلقة الحادية عشرة مع شيخنا الفاضل، تفضَّل شيخ عدنان.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: شكراً، بارك الله فيك.

بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.

بالنسبة للشمس أيها الإخوة وعدتكم أن أتكلَّم شيئاً سريعاً – إن شاء الله – عن مصير الشمس، طبعاً – كما تعلمون – الشمس هي أم المجموعة الشمسية، تبعد عن الأرض مسافة تسعين مليون ميل Mile أو مائة وخمسين مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، ذكرت لكم قُبيل قليل أن قطر الشمس يُعادِل أو يُساوي مليوناً وأربعمائة ألف كيلو متر، في حين أن قطر الأرض يُساوي اثني عشر ألفاً وثمانمائة كيلو متر، ولذلك حجم الشمس أعظم من حجم الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، إذن هي جرم غازي ضخم جداً جداً بهذه الضخامة، مُكوَّن من الغازات بشكل أساس، وطبعاً مُكوَّن من الهيدروجين Hydrogen وهو أكثر الغازات انتشاراً في الكون ثم من ثاني أكثر الغازات انتشاراً وهو الهيليوم Helium، أكثر غاز مُنتشِر الهيدروجين Hydrogen ثم الهيليوم Helium، الشمس مُكوَّنة من هذين مع بعض الأشياء الأُخرى الموجودة أيضاً في كوكبنا الأرضي مع تفاوت النسبة، أي أن ما تتركَّب الشمس هو ما تتركَّب الأرض والأجرام الأُخرى مع اختلاف النسب، ما يحدث أيها الإخوة أنه اكتُشِف في العشرية الرابعة من القرن العشرين المُنصرِم – تقريباً في ألف وتسعمائة وثماني وثلاثين – أن الشمس تُنتِج وتُصدِر طاقتها هذه عن طريق عمليات ذرية تُسمى عمليات الاندماج، اندماج Fusion وليس انشطار، لذلك مبدأ القنبلة الذرية ما هو؟ الانشطار، مبدأ القنبلة الهيدروجينية الاندماج، هناك طاقة الربطBinding energy، هذه الطاقة حين تتحرَّر تكون عظيمة جداً جداً جداً، أعظم من الطاقة الانشطارية، ما يحدث في جوف هذا الفرن الهائل المُسمى بالشمس أن نوى ذرات الهيدروجين Hydrogen تندمج، كل زوج منها يندمج فيُشكِّل نواة لذرة جديدة هي نظير الهيدروجين Hydrogen، وهي الديوتريوم Deuterium، الديوتريوم Deuterium نظير الهيدروجين Hydrogen باندماج زوج من نوى ذرات الهيدروجين Hydrogen، بعد ذلك تندمج ذرات نظير الهيدروجين Hydrogen – الديوتريوم Deuterium هذا – لكي تُكوِّن كل ثنتين بالاندماج ذرة هيليوم Helium واحدة، طبعاً عند الاندماج تنتج طاقة تُسمى طاقة الاندماج وهي طاقة هائلة جداً!

الشمس أيها الإخوة تُنتِج في كل ثانية من الطاقة ما يُساوي أربعة مضروبة في عشرة مرفوعة للأس ثلاثة وثلاثين وات Watt، هناك أربعة آلاف وأخذنا ثلاثة أصفار، بقيَ عندنا كم؟ ثلاثون صفراً، إذن أربعة آلاف مليون مليون مليون مليون مليون وات Watt طبعاً، لأن أربعة ضرب عشرة أس ثلاثة وثلاثين، هناك أربعة آلاف وأخذنا ثلاثة أصفار، بقيَ عندنا ثلاثون صفراً، ثلاثون على ستة يُساوي خمسة، خمسة في مليون يُساوي خمسة ملايين، أي أربعة آلاف مليون مليون مليون مليون مليون وات Watt في الثانية، أف! هذا يعني أن الكميات التي يحدث فيها هذا الدمج والاندماج كميات مهولة جداً، هذا صحيح، قلت لكم ثلاثة آلاف وستمائة طن في الثانية، كل هذا يتحطَّم لكي يُنتِج هذه الطاقة، عن طريق ماذا؟ الاندماج، عجيب جداً!

إذن الشمس تفقد في كل ثانية ثلاثة آلاف وستمائة طن، في كل ثانية! وهذا لو سمع به جالينوس Galenos ينتحر مُباشَرةً، يضع حبلاً في السماء ثم ينتحر، قال لك الأرصاد! هذا يعني على طريقة جالينوس Galenos لابد أن تكون الشمس فنيت بعد ساعة من خلقها، هذا غير صحيح، هو لا يعرف حجم الشمس كم هو، حجم مُذهِل ومُخيف، مليون وثلاثمائة ألف مرة بقدر حجم الأرض، لكن هذا لا شيئ، لا يظهر، ولذلك – كما قلنا – عمرها الآن – وهي نجم شاب مُتوسِّط العمر – خمسة آلاف مليون سنة، خمسة مليارات سنة أو خمسة Billions سنة بالأمريكي، أي خمسة بلايين سنة إلى الآن، وما زالت فتية في شبابها، مُقدَّر لها بعون الله – تبارك وتعالى – أن تعيش خمسة مليارات، في آخر عمرها ماذا سيحدث يا إخواني؟ في آخر عمرها سينفذ هذا الوقود، طبعاً لأن هذا ليس نهائياً كما يعتقد جالينوس Galenos وابن رشد وأرسطو Aristotle، ليس كذلك، هذه مادة، غازات! وسوف تنتهي، لابد أن تنتهي، طبعاً هذا مكتوب، الفناء والموت والدثور! العالم الميكروبيولوجي المصري الرائع الذي حبَّبني في العلم عبد المُحسِن صالح – رحمة الله عليه وطيَّب الله ثراه – عنده مبحث مُمتاز في عالم الفكر أيضاً قرأناه في أيام الصبا، اسمه شيخوخة وموت النجوم من أجمل ما يكون، في حوالي سبعين صفحة كبيرة، كله يتحدَّث عن كيف تموت النجوم، نحن سنُلخِّص الآن كيف تموت الشمس، قال تعالى فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وقال أيضاً إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۩، أليس كذلك؟ هذا هو، كيف ستُكوَّر؟ كيف ستُطمَس؟ كيف ستموت هذه؟ وهل ستُطمَس فعلاً؟ وما معنى طُمِسَت؟ يقول لك طمس الله نور بصره، النور يُطمَس، أليس كذلك؟ هذا يعني أن الشمس لن تعود قادرة على أن تبث لنا الضياء والحرارة، أليس كذلك؟ هذه نهاية الكون ونهاية الشمس ونهاية مجموعتنا ونهاية حياتنا على الأرض هذه، قال لكم حين تستنفذ وقودها ما الذي سيحدث يا إخواني؟ ستخضع إلى عملية انكماش، حين تستنفذ الوقود ستنكمش أيها الإخوة، لما تنكمش بسرعة ما الذي سيحصل؟ ترتفع الحرارة، ترتفع إلى درجة مهولة، في هذا الارتفاع كل ثلاث ذرات الهيليوم Helium النوى – جمع نواة – فيها تندمج لكي تُنتِج لنا نواة كربون Carbon C6، تُوجَد 6 بروتينات Proteins، مع كل ثلاثة هيليوم Helium تُوجَد واحدة كربون Carbon، مع مع كل ثلاثة هيليوم Helium تُوجَد واحدة كربون Carbon وإلى آخره، تحت ظروف مُعيَّنة طوَّل علماء الكوزمولوجيا Cosmology في شرحها وهي ظروف مُعقَّدة ما الذي سوف يحدث؟ سوف تُعاوِد الشمس الانتفاخ، ألم تنكمش الآن؟ سوف تعود تنتفخ – انتفاخ رهيب جداً – وتكبر، تكبر مائة وخمس وسبعين مرة، غريب! هذا الرقم يُساوي الرقم الذي ذكره أبو حامد، أنها أكبر من الأرض مائة وست وسبعين تقريباً، لكن هي ستكبر مائة وخمس وسبعين ضعفاً، أي مائة وخمس وسبعون مضروبة في مليون وثلاثمائة ألف، انظر كم سيكون حجمها، سيكون حجمها حوالي مائتي مليون مرة حجم الأرض تقريباً، هذا هو تقريباً، سيكون حجمها حوالي مائة وتسعين أو مائتي مليون مرة حجم الأرض، اضرب هذه الأرقام وسوف تحصل على هذه النتيجة، عملية سهلة! فهي سوف تبتلع الزُهرة وعطارد وتقترب من الأرض قُرباً شديداً، وطبعاً لأنها الآن انتفخت وتضاعفت مائة وخمس وسبعين مرة واقتربت يا إخواني لن نعود نرى في الأُفق إلا الشمس، شيئ مُرعِب ومُخيف، لا أحيانا الله إلى تلك الفترة، مَن سوف يعيش؟ هذا أصلاً بعد خمسة بليون سنة، فأنت سوف ترى في الأُفق فقط الشمس، الشمس هذه سوف تسد الأُفق كله، كأن السماء كلها شمس، والعجيب أنهم قالوا لك بهذا الحجم المُنتفِخ والكبير جداً جداً ستكون حرارتها باردة، ستبرد فيُصبِح لونها – يقول علماء الكوزمولوجيا Cosmology – أحمر ضارب للزهري، قال الله فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ۩، الوردة حمراء دائماً، قال كَالدِّهَانِ ۩، لون زيتي! السماء سوف تكون كذلك، لأن الأُفق كله سوف يُصبِح شمساً، لن ترى غيرها، السماء سوف تكون الشمس، لأن الحديث عن مائة وخمس وسبعين مرة، حين تنظر تجد الشمس في الأُفق كله بلون أحمر، هذا يُسمونه ماذا؟ يُسمونه العملاق الأحمر Red giant، العملاق الأحمر! هذا هو، الشمس في هذه المرحلة تُسمى العملاق الأحمر.

بعد ذلك تخضع – سُبحان الله – لسلسلة من الانكماش والانتفاخ ثم الانكماش والانتفاخ، وتفقد دائماً مزيداً من بقايا طاقتها وموادها وغازاتها إلى أن تستقر في النهاية فلا تعود تنتفخ، تستقر في حجم صغير جداً أيها الإخوة يُسمى القزم الأبيض White dwarf، قال تعالى إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۩، ولك أن تتخيَّل هذا، تُلَف على بعضها وتُصبِح كالعمامة، تُكوَّر تكوير العمامة، هذا آخر شيئ يصل إليه مصير الشمس، هذا العلم كله وهذه النظرية المُبسَّط عرضها لمُستقبَل ومآل الشمس لا يُمكِن قبولها وفق المنظور الفلسفي الإغريقي، لا يُمكِن قبولها عند ابن رشد، ولكنه منظور مقبول تماماًـ وسيقبله بمُنتهى النشوة والسعادة مَن؟ إمامنا حُجة الإسلام الغزّالي، سيقول هذا مطلوب وأنا قلت لكم هذا، هذا تخضع له كل أجرام الكون وأجرام السماوات والأرض وليس فقط أجرام الأرض!

انتهينا من مسألة توسع الكون ومسألة ذبول الأجرام السماوية، نأتي الآن إلى آخر مسألة أحببت أن أعرض إليها مع الغزّالي الفيلسوف في صحيفة ثلاثمائة وتسع وثلاثين من التهافت، وهي مسألة السببية، المسألة التي أُسيء فيها إلى أبي حامد الغزّالي كثيراً كما لم يُسأ إليه في مسألة أُخرى تقريباً، سأُبسِّط المسألة، هو كتب فيها كلاماً طويلاً لكن باختصار أيها الإخوة سنتحدَّث، ما قصة الغزّالي والسببية؟ في الحقيقة الغزّالي لم يبتدع هذه النظرية، هذه نظرية الأشاعرة، هذه نظرية علم الكلام الأشعري، وفقاً لعلم الكلام الأشعري – وهو كلام أهل السُنة والجماعة، الشافعية والمالكية وقريب منهم الأحناف الماتريدية – قالوا لا فاعل في الحقيقة وعلى التحقيق إلا الله تبارك وتعالى، الفاعل الحقيقي في الحقيقة رب العالمين وليس أحداً غيره، نرى الأشياء تفعل فيما يبدو لنا فنشرب الماء فنرتوي، نأكل الخبز فنشعر بالشبع، ينزل المطر على الأرض فتتبلل، ينزل المطر على التراب فيتخصب بالماء، وإلى آخره، نحن نعرف هذه الأشياء، تُشرِق الشمس فنرى الدنيا أضاءت وأنهرت، أي دخلنا في النهار، تغرب الشمس فندخل في الليل والظُلمة، أسباب! كل العالم مبني على الأسباب ظاهرياً، قالوا هذا صحيح، لا نُنكِر الأسباب، إنكارها جنون، موجودة قالوا، ولكن مَن الفاعل الحقيقي؟ قالوا الله تبارك وتعالى، غير مفهوم! كيف هو الفاعل الحقيقي؟ هل يُوجَد فاعل غير حقيقي؟ قالوا نعم، قالوا أنت حين تشرب وتشعر بالري ليس الماء هو الذي أوجد فيك الشعور بالري، وإنما الله تبارك وتعالى، الله هو خالق الماء وخالق الإنسان الشارب – أي خالق الشارب والمشروب – وخالق نتيجة عملية الشُرب وهي الشعور بالارتواء، الله خالق الثلاثة، يخلق هذا وهذا وهذا، ولكن شاءت حكمته – تبارك وتعالى – أن يخلق هذا عند هذا ويخلق هذا عقيب هذا لا به، لا به وإنما عنده وعقيبه، اقتران أو تعاقب، أي أنهم فسَّروا السببية بماذا؟ بدوام الاقتران الذي نلحظه طبعاً، ليس الدواماً المُطلَق ولكن كما نلحظ في مجرى العادات، دائماً نشرب فنرتوي، نأكل فنشبع، نتعب فننام، ننام فنرتاح، أليس كذلك؟ ننام فنستيقظ، ونعمل فنتعب، وهكذا إلى آخره، قالوا هذا في مجرى العادة، لكن الله يخلق شيئاً عند شيئ وعقيب شيئ، دوام الاقتران في مجرى العادة أوقع في وهم الإنسان أن السابق هو السبب المُنشيء والمُحدِث للاحق، وليس الأمر كذلك، أبو حامد ذكر هنا مثالاً لطيفاً جداً، قال بل نُبيِّن هذا بمثال، طبعاً المثال الذي عنده في المُستصفى وهنا في التهافت وفي المُنقِذ هو النار والقطن، لك أن تقول النار والورق، هذه نار وهذه قطن، تُقرِّب القطن من النار أو النار من القطن فيحترق القطن، فتقول النار سبب احتراق القطن، قال لا، قال الله خالق القطن وخالق النار وخالق الذي قرَّب هذا من هذا وخالق الاحتراق وخالق كل هذه المسائل، لكن عقيب بعضها أو عند بعضها، ولأن هذا يحدث دائماً وقع في الوهم أن النار هي التي تفعل هذا الشيئ، قال ليس كذلك، الله مُستقِل بالخلق، قال بل نُبيِّن هذا بمثال وهو أن الأكمه – مَن الأكمه؟ الذي وُلِدَ أعمى، لم يتفق له من قبل أن رأى، مولود أعمى – ولو كانت في عينيه غشاوة ولم يسمع من الناس الفرق بين الليل والنهار لو انكشفت الغشاوة – يقول الكمه ليس بسبب شيئ مثلاً لا يزول، نفترض أن هذا أكمه وتُوجَد غشاوة مُعيَّنة أمكن علاجها بعُشبة أو بطب أو بأي شيئ فزالت الغشاوة، يُريد أن يُقرِّب لك المثال بغض النظر عن أي شيئ، هو حتى يكون أكمه بأي سبب، وهذا الأكمه أبصر يا سيدي، بعد عشر سنين أبصر، هذا للتبسيط حتى لا تغرك كلمة غشاوة وما إلى ذلك، يُحاوِل أن يُعقلِن المثال، قد يأتي رجل غبي فيقول له الكمه لا يُعالَج لأنه كذا وكذا، والمُناقَشة في المثال ليست من دأب المُحصِّلين، احفظوا هذا، لكن أبا حامد يعرف أن هناك أناساً كثيرين غير مُحصِّلين، يبدأ يُناقِشك في المثال، هل يا أخي نحن نُناقِش المثال؟ يقول لك الطب أثبت وابن سينا قال والأكمه لا يُعالَج لأن فيه كذا وكذا، يا أخي اترك هذا، قال نفترض أنه أكمه بسبب غشاوة، ذكي أبو حامد، ذكي جداً ولمّاح، قال نقطع الطريق على هؤلاء الأغبياء الذين يُناقِشون في الأمثلة، وليس النقاش من دأب المُحصِّلين، افهم عبرة المثال، لا تُناقِش في مُفرَدات المثال، لكن هكذا يحصل، ولو كانت في عينيه غشاوة ولم يسمع من الناس الفرق بين الليل والنهار، أي لم يتقدَّم له سماع عن هذا، لم يسمع يوماً عن ليل ونهار وهذا مُنير وهذا مُظلِم فلا ترى يديك وما إلى ذلك، لم يسمع بهذا هو – عن عينيه نهاراً – في النهار – وفتح أجفانه فرأى الألوان ظن أن الإدراك الحاصل في عينيه لصور الألوان فاعله فتح البصر – ظن أن هذا هو السبب فرأى الشيئ هذا – وأنه مهما كان بصره سليماً ومفتوحاً والحجاب مُرتفِعاً – لا يُوجَد شيئ أمامه سوف يرى الألوان والأشياء والأجسام طبعاً – والشخص المُقابِل مُتلوِّناً فيلزم لا محالة أن يبصر – طبعاً هذا الأكمه الذي أبصر لأول مرة ورأى الألوان غفل عن ماذا؟ لا يدخل في اعتباره ضرورة النور، لو لم يكن هناك النور لن ترى يا حبيبي، هو ظن ماذا؟ هو لم يسمع من قبل بالنور ولا يعرف النور، ظن أن هذه الأشياء مرئية والبصر موجود، حين تفتح عينك ترى، جيد! سوف تحدث انتكاسة لما تغرب الشمس ولا يُوجَد سراج، حين يأتي الليل سوف يُخربَط هذا المسكين، انظروا إلى كلام أبي حامد الذكي – ولا يُعقَل أن لا يبصر – هكذا يقول هو، لابد أن أُبصِر – حتى إذا غربت الشمس وأظلم الهواء علم أن نور الشمس هو السبب – قال هذا يعني أن هذا الشيئ الذي كان موجوداً هو السبب – في انطباع الألوان في بصره.

جيد، إلى الآن هذا كلام واقعي، اسمع الآن التعبير الغريب جداً:

فمن أين يأمن الخصم أن يكون في مبادئ الوجود – مَن الخصم؟ الذي يُفسِّر السببية كالتفسير المُعتاد، أن هذا سبب هذا وهذا سبب هذا، أبو حامد يقول لك لا، ليس هذا السبب، هذا اقتران فقط، الله هو مُسبِّب الأسباب كلها – علل وأسباب يفيض منها الحوادث – كل الحوادث أياً كانت، الشبع والري والتعب والنوم والاستيقاظ وما إلى ذلك – عند حصول مُلاقاة بينها؟ إلا أنها – هذه المباديء المسؤولة – ثابتة ليست تنعدم ولا هي أجسام متحركة فتغيب ولو انعدمت أو غابت لأدركنا التفرقة – لكنها ثابتة لا تغيب، وأنت لا تراها، وتكون هي السبب الحقيقي في ظهور كل هذه الأشياء، سوف تقول لي ماذا يُريد أن يقول أبو حامد؟ هو يستدرج إلى العقيدة الصحيحة بأسلوب ذكي مُحكَم، إذا قلت سلَّمنا بوجود الشيئ هذا سوف يقول لك نعم، فهو يُقرِّب لك فكرة استبداد الله بالفعل والخلق لا إله إلا هو، وهو الدائم الذي لا يغيب والموجود الذي لا يُرى ولا يُحَس ولا يُلمَس، لكن هو المسؤول عن كل هذه الأشياء، كما سلَّمت أنت بمباديء طبيعية في الطبيعة هي المسؤولة عن هذه الأشياء على أنك لا تراها ولا تحسها ولا تلمسها – وفهمنا أن ثم سبباً وراء ما شاهدناه – لكن هي لا تغيب، فظللنا مخدوعين بالأسباب التي أنسناها – وهذا لا مخرج منه – يقول وهذا لا مخرج منه، هو يُدرِك قوة حُجته – على قياس أصلهم.

هل تعرفون كيف أُترجِم – أنا ترجمت عهذه الحُجة في الأسبوع الماضي، أليس كذلك؟ الآن قرأتها من التهافت – هذه الحُجة بلُغة العصر؟ المباديء هذه التي لا تُرى على أنها ثابتة لا تحول ولا تغيب وهي السبب في كل هذه الأشياء هي الآن ما سماه العلم الذرات والكائنات الدقيقة داخل الذرة يا حبيبي، المسألة ليست مسألة تُراب وماء وهواء ونار، المسألة تتعلَّق بالتركيب الذري للمادة المسؤول عنه اعتلاق الجُزيئات بطريقة مُعيَّنة، والجُزيئات هذه تتبع الذرات وطبيعة الذرات وطبيعة تكوينها وطبيعة الثوابت الذرية داخل هذا العالم الصغروي، شيئ غريب! وهذا كله لا يُرى ولا يُلمَس، وهو موجود ويفعل بنفس الطريقة دائماً، هو نفسه! ولا أحد يراه ولا أحد يلمسه، وهو السبب في حدوث كل ما تراه أنت، ليست الأشياء الكبيرة الضخمة التي تراها، أبو حامد هنا يُفكِّر كأنه عالم فيزياء في العصر هذا، من أين قدر على هذا؟ هو هكذا، عنده قدرة تخيل عجيبة الرجل، كما قلت لكم سر عبقريته أنه قادر على أن يخرج على المألوف وعلى التفسيرات المألوفة وأن يفترض أشياء غير مألوفة وغير مطروحة ثم يأتي العلم ويُؤيِّدها، دعوني أُوضِّح بفلسفة العلم صحة موقف أبي حامد، انتبه إلى هذا، الآن لو جئت وسألت أي عالم – سواء طبيباً وسواء عالماً طبيعياً أو كيمياوياً أو فلكياً أو أو أو إلى آخره – وقلت له أعطني تعليلاً لهذه الظاهرة سوف يقول تعليل ماذا؟ انتبه، العلم لا يُؤمِن بالغائية، إذا أردت تعليلاً – تعليلاً حقيقياً كما تفهم في عالم الأسباب الظاهرة المُتعاطى بها بين الناس – لن تجد هذا في العلم، سوف تقول له كيف لا يُوجَد؟ سوف يقول لك لا، العلم يصف فقط، Descriptive not demonstrative، أليس كذلك؟ هذا هو، هذا تلخيص فلسفة العلم، يقول لك العلم يصف ولا يُعلِّل، لماذا؟ لماذا يصف ولا يُعلِّل؟ قال لك لا يُمكِن، التعليل بالمعنى الفلسفي الخاص بك العلم انتهى منه، فرغ منه، الفلسفة كانت تُعلِّل، العلم لا يُعلِّل، العلم يقول لك هذا يحدث لأن كذا وكذا، سوف تقول له لماذا هذا كذا وكذا؟ لأن عندنا كذا وكذا مثل بنية الذراة، سوف تقول له ولماذا بنية الذرة كذا وكذا؟ سوف يقول لك لأن كذا وكذا، سوف تقول له ولماذا كذا وكذا؟ سوف يقول لك لأن هناك ثوابت في الطبيعة، ثوابت مُعيَّنة مثل كُتلة هذا وحجم هذا وكُتلة هذا، أليس كذلك؟ والقوى الأربعة وكذا وكذا، هناك ثوابت اسمها ثوابت الطبيعة، حوالي أربع وعشرين ثابتة مُهِمة جداً، ألَّف بول ديفيز Paul Davies كتاباً عن قوى الطبيعة الأربعة وذكر فيه هذه الثوابت، لك أن تتخيَّل هذا، قال لك هذه الثوابت مسؤولة عن هذا البُنيان والعُمران الكوني كله المادي، هي الثوابت هذه، لكن لماذا هي هكذا؟ سوف يقول لك لا أعرف، هي موجودة هكذا، هي هكذا، والله هو الذي وضعها هكذا طبعاً، الله شاء أن يجعلها على هذا النحو، ذات مرة عقدت خُطبة لمعرفة ماذا يحدث في الكون لو اختلت بعض هذه الثوابت، أليس كذلك؟ لو اختلفت شحنة إلكترون Electron أو حجم شيئ ما وما إلى ذلك سوف يختل الكون كله، لا يُمكِن، هذا يعني في نهاية المطاف أن العلم فعلاً وصل إلى مرحلة مُعيَّنة يقول لك فيها أنا لا أقدر على أن أُعلِّل، أنا أستطيع أن أصف لك الحاصل فقط وصفاً، Description وصف، Descriptive وصفي، لكن ليس تعليلي، أبو حامد سبق العلم بألف سنة في هذا الشيئ، قال لك هو هذا، لا تقل لي أنا أقدر لي على أن أُعطيك تعليلاً، أنت لا تُعطيني تعليلاً، كل شيئ تعتبره علة بالمعنى هذا سوف أجعله اقتراناً فقط، وأقدر على افتراض أن هذا الشيئ يحدث، بالمُناسَبة في الحياة العملية يا إخواني تحدث كل يوم أشياء مثل هذه الأشياء تُؤكِّد المنظور الغزّالي والأشعري، كيف؟ الآن – مثلاً – بلُغة الطب الإنسان لو ابتلع سُماً ونفذ إلى الدم بأي طريقة يموت في ظروف كثيرة، أليس كذلك؟ اليوم رأينا رجلاً مصرياً يأكل السُم أمام الناس، هذا عادي بالنسبة له، لا يحدث له أي شيئ، وهناك أستاذ بروفيسور Professor وعالم وراثة كان جالساً في الاستوديو، وبعد ذلك أتى بابنه وابنته، كان يبلع المسامير، هذا بالنسبة له عادي، يأكل المسامير بشكل عادي ولا يحدث له أي شيئ، وصحته مُمتازة، أتوا بسيارتين مثل سيارة أبي رشاد، لعل كل واحدة بقوة مائتي حصان، والسيارتان تحركتا فاستطاع أن يدفع السيارتين باليمين وبالشمال، ما هذه القوة الأسطورية؟ هذا لعل قوته تكون في النهاية ثلاثمائة حصان، قوة تُعادِل قوة ثلاثين ألف رجل أو ما إلى ذلك، شيئ غير معقول، أبو قدوم بقوة ثلاثمائة وستين حصان، قاس علماء مصر هذا، أبو قدوم بقوة ثلاثمائة وستين حصان، أي بقوة ثلاثين ألف رجل، أبو قدوم حي يُرزَق، قد يكون أقوى رجلاً الآن على وجه البسيطة، كيف؟ من أين القوة هذه؟ الإنسان لا يحتمل عضله وتكوينه الهيكلي والعظمي للشيئ هذا، لكن هذا يحتمل ولا نعرف كيف، وكذلك الحال مع المرأة التي رأيناها في وثائقي طيلة حياتها لا تأكل إلا الرمل، كل أكلها رملاً ليل نهار، هذا عادي بالنسبة لها، وعندها جسم سليم وفيه دم وفيه كل شيئ، ولا تموت ولا تمرض، قوية مثل القرد، تأكل الرمل! أتوا معها في الوثائقي بحُفرة كبيرة في البيت – مثل غرُفة ضخمة – أكلت وتأكل منها، وأمام الناس أخرجت الرمل وظلت تأكل، قالت هذا أكلي، أي الرمل، غريب، رمل؟ كيف؟ وهذا يأكل حديد، المصري هذا يأكل المسامير ويتلذذ بها، كذلك الحال مع موضوع الزجاج والنيون Neon، كثيرون يأكلونه، في استوديو في أبي ظبي رأينا رجلاً وابنه وبناته يأكلون الزجاج أمام الناس ويبلعون، وهذا عادي بالنسبة لهم، أكل وانبسط وشرب بعض الماء وانتهى الأمر، لا تُوجَد أي مُشكِلة، كيف؟ فبروفيسور Professor وراثة مسكين كان جالساً وهو مُستغرِب بعد أن رأى هذا الشيئ، ابنته لعلها في الثالثة عشرة من عمرها، أتوا لها بسيف حديد فوضعته في بطنها وضغطت بشدة، انثنى السيف ولم يدخل في البطن، ما هذه البطن؟ وهي بنت عادية ولطيفة ومُحجَّبة، وضعت السيف في بطنها وضغطت بشدة حتى انثنى، فرمته وجلست، تفضَّل! قالت للبروفيسور Professor يا أستاذ نُريد تفسيراً، قال تفسير؟ تفسير ماذا؟ بروفيسور Professor في الجامعة تفسير ماذا؟ قال، قال هذا يحتاج إلى مُؤتمَر عالمي يُدعى إليه علماء من كل العالم والتخصصات لكي تُدرَس هذه الظواهر غير المعقولة، لكن المفروض ألا يُقال أنها غير معقولة وما إلى ذلك، بالعكس لو كان في الحقيقة الإنسان يأكل مساميراً وأخشاباً وحديداً لكان هذا طبيعي، وحين يقولون بعد ذلك يُوجَد عندنا إنسان يشرب ماء سوف يستغرب الكل، يشرب ماء؟ مُستحيل، كيف يا رجل؟ مُستحيل! لكن هو يشرب الماء، والآن هو يشرب، الله أكبر! يشرب الماء هذا، يا ربي كيف يفعل هذا؟ أليس كذلك؟ ما الفرق هنا؟ العادة، تعوَّدنا أن نأكل خبزاً ولحماً وآيس كريم Ice cream ونشرب ماء وما إلى ذلك، نلحس آيس كريم Ice cream مثلما قال أحد الشيوخ، شيخ أمس بالصدفة – (ملحوظة) قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم للمُصوِّر لا بأس أن يترك هذا الكلام، ثم استتلى قائلاً زهقنا من الفلسفة يا أخي ومللنا – اكتشفته، سهَّرني ساعة ونصف ليلاً ولم أستطع أن أنام، اسمه سُليمان الجبيلان، وهو شيخ تقريباً سعودي، يا أخي نُكتة هذا، اللمبي! أسموه الشيخ اللمبي، كل دروسه نكت والله العظيم! كل دروس الرجل نكت، فعلاً تنكيت، فقال أنا ذات مرة كنت جالساً في السيارة وركب معي مطاوعة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال ومعي آيس كريم Ice cream يا أخي فكنت ألحسه، قالوا له أتلحس الآيس كريم Ice cream؟ قال ألحس، ما في اللحس من بأس قال لهم، قالوا له اتق الله يا رجل، فقال اتركوني، قالوا لا يجوز أن تلحس، قال لماذا لا يجوز يا أخي؟ ما في اللحس من بأس، قال جنَّنوني وطلعوا لي روحي، على كل حال نحن الآن نلحس الآيس كريم Ice cream ونأكل الخبز ونشرب الماء، هذا طبيعي عندنا، أنا ذات مرة قلت لكم لو كانت يا جماعة الجاذبية هذه غير موجودة ما الذي سوف يحدث؟ سوف نجد أنفسنا دائماً في الأعلى، هذا طبيعي، لو بقدرة قادر رأينا ولداً نزل في الأسفل سوف نُصعَق، سوف نقول هذا مركوب، من المُؤكَّد أن الشيطان ركبه، كيف يجلس على الأرض؟ يا أخي هذا غير معقول، سوف نُصعَق تماماً كما سنُصعَق الآن لو رأينا ولداً عمره ثلاث سنوات يجلس في الهواء، ينظر إلى أباه ويقول له بابا صباح الخير وهو في الهواء! سوف نُجَن، سوف نقول هذا مركوب، أليس كذلك؟ ما الفرق إذن؟ الفرق يتمثَّل في العادة والإلف، أبو حامد – كما قلت لكم – هذه العادة والإلف تقريباً هو مُنحَل منها، ليس لها سيطرة عليه، يُحاوِل دائماً أن يُفكِّر خارج المُعتاد وخارج المألوف، هذه عبقريته، قال لك كل ما يحصل في موضوع الأسباب والمُسبَّبات موضوع اعتياد، ترى الشيئ يعقبه شيئ والشيئ يقترن بشيئ باستمرار فيقع في وهمك أن هذا مُسبَّب عن هذا، قال لا، لماذا يا أبا حامد؟ لماذا هذه اللفة الطويلة؟ علماً بأنني هنا سأُدافِع عن حُجتنا رحمة الله عليه، كما قلت لكم لم يُسأ إليه في نُقطة كما أُسيء إليه في موضوع السببية، لماذا؟ زعم هؤلاء الناقدون له أنه أساء إلى الفكر العلمي وإلى مسيرة العلم، العلم لا يُمكِن أن ينشأ ولا أن يقوم فضلاً عن أن يتطوَّر ويمتد إلا على دراسة الأسباب، ابن رشد نفسه طبعاً – كأنه قال له وقعت ولم يُسم أحد عليك – شدَّد النكير جداً على أبي حامد في موضوع السببية، قال انظروا! يُنكِر السبيية، هل يُعقَل إنكار السببية؟ قال ما هو الفكر أصلاً؟ ما هو الفكر؟ ما هي الفلسفة؟ قال الفلسفة والفكر هو إدراك الأشياء بأسبابها، ذهب هو وأنكر السببية، هذا يعني أنه أنكر الفكر وأنكر العقل وأنكر كل شيئ، جعله كأنه غير عاقل وغير عقلاني، غير صحيح، بالمرة غير صحيح، أبو حامد في محك النظر وربما في كتاب آخر قال أنا لا أُنكِر السببية، نسبتم إليّ إنكار السببية لكنني لم أفعل، هل أنا أنكرت السببية؟ متى أنكرتها؟ وهذا صحيح فهو لم يُنكِرها، هل أنا أنكرت العلية؟ لم أُنكِرها، لم أُنكِر السببية، وصحيح أنه لم يُنكِرها أبداً، إذا سألته قائلاً يا أبا حامد غداً الشمس ستسطع فهل سيكون هناك نهار؟ سوف يقول لك نعم طبعاً، من المُؤكَّد سيكون هناك نهار، لكن انظر إلى الذكاء العجيب الذي عنده، قلت لك خطير الرجل هذا، أخطر من ابن رشد بمراحل، ماذا قال؟ قال المعارف يا جماعة تختلف ورُتب اليقين تختلف باختلاف المعارف، فحين نأتي ونأخذ المعارف الرياضية – اثنان في اثنين يُساوي أربعة أو أربعة تُساوي اثنين زائد اثنين – نجد أن هذه المعارف تُورِث اليقين لأنها تكرارية تحليلية تحصيلية، لا تأتي بشيئ جديد، تُعطيك باليمين وتأخذ بالشمال الشيئ نفسه، فهذا يقين! مَن وافقه على هذا؟ مَن وافقه على أن اليقين تختص به فقط المعارف الرياضية والمنطقية؟ كل إنسان يموت، سقراط Socrates إنسان، سقراط Socrates يموت، مسألة يقينية هذه، لم نأت بشيئ جديد، لأن نحن حين قلنا كل إنسان يموت دخل في المسألة سقراط Socrates وأبو سقراط Socrates وجد سقراط Socrates يا حبيبي وتَلاميذ سقراط Socrates، فهو سيموت، لم نأت بشيئ جديد هنا، لا يُوجَد شيئ جديد، لا تقل لي أنك بالمنطق أتيت بشيئ جديد، لم تأت بشيئ جديد أنت، “كل إنسان يموت، سقراط Socrates إنسان، سقراط يموت” مثل “اثنان زائد اثنين يُساوي أربعة”، نفس الشيئ، فاليقين في المنطق وفي العلوم الرياضية الحسابية، هذا صحيح، مَن قال بهذا؟ ديفيد هيوم David Hume، مَن قال به؟ إيمانويل كانط Immanuel Kant، مَن قال به؟ الوضعية، وخاصة الوضعية المنطقية في القرن العشرين، فلسفة العلم الآن تتسالم على هذا، قال لك اليقين في المنطقيات والرياضيات، هل هذا واضح؟ أبو حامد هذا سبقهم إليه، فهو مُؤثِّر في كل هؤلاء، وهذا كان أولاً.

ثانياً قال عندنا العلوم التجريبية، حين نأتي بقطنه ونُقرِّبها من النار تحترق، نأتي بقطنة أُخرى ونُقرِّبها فتحترق، بالاستقراء إذا قرَّبنا من النار الورق سوف يحترق وإذا قرَّبنا الخشب سوف يحترق وإلى آخره، قال تُعطينا ماذا هذا؟ قال لا تُعطينا يقيناً، هذا ليس يقيناً، ما هذا العقل؟ هذه تُعطينا ظناً راجحاً، ترجيح! أي بنسبة تسعة وتسعين فاصل تسعة تسعة تسعة سوف يحترق، لكن ضع احتمال بنسبة واحد وقبله خمسون صفراً وفاصلة أنه لن يحترق، هذا العلم الحديث يقول به تماماً، وقال به هيوم Hume وقال به كانط Kant وقالت به الوضعية وفلسفة العلم الآن، قال لك كل الحقائق التجريبية لا تُورِث يقيناً وإنما ترجيحاً، مَن الذي سبق إلى الكلام هذا؟ أبو حامد، وبالمُناسَبة هنا قد يبرز لي أحدهم ويُهلِّل، يقول لا إله إلا الله والله أكبر فهذا مُمتاز وهؤلاء كلهم لصوص، أنا لا يعنيني هل قرأوا أبا حامد أم لم يقرأوه، لكن هذا جيد، لو ثبت هذا نُثبِته، هل تعرفون ما الذي يعنينا وهو مكسب كبير لنا؟ الفكر الإنساني وخاصة الغربي هذا بعد أن شرَّق وغرَّب وداخ ودوَّخ وتاه وتيَّه غيره انتهى إلى ما قرَّره أبو حامد، أليس كذلك؟ عظمة هذه أيضاً، أليس كذلك؟ لم يقدر على أن يتعدى أبا حامد، بعد ذلك ما دون ذلك من المعارف والفنون والعلوم قال لا تُورِث إلا الظنون، ظنون! أليس كذلك؟ ظن بنسة خمسين في المائة أو ستين في المائة، ظنون وانتهى الأمر، عجيب الرجل هذا، قال لك أنا لا أقول أن القضايا الطبيعية – الشمس والنور، النار والإحراق، الماء والإرواء، الخبز والإشباع وهكذا – يقينة، ليست يقينية – قال – هذه، قال هذه تحصل ترجيحاً، سوف تحصل كما قلت لك بنسبة تسعة وتسعين فاصل تسعة تسعة تسعة، هذا صحيح لكن هل يُمكِن ألا تحصل في لحظة؟ يُمكِن، بدليل أمرين، وهذا ما ذكرته قبل قليل، يُوجَد بشر يأكلون الحديد ولا يموتون، يأكلون زجاجاً ولا يتمزَّق المريء أو البلعوم أو الأمعاء، يعيشون ويُهضَم هذا عندهم، غريب، كيف؟ هو هكذا، هذا ليس شرطاً، ربك على كل شيئ قدير، في نفس الوقت هناك المُعجِزة، هذا لم يذكره لكن في نفس الوقت يُوجَد دليل المُعجِزة للأنبياء، قال الله قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ۩، النبي يقول اللهم عطشِّه، يشرب كثيراً فتنفلق معدته ويموت من العطش، لا يرتوي أبداً، لم يرتو فيهلك، يشرب كثيراً حتى تنفلق المعدة!

فأبو حامد يا إخواني والأشاعرة عموماً حين قالوا بنظرية السببية بهذه الطريقة إنما حفزهم على ذلك – أي على القول بذلك – أمران: إفراد الله بالوحدانية في الخالقية، هو فقط الخالق لا إله إلا هو، هو السر الحقيقي، وكل الأسباب التي تراها أسباب ظاهرية، الله يُحدِث الأشياء عندها لا بها، عندها! لأنها غير قادرة على أن تُحدِثها، هي غير قادرة، هو الذي يُحدِث ويتفرَّد، سوف تقول لي الأمر قريب – للأسف الإمام محمد عبده في تعليقاته على الجلال الدواني افترض أن النقاش بين ابن رشد والغزّالي والأشاعرة عموماً نقاش لفظي، غير صحيح، نقاش معنوي هذا، اختلاف معنوي وليس لفظياً، هذه من أخطاء محمد عبده، خطأ واضح – ولعله كما قال المُفتي محمد عبده – رحمة الله عليه – أمر خلاف لفظي، كيف يكون لفظياً؟ قال لك سواء كان الله يخلق الشيئ عند الشيئ أو يخلقه به في نهاية المطاف الله – عز وجل – هو الذي أودع – يُسمونها الخاصية المُودَعة، القوة المُودَعة – هذه القوة أو هذه الخاصة في هذا الشيئ لينتج عنه الشيئ الآخر، هذا خطأ، هنا تُوجَد شائبة مُزاحَمة، الله يفعل وهذا الشيئ كأنه يفعل بطبيعته التي خلقها الله أيضاً، لكن الإفراد الحقيقي أين يكون؟ في الحالة الأولى، الله يخلق هذا وهذا والأثر بينهما، يخلق الـ Cause والـ Effect، أرأيت كيف؟ يخلق الكل استقلالاً لكن بحكمته – لا إله إلا هو – لكي يكون العالم الذي تعيش فيه عالماً مُنظَّماً وعالماً عقلانياً ومنطقياً ومُتسِقاً وتقدر على أن تدرسه وتستخرج قوانينه وتعيش فيه، تخيَّلوا الآن لو أن الشمس كانت تسطع يوماً وتتوقف عن السطوع لمدة تسعة أيام مثلاً، تقول أنا زعلانة منكم يا بني الإنسان أو يا بني آدم وسأتوقف والله عن السطوع لمدة تسعة أيام، اذهبوا وكلوا هواء، سأتوقَّف عن السطوع لمدة تسعة أيام، بعد ذلك سطعت، سطعت ولم تغب لمدة تسعة أيام، سوف نُخربَط، سوف تُخربَط جداول الأعمال والنوم واليقظة والأفلام والتسجيل والمُحاضَرات وصلاة الجُمعة وصلاة كذا وكذا، سوف نُبهدَل بهدلة حقيقية، وسوف يختفي العلم، لن يكون هناك شيئ اسمه العلم، علم ماذا؟ سوف تدرس ماذا أنت؟ لن تدرس شيئاً، لكن ربنا لم يشأ هذا، لكي تنتظم حياتناً ويُوجَد علم ويُوجَد فكر ويُوجَد اتساق وترابط Coherence وما إلى ذلك قال أنا سأجعل هذه الأشياء تفعل تقريباً دائماً إلا في حالات شاذة نُسميها كرامات وخوارق وعادات ومُعجِزات لأنبياء، شذوذات لكي تُذكِّركم أن الفاعل ليس هي وإنما أنا، أنا الفاعل، أليس كذلك؟ لا إله إلا الله، هذا هو، نظرية توحيدية قوية هذه.

الآن كيف يُمكِن إيضاح مظلومية الغزّالي والأشاعرة في المسألة هذه؟ كما قلنا هو قال أنا لم أُنكِر السببية، لماذا تكذبون؟ ولم أُنكِر العلية، إذن ماذا فعلت أنت؟ أنا أعدت تفسيرها، أنت تقول لي هذا يُخلَق بهذا وأنا قلت لك لأ، هذا يُخلَق عند هذا، هذا هو فقط، أي أعطيتك تفسيراً أدق، ويبدو أن علمياً أيضاً هذا عنده حظ من الصوابية يا إخواني، شيئ غير طبيعي بدليل هذه الوقائع التي ذكرتها لكم وتخرج عن كل تفسير، هذا هو، شيئ غريب، تخرج عن كل تفسير، وفس نهاية المطاف – كما قلنا – العلم نفسه قال لك أنا لا أُفسِّر، أنا أصف، أليس كذلك؟ هذه يعني أن روح العلم سببية أم وصفية؟ وصفية، سنأخذ خُطوة بسيطة دون أن نتعمَّق، بلُغة الفلسفة يا إخواني ارتباط السبب بالمُسبَّب أو العلة بالمعلول – أي الـ Cause والـ Effect، العلة والمعلول أو السبب والمُسبَّب أو السبب والظاهرة كما يُسمونها – ارتباط اتفاقي أم ضروري؟ ما الفرق بين اتفاقي وضروري؟ إذا كان ضرورياً هذا يعني عدم وجود إمكان لأن ينفك ولابد دائماً أن يحدث هذا، ويقيناً لابد أن يحدث هذا، يقيناً! سوف يقول لي أحدكم بلُغة العلم الحديث اليوم الظواهر التجريبية كلها والمدروسة تجريبياً يقينة أم ترجيحية؟ ترجيحية، هذا مُهِم حتى لا يأتي إليّ رجل أهبل لم يدرس لا فلسفة ولا علم ولا أي شيئ ويتفلسف قائلاً أبو حامد في ساهم تدمير العقل الإسلامي، يا أخي بالله عليك اذهب وتعلَّم، والله أنت لا تفهم شيئاً، شيئ مُزعِج يا أخي، تفتئت على إمام بهذا الحجم وأنت لا تفهم، أتحدى أن تسأل أي فيلسوف علم اليوم عن هذه الأشياء وسوف يقول لك كل هذه ترجيحيات، المسائل الطبيعية والتجريبية كلها ترجيحية، ليست يقينية، لماذا؟ لم يقدر العقل العلمي الفلسفي على إيجاد رابطة ضرورية بين السبب والمُسبَّب، بمعنى ماذا؟ لو افترضنا انعكاس القضية – أن هذا السبب لم يُورِث هذا المُسبَّب – سوف ندخل في تناقض منطقي، أليس كذلك؟ لكن هذا عادي، يُمكِن أن تأتي عند النار وبدل أن تحترق وتحتر تشعر ببرودة شديدة وبنسمة من أحلى النسمات، أليس كذلك؟ وتلهف النار فتشعر أنك مُرتوٍ، هذا مُمكِن أم غير مُمكِن؟ مُمكِن، لا يُوجَد في العقل ما يمنع، حتى لو ذهبت مع سلسلة التعليل الوصفي – هو ليس تعليلاً حقيقياً – إلى آخرها هذا مُمكِن أيضاً، في أدنى درجة يُمكِن أن تفترض العكس، هل هذا واضح؟ لكن هل يُمكِن أن تفترض أن اثنين زائد اثنين يُساوي عشرة دون أن تشعر بتناقض؟ مُستحيل، لأن اثنين زائد اثنين هما أربعة، يستحيل أن يُصبِحوا عشرة، هذه مسألة ماهوية، هذا هو هذا، تحصيل! هل هذا واضح؟ جميل.

لذلك أبو حامد الغزّالي لما تكلَّم عن مراتب العلوم ومراتب اليقين ماذا قال؟ قال في المُنقِذ يقيني أنا بأن اثنين زائد واحد يُساوي ثلاثة لا يُمكِن أن يُزعزِعه رجلٌ يأتي فيقلب لي الحجر إنساناً والعصا حية، هذا لا يُمكِن، أليس كذلك؟ عادي، هو معه عصا فرماها – أعني موسى عليه السلام – فصارت حية، أحيا الميت عيسى، مثلاً نفترض أن هناك مَن قلب إنساناً إلى صخرة، رجل قلب إنساناً إلى صخرة ثم قال لي أرأيت؟ فقلت له رأيت والله وصدَّقت، فقال لي إذن اثنان زائد واحد لا يُساوي ثلاثة، قال لا يُمكِن، هذا لا يُشكِّكني في هذا، هل تعرفون لماذا؟ لأن اليقين لا يرفعه إلا يقين مثله، يقينة اثنين زائد واحد يُساوي ثلاثة هي اليقين، انقلاب العصا إلى حية وما إلى ذلك مسائل كلها ترجيحية، هل هذا واضح؟ ليست بقوة المسائل الأُخرى، ديفيد هيوم David Hume أخذ نفس المثال هذا لكن مع اختلاف المُفرَدات، مما يُؤكِّد أنه سطا على أبي حامد وقرأ المُنقِذ بنسبة مائة في المائة، ماذا قال ديفيد هيوم David Hume؟ قال لو جاء رجل – ويبدو أن الخبيث يُشير إلى رسول الله عليه السلام – وشق لي القمر……… لكن قبل أن نُكمِل سوف نقرأ أولاً كلام الغزّالي، ماذا قال الغزّالي؟ فظهر لي أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يُقارِنه إمكان الغلط والوهم، ولا يتسع القلب لتقدير ذلك – أي أن يُوجَد وهم وغلط، لا يُوجَد كل هذا -، بل الأمان من الخطأ ينبغي أنا يكون مُقارِناً لليقين، مُقارنةً أو تحدياً بإظهار بطلانه مثلاً مَن يقلب الحجر ذهباً والعصا ثعباناً، لم يروث ذلك شكاً وإنكاراً، فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة، فلو قال لي قائل لا بل الثلاثة أكثر، بدليل أني أقلب هذه العصا ثعباناً، وقلبها، وشاهدت ذلك منه، لم أشك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه!

قلت لك الرجل ذكي، ذكي جداً وعجيب الإمام هذا ومُرتَّب، مُخه مُرتَّب، مُخ فيلسوف حقيقي، ديفيد هيوم David Hume أخذ نفس هذا المثال، قال يقيني بأن اثنين زائد واحد يُساوي ثلاثة لا يُمكِن أن يُزعزِعه رجلٌ يقول لي أتحداك بأن أُثبِت لك أن اثنين زائد واحد يُساوي ثلاثة بأن أشق لك القمر، كأنه يُشير إلى مَن؟ إلى النبي، ذكر هذا المثال بالضبط هيوم Hume، انظر إلى الحقد، انظر إلى النفوس السوداوية، استفاد هذا العلم مِن مَن؟ مِن أبي حامد الغزّالي، وذهب وطعن في مَن؟ في نبي الغزّالي، هل تعرفون مثل مَن بالضبط؟ في مُحاضَرتي قبل سبعة عشرة سنة تقريباً تحدَّثت عن تأسيس القرآن للعلم التجربيبي، هذه مُحاضَرة في ثماني ساعات، وأحد الإخوة أخذ عليها الدكتوراة بامتياز، استأذنني وقال لي أُريد أن آخذ الدكتوراة في هذا الموضوع فقلت له افعلها، أخذ عليها الدكتورة بامتياز بعد سنة، مُحاضَرة إبداعية قبل سبع عشرة سنة، ذكرت فيها أن جون ستيوارت ميل John Stuart Mill في كتابه نظام المنطق System of logic – سُبحان الله – تكلَّم عن طرق استنباط المُؤثِّر أو العلة، هل تعرفون ما الطرق؟ المكتوبة في كتب علم أصول الفقه، نفس الطرق تماماً بما فيها السبر والتقسيم، ذكرها تماماً يا إخواني، وبعد ذلك ماذا قال؟ أتى بمثال يسب فيه محمداً، مثال Example سب فيه النبي محمداً، قلت هذه نفسية سوداودية، يعلم أنه ساطٍ ومُتلصِّص ولص كبير، سرّاق رغم أنه كان عبقرياً، سرق مَن؟ إنتاج المُسلِمين في أصول الفقه في مسألة المُؤثِّر ومسالك التأثير، وبالمُناسَبة أبو حامد عنده كتاب من أعجب وأدق وأصعب ما تقرأ في حياتك اسمه شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل، شيئ رهيب، مُجلَّد كامل في المسألة هذه، جاء ستيوارت ميل Stuart Mill الذكي الكبير والعبقري الذي كان عمره ثلاث سنوات وعرف الإغريقية واللاتينية ودرس الكثير من العلوم ذهب وسرق من تراثنا بكل بساطة ولم يُشِر، في نظام المنطق فعل هذا فاحفظوا، وضرب مثالاً يسب فيه محمداً عليه السلام، نفس الشيئ مع ديفيد هيوم David Hume الاسكتلندي Scottish، قال لو أحد قال لي أن اثنين زائد واحد لا يُساوي ثلاثة في حين أنه يُساوي ثلاثة سوف أقول لك كيف؟ سوف يقول سأُثبِت لك هذا، سوف أشق لك القمر نصفين – قال الله اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ۩، يُشير إلى الرسول ومُعجِزة الرسول – وفعل هذا، فهذا لا يُورِثني شكاً في يقيني أن اثنين زائد واحد يُساوي ثلاثة، ما شاء الله! على ذكر السرقات من أبي حامد الغزّالي لما تقرأوا مقالة في المنهج لديكارت Descartes يا إخواني تجدوا أن ديكارت أتى بثلاث حجج لصالح الشك فاحفظوها، أتى بثلاث حجج لصالح الشك، بمعنى لابد أن نشك ونبدأ الشك، طبعاً شيخ الشك – الشك المنهجي وليس المذهبي – أبو حامد الغزّالي، وهو الذي أنتج كل هذه التجارب الروحية والمعرفية عبر الشك، وقال لك مَن لم يشك لم يرتب، ومَن لم يرتب لم ينظر، ومَن لم ينظر يبقى في الجهل والغباوة والعماية، لن تفهم، لابد أن تشك، يُحرِّضك على الشك، عدنان إبراهيم يُحرِّضك على القراءة، الغزّالي يُحرِّضك على الشك، وأنا كنت أُحرِّض على الشك دائماً بصراحة، أنا عندي خُطبة قلت لك فيها لا تكن مخدوعاً، وهذا ينطبق حتى على إيمانك بالدين نفسه، ونحن عندنا إيمان مُطلَق والحمد لله ويقيني لكن لابد أن نُعيد اختبار إيماننا بديننا كل فترة بحسب اتساع قدراتنا، أنا أفعل هذا كما قلت لكم، أفعل هذا دائماً، لا أقول أنني سأفترض بشكل مُطلَق أن ديني هو الحق، هو الآن عندي حق بشكل مُطلَق لكن كلما عن لي شيئ لابد أن أدرسه واختبره حتى لا أكون مخدوعاً يا أخي إذا كان هذا الدين غير صحيح، وهذا هو الصحيح، هكذا يكون الإنسان المُستقِل، أبو حامد كان كذلك رحمة الله عليه، لا يُشكِّل مُخه وينتهي الأمر، لكنهم لم يقدروا على تقبل مُراجَعتك لمسألة تاريخية، ولذلك أنا مُحبَط في الداخل وغضبان، أنا أقول لك لابد أن تكون عندك مرونة Flexibility لكي تُناقِش دينك وعقائدك، تُناقِش وجود الله وصدق النبي والقرآن وكل شيئ، لكن هذا يحتاج إلى جراءة وجسارة شديدة، لكن هم يقولون ممنوع أن تُعيد ملف مُعاوية بن أبي سُفيان قبَّحه الله وقبَّحكم بسبب هذا الغباء الذي أنتم فيه، ما الهبل هذا؟ ما هذا الهبل يا أخي؟ الدين يُمكِن أن نُعيد النظر فيه كله بالعقل وبالتفكير، هذا الذي نُريده، وهذا أبو حامد، هذا ما بقيَ من أبي حامد رحمة الله عليه، فالمُهِم ديكارت Descartes يُريد أن يُبرِّر الشك، لماذا لابد أن نشك ونبدأ بالشك وإلا لن نفهم؟ قال عندنا حُجج مُعيَّنة، أول حُجة مُغالَطة الحس، قال أبو حامد نفس الشيئ، هذه سرقة، مسروق الكتاب كله، قال الحس، أتى بثلاث حُجج وسوف ترون تعليقي وهو تعليق لم أُسبَق إليه أيضاً والحمد لله، تعليق مُهِم جداً على ديكارت Descartes، قال أول حُجة مُغالَطة الحس، قال أنت ترى الحس وما إلى ذلك، هذا كله ربما يكون غلطاً في غلط، بدليل أن الحس هذا يجعلك ترى القلم مكسوراً في كوب من الماء والقلم ليس مكسوراً، لكن أنت لا تراه إلا مكسور، فالحس هنا ليس أميناً، أليس كذلك؟ تأتي بماء بارد جداً وماء ساخن جداً وماء فاتر، تضع يدك في البارد جداً ثم تُخرِجها وتضعها في الفاتر، ماذا سوف يحدث؟ سوف تقول هذا ساخن جداً، ما أسخنه! لأن يدك كانت في الماء البارد جداً، حين تضع يدك الثانية في الماء الساخن جداً ثم تضعها في البارد تشعر بأن الماء مُثلَّج، هذا ثلج، يا الله ما أبرده! فالماء في النهاية أصبح بارداً جداً هذا وساخناً جداً وهو ماء واحد، فالحس خدعك، أليس كذلك؟ الحس يجعلك ترى الشمس التي هي بحجم الأرض مليون وثلاثمائة ألف مرة بحجم الغربال، أليس كذلك؟ وهي بحجم الأرض مليون وثلاثمائة ألف مرة، فهو خدعك، لم يُرِك كل شيئ بدقة، فما دام الحس يخدعنا لن يكون فيه يقين، لابد أن نمشي ونشك، بعد ذلك ماذا قال؟ حُجة الحُلم، ما حُجة الحُلم؟ قال ديكارت Descartes كيف أعرف ومن أين أأمن أن كل حياتي هذه وكل أفكاري وتجاربي ليست في النهاية حُلماً؟ علماً بأننا نقول حُلم وليس حِلم، فالحِلم معروف لكن هذا حُلم، باللُغة الفصحى نقول حُلم، أي Dream، ولعلها تكون في النهاية كابوساً، أي Nightmare أو Alptraum، كيف أعرف؟ أبو حامد ذكر هذا، انتبهوا إلى هذا، قاله بالترتيب هذا، فذهب السرّاق ديكارت Descartes لكي يدّعي أنه مُبدِع وقال عندي حُجة ثالثة، ما هي يا بابا؟ لكي يدعم الشك ولكي يُبرِّر الشك، لابد أن نشك قال، صحيح لابد أن نشك، قال الشيطان الماكر، قال ديكارت Descartes مَن أين أأمن – يقول هذا بلُغة الغزّالي، ما الذي يُؤمن الخصم؟ قال، من أين له الآمان؟ – أن ليس هناك أي شيطان ماكر؟ هذا الشيطان لا أراه لكن هو الذي يُضلِّلني دائماً ويُحاوِل أن يوعز لي وأن يُفهِّمني الأشياء بطريقة خاطئة، ما الذي يُؤمنني؟ وهذا كلام فارغ، أبو حامد لم يذكر الهبل هذا، لماذا؟ لأن أبا حامد فيلسوف عقلاني، ولما تكلَّم في الفلسفة والمسائل الإبستمولوجية تكلَّم كفيلسوف عقلاني لا يفترض وجود الله ولا والملائكة ولا الجنة ولا النار ولا الشياطين، ديكارت Descartes الأهبل قال شيطان، شيطان ماذا؟ ما هذا الهبل؟ أرأيتم إلى مدى بلغت عبقرية الغزّالي وبلغ تسفل ديكارت Descartes؟ فرق كبير، موضوع مُغالَطة الحس مسألة عقلانية، هذا صحيح، احتمال الحُلم مسألة عقلانية، الفيلسوف الإنجليزي المُحِد الكبير برتراند راسل Bertrand Russell عنده كتاب اسمه The Problems of Philosophy، أي مشاكل أو مُشكِلات الفلسفة، تقريباً في الصفحة السابعة والعشرين بالإنجليزية – يُمكِن أن تجدوه في أرشيف Archive – قال إلى الآن أنا مُقتنِع بأن ليس لدينا ضمانة قطعية أو يقينية أن حياتنا كلها برمتها هي حُلم مُتناسِق مُتصِل، وهم وليس حقيقة، نفس حُجة مَن؟ ديكارت Descartes، التي هي حُجة مَن؟ أبي حامد الغزّالي، كما قلت لكم سابق يا جماعة وقامة فارعة الرجل، غير طبيعي، احفظوا هذا، لفوا وداروا وفي النهاية لم يُجاوِزوا أبا حامد.

إلى الآن لم نفرغ من الكلام في موضوع السببية والموقف منها، لكن سنُكمِل – إن شاء الله – في الحلقة القادمة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

– الأستاذ المُهندِس طرفة بغجاتي: جزاك الله خيراً.

(تابعونا في الحلقة القادمة بإذن الله)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: