بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.

إذن سورة النصر أيها الإخوة يترجَّح أنها نزلت قبل الحُديبية، أي قبل فتح الحُديبية، وهذا ذهب إليه ابن عباس وعكرمة والحسن البِصري ومُقاتِل وكما قلنا ابن الضُريس والإمام الداني رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، كلهم اتفقوا على أنها نازلة قبل سورة الفتح، والفتح نزلت بعد الحُديبية مُباشَرةً، فيترجَّح أن النصر نزلت قبل الحُديبية أو زامنتها فتكون إرهاصاً بالفتح الكبير أو الفتح الأعظم الذي هو فتح الحُديبية، كما قال البراء بن عازب أنتم تعدون فتح مكة هو الفتح وإنه لفتحٌ ولكن هم يرون – أي الصحابة – أن الفتح هو فتح الحُديبية، فالآن ما المقصود؟ المقصود هل يجوز أو يسوغ أيها الإخوة أن نجمع بين حيزين ماز رسول الله بينهما وفرَّق؟ النبي قال الناس حيز وأنا وأصحابي حيز، ولا هجرة بعد الفتح، كما قلت لكم سيأتيكم خبرٌ بسند صحيح رجاله رجال الجماعة يترجَّح به – إن شاء الله تعالى – أن الفتح هو فتح الحُديبية، النبي قال هنا هذا، سوف تقول لي لكن هو قال يوم فتح مكة، قلنا صح عنه أنه قال لا هجرة بعد الفتح فيكون قالها لمُناسَبة اقتضت ذلك وإلا فالفتح الأعظم هو فتح الحُديبية، فهل يجوز أن نجمع بين حيزين فرَّق الرسول بينهما؟ لا يجوز أبداً، ولذلك أيها الإخوة لما حدَّث أبو سعيد بهذا الحديث في حضرة مروان بن الحكم غضب، والآن عرفتم مَن هو مروان ومَن الحكم أبوه، الحكم بن أبي العاص أو العاصي بن أُمية بن عبد شمس عم سيدنا عثمان رضيَ الله عن عثمان وأرضاه وأبعد الله الحكم وابنه مروان، يُروى عن مروان في كتبنا، قالوا ثقة مروان، ثقة ماذا هذا؟ هذا مُصيبة ابن مُصيبة، الرجل هذا أبوه مُصيبة وهو كارثة، كيف تُوثِّقون قاتل طلحة بن عُبيد الله؟ أنا أستغرب والله يا أخي، كيف يُوثَّق رجل قتل أحد العشرة المُبشَّرين بالجنة طلحة بن عُبيد الله، وهل تعرفون لم قتله؟ طبعاً قتله في الجمل، قتله لما اقتنع طلحة أنه ظالم للإمام عليّ وأنه أعطاه صفقة يده وثمرة قلبه ثم نكث العهد، فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ ۩، ذكَّره الإمام عليّ فعاد مُباشَرةً، انظر إلى هذا، ولذلك يسألونني – وقع علىّ السؤال – لماذا يا عدنان أنت تُفرِّق بين طلحة والزُبير وعائشة من جهة وبين مُعاوية؟ كما هؤلاء حاربوه مُعاوية حاربه فكيف تُفرِّق؟ أقول لهم كيف يا إخاوني لا أُفرِّق، الزُبير – رضوان الله تعالى عليه – فقط بمُجرَّد أن ذكَّره الإمام يا عليّ بقول الرسول رجع، قال له أما تذكر يا زُبير يوم قال لك رسول الله ونظرت إليّ أتُحِبه؟ فقلت نعم، فقال لك لتُقاتِلنه وأنت له ظالم، استفاق الزُبير، الله! قال له بلى أذكر وترك مُباشَرةً، هذه فتنة – قال – ونسيت أنا، فولى فرماه بسهم ابن جرموز لعنة الله تعالى عليه، ابن جرموز قتل الزُبير، وبعد ذلك ذكَّر الإمام عليّ طلحة بن عُبيد الله رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، ذكَّره فحدث نفس الشيئ وتركهم، مَن رماه؟ مروان بن الحكم بن أبي العاصي، الوزغ ابن الوزغ، اللعين الذي هو فضض من لعنة الله، لعن رسول الله أباه وهو في صُلبه كما قالت عائشة رضوان الله عليها، قتله يا أخي، ويقولون ثقة نروي عنه! لماذا تروون عنه؟ أي ذنب أعظم وأي جرح للعدالة أعظم من أن تقتل صحابياً جليلاً آثر ألا يُواصِل في الفتنة والخروج على إمام الزمان وأن ينقض بيعته وعهده يا أخي؟ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ ۩، لكن هذا عليّ فلا مُشكِلة، عليّ يُنقَض عهده ويُخرَج عليه، والذين يخرجون عليه يظلون ثقات عندنا، والذي يجرحهم هو المُجرَّح عندنا، غير معقول! نسأل الله أن يرزقنا الإنصاف – والله العظيم – والعقل والفهم، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩ يا إخواني، حسبنا الله ونعم الوكيل حقيقةً، فهذا مروان بن الحكم، كان أميراً على المدينة أيام مُعاوية هذا، فأبو سعيد يُحدِّث بهذا الحديث – حديث الناس حيز وأنا وأصحابي حيز – فغضب، غضب مروان بن الحكم وقال لأبي سعيد كذبت، لماذا غضب إذن؟ هذا سؤال، لماذا يغضب مروان ويقول له كذبت؟

(ملحوظة: أجاب أحد الحضور قائلاً لأنه ليس من هذا الحيز، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت) ثم استتلى قائلاً: لأن واضح أن الحيلة الأُموية – أنهم صحابة وأصحاب محمد وأصحاب رسول لله، كلهم سلة واحدة، بيض في سلة واحدة – انكشفت الآن، لا يُوجَد بيض في سلة واحدة، يُوجَد النبي وأصحابه حيز إلى الحُديبية وانتهى الأمر، بعد الحُديبية الآن صار هناك تصنيف آخر، هذا يعني وجود تابعين، وقبل الحُديبية كان يُوجَد ماذا؟ مُهاجِرون وأنصار، هذا يُرجِّح أن الهجرة الشرعية انقطعت بالحُديبية، المسألة التي بحثناها في أول البحث بفضل الله تبارك وتعالى، انتهى الأمر، والحديث مرة أُخرى استذكره، رواه أحمد بسند رجاله رجال الجماعة، رجال الست إلا أحمد، وأحمد هو مَن هو، لا يُوجَد كلام في أحمد، رضوان الله عليهم أجمعين، قال له كذبت، وكان في المجلس رافع بن خديج – صحابي – وزيد بن ثابت، فكانا يسمعان، قاعدان على السرير مع مروان، لأنهما من عمّال مروان، رافع بن خديج ولاه مروان على عرافة قومه، أي أنه زعيم قومه، وزيد بن ثابت – رضيَ الله عنهما – جعله على الصدقة، مُهِمة مالية كبيرة، جمع الصدقات والزكاوات، وكان يُجلِسهما على سريره، سرير الإمارة! كانا ساكتين ولم يتكلَّما، فقال أبو سعيد لشاء هذان لحدَّثاك – أنا لا أكذب على رسول الله قال له، أتحدَّث بما سمعت وهما سمعا مثلما سمعت قال له، كأن أبا سعيد تعمَّد أن يُذكِّر بهذا الحديث في حضرتهما حتى يُقيم الحُجة على مروان – ولكن هذا يخشى أن تنزعه عن عرافة قومه وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، لم يبق الآن إلا أن يأتينا مَن يسب أبا سعيد، كيف يا أبا سعيد تقول هذا؟ طبعاً أبو سعيد الخُدري صحابي جليل وهو خزرجي، كيف يا أبا سعيد تطعن في الصحابة؟ هو منهم، صحابي جليل يعرف أن الصحابة ليسوا معصومين وليسوا ملائكة، قال له أنا أعرف أنهما يخفان لأن هناك مُرتبات وهناك أشياء، نسأل الله أن يُنزِّه قلوبنا – والله العظيم – ونوايانا عن الطمع في الدنيا الخسيسة فلا نكتم شيئاً من الحق – والله العظيم – ولو فُوِّضنا عليه بالدنيا وما فيها، اللهم آمين يا رب، اللهم اجعلنا كذلك جميعاً – إن شاء الله – نحن والسامعين، فرفع مروان الدرة ليضرب أبا سعيد، غضب جداً وأراد أن يضربه، أرأيت؟ يُريد أن يضرب الصحابي الجليل، مَن أنت يا أخي؟ مَن أنت حتى تضرب أبا سعيد الخُدري، طبعاً أبو سعيد مِمَن كان يُقدِّم عليّاً على سائر الصحابة، سيُقال هذا يعني أنه من الشيعة، هو شيعي رافضي، عنده عليّ أفضل من أبي بكر وعمر، أفضل واحد عنده عليّ، وطبعاً هو يحترم أبا بكر وعمر جداً جداً، لكن هكذا مذهبه، أي أن عليّاً هو الأفضل، وهذا مذهب ثلاثين من الصحابة على كل حال، فعند ذاك قالا صدق، قالا صحيح، كلامه صحيح، لأن هناك سؤالاً يوم القيامة، سوف يُسألان أمام الله تبارك وتعالى، لماذا سكتما وضُرِبَ الصحابي الجليل هذا؟ لماذا لم تشهدا بما تعرفان؟ وطبعاً الآيات القرآنية مُخيفة جداً في كتم العلم، أليس كذلك؟ فيها اللعن، الذي يكتم الحق والعلم يلعنه الله والملائكة والناس، يلعنه اللاعنون، لا يُوجَد كتم، فقالا صدق!

والآن بان لكم – كما قلت – ليس بنصف ذكاء بل وبعشر ذكاء ما الذي أغضب مروان بن الحكم بن أبي العاصي من حديث الناس حيز وأنا وأصحابي حيز، التقسيم والتصنيف! النبي قال تصنيف، لا تقل لي أنت من أصحابي، أنت لست من أصحابي، أنت حيز آخر، القرآن ماذا سمى أهل هذا الحيز؟ التابعين، أنت من التابعين، (ملحوظة: قال أحد الحضور التابعين بإحسان، فقال فضيلته لا، ليسوا من التابعين بإحسان) ثم استتلى قائلاً: سماهم التابعين ولم يعدهم – لم يقطع لهم بوعد – بالجنة والرضوان إلا إن أحسنوا، فوعد الله للتابعين مُقيَّد بماذا؟ بالإحسان، انظر إلى نفسك إذن، انظر إلى كل مَن أسلم بعد الحُديبية وانظر إلى اتباعه بإحسان وما إلى ذلك، وأول الإحسان مُفسَّر في سورة الحشر، ما هو؟ حُب السابقين الأولين، حُب المُهاجِرين والأنصار وسلامة القلب عليهم والدعاء والاستغفار لهم، ليس لعنهم ولا سبهم ولا قتلهم ولا الخروج عليهم وعلى طاعتهم، أليس كذلك؟ وعلى هذا تُحمَل وصية رسول الله – النبي أوصى، أوصى هؤلاء التابعين ومَن بعدهم – بأصحابه من المُهاجِرين والأنصار خيراً، النبي أوصى بالمُهاجِرين والأنصار، لأنه يعرفه أنهم حيز، هؤلاء حيز مع الرسول، هؤلاء أصحاب الصُحبة الشرعية الحقيقية يا إخواني، لا كلام في هذا، رضيَ الله عنهم، ولا يُستثنى منهم إلا أفراد معدودون، مثل رأس النفاق الذي كان منهم ومثل حرقوص – كما قلنا – رأس الخوارج، قلة قليلة بفضل الله، وإلا ما شاء الله عليهم هؤلاء، ما شاء الله عليهم ورضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين.

الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري شيخ المُفسِّرين والمُؤرِّخين روى بسنده في تفسيره بسند صحيح أيضاً ومرة أُخرى عن أبي سعيد الخُدري – أرأيتم كيف يأتي العلم؟ بحسب طريقة الصحابي وما إلى ذلك يروي الأحاديث، يعرف هذا، أبو سعيد له طريقة وأحاديثه سُبحان الله تصب في هذا المهيع – قال: قال لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عام الحُديبية – في السنة السادسة، نفس الشيئ هذا، كالحديث الذي قبله – يُوشِك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم إلى أعمالهم، قلنا مَن هم يا رسول الله؟ أقريش هم؟ هل قريش سوف تُسلِم – إن شاء الله – ومن ثم يُصبِحون أحسن منا في الأعمال وما إلى ذلك؟ قال لا ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً، فقلنا هم خيرٌ منا يا رسول الله؟ فهمنا أننا سنحقر أعمالنا، لهم أعمال كثيرة في الخير، لكن هل هذا يجعلهم خيراً منا لعِظم هذه الأعمال وما إلى ذلك؟ قال لو كان لأحدهم مثل أُحدٍ ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما أدرك مُد أحدكم ولا نصيفه، كيف يُصبِحون خيراً منكم؟ لا ينفع، هم أُناس مُبارَكون – النبي قال – أعمالهم كثيرة وعظيمة كالإنفاق والجهاد والرباط في سبيل والعبادة والذكر، لا كلام في هذا، ما شاء الله على أهل اليمن النبي قال، لا كلام في هذا، لكنه قال لا، لماذا إذن؟ أنتم معي حيز والناس حيز، هذا انتهى، طبعاً يا أخي هذا العدل الرباني، والله العظيم اقشعر شعر بدني، هذا العدل يا إخواني، انتهى الأمر، لأن الذي أسلم وهاجر وقاتل في مرحلة الضعف والذل ليس كالذي أسلم بعد أن عز الإسلام وأمِن الناس ولم يُوجَد خوف، هذا أسلم وهو خائف، كان يُمكِن أن يُستأصل وكان يُمكِن كذا وكذا ومع ذلك أسلم ولم يهمه أي شيئ، له مزية خاصة هذا، لا نُسوي بين الناس، حاشا لله، لا الله ولا الرسول يُسويان، نحن نُسوي، نُريد أن نُسوي باسم العلم والقواعد التي نُقعِّدها ونُصدِّقها، أرأيت كيف؟ قال النبي – اسمع الحديث – ما بلغ مُد أحدكم ولا نصيفه، ألا إن هذا فصل ما بيننا وبين الناس، ثم تلا – عليه الصلاة وأفضل السلام – لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ ۩….. إلى آخر الآية من سورة الحديد، وهذا يُؤكِّد مرةً أُخرى أن الفتح هو الحُديبية، ويُؤكِّد مرةً أُخرى على نبوية وشرعية هذا التقسيم، أرأيتم؟ هؤلاء هم الصحابة الشرعيون وهم حيز، المُهاجِرون والأنصار! ومَن تلاهم هم التابعون ومشروط اتباعهم بالإحسان، فليزن امرؤٌ نفسه وليُوزَن كل مَن جاء مِن التابعين بميزان الكتاب والسُنة بحسب أعماله وما صح من عمله وسيرته، لا نفتئت على أحد ولا يُسعِدنا هذا، حاشا لله!
إذن فهذا الحديث يلتقي مع الأحاديث السابقة، الحديث الذي ذكرته لكم في أول البحث هو في صحيح مُسلِم، اختلف خالد بن الوليد مع عبد الرحمن بن عوف – وخالد معروف متى أسلم وعبد الرحمن من العشرة، من السابقين الأولين من المُهاجِرين، رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما اختلفا – في قصة بني جُذيمة، النبي بعث خالداً إلى بني جُذيمة، وكانت بعد فتح مكة هذه بيسير، المُهِم – لا نُريد أن نتكلَّم في كل القضية – أسر منهم مَن أسر واستسلم له جماعات منهم وبعد ذلك أراد أن يعرف هل هم مُسلِمون أم غير مُسلِمين، في بعض الروايات لم يُحسِنوا أن يقولوا أسلمنا وقالوا صبأنا صبأنا، أنا أستغرب حقيقةً، أُريد أن أحكي ضميري حتى وإن أغضب الناس، وهذه النصوص صحيحة لكن عندي تساؤلات، عربي – هذا عربي قح – لا يستطيع أن يقول كلمة أسلمت؟ هل هي كلمة عجيبة أو صعبة أو من لُغة خاصة؟ هذه كلمة عامة كل القبائل تعرفها، لم يستطيعوا أن يقولوا أسلمنا، والذي يعرفه القاصي والداني – حتى هرقل وكسرى في الروم والفرس – أن محمداً أتى بدين اسمه الإسلام، هذا أول ما يُعرَف، محمد نبي الإسلام، يدعو إلى الإسلام، أليس كذلك؟ قال لك هم لم يعرفوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبأنا صبأنا، فظن خالد أنهم   ارتدوا عن الإسلام فأمر بذبحهم، فذبح منهم جماعة عظيمة، وبلغ خبر هذه المذبحة الرسول فرفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد، وبعث الإمام عليّاً – أمير المُؤمِنين عليه السلام – فوداهم، أي دفع الديات، مَن الذي اختلف معه؟ عبد الرحمن بن عوف، قال له في هذه المسألة أنت أخطأت وتجاوزت وتعديت وظلمت، فسبه خالد، فبلغ الأمر الرسول فغضب وقال لا تسبوا أحداً من أصحابي، وفي ألفاظ لا تسبوا أصحابي، وهذا يُوضِّح مرةً أُخرى بمفهومه أن خالداً ليس من أصحابه، مفهوم الحديث أن خالداً ليس من أصحابه وإلا كيف قال لا تسبوا أصحابي؟ وقلت لكم خالد لم يعترض بالقول ألست منهم؟ لأنه سلَّم بأنه ليس منهم، هذا هو طبعاً، أرأيت كيف؟ فإذن خالد لم يعترض، وهذا يُشبِه أن يكون دليلاً قوياً جداً في هذه المسألة، وأقر بالفرق، إذن هو من الحيز الذي فيه سائر الناس، وليس من الحيز الذي فيه المُهاجِرون والأنصار أصحاب الصُحبة الشرعية الحقيقية.

أحمد أيضاً بسندٍ صحيح – صحَّحه الشيخ شُعيب الأرنؤوط رحمة الله عليه وعلى الإمام أحمد – عن مُجاشِع بن مسعود أنه أتى بابن أخٍ له – هذا في الفتح، أي في فتح مكة – لم يبلغ – ابن أخي مُجاشِع بن مسعود لم يبلغ – وأراد من النبي أن يقبل بيعته، قال له هذا يا رسول الله يُريد أن يُبايعك، على ماذا؟ على الهجرة، قال النبي لا، فليُبايع على الإسلام، فإنه لا هجرة بعد الفتح، ليس هذا المقصود، هذا معروف عندنا، المقصود آخر الحديث، قال له فليُبايع على الإسلام، فإنه لا هجرة بعد الفتح، ويكون من التابعين بإحسان، النبي سماه ماذا؟ تابعياً، قال لا يُمكِن، انتهى الأمر، بعد الفتح يُوجَد هذا الاتباع، يكون من التابعين بإحسان، هذا لقبه قال له، انتهى الأمر، مُهاجِري وأنصاري وتابعي بإحسان، تصنيفات نبوية، أين ضاعت هذه التصنيفات، من خلال قراءتي للتاريخ وجدت أشياء هامة، أنا أدعوكم أن تقرأوا تاريخ الطبري مثلاً، اقرأوه بدقة وسوف تجدون خُطة دقيقة مُحكَمة ذكية في الحقيقة أثارت تعجبي، مُعاوية فعلاً ليس رجلاً عادياً، داهية من الدُهاة حقيقةً، واعترف بأنه داهية، رجل عظيم الذكاء، ليس إنساناً عادياً هو، مُطلَقاً غير عادي، مُطلَقاً! مُعاوية سرَّب هذا شيئاً فشيئاً في مُراسَلاته مع الإمام عليّ، عليّ دائماً يحتج بماذا؟ بأهل بدر وأهل السمرة – أهل بيعة الرضوان – وبالمُهاجِرين وبالأنصار، فجعل مُعاوية شيئاً فشيئاً يتكلَّم عن ماذا؟ عن الصحابة وأصحاب محمد وأصحاب رسول الله، مثلما نقول نحن جميعاً، الإمام عليّ طبعاً كان من الزكانة والفطانة ما جعله لأول وهلة يتنبه إلى الحيلة الماكرة الخبيثة فرد عليه، قال له لا تقل لي أصحاب محمد وأصحاب رسول الله، إنما هم المُهاجِرون والأنصار أصحاب السمرة، اذكر مَن معك ومَن معي، لا تقل لي أصحاب وتُسوي بينهم جميعاً، قال له هل هذا ينطلي علىّ؟ للأسف الذي لم ينطل على أبي الحسن انطلى على مُعظَم الأمة للأسف الشديد، انطلى على مُعظَمنا، اقرأوا هذه المُرسَلات وسوف ترون – أنا أعطيتكم مُفتاحاً عجيباً – هذا العجب العاجب في تاريخ الطبري، وهذه الأحاديث فعلاً تُؤكِّد هذا، والقرآن الكريم يقول مُهاجِرون وأنصار وأتباع، والنبي يقول أتباع، أين هذا التقسيم؟ ذهب هذا التقسيم، ما عُدنا نسمع به وصدَّقنا أن الكل صحابة، وعلى كل حال لنا أن نُصدِّق، تغافلوا عن هذه الآيات وعن هذه الآثار والأخبار، ليس عندنا مُشكِلة، لكن في نهاية المطاف سنكون مُضطَرين كلنا أن نُحكِّم في هؤلاء الذين يُسمون صحابة من عند آخرهم – في مائة وعشرين ألفاً – القواعد الدينية العقدية، مَن أحسن منهم؟ ومَن خُتِم له؟ ومَن غيَّر؟ ومَن بدَّل؟ وما النية؟ وهل استقام؟ وهل فسق؟ وهل فجر؟ هل هل هل هل … سوف يقولون لك لأ، حتى هذه ليس لك فيها لأنهم عدول، سوف نرى مسألة العدالة، هذا الجُزء الثاني من المُحاضَرة، هل فعلاً عدول؟ هل فعلاً هناك آيات وأحاديث تُؤكِّد أنهم جميعاً مغفور لهم ومهما فعلوا فالله تجاوز عنهم وأوجب لهم الجنة؟ سوف نرى الكلام هذا، هل هم عدول بالمُطلَق من غير قيد أو شرط؟

يجري دائماً أيها الإخوة الاحتجاج بحديث الإمام الترمذي وأخرجه ابن حبان في الأنواع والتقاسيم من قوله – صلى الله عليه وسلم – الله الله في أصحابي، أي اتقوا الله، اتقوا الله، احذروا الله، اخشوا الله، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمَن أحبهم بحُبي أحبهم ومَن أبغضهم فببُغضي أبغضهم، وطبعاً مِن باب أولى أن نقول مَن أحب أهل بيت رسول الله – مَن أحب أهله وعترته ولحمه ودمه – فبحُب رسول الله أحبهم، ومَن أبغض أهل بيته فببُغض رسول الله أبغضهم، وهذا ينطبق على مَن حامى عن قتلتهم وظلمتهم ولاعنيهم وسبّابيهم وشتّاميهم وحسَّن الظن بهم وجعل ذنبهم كأنه غير ذنب، بل قرأت لبعضهم – وهذه فعلاً داهية ما لها من واهية، هذه صاعقة – أنه زعم أن أهل الشام في سبهم الإمام عليّاً – أمير المُؤمِنين عليه السلام – مأجورون بأجر واحد، اجتهدوا في سب أمير المُؤمِنين، هم أرادوا الخير، سبوه عن اجتهاد فلهم أجر! هل يُمكِن أن يخطر على بال أحد من هؤلاء في مَن سب عثمان فضلاً عن مَن يسب أبا بكر وعمر أن يقولوا اجتهد في سبهم – هذا اجتهاد بحسب عقيدته – فله أجر واحد أم يُسارِعون إلى تكفيره حتى وزندقته؟ إذن لماذا الإمام عليّ بالذات يا أخي؟ أنا أتساءل، عقلي حائر جداً جداً، الجواب عندكم، أعتقد أن الجواب لدغلٍ في القلوب على الإمام عليّ وأهل بيته، وأُذكِّركم للمرة الألف أنه لعهد النبي الأُمي إليّ أنه لا يُحِبك – أي يا أبا الحسن – إلا مُؤمِن ولا يُبغِضك إلا مُنافِق، أخرجه مُسلِم في صحيحه، وستأتيكم جُملة من الأحاديث عن أبي سعيد وعن جابر بن عبد الله وعن سلمان – أعتقد أيضاً – وعن غيرهم تُؤكِّد نفس هذا المعنى، وهذا في صحيح مُسلِم فانتبهوا، الأمر خطير وليس لعباً، لا تلعب بدينك أنت، لا تقل لي اجتهد فأخطأ وله أجر، لكن إذا سب أحد أبا بكر وعمر أو عثمان أو عائشة – رضيَ الله عنهم وأرضاهم وحاشاهم – تقول لا، هذا زنديق، ملعون والدين هذا، لكن مَن يسب عليّاً عنده أجر واحد، حسبنا الله ونعم الوكيل، غير معقول يا أخي، هذا هو النصب، ما النصب؟ التدين والتقرب إلى الله ببُغض الإمام عليّ وأهل بيته، عليّ فتنة يبدو، عليّ محنة فعلاً الله يمتحن بها المُؤمِنين والمُنافِقين، محنة يا إخواني فعلاً، يبدو أن الله جعله محنة – سبحان الله – إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة، والنبي جعلها أمارة على الإيمان وأمارة على النفاق وذلك حين تُحِبه أو تكرهه، وهنا قد يقول لي أحدكم أنت تُهوِّل علينا، الحافظ ابن حجر رضوان الله تعالى عليه – فعلاً رضوان الله عليه – أجاب عن هذا الحديث، الحافظ كان دائماً – كما قلت لكم – يستشكي، لماذا نحن أهل السُنة بالذات نُوثِّق الناصبي غالباً ونجرح الشيعي مُطلَقاً، أول ما يثبت أنه شيعي نرم بكلامه، انتهى الأمر مُباشَرةً، لكن الناصبي لا نفعل معه هذا، وهو عكس الشيعي، الشيعي يُحِب الإمام عليّ وأهل البيت ويُقدِّمة، هذا الشيعي، وكما قلنا إذا قدَّم الإمام عليّاً على الشيخين يُقال رافضي، وإذا قدَّمهم على مَن سواهما والمقصود طبعاً مَن؟ على عثمان رضيَ الله عنه – يكون شيعياً وليس رافضياً، لكن إذا قدَّمهم على الشيخين يُقال رافضي، خبيث هذا وبأحقر المنازل، أخو الزنديق قد يكون والعياذ بالله الرافضي الخبيث هذا، فعكس التشيع النصب، كره الإمام عليّ وسبه ولعنه هو وأهل بيته معه، عكسه تماماً يا جماعة، مَن أسوأ إذا أردت أن تختار وأنت غير مُضطَر أصلاً – نحن نأخذ بالوسط بفضل الله وبالحق، لكن مَن أسوأ – أن تكون شيعياً فتُحِب عليّاً وتُقدِّمه على أبي بكر وعمر – هذه ليست نهاية الدنيا يا سيدي، لكن شرطاً أن تُحِب أبا بكر وعمر، ممنوع أن تلعن الشيخين، يا ويلك! أنت تُحِبهما، لكن تقول أُحِبهما وعليّ عندي أفضل، وكما قلنا هذا مروي عن ثلاثين من الصحابة وعن الشيعة عموماً – ويكون هذا هو التشيع والرفض أو أنك تدّين وتتقرَّب إلى الله ببُغض عليّ وأهل بيته وسبهم ولعنهم وهذا هو النصب؟ هل تختار هذا أم هذا؟ بصراحة نصف مُصيبة – إذا كانت مُصيبة – أفضل، هذا التشيع، ابن حجر يقول العجيب أن الشيعي مرفوض عندنا مُطلَقاً، الناصبي في الغالب الأعم مُوثَّق نقبله، قال لم أزل أستشكل هذا، غير مفهوم عندي قال ابن حجر، هذا غلط قال، عكسٌ للقضية قال، أليس كذلك؟ عكسٌ للقضية، قال ابن حجر العسقلاني سيما وأن عليّاً ورد فيه – وقلت لكم الآن هذا، هذا حديث في الصحيح، في صحيح مُسلِم – أنه لا يُحِبه إلا مُؤمِن ولا يُبغِضه إلا مُنافِق، كيف يا أخي نُوثِّق المُنافِقون نحن؟ النواصب كلهم مُنافِقون، أليس كذلك؟ فابن حجر بعد ذلك فتح الله عليه بشيئ نُخالِفه فيه، وهذا الشيئ غالط، هذا الفهم غالط وسوف ترون لماذا هو غالط، ماذا قال؟ قال بعد ذلك بدا لي الوجه، حُب عليّ علامة على الإيمان لكن ليس بالمُطلَق وبُغضه علامة على النفاق لكن ليس بالمُطلَق، نحن يهمنا النفاق، فكيف ليس بالمُطلَق؟ قال وإنما الذي يُبغِض عليّاً المُراد مَن أبغض عليّاً لأجل نُصرة عليّ للإسلام، كأن ابن حجر – قدَّس الله سره – يتلمَّح ماذا؟ يتلمَّح حُسن وعِظم ما أبلى عليّ في نُصرة الدين وهذا صحيح، فارس الإسلام، فارس الفوارس هو مَن؟ عليّ بن أبي طالب، لا كلام في هذا، لم يثبت عنه أنه فر في معركة واحدة، ولم يُجندِل أحد من الكفّار ومن رؤوسهم كما جندل الإمام عليّ في كل معارك الإسلام، لذلك تكرهه قريش، عليّ مكروه في قريش طبعاً لأنه جندلهم، وحتى نواصب الشام منهم مَن يكرهه لأنه قتل آباءه في صفين، مثل هذا حريز بن عثمان عليه من الله ما يستحق، حين تسأله لماذا أنت لا تُحِبه؟ كان يقول قتل آبائي وأجدادي، قتلك الله كما قتلهم، هل هو قتلهم بالهوى والغرض أو عن أمر ورسوله يا أخي؟ بُغاة آباؤك وأجدادك، قال هذا لا يهمني، هم آبائي وأجدادي، انظر إلى هذا بالله عليك.

الجوزجاني للأسف أحد رجال أهل السُنة، وقالوا عنه مُتدين صُلب، صُلب ماذا؟ هذا مُبتدِع ناصبي والعياذ بالله، هذا حين تقرأ في كتابه في الجرح والتعديل تجد أن أي واحد فيه ميل لأهل البيت وتشيع لعليّ مُباشَرةً يصفه الجوزجاني قائلاً زائغ مال عن الطريق، أي طريق يا جوزجاني؟ طريق حُب مُعاوية والسُفيانيين والمروانيين، طريق بني أُمية، هذا الرجل كان في الشام – دمشقي هو – وفي يوم من الأيام كان عنده تلاميذه الذين يكتبون الحديث عنه وما يتعلَّق بالعلم والرجال والجرح والتعديل فأخرجت له جاريته فروجة لتُذبَح، ويبدو أنه لا يُوجَد – كلهم طلّاب علم مثلنا مساكين – مَن يستطيع أن يذبحها، فقال يا لله العجب، دجاجة لا تجد مَن يذبحها وابن أبي طالب ذبح في غداة واحدة عشرين ألفاً، انظر إلى هذا الإمام، هل نُوثِّقه هذا؟ لا نُوثِّقه هذا، هذا ناصبي ضال مُضِل، لا آخذ عنك لا علم رجال ولا جرح وتعديل ولا تهمني أنت وأمثالك، تُبغِض عليّاً أنت مُنافِق، أنت الأمر، هذا كلام الرسول وليس كلامنا، ليس عندي حديث تُبغِض مُعاوية أنت مُنافِق، لا، لكن عندي تُبغِض عليّاً أنت مُنافِق، الرسول قال هذا في صحيح مُسلِم، يُبغِض عليّاً هذا الرجل ويُندِّد به، يقول دجاجة لا تعرفون كيف تذبحونها لكن عليّ بن أبي طالب هذا في غداة واحدة ذبح عشرين ألفاً، ذبحهم للهوى والغرض، لم يذبحهم لأنهم هم الذين اعتدوا على سُلطانه وخرجوا عن طوعه وبغوا، وهم بُغاة وهو مأمور بكتاب الله أن يُقاتِلهم، وقد ندم ابن عمر ويُروى عن سعد – لكن السند ضعيف – أنه أيضاً ندم أن لم يكن قاتل مع الإمام عليّ ضد البُغاة، بكتاب الله مأمورون أن نُقاتِلهم يا أخي، قال قتل عشرين ألفاً، حتى لو قتل مائتين ألف يا حبيبي ما المُشكِلة؟ هل أنت تُعيّره بأمر صدع فيه بأمر الله – تبارك وتعالى – ورسوله؟ لا يحوز يا أخي، أي علم هذا؟ هكذا قالوا هذا إمام من الأئمة العظام وهو مُتدين صُلب في دينه، صُلب ماذا؟ صُلب في البدعة، صُلب في النصب، أعوذ بالله، هؤلاء أُناس لا يخافون على دينهم يا أخي، هكذا لُقِّنوا هذا الشيئ!

نُكمِل – إن شاء الله – بعد الفاصل إخواني وأخواتي.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: