بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.

إذن أيها الإخوة نأتي الآن إلى الحديث أو تفصيل القول في مسألة الصُحبة وفق الاصطلاح الشرعي، لم يتفق العلماء إخواني وأخواتي على تعريفٍ واحد للصُحبة وللصحابي من ثم، اختلفوا! يُمكِن أن نُميِّز بين هاته الاختلافات فنُصنِّفها أيها الإخوة في مذهبين أو طريقتين: طريقة الأصوليين، أي علماء أصول الفقه، وطريقة المُحدِّثين، أي علماء الحديث وعلماء الرجال والجرح والتعديل وإلى آخره، لهؤلاء طريقة لهؤلاء طريقة!
طريقة الأصوليين أيها الإخوة تختلف عن طريقة علماء الحديث حتى لا أيضاً يستغرب أحدكم إذا قرأ تعريف الصحابي والصُحبة في كتب أصول الفقه ووجد أنه يختلف عن تعريف الصحابي في كتب علم الحديث، هذه طريقة وهذه طريقة، علماء الأصول لهم طريقة في التعريف وعلماء الحديث لهم طريقة، وسوف نرى مُسوِّغ كلٍ من الطريقتين، لم نحا الأصوليون هذا المنحى؟ ولم نحا المُحدِّثون المنحى المُخالِف؟ فعلماء أصول الفقه إخواني وأخواتي لا يكتفون في إثباث الصُحبة لرجل ما أو لامرأة ما بمُجرَّد اللقاء مع أصول الله أو رؤية رسول الله مع الإيمان طبعاً والموت على ذلك كما فعل المُحدِّثون، لا يكتفون بهذا أبداً، وإنما يقولون لابد أن تطول مُلازَمته، طبعاً لم يُقدِّروا حداً أيضاً، من الصعب هنا وضع حد، كأن يقول لك – مثلاً – تطول إلى سنة، لأنه لو قال هذا سيكون مُتحكِّماً بغير دليل، هذا تحكم بغير دليل، لو استظهر بالإنس والجن على أن يُثبِت لنا أن هذا الحد هو الذي ينبغي أن يُقطَع به لما استطاع، لماذا سنة؟ لماذا لا تقول تسعة أشهر؟ لماذا لا تقول سنة ونصف؟ لن يعرف، فالمسألة يُرجَع فيها إلى العُرف، أن تطول مُلازَمته وصُحبته للرسول، فإن ثبت ذلك عُدَّ صحابياً مع باقي الشروط، أي مع استيفائه باقي الشروط، ما باقي الشروط؟ أن يلتقي برسول الله ويصحبه فترةً طويلةً – عُرفاً على الأقل – مُؤمِناً به وأن يموت على ذلك، لذلك وفق هذا الاصطلاح المُنافِق الذي أعلن إيمانه وإسلامه بخلاف ما في قلبي هل يُعَد صحابياً؟ هذا ليس صحابياً، هذا مُباشَرةً مُخرَج من تعريف الصحابي، ليس صحابياً، هذا مُنافِق، غير! سوف تقول لي لكن النبي قال في أصحابي، وأنتم عرفتم الجواب، النبي استخدم الوضع اللُغوي، هذه ليست الصُحبة الشرعية، حين يقول في أصحابي اثنا عشر مُنافِقاً يُريد ماذا؟ الصُحبة اللُغوية طبعاً، ليست الصُحبة الشرعية كالتي قال فيها لا تسبوا أحداً من أصحابي، قال النبي لخالد بن الوليد هذا، وذلك في قصة – ستأتي بالتفصيل – الاختصام الذي وقع بين عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة وأحد السابقين من المُهاجِرين الأولين وخالد الوليد، اختلف معه خالد بن الوليد في قضية بني جُذيمة كما تعرفون، حين قتل أسرى بني جُذيمة وإلى آخره، مشهورة القصة وهي صحيحة، فنال خالد من حُذيفة فبلغ الأمر الرسول فغضب وقال لا تسبوا أصحابي، وفي رواية لا تسبوا أحداً من أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه، إذن انتهى الأمر، بمعنى أنه يقول لخالد أنت أسلمت مُتأخِّراً، وضعك غير وضع عبد الرحمن والذين أسلموا في أول يوم للإسلام، وأنت أسلمت في الساعة الرابعة والعشرين بلُغة العصر، هو أسلم في أول ساعة وأنت أسلمت في آخر ساعة، لا تسبوا أصحابي، قال هذا من أصحابي، وخالد فهم الفرق ولم يعتل ولم يعترض بالقول يا رسول ألست من أصحابك؟ يعلم أنه وفق هذا الاستخدام ليس من أصحاب رسول الله، لست من أصحابه، لا، أنت من الناس الذين أسلموا، لكن هذا صاحبه، هل هذا واضح؟

حتى في الصُحبة الشرعية إخواني – وهذا طبعاً ربما استطراد في غير محله أو قبل أوانه – ليست رُتبة واحدة، عموماً – احفظوا هذه القاعدة – المقامات المعنوية دائماً لا تكون على غرار واحد ولا تكون بمثابة واحدة، كل المقامات المعنوية تنطوي فيها مقامات بينية، الإيمان مقام معنوي، أليس كذلك؟ هل الإيمان واحد؟ هل إيمان الرسول كإيمان الواحد منا؟ هل إيمان أبي بكر الصدّيق أو عليّ أو عمر أو عثمان أو سائر العشرة كإيمان الواحد منا؟ هذا صعب، هل إيمان هذا كإيمان الصدّيق أيضاً؟ مقامات هذه كثيرة مثل العلم، في مقام العالمية العلماء يختلفون، كذلك الصُحبة، لذلك في الحديث الصحيح – في صحيح البخاري – لما تغاضب أبو بكر وعمر وبعد ذلك ذهب أبو بكر – يبدو أنه كان البادئ واعترف بهذا – إلى عمر يعتذر لم يقبل عمر – رضيَ الله عنهما – اعتذاره، كانوا بشراً يعتريهم الضعف البشري والحدة أحياناً، شيئ طبيعي هذا، رضوان الله تعالى عليهم، وبعد ذلك كأن عمر ندم وسبقه أبو بكر إلى رسول الله، ذهب لكي يشكوه، يا رسول حدث كذا وكذا ولم يقبل مني، فإذا بعمر قد أتى، ذهب إلى بيت أبي بكر فلم يجده فأتى، فلما رآه النبي جعل وجهه يتمعَّر، وجه النبي يتلوَّن ألواناً من الغضب، كيف تُغضِب الصدّيق؟ عجيب! وهذا عمر، طبعاً مَن عمر إلى جانب الصدّيق؟ متى أسلمت يا عمر أنت؟ في السنة السادسة، بعد ثمانين من أصحابي، سبقك إلى الإسلام ثمانون، انظر إلى العدل، العدل النبوي المُصطفوي، وليس عدل اليوم، بعض العلماء يُريد أن يُسوي بين هؤلاء وبين مُعاوية الطليق ابن الطليق وبين أبيه وبين فلان وعلان، شيئ غريب يا أخي، غير معقول، أين الفهما لدقيق؟ الله يُحِب الإنصاف، نسأل الله أن يرزقنا الإنصاف والفهم في الدين والقول بالحق بغير غرض ولا مرض ولا هوى، كأن النبي يقول له متى أسلمت أنت؟ أسلمت بعد ثمانين في السنة السادسة، هذا أسلم أول الرجال، أول الرجال أعلن إسلامه أبو بكر الصدّيق رضوان الله تعالى عليه، ما عرض النبي الإسلام على أحد من الرجال إلا كان له كبوة وتراجع قليلاً إلا أبا بكر، مُباشَرةً صدَّق وسلَّم، فجعل وجه النبي يتمعَّر حتى خشيَ أبو بكر – خشيَ أبو بكر أن الرسول يدعو على عمر أو يتكلَّم كلمة تُوبِقه وتُهلِكه، إذا غضب عليه يهلك عمر، انتهى الأمر، هذا الرسول، والرسول لا يغضب إلا بحق ولا ينتصر إلا للحق وللعدل، هذا معروف، لا يغضب لنفسه، النبي ما غضب لنفسه قط، لو نلت من شخصه كشخص لا يغضب أبداً، لكن إياك أن تنال من جناب الحق – وجثا على رُكبتيه، والنبي قال هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ اتركوا لي صاحبي. مرتين قالها النبي، اتركوا لي صاحبي، مَن يعني بصاحبي؟ أبا بكر، تقول لي وعمر أليس صاحباً له؟ بلى، رضيَ الله عنهما، صاحب ومن أحسن أصحابه، لكن إذا صارت المسألة مُقارَنة بينه وبين الصدّيق لا، هذا أبو بكر وهذا عمر، أي أن عمر أقل، عند الله أقل وعند رسول الله أقل، انتبه إلى هذا، فرق كبير، ست سنوات! قال قلتم إذ بعثني الله إليكم كذبت وقال أبو بكر صدقت، كأن النبي يقول له يا عمر يوم قال أبو بكر لي صدقت أنت كنت تقول كذبت، وظللت على هذا ست سنوات، هذا معنى الحديث، قال قلتم إذ بعثني الله إليكم كذبت وقال أبو بكر صدقت، وهو يُريد ماذا؟ يُخاطِب مَن الله هو؟ بالذات عمر، قال قلتم إذ بعثني الله إليكم كذبت وقال أبو بكر صدقت، وواساني بنفسه وماله، فجثا أبو بكر – خاف على أخيه عمر، انظر إلى الرحمة، هذا أبو بكر الصدّيق – وقال يا رسول الله أنا كنت أظلم، أنا كنت أظلم، قال هذا مرتين، أنا البادئ، أنا الذي أخطأت، أنا المُخطيء أصلاً، لكن هو لم يُحِب أن يقبل تنصلي، هذه المسألة، لكن أنا الذي أخطأت في حقه، خشيَ أن يغضب عليه النبي أكثر من ذلك!

الآن سأسأل سؤالاً طرحه بعض العلماء، لو كان الذي اختصم مع أبي بكر عليّ بن أبي طالب هل سيقول النبي اتركوا لي صاحبي، قلتم إذ بعثني الله إياكم كذبت؟ لا، مُستحيل، عليّ لم يقل هذا مثلاً، لو قالها مَن أسلم في زمن أبي بكر في أول أيام الإسلام لن يقولها النبي، لن يقول هذه الجُملة، لأنهم لم يقولوا ذلك.

إخواني وأخواتي:

إذن الصُحبة فيها مقامات بينية تتفاضل، حتى الصُحبة الشرعية التي هي مناط الفضل والاعتبار والمدح تتفاوت مقاماتها، هل فهمتم؟ لا تسووا يا إخواني، لكن بعض العلماء يُريد أن يُسوي ويقول كلهم صحابة، حين قلت أنا لا يجوز لنا ولا يسوغ وليس يجمل بنا أن نجعل مُعاوية مع عمر بن الخطاب وأبي بكر وعليّ وعثمان في قرن واحد غضبوا منا، ولا أزال أقول هذا وسأقوله، لا يجوز، شرعاً لا يجوز، حتى وإن أثبتم صُحبته لا تجعلوه في مقام هؤلاء، يا أخي هذا ظلم حقيقةً، ظلم لهؤلاء وظلم لعقولنا وظلم للحقيقة، من حيث أتى هكذا في البداية دون أن نقف على بعض مأتيات هذا الرجل – وهو مُعاوية – ومن حيث الأصل هكذا ابتداءً لا يجوز هذا، وهذا هو العدل الذي – إن شاء الله – يُريده الله ورسوله.

إذن إخواني وأخواتي مذهب الأصوليين اشتراط ماذا؟ طول المُلازَمة، عكسه تماماً مذهب المُحدِّثين، مذهب المُحدِّثين – علماء الحديث – هكذا، ابن حجر العسقلاني – رضوان الله تعالى عليه – قال في الإصابة أحسن أو أصح ما ترجَّح لي في تعريف الصحابي – له تعريفان، في الإصابة له تعريف وفي نُخبة الفكر وهو أصل الفكر كتاب لأكبر مُحدِّث في عصره وفي أعصار حتى، في الإصابة ماذا قال؟ – هو مَن لقيَ أو مَن رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُؤمِناً به ومات على ذلك، هذا الصحابي، سوف تقول لي يا أخي ألوف لقوا الرسول، ألوف رأوا الرسول، وكانوا مُؤمِنين، قال هؤلاء صحابة، حتى لو رآه خمس دقائق؟ قال حتى لو رآه خمس دقائق، ماذا لو كان أعمى؟ قال لا تُوجَد مُشكِلة، لم يره لعارض لكن التقى به، جلس معه واستمع إليه، روى أو لم يرو لا تُوجَد مُشكِلة، هو صحابي، طالت صُحبته أو قصرت جداً هو صحابي، المُهِم أن يكون مُؤمِناً ويموت على ذلك، في نُخبة الفكرزاد شيئاً في الحد، ماذا قال؟ وإن تخلَّل ذلك ردة، قال وإن تخلَّل ذلك ردة، لو جاء رجل ورأى النبي وقال السلام عليكم وما إلى ذلك ثم ذهب صار صحابياً، هذا عجيب، ولا تستغربوا من أن النبي – عليه السلام – في بيعة الرضوان كان عدة أصحابه في المشهور كم؟ ألفين، الذين بايعوا بيعة الرضوان كم؟ خمسمائة كما في كتب السير، وقبل وفاة رسول الله عندنا حجة الوداع، هذه آخر شيئ، آخر الأحداث الكبار، كم كان عدة الصحابة؟ مائة وعشرين ألفاً، أبهذه السهولة من ألفين عند الرضوان في السادسة هجرياً إلى أو الحادية عشرة بل إلى آخر حتى العاشرة يُصبِحون مائة وعشرون ألفاً؟ قال نعم، لأن كل الذين رآوه في حجة الوداع صاروا صحابة، عجيب! من ذكور ومن إناث صحابة، سوف تقول لي هذا جيد وهذا اصطلاح لهم، لا مشاحة في الاصطلاح، لكن المشاحة كل المشاحة والضيق كل الضيق أن تقول لي كل هؤلاء ثقات وكلهم عدول ومغفور لهم ونقطع لهم بالجنة، هذا الذي سنُناقِشه، ممنوع أن تتكلَّم فيهم، ممنوع أن تنال أحداً منهم، ممنوع كذا وكذا، هذا غير صحيح، أن سأُناقِش فيه بصراحة، هذا يبدو أنه مبدئياً غير معقول قليلاً وحقاً هو غير معقول، سوف نعقد المُحاضَرة كلها لكي نُناقِش هذه المسألة، هل إلى هذه الدرجة؟ مائة وعشرون ألفاً؟ قال نعم، كل مَن رآه وإن تخلَّل ذلك ردة، بمعنى ماذا؟ هذا الصحابي الذي ثبت له شرف الصُحبة وكرامتها ارتد، بعد ذلك رجع أسلم ومات على الإسلام، سواء التقى بالرسول أو لم يلتق هذه مسألة فيها خلاف وابن حجر فصَّل فيها القول لكن في الأرجح عنده يبقى صحابياً، مثل مَن مثلاً؟ الأشعث بن قيس الكندي زعيم كندة في وقته الأشعث بن قيس وصهر الإمام الحسن عليه السلام، الإمام الحسن تزوَّج ابنته التي يُقال – والله أعلم – دست له السم، جعدة بنت الأشعث! وكان من رجال عليّ هذا وهو الذي ألجأه أو ضمن ما ألجأه إلى التحكيم، قال له لابد أن تأخذ بالتحكيم، هذا لازم، لكن عليّ كان لا يُريد التحكيم، عليّ أذكى من أن يُخدَع بالتحكيم، يعرف أنها خُطة أُموية فظيعة ماكرة، يعرف عليّ من الذكاء والبصيرة لكن ألجأه أصحابه وكان في مُقدَّمهم الأشعث بن قيس، هذا الرجل صحابي، أليس كذلك؟ لماذا؟ لأنه وفد على النبي في السنة العاشرة، قبل وفاة رسول الله بأشهر، وفد على النبي في السنة العاشرة ثم ارتد بعد ذلك مع المُرتَدين، ونالته جيوش أبي بكر، وأُوتيَ به الصدّيق مُوثَقاً مأسوراً فعرض على أبي بكر أن يعود إلى الإسلام وأن يتزوَّج بأخت الصدّيق وكان هكذا، ورجع مرة ثانية، قال هذا صحابي، صحابي؟ نعم صحابي عندهم، لا مشاحة في الاصطلاح، لكن نُحِب أن نعرف أن هذا الصحابي من المُرتَدين بصراحة، من الذين ارتدوا وحاربوا المُسلِمين في يوم من الأيام وبعد وفاة رسول الله مُباشَرةً ارتد، هذا صحابي!

عبد الله بن خطل كان صحابياً وارتد في قصة مشهورة والنبي أمر وأهدر دمه وإن تعلَّق بأستار الكعبة، وفعلاً يوم فتح مكة قتله الصحابة وهو مُتعلِّق بأستار الكعبة، هذا مُرتَد إذن ليس صحابياً، ارتد ولم يعد إلى الإسلام، بخلاف الأشعث بن قيس!

عبد الله بن سعد بن أبي سرح قريب سيدنا عثمان، هذا الرجل كان صحابياً وكان كاتباً للوحي، احفظوا هذا حتى لا يُهوَّل علينا بقول فلان كاتب للوحي، كأن إذا المرء كتب الوحي يُعصَم ويُحفَظ، هذا غير صحيح، كتابة الوحي شرف عظيم جداً لمَن أخذها بشرطها ووفى لها، عمل بالقرآن وحافظ على حدوده ولم يخرق حداً للقرآن ومات على ذلك، شرف وأي شرف! لكن تكتب الوحي وتعمل بضد الوحي تماماً على طول الخط أو حتى ترتد لن ينفعك هذا، فعبد الله بن سعد بن أبي سرح كان من كتبة الوحي وارتد، ارتد والعياذ بالله، وبعد ذلك عاد إلى الإسلام وأصبح والياً على مصر، لما صار مُسلِماً جعلوه والياً على مصر، وهذا الذي نستغرب له من صنيع بعض الصحابة رضوان الله عليهم، لا ينبغي لمثل هذا الرجل الذي ارتد وكذب على رسول الله – هذا الرجل كذب على رسول الله، تكلَّم بكلمات قبيحة جداً جداً في حق الوحي – حتى وإن عاد إلى الإسلام أن يُعطى منصباً عظيماً كأن يُصبِح والياً على مصر لخلافة المُسلِمين، لا ينبغي يا أخي، لكن هذا الذي حصل، لأنهم ليسوا معصومين، يجتهدون في هذه المسائل فيُخطئون وغير ذلك.

إذن لدينا الآن طريقتان في تعريف الصحابي: طريقة الأصوليين وطريقة المُحدِّثين، قبل أن أُفصِّل في كل طريقة على حدة أُحِب أن أقول – كما وعدتكم – المُسوِّغ، لماذا اشترط الأصوليون طول الصُحبة والمُلازَمة؟ حتى يتحقق الاختصاص الحقيقي، يختص الصحابي بنبيه والنبي يختص به فعلاً، لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن الأصوليين نظرهم وتلمحهم إلى العدالة، يُريدون الصحابي العدل المُستقيم حسن السيرة، وهذا لا يُمكِن الاستيثاق منه مع قصر المُدة أو الاعتماد على مُجرَّد اللُقية والرؤية، رأى النبي وانصرف ثم تقول لي هذا صحابي! غير معقول، لابد أن يكون اختص برسول الله، لازمه مُدة طويلة نسبياً عُرفاً مع ظهور براءته من النفاق وحُسن سيرته إن شاء الله، أن يكون على الجادة، هذا عدل نحترمه ونحترم روايته المنقولة وإلى آخره، بالنسبة للمُحدِّثين المُسوِّغ لديهم شيئ مُختلِف تماماً، هل تعرفون ما هو؟ في الرواية – يتعلَّق بالراوية – اتصال السند، ستقول لي كيف؟ لا أفهم، ما المُراد باتصال السند؟ أنا سأقول لك، من أهم الأشياء التي يُعنى بها المُحدِّث هو أن يكون سند الرواية مُتصِلاً، لا يُوجَد نوع من الانقطاع، وهذا جميل وواضح، فالآن إذا قلنا الصحابي هو مَن طالت صُحبته لرسول الله واختص به – عليه الصلاة وأفضل السلام – يصير من الصعب جداً أن نُميِّز الصحابي من غير الصحابي، وعندنا ألوف رأوا الرسول والتقوه ورووا عنه، أليس كذلك؟ منهم مَن لم يرو إلا الحديث الواحد فقط، ألوف! فصرنا لا ندري أيهم نُسميه صحابياً وأيهم لا نُسميه صحابياً، لماذا؟ لأننا أيها الإخوة إذا اعتمدنا طريقة المُحدِّثين في تعريف الصحابي التي شرحتها لكم ثم ذهبنا فعدَّلنا الصحابة علمنا أن هذا الذي سميناه صحابياً إذا روى عن رسول الله فهو ثقة والسند مُتصِل، لماذا هو مُتصِل؟ لأن ثبتت له الرؤية، الرؤية تهمنا، أنه فقط رأى الرسول والتقى الرسول ولو خمس دقائق، إذن هو صحابي والسند مُتصِل، ومن جهة أُخرى بالعدل، هذا عدل لأنه صحابي، فلم نُكلِّف أنفسنا عبئاً زائداً أن نبحث عن عدالته، هذا أسهل لي كمُحدِّث، أليس كذلك؟ أُقصِّر الفترة وأُخفِّف المُهِمة، إذن هذا صحابي عدل وقطعاً لأنه صحابى التقى بالرسول، وعلى هذا وضعوا المُصنَّفات في أسماء الصحابة، لكي تعرف إذا وقعت على إسناد وفيه هذا الرجل يروي عن رسول الله أنه صحابي، فالسند مُتصِل، هذا ليس تابعياً، لو كان تابعياً يكون السند غير مُتصِل ويكون الحديث مُرسَلاً، أليس كذلك؟ هذا ليس مُرسَلاً، هذا حديث مُتصِل وهذا صحابي، ومن جهة أُخرى هو عدل، فلنُعدِّلهم جميعاً فتخف المُهِمة والمؤونة علينا أيها الإخوة، هذه طريقة المُحدِّثين، وواضح بداءةً وبادئ النظر أن طريقة الأصوليين أوثق وأدق وألصق بالنص، وطريقة المُحدِّثين أكثر اتساعاً وأقرب إلى الوضع اللُغوي، أليس كذلك؟ مُجرَّد لقاء ومُجرَّد رؤية اللُغة تسمح بهذا، اللُغة تسمح أن يُسمى هذ صاحباً، مثل أنا صاحبك اليوم، كما قلنا عادي، هذا صاحب، اللُغة لا تُقيِّد بطول المُلازَمة والاختصاص، لا تُقيِّد كما يُقيِّد العُرف وكما يُقيِّد الاصطلاح، فطريقة المُحدَّثين أدنى إلى الوضع اللُغوي وطريقة الأصوليين أدنى إلى مقاصد النص الشرعي كما سيأتيكم بعد قليل بإذن الله تبارك وتعالى.

من أبرز الذاهبين إلى الطريقة الأولى – طريقة الأصوليين أيها الإخوة – من الصحابة الفاروق عمر – لا يرى كل مَن رإى النبي صحابياً – والإمام عليّ وجابر بن عبد الله وعائشة الصدّيقة وأنس بن مالك رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، طريقة الأصوليين على نحو طريقة هؤلاء الأجلة من أصحاب رسول الله، ليس كل مَن لقيه وما إلى ذلك هو صحابي عندهم، ليس هذا الصحابي، لماذا قلنا أيها الإخوة هؤلاء طريقتهم كذلك؟ هناك نصوص عنهم وآثار، هذا ليس من عندنا أو بالتشهي، هناك آثار ثبتت عنهم ورُويَت عنهم تُثبِت ذلك، من غير الصحابة – ِمن التابعين فمَن بعدهم – سعيد بن المُسيَّب – لكن النص عنه في ذلك ضعيف، أورده صاحب الكفاية في علم الرواية الإمام الخطيب البغدادي أبو بكر – وشُعبة بن الحجَّاج الذي يكاد يكون فعلاً مُؤسِّس علم مُصطلَح الحديث والإمام أحمد في قول والأشهر عنه القول الثاني الذي يُوافِق فيه طريقة المُحدِّثين والإمام البخاري في قول والأشهر عنه والأقوى القول الثاني الذي يُوافِق فيه طريقة المُحدِّثين والإمام مُسلِم – مُسلِم هذه طريقته – وأبو داود ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وأبو زُرعة الرازي – عصريه – والإمام العجلي والإمام البغوي والإمام أبو بكر الباقلاني – هذا أصولي – والإمام الماوردي القاضي الشافعي – أقضى القُضاة – والخطيب البغدادي – صاحب الكفاية التي ذكرتها قبل قليل وصاحب تاريخ بغداد مدينة السلام – وابن عبد البر حافظ المغرب – صاحب الاستذكار والتمهيد – وأبو الفرج بن الجوزي – رحمة الله تعالى عليه – والإمام المازري – الإمام المالكي الشهير شارح مُسلِم – والإمام العلائي الشافعي وابن المُلقِّن وغير هؤلاء، يُوجَد كثيرون، جماعة كثيرة من العلماء طريقتهم في تعريف الصحابي هي طريقة الأصوليين، هل هذا واضح؟ إذن نحن حين ننحاز إلى هذا التعريف لم نأت ببدع من القول، أليس كذلك؟ لم نبتدع، نحن نُتابِع جمهرة كبيرة من العلماء، من علماء الحديث ومن علماء الأصول أيضاً.

الطريقة الثانية أيها الإخوة في الجُملة هي طريقة علماء الحديث، جماهير علماء الحديث طريقتهم هي الطريقة الثانية، ولذلك لما سُئل أنس بن مالك – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – هل بقيَ من أصحاب رسول الله أحدٌ غيرك؟ – هل يُوجَد رجل آخر؟ – قال بقيَ أُناس من الأعراب رأوه أما مَن صحبه فلا، هذا يعني أنه يُفرِّق بين مُجرَّد الرؤية والصُحبة، قال رأوه والتقوا به لكنهم ليسوا صحابة، هل تسألنا عن الصحابة؟ نحن الصحابة، هؤلاء ليسوا صحابة، جاءوا لأسبوع وما إلى ذلك، هذا كلام فارغ، جاءوا يوم حجة الوداع أو يوم فتح مكة وما إلى ذلك، هذا كله كلام فارغ، ليسوا صُحبة هؤلاء، ليسوا أصحاباً، قال بقيَ أُناس من الأعراب رأوه أما مَن صحبه فلا، قال أنا، لأنه عُمِّر وإن كان صحيحاً آخر الصحابة موتاً بالبصرة أبو حمزة أنس بن مالك، صحيح بالبصرة، أما آخر الصحابة موتاً على الإطلاق فهو أبو الطُفيل عامر بن واثلة، آخر الصحابة موتاً على الإطلاق رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وبالمُناسَبة ألم يكن هذا صحابياً؟ هو صحابي جليل لكن بعض علمائنا طعنوا فيه، يطعنون في الصحابي، يقولون لك ممنوع أن تطعن في الصحابي والصحابة كلهم كذا وكذا لكن هذا طُعِنَ فيه، لماذا؟ لأنه كان من شيعة عليّ وأهل بيته، قالوا هذا نطعن فيه ولا نقبله، هذا صحابي؟ قالوا نطعن فيه.

هند بن أبي هالة ربيب مَن؟ رسول الله، ابن سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد عليها السلام وعلى والديها، ابن خديجة من غير طبعاً رسول الله، من أبي هالة، وهذا ربيب الرسول، تربى في حجر الرسول، صحابي جليل وكريم ومات شهيداً يوم صفين مع الإمام عليّ عليه السلام، كان في جيش عليّ ولقيَ الشهادة، ذكره البخاري في الضعفاء، سوف تقول لي هذا تناقض، كيف هذا والصحابة كلهم عدول؟ مُشكِلة عنده هذا الرجل، قال أبو حاتم الرازي هند بن أبي هالة وإن روى عنه قوم مجهولون فما ذنبه حتى يضعه البخاري في الضعفاء؟ قال هل هذه يا إمامنا – رضيَ الله عن البخاري وعن أبي حاتم – علة وعذر أن تضعه في الضعفاء وهو صحابي؟ والمفروض أننا نُوثِّق الصحابة، وهذا لم يبدو منه ما يُجرَح به وما يُسوِّغ وضعه في الضعفاء، لأن الذين رووا عنه – هذه العلة – قومٌ ضعفاء، غريب هذاعلى كل حال!

في الكفاية للخطيب البغدادي – أشرت إليه قبل قليل لكن السند حقيقةً ضعيف، السند ليس قوياً – قال سعيد بن المُسيَّب – التابعي الجليل وصهر أبي هُريرة رضيَ الله تعالى عنهما – الصحابة لا نعدهم إلا مَن أقام مع رسول الله سنةً أو سنتين أو غزا غزوةً أو غزوتين، أما حكاية يوم وشهر وشهرين غير مقبولة، قال هذا ليس صحابياً، لك هذا من جهة السند ضعيف عن سعيد بن المُسيَّب وإن شُهِرَ عنه.

قال ابن معين – الإمام ابن معين صديق الإمام أحمد بن حنبل الذي كان يتعصَّب لأحمد ويُجِله جداً، بلغه عن بعض الرواة الأئمة أنه يتكلَّم في أحمد فلعنه وقال هو حقيقٌ أن يُضرَب، يتعصَّب لأحمد! وكان يُجرِّح الشافعي، هذه مسائل نسبية، لا تقولوا ابن معين – مثلاً – مُطلَق وكأنه كان رجلاً معصوماً في القول، هذا غير صحيح، كان ينال من الشافعي ويتعصَّب للإمام أحمد هذا التعصب، وأحمد تلميذ الشافعي، لم يدع الدعاء له دُبر كل صلاة، تختلف أنظار العلماء رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين وغفر الله لنا ولهم – في محمد بن حاطب – هذا يُذكَر في كتب الصحابة دائماً، محمد بن حاطب مولود بالحبشة – له رؤية ولا تُذكَر له صُحبة، إذن فرَّق بين ماذا؟ بين الرؤية والصُحبة.

طبعاً استقصاء هذه المسألة صعبٌ جداً جداً أيها الإخوة، أعني حكاية له رؤية وليس له صُحبة، أنا وجدت العشرات وقد قمت بهذا بنفسي، مثلاً عودوا إلى كتاب أُسد الغابة للإمام ابن الأثير الجزري في تراجم الصحابة، مثلاً يقول بشير الحارثي له رؤية ولأبيه صُحبة، أبوه صحابي أما هو رأى النبي لكنه ليس صحابياً، إذن هم يُفرِّقون، بشير بن فديك قال ابن منده وأبو نُعيم يُقال له رؤية ولأبيه صُحبة، إذن يُفرِّقون، ثعلبة بن أبي مالك قال يحيى بن معين له رؤية، نحن نُفرِّق بين الرؤية والصُحبة كما فعل مع محمد بن حاطب وكما فعل أبو حاتم مع جماعة مِمَن يُعَدون في الأصحاب، منهم يوسف بن عبد الله بن سلام وعبد الرحمن بن عثمان، له رؤية وليست له صُحبة يقول أبو حاتم الرازي وسيأتي هذا، حابس بن دغنة الكلبي له رؤية وصُحبة، حُجيرة ولا تُعرَف له رؤية ولا صُحبة، أرأيت؟ يُميِّزون، دُخان أبو شُعبة لا تصلح له رؤية ولا صُحبة، عبّاد بن جعفر ذُكِرَ في الصحابة ولا يُعرَف له رؤية ولا صُحبة، إذن يُميِّزون والعطف للمُغايرة، عبد الله بن خبّاب له رؤية ولأبيه صُحبة، خبّاب بن الأرت أدرك النبي صغيراً وله رؤية، وهو الذي قتله الخوارج لعنة الله عليهم، هم الذين قتلوا عبد الله بن خبّاب وقتلوا ابنه جنيناً من رحم زوجه، استخرجوه وذبحوه، وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ۩، هذا عبد الله بن خبّاب، قال له رؤية ولأبيه صُحبة.

إن شاء الله نعود إليكم بعد قليل فكونوا معنا جزاكم الله خيراً.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: