أراد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الإجابة عن الأسئلة التي طُرِحَت عليه قائلاً:
في البداية أود أن أشكر جميع إخواني وأخواتي الذين أثروا هذه الجلسة بهذه الأسئلة الذكية والقوية، الشيخ محمد – بارك الله فيه – يسأل هل يُمكِن تنزيل هذه المقاصد أو بعض هذه المقاصد على حال المسلمين اليوم؟ فهل يُمكِن – مثلاً – أن نُقرِّب بين المسلمين سنةً مُتمثِلين في الأشاعرة والماتريدية والمالكية والشافعية والحنفية من جهة ومَن يدعون بالسلفيين المعروفين لنا جميعاً؟ طبعاً يُمكِن هذا ومن أكثر من زاوية، فلدينا – مثلاً – ضمن المقصد الأعم وهو الرحمة أن من مصاديق هذه الرحمة أن يتفق الناس في الاعتقاد، مع أن من مقاصد الله تبارك وتعالى القدرية والشرعية أيضاً أن يبقى التنوع الملي، لكن واضح أن بقاء هذا التنوع الملي تنتج عنه مشاكل أو مُشكِلات بلا شك، حيث يتباغض الناس أحياناً ويتدابرون لأن اختلاف الاعتقاد يُوجِب نوعاً من النفرة بين الناس، ولذلك قال تبارك وتعالى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ ۩، فإذن هو يقول ماذا؟ يقول الوفاق رحمة، فلو اتفقوا لكانوا أرحم بهم، لكن القدر سبق والشرع أكد ما سبق به القدر أنهم يختلفون، ولذا قال الله وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩، لكن هل تعرف لماذا؟ هذه ضريبة وأثر من آثار الحرية المُعطاة للإنسان، فهذه ليست مشيئة مبتوتة أو مشيئة مفروضة علينا على الرغم، هذا غير صحيح، وهى مُتناسِقة أيضاً مع الاختيار الموهوب لنا، ونحن كُرِّمنا بهذا أو مُيزنا بهذا الاختيار، فبلا شك من الرحمة أن نُحاوِل أن نقترب أو نتقارب من بعضنا كأمة واحدة، ومن زاوية ثانية الله عز وجل ينهانا ويربأ بنا أن نكون مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩، والآن السؤال هو ما هى هذه التفرقة والتشيع في الدين الذي أوجب النكير الإلهي عليه؟ قطعاً ليس المقصود التفرق في الفروع، لماذا؟ لأن الصحابة أنفسهم تفرقوا وهم أمة واحدة بل هم خير أمة أخرجت للناس وخير جيل، فاجتهاداتهم الفروعية اختلفوا فيها اختلافاً بعيداً جداً، وفيما يُحكَى أن الخلاف بين ابن مسعود وعمر بن الخطاب تجاوز المائة مسألة، أي مائة مسألة الاجتهاد فيها مُختلِف، فلك أن تتخيَّل هذا، ومع ذلك ابن مسعود كان يُقدِّر عمر ويُوقِّره توقيراً ما بعده توقير، وعمر كان يعترف له بمثابته العلمية ويقول كنَيْفٌ مُلِئ علماً، أي أنه كيس مليء بالعلم، فهذا كان أمراً عادياً، إذن الاختلاف في الفروع ليس مما يُناقِض الرحمة التي تُوجِب الوفاق، لكن يبقى ماذا إذن؟ الخلاف في الأصول، لكن طبعاً بعض الإخوة السلفيين بالذات يُنكِرون أن في مسائل الاعتقاد أصولاً وفروعاً ويقولون هذا غير صحيح فالاعتقاد كله أصول، وهذا غير صحيح بالمرة، بدليل أن هذا وقع أيضاً بين الصحابة أنفسهم، فأين هم من هذا؟ معروف أن ابن عباس كان يقطع بأن رسول الله رأى ربه ليلة المعراج، وهذا ابن عباس الذي هو ترجمان القرآن، وأما عائشة فكانت تُستطار غضباً وفزعاً من هذه المقولة فكأنها تطايرت في شقتين وتقول لقد قف شعري مما قلت ، أين أنت من ثلاث من حدثك فقد كذب ، من حدث أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب وإلى آخره، إن صح هذا عنهم – والله أعلم – فإذن وقع خلاف في هذه المسألة، وقطعاً هذه المسألة من فروع الاعتقاد، فهى ليست من أصول العقيدة، ولا يُوجَد في كتاب الله نص واحد – هناك ظواهر فقط – على طريقة النص الأصولي عن أن الله يُرى أو أنه لا يُرى بطريق النص، فالمسألة محكومة بالاحتمال،
وطبعاً للتنبيه فقط نقول أن الذين قالوا بأن الله يُرى يوم القيامة فقط هم أهل السُنة والجماعة، أما سائر فرق المسلمين أنكرت هذا الشيئ، فمثلاً المُعتزِلة بكل فرقهم والخوارج والشيعة الزيدية والشيعة الإمامية والإباضية وإلى آخره يُنكِرون أن الله يُرى يوم القيامة، فماذا تفعل بهؤلاء إذن؟ هل يُمكِن أن يأتي أحد الناس – لن أقول لك قد يكون سلفياً لأنه قد يكون أشعرياً ماتريدياً أو سلفياً حنبلياً مثلاً – مَن أنكر الرؤية فقد كفر؟ هذه مُصيبة، أنت تُكفِّر سائر الأمة باستثناء أهل السُنة والجماعة، وهذا لا يجوز ولا يُمكِن، بالعكس هذا غير صحيح.
ابن تيمية – رحمة الله عليه – مع أنه من القائلين بالرؤية طبعاً ودافع عنها في أكثر من موضع من رسائله وكتبه له في أحد المواضع تنبيه مُهِم جداً، فهو يقول – أعتقد أن هذا في رسالة إلى أهل البحرين في رؤية الكفار ربهم – أن هذه المسألة هناك مَن يقول بها أو غيرها فلا تشغلوا الناس بها واتركوهم كما هم، أي حتى لا تكون فتنة، فإذن هو يرى أن هذه المسألة أصبحت هينة الآن، لأن قطعاً هذه من فروع العقيدة، فهى لا يُمكِن أن تكون من أصول العقيدة ولم يُنَص عليها، يجب أن يُنَص عليها بالنص بالمعنى الأصولي، أي أنه يُرى بعيني الرأس، لكن لا يُوجَد نص يقول بهذا، إذن نعود إلى موضوع العقيدة التي تجمعنا ونُرحَم بالاتفاق عليها بحيث لا نقع تحت قول الله إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً ۩ ولا نتكافر ولا يُكفِّر بعضنا بعضاً فضلاً عن أن يستبيح بعد ذلك بالتكفير بعضنا دم بعضٍ، فالسبيل هو الاتفاق على الأصول القطعية في الاعتقاد، وأنا أقول لك وأدين الله تبارك وتعالى بهذا أن الله الأمة فعلت هذا بفضل الله عز وجل، فأهل السُنة بكل فرقهم – ليس فقط الأشاعرة والماتردية والحنابلة وإنما كل أهل السُنة بكل فرقهم – والزيدية والإمامية والإباضية وإلى آخره تحقَّقوا وأحكموا أصول الدين، “كلهم من أهل لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله”، ويُؤمِنون بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وبعد ذلك يختلِفون في الفروع وليس في الأصول وليس في شئ قطعي البتة بالمرة، إذن الذي نحتاج أن نتضوء بهذه المقاصد مثل مقصد الوحدة ومقصد التزام الصراط الواحد ومقصد التراحم بالاتفاق ومقصد التعاون على البر والتقوى، وكل هذا حاصل وكل مواده حاصلة بين فرق المسلمين بفضل الله تبارك وتعالى، فإذن ما الذي يعوقه؟ وما الذي يحول بيننا وبين تحقيقه؟ أنا أقول لكم السبب يكمن في العصبية والطائفية والمذهبية وضيق وعطن بعض العلماء والأئمة للأسف الشديد، فأحياناً بعض الناس – لا أدري كيف – يتعاطى مع مذهبه أو مع طريقته على أنها سوق – ماركيت Market – يُريد أن يجلب إليه أكبر عدد من الشرّاء أو من المُشتَرين، فيحمله هذا ويجره – والعياذ بالله – إلى الطعن في الآخرين حتى يتطرق إلى الطعن في دينهم وربما أخرجهم من حظيرة الإسلام، وهذه عظيمة من العظائم، وعلى كل حال تاريخنا الإسلامي فيه بعض الأئمة الذين ربما بدأوا حياتهم في البداية بنبرة فيها تساهل في التكفير لكنهم تابوا وأنابوا في أخر حياتهم – أنتم تعلمون مَن أعني – وأشهدوا على أنفسهم أنهم لا يُكفِّرون أحداً من أهل القبلة.
بالنسبة يا شيخ محمد للقائلين بالسحر وما إلى ذلك، أنت قلت أنهم قالوا أشياء أختلف معك فيها، وعلى كل حال هم لا يقولوا هذا، لكن هم قوَّلوا النصوص، وطبعاً أنا أعيذ نفسي وأعيذكم جميعاً أن يقع أحدنا في مُصيبة أو كارثة أن يُكذِّب أم المُؤمِنين، حاشاها أن تفعل هذا، هل هذا فُهِم من كلامي؟ أنا أقطع أنه لو كان كذباً سيكون السبب هو أنه كُذِبَ عليها وقج قلت حتى أنه كُذِبَ على عروة بن الزبير، ولا ندري أين مصدر الكذب فيه، وإلا لو كان تكذيبي لحديث عن أحد الصحابة تكذيباً للصحابي سيؤول هذا في النهاية إلى أن يكون تكذيباً حتى للرسول ومن ثم ستقول لي أنت كذبَّت الرسول، وهذا غير صحيح، لكن مَن يطعنون في ديننا يظنون هذا ويقولون هذا كذَّب حديثاً في البخاري ومن ثم فهو يُكذِّب الرسول، وأنا أقول يا رجل والله لو ثبت عندنا أن النبي قاله لبخعنا له وإن أحاله كل شيئ، فهذا مُستحيل وحاشا لله وأعوذ بالله من هذا،المُكذِّب لشئ فعلاً ثابت عن الرسول كأنه يراه كالمُكذِّب لله تماماً، فهذا نفس الشيئ، لكن نحن نُحيل على مَن؟ على الرواة، فنقول بعض الرواة أو بعض الأشياء فيها خطأ في شيئ ما، ولكننا لا نُكذِّب صحابياً ولا نُكذِّب أم المُؤمِنين فضلاً عن أن نُكذِّب رسول الله، أعوذ بالله من هذا، وهذه الأحاديث المنسوبة لأم المُؤمِنين يقول بعضها أنه زوى وصار كالفرخ، وهذا ليس مُجرَّد سحر أو تخييل لعينيه بل أن بدنه تأثر، وهذا يُناقِض العصمة، وأناا أقول لك أن العصمة المُصرَّح بها في آية العصمة هى عصمته بدناً من أن يُعتدى عليه فيتأدى به إلى أذىً عظيم أو قتل، في الأذى الخفيف قالوا هو غير معصوم منه ومن المُمكِن أن يُجرَح وما إلى ذلك، لكن عنده عصمة من الأذى العظيم،وأي أذىً أعظم من أن يموت عليه السلام – مثلاً – بالسم الذي أثبتوه في حديث مُعلَّق في البخاري عن عائشة؟ هذا كلام فارغ ولم يصح موصولاً لكنه موجود مُعلَقاً، وأي أذىً أعظم من أن يتطرَّق إليه السحر فيُؤثِّر في بنيته البدنية يُقال هذا حدث مُدة ستة أشهر، وكان يزوي حتى يصير كالفرخ، ويُخيَل إليه أنه فعل الشيئ وما فعله، وأنه أتى أهله ولا يكون أتاهم، فهذه عظيمة من العظائم، ثم نقرأ كلاماً للإمام العلّامة ابن القيم – رحمة الله عليه – الذي يُثبِت حديث السحر في مواضع أخرى من كتابه يقول فيه السحر لا ينفذ إلا في ضعاف النفوس، فهو قال كالنسوان والصبيان وضعاف النفوس، فيا لله لرسول الله ماذا لقيَ منا وماذا يلقى؟ وهل رسول الله من ضعاف النفوس؟ ثم يُراد منا أن نُصدِّق – ونحن نُصدِّق إن شاء الله – أن عمر بن الخطاب – رضوان الله عليه – كان إذا رأه الشيطان سالكاً فجاً سلك فجاً غيره، فأي شيطان مارد وأي عفريت تسلط على بدن رسول الله وأعمل فيه ما أعمل؟ لماذا؟ ما الذي يحدث هنا؟ تُوجَد تناقضات رهيبة.
إذن نحن مع كتاب الله الذي نفى أن يكون الرسول مسحوراً، فالرسول ليس مسحوراً، وهذا القول ضِلة وضلال، ولذلك سبقنا مثل الإمام أبو بكر الرازي الجصاص مُجتهِد الحنفية في وقته بالقول هذا الحديث – وهو يعلم أنه من أفراد البخاري، لأنه طبعاً بعد البخاري بحوالي مائتين سنة – وضعه الملاحدة، فهكذا قال لأنه أشد مني، قال الملاحدة وضعوا هذا الحديث، علماً بأن هذا الحديث رده عشرات من كبار علمائنا منهم الإمام محمد عبده رداً قوياً ومنهم الشيخ الغزالي الذي رده وسخر به أصلاً، وينبغي أن يُرَد مثل هذا الحديث، وعلى كل حال هذه اجتهادات!
اللهم صل على سيدنا محمد، يسألني أخونا الأستاذ عن رأيي في بعض الإخوة المُفكِّرين الذين يُفرِّقون ويقولون الدين من حيث هو إيمان بالله والقيم الكونية، أي الإيمان وعمل الصالحات، فهذا هو الدين، أما الأشياء القانونية التشريعية فهى أشياء مُتحرِّكة حتى وإن أتى بها الإسلام، وهذا الكلام فيه حق، لا أقول لك أنه حقٌ كله أو باطلٌ كله لكن فيه حق، لماذا؟ لأن الدين يُمكِن أن يُختزَل إلى شيئ بنص الآيات القرآنية، فالله – تبارك وتعالى – يقول في الشورى شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ۩،وهذا أمر عجيب، الله يقول هنا الدين واحد، فدين نوح وموسى وعيسى وإبراهيم ومحمد واحد، لكن نحن نُوقِن بأن شرائعهم بينها اختلاف كثير أو قليل، فإذن يُمكِن أن تختلف الشرائع ويتوحد الدين، فانتبه إذن لأن هذا قرآن وليس فكراً وتجديداً، هذا قرآن كريم، وعلى كل حال هذا كان أولاً، ثانياً يقول الله – تبارك وتعالى – في كتابه اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، فما هو هذا الصراط المُستقيم؟ تُعرِّفه آية النساء، لماذا؟ لأن جُملة البيان بعد ذلك صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ۩، فإذن هو صراط المُنعَم عليهم، ورأس المُنعَم عليهم النبيون، قال الله في سورة النساء وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ ۩، إذن فعلاً الصراط المُستقيم هو صراط الدين، أي هو الدين نفسه، وهو دين الأنبياء، ولذا هو صراطٌ واحد، فصراط الأنبياء كلهم صراطٌ واحد وليس صراطات مُتعدِّدة كما أحب أن يقول الأستاذ سروش وغيره، فهو قال الصراطات المُستقيمة، وهذا غير صحيح، يُوجَد صراطٌ مُستقيم وليس صراطات، ومن رحمة الشريعة أنها أتت بدين هو صراط واحد مُستقيم، لماذا؟ لأن الصراط المُستقيم يسير جداً جداً ولا يُكلِفك عناءاً لأنه أقصر صراط بين نُقطتين، فهو أقصر صراط إلى الهدف ومن ثم لن تتعنى معه بإذن الله، وهذا – أي توحيد الصراط – من الرحمة أيضاً، فإذن صراط الأنبياء واحد مع اختلاف أيضاً شرائعهم، وكأن الصراط الواحد يتحدد بشيئ غير الشريعة وغير الحلال والحرام، فما هو إذن؟ الدين، ونأتي الآن إلى الإمام المُجدِّد محمد عبده – رحمة الله تعالى عليه – الذي قال في تفسيره أن الدين في النهاية ينحل إلى جوهر بسيط: الإيمان بالله واليوم الآخر والقيم الكونية – أي عمل الصالحات – فقط، لكن من أين أخذتها يا شيخنا يا مُجدِّد؟ قال من الآية الثانية والستين من سورة البقرة التي تقول إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، وهذه آية خطيرة ومفتاحية في موضوعها، وهذه طبعاً إحدى الموضوعات التي يُشَن فيها علينا الكثير، وعلى كل حال مَن هم هؤلاء؟ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، فإذن مَن تحقق وحقق الإيمان بالله واليوم الآخر وعمل الصالحات، لكن هل تعرف لماذا هذا الفهم يُعتبَر مُهِماً؟ ولماذا هذا الجزء من الحديث حق ومُهِم جداً جداً جداً؟ هذا عود إلى بدء كلامنا في المقاصد والاجتهاد المقاصدي وذلك لأنه يُعطينا نُدحة وفرصة حقيقةً وهامشاً عريضاً أن نُدرِك فعلاً وسلية في الأحكام وأننا يُمكِن أن نتخلى عن بعض هذه الأحكام ونتكلم بأحكام أخرى ودائماً تُحقِق المقصد نفسه، فهذا مُمكِن، لكن بالطريقة التقليدية سيكون صعباً، ومن هنا قد يقول لك أحدكم كيف تقول هذا يا أخي عن شيئ موجود في كتاب الله تبارك وتعالى ثم تُخالِف عنه؟ ويُكفِّرك بعد ذلك، فهذه مُشكِلة مع أنه ينزع به – كما قلت – طبعاً إلى الجمود وإلى الشطب على المقاصد، فالمقاصد هنا تتأخر، إذن ماذا نفعل؟ لابد أن نفعل هذا، وأعتقد أن هذا باب كبير من أبواب الاجتهاد.
اللهم صل على سيدنا محمد، طبعاً الأستاذ أعتقد أنه بلغ بالأمر ما لا أبلغه حين قال لي أن أعمل نموذجاً وثورة وما إلى ذلك، فهذا غير صحيح، هو فقط نموذج مُتكامِل حقيقة وليس ثورة، أي مُجرَّد استبصارات، وأنا أصدقكم حين أقول لكم أن مُعظم رؤوس الأقلام هذه كتبتها اليوم، طبعاً هناك أفكار مُختزَنة من الأول، لكن أنا لم أكن حضرت لهذه المُحاضَرة ورجوت ألا أُلقيها ولكن لما تضايق الوقت بدأت أكتب نقاطاً سريعة، فكتبت رؤوس أقلام، لذا هذا ليس نموذجاً مُتكامِلاً بعد، أرجو أن يتكامل – إن شاء الله – على يدي ويد إخواني، وهو ليس ثورة، بالعكس هو نوع من التخصيب ونوع من الإضافة البسيطة لنماذج موجودة – إن شاء الله – ومنها أو من بعضها ما هو تقليدي وحتى وكلاسيكي، فأرجو أن يُكتَب له بعض القبول وبعض النجاح.
أخي الهولندي – بارك الله فيه وأهلاً وسهلاً به والله يحفظكم ويكرمكم جميعاً – عن رسالتي في حرية الاعتقاد، وقال هل كانت قبل كتاب أخينا الشيخ حسن فرحان المالكي أم بعده؟ وأنا بدوري أقول أنها كانت بعده، وأنا في الرسالة أستفدت منه في مواضع وإن تكن يسيرة، وهو على كل حال صديق وأخي، ورسالتي طبعاً أوسع بكثير، فهى في حوالي ألف وثلاثمائة صفحة، لكن الآن قد تُطبَع في حوالي ألف وستمائة صفحة، وقد تناولت منوضوعات أخرى كثيرة وبمنهج مُختلِف إلى حد بعيد أيضاً ليس عن كتاب الشيخ المالكي وإنما عن أكثر ما كُتِب تقريباً.

(يُتبَع الجزء التاسع والأخير)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: