الدرس الرابع عشر
تفسير سورة النساء من الآية الأولى إلى الآية الثامنة عشرة

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، حمداً يُوافي نعمك ويُكافئ مزيدك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه ونجيبه من عباده وأمينه على وحيه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُجاهِدين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، اجعلنا هُداة مُهتَدين غير ضالين ولا مُضِلين، علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وفقهاً، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، اللهم آمين.

أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفاضلات:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، نحن اليوم مع سورةٍ جديدةٍ من السبع الطوال، إنها سورة النساء، وهذه السورة في الحقيقة أيها الإخوة لاحظت فيها مُلاحَظة عجيبة، بالنسبة إلىّ هذه السورة أجمل سورة في كتاب الله، أكثر سورة أُحِبها وأُحِب أن أقرها وأُردِّدها هذه السورة، وجدت في نظمها وفي تركيبها وفي طراز بيانها شيئاً مُتفرِّداً جداً أيها الإخوة، هذا الشيئ إن دل على شيئ فإنما يدل على جمالٍ مُتناهٍ، وهذا كما لا يخفاكم أيها الإخوة والأخوات له مُناسَبة واضحة باسم السورة وموضوعها، فهي سورة النساء, ومن هنا الجمال العجيب الذي يشيع في ثنايا هذه السورة، عشرات المواضع! شيئ عجيب ساحر لو الإنسان تأمَّله بالذائقة البلاغية السليمة أيها الإخوة أو حتى المعطوبة ما يستطيع أن يستنبط هذا المعنى، شيئ عجيب! يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۩ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ۩ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ۩، شيئ عجيب! يُوجَد نوع من اللحن، نوع من الموسيقى الداخلية، نوع من الجمال غير معهود، أيضاً مثلاً كقوله – تبارك وتعالى – إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ۩ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا ۩ لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ۩ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ۩ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ۩ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ۩، شيئ عجيب! حتى الآية التي بعدها: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ۩.

سورة عجيبة جداً، مُنتهى الجمال هذه السورة، وأنا أعتقد أن من أسهل ما يكون حفظ هذه السورة أيضاً، مَن أحبها وأراد أن يتحفَّظها تحفَّظها أيها الإخوة بسرعة لهذا الجمال ولهذا التناسق، عجيب! فسُبحان مَن أنزل هذه السورة، اسم على مُسمى: النساء، اسمها النساء! وهذا هو جمالها وهذا هو لألاؤها وهذا هو ضياؤها.

روى الإمام أبو عبد الله الحاكم – ابن البيع الإمام الحافظ الكبير رحمة الله تعالى عليه – في مُستدرَكه على صحيحي البخاري ومُسلِم عن عبد الله بن مسعود – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – قال إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها حُمر النَعم، أي خمس آيات أحسن من الدنيا وما فيها، في سورة النساء بالذات، مُبشِّرات! لأنها سورة الجمال، أليس كذلك؟ ليست سورة الجلال، إنها سورة الجمال، ولذلك وُجِدَ فيها أيها الإخوة وحُشِرَ إليها من الآيات المُبشِّرات ربما ما لم يُحشَر إلى مثلها أو غيرها، ومن هنا قول حبر الأمة ابن مسعود، ليس إنساناً عادياً، هذا رجل القرآن، النبي يقول خذوا القرآن من ابن أم عبد، وكان يقول والله ما مِن آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم متى أُنزِلت وأين أُنزِلت وفيما أُنزِلت، رجل القرآن، يقول فيها خمس آيات خير من الدنيا وما فيها، قال إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها حُمر النَعم، ما هي؟ الآية الأولى قوله – تبارك وتعالى – إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ۩، انظروا حتى إلى الآية كم هي جميلة، نظمها غريب جداً، إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً ۩، انظر إلى هذا، لم يقل حتى وإن تكن، ويُمكِن أن يُقال لُغةً وإن تكن، لكن لماذا قال وَإِن تَكُ حَسَنَةً ۩؟  للتخفيف، لأنها حسنة صغيرة، حتى خفَّف في هذه الكلمة، أي كلمة الافتراض، قال وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ۩، قوله – تبارك وتعالى – إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا ۩، وقوله – تبارك وتعالى – إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ۩، وقوله – تبارك وتعالى – وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ – صلوات ربي وتسليماته وتبريكاته وتشريفاته عليه إلى يوم الدين، إلى أبد الآبدين – لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ۩، هذه هي أيضاً! 

في بعض الروايات أضاف آية، في بعضها فقط ذُكِرت هذه الأربع على أنها خمس ولا أدري لماذا، وفي بعضها أضاف آية، (ملحوظة) نسيَ الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الآية فقال ما هي يا عدنان؟ اللهم صل على سيدنا محمد، والله نسيت، ثم قال إذا تذكَّرتها سأقولها، هي في سورة النساء، علماً بأن فضيلته ذكرها في الدرس السادس عشر: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ۩.

وسورة النساء أيها الإخوة والأخوات مدنية لدى جماهير العلماء، الجماء الغفير من العلماء، خلافاً للإمام النحاس الذي ذهب – رحمة الله عليه – وزعم أنها مكية لمكان قوله – تبارك وتعالى – إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ۩، هذه الآية يقول هي نزلت بخصوص قصة مفاتيح الكعبة وهي معروفة لابن أبي طلحة، الصحيح أيها الإخوة أنه لا يُمكِن أن يُقال في سورة طويلة – مائة وست وسبعون آية هي – أنها مكية لمكان آية واحدة نزلت بمكة، لا يُمكِن! هذا غير معهود، فهذا الاجتهاد غير صحيح وخالف به رأي الجماء الغفير من العلماء، والصحيح في معيار المكية والمدنية ما هو؟ الوقت، ما نزل بعد الهجرة مدني وما نزل قبل الهجرة مكي، ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بمكة فهو مدني، هذه أصح المعايير، هناك ثلاثة معايير وهذا الموضوع لا نُريد أن نخوض فيه، موضوع طويل وهو موجود في علوم القرآن، لكن أصح المعايير على الأصح أيها الإخوة أن المدني ما نزل بعد الهجرة، نزل أين نزل لا يهم، نزل أقرب إلى المدينة أو أقرب إلى مكة او حتى في مكة ذاتها، إن نزل بعد الهجرة فهو مدني، وإن نزل قبل الهجرة وأين نزل – حتى إن نزل بالطائف أو في مكان آخر أيها الإخوة – فهو مكي، حتى وإن نزل بين السماء والأرض، فهناك أشياء نزلت بين السماء والأرض، ومعروف هذا في علم القرآن، فهذا يُعتبَر إما مكياً وإما مدنياً بحسب التوقيت، قبل أو بعد الهجرة.

۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ۞

افتتح المولى الجليل – عز شأنه وجل مجده – هذه السورة الجميلة بقوله يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ۩، إنها آدم عليه الصلاة وأفضل السلام، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ۩، حواء، ومنها سُميت حواء، لأنها خُلِقت من حي، ألقى الله عليه سنةً من النوم ثم لما قام وجدها مُضطجعة إلى جانبه فأنس بها، للمُشابَهة والمُناسَبة من كل وجه، وَبَثَّ مِنْهُمَا ۩، أي ذرا، يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۩ يقول تعالى، أي ذرا منهما، رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ۩، صحيح! كل هؤلاء البشر من آدم وحواء، وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ۩ على قراءة الفتح وهي قراءة الجمهور من القرئة، وقرأ حمزة – رحمة الله تعالى عليه – بالكسر، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ، فقط حمزة! وبقية القرئة قرأوا وَالأَرْحَامَ ۩، وهي مُتوجِّهة أكثر، وكلتاهما قراءتان مُتواتِرتان صحيحتان، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ۩.

على قراءة الفتح اتقوا الله والأرحامَ، أي اتقوا الله التقوى المعروفة باجتناب مساخطه واصطناع محابه ومراضيه، معروف! واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، احذروا الأرحامَ أن تُقطَع، هذا معنى الآية، اتقوا الله والأرحامَ، أي أن تقطعوها، فالرحم شُجنةٌ من من الرحمن ومُعلَّقة بعرش الرحمن، تقول – تصدع وتبتهل إلى الله – اللهم مَن وصلني فصله ومَن قطعني فاقطعه والعياذ بالله، ما ذنبٌ أحرى بأن تُعجَّل عقوبته بصاحبه من قطيعة الأرحام والعياذ بالله، من العقوق وقطيعة الأرحام، حتى بر الوالدين من الأرحام أيضاً، أليس كذلك؟ لكن هو مُخصَّص، لمزيد العنو بالوالدين بالذات، وهما أمس الرحم وأقرب القرابة، قال من العقوق وقطيعة الرحم والعياذ بالله تبارك وتعالى، خطير جداً هذا الموضوع، مَن أراد أن يُبسَط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه، تحدَّثنا عن هذا الحديث أيها الإخوة من جهة الإعجاز العلمي النفسي والاجتماعي في خُطبة المحو والإثبات قديماً في مسجد الهداية، هذا الحديث عجيب، حتى العلم الآن – علم النفس بالذات – أثبت صحة هذا الحديث وله فيه إعجاز عجيب جداً جداً، وفعلاً ثبت أن الذين يصل الأرحام ويتواصل مع الناس أعمارهم أطول دائماً، علمياً! أنا أتيت بها وقرأتها في إحصائية في كتاب حديث جداً عن الفُصام الشيزوفرينيا Schizophrenia، في أمريكا وقعت تجربة امتدت لسنوات، كل الذين يتواصلون ويُعطون ويزورون الناس ويُزارون ولهم علاقات اجتماعية وقرابية طيبة أعمارهم أطول، وكل الإنطوائيين الإنكفائيين المُنعزِلين المُعتزِلين أعمارهم أقصر، فصدق رسول الله مَن أراد أو مَن أحب أن يُبسَط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه، والإنساء هو التأخير، وتفسير مَن فسَّره بأن يُرفَع له ذكرٌ طيبٌ بعد موته تكلّف وتأويل، الحديث يقول يُنسأ، والإنساء هو التأخير، وهناك حديث مُرتبِط هذا، المُهِم موضوع طويل هذا، فالإنساء لا نخوض فيه.

واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ: قراءة حمزة، كيف تتوجَّه هذه القراءة؟ يقول والأرحامِ، لأنهم كانوا على عادتهم في الجاهلية يسّاءلون بالله والأرحام، يقول الواحد منهم سألتك بالله والرحم، فعلى عادتهم خاطبهم.

إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ۩، معروف المعنى، أي مُراقِباً مُشاهِداً تبارك وتعالى، وهذا له علاقة بموضوع الإحسان.

۞ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ۞

وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ۩، يُخاطِب مَن؟ الأولياء، الأوصياء الذين في ولايتهم يتامى وقُصّر، وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۩، كيف وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۩؟ يكون له نعجة – مثلاً – أو شاة عجفاء له، ولليتيم شاة سمينة طيبة فارهة، فيأخذ هذه مكان هذه ويقول شاة بشاة، نفس الشيئ! هذه أيضاً شاة، كان عنده – مثلاً – خمس شياه وأعطيته خمس شياه، أي أخذ الحسان وأعطاه المعاجيف المهزولة أو المهزولات، وكذلك درهم بدرهم، يأخذ الدرهم الصحيح ويُعطيه الدرهم الزائف، قديماً كان هناك تزييف أيضاً في الدراهم، نفس الشيئ! أي “فالصو” كما يُقال، يُعطيه الزائف ويقول درهم بدرهم، قال لا، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۩.

وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ۩، قيل إِلَى ۩ هنا بمعنى مع، أي لا تأكلوا أموالهم مع أموالكم، أي تأكلون أموالكم ولا تكتفون بل تضمون إليها انتهاب أموال الآخرين فتكون هكذا ظلماً وبُهتاناً والعياذ بالله، وقيل بمعنى لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتضيع أموالهم أو بعضها، ثم يقول الواحد منكم لم أعرف لأن حدث اختلاط، وقع اختلاط وربما أنا جُرت عليه، ممنوع! يجب أن نتقي الله في هذا.

إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ۩، قال ابن عباس كما رواه ابن جرير في تفسيره الحوب الإثم الكبير العظيم، هكذا قال! الإثم الكبير العظيم، أي إثم كبير جداً، وفي دعائه – عليه الصلاة وأفضل السلام – ربي تقبَّل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي واستر سخيمة  صدري أو كما قال عليه الصلاة وأفضل السلام.

۞ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۞

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩، هذه الآية يخفى وجهها على كل مَن قرأها مِمَن لم يتمرَّس بالعلم الشرعي، بالذات علم التفسير، لا يفهمها ويقول ما علاقة ظلم اليتامى بجواز التعديد؟ قال فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ۩، ما علاقة هذا بهذا؟ لكن تُوجَد علاقة واضحة، وسنذكر حديثين صحيحين عن أم المُؤمِنين زوج رسول الله عائشة رضوان الله تعالى عليهن أجمعين، الأول في البخاري والثاني أيضاً في الصحيح في البخاري، عن عائشة قالت – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – كان الرجل يتزوَّج اليتيمة في حجره – تكون هي في وصايته وفي ولايته – ويكون لها العَذق – ما هو العَذق؟ النخلة بحملها، النخلة إذا كانت حاملاً تُسمى عَذقاً، وأما العِذق بالكسر فهو العود له فروع، عود من الشجرة له فروع، يُسمى عِذقاً، وأما العَذق بالفتح فهو النخلة الكاملة، انتبهوا! يُوجَد فرق بين عَذق وعِذق، ومن كلام رسول الله أنه كان يقول والذي أخرج العَذق من الجُريمة، من أقسام الرسول العجيبة التي تدل على الفصاحة، قال أنا أفصح مَن نطق بالضاد بيد أني من قريش، صلوات ربي وتسليماته عليه، كان يقول والذي أخرج العَذق من الجُريمة، أي الذي أخرج النخلة من النواة، انتبهوا! ما معنى جُريمة؟ تصغير جِرم، أي من جسم صغير أخرج هذه النخلة العظيمة، كان يقول والذي أخرج العَذق من الجُريمة، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، فكان يكون لها العَذق – وليس لها في نفسه شيئ – تقول عائشة هو لا يُحِبها أصلاً، يتزوَّجها لماذا؟ رغبةً في مالها، لكن هو لا يُحِبها، لا يُريدها – فنهى الله – تبارك وتعالى – عن ذلك، لماذا؟ لأن هذا يجره إلى ظلمها وعدم بلوغه به سُنتها أو سُنة أمثالها في الصداق والنفقة، كأن يقول هي يتيمة وسوف آخذ مالها وأجور عليه وينتهى الأمر، الله قال لا، إذا كان ذلك كذلك فاتركوا هؤلاء اليتامى وانكحوا ما طاب لكم، وقد وسَّعت عليكم فجوَّزت إلى حد أربع، مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ۩، هذا معنى الآية، فعلاً أصبحت مفهومة إذن، أصبحت مفهومة!

إذن ما المقصود هنا بقوله الْيَتَامَى ۩؟ ليس أي يتيم وليس الذكور، لا! المقصود بقوله الْيَتَامَى ۩ البنات أو النساء، اليتامى البنات أو النساء اللائي أو اللاتي يكن في حجر الوصي أو الولي، ويرغب في نكاحها أو إنكاحها ابنه – مثلاً – على ألا يبلغ بها سُنتها في الصداق، الله قال لا، هذا لا ينفع، اتركوها! يأتيها – إن شاء الله – كما يُقال قسمتها وحظها ومكتوبها، وأنتم تزوَّجوا مَن شئتم مِن الحرائر الأُخريات، تزوَّجوا من ثنتين أو من ثلاث أو من أربع، لا بأس! أي إلى أربعة، ومن ثم أصبحت واضحة.

روى البخاري – رحمة الله عليه – في صحيحه أيضاً عن عروة بن الزُبير – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – قال سألت خالتي عائشة – هي خالته، عروة بن الزُبير، عبد الله بن الزُبير، ومُصعَب بن الزُبير، كلهم أبناء أسماء، وأسماء أخت عائشة، أخت شقيقة أو أخت لأم أو لأب؟ أخت لأب فقط، هي ليست شقيقة، أي أسماء ليست شقيقة وذكرنا هذا مرة، فهي أخت لأب طبعاً، الثنتان بنات أبي بكر، فأسماء بنت أبي بكر، أليس كذلك؟ المُهِم عروة بن الزُبير سأل خالته عائشة – عن هذه الآية وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩، هو لا يفهمها، ما علاقة موضوع التعديد بموضوع عدم الإقساط في اليتامى؟ لم يفهم، لم يقدر على أن يفهمها وهو رجل – ما شاء الله – عنده علم، فقالت له هذا يا ابن أختي هذا الرجل أو الولي تكون اليتيمة في حجره – يقول حَجر وحِجر، كلاهما فصيحان، حَجر وحِجر والجمع حُجور – ويهواها – يُحِبها ويُحِب جمالها وربما أحب مالها – فيتزوَّجها ولا يبلغ بها أعلى سُنتها في الصداق – ما المُراد بالصداق؟ المهر، ومنه صَدُقة وليس صَدَقة، الصَدَقة معروفة لكن الصَدُقة المهر، قال تعالى صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۩، وأصدقها أي أعطاها صَدُقتها، أعطاها صَدُقتها أي مهرها – فنُهوا عن ذلك، نهاهم الله – تبارك وتعالى – وأعطاهم هذه الفُرصة، ثم فسَّرت له مُستشهِدة بالآية التي في آخر النساء: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ – هذه الآية واضحة – وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ۩، الآية واضحة!

إذن أصبحت هذه الآية واضحة بتفسير أم المُؤمِنين وأيضاً بتفسير الآية الأُخرى، والقرآن يُفسِّر بعضه بعضاً.

سمعت بعض المُتكلِّفين ذهب في الآية مذاهب شاذة مُنكَرة بل مُستبشَعة، وزعم أن الآية لا تُبيح إلا نكاح النساء الأرامل الثكالى اللاتي في عصمتهن وعُهدتهن أطفال أيتام، قلت هذا الكلام غير صحيح أصلاً، يُناقِض الصحيح عن أم المُؤمِنين وعن الصحابة، ويُناقِض فعل الرسول وفعل الصحابة، فهل أنت أعلم بتفسير كتاب الله من الرسول والصحابة؟ وقد تزوَّجوا على غير هذه الشِكلة التي تقول، لكن – سُبحان الله – إنسان يركب رأسه ويُعجَب بهواه، ويظن أنه أتى بشيئ لم يأت به الأولون ولا الأواخر، كلام فارغ، لأن هذا هوى!
قال فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ۩، بعض أصحاب الآراء الشاذة قال هذه الآية تُبيح تسع نساء، قال مَثْنَى وَثُلاثَ ۩: خمسة، وَرُبَاعَ ۩: أربعة، إذن تسعة! وهذا من جهله بالعربية، بل قال بعض الشيعة – ليسوا الشيعة الإمامية وإنما بعض فرق الشيعة، الشيعة فرق كثيرة وهؤلاء بعض فرق الشيعة – وبعض فقهائهم بل تُبيح ثماني عشرة، أي ثماني عشرة امرأة! يا فرحة الرجال من أمة محمد! بالعكس يا خراب بيوت الرجال، ثماني عشرة امرأة، كيف؟ قال مَثْنَى ۩، المثنى: اثنان واثنان، إذن أربع، وَثُلاثَ ۩: ثلاث وثلاث، إذن ست، وَرُبَاعَ ۩: أربع وأربع، إذن الناتج الكُلي هو ثماني عشرة امرأة، قال تُبيح ثماني عشرة وهذا غير صحيح، لو كان ذلك كذلك إذن فدلونا وبيَّنوا لنا ما معنى قول الله – تبارك وتعالى – جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۩، ما معنى هذه؟ معناها أن هنا ملائكة بجناحين وملائكة بثلاثة وملائكة بأربعة، وهنا قد يقول لي أحدكم هل هناك ملائكة بثلاثة؟ نعم بثلاثة، وقد شرحتها ذات مرة وقلت كيف، حتى في علم الطيران من أقوى ما يكون أن يكون جناحان وزُعنفة في الخلف، أليس كذلك؟ يستقيم الجسم الطائر بشكل غير طبيعي، وهكذا هذه الملائكة، ملائكة بثلاثة أجنحة، جناحان هكذا على الجانبين وربما جناح يتوسَّطهما، هذا هو طبعاً! والله قال هناك ملائكة بجناحين وهناك بثلاثة أجنحة وهناك بأربعة أجنحة، فيُمكِن أن تُؤخَذ منها مباديء في الطيران هذه الآية لو فهمنا بشكل جيد، فهذا معناها، وليس معناها أن تجمع كل هذا أبداً، وفيها مبحث لُغوي مشهور.

فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ۩، بين ماذا؟ بين الثنتين أو الثلاثة أو الأربعة إذا ربَّعتم، تجمع بين النساء وما إلى ذلك لكن لا تستطيع أن تعدل، فماذا قال تبارك وتعالى؟ فَوَاحِدَةً ۩، أي فانكحوا واحدةً أو اكتفوا بواحدةٍ، وهي منصوبة على نزع الخافض، أي لو كان التقدير فاكتفوا بواحدةٍ لماذا قال فَوَاحِدَةً ۩؟ نزعنا الخافض، فهكذا تصير، أو تضمين الفعل معنى آخر، وهكذا!

فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، هنا أيضاً بعض العلمانيين الآن وبعض المُتشمدِقين والمُتمعقِلين بين يدي الله ورسوله ماذا يقول؟ يقولون التعدد حرام، كيف يكون حراماً؟ قالوا القرآن حرَّمه، ما شاء الله! إذن صار القرآن مُتناقِضاً، كيف حرَّمه؟ قالوا الله قال في النساء وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۩، فنقول للواحد منهم أكمل الآية يا عبد الله، أكمل الآية! الآية تقول وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ۩، هذا يعني أنكم مُتزوِّجون والله أباح لكم هذا الزواج، قال فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۩، هذا في الآية نفسها، سياق الآية يقول أن التعدد جائز، لكن ما هو العدل المنفي أيها الإخوة؟ العدل المُطلَق، حتى الرسول لا يستطيعه، العدل المُطلَق النبي – عليه السلام – لم يكن يستطيعه، لماذا؟ هو قال هذا، قال اللهم إن هذا قسمي فيما أملك فلا تُؤاخذني فيما تملك ولا أملك، يعني ماذا؟ القلب، القلب لا أستطيع أن أتحكَّم فيه، أن أُحِب الجميع نفس المحبة أمر لا أستطيعه، الأب لا يستطيع ذلك بين أبنائه، هل لا يُخلِّف أبناء إذن؟ هل يكتفي بواحد على طريقة الأجانب؟ كأن يقول أنا لن أعدل بينهم ويُوجَد حديث النُعمان بن بشير عن العدل بين الأولاد – لا تُشهِدني على جور – وهناك أحاديث كثيرة جداً في هذا الباب، لا يا أخي، النبي فهَّمنا أن هذا – أي عدل القلب – لا سؤال فيه إن شاء الله تبارك وتعالى، بل هناك ما هو أكثر من ذلك، وبالمُناسَبة هذا عكس ما يعتقد العامة والجهلة في الدين، حتى الجماع لا يُطلَب فيه العدل، ما رأيكم؟ طبعاً! البيتوتة نعم لكن الجماع لا، لا تقل لي إذا نمت مع هذه لابد أن تنام مع هذه، ليس عندي رغبة، تعبان ومريض، كيف لابد أن أنام معها؟ هل أفعل هذا غصباً عني؟ هذا كلام غير منطقي، ولذلك انظر إلى الفقهاء فهم غير العوام، العوام من عندهم يتكلَّمون، يقولون إذا مسكت هذه وقبَّلتها ونمت معها لابد أن تفعل هذا مع الأُخرى، غير صحيح! هذا كلام وعّاظ تسمعونه في الخُطب، أليس كذلك؟ كلام وعّاظ، وهو كلام فارغ، الكلام الفقهي عن البيتوتة والقسم والنفقة، في كل هذا لابد من العدل، لكن أن تنام أو لا تنام أنت حر بحسب قدرتك وبحسب رغبتك، أليس كذلك؟ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۩، وهذا مُنتهى العقل عند الفقهاء، مُنتهى العقل عند السادة الفقهاء! وبالمُناسَبة تُوجَد عليه أدلة شرعية وهو موضوع طويل، لكن لابد أن يكون العدل في ماذا؟ كما قلنا في البيتوتة، في القسمة، في النفقة، وفي أشياء مثل هذه، لابد أن يكون هناك عدل كامل إن شاء الله، حتى في النهار غير مطلوب منك هذا، العدل فقط في الليل، في البيتوتة على الأرجح.

بالمُناسَبة اليوم – إن شاء الله – سوف نتعلَّم كمية كبيرة من الأحكام الشرعية، في الميراث وفي الزواج وفي الإماء وما إلى ذلك لأول مرة، فلعل بعض الناس لأول مرة يسمع هذه الأشياء، خاصة مَن ليس عنده تمرس في العلوم الشرعية، وإن شاء الله أسأل الله أن تكون سهلة وميسورة علينا جميعاً كالماء، سهلة من هذه السورة اللطيفة العجيبة.

فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، ما معنى أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩؟ السبايا، الإماء، السرايا، ملك اليمين أخذتها ربما في قسمة الغنائم في الحرب أو ربما اشتريتها بحر مالك، هذه تُوطأ بماذا؟ ليس على أنها زوجة ولا يُدفَع مهر ولا صداق ولا شيئ ولا تقوم بعمل عقد، كأن تقول سأقوم بكتابة عقد لكي نتزوَّج، كل هذا غير موجود أبداً، هذه أمتك اشتريتها أو أخذتها من حرب، أنت تطأها وتفترشها بملك اليمين، فقط هذه القضية، ليس لها علاقة بما قلنا، هل هذا واضح؟

قال أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۩، ثم قال ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩، هنا قد يقول لي أحدكم هل هناك تحديد في ملك اليمين؟ لا، إذا كان عند الإنسان حتى مائة جارية لن تكون هناك مُشكِلة، الإسلام ليس فيه تحديد هنا، التحديد في الحرائر، في الجواري لا يُوجَد تحديد، على الصحيح طبعاً والأرجح وهو الصحيح بلا شك أنه لا يُشترَط القسم بينهن وبين الحرائر، غير موجود هذا! القسمة بين الحرائر فقط، ليس بين الحرائر والجواري وليس بين الجواري وبين بعضهن البعض، لا يُوجَد قسم بينهن، القسم فقط بين الحرائر، قال ذلك ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩، ما معنى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩؟ ألا تجوروا، من قوله عال الميزان ومن قولهم عال فلان في الحُكم وفي القضاء، بمعنى جار وظلم وتعدى، وقد أخرج ابن حبان في صحيحه وابن مردويه والإمام الحاكم عن أم المُؤمِنين عائشة – رضيَ الله عنهم وأرضهم أجمعين – أنها قالت: قال – صلى الله عليه وسلم – ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩: ألا تجوروا، أي بالجور والظلم النبي فسَّره، قال ابن أبي حاتم والصحيح فيه موقف وليس مرفوعاً، قال هذا الحديث الصحيح فيه أنه موقوف، ما معنى أنه موقوف؟ أي من كلام عائشة، من تفسير عائشة، ليس يُرفَع إلى رسول الله، لا يصح مرفوعاً والله أعلم، فهو قال ذلك، وطبعاً رفع الموقوف أو وقف المرفوع يُعتبَر مِن ماذا؟ من علل الحديث، علة تقدح في الحديث وتجعله ضعيفاً، وهذا معروف، العلة سببٌ خفي يقدح في صحة الحديث، لا يظهر إلا للنقدة الكبار جداً جداً، كرفع الموقوف ووقف المرفوع وبعض روايات المُبتدِعة الذين لم تُعرَف بدعتهم للكل، على كلٍ قال ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩.

۞ وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ۞

وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۩، جمع صَدُقة وهي ماذا؟ المهر كما قلنا، اختُلِف في مكان النحلة، قال نِحْلَةً ۩، قيل فريضة، الصَدُقة هذه – وهي المهر – مفروض بلا شك، وقيل مُسمىً، أي مُسمىً معروف، فإن لم يُسم فلها معر مثلها أو مهر أمثالها بلا شك.

فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا ۩، هذا حقها إذن، المهر ليس حق والدها، انتبهوا! وليس حق عمها أو جدها، وليس حق الزوج، حق المرأة! هذه حقها هي، وممنوع على أي إنسان أن يجور عليها وأن يبخسها هذا الحق حتى الزوج، انتبهوا! حتى الزوج ممنوع أن يأخذ من مهر زوجته فلساً واحداً بغير طيب نفسها، لكن إذا هي طابت نفساً وأعطت شيئاً من صداقها لزوجها سوف يكون هذا من أحسن العطية ومن أجزل الهدية، لماذا؟ لقوله تعالى فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ۩، الله أكبر! هَنِيئًا مَّرِيئًا ۩، ما معنى هذا؟ أن الإنسان يستمرئه، إذا أكل يستمرئه بشكل جيد إن شاء الله، أي فيه ألف هناء وشفاء الله يقول، هذا معناها، فيه ألف هناء وشفاء، ولذلك قال الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – فيما أخرجه عبد بن حُميد – رحمة الله تعالى عليه – بإسناده عن الإمام عليّ إذا اشتكى أحدكم – احفظوا هذه النصيحة فهي مُهِمة جداً، وهذا من لطيف الاستنباط ومن عميق فكر الإمام عليّ في كتاب الله، قال إذا اشتكى أحدكم، أي إذا مرض، عنده مرض أو عنده مُشكِلة أو أي شيئ – فليأخذ من زوجته ثلاثة دراهم أو نحوها – من صداقها يقول لها بالله أعطيني هدية لوجه الله، إذا أعطتك خُذهت – واشتر بها عسلاً واجعله في ماء المطر ثم احتسه أو اشربه، فيه الشفاء بإذن الله، لماذا؟ لأن مَن فعل ذلك فقد جمع هنيئاً مريئاً وشفاءً ومُبارَكاً، عليه السلام، هذا الإمام عليّ، شيئ عجيب! كان رجلاً غير طبيعي في العلم، قال مَن فعل ذلك فقد جمع ثلاثة، أي ثلاثة أشياء: هنيئاً مريئاً وشفاءً – العسل – ومُبارَكاً، قال الله هَنِيئًا مَّرِيئًا ۩، وقال أيضاً فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۩، فضلاً عن أنه قال وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا ۩، ماء المطر طهور مُبارَك، يكون مع الشفاء “العسل” ومع الهنيء المريء، ومن ثم سوف تشفى بإذن الله، جرِّب هذا، شيئ عجيب، رضيَ الله عنه وأرضاه، إذن قال هَنِيئًا مَّرِيئًا ۩.

۞ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ۞

وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ۩، اختُلِف في قوله السُّفَهَاء ۩، مَن هم السفهاء؟ قيل هم الصبيان، وقيل هم اليتامى، وقيل هم النساء، وأخيراً قيل هم النساء والصبيان، وفي الحقيقة السفيه هو مَن لا يستطيع تدبير ماله، كبيراً كان أو صغيراً، ذكراً كان أو أنثى، لكن لما غلب على الصبيان أنهم لا يعرفون ذلك – وهذا صحيح طبعاً، وإلا كيف؟ من أين للصبي الصغير أن يُدبِّر ماله؟ فعلاً كان سفيهاً – قيل أنهم سفهاء، لكن بعض الرجال الكبار سفهاء أيضاً، لأن الواحد منهم لا يستطيع أن يُدبِّر ماله، يُبعثِر هنا وهنا وهنا حتى يُحجَر عليه، وبالمُناسَبة الرسول حجر على بعض أفاضل الصحابة، لن أذكر اسمه، صحابي جليل وعالم كبير حجر عليه، كان يُبذِّر ماله، يُعطي هنا وهنا وهنا وبعد ذلك تبهدل مع الناس وتراكمت الديون، فالنبي قال له لا، نُريد أن نحجر عليك هنا، وحجر عليه.

وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ ۩، هي أموالكم أم أموال السفهاء؟ أموال السفهاء، هذه الآية عجيبة جداً، فيها ملحظ اقتصادي في مُنتهى البداعة، الله يقول لا تُعطوا هؤلاء أموالهم لأنها هي أموالكم، كيف؟ المال في الحقيقة إذا لاحظنا فيه الدورة الاقتصادية هو في النهاية مال المجموع، مال المُجتمَع، لا يقل لي أحد هذا مالي أنا، ليس مالك أنت، من أين أتيت به؟ من خيرات المُجتمَع، من أرض المُجتمَع، من أنهاره، من ناسه، من عرقه، من مُجتمَعنا أتيت بهذا الشيئ، لم ينزل عليك من السماء، أليس كذلك؟ فهو مال الأمة، ومن هنا في نهاية الأمر يجوز للدولة أن تتدخَّل تدخّلاً محدوداً – لسنا على المذهب الليبرالي ولسنا على المذهب الاشتراكي، هذا مذهب إسلامي وسط – وأن تُطلِق يدها بمحدودية بحيث تضمن أن دورة المال يفيد منها المُجتمَع كله، وبحيث تتقسَّم وتتبدَّد الثروات في المُجتمَع كله، فالقرآن هذه أموالكم أنتم، هذا مال اليتيم أو السفيه الصغير وما إلى ذلك لكن الله قال انتبه، لا تقل هذا ماله وسوف أُعطيه إياه حتى ولو أحرقه، لا! هذا مال المُجتمَع، فأنت تُضيِّعه على المُجتمَع، ولذا كلمة أَمْوَالَكُمُ ۩ عجيبة، فيها ملحظ غريب، تنبَّه إلى ذلك الفخر الرازي قبل ألف سنة، الفخر الرازي تنبَّه وأطال النفس في شرح هذه الكلمة ومكانتها رحمة الله عليه.

قال وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ۩، أي فيها قوام معاشكم، منها أكلكم وشربكم وركوبكم وجهادكم وما إلى ذلك، كل هذا بالمال، أليس كذلك؟ المال عصب الدنيا كما يُقال، الاقتصاد عصب الحياة، وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ۩، أي على قد الأكل والشرب واللباس أعطوهم، صحيح! لكن لا تُطلِقوا يدهم ليتصرَّفوا فيها ولا تُعطوها كلها لهم، لا! أنتم دبِّروها، وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ۩.

۞ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ۞

 وبالتالي اختبروهم، وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى ۩، أي اختبروهم، حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا ۩، علامات البلوغ أيها الإخوة، ما هي معايير معرفة أن الطفل هذا يتيماً كان أو غير يتيم بلغ وأصبح راشداً؟ قال فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا ۩، فما هي هذه المعايير؟ ثلاثة معايير، اثنان بالاتفاق وفيهما بعض الخلاف وواحد اختُلِف فيه، المعيار الأول الحُلم، وقد ذكر ذلك – تبارك وتعالى – بطريقة الإشار في سورة النور: وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ۩، وقال النبي رُفِعَ القلم عن ثلاث، من ضمنهم قال الصبي حتى يحتلم، والحُلم أن يرى شيئاً تعرفونه، أي أن يرى مشهداً جنسياً ويحدث له الإنزال، هذا اسمه الحُلم، هذه علامة البلوغ وهي علامة حسية، وهي مظنة أن العقل بدأ يرشد، مظنة حسية! لماذا؟ هذا من فلسفة الشريعة الإسلامية، من دقة هذه الشريعة العجيبة، لأنها شريعة إلهية وليست بشرية، كيف؟ لو قلنا الله – تبارك وتعالى – ربط أحكاماً كثيراً بموضوع الرُشد قد يقول أحدكم أن الرشد مُتفاوِت جداً أو كما يقول المناطقة يُطلَق بالتشكيك وليس بالمواطأة، أي أنه مفهوم ليس مواطئياً، هو مفهوم مُشكَّك، كأن نقول ما مقدار الرشد فيه؟ هل هذا أكثر؟ هل هذا أقل؟ لا نعرف! إذن كيف نُميِّز؟ فهذا موضوع لا ينضبط أصلاً كما يقول الأصوليون، موضوع لا ينضبط، فأقام الشارع الحكيم مكانه أمراً آخر ظاهراً مُنضبِطاً لا يتفاوت وهو الحُلم، إذا احتلم هذا انتهى الأمر، لا تُوجَد مُشكِلة إذا كان عمره أربع عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة ونصف، المُهِم أنه احتلم، إذا احتلم دخل في سن الرُشد، هذا المفروض! فأقام مكانه أمراً مُنضبِطاً لا يتفاوت، الاحتلام لا يتفاوت، نزل الماء منه وانتهى الأمر، هل هذا واضح؟ كالحيض بالنسبة إلى البنات، هذا أول شيئ، وقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث الذي أخرجه أبو داود في السُنن لا يُتم بعد احتلام ولا صمات يومٍ إلى الليل، لا يُتم بعد احتلام ما معناها؟ ما معنى لا يُتم بعد احتلام؟ أن الذي يبلغ الحُلم لا نُسميه يتيماً، وذكرنا هذا أيضاً في دروس التفسير، لا تقل لي هذا يتيم وهو عمره سبع عشرة سنة، عمره سبع عشرة سنة وتقول هذا يتيم، كيف يكون يتيماً؟ هذا رجل، هذا تزوَّج وخلَّف، انتهى الأمر! ما دام احتلم لا يُسمى يتيماً، النبي هو الذي يقول الكلام هذا عليه السلام، لا يُتم بعد احتلام ولا صمات يومٍ إلى الليل، ما معنى ولا صمات يومٍ إلى الليل؟ وممنوع أن تنذز أو تصوم عن الكلام يوماً كاملاً إلى الليل، ممنوع هذا في ديننا، ممنوع! كان في شريعة عيسى ومريم نعم – إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ۩ – لكن هو ممنوع عندنا، لا يُوجَد هذا عندنا، عندنا يُمكِن أن تصمت فقط لسبب مُعيَّن، وممنوع أن يأتيك الليل وأنت صامت عن الكلام، ممنوع! ولا صمات يومٍ إلى الليل، أخرجه أبو داود.

هذه أول علامة أو أول معيار، المعيار الثاني ما هو؟ بلوغ الخامسة عشرة، واختُلِف فيها، مثل الأحناف الذين قالوا سبعة عشر أو ثمانية عشر، وهناك أُناس قالوا خمسة عشر وهذا أرجح، الخامسة عشرة إذا بلغها حتى دون أن يحتلم فيُعتبَر قد أصبح راشداً، ولماذا أخذوها؟ من أين دليل الشافعية وغيرهم؟ أخذوها من حديث في الصحيحين أيها الإخوة، في الصحيحين عن عبد الله بن عمر – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قال عرضت نفسي على رسول الله يوم أُحد وأنا ابن أربع عشرة فردني ولم يُجزني، قال له لا، أنت صغير، أي أنك لست رجلاً إلى الآن ولا تستطيع أن تحمل السيف وما إلى ذلك، صعب لأنه ولد صغير فرده، قال وعرضت نفسي عليه يوم الخندق بعدها بسنة وأنا ابن خمس عشرة – وهذا على أن الخندق سنة خمس وليس سنة ست، فيها خلاف الخندق كما تعلمون في السيرة – فأجازني، وبالمُناسَبة يوم أُحد كما تعرفون الكثير من الأولاد الصغار عرضوا أنفسهم على النبي لأنهم كانوا يُريدون أن يُجاهِدوا، وهذا يُؤكِّد نظرية موجودة الآن، الآن بدأنا نقرأ لبعض فلاسفة السياسة أنهم يطلبون تشكيل فكرة الجيش بشكل جديد، هذا الجيش النظامي المُحترِق مُصيبة وبلاء على الأمم بالمُناسَبة، وهو أكبر وسيلة وأكبر أداء في يد الحكومات المركزية لقمع الشعوب وإلغاء حرياتها، وماذا يُريدون؟ لابد من فكرة أُخرى لجيش لا يكون احترافياً ولا يكون شعبياً بالكامل، يكون وسطاً، جُزء منه احترفي بسيط، والجُزء الأكبر يكون شعبياً، ويكون الشعبي مُسلَّحاً بضوابط مُعيَّنة، علماً بأن هذه كانت خُطة رسول الله، والجيش أيام رسول الله كان تقريباً قوامه هو الشعب، ولم يكن هناك جيش احترافي حقيقي يُشكِّل عبئاً على الأمة، ومن يوم صار في  الدولة الإسلامية جيش مُحترِف حقيقي صار هناك استبداد، أليس كذلك؟ ورأينا رؤوس العلماء تُقطَع ورؤوس الصحابة ورؤوس أبناء الصحابة وحدثت مشاكل كثيرة جداً جداً، فهذا هو، فحين أتى أطفال صغار وحملوا السيوف وأرادوا أن يُجاهِدوا ردهم النبي، رد مَن؟ عبد الله بن عمر، ويُقال رد عبد الله بن عمرو أيضاً، ورد أسامة بن زيد، ورد البراء بن عازب، ورد زيد بن ثابت – العالم الجليل – أيضاً، ورد أُسيد بن حُضير، رد كثيراً النبي! وأراد أن يرد مَن؟ رافع بن خديج وسَمُرَة بنُ جُنْدُب أو جُنْدَب، ثم بعد ذلك قيل له إن رافعاً من أرمى الناس، هذا الشاب الصغير يرمي جيداً، فحين رآه يرمي جيداً قال له أجزناك، تعال معنا وارم، فسَمُرَة زعل، انظروا إلى الأطفال الصغار الذين يُريدون أن يُجاهِدوا! قال له يا رسول الله إن كان رافع رامياً فأنا أصرع رافعاً، أي أنا أقدر عليه، لأن من المُمكِن أن يصرعه أحد من الكفّار، فأنا أقوى منه، قال له أرني هذا، فصرعه! فقال له هيا أنت أيضاً معنا وأجازه، وهذا يُؤكِّد أن الخُطة كانت الجيش الشعبي، على كل حال ابن عمر يقول ماذا؟ فجئت أنا في الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني، هذا يعني أنه اعتبره رجلاً راشداً، فهذا دليل مَن قال الخامسة عشرة هي معيار للبلوغ.

وأخيراً إنبات الشعر الخشن حول العانة، ما يُعرَف بالفُصحى والعامية بالشِعرة أكرمكم الله، أي إذا كان الطفل له شِعرة – أي له شعر عانة – فيُعتبَر راشداً، يُعتبَر أنه دخل في طور الرجولية الآن، لم يعد طفلاً صغيراً غِراً، والدليل ما أخرجه أبو داود بل وغيره أيضاً عن عطية القرظي – حين تسمعونه كلمة قرظي اعلموا أن هذا من بني قريظة، من الناس الذين أسلموا، دخلوا في الإسلام، رضيَ الله عن عطية، لأنه كان مُسلِماً، فهو أسلم – أنه قال عُرِضت فيمَن عُرِض على رسول الله يوم قريظة – بعد الخندق حين ذهب لهم إليهم مع جبريل، المُهِم أن القصة معروفة – فكان النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يأمر بكل مَن أنبت أن يُقتَل – كل ولد أنبت له هذا الشعر الخشن أو الشِعرة يُقتَل – فكُشِف عني فلم أكن قد أُنبِت فتُرِكت، خُليَ سبيلي! وأسلم بعد ذلك رحمة الله عليه رحمة واسعة، فهذا دليل على أن هذه علامة على البلوغ والرجولية، أليس كذلك؟ فهذه ثلاثة أشياء، وفيه خلاف هذا المعيار الثالث، إذن شرحنا الآية هذه.

وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ۩، قد تقول لي كيف نعرف؟ قلنا لك هناك ثلاثة أشياء، هناك ثلاث وسائل، هل هذا واضح؟ ثلاث واضح لمعرفة أنهم بلغوا النكاح أو لم يبلغوا النكاح.

فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۩، لأنكم أوصياء في الأموال، انتهى هذا، وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ ۩، إِسْرَافًا ۩ معروف معناها، لكن ما معنى  وَبِدَارًا ۩؟ قال وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ ۩، فما معنى هذا؟ مُسارَعةً لبلوغهم سُن الرشد، أي تُبادِرون رُشدهم، كأن تقولوا هيا نأكلها قبل أن يكبر اليتيم ويُدرِك ويأخذها، فنظل نأكل باستمرار منها وحين يكبر نقول له والله ضاعت يا أخي، نحن احتاجنها وأخذنا منها وما إلى ذلك، الله قال لا، الطريقة هذه لا تجوز، وأنت تُعتبَر داخلاً في الوعيد الذي سيأتي بعد آيات: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ۩، وفي أحاديث أن بعض الناس يخرج – والعياذ بالله – يوم القيامة محشوراً ويخرج من فمه نار، نار! سُئل عن هذا فقال الذي كان يأكل أموال اليتامى ظلماً، جهنم تخرج من جوفه، وهي غير جهنم التي لا تزال تنتظر أمامه والعياذ بالله، أمه الهاوية طبعاً! فقال إياكم أن تُبادِروا كبرهم ورُشدهم بأكلها، كأن تقولوا هيا نأكلها قبل أن يكبروا، مثلما قال النبي بادروا بالأعمال ستة وفي رواية خمسة، إذن ما معنى بادروا بالأعمال خمسة؟ معنى بادروا سابقوا، هذا هو، أي سارعوا قبل أن تأتيكم هذه الخمسة أو واحدة منها، هذا معنى الكلام، هذا معنى البدار البدار، الوحا الوحا، العجل العجل، هكذا كان يقول الصحابة والناس الفصحاء، كل هذا بنفس المعنى.

وَمَن كَانَ غَنِيًّا ۩، مِن مَن؟ مِن الأولياء الأوصياء، فَلْيَسْتَعْفِفْ ۩، إذا كنت غنياً مُستغنياً عن مال هذا اليتيم فلا تمدن إليه يداً، وَمَن كَانَ فَقِيرًا ۩، افترض أنني وصي وفقير ومن ثم سوف أحتاجه، فماذا أفعل؟ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۩، جاء أحدهم وقال يا رسول الله تحتي يتيم وله مال وأنا فقير لا أجد شيئاً، أفآكل من ماله؟ فقال له – عليه الصلاة وأفضل السلام – خُذ من ماله، كُل بالمعروف غير مُتأثِّل مالاً، ما معنى غير مُتأثِّل مالاً؟ لا تُكوِّن ثروة على حساب الولد، كأن تأخذ أمواله وتضعها في الـ konto، أي الحساب، لا تتأثَّل! قال له غير مُتأثِّل ماله، من غير سرفٍ ولا تبذير ولا تقي – وفي رواية قال لا تفدي، شك الراوي، ليس الصحابي وإنما الرواي حتى عن الصحابي شك، قال ولا تقي أو لا تفدي – مالك بماله، لا تُقدِّم مصلحة مالك وتنظر خير النظرين لمالك على حساب ماله، لا! فهذه حدود الجائز، ثم اختلف السادة الفقهاء والمذاهب المتبوعة في هذه المسألة: الذي تأخذه من مال اليتيم – إذا أخذت بالمعروف، أي في حدودالمُستطاع وفي حدود المنطقي – هل يُؤخَذ على سبيل السماح ومن ثم ينتهي الأمر أو يُؤخَذ على سبيل أنك إذا أيسرت قضيت، أي كالقرض؟ مذهبان! يُوجَد قولان للسادة العلماء والفقهاء، يُؤيِّد الثاني قول سيدنا عمر في عبارته المشهورة، كان يقول ما مثلي ومثل هذا المال – يقصد مال الأمة، أي من بيت المال – إلا كولي اليتيم، إن استغنى استعف وإن افتقر أكل بالمعروف فإن أيسر قضى، هذا يعني أن مذهب سيدنا عمر ما سمعنا، إذا أخذت بحديث يسار تُرجِع المال، ومن ثم يُعتبَر هذا ديناً عليك، ويُوجَد مذهب ثانٍ يقول لا، إذا أخذت تأكل بالمعروف مع السماح إن شاء الله، مثلما أكل هو أنت أكلت، والله أعطاك هذه السعة، الله أعلم. 

قال فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ۩، قيل كفى بالله رقيباً، وأنا لا أُحِب هذه الطريقة، أن تُفسِّر كلمة بكلمة دون أن تُوجَد علاقة واضحة بينهما، وإلا لقال رقيباً، لكن هو قال حَسِيبًا ۩، فعيل بمعنى مُفاعِل، أي مُحاسِب، سيُحاسِب كل إنسان على كل ما مر، وسوف يرى هل أكلت ماله مع مالك؟ هل استبدلت الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۩؟ هل… هل… هل… كل هذا سوف تُحاسَب عليه، هذا معنى حَسِيبًا ۩، من الحساب الحقيقي، الإحصاء والجزاء!

۞ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ۞

قال – عز من قائل – لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ۩، فصَّل: لِّلرِّجَالِ۩ وَلِلنِّسَاء… ۩، هؤلاء لهم نصيب وهؤلاء لهن نصيب، إذن أشركهم وجعلهم سواءً في أصل التركة، في أصل الميراث، لكن اختلفت الأنصباء، كم للرجال؟ كم للنساء؟ هذا يختلف، لكن في الأصل الكل له نصيب، لماذا؟ وذلكم كما صح عن كثير جداً من الصحابة – ليس واحداً فقط وهذا معروف في التاريخ، مسألة تاريخية – أن العرب في الجاهلية كانوا لا يُورِّثون النساء والصغار وكل مَن لا يُقاتِل، حتى لو كان إنساناً ضعيفاً لا يُقاتِل لا يُورَّث، لا يُورِّثون إلا مَن يركب الفرس ويضرب العدو، النساء لا يُقاتِلن، الصبيان الصغار لا يُقاتِلون، وهكذا! وكذلك الضعفاء، فيقولون هؤلاء ليس لهم نصيب ولا نُورِّث إلا مَن ذكرنا، فجاء القرآن بالضد من مذهبهم وبالعكس من طريقتهم وقال لا، لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ …۩ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ …۩. 

مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ۩، بفرض الله تبارك وتعالى.

۞ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ۞

ثم قال المولى الجليل – عز وجل – وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ۩، قسمة ماذا؟ هذه التركة، أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ۩، اخُتلِف في هذه الآية، صح عن ابن عباس أنه قال هي مُحكَمة غير منسوخة، موجودة أيها الإخوة ويجب أن نعمل بها، ماذا نفعل عند التقسيم لو جاء أُولوا قُربى – مَن أُولوا القُربى؟ مِمَن ليس لهم نصيب في التركة لا فرضاً ولا تعصيباً – ويتامى وفقراء ومساكين وحضروا؟ النفس حين قسمة شيئ من المال وشيئ من الخير تستشرف، أليس كذلك؟ ولذلك أنا أنصح حتى نصيحة حين يُسافر الإنسان وما إلى ذلك ويأتي بهدايا ألا يُوزِّع الهدايا أمام الناس في المسجد وغيره، لأنك ربما كسرت بخاطر بعض الإخوة الذين ربما استشرفت نفوسهم وظنوا فيك الخير لأن هناك أُخوة خاصة وفي النهاية خرجوا من المولد بلا هدية، فالأحسن أن تُوزِّع بطريقة سرية، في الخارج قل لمَن أردت لك كذا وليس أمام الناس، لمكان هذه الآية، أرأيت؟ ربنا – عز وجل – قال هذا، ولذلك يقول السادة العارفون بالله – عرَّفنا الله به ودلنا عليه – ما عُبِد الله بشيئ أحب إليه من جُبران الخواطر، اجبر خواطر العباد، لا تكسر خاطر الناس، فهذه من باب جُبران الخواطر، ابن عباس يقول هذه آية مُحكَمة، وقال بإحكامها وعدم منسوخيتها كثيرٌ من الصحابة، وقال بعضهم هذه الآية في الوصية، كيف تكون في الوصية؟ أي إذا أولوا قُربى أو يتامى أو مساكين أُوصيَ لهم فيُعطون باسم الوصية، بعنوان الوصية! إذا كان ثمة وصية فيُعطون، إذا كان لا تُوجَد وصية فلا يُعطون، هكذا قالوا! وقال فريق ثالث – وهي ثلاثة أقوال في هذه الآية – منسوخة، هذه كانت في البداية والآن هي منسوخة ولا يجب أن يُعطوا، إذا أردت أن تُعطي من مالك هكذا ومن قسمتك فهذا شيئ طيب وهو من باب الصدقة لكن لا يجب عليك أن تُعطي، ثلاثة أقوال فيها!

۞ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ۞

قال – عز من قائل – وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ۩، فيها قولان مشهوران هذه الآية أيضاً، وهي غير واضحة كثيراً، ابن عباس يُروى عنه القولان، وابن جرير رجَّح الثاني، وهو مُتوجِّه جداً، أي القول الثاني، وسوف نرى هذا، والأول مشهور لدينا جميعاً، يقول ابن عباس هذا في الرجل يكون في الموت – أي وهو يموت – ويُوصي فربما ضار وجار في الوصية، يُمكِن أن يُحِب أن يشنأ وأن يبخس بعض الورثة حقوقهم، فيُمكِن – مثلاً – أن يُوصي بنصف التركة، والدين ماذا قال؟ في الصحيحين – حديث سعد بن أبي وقاص – الثُلث والثُلث كثير، أكثر شيئ الثُلث، لكن هو قال أنا أُريد أن أُعطي النصف أو أُريد أن أُعطي الثلاثة أرباع أو أُريد أن أحرم هؤلاء العققة المُجرِمين الذين هم كذا وكذا، فالآن لو كنت أنت سميعاً وحاضراً قل له لا يا أخي، وفِّقه – يُقال وفَّقه – وسدِّده وعِظه وانصح له، قل له يا أخي اتق الله، هذا لا يجوز، وقد صح عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – فيما أخرجه أحمد وأهل السُنن الآتي، وسياق أحمد أتم وأكمل فنكتفي به، سياق أحمد أتم وأكمل، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة حتى إذا أوصى جار في وصيته فيُختَم له بشر عمله فيدخل النار، الله أكبر! هو كان يُصلي ويحج ويعتمر وما إلى ذلك (ملحوظة) قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لأحد الحضور هذا سؤالك يا أخ مازن، أرأيت؟ سبعون سنة وهو يفعل هذا، وبعد ذلك يأتي ويُوصي فيفعل أشياء لا يرضاها الله، من عنده يفعل هذا، يُريد أن يغيظ بعض الناس فيُعطي بعض الناس أكثر مما يستحقون، قال – عليه السلام – فيُختَم له بشر عمله – وهو ماذا؟ الجور في الوصية – فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر – الأول بعمل أهل الخير، أي الصالحين، الثاني بعمل أهل الشر، هذا لفظ أحمد رحمة الله عليه – سبعين سنة فيعدل – لم يقل فيُوصي فيعدل، وإنما قال هكذا مُباشَرةً فيعدل، هكذا موجودة الرواية، قال فيعدل – في وصيته فيُختَم له بخير عمله فيدخل الجنة، وسبعون سنة وهو مُسرِف على نفسه.

فإذن ينبغي عليك أيها السامع وأيها الحاضر أن تُحذِّر هذا المُوصي الجائر المُضار، ق له اتق الله يا أخي، هذا لا يجوز، وربما يُحبِط هذا العمل عملك كله وتدخل نار جهنم، فاتق الله وما إلى ذلك، وتنظر أنت – أنت الواعظ الناصح الأمين المُوفِّق المُسدِّد – لهؤلاء كما تُحِب أن تنظر لورثتك من بعدك، أي يجب أن تنظر لهم كما تُحِب أن تنظر لورثتك، ألا يُظلَموا وألا يُضاروا، هذه هي، ومن تمام إيمان المرء أن يُحِب لإخوانه كما يُحِب لنفسه، هذا التأويل الأول وهو تأويل جيد.

يُوجَد تأويل ثانٍ عن ابن عباس عن طريق العوفي، أي عطية العوفي، وابن جرير رجَّحه، ماذا يقول هذا التأويل؟ ماذا يقول ابن عباس فيه؟ يقول هذه الآية في الذين يأكلون أموال اليتامى، والله يقول وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا ۩،  أنت تخاف على ذُريتك وعلى أولادك فلا تأكلن أموال اليتامى واتق الله واعدل فيها ولا تنتهبها ولا تأخذ منها ما ليس لك، لماذا؟ لينظر الله بعين الرحمة والعناية والكلاءة إلى مَن؟ إلى ذُرياتك من بعدك، هذا عن ابن عباس، وهذا مُتوجِّه ومُتأيِّد بما بعده: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ۩، أليس كذلك؟ وبما قبله: وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ ۩.

۞ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ۞

قال إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ۩، واضحة.

۞ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۞

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ۩، بدأنا الآن في آيات ماذا؟ المواريث، قبل أن نبدأ في آيات المواريث نقول كم آية في كتاب الله عن المواريث؟ ثلاث آيات: هذه الآية والتي تليها وآخر آية في سورة النساء، فسُبحان مَن هذا كلامه، ثلاث آيات هي نصف العلم، النبي – عليه السلام – قال الفرائض – المواريث – نصف العلم، تعلَّموها – قال – فإنها نصف العلم، قال وإني امرؤ مقبوض وإن العلم مرفوع، فتعلَّموا المواريث قبل أن تُرفَع قال النبي، علم – قال – نادر، قال الإمام سُفيان بن عُيينة – شيخ البخاري وشيخ مكة – المواريث نصف العلم، لماذا؟ لعموم بلوى الخلق أجمعين بها، كل الناس يحتاجونها، أليس كذلك؟ كلنا إما وارث وإما موروث، وفي الحقيقة كلنا وارث وموروث، فالكل يحتاج إليها، أليس كذلك؟ الكل! ولذلك كانت نصف العلم، وبالمُناسَبة علم الوراثة علم لطيف وجميل وما إلى ذلك، فهو ليس صعباً، للأسف لا أدري لماذا صعَّبه بعض الفقهاء وبعض العلماء، ليس كذلك أبداً! إذا حفظت أنت هذه الثلاث الآيات وجُملة أحاديث صحيحة وحسنة وأعملت عقلك قليلاً فسوف تجد أنه من أسهل ما يكون، هذا إن فهمت قواعد الميراث منطقياً كما لا يفعل الكثير للأسف من الكاتبين في الميراث، تجده من أسهل وأسلس العلوم، فهو مُمتاز جداً جداً، ليس صعباً العلم هذا وسوف نرى.

أولاً قبل آيات المواريث ما الذي كان سائداً وشائعاً؟ الوصية، أليس كذلك؟ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ۩ كما في سورة البقرة، لكن لما نزلت آيات المواريث ماذا قال الرسول كما رُويَ في السُنن؟ قال ألا إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، ألا لا وصية لوارث، إذا كنت من الورثة إما بالفرض وإما بالتعصيب لن يكون لك نصيب في الوصية، ممنوع! الوصية لغير الوارث، هل هذا واضح؟ فإذن آيات المواريث نسخن ماذا؟ آيات الوصية، وبقيت الوصية لغير الورثة، موجودة الوصية، لم ينسخن الوصية من أصلها وإنما نسخن أو نسخت الوصية للورثة، وبقيت الورثة لمَن؟ لغير الورثة، هل فهمنا النُقطة هذه؟ نُريد أن نرى هذه الآية الجليلة وما سبب نزولها، وأيضاً يُوجَد حديثان صحيحان مثل آية اليتامى والتعديد، وكلاهما أيضاً في البخاري، وكلاهما عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، كلاهما! فنُريد أن نرى ما القصة.

أول شيئ أخرج البخاري وبدأ به – رحمة الله عليه – في التفسير – أي أخرجه في التفسير من صحيحه – عن جابر بن عبد الله – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – أنه قال جاء رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام – يعودوني هو وأبو بكر الصدّيق في بني سلمة – لأن كما قلنا أمس جابر من بني سلمة، أليس كذلك؟ قال فينا نزلت هذه الآية: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ… ۩، في بني حارثة وبني سلمة، أليس كذلك؟ هو من بني سلمة – فوجدني لا أعقل شيئاً – أي أنه محموم ويُهلوِس وما إلى ذلك، أي أنه تعبان جداً – فدعا بوَضوءٍ –  ما هو الوَضوء؟ الماء الذي يُتوضأ به، والوُضوء هو الفعل، دائماً ما يُقال سَحور، وَضوء، غَسول، نفس الشيئ! فهو قال فدعا بوَضوء، أي ما يتوضَّأ به، بالفتح – فتوضَّأ ثم رش علىّ منه فاستفقت – ببركة وُضوء النبي طبعاً استفاق – فقلت يا رسول الله – جابر كان يظن أنه سيموت، الموقف كان صعباً – ما أفعل في مالي؟ أي بماذا تُوصيني؟ كيف أفعل؟ كيف أتصرف؟ ربما أموت، أي أصبح ولا أمسى، قال فأنزل الله – تبارك وتعالى – يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۩، احفظوا هذا الحديث وسوف نعود مرة ثانية ونُراجِعه، نُريد أن نُحاسِب فيه حساباً يسيراً، فيه مسألة هذا الحديث، وهذا الكلام ليس من عندنا وإنما قال به العلماء الكبار.

الحديث الآخر أيضاً في البخاري عن جابر بن عبد الله، أي يرويه أيضاً جابر، يقول جاءت زوج – أي زوجة أو امرأة – سعد بن الربيع إلى رسول الله، وتعرفون مَن هو سعد، تحدَّثنا عنه أول أمس، له دور في معركة أُحد، سعد بن الربيع هو أحد الأنصار، مُجاهِد شهيد في أُحد، النبي نفسه يُحِب هذا الرجل، قال مَن يذهب فينظر لي ما فعل سعد؟ أحيٌ هو أم هو في الأموات؟ أي أن النبي يُريد أن يطمئن عليه، فقال محمد بن مسلمة أنا يا رسول الله أنظر لك سعد بن الربيع، قال فذهبت أبحث عنه فوجدته وقد جُرِح وبه رمق، أي كان لا يزال يُنزَع، علماً بأننا لا نقول يَنزِع وإنما يُنزَع، الملائكة تَنزِع وهو يُنزَع، كان يُنزَع ويُحتضَر وليس يَحتضِر كما يقول للأسف حتى علماء على المنابر، بعضهم يقول يَحتضِر، لكن لا يُقال يَحتضِر، الله يَحتضِر، يطلب حضور الروح، والإنسان يُحتضَر، والإنسان يُنزَع، فهو وجده يُنزَع، به رمق، في آخر لحظاته، قال فقلت له يا سعد بن الربيع أنا محمد بن مسلمة الأنصاري أرسلني إليك رسول الله لأنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات، قال قل له أنا في الأموات، يعرف أنه سيموت، وربما رأى الملائكة طبعاً، فهذه فيها شُبهة كرامة إن شاء الله، كيف عرف أنه سيموت حتماً؟ قال قل له أنا في الأموات، قال بلِّغه عني السلام وقل له جزاك الله يا رسول الله خير ما جزى نبياً عن أُمته، قال واقرأ السلام على المُسلِمين – أي كلهم – وقل لهم يقول لكم سعد بن الربيع السلام عليكم لا يُخلَصن إلى رسول الله وفيكم عينٌ تطرف، ثم أسلم الروح، قدَّس الله سره الكريم، أرأيتم؟ مُجاهِد ما شاء الله عليه، هذا سعد بن الربيع، هل فهمتم قصته؟ سوف نرى الحديث، يقول جابر في البخاري جات زوج سعد بن الربيع إلى رسول الله وقالت يا رسول الله هاتان – لبنتين معها – ابنتا سعد بن الربيع قاتل وقُتِل معك شهيداً في أُحد وترك لهما مالاً فأخذه عمهما – عم البنتين أخذ المال واحتازه كله – ولا ينكحان إلا بمال، لماذا؟ قال بعض الرواة في روايات أُخرى لم تكونا ذواتي جمالٍ وهيئةٍ، أي مُتواضِعات الجمال، فالمرأة المسكينة الأرملة تقول لو كان هناك بعض المال لكان من المُمكِن أن يأخذهن بعض الناس من أجل المال، لكن هذا العم – عمهما أخو أبيهما – جاء وأخذ المال كله، سُبحان الله! موجود في الناس دائماً أهل الطمع وأهل الشُح وما إلى ذلك، قالت ولا تنكحان إلا بمال، أي فماذا تقول؟ قال يقضي الله ما يشاء، النبي قال هذا، انظروا إلى النبي، وقّاف عند حدود الله، ليس عنده قضاء في هذه المسائل فينتظر الوحي، يُريد أولاً أن ينتظر الوحي، قال يقضي الله ما يشاء، فلم يلبث أن أنزل الله – تبارك وتعالى – يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا۩، والآن سنشرحها إن شاء الله، فأرسل النبي إلى عمهما وقال له يا فلان أعط البنتين الثُلثين وأعط أمهما الثُمن، لماذا؟ لأن هناك أولاداً، أليس كذلك؟ هناك زوجة وهناك أولاد – سوف نرى هذا في الآية التي بعدها – ومن ثم تأخذ الزوجة الثُمن، هذا إذا كان هناك أولاد سواء بنات أو صبيان وذكور، فهناك أولاد وهم بنات هنا، وإذا لم يكن هناك أولاد ماذا تأخذ الزوجة؟ الرُبع، وعكسها الرجل، يأخذ النصف أو الرُبع، أي الضعف طبعاً، فقال أعطهما الثُلثين – ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۩، مذكورة في الآية هذه – وأعط أمهما الثُمن، وخُذ الباقي تعصيباً، لأنه عصبة، هو عصبة، أليس كذلك؟ ليس من أصحاب الفروض لأنه عم، ففعل الرجل.

الآن نُريد أن نرى المُشكِلة بين الحديثين، الحديث الأول يقول الآية نزلت على سبب مذكور، جابر قال هذا، والحديث الآخر يذكر سبباً آخر لنزول الآية، نرى أن الحديث الآخر أشبه بنزول الآية من الحديث الأول لاعتبار واضح جداً وهو أن جابر بن عبد الله لم يكن له بنات وإنما كان عنده أخوات، أنتم تعرفون قصته، كان عنده أخوات، ومثل جابر لا يُورَث إلا كلالةً، تعقدَّتم أنتم الآن، أليس كذلك؟ ما معنى كلالة؟ هذه الكلالة غلَّبت سيدنا عمر كثيراً، لكن الموضوع سهل فلا تخافوا، هذا سهل، ولذلك حاولوا، والله أنا أُحِب لكم الخير إن شاء الله، جميل جداً أن يفهم الإنسان حُكماً شرعياً كان صعباً وما إلى ذلك، جميل أن يفهمه ويكون سلساً كالماء، فهذا ليس صعباً بالمرة، نُريد أن نشرح الكلالة لُغةً وشرعاً، وسوف ترون أنها سهلة وسوف تفهمونها الآن مُباشَرةً.

الكلالة مُشتَقة من الإكليل، ألا يُقال إكليل الغار وكلَّلوه بالغار إذا انتصر أحدهم؟ الإكليل ما أحاط بالرأس من حواشيه، ليس مثل القلنسوة أو العمامة، فهذا ليس إكليلاً، ما أحاط بالرأس من حواشيه فقط هو الإكليل، أرأيتم؟ هل فهمتم؟ بدأنا نفهم، (ملحوظة) قال أحد الحضور أنها كالتاج، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم هناك تيجان – مضبوط – ليس لها قُبعة، فقد يكون كالتاج، هذا الإكليل، الإكليل مثل العصابة، هو ما أحاط بالرأس من حواشيه ولم يعل، فأُخِذ منه الكلالة، مُمتاز! ما معنى الكلام هذا؟ الإنسان نسبياً له ثلاث جنبات أو ثلاث جهات: أصل، فرع، وحواشٍ، أليس كذلك؟ أصله الأب وإن علا، أي أبوه وأمه وأجداده من الجهتين، هذه الأصول، والفروع ما هي؟ الأولاد وفروع الأولاد، هذا يُعتبَر فرعه، والحواشي ما هي؟ ما عدا ذلك، إخوانه وأعمامه وعماته وما إلى ذلك، كل هذا يُعتبَر حواشٍ، حواشيه وحواشي أبيه وحواشي أجداده وما إلى ذلك، كل هذا حواشٍ، هل فهمتم؟ فحين نقول أن إنساناً يُورَث كلالة ماذا سوف يكون المعنى؟ ما معنى أنه يُورَث كلالة؟ ليس له لا أصل ولا فرع، مَن يرثه؟ الحواشي، هل هذا واضح؟ هذه هي القصة فقط، وهذه القصة التي غلَّبت سيدنا عمر، أعني قصة الكلالة، لأن فيها اجتهاد وتسبَّبت في مشاكل كثيرة، وأبو بكر سُئل فيها قدَّس الله سره، سُئل سيدنا أبو بكر الصدّيق – صدّيق الأمة الأكبر – فقال أقول فيها بقولي، فإن يكن صواباً فمن الله والحمد لله، وإن يكن خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، الكلالة مَن لا ولد له ولا والد، هذا هو فقط، قال هذه هي الكلالة، أي الحواشي قال، يرثه الحواشي، وسُبحان الله الآية تقول هذا، تقول يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ۩، ولم يقل ليس له والد، لكنها تعني ليس له ولد ولا والد، هذا معناها، وَلَهُ أُخْتٌ ۩، أي حواشٍ، أي أخت وأخ، نفس الشيئ! إلى آخر الآية الكريمة وسوف نشرحها، هذا معناها، المُهِم سيدنا عمر وليَ الخلافة بعد أبي بكر فسُئل في الكلالة فقال أستحيأن أقول فيها برأيٍ يُخالِف رأي أبي بكر، نفس الرأي قال، رواه ابن جرير، وبهذا قال مَن؟ أيها الإخوة مَن قال بهذا أيضاً؟ قال به ابن عباس وقال به أبو موسى الأشعري وقال به ابن مسعود وقال به زيد بن ثابت وحسبك به، أكبر فرضي هذا، خُذوا الفرائض عن مَن قال؟ أفرضكم زيد، أكبر عالم في المواريث كان زيد، أليس كذلك؟ هو كان أستاذ ابن عباس في المواريث، أليس كذلك؟ كان يُعلِّمه، وخالفه في بعض الأشياء ابن عباس وقد ذكرناها ذات مرة في خُطبة، وسوف نأخذ منها اليوم مسألة، كالعمريتين مثلاً، فالمُهِم زيد بن ثابت قال به، بل قال بهذا التفسير بالكلالة الفقهاء السبعة – فقهاء المدينة السبعة – والأئمة الأربعة المتبوعون، بل وحكى غير واحد الإجماع فيه، أن الآمة قالت أجمعت أن هذه الكلالة، فأصبحت – والحمد لله – مسألة الكلالة هيّنة وبسيطة وسهلة جداً جداً، هذه الكلالة، هل هذا واضح؟ الحواشي، ليس الأصول وليس الفروع.

فجابر يُورَث كلالة أو غير كلالة؟ كلالة، ليس عنده إلا أخوات فقط، أليس كذلك؟ فالأشبه في حديث جابر أن يكون نزل بسببه آخر آية في النساء وليس هذه الآية، أليس كذلك؟ قد يكون هناك خطأ من الرواة، ولذلك نحن نأخذ بحديث البخاري الآخر، أي الثاني الذي في سعد بن الربيع أو بالأحرى في بنات سعد بن الربيع، واضح جداً هنا، تُوجَد امرأة ويُوجَد العم وتُوجَد البنات، فتأتي وتنطبق الآية تماماً، وحديث جابر الأشبه أن يكون سبباً في نزول ماذا؟ آخر آية في النساء، هل هذا واضح إن شاء الله؟

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ۩، الولد لُغةً يُطلَق على ماذا؟ على الذكر وعلى الأُنثى، انتبهوا! بدليل الآية هذه، هنا قال فِي أَوْلادِكُمْ ۩، ثم قال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ۩، هذا يعني أن الذكر ولد والأُنثى ولد، أليس كذلك؟ هذا هو.

فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۩، تُوجَد مُشكِلة هنا، مُشكِلة كبيرة جداً في التفسير، لكننا سوف نُيسِّر ونختصر، أناس قالوا فإن كن نساء اثنتين، أي هكذا هي الآية، وأين فَوْقَ ۩؟ قالوا هذه زائدة، أي فَوْقَ ۩ زائدة، كيف تكون زائدة؟ قالوا كلمة فَوْقَ ۩ هذه زائدة، سوف نشطبها ومن ثم سوف تصير ماذا؟ فإن كن نساء اثنتين فلهن ثُلثا ما ترك، لماذا؟ هل تعلمون لماذا؟ لأن هناك إجماعاً على أن البنتين – مثلاً – لهما الثُلثان، لكن الآية لم تقل بنتين، قالت فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ۩ ثلاثة وأزيد، أليس كذلك؟ أصبحت هذه مُشكِلة عندنا، صار هناك مُشكِلة بين الحديث وبين قضاء رسول الله، الرسول قضى في كم في حديث بنات سعد بنت الربيع؟ في بنتين، قال لهما الثُلثان، الآية تقول لا، إذا كانوا أكثر من اثنتين، قال الله فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ۩، فالعلماء التبس عليهم الأمر، قالوا تُوجَد مُشكِلة هنا، فقالوا فَوْقَ ۩ زائدة، وهذه طريقة من أردأ ما يكون، لا أُحِب هذه الطريقة في التفسير بالمُناسَبة، كأن يُقال هذا الحرف زائد وأن لا زائدة وأن كذا زائدة، غير جميل هذا، بالعكس! ليس في القرآن على الصحيح شيئٌ زائد، كيف يُوجَد شيئ زائد؟ كل شيئ في موضعه، لا يُوجَد حشو، لا يحشو من أجل التكثير، لا! كل شيئ في موضعه، فقالوا هذه زائدة، مثل ماذا؟ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ۩، أي فاضربوا الأعناق، أليس كذلك؟ وفرق بين فاضربوا الأعناق و فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ۩، أليس كذلك؟ لكن هم يُريدون أن يأتوا بأي مثال آخر، على كل حال – دون أن نخوض كثيراً في هذا الكلام – هذه الآية تشمل الثنتين وما فوق الثنتين وهناك دليل، إذا أردت أن تقول تشمل ما فوق الثنتين فلك ذلك، لا تُوجَد مُشكِلة، تتحدَّث عن ثلاثة فما فوق، لأنها لو أرادت أن تتحدَّث عن الثنتين فقط – هناك مَن يقول هذه زائدة وهو يقصد ثنتين – لقالت فوق اثنتين فلهما ثُلثا ما ترك، هل قال الله فلهما أو فَلَهُنَّ ۩؟ فَلَهُنَّ ۩، هذا يعني أن هنا يُوجَد جمع، لكن يُوجَد مبحث لُغوي مُعقَّد في الجمع، هل أقله اثنان أو ثلاثة؟ هذه هي! وهل يُعامَل أحياناً الاثنان مُعامَلة الجمع؟ أليس كذلك؟ الاثنان يُعامَلان مُعامَلة الجمع، يُوجَد مبحث لُغوي طويل، لكن – بحمد الله – الذي أجمعت عليه الأمة واتفقت عليه آراء الخاصة والعامة أن الثنتين لهما الثُلثان، لماذا؟ لدليلين، سنأتيكم بدليين، الدليل الأول آخر آية في النساء، ماذا قال الله؟ قال وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۩، الأخوات! إذا هناك أختان كم لهما؟ ثُلثان، من باب أولى أن يكون للبنتين الثُلثان، أليس كذلك؟ إذا الأخوات عندهم الثُلثان ألا تأخذ البنات الثُلثين؟ هذا اسمه من باب أولى، وهذا ليس قياساً، هذا اسمه قياس الأولى، فهذا لا يُعتبَر حتى قياساً أبداً، هذا في معنى النص، ولذلك حتى المُنكِرون للقياس أخذوا بهذا القياس، وهو ماذا؟ قياس الأولى كما يُسمى، فهم يأخذون به، حتى ابن حزم يأخذ به، هذا أول دليل، والدليل الثاني فعل رسول الله، فقد صح عنه أنه قضى في الثنتين بما تعرفون، وكل الصحابة قضوا بذلك، إذن انتهينا من هذه المسألة إن شاء الله. 

فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ۩، مشاكل! نُريد أن نرى الآن أحوال الأبوين، ولن نشرح الميراث بالمُناسَبة، فليس بنا الآن أن نشرح الميراث، هذا يحتاج إلى ست أو سبع ساعات لكي نشرحه – إن شاء الله – وهذا ليس كثيراً، ست أو سبع ساعات يُعتبَر قليلاً، أليس كذلك؟ أنا وعدتكم ذات مرة – إذا أحببتم – أن أشرح لكم هذا العلم – إن شاء الله – كله تقريباً في ست ساعات، وهو لا يُشرَح إلا في أشهر، بعض العلماء يحتاج إلى أشهر لكي يشرحه، لماذا؟ لأن الحمد لله منطقناه، وصلنا إلى أُسسه المنطقية، عنده أُسس منطقية غريبة جداً جداً، إذا فهمتها يُصبِح علماً سهلاً ومنطقياً، إذا لم تفهمها يُصبِح علماً مُعقَّداً جداً ومن ثم سوف تحتاج إلى حفظه حفظاً وسوف تظل تنساه، أليس كذلك؟ لكن إذا فهمت الأُسس المنطقية لن تنساه، نُريد أن نرى الآن أحوال الوالدين أيها الإخوة، أي الأب والأم، للوالدين أحوال كثيرة، سنجتزئ ببعضها، أولاً لو كان الوالدان أيها الإخوة والأخوات وحدهما كيف تكون القسمة؟ مَن منهما صاحب فرض؟ الأم طبعاً، الأم كم لها الآن؟ الثُلث، لأن لا يُوجَد أولاد، لا يُوجَد أي شيئ، فلها الثُلث، إذن يحتاز الأب الباقي تعصيباً، يأخذ الباقي، أي يأخذ الثُلثين، ماذا لو كان هناك بنت؟ بنت واحدة! كم تأخذ البنت هذه؟ النصف، يبقى أن تأخذ الأم كم؟ السُدس، ويبقى للأب كم الآن؟ السُدسان، أنا أعتقد أنه يبقى السُدسان، أنا أعتقد يبقى للأب السُدسان، واحسب أنت نصف زائد سُدس زائد سُدس على ستة، إذن سُدسان، سُدسان كما قلت في الأول، إذن يبقى للأب السُدسان، فيحتاز الباقي تعصيباً، هناك مسألة أُخرى الآن، إذا كان هناك أب وأم ومعهما زوج أو زوجة، فماذا نفعل؟ سهلة، المُهِم أن تعرف البنت كم لها وما إلى ذلك والبقية للأب، لو عندنا أب وأم ومعهما أحد الزوجين، أي أب وأم وزوج أو أب وأم وزوجة، ماذا يحدث؟ سوف نرى كيف، انتبهوا! هذه فيها خلاف فانتبهوا، أولاً سنأخذ الزوج الآن، وانتبهوا فهذه قاعدة مُهِمة في الميراث، حين نقول أب وأم وإخوة أشقاء أو إخوة كذا وكذا دائماً هذه العنونة القرابية باعتبار النظر إلى مَن؟ وبلحاظ مَن؟ الميت، لا تخربط وتقول هذا أخو الأب أو أخو الأم وما إلى ذلك وإلا سوف نخربط ولن نفهم شيئاً، دائماً المحور الذي ننسب إليه ما هو؟ ننسب إلى مَن؟ إلى الميت، حين نقول الأب نقصد أنه أبو مَن؟ أبو الميت، وكذلك حين نقول الأخ، هو أخو مَن؟ أخو الميت، وكذلك الحال مع البنت، فنحن نقصد بنت الميت، وهكذا دائماً، اللحاظ لمَن؟ للميت، هل فهمتم؟ هذا هو فقط لكي لا نُخربِط، فالآن يُقال عندنا زوج، إذن زوج مَن؟ زوج الميتة، أي الزوجة، وكذلك لو عندنا الزوجة، فهي زوجة مَن؟ زوجة الميت، أي الزوج، وهكذا! لدينا أب وأم، أب مَن؟ أب الميت، وكذلك الحال مع الأم، فهي أم الميت، وكذلك الحال مع الزوجة، فهي زوجة الميت، أليس كذلك؟ أو زوج الميتة، وهكذا! هل هذا واضح، هذا مُهِم لكي لا تخربط في هذه الحكايات وتضلك العناوين القرابية.

إذن عندنا أب وأم وزوج، كم للزوج الآن؟ بنص كتاب الله وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۩، لا يُوجَد ولد، هناك أب وأم، لم يقل الله أب وأم وإنما قال وَلَدٌ ۩، يأخذ الزوج كم؟ النصف، كم تأخذ الأم الآن؟ كم تأخذ الأم ولا يُوجَد أولاد؟ المفروض أن تأخذ الثُلث، والبقية للأب، ومن ثم سوف يكون هذا قليلاً، سوف يكون أقل من ثُلث الأم، بالضبط هو سُدس، فهنا تُوجَد مُشكِلة، الأم أخذت ضعفي الأب، لكن انتبهوا! هي أخذت ضعفي الأب وهذا مذهب الإمامية الاثني عشرية، إخواننا الشيعة الجعفرية يأخذون بهذا، وهذا مذهب مَن؟ حبر الأمة عبد الله بن عباس، قال لها ثُلث الأصل، لها الثُلث، جمهور الأمة – هذا مذهب زيد بن ثابت والجمهور – على أن لها ثُلث الباقي، انتبهوا! ليس ثُلث الأصل وإنما ثُلث الباقي، فالزوج يأخذ النصف، كم يبقى؟ نصف، نصف في ثُلث يُساوي كم؟ سُدس، فهي تأخذ السُدس، ويظل للأب الُثلث، أليس كذلك؟ يحدث العكس! لأنه أخذ الثُلث وهي أخذت السُدس، وقالوا هذا يتمشى مع قاعدة لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۩، فهو أخذ الثُلث وهي أخذت السُدس، إذن الضعفان، صحيح! هم قالوا بهذا، وهذا مذهب الجمهور، ثُلث الباقي! 

سنرى المسألة الثانية، أب وأم وزوجة، ليس هناك ولد، لا يُوجَد فرع وارث، يُوجَد أصل وارث لكن لا يُوجَد فرع وارث، فإذن كم تأخذ؟ الرُبع، لأن لا يُوجَد فرع وارث، الرُبع! الآن الأم على مذهب الأول – مذهب الإمامية الاثني عشرية ومذهب ابن عباس – تأخذ كم الآن؟ ثُلث التركة كلها، تأخذ الثُلث! أي ثُلث زائد رُبع، كم تكون البقية هنا مثلاً؟ احسبوها، سنقول خمسة على ثنتي عشرة، أليس كذلك؟ لأن الجامع المُشترَك سيكون ثنتي عشرة، فالأب يأخذ الباقي، ويكون قريباً من الأم، لكن على مذهب الجمهور ماذا سوف نُعطي الأم الآن؟ سوف نُعطيها الثُلث الباقي، الباقي كم؟ الزوجة أخذت الربع وبقيَ ثلاثة أرباع، فالباقي ثلاثة أرباع، إذن نضرب ثلاثة أرباع في ثُلث، فيكون الناتج ثلاثة على ثنتي عشرة، أي الرُبع، فيكون لها الرُبع، أليس كذلك؟ والباقي لمَن؟ يكون النصف، فيأخذ ضعفها، فتشعرون أن منطقي رأي الجمهور، أليس كذلك؟ منطقي! فدائماً يأخذ الزوج بهذه الطريقة – سُبحان الله – الضعف، لكن ابن عباس لم يكن مُقتنِعاً بالشيئ هذا، وكان يقول لزيد – أستاذه – أين وجدت في كتاب الله ثُلث الباقي؟ هل الله قال ثُلث الباقي؟ الله قال الثُّلُثُ ۩ وأنت تقول ثُلث الباقي! فقال له غير مُقتنِع أنا، ابن عباس أخذ بهذا، أي بحسب ظاهر النص، لكن زيد لم يفعل هذا وأخذ بضابط، الضابط ما هو؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۩، وكان يُطبِّقه دائماً، قال أنا أُريد أن أُطبِّقه في كل الأحوال، واضطر أن يقول بثُلث الباقي، هناك مسائل كثيرة، وهكذا فلا تشعرون أنها شيئ صعب.

قال مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۩، مَن هذا الذي يُوصي؟ الميت، الميت هذا يُوصي وصية، طبعاً هو كان يُوصي لأنه سوف يموت، مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۩، أجمعت الأمة أن الدَين يُخرَج أولاً ثم الوصية، أليس كذلك؟ أي أن الدَين مُقدَّم حُكماً على الوصية، فلِمَ أُخِّر هنا ذكراً؟ في الذكر الله لم يقل من بعد دين أو وصية يُوصي بها، لم يقل هذا الله، وهذا هو الحُكم، أي الحُكم الشرعي! الدين في الأول ثم الوصية، وهذا بالإجماع، إجماع العلماء! الله قال لا، الوصية ثم الدَين، ما المُشكِلة هنا إذن؟ كيف؟ هذا لا يُخالِف إجماع الأمة، بالعكس! لكن الله – تبارك وتعالى – خالف في الترتيب الذكري الترتيب الحُكمي لكي يجعلنا نفهم أنه يُعنى عناية شديدة جداً ومُؤكَّدة بإنفاذ الوصايا، لماذا؟ لأن الوصايا تُعطى بلا عوض، وصية! يُقال الميت عندنا وصى لأحدهم يا أخي بخمسمائة ألف، كيف يُعطيه خمسمائة ألف؟ لماذا؟ هكذا أراد، لأنه صديقه أو إنسان طيب وما إلى ذلك، خمسمائة ألف يا أخي خلاف الدَين، الدَين لابد أن يُعطوه لا محالة، الدَين مكتوب وعليه شهود فلابد من إعطائه، ليس فيه منّة، لكن الوصية فيها معنى الامتنان، أي سوف نُعطيها من غير عوض، هكذا مثل الهدية، فمن المُمكِن أن يتسامحوا في إعطائها، أي ألا يُعطوها أو يُؤخِّروها أو ربما أخذوا جُزءاً منها، لكن الله قال انتبهوا واحذروا من أن تلعبوا في الوصية، أول شيئ الوصية، وذلك في الاهتمام وليس في الحُكم، في الحُكم الدَين مُقدَّم، هل فهمتم ما السر؟ لأن الناس تتساهل فيها، لأنها تُعطى بلا عوض كالهدية ومن ثم يتساهلون فيها، الله قال لا، انتبهوا! مُهِمة جداً جداً الوصية، هذه هي، مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۩.

قال آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۩، ما معنى الآية هذه إذن؟ لماذا قال آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۩؟ لأنهم في الجاهلية – كما قلنا – كانوا يُورِّثون أنفاراً ولا يُورِّثون آخرين، الله قال لا، هذا هو الميراث وهذا هو العدل الإلهي، وأنتم لا تدرون ولا تعرفون مَن يكون نفعكم على يديه أكثر، ربما آباؤكم مرة وربما أبناؤكم، لا تعرفون، فهذا هو العدل.

۞ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ۞

قال وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ۩، أيضاً واضحة، إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ۩، هن لهن الرُبع إذا لم يكن هناك ولد، أي فرع وارث، إذا كان هناك فرع وارث فلهن الثُمن، واضحة! مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۩، أيضاً من بعد وصية أو دَين، وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً ۩، شرحناها اليوم بحمد الله وفهمنا ما الكلالة، لا فرع ولا أصل، حواشٍ، ماذا قال الله؟ أَو امْرَأَةٌ ۩، أيضاً امرأة تُورَث كلالة، وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ۩، ماذا ذكر هنا؟ الحواشي، أرأيت؟ لم يذكر إلا الحواشي في الكلالة، قال فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۩، انتبهوا الآن تُوجَد مُشكِلة، ابن مسعود كان يقول وغيره وله أخٌ أو أختٌ من أم فلكل واحدٍ منهما السُدس، فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ ۩، هناك قاعدة في الميراث احفظوها، فهي مُهِمة جداً، الإخوة والأخوات لأم لهم اعتبار خاص، يُخالِفون به بقية الورثة، نُعامِلهم مُعامَلة خاصة، أولاً من جهة النسبية والقرابة ما هي مراتب الأُخوة؟ ثلاث مراتب، أليس كذلك؟ إخوة يُسمونهم أشقاء، أليس كذلك؟ يُسمونهم أبناء أعيان، وأبناء علات، وأبناء أخياف، أولاً أبناء الأعيان هم الأشقاء، من الأب والأم أتوا، هؤلاء عندهم أحكام خاصة وهم معروفون طبعاً، ثانياً أبناء علات بمعنى أبناء ضرائر، أليس كذلك؟ الأمهات مُختلِفات والأب واحد، ثالثاً أبناء أخياف، والأخياف هي الأخلاط، الأم تكون واحدة والآباء مُتعدِّدون، أي الأزواج، فهي تزوَّجت وطُلِّقت أو زوجها مات وتزوَّجت آخر وأتت منه بأولاد وما إلى ذلك، أرأيت كيف؟ يُسمونهم ماذا؟ أبناء الأخياف، أي أنهم إخوة للأم، أبناء الأخياف هم الإخوة للأم، الأم واحدة والآباء مُتمايزون، اسمهم ماذا؟ أبناء الأخياف، فهذه الآية في أبناء الأخياف، في الإخوة لأم، لهم اعتبارات مُعيَّنة يُعتبَرون بها، أولاً خلافاً للورثة الآخرين هم يرثون مع مَن أدلوا به، والمفروض أنك إذا أدليت بأحد يحجبك، أليس كذلك؟ هل هذا مضبوط أم لا؟ أي واحد أقرب إلى الميت منك يحجبك، فهم أدلوا بمَن للميت؟ بالأم، ترث الأم وهم أيضاً يرثون، وهذا غريب! هنا قد يقول لي أحدكم كيف هذا؟ هل هذا شاذ؟ نعم شاذ، هؤلاء هم أبناء الأخياف، هكذا عندهم مُعامَلة خاصة، يرثون مع مَن أدلوا به في الميراث، ثانياً – أي الشيئ الثاني – ذكورهم وإناثهم يتساوون في الأنصباء، لا يُقال هذا نصف وهذا رُبع، لا يُمكِن! نصف الشيئ، كلهم شركاء – مثلاً – في السُدس أو شركاء في الثُلث، نُعطي مائة ثم مائة ثم مائة ثم مائة وهكذا إلى أن نستغرق السُدس أو نُعطي مائتين ثم مائتين ثم مائتين ثم مائتين وهكذا إلى أن نستغرق الثُلث، كلهم! الولد نُعطيه مائتين والبنت نُعطيها مائتين، هذا أين؟ في أبناء الأخياف، هل هذا واضح؟ أخيراً أيها الإخوة أو قبل الأخير – هناك نُقطتان – ولا يزيد نصيبهم على الثُلث، أكثر شيئ الثُلث، ليس عندهم الحق في أكثر من الثُلث، هل هذا واضح؟ هناك أُخوة آخرون – تعصيب، أليس كذلك؟ – يأخذون الباقي، لكن هؤلاء لا، أكثر شيئ الثُلث، ممنوع! ليس لهم إلا هذا، (ملحوظة) سأل أحد الحضور سؤالاً فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم طبعاً كلهم يشتركون في الثُلث فهم شركاء فيه، الله قال فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۩، شُركاء فانتبه، جيد هذا السؤال، بالنسبة حتى إلى النساء قد يقول لي أحدكم هناك رجل عنده ثلاث نساء، فهل هذه تأخذ الثُمن وهذه تأخذ الثُمن وهذه تأخذ الثُمن؟ لا، هذا خلاف للإجماع، كل الزوجات شركاء في الثُمن إذا كان هناك فرع وارث، أو كل الزوجات شركاء في الرُبع إذا لم يكن هناك فرع وارث، إذا كان هناك فرع وارث فكلهن شركاء في الثُمن، إذا لم يكن هناك فرع وارث فكلهن شركاء في الرُبع، كلهن! الأربع زوجات يأخذون الرُبع وليس كل واحدة تأخذ الرُبع، لو كل واحدة أخذت الرُبع لانتهت التركة، سوف يكون هناك أربعة أرباع وينتهي الأمر، فلا طبعاً، وكذلك في هذه المسألة كلهم شركاء في الثُلث، الله قال فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۩، كلهم وبالتساوي! خمسون وخمسون وخمسون – مثلاً – للذكر وللأنثى، كل واحد منهما نُعطيه خمسين، لا يُقال هذه تأخذ خمسة وعشرين وهو يأخذ خمسين لأنه ذكر، لا! انتبه فهذا في أبناء الأخياف، وأخيراً أبناء الأخياف لا يرثون إلا كلالةً، أرأيت؟ لا يرثون إلا كلالة، أي إذا كان هناك فرع وارث وأصل وارث لن يكون لهم أي شيئ، هل فهمتم؟ فهذه أربعة فروق تُميِّز أبناء الأخياف فاحفظوها، سهلة وتُعين على حل المسائل.

مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۩، فهمنا كيف يكون الإضرار بالوصية، وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ۩.

۞ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۞

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ۩، خير ما يُفسِّر هذه الآية الحديث الذي ذكرته لكم اليوم، أليس كذلك؟ أن الإنسان لو جار في وصيته بعد أن عمل سبعين سنة يدخل النار، أليس كذلك؟ فهذه هي، فالله يقول هذه الحدود، علماً بأن تقريباً أكثر سورة في كتاب الله تردد فيها لفظ أو مُركَّب حدود الله سورة النساء، حدود الله… حدود الله… حدود الله… حدود الله! لأن موضوع الأحوال الشخصية وخاصة النساء وما يتعلَّق بهن كله مُحدَّد بحدود إلهية ينبغي أن تُحترَم وأن تُصان وأن تُحاط، وتقريباً أيضاً هي أكثر سورة فعلاً تكرَّر فيها الاسمان الجليلان عليم حكيم، عليم حكيم…عليم حكيم…عليم حكيم! ونرى اليوم – سُبحان الله – أن أكثر التشغيب على شرع الإسلام في ماذا؟ في المسائل الشخصية، هذا الآن يحدث، أليس كذلك؟ لماذا عندها النصف؟ لماذا الرجل عنده الضعفان؟ لماذا هذا يرث؟ لماذا هذا لا يرث؟ لماذا كذا وكذا؟ لماذا الطلاق بيد الرجل؟ لماذا المرأة ليس عندها طلاق؟ كله عن المسائل هذه! الله في سورة اسمها سورة النساء أكثر شيئ تكرَّر عنه أنه عليم حكيم، يعلم وأنتم لا تعلمون، حكيم فيضع الشيئ موضعه وأنتم  لا تعرفون أن تضعوا الشيئ موضعه، لا تستطيعون أن تضعوا الهناء في موضع النقب كما يُقال، لا تعرفون! الله هو الذي يعرف ذلك، فهذا سر أنه عليم حكيم…عليم حكيم…عليم حكيم!

تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۩.

۞ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ۞

ونفس الشيئ في قوله وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ۩، واضح جداً.

۞ وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ۞

وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ۩، أي فاحبسوهن في البيوت، حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ۩.

كانت هذه الآية التي حدَّدت عقوبة المرأة التي تأتي الفاحشة – والعياذ بالله – إذا قامت عليها البيّنة العادلة، إذا كان هناك بيّنة عادلة – أربعة شهود شهدوا أنها فعلت الفاحشة – فماذا كانت عقوبتها؟ الحبس في البيت حتى تموت، لكن الله ومن طرفٍ ليس خفيٍ – من طرفٍ واضح جلي – قال لنا هذا الموضوع لن يستمر، وعدنا فماذا قال؟ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ۩، ليس سبيلاً من السجن، لا! هو سبيل بإنزال حُكم شرعي، بشرع حُكم شرعي آخر، كان ممنوعاً أن تخرج حتى تموت، في الصحيحين وغيرهما – أصحاب السُنن وغيرهم – عن عُبادة بن الصامت أنه قال – رضيَ الله عنه وأرضاه – كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذا أُنزِل عليه اربدّ وجهه وكَرِب، ثقيل! الوحي ثقيل جداً جداً على النبي، وجهه يحتقن بالدم، يصير أزرق ويميل إلى السمار من شدة الوحي، كَرِب! هناك كرب شديد طبعاً، كان يتعرَّق عليه السلام، يتفصَّد عرقاً، هذا وحي! إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ۩، قال فأُنزِل عليه يوماً، أي رأوا حالته وعرفوا أنه يُنزَّل عليه الآن قرآن، حتى إذا فُصِم عن الوحي قال قد جعل الله لهن سبيلاً، أرأيت؟ فسَّر الآية، قال قد جعل الله لهن سبيلاً، هو يفهم أن الله وعدنا بحُكم سيأتي في يوم من الأيام، فقال ها هو، جاء السبيل، ألا أُخبِركم؟ الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب – قال – جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ونفي سنة، وفي روايات تغريب سنة، المُهِم جاءنا شرع جديد الآن، أليس كذلك؟ الثيب هذا حده والبكر – أي غير المُحصَن او غير المُحصَنة – هذا حده، إذن هذه الآية منسوخة أو مُحكَمة؟ منسوخة بسورة النور وبحد الرجم الثابت بالسُنة الصحيحة المُتواتِرة، هذه هي!

۞ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ۞

وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ ۩، قال مُجاهِد نزلت في الرجلين يفعلان وكنى، خجل من أن يقول هذا الكلام، وطبعاً هذا الكلام عيب، تعرفون أنتم ما المعنى والعياذ بالله، من أقبح الذنوب، أي الرجلان مع بعضهما، قال وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا ۩، طبعاً بعض العلماء فسَّر وَاللَّذَانَ ۩ بالرجال والمرأة على التغليب، عندنا الذي والتي فقال وَاللَّذَانَ ۩ تغليباً كما يقول النُحاة، لكن ليس فيه كثير فائدة، فالآية التي قبلها واضحة وهي تتحدَّث عن النساء، فهذا هو، أي نفس الشيئ، لكن هذه قالوا فيها زيادة، فحتى الرجل لابد أن يُعاقَب، لكن الأصح أنها نزلت في الرجال والعياذ بالله، قال مُجاهِد نزلت في الرجلين يفعلان يفعلان وكنى، أي خجل من أن يحكي المعني.

وفي الحديث الذي أخرجه أصحاب السُنن قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا رأيتم مَن يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به، والعياذ بالله! ولن نتكلَّم في عقوبته وكم فيها وهل فيها تحريق وإلقاء من شاهق وما إلى ذلك أم لا لأن فيها خلاف كثير، لكن هناك القتل في النهاية، القتل والعياذ بالله، في البداية لم يكن القتل، ماذا كان؟ قال فَآذُوهُمَا ۩، قال ابن عباس الشتم والتعيير والضرب بالنعال، كأن يُقال لعنك الله يا نتن، يا وسخ، يا كذا، أي بالكلام! وكذلك بالتعيير كأن يُقال اخس عليك، أف، هل أنت رجل؟ إذن كان الشتم والتعيير والضرب بالنعال، كان هذا هو الحد، لكن قال فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا ۩، ما معنى فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا ۩؟ لا شتم ولا تعيير ولا ضرب بالنعال، انتهى الأمر فاسكت، لا تظل تتكلَّم عنه، لا تقل هذا الذي فعل كذا وهذا الذي فعل فيه كذا، ممنوع!

في الصحيحين قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ثم لا يُثرِّب عليها، انتهى الأمر، ممنوع بعد ذلك أن تقول لها يا زانية، يا بعيدة، يا كذا، يا مَن فعلتِ كذا، انتهى الأمر! جلدتها الحد يا أخي أنت وانتهى الأمر! وأنتم تعرفون أن الحدود في أرجح الأقوال وأصحها – إن شاء الله – عند أهل السُنة والجماعة جوابر، انتهى الأمر! كأن الذنب لم يُعمَل إن شاء الله تعالى، حتى من غير اشتراط التوبة، جوابر! أي الحدود جوابر، وطبعاً في نفس الوقت هي زواجر بلا شك، لكنها جوابر أيضاً، هي جوابر تُكفِّر، فالنبي قال ثم لا يُثرِّب عليها، لا تظل تشمت فيها وتُعيِّرها وتُذكِّرها بالفاحشة، انتهى الأمر، أنت جلدتها الحد، فهذا مثل هذا، والحديث في الصحيحين، إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ۩.

۞ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ۞ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۞

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ۩، فيها مبحثان، أولاً لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ۩، بعض الناس يفهم الآية على وجهها، أن الإنسان يعمل الذنب وهو يجهل أنه ذنب، وهذا التفسير موجود لكنه ضعيف، والأقوى منه عبارة قتادة بن دُعامة السدوسي عند عبد الرزّاق في المُصنَّف وهي تُشعِر بأنه إجماع الصحابة، يقول قتادة فيما أخرج عبد الرزّاق وغيره كابن جرير اجتمع أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم، علماً بأن في السلف كان يُقال كثيراً على الرسول محمد لكن مع الصلاة والسلام، هذا عادي، ليس عيباً وليس غلطاً، فيُمكِن أن تقول أصحاب محمد لكن صل وسلم لأنه رسول الله، فهو قال اجتمع أصحاب محمد، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – على أن كل ما عُصيَ به الله فهو جهالة عمداً كان أو غيره، هل فهمتم؟ إنسان اغتاب ويعرف أنه يغتاب ويفعل الحرام هو جاهل، الله قال هذا جاهل، جاهل بماذا؟ جاهل بقدر الله، جاهل بعظمة الذنب هذا، جاهل بالمذخور له من أليم العذاب والعقاب، ما هذا الجهل؟ لو كنت واعياً لما فعلته، والله قال حتى لبني إسرائيل أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ۩، أنتم تأمرون بالشيئ الخير وتفعلون العكس، وهذا يعني أن لا عقل لكم، أنتم لستم جهلة فقط بل أنتم مجانين أيضاً وهذا صحيح، أبو حامد الغزّالي يقول – وله الحق أن يقول – عمل بلا علم لا يكون وعلم بلا علم جنون، تستكثر من العلم وتأتي بالكتب وتقرأ وتتعب دون أن تُطبِّق كل هذا، فأنت يا بعيد مجنون، أنت مجنون! لماذا تتعب نفسك إذن؟ ماذا تُريد من العلم؟ بالعكس يُمكِن أن أذهب فآكل وأشرب وأنام وأرتاح وأظل إنساناً عادياً، فهذا أفضل لي من أن آخذ العلم وأتكثَّر من حُجج الله علىّ، أليس كذلك؟ لأن سوف أدخل بسببها جهنم وتندق أقتابي وأدور بها كما يدور الحمار بالرحى، وهذا حديث صحيح، أليس كذلك؟ لا تستكثرن من حُجج الله عليك، عائشة كانت تقول هذا لأحد التابعين، كان يأتي ويتعلَّم منها كثيراً فقالت له يا بُني ماذا عملت فيما علمت؟ هل الذي علَّمتك إياه كله أخذته؟ قال لا، فقالت له إذن فلا تستكثرن من حُجج الله عليك، ليست شطارة أن تأخذ العلم باستمرار دون عمل، انتبه! فعلم بلا عمل جنون وعمل بلا علم لا يكون، لا يُمكِن أن تعمل دون أن يكون عندك علم، لكن الجنون هو ألا تعمل بما تعلم، قال أبو الدرداء – الصحابي الجليل عليه الرضوان والرحمة – أخشى ما أخشاه أن يقفني بين يديه يوم القيامة ويقول لي يا عويمر لقد علمت فماذا عملت فيمت علمت؟ قال أكثر شيئ أخاف منه هذا، أكثر سؤال أخاف منه! نسأل الله أن يُعيننا على أن نعلم وعلى أن نعمل وأن يتقبَّل منا في الصالحين.

قال – تبارك وتعالى – إذن ما سمعتم وهذا هو معناها، ومثل هذا عن مُجاهِد، قال كل ما عُصي به الله فهو جهالة، أنت تعرف أن هذا حرام ومن ثم تكون جاهلاً أيضاً، ما دام عملته تكون جاهلاً، هذا معناها! إذن كل مَن عصى فهو جاهل، هذا معنى الآية، جاهل! الذي يُعصي الله جاهل، لا يقل أنا فاهم وأنا ألَّفت كُتباً وأنا كذا وكذا، أنت جاهل لأنك تعصي الله، لو كان عندك عقل لأطعت الله، أليس كذلك؟ وكيف تعرف أن عندك نصيب كبير من العقل؟ بالطاعة، إذا رأيت من نفسك أنك فعلاً ترجو الوقار لله وتُراقِب الله – عز وجل – في السر والعقل فأنت – إن شاء الله – عاقل، عندك عقل كبير وترجو لنفسك الخير، اللهم اجعلنا من العقلاء.

قال ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ۩، وهذا هو المبحث الثاني، ما معنى يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ۩؟ قال بعض السلف كل ما دون الموت فهو قريب، كيف كل ما دون الموت فهو قريب؟ كما قال النبي إن الله يقبل توبة عبدي ما لم يُغرغِر، إذا لم تصل الروح إلى الحلقوم فالتوبة تُقبَل – سُبحان الله – حتى وإن رأيت بعض الملائكة والأشياء وعرفت أنك سوف تموت، لكنك لا تزال قادراً على أن تتكلَّم، تقدر على أن تُوصي وتقدر على أن تستغفر، تُقبَل توبتك، لا إله إلا الله! هذا جيد وهو مُبشِّر ومُخيف أيضاً، مُخيف جداً الكلام هذا، لماذا إذن؟ الرب الجليل الذي يقبل التوبة في هذه اللحظة يُعلِمنا أن عذابه شديد جداً جداً جداً، هذا هو طبعاً! ولذلك هو يُريد أن يستنقذ عبده بأوهى الأسباب، يقول له حتى في اللحظة هذه تعال يا عبدي، لأن إذا لم تفعل هلكت، شيئ مُخيف، لأن جهنم وعذاب الله وسخط الله شيئ لا تتخيَّله، لذلك قال هذا لأنه رحيم، الله أرحم بنا من أنفسنا، بعض الأذكياء من آية يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۩ – ذكي جداً هذا العالم والمُفسِّر – استنبط أن الله أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، لماذا؟ قال لأن الله أوصى الوالدين في أولادهم، إذن هو أرحم بالأولاد من الوالدين، وهذا صح والله، أليس كذلك؟ الله يُوصي الوالدين، لأن فعلاً يُمكِن ألا يرد لك أبوك الخير، أليس كذلك؟ لكن الله يُريد لك الخير أكثر من أبيك ومن أمك، ولذلك يُوصيهما عليك، يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۩، فهو أرحم بك من أبيك وأمك، وهذا استنباط في مُنتهى الذكاء، رحمة الله على هذا المُفسِّر.

وفي الحديث الصحيح أن النبي – عليه السلام – رأى في إحدى الغزوات في السبايا امرأةً وقد تحلَّب ثديها، هذا يعني أنها مُرضِع، عندها طفل رضيع، وهي كالمشدوهة – المسكينة كالدهشة – تبحث عن رضيعها وثديها قد تحلَّب، الحليب ينزل منه وهي تقول أين ابني؟ حتى رأته في مكان ما فأخذته وألصقته بصدرها، النبي طبعاً رأى ذلك وتأثَّر، قال أترون هذه أكانت طارحةً أو قال مُلقيةً رضيعها هذا في النار وهي تقدر على ألا تُلقيه؟ قالوا كلا، قال فوالذي نفسي بيده لله أرحم بعباده من هذه برضيعها، الله أكبر! إلى هذه الدرجة؟ يا رب لك الحمد حمداً كثيراً، اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيئ يا رحمن يا رحيم، رحمة كبيرة! فالله يُريد أن يُعطيك فرصة للتوبة قبل أن تُغرغِر، يقول لك نحن قبلنا هذا لكن هيا ارجع، هنا قد تقول لي إذا كان الأمر كذلك فهذا جيد، نعم هذا يُخوِّف لكنه مُبشِّر أيضاً، سوف أفعل ما أُريد وإن شاء الله سوف أتوب قبل أن أُغرغِر، لكن أنت مسكين، لأن من المُمكِن – والعياذ بالله – قبل حتى أن تُغرغِر تكون كفرت، وهذا يحدث كثيراً ونراه والله العظيم! المعاصي بريد الكفر، أنت الآن تُفكِّر بهذه الطريقة وتبدأ في فعل المُحرَّمات ومن ثم يقسو القلب، كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۩، ربما تصل إلى الكفر أصلاً، فلا تُفكِّر في أن تتوب ولا تُؤمِن أصلاً بإله، يأتيك ملك الموت وفعلاً تُبعَث كافراً يا بعيد، لذلك في الآية التي بعدها ماذا قال؟ قال وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۩، أف! فهي إشارة خفية تُخوِّف، ماذا يكون معناها؟ أن السيئات طريق الكفر، أرأيتم؟ لأن قد يقول لي أحدكم معروف أن الكافر ليس له توبة فكيف الله يتحدَّث عن توبة الكافر؟ يُريد أن يُعطيك إشارة عن أن عمل السيئات والإقامة عليها إلى ساعة الموت – والعياذ بالله – قد يكون سبيلاً إلى الكفر، أرأيت؟ تُخوِّف الآية، وهذا معنى المعاصي بريد الكفر.

نختم بهذا الحديث عن سيدنا الإمام أحمد بن حنبل، قال: قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – إن الله يغفر لعبده أو قال – هذا ليس من عندي وإنما من عند الراوي – أو يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب، قالوا يا رسول الله وما وقوع الحجاب؟ أي ما معنى أن يقع الحجاب؟ كيف هذا؟ إذا لم يكن هناك حجاب سوف يقبل الله ويغفر، فما وقوع الحجاب؟ قال أن يموت المرء – والعياذ بالله – وهو مُشرِك، يأتيه الموت وهو كافر، وقع الحجاب! انتهى الأمر، لا تُوجَد توبة ولا يُوجَد أي شيئ، ضاعت التوبة وانتهى الأمر، آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ۩، لفرعون! قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩، الآن قال له؟ لا، انتهى! أنت كافر وضاعت عليك الفرصة، فهي تُخوِّف.

وعدتكم أمس أيها الإخوة أن أُحدِّثكم حديثاً قلت لكم أنه حديث جميل وعظيم وجليل،  أليس كذلك؟ ونسيت! هذا الحديث ما سر العظمة فيه؟ أن هذا الحديث اجتمع في إسناده ثلاثة من الأئمة المتبوعين، وهذا نادر، لا يكاد يُحفَظ مثله، فقد أخرجه الإمام أحمد في مُسنَده، عن مَن؟ عن شيخه وأستاذه الإمام أبي عبد الله الشافعي، والشافعي يرويه عن شيخه وأستاذه الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي، الله أكبر! ثلاثة، أرأيت؟ أحمد عن الشافعي عن مالك، وذلك عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك – الصحابي – عن أبيه  قال: قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – أرواح المُؤمِنين – انتبهوا إلى هذا – طيور خُضر تعلق من شجر الجنة حتى يرد الله – تبارك وتعالى – أرواحها إلى أجسادها يوم القيامة، الله أكبر! حديث جميل جداً وإسناده كأن عليه – سُبحان الله – من ضوء النهار نور، أحمد عن الشافعي عن مالك عن صحابي، شيئ عظيم جداً جداً، ما شاء الله! لا يُوجَد ما هو أحسن من هذا، أين البُشرى في هذا الحديث إذن؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بأن الحديث يشمل كل المُؤمِنين فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، ثم استتلى قائلاً الأمر لا يقتصر على الشهداء فقط، فحتى المُؤمِنين – إن شاء الله تعالى – عندهم الكرامة هذه، قال أرواح المُؤمِنين، لم يقل أرواح شهداء المُؤمِنين، فحتى أرواح المُؤمِنين – إن شاء الله – هي طيور خُضر تعلق من شجر الجنة حتى يرد الله هذه الأرواح إلى أجسادها يوم القيامة، فهي عندها الكرامة هذه، وما الفرق إذن بين كرامة المُؤمِنين وكرامة الشهداء؟ أرواح المُؤمِنين طيور خُضر وأرواح الشهداء حواصل طيور خُضر، يُوجَد فرق! في كل الأحاديث الصحيحة أرواح الشهداء حواصل طيور خُضر، ويبدو أن هذا – هذا في العالم الآخر وفي عالم الغيب فلا نعرف – له أثر كبير جداً جداً، طبعاً حواصل الطيور الخُضر أفضل أكيد، نحن لا نعرف ولم يُذكَر بعد هذا الفرق أنها تأوي إلى قناديل مُعلَّقة بالعرش، لكن أرواح الشهداء تأوي إلى قناديل مُعلَّقة بالعرش.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، شكر الله لكم على حُسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: