إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله عز من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ۩ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ۩ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ۩ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ۩ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ۩ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ۩ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ۩ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ۩ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ۩ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
الأسرى مُسلِمين وغير مُسلِمين بين حز الرؤوس وحرق الأبدان أحياء، وذلكم هو الإسلام وقال الله وقال رسول الله وفعل أصحاب رسول الله وأفتى شيخ الإسلام، لقد نجحتم جداً أبعد مما تتصوَّرون في قطع الطريق على طلّاب الهُدى والنور وفي تكريه العالمين وفيهم أبناء وبنات المُسلِمين في هذا الدين الرحيم، لا أدري كم وكم وكم وكم ينبغي على الصادقين الصاحين أن يعملوا ويعملوا ويعملوا لكي يُعوِّضوا ويُوازِنوا الخراب الذي أحدثتم، كم وكم وكم وكم علينا أن نعمل ونعمل ونعمل لكي نُعيد للناس بعض الثقة والاحترام والتوقير لهذا الدين.
إخواني وأخواتي:
حتى لا أُطوِّل بالمُقدِّمات والموضوع حاضر ماثل جارح ومُؤذٍ للجميع أُحِب أن أدخل مُباشَرةً مُستنجِداً بالله – تبارك وتعالى – ومُستفتياً ربي، قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ ۩ يا ربنا، يا إله العالمين ما الحكم في الأسرى؟ إذا وقع مُعتدٍ باغٍ ظالم كافراً كان أو مُسلِماً في أيدينا أسيراً أخيذاً كيف نُعامِله؟ أفتنا يا ربنا، قد أفتيتكم :
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا – في سوح الوغى والمعمعة الحمراء في ميدان المعارك وجهاً لوجه، قتال في غير جبن وفي غير غدر وفي غير فتك، والإيمان قيَّد الفتك – فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩، طبعاً لن نُعطيهم الورود والزهور، لأن بعض الحمقى والشانئين والضاغنين على الإسلام يقولون هذا دين دموي، سنعرف بعد قليل كم هو دموي وكم هي أدلته دموية، نُحِب الحق والعدل ونعشق القيم ونكره الغباوة والجهالة – إي والله – من أبنائنا ومن غير أبنائنا على حد ما قال أحمد أبو الطيب المُتنبي:
وَما التّيهُ طبّي فيهِمِ غَيرَ أنّني بَغيضٌ إليّ الجاهِلُ المُتَعَاقِل.
أن يأتي جاهل ويتظارف ويتعاقل هذا بغيض إلى النفوس الحُرة الأبية والعقول الضخمة المُتفتِّحة الخيّرة، الله يتحدَّث هنا عن قتال، لا يتحدَّث عن فتك واغتيال وغدر، هذا ميدان معركة، والقتال قرآناً لا يكون إلا رداً لعدوان وكفاً لبأس المُعتدين،
قال الله عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۩ لأنهم هم الذين يُواجِهوننا بالعدوان وبأسهم شديد، الله يقول علينا أن نرد ويأمر خيرته من خلقه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن يُقاتِل في سبيل الله وأن يُحرِّض المُؤمِنين على القتال، قال الله وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۩، إذن مَن هو البادئ؟ هم، قال الله وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ ۩، هم الذين يُقاتِلوننا، قال الله وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۩، هم الذين أخرجونا، قال الله وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، واضح بيّن مُباشِر القرآن الكريم، الآن إذا وقعت المعركة وحق القتال ماذا يفعل الجندي المُسلِم؟ يقولون شرع دموي فيه ضرب الرقاب، لا والله فيه تقديم الزهور، ما هذه الغباوة؟ كفى غباوة، كفى جهلاً، وكأن الرقاب لا تُضرَب بالملايين حتى في القرن العشرين وبالألوف في القرن الحادي والعشرين، وكانت تُضرَب بالملايين في القرون السابقة ظلماً وعدواناً، لكن حين يُؤذَن لمحمد وأصحاب محمد أن يدفعوا عن أنفسهم وأن يقتلوا مَن جاء يقتلهم يُقال دموي، كفى غباوة، وكفى في المُقابِل إرهاباً، نكره الغباوة والظلم والحيف، لقد رأينا بعض هؤلاء المُتطرِّفين يذرف الدموع السخان على مَن؟ على أبي جهل، يقول ولا أُسميه أبا جهل، هو أبو الحكم، اغتاظ جداً لأن أبا جهل قُتِل في بدر وقُطِعت رأسه، قطعها ابن مسعود الذي قطع أبو جهل أذنه قبل ذلك، أبو جهل الذي قتل امرأةً مُسنِة – طاعنة في السن – مُؤمِّنة موحدة، ضربها في فرجها بحربته، أبو جهل أصبح عنوان الحكمة، تُذرَف عليه الدموع السخان ويُقال لك تنوير وسماحة، عرفناكم وهذا لن يزيدنا – والله الذي لا إله إلا هو – إلا محبةً في نبينا وتوقيراً لشرع ربنا، علمنا أننا إذا كان أعداؤنا بهذا المنطق وبهذا الحقد وبهذا الكره فإن ديننا لابد أن يكون حقاً بإذن الله تبارك وتعالى، لأن الحق لا يُجامِع الباطل وهذا باطل بيّن، قال الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ۩، تعلمون مَن الذي قال هذه الكلمة لكي يتباكى علي أبي الحكم؟ رجل مُتنصِّر، عربي مُسلِم أصبح نصرانياً، يُهاجِم الإسلام ليل نهار، أحسنت ما شئت وما شئنا وما شاء الحق بفضل الله، لقد أبديت عن عورتك وسوءتك، عرفنا حقيقتك، مُجرَّد ناقم حاقد حقداً أسود على الإسلام، لن تضيرنا، طبعاً تجد النجدة أنت وتجد اللهفة في داعش وأمثال داعش وتعقد حولهم الحلقات وتقول هذا هو الإسلام، أنا أقول لك لو كنت تتوفَّر على الحد الأدنى من الإنصاف لرأيت أن مُعظَم هذه الأمة تلعن ما تفعله داعش وما تأتيه داعش، تقشعر أبدان الأمة مما تأتيه داعش بفضل الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأن هذا المغناطيس لا يجذب إلا أمثالهم، أنت ترى ما يفعلون ويقشعر بدنك وتلعن الجريمة والمُجرِمين، لا يُمكِن أن تذهب، لكن الذي يهش ويبش ويفرح ويلتحق بهم هو مثلهم تماماً، يُعاني من خلال في نفسيته وفي عقليته وفي مزاجه، وهؤلاء قلة في أمة تعد قريباً من ملياري نسمة بفضل الله تبارك وتعالى، لسنا دواعش، لسنا قتلة، لسنا دمويين، الآن سأُوضِّح لكم مَن هو الدموي، حسبنا الله ونعم الوكيل، القلب ملآن، القلب – والله – طافح، يُقال محمد دموي، والله يا رسول الله لقد ظلموك، والذي أرسلك بالحق إنك لمظلوم، ولقد ظلموك ويُمعِنون لا يزالون في ظلمك، ومعاتيه أمتك يُعينونهم على ذلك، معاتيه هذه الأمة يُعينونهم على تثبيت هذه التُهمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الله يقول إذا دارت المعركة فإنها تكون ضرورةً، لأنه لا معدى ولا مناص ولا محيد ولابد منها لكي ندفع عن أنفسنا، مكة تركها لكهم، أخرجتموه وصحبه بعد أن قتلتم مَن قتلتم وعذَّبتم مَن عذبتم وأرهقتم مَن أرهقتم، تركها لكم ولكنكم لم تتركوه، أبيتم إلا أن تستئصلوه في مدينته، وكم وكم تحزبتم عليه، ماذا يفعل؟ لن يكون فاشلاً، بنى أمة وبنى حضارة وشقَّ مُنعطَفاً جديداً للتاريخ وغيَّر مسار العالم، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وسيبقى محمدٌ هو محمداً عليه الصلاة وأفضل السلام، خاتم الأنبياء والمُرسَلين، المُهيمن والمُصدِّق لهم في رسالتهم والمُعلِّم لأمته توقيرهم واحترامهم، وليس الكفر بهم ونبذهم ولعنهم كما يفعلون هم، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ ۩ وأي الفريقين بالحق؟ نسأل الله أن يُتم علينا عقولنا ويفتح قلوبنا بالحق وأن يشرح صدورنا به، قال الله فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا – في المعركة – فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩،هل تعرفون ماذا قال المُفسِّرون الذين وعوا هذه الآية ومن السهل وعيها من أقرب طريق وأقصره؟ قالوا أمر الله – تبارك وتعالى – بأن يُجهَز عليهم من أسرع طريق بأسهل طريق، لأن أسهل طريق يقتل به الإنسان دون أن يُمثَّل به ودون أن يُعذَّب هي أن تضرب عنقه في معركة، هو يُريد أن يقتلك، يا سيدي ماذا فعلوا هم بقتلانا في أُحد؟ ماذا فعلوا في قتلى المُسلِمين في أحد؟ هل تعلم؟ لم يبق شهيد من شهداء الأنصار وهم الكثُر وشهداء المُهاجِرين إلا مُثِّل به، ليس فقط حمزة وإنما كل شهداء المُسلِمين، لذلك امتلأت قلوب المُسلِمين وامتلأ قلب الرسول حين رأى عمه حمزة أسد الله – عليه سلام الله – وقد فُعِل به ما فُعِل، جُدِّعَ وصُلِم وبُقِر بطنه وأُخرِج كبده وليك منه شيئٌ ثم لُفِظ، بكى النبي وحزن حزناً عظيماً، وهكذا فُعِل بسائر شهداء المُسلِمين في أُحد إلا عبد الله بن حنظلة الغسيل، لأن أباه أبا عامر الراهب كان مع أبي سفيان، الوحيد الذي لم يُمثَّل به وأنتم تفهمون هذا، وأقسم النبي لإن أمكنه الله منهم ليُمثِّلن بسبعين منهم لقاء ما فعلوا بحمزة عليه السلام، فأنزل الله – وهذا يُؤكِّد أن هذا القرآن ليس من عند محمد، هذا قسمٌ أجراه محمد على لسانه فليبر به، لكن الله يقول له لا، الأمر ليس على قد هواك، ليس على قد غضبك، أنت غضبت الآن وامتلأ قلبك غيظ لكن المسألة مسألة عدل وحق – وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ ۩، ولم يكتف بهذا الرحمن الرحيم – أرحم الراحمين لا إله إلا هو – بل قال هذا الإله الدموي وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ۩ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ۩، الله أكبر، الله أكبر، بعد أن فعلوا كل ما فعلوا بنا يا ربنا؟ هذا قرآننا، هذا نبينا، هذا شرعنا، ولو على سبيل المُقابَلة قال وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ ۩، ولذلك يوم فتح بعد بضع سنين مكة – شرَّفها الله وزادها مهابةً وبراً – قال قائلٌ من أصحابه لا قريش بعد اليوم، ستفنى قريش، لن ننسى ما فعلت بنا قريش، هذا رجل حرَّكه الغيظ والحقد وشيئ من العدل، هو يُريد العدل، أن ننتقم ممن فعلوا بنا عبر عشر سنين تقريباً كل ما فعلوا، ثماني سنوات وثلاث عشرة سنة في مكة، كم؟ إحدى وعشرين سنة، في إحدى وعشرين سنة فعلوا بنا كل ما عُلِم وقُيِّد وزُبِر، فقال النبي كفوا عن قريش، لا يُقتَلن أحد من قريش إلا أربعة، والأربعة إذن ليسوا أسرى، يقولون محمد قتل الأسرى، كذب إذا استشهدت بهذه الواقعة، هؤلاء ليسوا أسرى، هؤلاء مُجرِمو حرب مطلبو للعدالة، واذهب وحقِّق الأسانيد في الأول ثم حقِّق المعنى والمتون إن كنت من أصحاب الفقاهة كما تدّعي يا صاحب الأزعومات، إذن قال الله فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩.
دريد بن الصمة كيف أوصى أن يُقتَل؟ كيف أوصى الفارس الجاهلي العملاق الضخم والقوي؟ قال ضربة ها هنا تحت الدماغ وفوق العظم، هذه أسهل ضربة وأسهل ميتة، الله يقول للجندي المُسلِم وللصحابي المُحمَّدي في ميدان المعركة تقتل عدوك أسهل قتلة، لا تمثِّل، لا تعذِّب، لا تبقر، لا تجدع، لا تصلم، ولذلك في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – قال عليه الصلاة وأفضل السلام إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإن – قال فإن لأن هذا يحدث قليلاً، الحمد لله السلام هو الأصل ولم يقل فإذا – قتلتم – كما في رواية – فإحسنوا القِتلة، وإذا – لأن يكثر الذبح مثل ذبح الجِداء والدجاج والشياه والنوق والجمال قال وإذا – ذبحتم فإحسنوا الذِبحة وليُحِد أحدكم شفرته وليُرِح ذبيحته، إذن قال النبي القِتلة، والقِتلة هي الهيئة أو الكيفية، أي صورة القتل، كيف يكون؟ النبي قال نحن أمة الإحسان، قال الله مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۩، الإنسان إذا استوفى الإحسان أبرأ الذمة وأعلى الرتبة – بإذن الله – وبيَّض الصحيفة وأحسن العاقبة، قال الله مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۩، إن الله كتب الإحسان على كل شيئ، فإن قتلتم – قتلتم مَن؟ الذي يستحق القتل بسبب شرعي، كهذا الذي جاء يستئصلكم ويُهتِّك أعراضكم ويسفك دماءكم، هذا العادي الباغي المُشرِك الوثني وقع في يدي وأمكن الله منه وأظفر به فماذا أفعل؟ النبي يقول تقتله أحسن قِتلة – فأحسِنوا القِتلة، ولذلك روى أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن مسعود – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – أن قال عليه الصلاة وأفضل السلام أعف الناس قِتلة أهل الإيمان، يا الله يا رسول الله، قال أعف الناس قِتلة، حين ينبغي أن نقتل نقتل مَن يستحق القتل، هذا العادي الباغي الواغل الظالم والمُجرِم كيف نقتله؟ يقول النبي أحسن قِتلة، أسرع قِتلة وأنظف قِتلة، ثم بعد ذلك تدفنه ولا تُمثِّل به، لا تتركه للعوافي، وقد فعل – هو بأبي هو وأمي، روحي وأرواح العالمين له الفدى – هذا بقتلى بدر، أمر بأن يُقبَروا في القليب، أمر بأن يُدفَنوا وبأن يُلقَوا أو تُلقى أجداثهم في القليب، النبي يفعل هذا، لم يتركهم للعوافي، لم يُمثِّل بهم كما سيفعل أبو سفيان وحزبه في أحد مما قصصت عليكم قُبيل قليل، أعف الناس قتلى أهل الإيمان، المُؤمِن رحيم، كما قلت لكم المُؤمن يُريد فقط أن يدفع الشر، فإذا اندفع انتهى كل شيئ، ليس عنه رغبة في الانتقام، الله هو المُنتقِم، نحن فقط نُطبِّق أمر الله وحد الله، ندرأ عن أنفسنا الشر والضر فقط، وهذا بالطريقة الشرعية وهي طريقة الإحسان والرحمة، احفظوا هذا وناظروا به، ردوا به على الكذّابين الأفّاكين وعى الحاقدين الضاغنين وأيضاً على المُجرِمين الإرهابيين، كما يُسيء هؤلاء للإسلام يُسيء – والله – هؤلاء وربما بطريقة أبشع والعياذ بالله، في نهاية المطاف سيُقال هذا عدوٌ للإسلام، هذا شانىء للإسلام، هذا كافر بالإسلام، كفر بربه وكتابه ودينه ومحمده، لكن ماذا عنك أنت؟ أنت مُسلِم، أنت من أهل الإسلام، كيف تفعل ما تفعل؟ كيف تقول ما تقول ثم لا تُبالي بالةً ما كان وما سيكون من مصير الإسلام؟ سوَّدتم وجه الإسلام في العالمين، لكنهم لا يبالون، هذا لا يهمهم، يهمهم فقط أن يقولوا شفاءٌ للصدور، هذا كذب على القرآن، أُشهِد الله أنه كذب، الله يقول قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ۩ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۩، هذا هو شفاء الصدور، في القتال وفي المعركة، ليس في حرق الأسرى، ليس في حز رقاب الأسرى، كيف تقول شفاءٌ للصدور وتكذب على كتاب الله؟ هل رأيتم كيف هذا؟ دقِّقوا معي في كل ما أقول يا إخواني، هل رأيتم كيف يتم تزييف وعى أبنائنا؟ هل رأيتم كيف يتم تزييف وعى هذه الأمة؟ يتم هذا باستدعاء الكتاب في غير مكانه – غلطاً يُستدعى – وبالاستنجاد بالسُنة على غير وجهها – غلطاً يُستنجد بها – وبتقديس أقوال العلماء من صحابة فمَن دونهم وليسوا بالمُقدَّسين وليسوا حُجة على الكتاب والسُنة، ما رأيكم؟ وهذا إن ثبت عنهم ما يُنسَب إليهم من أنهم فعلوا وفعلوا وفعلوا مما سيأتيكم في باقي الخُطبة بإذن الله تبارك وتعالى، وسأُبرهِن لكم أنه لم يثبت عنهم بل هو مكذوب عليهم، بالأسانيد مكذوب عليهم، لكن الغرض مرض، فلا جرم بهذا العته وبهذا الجهل وبهذا التسرع وبهذا الانفلات أن صار دين الرحمة دين الجحمة ودين النقمة دين الكراهية، صار ويصير وهو الآن في هذه الصيرورة والعياذ بالله، نسأل الله السلامة، اللهم سلِّم، اللهم لطفك، اللهم رحمتك بنا وبدينك يا رب العالمين.
إذن قال الله فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ – انهزموا وكثر فيهم القتل والجراحات، الآن يبدأون يستأسرون للمُسِلمين ويُسلِّمون – فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ۩، أي خذوهم أسرى، وقد حسبنا واحسبوا معنا ضحايا كل حروب محمد بن عبد الله، الرسول الدموي القتّال الذبّاح الذي أدار المجازر على رؤوس أعدائه من اليهود والوثنيين والمُشرِكين، في أعلى تقدير وصلوا إلى ألف واثنين وعشرين من المُشرِكين وأقل من ثلاثمائة من المُسلِمين، هذا أعلى تقدير، وأنا أقول لكم هذا التقدير أنا شخصياً أطعن فيه، لأن لي بحثاً وتحقيقاً مسهباً طويلاً في ساعات طويلة حول مجزرة بني قُريظة أثبت فيه والفضل لله والمنة بأن هذا لم يحدث، لم يُقتل سبعمائة ولا ستمائة ولا ربعمائة، لعله لم يقتل من قُريظة إلا عشرة أو عشرين، عودوا إلى التحقيق في هذه المسألة، فإذا أسقطنا ستمائة كم يبقى؟ أنا أقول لكم التقدير المُتوسِّط الذي تُؤيِّده الأدلة ويمكن التشكيك أيضاً في بعض ما هنالك يقول أن الكفار مع المُسلِمين من ضحايا الحروب النبوية – كم هي؟ ثماني وعشرون غزوة وثماني وثلاثون سارية فقط، أي أكثر من ستين معركة تقريباً، من ستين معركة – كانوا أقل من خمسمائة، كل الضحايا أقل من خمسمائة، ونسبة الضحايا إلى الجيش واحد ونصف في المائة فقط، اليوم في التدريب العسكري يُسمَح بسقوط واحد في المائة وأكثر من هذا، افهموا وقولوا هذا لأكبر مُستشرِق ولأكبر حاقد، وقولوا له الكتب بيينا وبينك، اذهب واعبث وفتِّش ونقِّر وخرِّق في كل الكتب – الصحيح والضعيف – ولن تجد أكثر من هذا، لن تجد أكثر من ألف وأربعمائة من ضحايا حروب النبي التي بلغتت ثلاثة وستين حرباً، ويقولون عكس هذا وهو كذب لم يحدث، أبو بكر لم يُحرِّق الناس، هذا كذب، وهنا قد تقول لي كيف؟ سوف ترى اليوم، وهذا لا يُقال لأول مرة بل أن من أول يوم تحدَّثوا فيه عن الروايات والأسانيد قال العلماء هذا كذب، لكن الجهلة يُصدِّقون الكذب، عار على وعّاظنا وعار على مَن ملأوا المنابر صريخاً وصياحاً وتمزيقاً لأثوابهم أن يتلوا على مسامع الناس الأكاذيب والموضوعات بإسم أن هذه الجندية الإسلامية والقوة في ذات الله، يقولون أبو بكر حرّق المُرتَدين وما إلى ذلك، يا أخي ما هذا؟ يا رجل أساءت إلى دينك وأساءت إلى صدّيق الأمة وأساءت إلى نبيك بهذا الغباء، هو يفرح بهذا لأنه يظن أننا نكون أمة قوية حين نُحرِّق الأعداء، تباً لك يا رجل يا جاهل، فطبعاً تزيَّفت عقول أبنائنا وسُمِّمنا، نحن حُقِنا بالسم عبر ستين وسبعين سنة، نحن نُحقَن بالأكاذيب، لا يُوجَد تحقيق علمي، وهذا عيب وحرام، وكان المفروض هذا المنبر ألا يُقال عليه إلا شيئٌ مُحقَّق، طبعاُ الإنسان ليس معصوماً وحين يقع الخطأ يكون هذا الخطأ في صالح رحمانية الإسلام وفي صالح روحانية الإسلام وليس في صالح جحيمية الإسلام، هذا غلط، الذي يُريد أن يغلط يغلط لصالح ما يُؤكِّد روح الدين وليس لصالح ما يُناقِض روح الدين، كيف أُصدِّقك؟ ولماذا أُصدِّقك، يُوجَد عندك خلل منهجي واضح.
نعود إلى الآية، قال الله فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ۩، خذوا هؤلاء المقاتلين العادين أسرى، وبعد أن نأخذهم أسرى ماذا نفعل؟ هل قال تقتل أو تستعبد أو تمن أو تفادي؟ لم يقل هذا، كيف نزيد على الله؟ كيف نجرأ على أن نزيد على الله؟ الله لم يقل هذا، قال لي ماذا قال الله؟ ماذا قال الله – تبارك وتعالى – في سورة محمد التي اسمها سورة القتال؟ قالوا هذا دين قتال، ما أحلى هذا التقال، يا ليت القتال في العالمين يكون هكذا، أرأيتم كيف يُراهِنون على جهلنا بالتاريخ؟ طبعاً يُراهِن على أنك مُسلِماً كنت أو غير مُسلِم لا تفقه شيئاً إلا المشهد الذي تعرضه عليك الـ CNN, BBC والعربية والجزيرة عن داعش، يُقال لك هذا الإسلام، ما هذا الإسلام؟ ما هذا الدين؟ ما هذا؟ هذه لحظة ملعونة في حياة الأمة، نحن نقول لحظة ملعونة، وطبعاً أعظم من يُلعَن بها مَن؟ المُسلِمون، أعظم من يُعاني ويلات هذه اللحظة مَن؟ المُسلِمون والإسلام بعد ذلك صورة وصيتاً وسمعةً في العالمين، نُريد الانصاف، نُريد العدل على كلا الجبهتين، ودائماً نُريد العدل ولا نُريد غير العدل ولا أقل من العدل ، اسمعوا كتاب الله العجيب، قال الله فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ۩، الله أكبر، هل هذا فقط يا رب ما نفعله بالأسير المُشرِك الكافر الذي جاء يستئصلنا ويستبيحنا؟ بعد أن نأسره إما أن نمن عليه لوجه الله مجاناً وإما أن نفادي، يدفع فدية ويُترَك أيضاً، هل يُمكِن أن نستعبده؟ قال لك لا يُمكِن، هل يُمكِن أن نقتله؟ قال لك لا يُمكِن، يا ربي، طبعاً سيقول لك فريق من الناس قال السادة العلماء آية محمد – آية سورة القتال – منسوخة بآية السيف، منسوخة بقول الله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۩، أو منسوخة كما قال قتادة بقول الله فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ ۩ وذلك في الأنفال، لكن هذا غير صحيح، اسمعوا الجواب من ناحيتين ودقِّقوا معي، نريد العلم ونُريد التحقيق ونُريد الفهم، كفى للجهل، الجهل كلَّفنا الكثير، الجهل وقصة ما قل ودل وهذا الهبل الذي نحن فيه كلَّفنا – والله العظيم – الكثير، ما قل ودل وجهلك كلَّفك أن يذهب ابنك مع داعش وتفقده ويموت هناك ويشوِّه سمعة الدين والنبي، افهم وخُذ الأمر بجد حاول أن تفهم قليلاً أولاً، في المُقابِل هناك مَن قال الآية محكمة وهي الناسخة لقول الله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۩ وليس العكس، لكنهم عكسوا القضية وعكسوا الآية، قالوا هذه الناسخة وتلك المنسوخة، مَن قال بهذ؟ ابن عباس، قال ابن عباس نسخ قول الله تعالى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ۩ قوله سبحانه فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۩، ما رأيكم؟ آية المنّ نسخت آية القتل، قد يقول لي أحدكم وهل أنت مع هذا الرأي؟ لا، لكني رأيي سأقوله فيما بعد، فأنا ضد النسخ، لا يُوجَد نسخ بالمرة، لا أؤمِن بهذه الأساطير كلها، لا يُوجَد نسخ أصلاً، وسوف ترون أنه لا معنى للقول بالنسخ هنا، القول بالنسخ هنا لا معنى له ولن أصفه بأكثر من هذا، الآن سيأتيكم هذا، وممن قال بهذا الضحّاك وعطاء والحسن البصري والإمام الثوري وجماعة، قالوا هذه الآية هي التي نسخت آية التوبة، وهو ظاهر ما يُنسَب إلى عبد الله بن عمر حين دفع إليه الفاسق المُبير الحجّاج بن يوسف رجلاً أسيراً وأمره بأن يضرب عنقه، قال ما هكذا أمرنا الله أن نفعل بالأسارى، قال له كيف أقتل أسير؟ كيف؟ أنا لا أقتله، قال الله تعالى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ۩، هذا أيام الحجّاج، ظاهر هذه الرواية أن مُعتقَد ابن عمر أن آية المن نسخت الآية المدعوة بآية السيف، آية فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۩، قال ما هكذا أمرنا الله، الأسير لا يُقتّل لأن الله – تبارك وتعالى – قال في كتابه في صفة الأبرار – اللهم اجعلنا منهم ومن المُقرَّبين – وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۩ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ۩، قالوا لك دين دم، الله أكبر، ثبِّت علينا الإيمان يا الله، حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وزِده تزيينا لأنه والله مُزيَّن في قلوبنا، نعلم ما عندنا بفضل الله، لسنا جهلة فنعلم نفاسته ولسنا حمقى لنتعلَّم من المُجرِمين، داعش ليسوا أئمتنا، ولا أئمة داعش أئمة لنا ولا كان لهم يوماً أي إمام أصلاً، قولوا لي مَن هو إمام داعش وأمثال داعش، هل لهم إمام يُشار إليه بالبنان إنه علامة لا يشق له غبار ولا يطار له في مطار؟ هذا غير موجود، هذا كلام فارغ، والآن سفهمون حظهم من العلم – ما شاء الله – وسنُفنِّد فتواهمدليلاً دليلاً، وارجعوا وتحققوا بأنفسكم، قال الإمام عبد الملك بن جريج – رحمة الله تعالى عليه – ما كان الأسرى على عهد رسول الله إلا من المُشرِكين، كل الأسرى الذين وقعوا في يد رسول الله كانوا من المُشرِكين، وتتحدَّث عنهم الآية، قال أبو عبيد القاسم بن سلام – الإمام الجليل رحمة الله تعالى عليه – فأرى أن الله – تبارك وتعالى – قد أثنى على من أحسن إلى أسير المُشرِكين، هل فهمتم؟ قال إذن أنا أفهم من كتاب الله أن قوله وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۩ يدل على أنه يُثني ويشكر سعي مَن أحسن إلى الأسير المُشرِك، ليس الأسير المُسلِم المُوحِّد وإنما المُشرِك، هذا دين الله، وستأتيكم الأدلة الآن كثيرة على هذا، إذن هؤلاء قالوا بأن هذه الآية مُحكَمة وهي ناسخة لآية فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ۩.
الرأي الذي أذهب إليه وأرتاح إليه كما تعلمون أنني أنُكِر النسخ أصلاً، ليس في كتاب الله ناسخ ومنسوخ، كله مُحكَم مفصل بفضل الله، أوله وآخره، هل تعلمون لماذا أنه لا معنى للقول بالتناسخ بين الآيتين؟ أنا سأقول لكم بالمثال فقط، إذا قيل لك اذهب وقاتل مَن يُقاتِلك واقتله في المعركة، فهذا يكون عدلاً، كل الشرائع الدولية تضمن لنا هذا الحق، أي أن نُقاتِل مَن يُقاتِلنا، وإذا قيل لك في مقام آخر اذهب وقاتل مَن يقاتلك واقتله في المعركة وإذا تمكَّنت من إساره فأسره، فإذا أخذته وأسرته إما مننت وإما فاديته، هل يُوجَد تناقض؟ هل ثمة تناقض بين المقامين؟ أبداً، المقام الأول محتوى في المقام الثاني، لكن في المقام الثاني ماذا؟ زيادة، هذا هو الصحيح، هل فهمتم كيف؟ نسأل الله أن يعطينا المنطق السليم Common sense، فكِّروا بعقل واضح شفاف، آيات فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۩ مُحكَمة، تأمرنا بقتل مُشرِكين ومعلوم من أسباب النزول والسياقات كلها من هم هؤلاء المُشرِكون، هم الذين غدروا ونقضوا العهود وأبوا إلا استئصال شأفة الإسلام وبيضته، وهذا من باب الرد على العدوان، إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، لا أمس ولا اليوم وإلى يوم الدين، وهذه علة غير قابلة للنسخ، لن يُحِب الله أبداً المُعتدين لأن العدوان ظلم والله لا يحب الظلم وحرَّمه على نفسه وحرَّمه علينا، هذا لا ينسخ، هذا غير قابل أن يُنسخ فافهموا، وهو جميل جداً، فالله يقول لنا اقتلوا هؤلاء الذين يُقاتِلونكم، في آية محمد يقول اقتلوهم وأثخنوا فيهم أيضاً لكن إذا أسرتم منهم فهذا حكم الأسارى، إما المن وإما الفداء، أين النسخ؟ أُريد أن أفهم أين النسخ؟ وهذا الصحيح وهو ليس قولي وحدي، هذا قول طائفة من المُحقِّقين، نظروا في الآيات وقالوا لا معنى للتناسخ بينها، هذه على إحكامها وهذه على إحكامها.
الآن نُنوِّر المقام يا أحبتي في الله – إخواني وأخواتي – بأفعال المُصطفى المُحمَّد، قال الله بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، وقال أيضاً رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩، عليه الصلاة وأفضل السلام، كيف عامل الأسرى؟ مُذ كنا صغاراً روّينا وتُليَ علي مسامعنا وتحفَّظنا أنه منّ على جماعة من أسرى بدر بلا مُقابل كالمُطلِب بن حنطب وصيفي بن أبي رفاعة وأبي عزة الجمحي الشاعر، بلا مُقابِل قال لهم اذهبوا، قال أرسلوهم وعفا عنهم، وهذا كان أولاً، ثانياً روّينا وتُليَ علي مسامعنا وتحفَّظنا أنه فادى بجماعات منهم، والعجيب أنه جعل فدية كل واحد بحسب مقدرته ومقدرة أهله، انظروا إلى الرحمة، لم يقل الفدية عندي مائة أوقية فإما الفدية أو ضرب الأعناق، لم يقل هذا، إذا كان أهله يقدرون على دفع مائة فليدفعوا، إذا كان يقدروا على دفع مائتين فليدفعوا، إذا كان يقدروا على دفع أربعين فليدفعوا، انظروا إلى الرحمة، وسوف نفهم لماذا، والآن بدأنا نفهم لماذا ضحايا حروب الرسول قليلة، لماذا لا يُوجَد عشرات الألوف من القتلى؟ لماذا كان العدد قليلاً جداً جداً جداً؟ لا يُحِب الدماء ولا يُحِب الأسر، يُحِب العفو والفكاك، دائماً ما يقول فك واعف، وبعد ذلك عامل طائفة ثالثة منهم بأنه يُحرِّرهم ويرسلهم إذا علَّموا انباء الأنصار – والمقصود أبناء المُسلِمين عموماً لكن هكذا أتت الرواية – الكتابة والقراءة، انظروا إلى النبي العجيب، صلى الله عليه وسلم، لا يُقضى من رحمته العجب ولا من تمدينه ونزعته العمرانية التحضيرية التنموية، تنمية بشرية يفعل، محمو أمية يقول، دائماً ما يقول اعفوا عن الأسرى، أي أنه حوَّل الحرب ونتائج الحرب إلى نعمة على الأمة ونعمة على الناس والله، لأن حتى الأمة المُتعلِّمة بعد ذلك حين تخوض حربها تخوضها بأخلاقية وبقيمية، ليس بهمجية وبوحشية وبتحريق وحز، شيخ رأيناه في اليوتيوب YouTube يُعلِّم من كتاب – أي كتاب شيطاني تقرأ؟ – وغيَّر معنى قول الله فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩، انظر إلى قول الله فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩ وقد فسَّره النبي، قال أحسنوا القِتلة، أي ضربة سريعة، لكن هذا الشيخ يقول أن المعنى ليس قطع الرأس وإنما أن تأتي بالسيف وتحزه حزاً، ثم قال أححح، ما هذا؟ والله العظيم شمَّت بنا العالمين، أخذها غير المُسلِمين وقالوا هؤلاء مشائخ المُسلِمين، شيخ بلحية ويُعلِّم، يقول أححح وكان مُتجلياً ومُنتشياً، أنت سادي Sadist مُجرِم، واضح أنك شخص سادي تحتاج إلى علاج نفسي فاذهب وتعالج، المسلم الحق والله يا أخي – أُقسِم بالله – يرفض هذا، قيل يا رسول الله – رواه أحمد والإمام والحاكم وسنده حسن – أني أريد أن أذبح الشاة – أذبح الشاة لآكلها – فأرحمها، أي أنني أحن عليها ولا أُريد أن أذبحها، فتوقَّفت عن ذبحها لأنني غير قادر، علماً بأنني ذكرت هذا الحديث مائة مرة، قال له النبي والشاة إن رحمتها رحمك الله، لا تذبحها أنت، اطلب من غيرك أن يذبحها، وأنا في حياتي والحمد لله لم أذبح شاة ولا بعيراً ولا دجاجة، حاولت والله مرة واحدة لكي أكون صادقاً أن أذبح دجاجة وتقريباً فشلت، مرة واحدة في حياتي فقط لأنه صعب، هذا هو المُسلِم ، قال له والشاة إن رحمتها رحمك الله، لم يقل له أححح وحز حزاً، النبي يقول في الدابة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته، أنمها على جنبها وهي مرتاحة وبسرعة اذبحها حتى لا تشعر، يأتيها الموت من حيث لا تحتسب في لحظة، أعف الناس قتلة أهل الإيمان.
على كل الحال هكذا عامل النبي أُسارى أو أَسارى بدر، في الحديبية في السنة السادسة من الهجرة كيف عامل الأسرى؟ وهنا ستقول لي أي أسرى؟ أين الأسرى؟ قال الله وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ ۩، اذهبوا واقرأوا الآية واقرأوا تفسيرها وسوف تفهمون القصة جلية، وسنُلخِّصها لكم الآن، النبي كاتب سهيل بن عمرو، وما دام ذكرنا سهيلاً نقول أن سهيلاً كان أحد أسرى النبي في بدر، ما رأيكم؟ انظروا إلى النبي المُتحضِّر، نبي مُتحضِّر عظيم، كان يستطيع كما كان يفعل الرومان من قبله وغير الرومان واليونان أن يعمل إسطبلات – ألم يكن عنده إسطبلات للخيول؟ كان عنده إسطبلات – كبيرة ويضع فيها عشرين أو ثلاثين أو سبعين أسيراً وأن يقول قيَّدوهم كلهم كالحيوانات، لكن النبي لم يفعل هذا، هل تعرفون كيف كان يُعامِل النبي الأسرى؟ هذا قبل معاهدات جنيف وقبل ألف وثمانمائة وسبع وتسعين وألف وتسعمائة وسبع وعهود الخمسينيات – قبل هذا كله – طبعاً، النبي كان يدفع الأسرى كلاً إلى بعض الصحابة، يقول لأحدهم خذ اثنين، ويقول لآخر خذ واحداً، ثم يقول لهم ماذا؟ أحسِنوا إليهم، روى البيهقي في السنن عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضوان الله عليها – أنها قالت رأيت سهيل بن عمرو – من أسرى بدر – مقيداً في بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ، النبي قال يجلس عندي، هذا أسيري، ومن المُؤكَّد أن هذا طبعاً احترام كبير وتوقير، سهيل بن عمرو كان مشقوق الشفاه السُفلى وكان خطيباً مسقعاً، يقوم دائماً في المواطن وفي المحافل شديداً لسانه على رسول الله ودينه، يغري قريش دائماً، أي أنها حرب إعلامية تعبوية، عمر حين رآه فرح – سهيل الخطيب الخبيث – وقال يا رسول الله دعني أكسر ثنيتيه حتى لا يقوم بعد اليوم في موطن أبداً عليك يا رسول الله، هل النبي قال له افعل هذا؟ هل قال له هذا أحسن شيئ؟ هل قال له ضعه في قفص – Cage – وأحرقه؟ لم يقل له هذا، قال له لا، لا أمثِّل به فيُمثِّل الله بي وإن كنت نبياً، يا الله يا رسول الله، يا الله يا رسول الله، هل هؤلاء أتباعك اليوم؟ هل هؤلاء درسوا سُنتك؟ هل هؤلاء درسوا سيرتك؟ لا، هل هؤلاء دُرِّسوا سُنتك؟ لأن العيب ليس فيهم وإنما في مشائخ المنابر، قلت لكم من سبعين سنة نُسمَّم على المنابر، دين مُتطرِّف ودين مُغالٍ، دين لا يُعلِّمنا إلا الكره، في كل خطبة يُقال اللهم عليك بكذا وكذا وكذا، مَن يا أخي؟ قل المُعتدين، قل اللهم عليك بمَن اعتدى علينا من اليهود أو النصارى مثلاً واللهم افعل به، لكن لا يُقال هذا، يُقال اللهم عليك باليهودي والنصارى كلهم، لماذا؟ لماذا الدعاء على العالم؟ قل اللهم اهد الناس، اللهم نوِّر قلوبهم بالحق، اللهم آخ بيننا وبينهم، اللهم اجعلهم إخوة لنا في الدين الحق يا رب، نوِّر بصائرهم وعرِّفهم وأسعِدهم بالإيمان كما أسعدتنا يا رب، لكنهم يقولون اللهم يتِّم كذا وكذا، يدعون على الكل، يدعون على العالم، هذ دين كراهية ودين تكريه فجعلنا مُعقَّدين، أصبحنا مُعقَّدين وكرهنا كل ما حولنا ومَن حولنا، لكن ليس هكذا الدين أبداً، النبي قال له لا أمُثِّل به فيُمثِّل الله بي وإن كنت نبياً، ورفض النبي هذا، هذا هو سهيل بن عمرو، والنبي يكتب كتاب الصلح في الحديبية مع سهيل بن عمرو، ويتدلى ثلاثون وقيل سبعون وقيل غير ذلك – وسنأخذ بالمُتيقَّن، أقل شيئ ثلاثون – من المُشرِكين الغدرة الفجرة من جبل التنعيم على الرسول وأصحابه وهم كانوا وادعين كافين وتاركين لأسلحتهم طبعاً لأن هذا سلام وصلح، هذا كتاب صلح، لكن انظر إلى الغدر، انظر إلى غدر الشرك ثم اذهب وابك يا أخي على سدنة الكفر في مكة وابك على أبي جهل وأبي جهل وأمية وأمثال هؤلاء، يُريدون أن يصيبوا غرة رسول الله وأصحابه، أي أن يأخذوهم على غفلة، الحمد لله الصحابة أذنوا بهم وأخذوهم فوقعوا في الأسر، أوتيَ بهم إلى رسول الله مُقيَّدين، الآن لو ضرب أعناقهم بالله عليكم وعليكن هل يعتب عليه سهيل بن عمرو نفسه؟ لا، سيقول له لعنة الله عليهم لأنهم أفسدوا كل شيئ فاضرب أعناقهم يا محمد، هؤلاء لا عهد لهم ولا ذمة، لا كفرة غدرة لا يُريدون سلاماً، هؤلاء ضد السلام، والنبي قبل الحديبية قال ووالله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة تُوصَل فيها الأرحام وتُعظَّم فيها الحرمات إلا أجبتهم إليها، أنا رجل رسول، أنا أُريد السلام، قال الله وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ۩، لا أُريد حرباً، لا أُريد دماءً، ولك أن تتخيَّل هذا، وقد كان في قوة، على كل حال قال لهم النبي الرؤوف الرحيم – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – ألكم علىّ عهدٌ؟ هل يُوجَد عهدٌ بينا؟ قالوا لا يا محمد، قال ألكم علىّ ذمة؟ قالوا لا يا محمد، والجواب الآن معروف وهو الرؤوس، والصحابة انتظروا أن يصدر الأمر بقط رؤسهم وهم يستحقون، هذا عدل مُطلَق، لكنه لم يفعل، قال أرسلوهم – حلوهم واتركوهم، يا الله، يُحِب العفو دائماً، ويُقال لك أنه دموي – يكن لهم بدء الفجور وثناه، عار هذه الفجرة وعار هذه الغدرة سيلحقهم دائماً، سيلحقهم اليوم وغداً وإلى يوم الدين، قال أرسِلوهم وعفا عنهم، لم يقل الله له لماذا عفيت؟ اذبح وأمت، بل امتن الله بذلك، لا إله إلا الله، قال وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم ۩، لم يذبحهم بعد أن أمكن منهم، لماذا منّ علينا؟ افهموا الآن هذا، لماذا يمنّ عليهم؟ هذا منّ عليهم، أن الله كف أيدينا عنهم، هذا منّ عليهم هم، لكن هو أيضاً منّ علينا إذا أردتم، كيف؟ لصورة الإسلام، لأن الله يعلم أنه بهذه الطريقة وبهذه السيرة وبهذه الروحية ينتصر الدين ويُصبِح حبيباً إلى قلوب الناس الأسوياء، إلا البُغضاء الحقدة الكرهة الذين يكرهون الخير ويُحِبون أن يُؤرِّثوا نيران المعارك ممن قال الله فيهم كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا ۩، الله أيضاً يمتن علينا، قال هم يُشعِلون النار وأنا أُطفئها، أنا لا أُريد حرباً، الحرب ليست حسنة، قال الله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۩، وقال أيضاً وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ۩، انظروا إلى أن الله يقول ذَاتِ الشَّوْكَةِ ۩، فالصحابة لا يُحِبون هذا، وقال أيضاً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۩، وفي البخاري لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، أقبح الاسماء عند رسول الله ما يُذكِّر بالحرب، يكره اسم حرب ومُرة، أي أحد اسمه حرب يُغيِّر اسمه النبي، لا يُحِب حتى هذا الإسم، كلمة حرب لا يُحِبها، اليوم يُعلِّمونك أن تعشق الحرب والقتل والحز ويُقال أححح، يُريدونك أن تعشق هذا، وهذا عكس القرآن وعكس روح محمد وعكس الدين، لا تضحكوا علينا باسم الجهاد، لا والله، المُؤمِن يكره هذا، إلا إذا فُرض عليه فرضاً، دافع والتزم هدى الله وسُنة المُحمَّد المصطفى والنبي الأواه في مُعامَلة الأخصام، هذا هو الدين، دين – كما قلت لك – عملاق، دين يُريدك – كما قلت ألف مرة – أن تُكيِّف نفسك معه، لا أن تُكيِّفه مع قزامتك النفسية وصغارك الوجداني، أليس كذلك؟ هذا هو طبعاً، حاول أن ترتقي إليه، لا تُقزِّمه وإنما تعظَّم به، أنت تعظَّم به لكن لا تُقزِّمه بك كما يجري الآن.
إذن هؤلاء مَن؟ جماعة التنعيم في الحديبية، طبعاً جماعة مكة كلكم تعرفون ما حدث معهم، قال النبي اذهبوا فأنتم الطلقاء، بعد فتح مكة بأسبوعين فقط – خمسة عشر يوماً تقريباً – معركة حنين، أي هوازن، طبعاً النوق والإبل كثيرة جداً لكن هل تعرفون كم الأسرى من هوازن؟ ستة آلاف أسير في أيدي النبي وأصحابه، هزيمة استحالت إلى نصر بُعيد قليل بفضل الله تبارك وتعالى، وقع ستة آلاف أسير ويمضي أكثر من عشرة أيام ويأتي وفد هوازن إلى النبي مُنصرَفه من الطائف قائلين يا محمد قد أسلمنا لله رب العالمين، فمنّ علينا يا محمد يا رسول الله، أعد إلينا أموالنا وسبينا، أي الأسرى، إذا السبي ذُكِر وحده فإنه يعني الأسرى كلهم، إذا ذُكِر السبي مُقابِل الأسرى فإنه يعني الولدان والنسوان فقط، هل فهمتم؟ هذا هو شرعاً، قالوا أعد علينا سبينا يا محمد وأموالنا، فقال لهم إن أحب الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إما أموالكم وإما سبيكم، كيف أُعطيكم السبي والأموال كلها؟ لا يُمكِن، أصحابي لن يرضوا، وهذه كانت حرباً وكدنا نُهزَم فيها وشمت بنا بعض الشامتين على الجبل قائلين اليوم بطل السحر مِمَن أظهروا الإسلام قبل خمسة عشر يوماً، قالوا اليوم بطل السحر، أحبوا أن يُذبَح محمد وأصحابه، مسألة خطيرة ليس فيها أي لعب، قال أنا سأكون صادقاً معكم وواضحاً وشفافاً، إما الأموال وإما السبي، قالوا فإذ قد خيرتنا فقد أخترنا سبينا، لا نُريد الأموال، أرجع إلينا أولادنا ونسوانا وشبابنا ورجالنا، قال لهم أكلّم أصحابي، انظر إلى الشورى، لم يكن مستبداً طاغية، النبي لم يكن طاغية على الإطلاق، وعلى ذكر كلمة طاغية يُقال الآن طبعاً في الجرائد والمواقع الإلكترونية Web sites والتلفزيونات televisions لماذا أقمتم الدنيا ولم تقعدوها بسبب داعش التي أحرقت هذا الطيار الأردني – رحمة الله عليه – في حين أن الطُغاة العرب حرقوا ويحرقون البشر مُسلِمين وغير مُسلِمين؟ نقول لهم ليسوا قدوة لنا، الطُغاة العرب والطُغاة غير العرب لا يُبرِّرون طغيانهم بقال الله وقال الرسول وقال ابن تيمية، أليس كذلك؟ لا يجعلون طغيانهم ديناً، يطغون طغيانهم باسم طغيانهم وباسم عبادتهم للكرسي والسُلطة، يحرقون الدنيا وهم ليسوا قدوة لنا وتباً لهم، لكن أنتم تفعلون هذا باسم قال الله وقال الرسول، من هنا نوجل ونُشفِق على ديننا بقدر إشفاقنا على هؤلاء المساكين الذين حرَّقتموهم أحياء وحززتم أعناقهم، هل فهمتم؟ هذا الفرق.
يروي البيهقي في السنن الكبرى عن عقبة بن عامر قائلاً أرسل عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة رأساً من الشام – قيل هي رأس يناق البطريق – إلى أبي بكر الصدّيق في خلافته، أي أنهم أرسلوا بريداً فيه الرأس، فلما رأى الرأس أنكر ذلك، وكتب لا يُحمَل إليّ رأس بعد اليوم، ما هذه الرأس؟ ما هذه العقلية العجيبة؟ قال عقبة فقلت له يا خليفة رسول الله إنهم يصنعون بنا ذلك، هم يقطعون رؤوسنا ويحملونها إلى بلادهم من أجل ملوكهم في فارس والروم، هل تعرفون ماذا قال أبو بكر؟ لم يقل وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۩، هناك أخلاقيات للإسلام، قال رضوان الله عليه أفاستناناً بفارس والروم؟ أين لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ۩، ليس في كسرى وليس في هرقل قيصر بيزنطة، قال لهم أفاستناناً بفارس والروم؟ هل تنسون قيامكم بحكم الحقد والغيظ؟ هل لأنهم يفعلون بهذا نفعل بهم أشد من هذا؟ لا يُمكِن، قال لهم أفاستناناً بفارس والروم؟ قد كان يكفي الخبر والكتاب، أخبرونا وقولوا انتصرنا وقتلنا كبيرهم أو قتلنا قائدهم وينتهي الأمر، كيف تحملون الرؤوس؟ قال لهم أبو بكر ديننا ليس هكذا، وهنا قد يقول لي أحدكم اربَعْ عَلَى ظَلْعِكَ يا عدنان إبراهيم، كيف تُدافع عن الصدّيق تبعك وتتحدَّث باستمرار عن الصدّيق والصدّيق أحرق الناس أحياء؟ لا، لم يحدث، اربَعْ أنتعلى نفسك ولا تنفعل كثيراً، سيأتيك الجواب بعيد قليل، لا أحرق ولا ما يحزنون، أكاذيب وقحة من كذّابين، سأقول هذا وأذكر موضع الكذب فيها.
بدأ الوقت يأزف أيها الإخوة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة والأخوات، أحبتي في الله:
النبي قال لهم قد استأنيت بكم، يقول الراوي وكان قد أنظرهم رسول الله عشرة أيام فاختاروا إما أموالكم وإما سبيكم، قالوا سبينا يا رسول الله، قال إذن أُكلِّم أصحابي، أريد أن أُكلِّم أصحابي، فقام في الناس خطيباً، قام في أصحابه وخطب خُطبة قائلاً أيها الناس إن أخوانكم من هوازن قد أتوكم مُسلِمين، أي أنهم صاروا إخوة لنا في الدين، قبل أيام كانوا أعداءنا الأشداء الإلداء لكن الآن صارو إخوة لنا في الدين، عفا الله عما سلف، وقد كلَّموني في أموالهم وسبيهم، فأردت أن أنزل لهم عن سبيهم، أي الأموال تبقى لكم لكن أُريد أن أنزل لهم عن سبيهم، فمّن طيَّب بذلك نفساً فليقل، أريد أن أُعرف من الذي يتنازل عن السبي ويُحرِّره لوجه الله طيبةً به نفسه، قال عرفاؤهم يا رسول الله قد طبنا بذلك نفساً، قال لا أدري منكم مَن طيَّب به نفساً مِمَن لم يُطيِّب، فاذهبوا إلى إخوانكم واستعلموا أو كما قال، أيأنه قال لهؤلاء العرفاء اذهبوا وتكلَّموا مع الناس واحد واحد لأنني أُريد أن أتأكَّد، لأنه لا يُريد الظلم ولا يُريد من الناس أن تخجل وما إلى ذلك، أي إنسان طيَّب بذلك نفساً جزاه الله خيراً، النبي قال لهم ومَن لا يُحِب لكن عليه أن يعتق الأسرى فنحن نُعوِّضه، نُعطيه من أول ما يُفيء الله علينا، من أول فيء آخر نُعطيه البدل إن شاء الله، والذي طيَّب بها نفساً أجره على الله تبارك وتعالى، فعاد العرفاء والأمراء وقالوا يا رسول الله قد طابوا نفوساً، كلهم عفوا عنى الأسرى، كم الأسرى يا حبيبي ويا أخي في الله؟ ستة آلاف، ويُقال لك محمد دموي والصحابة دمويون ودنيويون، لم يكونوا كذلك أبداً.
نمت إليه الانباء عن بني المُستلِق أنهم يريدون أن يباغتوه، فباغتهم هو – عليه الصلاة وأفضل السلام – ونصره الله عليهم، وقعت في السبي جويرية بنت الحارث بنت سيد بني المُستلِق، القصة تتعلَّق بثابت بن قيس بن شماس والمُهِم أنها صارت إلى رسول الله وتزوَّجها الرسول، فقال الصحابة أصهار رسول الله، هذا عيب والله، لكن النبي تعمَّد هذا، فالصحابة قالوا أصهار رسول الله، لا يُمكِن أن يتزوَّج النبي منهم ونسوانهم وأولادهم ورجالهم أسرى عندنا، فحرَّروا وأرسلوا من تحت أيديهم، قالوا اذهبوا كلكم أحرار لوجه الله، تقول عائشة – أم المؤمنين رضوان الله عليها – فلا أعلم امرأةً أعظم بركةً على قومها من جويرية، لقد أُعتِق بتزويجه – أي بتزوجه – إياها مائة أهل بيت من قومها، مائة أهل بيت يُساوون كم؟ الله أعلم، ومن بين الأسرى الذين منّ عليهم النبي الرؤوف الرحيم – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – بغير شيئ سفانة بنت عدي بن حاتم الطائي الذي هو أكرم العرب، وقعت سفانة في الأسر وكانت عند رسول الله وطلبت إليه أن يُرسِلها، أي أن يُعتِقها، فأنظرها النبي – انظرو إلى أي مدى وصلت الأخلاق ووصل الكرم المُحمَّدي الباذخ، عليه الصلاة وأفضل السلام – حتى تجد ثقاتاً من قومها يحملونها، لا يود أن تذهب في الصحاري والبلاد البعيدة وحدها وهي امرأة حتى يقدم – أي يأتي – جماعةٌ من ثقات قومها فيأخذوها معهم، وبالفعل بعد فترة لم تطل قدم جماعة من ثقات طيء، فحملها النبي – أعطاها دابة ربما كانت ناقة أو جملاً، هذا معنى حملها – وأعطاها نفقةً، فلما علم أخوها عدي بن حاتم الطائي وكان ناقماً على الإسلام وفاراً منه عاد ودخل الإسلام، علم أن هذه لا تكون إلا أخلاق نبي وإلا أخلاق رسول، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.
أعتقد كلكم وكلكن تعلمون وتعلمن نبأ وخبر ثمامة بن أثال الحنفي التميمي سيد بني حنيف، هذا الرجل جاء يُريد أن يغتال النبي عليه الصلاة وأفضل السلام، كان حاقداً مع أنه سيد في قومه لكنه يُريد أن يحظى بشرف قتل النبي بيده، أمكن الله منه فوقع في أيدي الصحابة، ماذا قال النبي؟ هذا ليس كافراً عادياً، هذا سيد في قومه وجاء يغتال النبي نفسه عليه الصلاة وأفضل السلام، قال أحسنوا إساره، علماً بأن هذا لم يكن استثناءً مع هذا السيد، ما وقع أسير في يد أحد من الصحابة إلا قال النبي أحسنوا إساره، يقول هذا باستمرار، هذا أمر رباني، هذا خلق إلهي، قال النبي أحسنوا إساره واجمعوا ما عندكم من الطعام فادفعوه إليه، وكان هناك فقر وكانت هناك قلة، فكانوا يجمعون لبن لقحة رسول الله – ناقة الرسول الحلوب كانوا يأخذون حليبها، وهذا أشرف شيئ – ويُقدِّمونه لثمامة بن أثال، يخصونه به لوصاة رسول الله إياهم، الرسول أوصاهم بهذا وقال أحسنوا إساره، وبعد حين مر عليه النبي وهو مُوثَّق مربوط فقال ما عندك يا ثمامة؟ قال خيرٌ يا محمد، إن تقتل – أي إن تقتلني – تقتل ذا دم – هناك من سيُطالِب بدمي لأنني سيد ورأس قومي – وإن تُنعِم تُنعِم على شاكر – سأشكر لك هذه اليد ولن أنساها ما حييت إن اطلقتني وفككتني – وإن شئت المال أعطيتك منه ما سألت، تركه النبي، النبي يُريد له الإسلام، لا يُريد ماله ولا يُريد كذا وكذا، يُريد لك الخير، ولذا تركه النبي، فلما كان من الغد آتاه النبي فقال نفس المقالة ورد ورجع للنبي نفس المرجوعة، أي نفس الكلام، فتركه النبي، وفي المرة الثالثة حدث نفس الشيئ، فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – أطلقوا ثمامة، هو لا يُريد الإسلام وأنا لا أُريد ماله ولا أُريد دمه مع أنه جاء يقتلني، ويُقال لك عنه أنه دموي، متى سيفهمون؟ لا يُحِبون أن يفهموا، ولذلك إلى أن تقوم الساعة هناك مَن يُريد الهدى وهناك مَن يُصِر على الضلال، الحمد لله نحن ربنا علَّمنا ومحمد قدوتنا علَّمنا أن نُنصِف عدونا الذي يكرهنا ونكرهه، سننصفه دائماً، ومهما وجدنا عنده من خير اعترفنا به، لكن هم لا يعترفون لمُعلِّم الناس بالخير، لا يعترفون له بشيئ، وهذا مُهِم لكي تعرفوا أن فعلاً الهداية بيد الله – تبارك وتعالى – وأن هناك قلوباً أصلب من الصخر والعياذ بالله، نعوذ بالله من العمى، قال أطلقوا ثمامة، ذهب الرجل وركب دابته ومضى غير بعيد إلى جماعة نخل – نخلات – وقلع ثيابه واغتسل وعاد قائلاً أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، عاد من تلقائه، ربما النبي توقَّع هذا بفراسته الوحينية الإيمانية لكن ربما الآخرون لم يتوقَّعوا هذا، ثم قال ثمامة والله يا رسول الله ما كان على وجه الأرض وجهٌ أكره إلى نفسي من وجهك، فلقد صار وجهك أحب الوجوه إلى قلبي، أي أنه انشرح صدره، أسأل الله أن يشرح صدرونا بالإيمان، دائماً ادعوا بهذا يا إخواني، هل فهمتم الآن؟ أعتقد أننا الآن بدأنا نفهم في عصرنا هذا بالذات – عصر الفتن المُدلهِمات الطاخيات العمياوات والعياذ بالله – لماذا في كل ركعة نقول اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، ثبِّتنا على الصراط المُستقيم واشرح صدورنا به، لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ۩، كلما حاولت أن أقنع نفسي بطريقة أو بأخرى أن هذا الكتاب ليس من عند الله وأن هذه الأدعية من عند رسول الله لا أقتنع، لا والله الذي لا إله إلا هو، واضح وجود كلام إلهي هنا، يُوجَد صوت إلهي هنا، هنا تُوجَد روح إلهية تتكلَّم ، هذا ليس كلام محمد ولا غير محمد، فثبِّت علينا الإيمان يا رب وزِدنا منه وتوفنا عليه بحق لا إله إلا الله، ثم قال ثمامة وما كان أهل خباء أبغض إلى نفسي من أهل خباءك، فلقد صار خباؤك يا رسول الله أحب الخباء إلى قلبي، وما كانت بلاد أكره إلى نفسي من بلادك، فلقد صارت بلادك أحب البلاد إلى نفسي يا رسول الله، وإلى آخر الرواية وهي معروفة، هكذا منّ النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – عليه بلا شيئ.
يقول أبو الهيثم بن التيهان – تعرفونه وتعرفون موضوع البيعة، وهو رجل صالح من سادات الأنصار، وهذا كله لكي نفهم كيف يُعامِل الإسلام الأسرى، لا يحز رقابهم ويُحرِّقهم أحياء ثم يُقال هذه شريعة – دفع النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – إليّ أسيراً – من المُشرِكين – وقال أحسِن إليه يا أبا الهيثم، انظروا إلى هذا الصحابي الجليل الذي لم يقل هذا مُجرَّد كلام قد أحمله على التواضع من رسول الله أو أحمله على العمل الدعائي، كأن النبي يُطيِّر دعايا عن نفسه بأنه رؤوف رحيم وحضاري وتقدمي ليبرالي، لم يقل هذا أبداً، فهذا أمر وُجِّه له، قال له أحسِن إليه، مُباشَرةً أخذه وقال له تعال يا عبد الله، رسول الله أوصاني أن أحسن إليك، أنت حر لوجه الله، وهذا أول شيئ، لا أُريدك فقد أصبت حراً، وليس هذا فحسب، بل قال له أنت حر لوجه الله ولك سهم من مالي، يا الله، أعطاه جزءاً من ماله، قال له أنا عندي أموال وما إلى ذلك فخُذ لك ألفاً أو ألفين دينار، وهذا كله من أجل أن يعمل بوصاة رسول الله، لماذا لا تعمل اليوم هذه الفرق والجماعات بوصاة رسول الله؟ إذن هكذا قال له أحسِن إليهم، وليس هذا فحسب، بل أن قبل كل المعاهدات الدولية وغير الدولية – كما قلت لكم هذا أيام محمد بن عبد الله – كان يقول فيما روى أبو داود وغيره مَن فرَّق بين والدة وولدها – طبعاً بإجماع المُفسِّرين أن هذا في الأسر، في الأسر والسبي ممنوع أن تُفرِّق بين الأم وابنها، وقال العلماء بالغاً أو غير بالغ، وقالوا هو عليه أيضاً بين الوالد وولده وبين الجد وأحفاده وهكذا، يُوجَد كلام كثير في كتب الفقه بفضل الله – فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، لكن يا رسول الله نحن لم نُفرِّق وإنما أحرقناهم أحياء فما القصة؟ أحرقناهم أحياء، ونحن سمعنا ما القصة، قال عن سهيل بن عمر لا أُمثِّل به – أنا لا اخلع ثنيتيه وأُمثِّل به – فيُمثِّل الله بي وإن كنت نبياً، هذا لا يُمكِن أن يحدث، ما هكذا تُعامل الأَسارى أو الأُسارى كلاهما فصيحان صحيحان، قال مَن فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، ولذلك لما آتاه أبو أُسيد الأنصاري – الصحابي المعروف رضيَ الله عنه وأرضاه – بسبي من البحرين وصفوا بين يدي رسول الله جعل النبي يمر عليهم ويتأمَّلهم فإذا أمرة تبكي، أي أنها أرسلت دموعها، قال ما بكِ يا أمة الله؟ قالت يا رسول الله لقد بيع ابني في بني عبس، نحن أُخِذنا أسرى ويبدو هذا القائد الخاص بك – أبو أسيد الأنصاري – أخذ ابني وباعه في بني عبس وقبض ثمنه، فقال النبي بكلمة واحدة من فوره فلتركبن يا أبا أُسيد فلتجيئن به، قال هذا مُباشَرةً، وأين بنو عبس من المدينة؟ بينهما مسافات طويلة، قال اركب وائت به لتُرجِعه إليها، قال الراوي فركب فعاد به وأعطاه لأمه، هذا الأسر عند النبي، وهو لا يزال أشرف من نظام الأسر اليوم، ما رأيكم؟ أشرف من نظام الأسر في القرن الواحد والعشرين، إلى اليوم هو الأشرف، هذا هو محمد، هذا هو قدوتنا، صلى الله على محمد وآل محمد، قال له فلتركبن فلتجيئن به، وليس هذا فحسب، نعم سمعتم بالأسرى الذين أخذهم النبي في هوازن وأطلقهم والحمد لله لكن ليس هذا فحسب، أمر أحد أصحابه – ونحن قلنا هذا مُنصرَفه من الطائف، فهو لم يبلغ مكة إلى الآن – أن يركب فيأتي مكة فيشتري المُعقَّد، ما معنى المُعقَّد؟ ضروب من بُرود هجر، برود هجرية جميلة، لباس – ما شاء الله – جميل، كانت كسوتهم جميلة، لكن لماذا قال هذا؟ للأسرى، فلم يُطلَق أحدٌ منهم إلا كاسياً، يا الله، كسوة لكل أسير، أسير وعائد إلى بيته بكسوة، ليس بقفص أُحرِقَ فيه وإنما بكسوة، هذا هو النبي.
طبعاً مثل هذا كثيرٌ جداً، لكن أنا سأقف إلى هنا حتى لا أنسى أيها الإخوة شيئاً هاماً، أريد أن أُدلي إليكم بشيئ مما فتح الله به علىّ، إن أصبت فمن الله وتوفيقه، إن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، الله منه بريءٌ ورسوله، نعود إلى الآية ودقِّقوا معى الآن وركِّزوا قليلاً فهذا قرآن، قال الله حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ۩، أولاً ما معنى قول الله حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ۩؟ ما هي الأوزار؟ الثقل، الوزر هو الشيئ الثقيل، ومنه قول الله وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ۩ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ۩، ما معنى قول الله أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ۩؟ آد فقارك فصار له صوت، فقار الظهر صار لها صوت من شدة الحمل الثقيل، ومنه الوزير طبعاً، الوزير وزير لأنه يتحمَّل أوزار الملك، كل شيئ يُمسَح في رأس هذا المسكين، ولذا اسمه وزير طبعاً، الوزير كان لعنة في العصور السابقة، كل يوم والثاني يُقتَل عند المُسلِمين أحدهم، فالوزير يتحمَّل كل شيئ، لأنه يحمل وزر الملك أو وزر السُلطان، ولذا اسمه وزير، أي وازر، فعيل بمعنى فاعل، فهو حامل الوزر، على كل حال قال الله حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ۩، أي حتى تضع الحرب الثقل، بمعنى حتى تنتهي الحرب، المفسرون تقريباً كلهم ذهبوا إلى – لم أجد أحداً منهم إلا ذهب إلى هذا – أن حَتَّىٰ ۩ هنا هي التي للغاية، ليس للتعليل وإنما للغاية، أي إلى غاية أن تضع الحرب، متى هذه الغاية؟ متى ستضع الحرب أوزارها؟ قال بعضهم حتى يُسلِم الناس، قال بعضهم حتى يُؤمِن ويدع الكفر، وهذا نفس الشيئ، فيُسلِم يُراد بها يُؤمِن، هما نفس الشيئ، وقال فريق ثالث – في الحقيقة هذا فريق ثانٍ لأن السابقين كانا لديهما نفس القول – حتى يُبعَث عيسى بن مريم، أي ينزل عيسى بن مريم، لكن كل هذا عندي ليس بالجيد ولا بالقوي الظاهر، لماذا؟ انتبهوا إلى الآتي، بعض الناس كانوا أكثر دقة من هؤلاء، قتادة والحسن البصري قالا إن في الآية تقديماً وتأخيراً، يا سلام، وهل أعجز الله شيئٌ أن يُقدِّم ويُؤخِّر كما أردتم؟ لماذا؟ قالوا الآية أصلها فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّاً بعد وإما فداء، قالا هذا هو الترتيب، وأنا ضد هذا الكلام تماماً، وهو كلام معكوس لا معنى له، لكن الذي أوجبه فهمٌ غائم جيد في الآية لم يمضوا معه إلى نهايته، يُوجَد شيئ غير واضح، ما رأيكم ؟ كلام جماهير المُفسِّرين غير واضح، وكلام هؤلاء اقترب خطوة وعاد خطوة وهو غير واضح، يُوجَد شيئ غير مفهوم، ما رأيكم؟ نرجع إلى قول الله، قال الله فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩، وهذا مفهوم لأن هذه معركة فتضربهم ويضربونك، الله يحثك ويحفزك على ألا تجبن وأن تصمت لهم وأن تُقاتِل وأن تقتل، لا تتراجع ولا تتهيب فالأعمار بيد الله، ولذا قال الله فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩، ثم قال حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ ۩، أي أكثرتم فيهم القتلى والجراحات، إذا أُثخِن العدو ماذا يحصل الآن؟ تبدأ الهزيمة، تلوح الهزيمة ثم تستقر، يستأسرون لنا ويقولون سلَّمنا، وهذا معنى قول الله حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ ۩، أي أكثرتم فيهم القتلى والجراحات، ثم قال فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ۩، الآن خذوهم أسرى، وهذا ترتيب سليم بنسبة مائة في المائة، قال فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ۩، أي على هؤلاء الأسرى، بعد ذلك إما أن تمنّوا عليهم وإما أن تفادوهم، قال حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ۩، هم فهموا أن حَتَّىٰ ۩ هنا أيضاً للغاية وهذا الذي أضلهم عن وجه الحقيقة، لم يُصيبوا شاكلة الحقيقة والله أعلم – قد أكون أنا المُخطيء – وسوف نرى لماذا، طبعاً الذين قالوا بالتقديم والتأخير وقعوا أيضاً في خطأ آخر ولذلك حرَّفوا الآية، ماذا قالوا؟ قالوا الآية تقول فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّاً بعد وإما فداء، لماذا قالوا بهذا القول؟ لأن عموماً معلوم للكل – للعامي والجاهل والخاص والعالم – أن التقسيم والتصرف في السبي والأسرى لا يكون إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، الحرب تضع أوزارها وبعد ذلك يبدأ التقسيم، لا يُمكِن التقسيم والحرب دائرة، لا يُوجَد هذا الكلام، هذا مستحيل ولم يحدث ولو مرة، فهم قالوا فيها تقديم وتأخير، إذن قالوا حتى تضع الحرب أوزارها وبعد ذلك يحدث التقسيم، لكن هذا غير دقيق أيضاً، لماذا؟ قالوا الآية تقول فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، كيف يُقال مرة أُخرى حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق بهذا الترتيب؟ أين هذا؟ الإثخان يكون قبل أن تضع الحرب أوزارها، فهذا التقديم والتأخير الخاص بكم غالط أيضاً، فالرأيان غالطان، هل تعرفون ما هو الصحيح؟ الذي غفلوا عنه أن حَتَّىٰ ۩ للتعليل، حَتَّىٰ ۩ الأخيرة للتعليل، هم لم يفطنوا إلى هذا الوجه، وهو وجه عجيب وغريب، واضح أن النبي كان – والله أعلم وأحكم – قد تفطن إلى هذا الوجه واتخذه سياسة في مُعامَلة العدو والأسرى بالذات، وقد فاز به وأظفره الله، ما هو؟ انتبهوا إلى هذا الآن، قال الله فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ – كله سليم إلى الآن – فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ۩، وهذا بعد انتهاء الحرب، لماذا يا الله؟ كأن سائلاً يسأل : لماذا يا الله اختطت هذه الخطة المُتسامِحة السهلة ولم تأذن لنا لا بالاسترقاق ولا بالقتل؟ لماذا اختطت هذا وهو على عكس مجرى العادة؟ أجاب الله بقوله لكى تضع الحرب أوزارها، إذا أردتم في كل مرة أن تُؤسِروا وتقتلوا وتستعبدوا سوف تبقى الحرب دائرة ملعونة مفرغة لا تنتهي، ثأر بثأر ودم يطلب دماً وهكذا، الله قال أنا لا أُريد هذا، أنا أُريد أن أضع خطة جديدة لأول مرة تُوضَع في التاريخ البشري، لأول مرة هذا فأنت عندك خيار مُثنَّى فقط وليس مُثلَّثاً، وهذا الذي قال به ابن عباس، ابن عباس قال هذا هو، الله خيَّر نبيه والمؤمنين المنّ وبين المفاداة، لكن زاد بعذهم قائلاً والاستعباد، أين الاستعباد؟ قال أبو عبيد أشك في الاستعباد، قال هذا غير موجود، ابن عباس يعرف ماذا يقول، يُفسِّر الآية ويعلم أن ليس فيها أي استعباد، الآية فيها خيار ثنائي فقط، لا قتل ولا استعباد، الله يقول لكي تضع الحرب أوزارها، هذه وسيلة لانهاء الحروب، أي مُعامَلة الأسرى هذه المُعاملَة الكريمة، وطبعاً هكذا فعل النبي، ماذا كان يحدث؟ ماذا حدث مع أسرى هوازن كما قلنا؟ دخلوا الإسلام، ماذا حدث قبل أسبوعين مع أسرى مكة الطلقاء؟ دخلوا الإسلام، هو هذا إذن، لكن لو ذبح واستعبد سوف يبقى الحقد والثأر وتعود الحرب جذعة.
إذن علينا أن نفهم لأول مرة في تاريخ التفسير الآية على وجه للأسف لم يشأ المُسلِمون أن يفهموها عليه، وهو أن حَتَّىٰ ۩ هنا ليست للغاية، وطبعاً إذا كانت للغاية فإنها تكون من باب مفهوم المُخالَفة، ويكون حكم ما بعد حَتَّىٰ ۩ مُخالِفاً لما قبل حَتَّىٰ ۩ طبعاً، لكننا لسنا مع حَتَّىٰ ۩ التي للغاية، نحن هنا مع حَتَّىٰ ۩ التي للتعليل طبعاً، هناك حرب فيها قتل وقتال وإثخان واستئسار وأسر، وبعد الأسر يُوجَد خيار ثنائي، إما المنّ وإما المُفاداة، والتعليل واضح الآن، لماذا؟ لكي تنتهي الحروب، الله يقول أُريد أن أُنهيها، أنا مُتشوِّف للسلام، أنا بعثت النبي للسلام، مَن الدين الذي عنده الحق أن يقول أنا أولى دين بالسلام وعندي مبرراتي؟ اللهم بغير اعتساف وبغير مُجازَفة الإسلام، لماذا؟ ما اسمه؟ الإسلام، وهو مُشتَق من نفس المادة وهي سَلِمَ التي اشتُقَ منها السِلم والسَلم، هذه نفس المادة، وفي القرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ۩، قال بعضهم الإسلام وقال بعضهم السلام، وأنا أقول بالاثنين لأن الإسلام هو السلام وجاء لُيُحل السلام وقد فعل – بفضل الله تعالى – حتى أجهض مشروعه بنو أمية وبنو العباس وحوَّلوه إلى دين فتوحات – Conquests – واستعباد وما إلى ذلك فأفسدوا كل المشروع المُحمَّدي، علينا أن نُعيد إنصاف الإسلام من جديد ونتخفَّف من موضوع الفتوحات وما إلى ذلك، هذا كله كلام فارغ، الإسلام ليس فيه أي عدوان وليس فيه أي فتوحات على الكافين المُسالِمين، كل هذا باطل من القول وزور كما يعلم الله تبارك وتعالى، ثم أن ما هي تحية الإسلام بعد ذلك؟ السلام عليك Peace upon you، يُقال السلام عليك أو عليكم أو عليكن، وهذا شيئ غريب، هذه تحيتنا، وانظروا اليوم إلى الفقه المُتنطِّع الذي يقول لا تبدأوهم بالسلام، ويقولون لك بعد ذلك حين تُريد أن تُسلِّم على رجل نصراني – مثلاً – لا تقل له السلام عليكم وإنما حيه بأي تحية ثانية، وهذا كله كذب، النبي قال بالفم الملآن جعل الله السلام تحية لأمتنا وأماناً لأهل ذمتنا، المُسلِمون ليسوا رجالاً يفتحون حرباً مفتوحة على العالم، المسلمون ليسوا هكذا أبداَ، هم أعلنوا الحب والسلام على العالم، وهذه هي تحيتنا، نقول باستمرار السلام عليكم، ثم أن الجنة الموعود بها المُؤمِنون ما اسمها؟ في القرآن الكريم وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام ۩، هذه إشارات لا تبني عقلاً داعشياً أو عقلاً إرهابياً، هذا مُستحيل، وإنما تبني عقلاً مُسالِماً حضارياً إنسانياً مُتسامِحاً مُحِباً للبشر ومُؤكِّداً للأخوة وللإنسانية، ولذا في القرآن الكريم وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام ۩، ما هي تحية الملائكة للمُؤمِنين في الجنة؟ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ۩، ما تحية المُؤمِنين سكان الجنة بعضهم لبعض؟ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ۩ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ۩، السلام موجود باستمرار، الدين كله سلام، يُوجَد اسم من اسماء الله الحسنى العظمى معروف، ما هو؟ السلام، هذه أمور معروفة يا إخواني، فيجب أن نفهم هذا جيداً وأن نعلم أن طريقة ديننا وأن رسالة ديننا هي السلام والمحبة، ليس الحروب والكره وليس الجريمة والإرهاب، هذا هو الإسلام، ولذلك ليس بعيداً وليس غريباً أن يضع الله هذه الخُطة لأول مرة في تاريخ الحروب فتتم مُعامَلة الأسرى بهذا الخيار الثنائي، إما المنّ وإما المفاداة ولا ثالث لهما، وبهذا أخذ جماعة من الصحابة وغيرهم مِمَن ذكرت لكم، بل حكى بعض العلماء عليهم الإجماع، حكوا عليه الإجماع، قالوا هناك إجماع على أن الأسرى لا يُقتَلون ولا يُستعبَدون، حكاه الحسن بن محمد التميمي، فيما ذكر القاضي العلامة أبو الوليد بن رشد في بداية المُجتهِد ونهاية المقتصد، حكى عليه إجماع الصحابة، قال هذا الذي أفهمه وأعرفه، يبدو هناك تزوير في الروايات والأشياء وما إلى ذلك وأن هناك روايات أُخرى تأتينا والله أعلم، لكن هذا قرآن على كل حال، هذا القرآن وهذه السُنة وهذه روح القرآن وهذه روح السُنة المُحمَّدية بفضل الله تبارك وتعالى.
قالوا إذا كان الأمر كذلك فلماذا محمد قتل النضر بن الحارث وأوجع قلب ابنته وقيل أخته قتيلة وقيل ليلى؟ لماذا قتله؟ النضر بن الحارث كان دائماً يُزيِّف كلام محمد في مكة يقول لهم أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۩ وأنا عندي أحاديث أحسن من أحاديثه، ويبدأ يُحدِّثهم بأحاديث فارس وإسفنديار ورستم وهؤلاء الجماعة، هل النبي كان كذلك؟ لو أراد أن يحقد لحقد على أناس كانوا يفعلون هذا أكثر من النضر بكثير وقد اساءوا إليه في أهله وعمه بكثير ولحقد على هند بنت عتبة التي أمرت واحتالت وخطَّطت لقتل عمه وبقر بطنه وأكلت من كبده، أليس كذلك؟ لكنها لما جاءت عفا عنها مُباشَرةً ولم يأمر بقتلها ولا بقتل زوجها ولا بقتل أولادها ولا أدمى قلبها ولا أشقاها، النبي ليس حقوداً، لم يكن يوماً حقوداً، والكبير لا يكون حقوداً أبداً، فكيف بأكبر الكبراء عليه الصلاة وأفضل السلام؟ ليس حقوداً، ولكي تطمئنوا اعرفوا الآتي، قيل أخذ النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط فلما كانوا بالصفراء قام عليّ فقتل النضر بن حارث، أي بأمر رسول الله، قالوا كان أسيراً وقتله، لكن حتى لو قتله هو من قيادات معسكر الشرك ومن المُؤلِّبين الكبار، هذا من مُجرِمي الحرب، هذا كان يُشعل الحرب دائماً، وحتى لو قُتِل بهذه الطريقة يُوجَد في القانون الدولي مساغ لقتله، لكن أنا أقول لكم هؤلاء لن يسعدوا بهذه الأسطورة لأن علماء الحديث ومن آخرهم العلّامة الألباني – رحمة الله تعالى عليه – ذهب يُحقِّق في أسانيد القصة من كل الاتجاهات ووجد الرجل الفاضل أنها كلها أسانيد لا تصح وأنها مُنقطَعة، بلاغات مرسلة يرويها ابن إسحاق بلا إسناد، يرويها ابن هشام – مُختصر بن إسحاق – بلاغاً، يقول بلغني وبلاغه مُرسَل ولا تصح، يرويها الواقدي وهو متروك، الواقدي لا يُؤخَذ بأحاديثه الموصولة بإسناده هو، يقول الألباني هذه القصة على اشتهارها ودورانها في كتب السيرة – أن النبي أذن لعليّ أو أمر علي بقتل النضر بن الحارث – ليس لها إسناد تقوم به، القصة غير صحيحة، إذن ما الصحيح؟ سوف نرى ابن سلّام في الطبقات يروي عن ابن جُعدبة قائلاً أن النضر بن حارث لم يقتله الرسول ولم يأمر علياً بقتله، ولكن الحكاية أن الرجل أصيب بجراح وكان فيه كبر وفيه طغيان، وهذا طبعاً لأنه من كبار مُشرِكي مكة فيرى نفسه شيئاً كبيراً، فهو كان فيه طغيان وقال لا أكلت ولا شربت ما دمت في أيديهم، فليكن إذن، قال لن آكل ولن أشرب، الصحابة يُقدِّمون له الطعام والشراب والإكرام فيقول لا أُريد، وارتث به جرحه، أي تبيَّغ به وتمادى، فمات من جرحه، إذن لم يمت مقتولاً ولله الحمد والمنة، اتضح أنها أسطورة الله وأراحنا منها.
عقبة بن أبي معيط لم نُحقِّق في قصته، لم يكن عندي أي وقت ومن المُمكِن أن أفعل هذا، لكن عموماً عقبة لو قُتل يستحق القتل، لأنه من مُجرِمي الحرب، هذا فعل بالمُسلِمين وفعل بالنبي حتى في مكة ما لا يفعله رجل له الحد الأدنى من الكرامة، هذا الذي جاء إلى النبي وهو في الكعبة – في حجر الكعبة – وخنقه بثوبه خنقاً حتى ظن الناس أن محمداً مات، الخبيث أقدم على هذا، وهو الذي أتى إلى النبي أيضاً وهو ساجد مرة ووضع عليه سلا الجزور – وضع الكرشة عليه – وخنقها أيضاً، وجاءت فاطمة عليها السلام تبكي وتسب وما إلى ذلك، هذا الخبيث اللعين فعل هذا، فلو قُتل هو يستحق لكن نحتاج أيضاً أن نُحقِّق، وهناك قصص كثيرة فنأتي الآن إلى قضية تحريق أبي بكر للناس، النبي نهى عن تحريق الناس، وفي حديث البخاري وسنن أبي داود يقول أبو هريرة في حديث البخاري وأبي داود بعثنا في بعث – أي النبي – وقال إذا لقيتم فلاناً وفلاناً – هبّار بن الأسود ورجل آخر، هبّار هو الذي نخز جمل زينب ابنة رسول الله وكانت حاملاً فوقعت ونُزِفت وتُوفيت من أثر ذلك، فطبعاً هذا مُجرِم حقير، وقد فعل هذا بامرأة وهي ابنة رسول الله – فحرِّقوهما، قال فمضينا على ذلك، ثم أرسل إلينا وقال لا، كنت أمرتكم بكذا وكذا وأنه لا يعذب بالنار إلا الله ، إذا لقيتم فلاناً وفلاناً فاقتلوهما ونهى، فصارت القاعدة عندنا في الدين أنه لا يُعذِّب أحدٌ بعذاب الله وهي النار، النار عذاب أخروي لا يُعذَب بها أحدٌ في الدنيا إن شاء الله تعالى، فالنبي فعل هذا، وهذا تمام جداً.
قالوا أبو بكر الصديق أحرق الفجاءة السُلمي، الفجاءة السُلمي من بني سُليم وقصته باختصار كما رواها أبو جعفر بن جرير الطبري وأبو جعفر العقيل في الضعفاء وأبو نعيم الأصبهاني والإمام أبو القاسم الطبراني وأبو القاسم بن عساكر – كل هؤلاء هم الذين رووا قصة الفجاءة السُلمي – كالآتي، باختصار جاء الفجاءة السُلمي أيام حروب الردة فدخل على أبي بكر وأبو بكر لا يعرفه، وأظهر أنه مُسلِم وأنه يُريد مُحارَبة المُرتَدين وأنه شديدٌ عليهم، فأعطاه أبو بكر سيوفاً وأسلحةً وعتادَاً ودواباً وخرج، الرجل لم يترك مُسلِماً في سُليم وهوازن وعامر إلا وشن عليه الغارة، ظل الخبيث يُذبِّح في المُسلِمين وترك المُرتَدين، فأبو بكر طبعاً غضب عليه غضبة شديدة وأرسل مَن يأخذه، وأخذوه بعد مقاتل ومعارك وما إلى ذلك، وقد قتل هذا الخبيث أيضاً عدداً من الصحابة، فلما أُوتيَ به أمر أبو بكر بتقييده وأمر بنار أن تُوقَد فأوقدت ثم أُرسَل فيها، ثم أبو بكر في روايات أخرى ندم ندامة شديدة وهو على فراش الموت لأنه حرَّق الفجاءة السلمي، قالت داعش أبو بكر الصديق يُحرِّق يا أخي ونحن نُحرِّق أيضاً، أعداء الإسلام والشانئون والضاغنون قالوا هذا هو الإسلام وهذا دين الرحمة وهذا الصدّيق الاكبير وهذه الخلافة الإسلامية وهذه الخلافة الراشدة وهذه رحمتهم، سبحان الله العظيم، يأتي أحدهم يصب الطين علينا ويأتي آخر يصب الماء، أعني الإرهابيين وأعداء الإسلام حتى بهدِلوا حالتنا، في الحقيقة هذه القصة لكي نكون منصفين أجرى عنها باحث في غزة اسمه إسماعيل حسين رضوان دراسة بحثية في عام ألفين وخمسة – ليس الآن وإنما في عام ألفين وخمسة – وقد نشرتها الجامعة الإسلامية في غزة في عام ألفين وخمسة، حقَّق فيها كل الأسانيد، علماً بأن هذه الدراسة موجودة على النت ويمكن أن تقرأوها، وجد أن كل الروايات التي ذكرت لكم – الطبري والعقيل وأبو نعيم والطبراني وابن عساكر – مدارها على رجل واحد مُنكَر الحديث كما قال البخاري والأئمة، لا يُقبل حديثه، اسمه علوان بن داود أو علوان بن صالح وهو مردود الحديث، وليس هذا فحسب بل أن الأخ الباحث – أعني إسماعيل رضوان – لم ينتبه إلى أن سيف بن عمر التميمي الموجود في أكثر هذه الروايات – لعله أخذ عنه دون أن يكون عنده فكرة تامة عنه – هو رجل خبيث وكذّاب كبير ومرمي بالزندقة، وأبو الحاتم بن حبان له فيه قول شديد، هذا الرجل من أكذب عباد الله، سيف بن عمر الضبي التميمي موجود في أكثر هذه الروايات على أن مدارها على علوان بن داود أو علوان بن صالح كما كان يعرفه بعضهم ثم لا تخلو رواية منها من ضعيف ومن مجهول ومن ومن، لا تُوجَد رواية بإسناد صحيح وبإسناد مُحترَم، فالقصة غير ثابتة، ولذلك أيضاً أنكرها العلامة الألباني في إرواء الغليل، قال كلام فارغ لا تصح، إذن أسقطوا هذه الأسطورة من رؤوسكم وإن جازت على ابن تيمية وابن حجر ولم يتكلَّموا عن إسنادها، فهم لم يبحثوا، ولو بحثوا لوجدوه إسناداً هالكاً.
أخيراً قالوا خالد بن الوليد حرّق اللوطية، فقد روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى بإسناده عن صفوان بن سُليم أن خالداً أرسل إلى أبي بكر في خلافته يقول له إن بناحية من نواحي العرب رجلاً يُنكَح كما تُنكَح النساء – والعياذ بالله – فماذا نفعل به؟ هذا شيئ لا تعرفه العرب، وهو شيئ فظيع، فجمع أبو بكر الناس من أصحاب رسول الله واستشارهم فكان أشد الناس فيه قولاً يوم إذن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال إن هذه معصية لم تعص بها أمة إلا أمة واحدة فعل الله بها ما قص علينا وأنا أرى أن يُحرّق، مع أنه ليس في القرآن أن الله حرقهم تحريقاًـ معروف كيف خسف بهم وجعل عاليها سافلها، على كل حال تشاور الصحابة فاجتمع رأيهم على أن يُحرَّق فكتب أبو بكر إلى خالد أنه حرِّقه فحرَّقه، قالوا واضح أن أبا بكر وخالد بن الوليد وعليّ بن أبي طالب والصحابة حرَّقوا اللوطية، صفوان بن سليم لم يُدرك أبا بكر، هذا خبر مُرسَل فيه انقطاع، وهو غير صحيح، ومن ثم لا نأخذ به، هذا دين فكيف تأخذ بأحكام كهذه وتُحرِّق عباد الله؟ لذلك ما رأي أبي حنيفة في اللوطية مع أنها من أشد وأبشع الفواحش؟ قال يُعذب تعزيراً لقول الله تعالى فَآذُوهُمَا ۩، الله لم يقل اقتلوهم أو حرِّقوهم، قال أبو حنيفة يُعذَّب تعزيراً، لا يُوجَد قتل ولا يُوجَد تحريق ولا يُوجَد إلقاء من شاهق أبداً، قال الله وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ۩، على كل حال صفوان بن سُليم لم يُدرك أبا بكر بل صفوان بن سُليم لم يدرك من الصحابة إلا اثنين فقط هما أبا أمامة وعبد الله بن بُسر، ولم يرو عن أي صحابي آخر فضلاً أن يروي عن أبي بكر الصدّيق.
أخيراً قالوا روى عبد الرزاق بن همام الصنعاني في المُصنَّف عن هشام بن عروة عن عروة بن الزبير أن خالداً حرَّق جماعة من المُرتَدين – في حروب الردة أخذهم وأحرقهم بالنار – فقام عمر مُعترِضاً وقال لأبي بكر أتدع هذا الذي يُعذِّب بعذاب الله؟ قال له كيف هذا؟ هذا يُعذِّب بالنار، وهذا عذاب الله ولا يُعذَّب به في الدنيا، فقال أبو بكر لا أشيم سيفاً سله الله على المُشرِكين، ما معنى أشيم؟ أُغمِد، الله سله فأنا لا أُغمِده وهذا سيف الله، هذه رواية لكن هذه الرواية أيضاً لا تصح، هذه مُنقطِعة مُرسَلة، لماذا؟ قالوا هي عن عروة بن الزبير عن خالد وأبي بكر، مَن هو عروة بن الزبير؟ على عيننا ورأسنا هذا التابعي الجليل، لكن عروة بن الزبير مولود سنة ثلاث وعشرين ومُتوفى بعد التسعين، أبو بكر متى تُوفي؟ سنة ثلاث عشرة، أي أن بين وفاة أبي بكر وميلاد عروة بن الزبير عشر سنين، وهذا يعني أن بينهما مفاوز، بينهما صحراوات ومفاوز ولذا هذا خبر مُرسَل لا يستند ولا يعتضد فلا نأخذ به، لن تجد – بإذن الله – غير هذا، لكن في صحيح البخاري – هذا ربما آخر ما نقوله – من حديث عكرمة أن عليّ بن أبي طالب حرَّق جماعة من المُرتَدين – خد لهم أخاديد وحرَّق عليهم، واختلفوا في التحريق، هل حرقهم أحياءً أم قتلهم ثم حرَّقهم بعد أن قتلهم أم دخن عليهم دخاناً فماتوا بالدخان، هناك روايات كثيرة – فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت مكانه لم أحرِّقهم بالنار، وهذا معروف لأن النار عذاب الله، وقد قال رسول الله من بَّدل دينه فأقتلوه، عند الإمام الترمذي فلما بلغت عليّاً قال صدق ابن عباس، عند الإمام النسائي قال عليّ ويح ابن عباس، كأنه يقول ما أعلمه، بعضهم قال معنى ويحه أنه يُنكِر عليه وهذا غير صحيح، إذا جمعت النسائي مع الترمذي لعلمت أنه يُعجِّب من علمه، أنا أقول لكم ما يستريح به قلبي وهو أن عليّاً من العلم بالمكان الذي لا يجهل معه حُرمة أن يُحرِّق إنسانٌ إنساناً حياً في الدنيا وأن هذا عذاب الله، ويكفيكم أن هذه الرواية على الأقل – وهناك روايات أخرى – التي في البخاري رواها عكرمة البربري، اعتمده البخاري ولم يعتمده مُسلِم، وقد حدَّثتكم عنه قبل زهاء أسبوعين، هذا الرجل كذَّبه جماعات كثيرون، حتى حين مات لم يصل عليه أحد، ولم يحمل جنازته إلا أربعة بالكِراء، أي أنهم دفعوا مالاً لهم، لأن الرجل كان مرفوضاً عند الناس ويعتقدون كذبه، فعكرمة يروي هذا الحديث، وأنا أقول لكم لا يليق هذا الحديث بعلم عليّ بن أبي طالب، فربما هناك مغزى أو غرض معين أن يُنسب هذا الفعل الفظيع إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكرَّم الله وجهه.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا فقهاً وعلماً ورشداً، اهدنا واهد بنا، وأصلِح وأصلِح بنا، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اللهم زِدنا ولا تنقصنا، وأعطِنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تُهِنا، وارض عنا وأرضِنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما جنينا على أنفسنا وما أنت أعلم به منا برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك ولطفك الخفي يا لطيف، يا رحمن، يا رحيم، يا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (6/2/2015)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: