إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۩ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ۩ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

لو سُئلت ما هو الشريك الصامت في الجرائم – جرائم الكراهية والاضطغان والعدوان والطغيان وكل أشكال التظالم – كلها؟ لما ترددت في القول إنه اللامُبالاة، الشريك الصامت في كل الجرائم اللامُبالاة، الذي لا يُبالي هو شريك في كل جريمة تحدث وتقع وتمر، اللامُبالاة هى أم الصمت، هذا الصامت السلبي العدمي الذي يدّعي الحياد بلامُبالاته لم يحظ يوماً بشرف الحياد، لا يُمكِن أن يكون مُحايداً بل هو مُجرِم بلامُبالاته، طريق اللامُبالاة ما هو؟ الاعتياد، أن تتعود، أمارة الاعتياد تبلد الأحاسيس، أشعر أحياناً بغضب وحنق على أنفارٍ قليلين من الناس يمتعضون حين نُبديء ونُعيد في أهم الملفات على الإطلاق التي لا يُمكِن التغافل عنها أوتجاوزها في الآن والراهن، ملف الكراهية والضغينة والجريمة، ملف استعمال وتوظيف الدين من أجل الكراهية والجريمة، لأن هذا لا يتعلَّق بمُستقبَل جماعة أو حتى وطن من الأوطان، إنه يتعلَّق بنا جميعاً كمسلمين وإلى حدٍ ما كبشر أيضاً، لأننا في نهاية المطاف جزءٌ من هذه البشرية وجزءٌ من الركب الإنساني وهو جزء له اعتباره، نحن الآن زهاء مليار وثمانمائة مليون مسلم، هذا يتعلَّق بديننا، وهو دين جميعنا، أي دينٌ لنا جميعاً، لا يُمكِن لأحد أن يختطف هذا الدين أو يحتكر الكلام بإسمه أو يدّعي أنه أحسن تمثيلاً له من غيره، وخاصة حين يكون مُجرِماً، حين يكون داعية كراهية ومذبحة وقتل وتكفير، لا يُمكِن هذا، لن نسمح بهذا ولن نعتاد وبالتالي لن نكون لامُبالين، مَن رأى نفسه مُستعِداً أن يكون معتاداً فليكن، ستحق عليه لعنة الله في الدنيا قبل الآخرة لأنه سيكون شريكاً في مُسلسَل ملعون من الجرائم المُتتالية المتداعية والتي تعتمد منطق التغذية الراجعة والاعتماد المُتبادَل، جريمة تُغذِّي جريمة، كراهية تُغذِّي كراهية، تتقوَّت على نفسها بطريقة ملعونة كالخلايا السرطانية وطبعاً تلتهم غيرها، لا تترك فُسحةً ولا فضاءً لغيرها، إذن إنه يتعلَّق بنا ويتعلَّق بديننا ويتعلَّق بحاضرنا، نحن الذين نُقتَل ونحن الذين نُذبَح ونحن الذين تُهدَر حقوقهم وتُغتَال حرياتهم ونحن الذين تُضيَّع أوطانهم وبلادهم، نحن الذين نُمرِّر المُخطَّطات فينا – كما أقول دائماً – كسكين في زبد، فهذا يتعلَّق بحاضرنا إذن وبكل ما يمت إلينا، يتعلَّق بحاضر أبنائنا وبناتنا الذي لم يأت، أعني المُستقبَل، نحن هكذا نغتال مُستقبَل أولادنا، لن ندع لهم مُستقبَلاً، أي مُستقبَل سيستشرفون؟ في أي لعنة سيعيش أبناؤئنا وبناتنا ونحن نُورِّثهم هذا الإرث كله من الحقد والكراهية والاستعداد – ماذا أقول؟ – غير المعقول وغير المسبوق للمذبحة وللمجزرة؟ كلمة بدم بارد لا تُعبِّر عن شيئ، يُوجَد فعلاً استعداد غير طبيعي ومن ثم يحتاج إلى تفكيك، ولذلك لا يُمكِن أن نكون مُعتادين وإن شاء الله لن نكون لامُبالين، مَن أراد أن ينضم إلى الطائفة التي تتأهل للعنة وللجريمة باللامُبالاة فلينضم، كثيرون مُنضَمون الآن أصلاً لأنهم لامُبالون ولا يتأثَّرون كثيراً، وهذا أمرٌ عجيب، تأتي أنت أو أنا نتكلَّم في مثل هاته الموضوعات – موضوعات الساعة الساخنة الطافحة بالهم والغم – فيقول لك أحدهم يا أخي حدِّثنا – مثلاً – عن عذاب القبر أو حدِّثنا عن آداب ليلة الزفاف، هذا شيئ من جنون، هذه أنانية قاتلة وحقها أن تُصلَب أولاً، لابد أن تُصلَب مثل هذه الأنانية حتى نتخلَّص من العار الذي طفح علينا وطفح فوق رؤوسنا، هذا عجيب جداً، أنت مُهتَم جداً بآداب ليلة الزفاف وبالشجاع الأقرع، في حين أنك تعيش أمام ألف مارد أقرع وليس أمام شجاع أقرع واحد يا مسكين يا أناني، لكنك تُفكِّر فقط فيما يخصك أنت وفي اهتماماتك الفردية الضيقة والضيقة جداً، لا لسنا برسم أن نستجيب لمقترحات أمثالك، فعفواً متأسفون لأن الوضع لا يحتمل، لابد من تفكيك هذه الحالة التي نعيشها، قبل الحديث عن المروعة – إن جاز التعبير – والمفزعة – ما يروع وما يفزع – والمذبحة والكوارث لابد أن نصل إلى القاع، إلى ما يرسب هناك ويُنبِت كل هذه اللعائن، سنجد هناك الكراهية ، قدر غير طبيعي من الكره، والكره في نهاية المطاف شئنا أم أبينا شعور إنساني، مَن منا لم يُجرِّب هذا الشعور على تفاوت؟ لسنا قديسين ولسنا أنبياء، حتماً الأنبياء لا يكرهون وأنا أعلم هذا، الأنبياء لا يكرهون ومِن هنا امتياز الأنبياء، الرسل لا يكرهون ولا يعرفون كيف يكرهون، يعرفون فقط كيف يُحِبون، ولم يكونوا دُعاة محبة ولم يكونوا رسل محبة فقط بل كانوا نماذج للحب الصادق، كيف يُحِبون أعداءهم بل كيف يُحِبون أعدى أعدائهم؟ ليس فقط يُحِبونهم وإنما يبكون من أجلهم، لعلي قلت مرة أن الرسل لا يُعامِلون الناس إحصائياً، أنا الآن سأُفضي إليكم بمعيار خطر لي نستطيع أن نُعيِّر به الحب الخالص – Pure أو Rein – من الحب المدخول المدغول ومن الحب الانتهازي ومن الحب الوسلي الذرائعي وإن شئتم سموه الميكافيللي، كيف نعرف هذا؟ كيف تعرف هذا وأنت تدّعي أنك تُحِب الخير لأمتك وتُحِب الخير لمُجتمَعك ولبلدك وللناس وللبشرية؟ كيف تعرف أن حُبك خالص وأنه من طِرز – مِن طِراز – حب الأنبياء للأمم وللناس وللآخرين؟ معيار بسيط وقاطع على ما أعتقد، صعب هذا المعيار،مُعظَم مصائبنا من هؤلاء الممسوسين الذين يتلبَّسهم هاجس أنهم رساليون، ما أجملكم أنتم، الناس العاديون جميلون جداً حتى حين يكونون أشراراً وسيئين، لماذا؟ شرهم على قدهم، شر صغير محصور مثل شرارة تُوشِك أن تنطفئ من تلقائها أحياناً إن لم يأت هؤلاء اللعائن لكي يُوظِّفوها في إحداث حريق يأتي على الأخضر واليابس، مَن هم؟ هؤلاء الممسوسون المهجوسون بهاجس أنهم يحملون رسالة، القدر اصطفاهم وانتخبهم لكي يضطلعوا بأداء رسالة، نحن نعرف الرسل فقط، هؤلاء هم الرسل لكن أنتم لستم رسلاً، هم يتلبَّسهم هذا الهاجس، أنهم سفراء السماء في الاضطلاع بمُهِمة، لديهم مُهِمات – Missions أو Missionen – عظيمة، ما هى هذه المُهِمة؟ تغيير العالم، قد تقولون هل تتحدَّث عن أيدولوجية؟ ما من واضع أيدولوجية إلا وهو مسكون بهذا الهاجس، كل أصحاب الأيدولوجيات – مثل ماركس Marx ولينين Lenin وهتلر Hitler وغيرهم – عندهم هذا الجنون طبعاً، يظن الواحد منهم أنه نبي بطريقة أخرى حتى وإن كان مُلحِداً، نبي القدر الذي يتوهَّمه والذي يستوهمه، أي أن هذا Phantasm، وطبعاً هناك أنبياء أصغر لكنهم أنبياء أيضاً، يظنون أنهم أصحاب رسالة، هؤلاء ينظرون إلى الناس وهم يظنون أنهم يُحِبون الناس، يقول لك الواحد منهم أنا أُحِب الخير للناس، إن كان داعية أو نبياً مُتنبِّئاً دينياً يقول لك أنا أُحِب أن أُعمِّر آخرتهم وأُحِب أن أُنقِذهم من النار، لكننا سنختبر هذا، نحن لدينا معيار، كيف تُعامِل الناس؟ كيف تنظر إلى الناس؟ سوف نرى هذا بشكل دقيق ربما لم يخطر منك على بال، هذا قد يُعامِل الناس على أنهم ميدان لنجاحه ومادة استعمالية لنجاحه، كالمادة التي يشتغل عليها النجّار والحدّاد والسبّاك، هذه مادة يشتغل بها، وهذا يشتغل بها، يشتغل بهؤلاء الذين يدعوهم إلى الله، الذين يشتغل عليهم، الذين يُعيد سمكرتهم ويُعيد تكوينهم وصياغتهم من جديد وفق أفكاره ورؤاه وخباله الديني، لأن كثيراً منهم مخبولون حقاً، قد تقول لي كيف هذا؟ لماذا تنبذ الناس؟ طبعاً كل داعية للكراهية وللبغضاء وللتكفير وللذبح مخبول، هو فقد أن يكون إنساناً حقيقياً، الإنسان لا يكون هكذا، الإنسان لا يُولَد بالكراهية، اختبروا هذا في أطفالكم الصغار، الطفل حين يُولَد يُحِب كل ما حوله، تأتيه بثعبان – كوبرا Cobra – كبير فيعبث معه ويُخرِج له لسانه، لا يعرف شيئاً عن الشر وعن الكراهية وعن البغضاء، أليس كذلك؟ الطفل يضع يده في فم الأسد، يلعب بكل شيئ ويقترب من كل شيئ ويضحك لكل شيئ، نحن الذين نُعلِّم ونُمنهِج ونُمأسِس للكراهية وللبغضاء ولكره الآخرين ولنفي الآخرين ولإقصاء الآخرين ثم لذبح الآخرين، وكل كراهية كما لاحظ الفيلسوف الأسباني الكبير أورتيجا أيجاست Ortega y Gasset هى قتل بالإمكان، أي أنها Potential، الكراهية هى قتل بالإمكان وليس بالفعل، لكن تُوشِك أن تتحوَّل في الظرف المناسب والظرف اللعين إلى قتل بالفعل وإلى سفك الدم، هذه هى الكراهية في حقيقتها، انتبه إلى هذا، حين تجد نفسك كارهاً وعندك القدرة على أن تكره ثم لا تبهظك هذه الكراهية ولا تشلك – تشعر أنك مشلول فلم تعد تستطيع أن تأكل كالناس ولا تشرب كالناس ولا تنام كالناس ولا أن تبدع ولا أن تبكي تأثراً وشفقاً وحباً وشوقاً، ليس عندك القدرة على أن تبكي بهذه المشاعر – اعلم أنك استحلت إلى مسخ آخر، لم تعد إنساناً، المُشِكلة أنك لا تُبهَظ بهذه المشاعر، عادي أنك تكره، انتبهوا إلى أنني الآن أتحدَّث وفي بالي أن الحديث عن ماذا؟ ليس عن كره الأعداء وكره الآخرين وكره من يبرز لنا الكره، ليس عن هذا، في هذه المرحلة أنا أتحدَّث عن كره إخواننا، عن كرهنا نحن، عن كرهنا لأنفسنا، عن كرهي لك، يا مَن تصلي معي في المسجد الواحد ويا جاري ويا ابن ديني ويا ابن توحيدي ويا تابعاً لقرآني ونبيي أكرهك – هذا شيئ عجيب – وعندي القدرة على أن أسفك دمك – كما قلت – في الظرف اللعين حين يتاح إلي وحين آمن العقوبة، عندي القدرة ومع ذلك لا أشعر بأنني مُبهظ وبأنني مشلول وبأنني شيئ آخر، أي شئ غير أن أكون إنساناً حقيقياً، لا يُبهِظهم هذا الشيئ، على كل حال هؤلاء – كما قلت لكم – المهجوسون المسكنون والممسوسون يرون الناس الذين يدّعون حبهم وإرادة نفعهم وخيرهم مادة استعمالية لهم وميداناً يصولون ويجولون فيه لكي يُثبِتوا أنهم دُعاة كبار وأنهم دُعاة إلى الله وأنهم أهل الله ورجال الله، وحدِّثني ما شئت طبعاً عن اللحى والعمائم والتشقيق في الكلمات والتقعر على بلاغة واطئة طبعاً ومُعجَمية مُهترئة وفكر منضوب مُستنَزف، لكن لا يغر بهذا إلا الجهلاء للأسف الذين فعلاً صاروا أو أوشكوا أن يصيروا مادة استعمالية لهؤلاء، هم أدوات يقتلون بها ويُفجِّرون بها ويذبحون بها وهم لا يدرون، طبعاً لأنهم تربية هؤلاء الممسوسين، فماذا تريد؟ هل تُريد أن يتخرَّج من تحت أيديهم عباقرة نقدة أيقاظ فحّاص سئّالون؟ هذا مُستحيل، أنت تأمل في المُستحيل، تأمل فيما لا تفهم أصلاً وفيما لا يخطر منك على بال، هذه الكلمات كلها لا معنى لها عندك، لذلك لا تتساءل بصددها أصلاً ولا تتساءل عنها ولا بها وأنت لا تسعملها، لكن حتى الآن لم نفهم المعيار، وهم يستعملون البشر في تثبيت هواجسهم ودعاواهم أنهم وأنهم وأنهم لا يُمكِنهم إلا أن يعاملوا البشر معاملة إحصائية، والبشر لا يُعاملون إحصائياً، البشر لا يُعاملون إلا إفرادياً، والدين علَّمنا هذا قبل إيمانويل كانط Immanuel Kant وقبل غير كانط Kant، الدين هو الذي علَّمنا هذا وبأجمل صورة، لم أعثر – والله – على رمزية تُؤكِّد هذا المعنى كرمزية الحديث الذي سأسوقه بعد قليل، وهو حديث يحكي واقعاً، ما هو هذا الحديث؟ ما هذه الرمزية؟ وما معنى التعامل الإحصائي؟ بإختصار سنتحدَّث عن التعامل الإحصائي، يقول لك هذا النبي الكذاب وهذا المُتنبيء المخدوع الخادع والضال المُضِل آمن بي ثمانون في المائة، عشرون كفروا بي وبرسالتي وبخطي فليذهبوا إلى الجحيم، إنك نبي كذاب، محمد لم يكن كذلك ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم، محمد آمن به من آمن وأقأم دولة ورفع راية ومع ذلك كان يبكي لكل كافر يأبى إلا أن يعتصم – والعياذ بالله – بوهم الكفر، يبكي ويكاد يقتل نفسه ويبخع نفسه، لم يقل ما حاجتي به؟ فليذهب إلى الجحيم، لم يقل هذا، ودائماً كان الله يسليه، قال الله فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۩، لماذا تبخع نفسك وعندك الكثير؟ لا، النبي لا يتعامل إحصائياً، النبي يتعامل إفرادياً، لماذا؟ لأنه نبي الله، الله رب العالمين، الله لم يخلق إنساناً واحداً فينا عبثاً، ما رأيكم؟ كل واحد فينا له أهمية قصوى عند الله، الأنبياء يحترمون إرادة الله وخلق الله ومنطق الله – إن جاز التعبير – ولذلك كل فرد عندهم له أهمية قصوى، والنبي – كما قلت لكم – بهذه الرمزية العالية التي لا يُمكِن أن تُنّظر لها – ليس لها نظير – قال لك ويبعث النبي وليس معه إلا الرجل، وقد حدَّثتكم عن هذا مرة، ما معنى هذا؟ الله علّام الغيوب – لا إله إلا هو – قبل أن يبعث هذا النبي وقبل أن يرسله من أجل هذا الرجل المُهتدي الواحد الوحيد كان يعلم أنه لن يستجيب له أحد إلا هذا الواحد، ومن ثم هو يستحق، هذا رجل واحد وهو رجل عادي جداً جداً مثلي ومثلك، أي أنه إنسان مُتواضِع بسيط، قد يكون زبّالاً أو كنّاساً أو أُمياً، بغض النظر عن هذا، أياً كان هو بنيان ربه، هذا آدمي، هذا خليفة الله في هذه المعمورة، هو مُهِم جداً، لا يُوجَد منطق إحصائي يقول آمن به خمسة وتسعون في المائة وليذهب الخمسة في المائة إلى الجحيم، علماً بأنهم يذهبونبهم إلى الجحيم في الدنيا قبل الآخرة، يحرقونهم ويقتلونهم بحُجة أنهم مُرتَدون وأنهم كفرة وأنهم ملاحدة وأنهم تأبوا على الحق، فيُقال اقتلوهم، لا وجود لهم، ولذلك طبعاً ما من طغيان يُمكِن أن يُضارِع الطغيان الدين فانتبه، طغيان رجال السياسة ورجال الحكم طغيان يتعلَّق بالسُلطة، يقولون لك اسكت واخرس عن سُلطتنا ولك ما تحب، اذهب تعبَّد أو تفلسف أو اكتب أو اعمل ما تُريد لكن إياك أن تقترب من سلطتنا، إياك أن تحرض علينا ولو من وراء وراء وإلا لا رحمة، هؤلاء هم الطغاة، لكن هؤلاء الطغاة ولا شيئ، طغيانهم ولا عشر طغيان المُتدينين، لماذا؟ المُتدين طبعاً السُلطة ملفوفة تحت جناحه، سوف تأتي دون أي كلام، السُلطة مُهِمة جداً لإقامة دين الله وشرع الله، مُهِمة جداً دون أي كلام، وطبعاً يقتل عليها ويذبح عليها – أي على السلطة – ويستبيح الدنيا كلها من أجلها، لكن حتى في غير السلطة يُلاحِقك في ضميرك، بالله عليكم ادخلوا على اليوتيوب YouTube وشاهدوا مُشاكَسات الديكة بين الذين يسمون أنفسهم بالدُعاة والمشائخ وكل هذا الكلام الفارغ، يقول لك والرجل نقطع – كمِّل الجُملة وقل نقطع على غيب الله، قل جاءني جبريل، قل يا أفاك يا آثيم -أن نيته غير حسنة وأن ضميره كذا وكذا، مَن يقطع بهذا؟ مَن يقطع؟ كيف تقطع على نية رجل مسلم يشهد التوحيد ويُصلي الخمس ويصوم ويحج ويدعو إلى الله؟ قال نقطع أن نيته غير سليمة، وهؤلاء المعاتيه من الذين يتلقون يُصدِّقون، يهزون برؤوسهم في عته وخبل، ينبغي أن يُقال له أنت دجّال، أنت مُتنبيء لعين، اغرب عنا، تباً لك ولنبؤتك، ستُورِدنا المهالك في الدنيا والآخرة أيها الكذوب والأثيم، لكنهم يُصدِّقون ويقولون هذا مضبوط، من المُؤكَّد أن نواياهم هكذا، هؤلاء زنادقة يا أخي، من أين ؟ لم يظهر أي شيئ يدل على أنهم زنادقة، فكيف يُقال هذا؟ يقولون نحن نعلم ما في القلوب، كيف يصدرون عن مثل هذا؟ هذا شيئ مُرعِب في أمتنا ونحن اعتادنا على هذا، هذا أصبح أمراً عادياً، لا تُوجَد حتى استجابات مصدومة ومدهوشة لأن يقوله هذا، هذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، هو يُنقِّب عن ضميرك فانتبه، ويدّعي أنه يعلم ما في ضميرك، ثم يُحاكِمك على هذا، طبعاً إن أصدر عليك حكماً بأنك نيتك والعياذ بالله غير صافية وغير خالصة وأنك زنديق فأنك تُقتَل مباشرةً، يعمل فيك معروفاً إذا استتابك فانتبه، تتوب عن اجتهادك وعن إخلاصك وعن نصحك للأمة، وإن لم تتب تُقتَل مُباشَرةً ويتقرَّب إلى الله بقتلك ويُكبِّر عليك، هذا عادي جداً، يقولون هذا إسلام، هذه قراءة للإسلام ما شاء الله، هذه مشيخة اليوم، هذا عمل إسلامي، هذه جماعات، هذه حركات، هذا جهاد إسلامي، والناس عندهم هذا عادي، هذا شيئ عادي، هل ينبغي أن تسكت حتى تغرق أنت وأحفادك وأولادك في هذا المستنقع لكي تُدرِك أن هذا شئ غير عادي؟ لا ينبغي أن نسكت، ينبغي أن نُبالي المُبالاة كلها يا رجل، فالطغيان الديني أبشع طغيان، طبعاً وهو إذ يُعدِمك حياتك وأمنك واستقرارك ويُدمِّر سُمعتك ويغتالك معنوياً وأدبياً أيضاً يزعم أنه يُلاحِقك في الآخرة ويُرتِّب لك صنوف العذابات في القبر وأشد وأنكى وأشقى وأخزى من هذا في الآخرة، أتساءل ماذا بقيَ لله من دور؟ أين دور الله؟ لا يُوجَد أي دور، الله الذي يعلم السر ويعلم النوايا ويُحاسِب الناس ليس له دور، نحن نعلم النوايا، الله الذي يعرف مَن أهل النار ومَن أهل النار وما إلى ذلك نحن نعرف مثله، هم يعرفون كل شيئ ما شاء الله، ماذا أبقوا لله من دور؟ لم يبقوا لله من دور، والله ما إن أصغره – هذا الذي ذكرت – لتخر له الجبال هداً، ما إن أضئله لتشقق له السموات العلا ومع ذلك نحن لا نبالي.

إذن نعود ونقول الأنبياء وورثة الأنبياء الحقيقيون ليس مِن شأنهم أن يُعامِلوا الناس إحصائياً، يُعامِلون الخلق إفرادياً، ليس حتى على مُستوى البشر بل حتى على مُستوى الحيوانات والنباتات، عندهم رحمة فيّاضة تفيض حتى على الحيوانات، انتبه إلى هذا، إذا أردت أن تُصلِح عالم البشر أو أن تُساهِم في إصلاح عالم البشر وإذا كان آدك وأتعبك وأرهقك الاضمحلال والفقر الروحي لدى الناس والأخلاقي عليك أن تبدأ بنفسك، عليك أن تسير في طريق الأنبياء وليس في طريق المُتنبئين الكذبة، انتبه إلى هذا، عليك أن تختار شيوخك، شيوخك هم موسى وعيسى ومحمد وإبراهيم ومن سار في دربهم، ليس هؤلاء القتلة الجزّارون الكذّابون والمُكذِّبون أبداً، عليك أن تختار تماماً وسوف تهتدي مُباشَرةً ولن تكون داعية حُب، ستكون أيضاً مثالاً للحُب، وسيبدأ تأثيرك يتسع ويتداوم كالدوامات أوسع فأوسع فأوسع بإذن الله تعالى.

كلكم تعلمون أمثولة دخلت الجنةَ امرأةٌ في كلب، كلكم تعرفون هذا الحديث الصحيح، وفي المُقابِل كلكم على ذُكرٍ من أمثولة دخلت النارَ امرأةٌ في هرة، بالله عليكم دائماً تذكروا أمثولة الهرة والكلب، قولوا هذا ليس هرة وليس كلباً وإنما هو عبد، هو عبد آدمي وأحياناً عبد آدمي مُوحِّد يلهج بلا إله إلا الله ومحمد رسول الله عشرات المرات كل يوم وليلة، ماذا يحدث معهم؟ وماذا يحدث لهم؟ وكيف يُجزَرون ويُذبَحون ويُكبَّر عليهم؟ واحكم وحدك يا صاحب السُنة ويا مَن سمعت إلى محمد إن كنت أحسنت أن تستمع إليه، يُمكِن أن نذهب إلى العالم كله – إلى العالم المسيحي واليهودي والمُلحِد اللاديني والعلماني والبوذي والكونفوشيوسي والطاوي والهندوسي – بحديثي الهرة والكلب، أنا أنصح لك إذا دخلت أي نقاش لكي تتحدَّث عن إنسانية الإسلام وعن منظور الإسلام للبشر اذهب بهذين الحديثين فقط، سوف يخشع أمامك العالم، سوف يقول هل فعلاً محمدكم كان هكذا؟ هل محمد علَّم هذا؟ طبعاً علَّم هذا وعاش هذا، هل تظنون أن الإسلام امتد وانتصر واستمر بالسيف وبالذبح وبأمثال ما نراه اليوم؟ لا والله الذي لا إله إلا هو، لا وعزة الله، الإسلام انتصر من أول يوم باذهبوا فأنتم الطلقاء، لم يقل أمضوا بضع عشرة سنة في الحرب وقد غرَّبوني وقتلوا عمي وقتلوا بناتي وقتلوا اثنين وسبعين من أصحابي في غداة واحدة في أُحد وتألّبوا علىّ ولم يبخعوا ولم يخشعوا ولم يُذعِنوا وقد أظفرني الله بهم والسيف مُسلَّط على رقابهم فلأُعمِله لأن إيمانهم سيكون فراراً من الموت إلى الحياة وسيكون نفاقاً، لم يُعمِل محمد المنطق، هذا هو المنطق بصراحة، هذا إيمان نفاق وكذب فقط إلا ما رحم ربي، ماذا سيكون غير هذا؟ لكن النبي لم يتحرَّك بهذا العقل الذي يمتح من الكراهية فانتبهوا، وإنما تحرَّك بقلب كبير ملآن طافح بالمحبة، ولم يتردد وحسم المسألة في خمس ثوانٍ، قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، لم يجدوا بُداً من أن يُسلِموا، أنا أقول لكم ما لم يفعله فيهم القرآن بآياته وبيّناته وبإعجازه وبسحره وبخلابته فعلته المحبة والمغفرة والصفح والتسامح والعفو والتجاوز، لقد قهرهم النبي بالحُب، أعلن عليهم الحُب بعد أن أعلنوا عليه الحرب، ما رأيكم؟ وفاز، عيسى – عليه السلام – بماذا فاز؟ لماذا إلى اليوم هناك الديانة النصرانية وهى الديانة الاولى أو الثانية في العالم؟ لماذا؟ ليس بمحاكم التفتيش، قطعاً ليس بمحاكم التفتيش – Inquisition – وليس بحروب الصليب وشارلمان Charlemagne والسكسون وأمثال هؤلاء، هذا مستحيل، ليس بالقتل واعتقال حريات الناس والدوس على حرية الضمير وإكراه الناس على الدين، كل هذا ساهم في إضعاف النصرانية وفي تشكيك أهلها فيها وخروجهم منها أفواجاً، وانظروا إلى الغرب اليوم، بسبب هذه الأشياء، لكن النصرانية لا تزال موجودة، وهى ديانة واسعة ومُمتَدة، وكان يُمكِن أن تكون أوسع بكثير، بماذا؟ أنا أقول لكم بالسيف الذي حمله المسيح، لم يحمل يوماً سيفاً، المسيح لم يحمل لمرة واحدة سيفاً، في اللحظة التي تم القبض عليه فيها وأخرج الحواري بطرس – كبير الحواريين – الخنجر لكي يُدافِع عن سيده قال له أغمِد خنجرك، مَن سل السيف بالسيف يكون موته، أنا سأستسلم لهم، المسيح انتصر ليس بسيفاً لم يرفعه يوماً ولم يُفكِّر في رفعه أصلاً وإنما انتصر بموعظة الجبل، أحِبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، المسيح علم بقوة إلهية صُبَّت في قلبه وفي أعصابه وفي عروقه وسارت فيه مسرى الدم في العروق أنه لا يقهر الجريمة ولا يقهر الظلام ولا يقهر الشلل ولا يكره التشوش والإرباك إلا قوة الحب، لابد من الحب والمغفرة والتسامح، كل ما ذكرت نار والحبُ هو الماء، إذا التقت الماء والنار – ماء لا ينضب ونار لا تنضب – فإن الغلبة للماء، وللأسف الإنسان مُؤهَّل ومُصمَّم لكي يُحِب بلا حدود ويُحِب إلى درجة التضحية بنفسه في سبيل غيره لأنه عنده هذه القدرة لكنه أيضاً – فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۩– مُصمَّم لكي يكره بلا حدود، يكره إلى درجة أن يقتل نفسه، وهنا سوف تقول لي هل تقصد التفجير؟ بالضبط هو هذا، يفعل هذا لكي يقتلك، وهذا أمرٌ عجيب، طرفان أقصويان وطرفان مُتقابِلان، أن أُحِب بلا حدود إلى درجة أن أُضحي نفسي في سبيلكم وفي سبيلكَ وفي سبيلكِ، هذا مُمكِن وقد حصل ويحصل، وأن أكره إلى درجة أن أقتل نفسي من أجل أن تموت أنت على رغمك طبعاً وأنت لا تختار الموت، أف هل هذا إنسان وهل هذا إنسان؟ باختصار هذا إنسان الأنبياء، هذا إنسان موسى وعيسى ومحمد، وهو حتى إنسان بوذا Buddha، هكذا علَّمه بوذا Buddha، هناك حكاية جميلة جداً في التراث التقليدي البوذي تتحدَّث بلسان فصيح أيضاً عن انبغاء مُعامَلة الخلق إفرادياً لا إحصائياً وعن التخفف من الهم الرسالي، لست مسئولاً عن إصلاح العالم لكنك مسئول عن حمل مسئوليتك، هل فهمت؟ سأوضِّح المعنى، لا يُمكِن أن يسع مالي الناس كلهم، ما رأيكم؟ لو كنت مليونيراً فإن مالي لا يسع حتى مَن أعرف، لدي ألوف الأصدقاء و لدي مئات الأقارب، لو أعطيت كلاً شيئاً لذهب مالي ولم أُبق لأولادي شيئاً، فأنا أسع بمالي بعض مَن أحب والأقرب الأَقْرَبُونَ أَوْلَى بِالْمَعْرُوفِ ۩ – والأمت بي صلةً من أصدقائي ومعارفي، هكذا هم البشر، لا تستطيع أن تس المال كلهم بأموالك، وحمقى مَن يطمحون مِن غنيٍ مِن الأغنياء أن يسعهم كلهم لأنه ابن بلدهم – مثلاً – أو ابن دينهم، لا يستطيع يا أخي وهو ليس الوحيد، ليطمع فيه بعضٌ ويطمع بعضٌ آخر في آخر وهكذا، لكن ما هو المنطق هنا؟ المنطق أنك حين تُحمَّل مسئولية عليك أن تحملها، وأنا الآن أخطب في هذه الساعة لست مسئولاً عن رجل يغرق الآن في النهر، مَن المسئول عنه؟ أحد إخواني وأحبابي في طريقه إلى خُطبة الجمعة رآه يغرق، ينبغي أن يقف سيارته، لا يُفكِّر الآن في الجمعة، لا يُفكِّر لا في الجمعة ولا في الجماعة، وينزل مباشرةً مُحاوِلاً إنقاذ هذا الذي يغرق ولا يعرف السباحة، هل فهمتم؟ هذا هو، هذه مسئوليته، أنا أيضاً سأتعرَّض لمثل هذه الحوادث العرضية في ظروف أخرى، ستنبت لي وستعرض لي مسئوليات جزئية ظرفية فيجب أن أتحمَّلها، هل فهمتم كيف هذا؟ حين يفتقر أخي أو أختي أو قريبي أو نسيبي أو صديقي أو حبيبي وأعلم هذا ينبغي أتحمَّل مسئوليتي في أن أرفع خصاصته وأن أشركه في المحنة وفي المأساة أيضاً والضر، هذه مسئوليتي، لكن هذا المنطق في حد ذاته يُؤكِّد أن الذي يتناسب معنا كبشر ومع قدراتنا وإمكاناتنا هو المنطق الإفرادي، على أنه في جوهره منطق إنساني عميق، تحكي هذه الحكاية البوذية التقليدية عن قديس كان يُدعى أسانجا Asanga، أحبطه وأحزنه انصراف الناس عن مُمارَسة الفضيلة مع كثرة لغوهم بها، مثل المُسلِمين اليوم وخاصة الدُعاة، لديهم كلام كثير عن الفضيلة والأخلاق والرحمة والتعاون والبر والتقوى وما إلى ذلك، لكن في الواقع العملي لا يُوجَد أي شيئ من هذا، يُوجَد العكس تماماً، هذا الرجل – أي القديس أسانجا Asanga – عاش بعد بوذا Buddha بثمانمائة سنة، علماً بأنه مشهور لديهم، وقد رأى نفس الحالة التي فيها كلام كثير عن الفضائل والمحبة والواقع مُقفِر، صفر من الفضيلة والمحبة، فشعر بإحباط شديد فقرَّر أن يعتزل العالم، لماذا؟ لعل بوذا المُستقبَل وهو مايتريا Maitreya – يُسمى مايتريا Maitreya – الذي سيأتي بعد ألوف السنين – هكذا في التراث البوذي التقليدي بوذا المُستقبَل سيأتي بعد ألوف السنين – يعرض له في كشف أو في حالة تمثّل أو في حالة مثالية ويُرشِده إلى الطريقة الحُسنى التي يستطيع أن يعيد بها الناس إلى رحاب الفضيلة لكي يعملوا بما يقولون، ذهب إلى أعلى جبل واعتكف هناك، ثلاث سنوات وما من شيئ ، لم يخطر له شيئ، لم يسنح له شيئ، لم تظهر له ومضة نور، فنزل من الجبل مُحبَطاً، فرأى عند سفح الجبل رجلاً مهزولاً لكنه قانعاً راضياَ ودائم التبسام، أي يتبسَّم دائماً، وبيده كتلة حديد ضخمة يمسحها بقطعة قماش، قال له يا أيها الرجل ماذا تفعل؟ قال أصنع إبرة، أي من هذه الحديدة سأصنع إبرة، قال سخيفٌ، سخيفٌ جداً، كيف يُمكِن أن تصنع إبرة بحك قطعة حديد كبيرة بقطعة قماش؟ قال له مهلاً، فأخرح له صحناً كان خبأه تحت شال أو تحت قطعة قماش، وهو صحن ملآن بالإبر، وقد صنعه في سنين طويلة بنفس الطريقة، هل فهمتم الدرس؟ قال قد فهمت وعاد إلى مُعتكَفه، ثلاث سنوات لا تكفي فعاد إلى المُعتكَف واعتكف ثلاث سنوات أخرى، وما من سانحة وما من بارقة، فتبخَّر الأمل فنزل وإذا بعصفور يأتي بأضغاثٍ من حشيش جاف ورطب وينزل هاوياً ليبني عشه عند المُنحدَر في أعلى شجرة، وإذ يهوي يضرب ويلمس ويحك بجناحيه صخرة، فنظر أسانجا Asanga وإذا بالصخرة قد تأثرت حقاً، لقد حدث تأثير، لأن من سنوات طويلة وأجيال من العصافير تفعل الشيئ نفسه والمكان ضيق فتحتك به، قال قد فهمت، هذه رسالة من الغيب، وعاد إلى مُعتكَفه واعتكف ثلاث سنوات أخر، وما من بارقة فنزل مُكسَّراً، تسع سنوات ولا شيئ، فإذا بماء يقطر ومن ثم التفت إليه، ذهب لكي يرى من أين يأتي هذا الماء، يأتي من أعلى الجبل ويتقاطر، وفي الأسفل صخرة عظيمة صار فيها مثل هيئة الحوض من قطر الماء، الماء يقطر قطرة قطرة قطرة من عشرات وربما مئات السنين، لقد اخترق الصخر – كما تعرفون – بعد أن جوَّفه الماء فأصبح مثل الإناء أو مثل الحوض، قال قد فهمت، لا فائدة ثم عاد إلى المُعتكَف، والآن اثنتي عشرة سنة سلخ من حياته الداعي إلى الفضيلة والمهموم بالفضائل، ونزل دونما سانحة أو بارقة فلما أقترب من بلدته وإذا – أكرمكم الله وأعزكم جميعاً وجمعوات – بكلب يعيث الدود فيه فساداً وقد هزل هزالاً شديداً، هو يُوشِك أن يموت ويقضي، فأخذه وجعل يلحسه بلسانه حتى لا يُؤذي الكلب ولا الدود،وأخذ يعتني به، فبين هو يعتني به فجأة إذ اختفى الكلب وإذا بالمايتريا Maitreya – بوذا المُستقبَل – أمامه بجناحين من أجمل ما يكون وهيئة قدسية نورانية، قال يا سيدي أهلاً وسهلاً ومرحباً، أين كنت؟ اثنتي عشرة سنة وأنا في انتظارك، الآن سنح له حين رحم الكلب، حين اعتنى بكلب، قال له بوذا Buddhaكنت معك طيلة هذه الفترة، مَن الذي صنع الإبر من كتل الحديد؟ مَن الذي أثَّر في الصخر بأجنحة الطير؟ مَن الذي حفر الصخر بقطرات الماء؟ لقد كنت أنا مَن فعل هذا كله مِن أجلك أنت يا سيد.

لا تعتن بمُستقبَل البشرية ومُستقبَل البلد ومُستقبَل البوذية ومُستقبَل الفضيلة ومُستقبَل الأمة، اعتن بما أمامك، هذه المسئولية الفردية تعامل معها مُباشَرةً ولا تحقرها، أرأيتم هذا المنطق؟ هذا نفس المنطق دخلت امرأة بغي الجنة في كلب، هذا – سبحان الله – نفس الشيئ، هذا تراث واحد في نهاية المطاف، ولذلك كان ألبرت أينشتاين Albert Einstein يقول عباقرة فن الحياة – كان يُسميهم عباقرة فن الحياة Art of Life – تمس حاجتنا إليهم أكثر بكثير من العباقرة أمثالي، أي عباقرة استخراج المعارف الموضوعية مثل نيوتين Newton وإديسون Edison وأينشتاين Einstein ونيلز بور Niels Bohr وفاينمان Feynman وأمثال هؤلاء، تحدَّث عن عباقرة فن الحياة وأصحاب الحكمة، مثل مَن؟ قال مثل عيسى وموسى وبوذا Buddha وكونفوشيوس Confucius وغاندي Gandhi، قال هؤلاء هم الذين علَّموا الناس كيف يعيشون، علَّموا الناس ما هى المباديء الأوثق لحفظ كرامة البشر وحرية البشر ومعنى البشرية والإنسانية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

إن شاء الله بعد صلاة العصر نُكمِل هذه الخُطبة لمَن شاء أن يبقى معنا ويستمع، سأُحدِّثكم عن نوعي الكراهية، الكراهية الفردية وكيف هى إنسانية، ولكن ما هو الموقف منها؟ خاصة الموقف الروحي والموقف الديني، وعن ما هو أهم من الكراهية الفردية والتي ليست بإنسانية بالمرة والتي تجتاح الحد الادنى من الإنسانية وهى الكراهة المجموعية أو الكراهة الشمولية، هذه كراهة مُخيفة مُرعِبة ولابد أن نقف عندها وقفة خاصة لكي نُفكِّكها، كيف تنشأ؟ كيف تشتغل؟ ما هو منطقها الداخلي؟ أقول لكم أن أمتنا طبعاً مكروثة الآن بالكراهية الثانية على أنها موبوءة أيضاً بالكراهية الأولى، الآن قلَّ أن تجد محبة وصفاءً ووداً حقيقياً، تُوجَد حالة من التحاسد ومن التباغض ومن التغاير ومن التنافس ومن التدابر ومن التشانؤ، ومن المُؤكَّد أن هذه الحالة تُولِّد الحالة الثانية أو تُساهِم فيها بطريقة أو بأخرى، لكن هذا – إن شاء الله -بعد صلاة العصر.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اهدنا واهد بنا، وأصلِحنا وأصلِح بنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين، اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك وخِر لنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتى لا نُحِب تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

لقد وقفنا يا إخواني في نهاية الخطبة الأولى عند كلمة العالم الكبير ألبرت أينشتاين Albert Einstein بخصوص حاجة الناس وحاجة البشرية إلى عباقرة فن الحياة فيما يختص بحياة الناس وبكرامة الناس وبحريات الناس، يقول نحن أحوج إلى حكمة هؤلاء من حاجتنا إلى علم أمثال أينشتاين Einstein الذين ينتجون المعرفة الموضوعية، أي عن العالم الطبيعي، خطر لي على ذكر ألبيرت أينشتاين Albert Einstein أنه يُوجَد جانب خفي في حياة هذا العالم الكبير يعرفه بعض الدارسين يتعلَّق بنشاطه الإنساني وبنشاطه من أجل حقوق المدنية Civil rights، هو كان ناشطاً في هذا السبيل، هذا جانب خفي والآن يُعاد اكتشافه شيئاً فشيئاً، وهناك محطات مُضيئة في حياة الرجل بهذا الصدد، من ذلكم – مثلاً – ما يُذكَر عن استقباله للمغنية الأمريكية من أصل أفريقاني أو إفريقي ماريان أندرسون Marian Anderson، هى مُغنية مشهورة وهذا كان في الوقت الذي كانت فيها العنصرية على أشدها بالذات في المدينة التي يقطنها أينشتاين Einstein، وهى مدينة برنستون Princeton، كانت هناك عنصرية بغيضة، إلى أربعينيات القرن العشرين لم يكن في برنستون Princeton مدارس عُليا يرتادها الزنوج، هذا ممنوع عليهم، وكما قال بعض المُؤرِّخين كانوا يُعامَلون هناك كما يُعامَل اليهود في ألمانيا النازية، فجاءت ماريان أندرسون Marian Anderson – المُغنية الأمريكية الأفريقية المشهورة – إلى المدينة، ولم يكن في استعداد أحسن الفنادق أن تستقبلها، ولكم أن تتخيَّلوا هذه العنصرية البغيضة، هذه أمريكا إلى الأربعينيات، هذا ممنوع فلا يُمكِن أن تنزل في أي فندق – Hotel – ومن ثم تبيت في الشارع لأنها زنجية، استقبلها ألبيرت أينشتاين Albert Einstein في بيته، وهذه بادرة جميلة جداً من هذا العالم الكبير، عالم على مُستوى العالم بل على مُستوى التاريخ ويتسقبل مغنية في بيته الشخصي لأنه كان إنساناً يشعر بمُعاناة البشر لأنه كان يهودي وعانى من النازية بلا شك، فهو كان يشعر بمُعاناة البشر، وله حتى موقف من قضية الشباب الزنوج التسعة الذين اتُهِموا باغتصاب فتاتين بيضاوين في ولاية ألاباما Alabama وتحديداً في مدينة سكوتسبورو Scottsboro، وعُرِفَت هذه القضية بـ Scottsboro Boys، أي شباب أو مراهقو سكوتسبورو Scottsboro، وقف معهم وأيَّدهم حتى النهاية، فالرجل كان فعلاً مُناضِلاً وناشطاً في سبيل حقوق الإنسان وفي سبيل الحقوق المدنية فوجب التنويه.

نعود إلى موضوعنا، نحن ذكرنا أننا لا يُمكِن أن نسع الناس بأموالنا، في الحقيقة لن نسعهم أيضاً بعواطفنا، لا نستطيع هذا، أنا لي قلب واحد، هذا القلب لا يُمكِن أن يتوزَّع على مليارات البشر، خيالياً يمكن أن تقول هذا مُمكِن لكن واقعياً غير مُمكِن، الإنسان لا يستطيع هذا، ومِن هنا الله- تبارك وتعالى – يرضى منا هذا الموقف الإفرادي، أن تُعرِب عن استعداد حقيقي للرحمة إزاء كلب أو إزاء دودة أو إزاء هرة أوإزاء إنسان – هذا أعلى وأعلى بكثير – في موقفٍ ما وتفعل هذاوتُبرهِن هذا قد تدخل الجنة بهذا، لماذا؟ لأن الله لن يُعامِلك هنا أيضاً إحصائياً وإنما سيُعامِلك إفرادياً، وهو عالم بطوقك وعالم بقدراتك، المنطق الإحصائي عند الله مرفوض، هو المنطق الإفرادي، عبر المنطق الإفرادي يُمكِن أن نُبرهِن نُبلنا وإنسانيتنا ورحمتنا ومحبتنا، نستطيع أن نفعل هذا لكن إفرادياً، ولا نستطيع أن نفعل هذا – كما قلت لكم – فيما يتعلَّق بجماعات كبيرة وبأمم وبشعوب، لا نستطيع هذا، نحن أفراد في نهاية المطاف، أعود إلى السؤال المُهِم الذي ينبغي أن يثور أو يُثار عند هذه المرحلة من الحديث وهو لماذا وكيف أحب الأنبياء والرسل أعداءهم؟ هم أحبوا البشر جميعاً، من المُؤكَّد أنهم أحبوا أوداءهم وأتباعهم وحواريهم، لكنهم أحبوا أيضاً أعداءهم حتى آخر لحظة وبكوا عليهم، هذا شيئ عجيب، لماذا؟ أنا أقول لكم المُقارَبة هنا ليست فلسفية وليست معرفية، مُقارَبة دينية بحت روحية وسأوضِّحها بمثال يسير، باستثناء الاستثناءات غير المفهومة وغير الإنسانية في صراع الإخوة الأشقاء حين يتأدى الأمر بأحدهم إلى قتل أخيه مثلما قتل قابيل هابيل فإن القاعدة أو الأغلبية أو المُعظَمية أن الإنسان مهما أساء إليه أخوه شقيقه – أخوها أو أخته – يظل في نهاية المطاف يراعي الإخوة، ويُحِبه ويتمنى له الخير، مهما أساء إليه يقول لك هذا أخي، طبعاً يُبرِّر هذ بتبريرات فنتازية ويقول الدم لا يصير ماء، هذا كلام فارغ، والله الدم ليس له علاقة بالقصة كلها، حتى وراثياً الدم ليس له علاقة بالقصة كلها، هذه نظرية الامتزاج الوراثية وهى لها علاقة بالدم، هذا كلام فارغ، الدم ليس له علاقة، الدم ماء ويصير ماء، يُوجَد شيئ أبعد من هذا وأكثر بساطة أيضاً وهو الأصل المُشترَك، بمعنى أنني أرعى أبي في أخي حتى وإن كان أبي ميتاً، أعلم إن هذا يرضي أبي، أعلم أن هذا يُحزِن أمي جداً، يُحِزنها جداً أن أكره أخي وأن أصرم وداده فضلاً عن أعدو عليه وأظلمه وأطغى، هذا مستحيل، هذا يُغضِبها جداً مهما كان هو ظالماً، هذا يُغضِبها ويُحزِنها، بالقدر نفسه يُرضيها ويُبهِجها ويُهنّئها أن أتسامح مع أخي وأن أغفر له وأن أمد له وأبسط له يد العطاء والمعونة ويد المُصالَحة والسلام، أليس كذلك؟ فأنا أرقب أبي وأمي في إخواني، أليس كذلك؟ هو هذا ببساطة، هذا تعليل قوي، بالمنطق ذاته – لن أقول هذا تنويع عليه بالعكس هذا تأسيس له – مَن هو رب البشر جميعاً؟ لا إله إلا الله، مَن هو رب العالمين الذي خلقهم ومن ثم هم عباده؟ الله تبارك وتعالى، هو ربي ورب عدوي هذا، ربي ورب أخي وحبيبي أيضاً، هو وحده لا إله إلا هو، ولذلك القرآن يبدأ بقوله بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ۩ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩ وهذا أمرٌ عجيب، أول آية بعد البسملة هى الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، وآخر سورة تقول قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۩ مَلِكِ النَّاسِ ۩ إِلَهِ النَّاسِ ۩، هو رب العالمين وهو رب الناس وإله الناس وملك الناس، سنفهم هذا إن آمنا به حقاً كما آمن به الأنبياء، هم آمنوا به بعمق مُتألِّق نفاذّ مُستبصِر، هم يفهمون هم دلالة هذا الإيمان ولذلك هم عدّوا الخلق كلهم أبناء الله بتعبير عيسى، ليس عيسى هو ابن الله وحده، هو كان يقول كلهم أبناء الله وأنا ابن الله، ليس ابناً مولوداً – Begotten – طبعاً، هو ابن بهذا المعنى المجازي وبهذا المعنى العبودي، ومحمد – عليه السلام – يقول ماذا؟ الخلق كلهم عيال الله، عيال بمعنى أولاد، هذا نفس الشيئ، عيسي يقول أبناء والنبي يقول أولاد لوجود أبناء وبنات، لا يقتصر الأمر على الأبناء، كلمة أبناء كلمة قاصرة قليلاً عن الذكور، لكن عيال تعني أولاد فتشمل الابناء والبنات، فالنبي يقول الخلق كلهم أولاد الله، يا الله، كأنه يقول لكم تصوَّروا والأمر أعظم من هذا بكثير وأنفذ أن الله هو أبوكم، فكيف ينبغي أن يُعامِل بعضكم بعضاً؟ كإخوة، هذا هو، ومن هنا إشهاد النبي فهو دائماً يُشهِد الله أن العباد كلهم إخوة، كأنه يقول أُشهِدك يارب أنني مُوقِن بأنك ربنا جميعاً، وأنا من هنا أنطلق، من هنا محبتي لهم، من هنا حدبي وحناني وعطفي، يا سلام، وهذا يشمل الخلق كل الخلق، فكيف الحال مع إخواني في الدين؟ كيف الحال مع إخواني في الملة؟ كيف الحال مع إخواني في الدين والملة وإخواني في الوطن أيضاً بل وربما إخواني في الحارة أيضاً؟ كيف يجب أن تكون رحمتي وحناني وحرصي عليهم؟ كيف؟ شيئ مُختلِف، أنا أتحدَّث خيالياً الآن، هذا حديث خيالي لا يمت تقريباً لواقع المسلمين بصلة للأسف الشديد، وهذا الشيئ المُحزِن، هذا لا يمت لواقع المسلمين بصلة.

نأتي الآن كما وعدتكم إلى الكراهية الفردية، وأنا قلت لكم هذه مشاعر إنسانية، الكراهية الفردية كلٌ منا جرَّبها على تفاوت وبقدر، نسأل الله أن يُنقّي قلوبنا منها بالمرة، أي من هذه الكراهية الفردية، لكن تبقى شعوراً إنسانياً من الصعب الإفلات منه، يُمكِن التخفف المُستمِر بالمُجاهَدة وبالرقي وبالثقة بالله وبالتعويل على الله، أنا أضمن لك كلما زاد إيمانك بالله وثقتك في الله – تبارك وتعالى – وحبك لله كلما تخفَّفت من مشاعر الكراهية وكلما صرت ترى الناس إخوة لك فعلاً، وهذا يحدث تقريباً في حياة البشر بشكل دائم دون أن يفطنوا إلى عبرته، كيف إذن؟ لو إنسان قليل الحيلة وقليل المحصول وغير مُتموِل فقير تقريباً وعنده مشاعر مرارة فإنها قد تستحيل إلى كراهية، يقول لماذا أنا الوحيد الذي ليس عنده؟ هذا عنده وهذا عنده وكلهم عندهم ولا يلتفتون لي رغم أنني أُعاني وأولادي يعانون وزوجتي وأهلي يُعانون؟ من المُمكِن أ نهذه المرارة تستحيل إلى ماذا؟ للأسف إلى كراهية أو حتى إلى ضغينة، هذه الاستحالة طبعاً غير صحيحة لكن هذا يُمكِن، هذا الشخص الممرور والذي يُعامِل الناس بمرارة – واضح أنه يُعامِل الناس بمرارة لأنه ممرور – فجأة فُتِحَت له كما يُقال نافذة في ليلة القدر، أهداه أحد الأغنياء الكبار أو أحد الناس الصالحين – لا ندري – مبلغاً كبيراً من المال لم يخطر له على بال، أعطاه مليوناً – مثلاً – أو اثنين مليون أو ثلاثة مليون فأغناه، بالله عليكم ما هو أول شعور سيُعرِب عنه وسيتكشَّف عنه هذا الإنسان؟ شعور رضا وقناعة وفرحة، سيفقد مرارته بضربة واحدة، سيغدو يمشي بين الناس وهو يُحِبهم جميعاً ويقول لهم أنتم إخواني وأنا أحبكم جميعاً، ما أحلى الدنيا وما أحلى القدر وما أحلى الناس، ويبدأ يُعطي كشكر على هذه النعمة، الآن بدأ يُحِب كل الناس الذين كانوا سبب مرارته بالأمس، لماذا إذن؟ لأنه اغتنى، المُؤمِن دائماً مُغتني بالله، ما رأيكم؟ حتى وإن كان فقيراً، ثقته في الله لا تهتز، عنده ثقة مُطلَقة في الله، علماً بأن هذه الثقة تتأسَّس في الأول وتُبنى وتنمو وتزداد بحسب صدق الإيمان وإخلاصه والاستقامة، قال النب قل آمنتُ بالله، ثم استقم، ويصل هذا المؤمن إلى حالة هو يعلم – نحن لا نعلم وإنما هو يعلم – معها أنه لو طلب الله ما شاء من الدنيا أعطاه ولباه، لكن هذه الحالة يغدو عندها زاهداً في الدنيا فلا يطلب، والنبي قال إن مِن عباد الله مَن لو طلب الدنيا لأعطاه الله،لكنه لا يفعل، لماذا؟ لا يرغب إلا فيما عند الله ومن ثم اغتنى، يقول اطلب الدنيا لماذا؟ تماماً مثل ذلك العبد الذي رآه أحدهم في سنة جدب وقحط – كانت سنة جدباء وفيها قحط، أي مُسنِتة كما تقول العرب، كانت سنة مُسنِتة جدباء – والناس في جهدٍ شديد، وهذا العبد يُصفِّر ويغني ويضحك ومبسوط، فقال له الرجل يا رجل الناس في هذا الكرب والجهد وأنت تغني وتُنغِّم؟ هل أنت مبسوط؟ قال له وما علىّ؟ ولم أُبالي ولي سيدٌ له كذا وكذا من الجنان غلتها كذا وكذا؟ فبكى الرجل، بكى الرجل لماذا؟ تذكَّر السيد الأكبر، لو كنا نُقِر ونُوقِن بهذه السيادة بمعنى أن لنا أيضاً سيداً مطلقاً – لا إله إلا هو – والله ما حزنا على الدنيا ولا انقطع الأمل من الله ولا تمررنا أبداً، موجود السيد لماذا نحزن؟ ليس ضرورياً الآن أن يكون عندي رطل خبز أو طن خبز، عندي قطعة خبز واحدة الآن تكفيني، ولي سيد لن يمنعني عطاءه ونداه، مثل هذا العبد عنده سيد عنده مخازن وجنان، كلما أراد العبد يأخذ من رزق سيده، ونحن عبيدك يا رب لا إله إلا أنت، نعلم أنك لن تنقطع فيضك عنا، وهنا قد يقول لي أحدكم جرَّبت، وأنا أقول له لا لم تُجرِّب، لم تُؤمِن حقاً ولم تستقم حقاً، عندك مشاكل باطنية، اذهب صف نفسك وسوف تصل بإذن الله، العلة دائماً من القابل لا من الفاعل، الله غني عن العباد وهو ذو موائد مبسوطة للجميع، مَن شاء أن يُقبِل أقبل، هذا هو الغنى بالله، فنأتي الآن إلى شعور الكراهية الفردي – كما قلنا – وهو شعور إنساني في نهاية المطاف، لكن لابد أن نُفكِّكه سريعاً على أنه شعور خطير، هو مقطع عن الله، حين تذهب إلى الله بقلب ملآن بالكراهية وبالحقد بالضغينة فهذا سوف يكون صعباً، سوف تُوصَد دونك الأبواب، الله لا يُدخِل في حضرته قلوباً غير سليمة، تقول الآية الكريمة إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ۩، وأنتم تعلمون قصة عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهما – وفي بعض الروايات يُقال ابن عمرو، الله أعلم، على كل حال هذه القصة كلنا نعلمها لكن لا بأس أن نُذكِّر بها لأنها جميلة ولطيفة، وينبغي أن نُعلِّماها لأولادنا لأن من الضروري أن يسمعوا هذا، وهى القصة التي أخرجها الإمام أحمد والإمام أبو بكر البزّار وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، قال أنس كنا جلوس عند رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – فقال يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة، أي من هذا الطريق سوف يأتي رجل من أهل الجنة، النبي يُبشِّر بهذا، وهذا يدخل في الغيب، قال فبين نحن كذلك إذ أقبل رجل لحيته تنطف منها ماء الوضوء، فقلنا هذا هو، هذا أمرٌ عجيب فهنيأً له، كنا في اليوم التالي فقال النبي مثل مقالته، يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، يقول عبد الله فطلع الرجل نفسه، أي نفس الرجل، وهذا أمرٌ عجيب، فالنبي يُؤكِّد كلامه، اللهم اجعلنا كذلك، هنيأً لهذا الرجل، وطبعاً هنيأً للصحابة برسول الله لأنه بين ظهرانيهم، هذا أمرٌ عجيب، سماء موصولة بالأرض على مدار الأربع وعشرين ساعة وهذا نور، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، قال واليوم الثالث أيضاً نفس الشيئ، أي حدث شرحه، وطلع الرجل نفسه فقال عبد الله بن عمر أو ابن عمرو – يُوجَد اختلاف الآن في بعض الروايات – لأعلمن حقيقة هذا الرجل، فولى الرجل واتبعه ان عمر، قال يا عبد الله إني لاحيت أبي – صار بيني وبين أبي مُشادَة كلامية – وأقسم علي ألا أبيت عنده ثلاثاً – أي أنا أعيش عند أبي في الدار، فأنا الآن صرت على باب الله – فإن أردت أويتني عندك حتى تنقضي – أي الثلاثة الأيام – فعلت، أي إذا أردت هذا، قال نعم أفعل، تفضَّل، فذهب ابن عمر أو ابن عمرو عنده، أي عند هذا الرجل البسيط، في الليل يُصلي الرجل العشاء جماعة مع الرسول ثم يأتي يضع رأسه وينام، قال فلم أره يقوم من الليل شيئاً، الصحابة كلهم عندهم قيام ليل، الصحابة يقومون في الليل ويقرأون القرآن ويبكون، لكن هذا إلى الصباح ظل نائماً، كان مُرهَقاً لأن من المُؤكَّد أنه كان يشتغل، غير أنه إذا تعار من الليل – ما معنى تعار؟ أي استيقظ وتحرك في مضجعه – ذكر الله تعالى، أول ما يقوم يقول لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وأستغفر الله، ذكر مُستمِر لأن قلبه كان موصولاً بالله، ثم يرجع إلى النوم، لا يقوم لكي يتوضأ ويُصلي ركعتين لقيام الليل، ولذلك لا ينبغي أن نغتر نحن ومَن مثلنا مِمَن يُقيم الليل ويقرأ القرآن وما إلى ذلك، لا تغتر أبداً، إذا قُمت أو لم تقم وعندك غل وحقد فإن هذا لن ينفعك، أهم شيئ أن يُوجَد صفاء في القلب، وأن يكون صفاءً حقيقياً مع الناس كلها، لا تقل لي أخي جرح كرامتي، هل أنت رسول؟ الرسل جُرِحت كرامتهم وعفوا وبكوا من أجل الناس، تعلَّم يا رجل، متى تتعلم؟ هذا – والله – شيئ يقبض القلب، متى تتعلَّم؟ متى تُحارِب شيطانك؟ متى تتغلَّب على شياطينك؟ نحن هنا لنُساعِدك أن تتغلَّب على شياطينك، نحن هنا لنُساعِدك في معركتك مع شياطينك، فساعد نفسك لكي يُساعِدك الله، لكن هناك أُناس لا يُحِبون أن يساعدوا أنفسهم، وهذا شيئ مُقبِض، وعلى كل حال هكذا انقضت الثلاث ليال وقد حدث شرحه، لا تُوجَد أي عبادة أخرى أبداً، قال حتى كدت احتقر عمله، ابن عمر يقول ما هذا العمل؟ هل سوف يدخل الجنة بهذا العمل؟ الصلوات الخمس فقط، ليس عنده لا قيام ولا أي شيئ ثانٍ، ما هذه القصة؟ فلما انقضت قال قلت له يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي مُلاحاة – أنا بصراحة كذبت عليك لكن هذا كذب أبيض لأنني أُريد أن أتعلَّم – غير أني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول لك – أي يقول عنك و يقول فيك، هذه لغة فصحى جداً، وهى في القرآن الكريم في الأحقاف – إنك من أهل الجنة ولم أر لك كبير عمل، فيا عبد الله أخبرني بالله ما الذي بلغ بك ما ذكر رسول الله عنك، أنت من أهل الجنة دون كلام، لأن في ثلاث مرات النبي يقول هذا، ثلاث نوبات وأنت المقصود، ما سرك؟ من المُؤكَّد أن عندك سر أو عمل ثانٍ قد خبأته، فقال له يا عبد الله ما هو إلا ما رأيت، والله ليس عندي أي شيئ تانٍ، أنا إنسان بسيط وليس عندي أي شيئ تانٍ، لا يُمكِن أن أقول لك عندي خبيئة عمل أو أي عمل كبير، فهذا ليس عندي، كان من المُمكِن يقول له عندي خبيئة عمل ولكنه سيبقى خبيئاً فلن أخبرك به، لكن هو ليس عنده هذا، هو رجل صادق ومن ثم قال له ليس عندي، لو هذا تم اليوم بسبب النفاق الذي عند بعض الناس لقيل له الله أعلم، دع الخلق للخالق، كأنه يقول له افترض أنت ما تُريد وأنا سوف أكون كما افترضت فكبِّرني، ما هذا النفاق والكذب؟ هؤلاء لا يُفتَح لهم أبداً بهذا الكذب فانتبهوا، لكن هذا الرجل قال له أنا – والله – ليس عندي أي شيئ إلا ما رأيت، فابن عمر أُحبِط، مشى وهو يهز رأسه وأخذ نفسه وولى، فهذا الرجل الصالح – أي هذا الصحابي رضوان الله عليه، جمعنا الله به في الجنة مع رسول الله وآله – قال له يا عبد الله ما هو إلا ما رأيت غير أني – قال له هناك أمر ربما يكون السر الذي أسعدني عند الله بحسب ما فهمت الآن – لم أبت ليلة ضاغناً على مسلم، في قلبي ليس عندي ذرة كراهية لإنسان مسلم يقول لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، قال له أنا لا أعرف أكره، سواء كنت تُسيء أو تظلم فأنا لا أعرف الكراهية، فاللهم اجعلنا كذلك، هذا شيئ عجيب، قال له لم أبت ليلة ضاغناً على مسلم، يا سلام، ما أحلى بياتك – والله – وما أحلى نومتك، هذا هو النوم، هذا النوم الصحيح الذي على اصوله، تنام وأنت مرتاح يا أخي، لو جاء الملك لكي يُقبِض روحه فإنه سوف يقبض روحاً طاهرة وقلباً سليماً، هذا هو فقط، مع قليل من العبادة دخل الجنة، يقول ابن عباس قال لنا -عليه الصلاة وأفضل السلام – مرة ألا أُخبِركم بشراركم؟ ويُقال لي قطع الله لسانك كيف تنتقد الأمة؟ يا أخي النبي يقول للصحابة فيكم أشرار طبعاً، ماذا تظن أنت؟ هل نحن اليوم صرنا أحسن من الصحابة؟ هذا غير صحيح، ينبغي أن نقول للناس ما يحتاجون أن يسمعوه، لا نُريد أن نقول للناس ما يُحِبون أن يسمعوه، انتبهوا إلى هذا، وهذا هو الفرق بين قائل وقائل، بعض الناس يتملقون الناس بأن يسمعوهم ما يُحِبون أن يسمعوه، يقول الواحد منهم لله دركم والله إني لأرى النور يتشعشع، نور ماذا؟ الله يُنوِّر عليك وعلينا، يُنافِقون الناس لكي يُصفِّقون لهم ويُتابِعونهم، لكن هذا غير صحيح، انصح الناس النصيحة التي سوف تُسأل عنها يوم القيامة، احك الحق الذي يُنجيك أمام الله، هذه هى النصيحة، خلِّص الحق من الدغل، هذا معنى النصح، النصح هو التخليص، أعط الشيئ صافياً صحيحاً فلا تخدع الناس، ماذا لو أن الأطباء ساروا على هذه الخطة بمعنى أن يقولوا لمرضاهم ما يُحِبون أن يسمعوه؟ لو فعلوا هذا لهلك المرضى، أليس كذلك؟ لكن الطبيب في نهاية المطاف مُلزَم أن يقول للمريض وإلا لأهل المريض حقيقة الحال، أي ما يحتاجون أن يسمعوه لا ما يرغبون أن يسمعوه، هل أدركتم يا إخواني وأخواتي؟ هو هذا، وعلى كل حال قال النبي ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا بلى إن شئت يا رسول الله، انظروا إلى الأدب، يقولون للنبي بلى إن شئت يا رسول الله، فقال الذي ينزل وحده، بدأ بمَن؟ بالأنانيين، قال هؤلاء شرار عباد الله، وخاصة شرار الصحابة، قال الذي ينزل وحده، يُسافر ويذهب ويأتي دائماً وحده، أي أنه مُتفرِّد وليس اجتماعياً، قال الذي ينزل وحده ويمنع رفده، لا يُعطي ولا يُعاوِن أحداً، يقول الله يفتح لك، قال أحدهم السلام عليكم لله يا مُحسِنين، فقال له هؤلاء غير موجودين، مَن تسأل عنهم غير موجودين، هل فهمتم؟ طرق باب الدار أحدهم قائلاً السلام عليكم لله يا مُحسِنين، فقال له هؤلاء غير موجودين، مَن تسأل عنهم غير موجودين، المُحسِنين غير موجودين، اذهب واطرق باباً آخراً، وهذا صحيح وقد صدق لأنه ليس منهم، قال النبي الذي ينزل وحده ويمنع رفده، أي أنه لا يعطي، لا يبض بقطرة كما يُقال، يده مثل الصخرة بسبب البخل – والعياذ بالله – والحرص والشح، قال الله وَأُحضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ۩، أهلك الناس الحرض والشح، النبي يقول ويجلد عبده، هذا يتلازم مع أوصافه، أي أنها سندروم Syndrome كما يقولون، لا يُوجَد إنسان أناني رحيم وحبّاب، هذا مُستحيل طبعاً، الأناني يكون قاسياً، الأناني يكون بخيلاً، لا تقل لي فلان أناني وهو كريم جداً، هذا مستحيل لأن الصفتان لا تجتمعان، الأناني من الطبيعي جداً أن يكون بخيل ومن الطبيعي جداً أن يكون قاسياً، انظروا إلى النبي الحكيم، أين أنت يا أينشتاين Einstein وقد ذكرت لنا موسى وعيسى ولم تذكر محمداً لأنك لا تعرف تراث محمد؟ وهذا ليس عيبه، عيب المسلمين أنهم لم يُبلِّغوا للعالم تراث محمد، لم يُحسِنوا أن يعرضوه عرضاً جيداً، قيل سيفٌ ومُصحَفٌ وآتيناكم بالذبح، ما شاء الله عليكم يا مُسلِمين، لقد بلَّغتم دين محمد، لقد بلَّغتم دين رحمة العالمين بسيفٍ ومُصحَفٍ، قالوا للناس انتبهوا وأقرِنوا بين القرآن والسيف، أول ما تسمعون كلمة Quran تذكَّروا السيف، تباً لكم ولهذا الشعار الأحمق، أي شعار سيف ومُصحَف، على كل حال لا علينا من هذا، قال النبي ينزل وحده ويمنع رفده ويجلد عبده، أف، الصحابة فهموا هذه المُتلازِمة، أي هذه السندروم Syndrome، قال ألا أخبركم بشر من ذلكم؟ أي مِن هذا العبد الأناني، ما زال يُوجَد مَن هو شرٌ منه، مَن يا رسول الله؟ قال الذين يُبغِضون الناس والناس يُبغِضونهم، الواحد منهم كارهٌ مكروه، هو يعيش على الكراهية، إذن هذا له علاقة بموضوعي، إنسان مكروه والعياذ بالله، هو ينفث كراهية، وطبيعي أن يستدعي الكراهية فانتبهوا، الآن في علم النفس والعلوم الحافة بعلم النفس يقولون كل المشاعر السلبية – طبعاً في رأسها الكراهية والحقد والضغينة – مِن شأنها أن تجتذب إليها نظائرها، الكره لا يُمكِن أن يستدعي الرقة والتعاطف – Sympathy – والتقمص الوجداني – Empathy – والعطاء والكرم والتعاون، هذا مُستحيل طبعاً، النفسية التي فيها كره تستدعي الشح والتفرد والحقد والحرص والغيبة والنميمة والإفساد والسعاية وكتابة التقارير والبغي والظلم والطغيان إن أمكن وفي النهاية الجريمة، أليس كذلك؟ وقد قلت لكم أن الفيلسوف الأسباني الكبير أورتيجا إي جاسيت Ortega y Gasset عرَّف الكراهية Hatred، قال ما هى الكراهية Hatred؟ انظروا ماذا قال هذا الفيلسوف، قال الكراهية معناها في نهاية المطاف هى القتل بالقوة، أي بالإمكان، الكراهية هى استعداد الجريمة، الذي يعرف كيف يكره يعرف كيف يقتل فانتبهوا، الذي يعرف كيف يكره حقاً يعرف كيف يقتل، طبيعي أن يقتل، وخاصة إذا أمن العقوبة وسنحت له الظروف – كما قلت – وساعدته والعياذ بالله، نرجع مرة أُخرى إلى موضوعنا، إذن شرٌ مِن هذا مَن؟ الذين يكرهون الناس والناس يكرهونهم، أف، أعوذ بالله من هذه الصفة، قال النبي ألا أخبركم بشر من ذلكم؟ بلى إن شئت يا رسول الله، قال الذين لا يُقيلون عثرة ولا يَقبلون معذرة ولا يَغفرون ذنباً، أف أف أف، ما إسمه هذا؟ الحقد، يا ويلك إذا دوست لأحدهم على طرف، علماً بأن أباه وأمه – واضح أن هذه أمور تربوية – علَّماه هذا، يتفاخر بنفسه ويدّعي أنه بطل، ونقول له اذهب وافعل هذا مع المُخابَرات والظلمة ومع الاستعمار وما إلى ذلك، كيف تفعل هذا مع إخوانك وأهل بلدك وأهل دينك؟ يقول أنا إنسان جيد لكن لا تدس لي على طرف، والله الذي سوف يدوس لي على طرف سوف أقطع دابره ودابر الذي أنجبه، لماذا يا حبيبي؟ مَن أنت؟ رب العالمين الناس يكفرون به ويُلحِدون به وهو يرزقكم ويُحييهم – لا إله إلا هو -ويفتح لهم باب التوبة ويُقيل عثراتهم ويَقبل أن يغفر لهم في آخر صُريعة قبل أن يموتوا وهو رب العالمين مَن أنا ومَن أنت؟ دُس لي على دماغي واعتذر مني وسوف قول لك سامحك الله يا أخي، كلنا ذاك الخطّاء، لن أقول دُس على طرفي وإنما دُس على دماغي من الأعلى، أبو ذر – رضوان الله عليه – تلاحى مع بلال وحدث بينهما جدال ومُنازَعة، فقال له يا ابن السوداء، والنبي كان يُحِب أبا ذر كثيراً وكان يقول أخبرني خليلي وقال لي خليلي وخصني خليلي، فالنبي كان يقول هذا دائماً لأنه يُحِبه كثيراً،   لكن عندما رأى هذا لم يُعجِبه، أنا أُحِبك لله وفي الله فلا أُعين شيطانك عليك، قال له طف الصاع، أي أن النبي قال له الأمر لا يُحتمَل، هذا معنى طف الصاع، النبي قال له طف الصاع يا أبا ذر إنه ليس لابن البيضاء فضل على ابن السوداء إلا بالتقوى إنك امرؤ فيك جاهلية، قال له هذه من صفات الجاهلية، هذه ليست من صفات التوحيد،هذه ليست من صفات عبد الله، هذه ليست من صفات الإيمان، ما أجمل ديننا، ما أحلى الإسلام والله العظيم، أقسم بالله ما أحلى الإسلام، يا خسارة الشباب الذين يُحاوِلون أن يُفرِّطوا في هذا الإسلام بسرعة، قالوا إسلام داعش وإسلام القتل لا نُريده، والله لو صار العالم كله دواعش ما تركت ديني وأقسم بالله على هذا، قسماً بالله لو كل المسلمين – كلهم عن آخرهم – صاروا دواعش وقالوا داعش هى الحق لقلت لكم كذبتم وأخطأتم لأنني أعرف ديني، ديني ليس هكذا ولن أترك ديني، ما علاقتي بداعش وغير داعش؟ لا تتركوا هذا الجمال، لا تتركوا هذا الإرث الرباني، العالم – والله – يغدو فقيراً بغير الإسلام وأقسم بالله على هذا، بدون الإسلام – والله – يفتقر العالم، هذا الدين مدد عظيم للحياة وقد كان مدداً بفضل الله، فلا تُحاكِموا الإسلام العظيم المُنير بأخطاء أبنائه وجنون أبنائه وجرائم أبنائه، أنصفوا – أنصفوا أنفسكم وأنصفوا الحقائق – وإلا كنتم من أظلم الظلمة، ونرجع إلى موضوعنا، فالنبي قال هذا هو، هؤلاء – والعياذ بالله – أهل الحقد، لا تُدس للواحد منهم على طرف لأنه لا يُسامِح ولا يَغفِر ولا يُقيل؟ أعوذ بالله، أعوذ بالله، هى خطيئة واحدة معه – تفريطة واحدة أو تفصيلة صغيرة – وتستجلب عداوته للأبد، قال النبي هؤلاء شر عباد الله، الله لا يُكثِّر في أمة محمد منهم ولا في البشر منهم، أعوذ بالله منهم، أنتم ترون أن النبي في حديثه يتدرج إلى أعلى أم إلى أسفل؟ يتدرج إلى أسفل، أسوأ فأسوأ فأسوأ، والبداية أين كانت؟ بالأنانية حين قال ينزل وحده، سعيد بنفسه ويدور حول نفسه مُتألهاً، الأنانية أصل من أصول الشرور كلها، حُب الذات والنرجسية، المُهِم هو أننا نختم الآن برابع شيئ، قال ألا أخبركم بشرٍ من ذلكم؟ ماذا؟ هل يُوجَد ألعن من هذا أيضاً؟ يُوجَد، قالوا بلى يا رسول الله إن شئت، قال من لا يُرجى خيره ولا يُؤمَن شره، هل هذا الأسوأ أم ليس الأسوأ؟هذا الأسوأ، هل تعرف لماذا؟ الذي قبله أنت منه في آمان ما لم تدس له على طرف، لكن هذا لا تدوس له على طرف ولا على دماغ وأنت بعيد عنه ومع ذلك لا فائدة ويُنشِّن عليك، يُقال هذا الزنديق الذي في القارة الثانية نُريد أن نتخلَّص منه، نحن في آسيا وهو في أستراليا لكنه زنديق وابن كذا وكذا ولابد أن نتخلَّص منه، يا رجل أنا في أستراليا وأنت في آسيا أو في أفريقيا، ما قصتك معي؟ قال النبي لا يُرجى خيره ولا يُؤمَن شره، صلى الله على مُعلِّم الناس الخير، تدرَّج بنا النبي وتَنَّزل بنا أوطى فأوطى فأوطى، أي أن النبي أخذنا من ظلام إلى درجة أظلم فتوقَّفنا عن الرؤية ثم إلى درجة أكثر ظلاماً ثم إلى درجة مُظلِمة وباردة جداً جداً جداً وهى درجة كريهة وتُذكِّر بالموت وبالقبور وبأعماق القبور، قال لك الواحد من هؤلاء الناس لا يُرجى خيره ولا يُؤمَن شره، وهكذا هو الإنسان إذا لم يتعاهد نفسه ويُواظِب بالتربية والتهذيب والمجاهدة، الشطارة ليست في أن تقرأ كتباً وتسمع كلاماً ثم تستعرض به على أُناس مثلك، ليست هكذا الشطارة، الشطارة في أن تُربي نفسك، ربِّ نفسك وجاهد لكي تجعل نفسك أفضل وإلا سوف تخسر، أنت عندك حياة واحدة، وكلنا يا إخواني – ما شاء الله – أصبحنا عواجيزاً، نسبة الشباب الصغار فينا قليلة، ولو قولنا مُتوسِّط العمر ثمانين سنة وهذا خمسون وهذا أربعون وهذا ستون فإن هذا يعني أننا – ما شاء الله – اقتربنا من الموت، نحن نرى السفح الآخر من الجبل، أنا سأموت وأنت ستموت وهو سيموت وهى ستموت وجاري سيموت و أبي وأمي ومُعلِّمي وشيخي والخبّاز والدبّاس والسمكري والصيدلي والطبيب والمُهندِس وسائق الترام سيموتون، الكل سيموت، سيقضي الثمانين سنة في هذا العالم الرائع، ما أروع هذه الدنيا وما أروع هذا العالم – والله العظيم – حين نتخذه دليلاً على الله وسبيلاً إلى الله – لا إله إلا هو – ونشتري به الخلد، نشتري به الأبد ونشتري به جوار الله في حياة أبدية ولا أسعد، ما أجمل هذه الدنيا، لكننا نُضيِّع هذه الثمانين سنة في القال والقيل والكره والحقد والمعارك والسخافات والسفاسف، فهى تضيع منا ولا يُوجَد دور ثانٍ، لا تُوجَد حياة ثانية، في الامتحانات يُوجَد دور أول ودور ثانٍ، أليس كذلك؟ لكن في هذه لا يُوجَد دور ثانٍ، ضاعت عليك الفرصة، لذا كُن حكيماً وفكِّر كثيراً، قبل أن تُرسِل لسانك كالسيف وتتكلَّم وما إلى ذلك اجلس في دارك وسَكِّر على نفسك الأبواب وفكِّر كثيراً في المباديء التي تُريد أن تنطلق منها في قيادة مركبة الحياة، انتبه فالأمر جد، كُن جاداً ولا تخدع نفسك ولا تُبرِّر لنفسك.
إذن مشاعر الكره خطيرة في الدين، خطيرة جداً جداً جداً، النبي قال البغضاء هى الحالقة، أما إني لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والعياذ بالله، البغضاء مكروهة لكن لماذا نتباغض؟ نُريد أن نُطرِّق للكره الجماعي طبعاً وهو أخطر، لماذا يكره أحدنا الآخر؟ باختصار دون أن نُطوِّل نقول ما من كرهٍ فردي يجد جذره في الفكري أو المعرفي أبداً، أي لا يُمكِن أن أكرهك وأن تكرهني بسبب الاختلاف في وجهات النظر في قضايا معرفية وعلمية، مستحيل هذا ليس السبب، والذي يقول لك هذل يكذب عليك ويكذب على نفسه، إذن ماذا؟ هذا ليس كلامي وإنما هو كلام عباقرة العلماء الذين بدأوا يدرسون الموضوع، للأسف موضوع الكراهية لم يُدرس بحياله كموضوع بشكل دقيق إلا قبل عقود، كان مُستخفاً به، لكن قبل عقود بدأ علماء النفس والاجتماع يدرسون موضوع الكراهية – Hatred – وأسبابها ، لكن قبل هذا لم يهتموا به كثيراً ولم يتفلسفوا كثيراً حول هذا الموضوع، لكن الآن الأمر اختلف، يُوجَد كتاب لعالمة مشهور جداً وهو على كل حال من مُؤتمَر، وهذه العالمة هى المُحرِّر وإسمها مارجريت ميلر Margaret Miller، أما الكتاب فإسمه The Birth of Hatred، أي ميلاد الكراهية، وهو كتاب مُهِم، هذا من أهم الدراسات المُعاصِرة في فلسفة الكراهية، ولعلماء مُشارِكين في هذا المُؤتمَر في أمريكا الفضل فيه، هذا الكتاب مُهِم جداً، باختصار رسالة هذا الكتاب تقول الكراهية ليست شعوراً بسيطاً بل هو شعور مُركَّب، وهو في نهاية التحليل شعور مرضي، ما من أحد يُمارِس الكراهية ويكره الآخرين – حتى الأفراد طبعاً – إلا يكون إما عنده إضطراب نفسي – هذا الرجل يكون مُضطرِباً نفسياً – وإما عنده استهامات ومُعاناة داخلية لم تصل إلى الاضطراب – Disorder – لكنها عند هذا المسكين، وفي نهاية المطاف ليس شخصاً صحيحاً نفسياً، الصحيح النفسي لا يكره، حين تختلف معه يقول لك لا تُوجَد أي مُشكِلة فهذا رأيك وهذا رأيي والسلام عليكم وانتهى الأمر، حين يرى عندك شيئاً ليس عنده يقول لك بارك الله لك، ما المُشكِلة في هذا؟ الذي أعطاك سوف يُعطيني، هذا أمر الله، لا يُمكِن أن أقول غير هذا، لماذا أنا أكرهك على فعل الله؟ هذا فعل الله وليس فعلك، مَن الذي جعلك غنياً وجعلني فقيراً؟ أليس هو رب العالمين؟ قال الله نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ۩، لكن هذا يدّعي أنه مُؤمِن وأنه يتغاضى وهو يُسلِّط نيران حقده عليك وكرهه لأنك أفضل منه في المال أو في العلم أو في الجمال أو في السُلطة أو في النسب أو في الوظيفة أو في أي شيئ، ومن ثم يكرهك، وأنا أقول لكم لكي نكون واضحين في الحقيقة هذا مشكوك في إيمانه، أي في جوهر الإيمان وليس في إيمان اللسان كأن يقول لا إله إلا الله، في جوهر الإيمان مشكوك فيه كثيراً، هذا لا يكره العبد وإنما يكره ربه طبعاً، وأنا أقول لكم علم نفس الإلحاد – Psychology of Atheism، أي سيكولوجيا الإلحاد – يُعلِّمنا ويقول لنا أكثر الملاحدة ليست قضيتهم أن أدلة الإيمان لم تكفهم، أي أنهم لم يُلحِدوا معرفياً وعلمياً لأن الأدلة لا تُقنِعهم، ما شاء الله الأدلة التي أقنعت أرسطو وأفلاطون غير قادرة على أن تُقنِع هذا الفيلسوف الكبير الذي هو أذكى من أرسطو ، لكنها أقنعت الغزالي وابن رشد وتوما الأكويني Thomas Aquinas ورينيه ديكارت Rene Descartes ولايبنتز Leibniz وإسحاق نيوتين – أيزاك نيوتن Isaac Newton – وألبيرت أينشتاين Albert Einstein ومع ذلك لم تُقنِعه هو ما شاء الله، لم تُقنِعه لأنه أذكى منهم، لكن علم النفس الإلحاد يقول مُعظَم هؤلاء الملاحدة ليست قضيتهم أنهم لا يُؤمِنون بالله وإنما يكرهون الله، طبعاً هذا كلام دقيق جداً، هم يكرهون الله ويكرهون وجوده ولقاءه وأنه موجود حقاً، هل تعرفون لماذا؟ لأنهم يكرهون أنفسهم، قال الله نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۩، الواحد منهم يكره نفسه ويكره شكله ويكره نسبه ويكره إسمه ويكره قدره، يقول لماذا أنا كذلك؟ لماذا أنا لست كذلك؟ يكره وبالتالي هو غير قادر في مُجتمَع مؤمن وأمام نفس مخدوعة بعنوان – Title الإيمان وشعار الإيمان أن يقول لنفسه أنا في الحقيقة أكره الله فلابد أن أُراجِع إيماني من أول وجديد وأرى ما هو الحل، يجب أن أعرض نفسي على أطباء نفسيين وروحيين، يقول لنا أنا أكرهكم، يقول انظر يا أخي إلى هذا الكريه، انظر إلى شكله وإلى الكيفية التي يبدو بها، لماذا هو كريه؟ هو من أحلى الناس ومن أطيب الناس والناس يُحِبونه، يقول هم مخدوعون فيه وأعوذ بالله منه ويا أخي أنا أقسم بالله أنه كذا كذا، هو مسكين ومن ثم دخل في بعضه لأنه مُتعَب، أحد الحكماء ماذا يقول؟ الحب يُعمينا – Blinds us – عن الأخطاء To Default، يقول النبي حبك الشيئ يعمي ويصم، عندما أُحِبك لا أرى فيك أي غلط، أليس كذلك؟

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ                   وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا.

يتوقَّف عن أن يرى حتى الفضائل – Virtues – التي عندك، واضح أنك مُتواضِع وواضح أنك طيب وواضح أنك كريم وأنك حبّاب وابن ناس مُحترَم وخلوق، لكنه لا يرى هذا كله، أغضب عليكم فلماذا لا ترونه بالعين التي آراه بها؟ هو كذا وكذا وكذا، هذا المسكين مُتعَب، أنا أقول لكم – كما قلت قبيل قليل – أي أحد مسكين يكره ويعرف يكره الناس ويُبرِّر ويُفلسِف كرهه هو مُبهَظ مشلول، مارتن لوثر كينج جونيور – Martin Luther King Jr – الابن طبعاً حكى عبارة جميلة جداً، قال ماذا؟ قال الكراهية تُربِك – Confuses – الحياة، والمحبة تُنسِّقها Harmonises، الكراهية تُربِك الحياة، والمحبة تُنسِّقها وتُنغِّمها، انظروا إلى هؤلاء الناس، هؤلاء هم الحكماء الذين تحدَّث عنهم أينشتاين Einstein، هؤلاء الناس نتعلَّم منهم ونأخذ لغتهم ونأخذ حتى هذه المقبوسات الخاصة بهم لأنها تدل على حكمة عميقة مُستقطَرة من تجارب ومن قراءات ومن تعمق ومن أشياء كثيرة، هم رجال كبار بلا شك، قال الكراهية تشل – Paralyzes – الحياة، والحب يطلِقها Releases، الكراهية تُعتم – تجعلها مُظلِمة – الحياة، والحب يُنيرها، هذا هى الكراهية، انظر إلى هذه الكراهية لكي تفهمها ولكي تكره الكراهية، ولذلك ماذا يقول مارتن لوثر كينج جونيور – Martin Luther King Jr – الابن في مقبوسة أخرى؟ الشهيد طبعاً الذي قُتِل في عام ثمانية وستين ظلماً وعدواناً يقول لقد قرَّرتُ أن أسلك سبيل الحب، فالكراهية أثقل مِن أن أتحملها، يا سلام، قال هى ثقيلة جداً فلا أقدر على حملها، ومن المُؤكَّد أنه يعجب من الناس الذي يستطيعون حملها كيف عندك القدرة – كما قلت في بداية الخُطبة – ألا تُبهِظك الكراهية؟ كيف تحملها وتمشي بها؟ في الحقيقة أنت لا تمشي، أنت جالس، أنت مشلول كما قال، وتظن نفسك مُبدِعاً لكن أنت مشلول، وانظر إلى نفسك ولن تجد عندك قطرة من الإبداع، مُستحيل أن يكون عندك أي إبداع، هذا مُستحيل طبعاً، أنا أتحدى أن تروا أي إنسان يكون كارهاً وينفح وينفث ويتنفس الكراهية ويعلِّم الكراهية كما لو كان مبدعاً ولو في أي شيئ، أتحدى أن يكون مُبدِعاً، هذا لا يُمكِن، الإبداع يريد حرية ويريد إنطلاقاً ويريد خفة كخفة العصفور، وهذه لا يُعطيها إلا المحبة، لابد من محبة الناس والمغفرة والتسامح، هذا هو، ولذلك قد يقول لي أحدكم كيف أُبدِع يا عدنان؟ وأنا أقول له أول شيئ هو أن تتخفَّف من الكراهية، ما علاقة هذا بالإبداع؟ هذا مُهِم جداً، هذا شرط أساسي، لو حققت كل الشروط وعندك كراهية تبقى مشلولاً، تبقى شخصية عقيمة، نرجع إلى سؤالنا الذي لم نُجِب عنه، لماذا نحن نكره بعضنا البعض؟ لأننا – كما قلنا – نكره أنفسنا ونكره أقدارنا ونكره مَن يُذكِّرنا بما نكرهه في أنفسنا، ولا نُصارِح أنفسنا بأننا نكره هذا في أنفسنا، يقول الواحد منا أنا راضٍ بالعكس أنا راضٍ جداً عن نفسي يا أخي، أنا – والله – مثل ديوجين الكلبي Diogenes of Sinope، جاء مرة الإسكندر المقدوني Alexander the Great ابن فيليبوس Philippos ووقف بالفرس في يوم مُشمِس أمام ديوجين Diogenes وقال له يا ديوجين Diogenes كيف حالك؟ كيف هى أخبارك؟ وهو رجل يعيش في برميل، قال له أنا من أحسن ما يكون وضعي، فقال له يا ديوجين Diogenes لو لم تكن ديوجين Diogenes لتمنيت أن تكون مثل مَن؟ ومن المُؤكَّد أنه يقصد أن يقول مثل الإسكندر Alexander فاتح العالم، قال له لو لم أكن ديوجين Diogenes لتمنيت أن أكون ديوجين Diogenes، فانزعج الإسكندر Alexander طبعاً، تحدى الغطرسة الداخلية التي عنده، وهى غطرسة فاتح عظيم، قال له هل لك طلب إذن؟ قال له عندي طلب، ففرح الإسكندر Alexander بهذا، انتبه إلى هذا، لذلك الكبار الذين عندهم طغيان داخلي وعُقد نقص وهم مِن أصحاب السلطة والقوة هل تعرف متى يكرهونك؟ إذا اتصل طبعاً سببك بسببهم -وحاشاك إن شاء الله وأعيذك بالله من هذا، أنت لا تُريدهم – متى يكرهونك؟ إذا أشعرتهم بالاستغناء، إذا كنت مُستغنياً عنهم، أنا لا أُريد أموالكم ولا أريد وظائفكم ولا أُريد شهاداتكم، أنا أتيت لكي أنصح ولكي أُقدِّم الخير ولا أُريد أي شيئ منكم، يكرهونك كرهاً شديداً، لماذا؟ لأنك تُشعِرهم بالعجز الآن، هم يشعرون بالقوة إذا سمحت لهم أن يستذلوك وأن يستعبدوك، حتى لو أعطوك الملايين هم اشتروك واستعبدوك، فحين ترفض هذا بإباء وأنفة يغضبون جداً منك، الطواغيت الصغار كذلك، مثل مديرك في الشركة وإمامك في المسجد، هناك – والله – أئمة طغاة والعياذ بالله، يغضب الواحد منهم غضباً شديداً من أي أحد يُصلِح له مسألة أو يُخالِفه في الرأي أو يقول له شيئاً، يغضب ويُجَن جنونه، وبعضهم مُباشَرةً ينزلق إلى التكفير،قبل أيام بعث لي أحد أحبابي مقطع فيديو – Video – وهو مُهندِس والله، وقال لي انظر يا دكتور هل حتى في هذا يُوجَد تكفير؟ سمعت المقطع ولم أدر هل أضحك أم أبكي والله، هذه مُضحِكات مُبكيات، قال أي أحد يستهزيء على لباس رجال الدين يكفر، هذا كفر ومن ثم تكفر إن فعلت وأنت لا تدري، كفر ماذا؟ ما هذا الغباء؟ كفر ماذا يا رجل؟ أستهزيء بك وبلحيتك ولا أكفر، هذا كلام فارغ، هم يضحكون على الناس ويطلبون من الناس أن يكونوا فعلاً مُتهيبين جداً أمامهم وحتى أمام لباسهم، وطبعاً يُؤوِّل ويقول هذه سنة وأنت حين استهزأت بها لم تستهزئ بي، لكن أنا – والله – في الحقيقة استهزأت بك أنت بصراحة، منظرك لم يعجبني، ليس أكثر من هذا، هل أنا استهزيء بمحمد؟ تباً لي، ولعنة الله علىّ إلى آخر الدين والدنيا إذا استهزأت بمحمد عليه السلام، محمد التراب الذي يمشي عليه فوق رؤوسنا كلنا، لكن هو يُريد أن يُلبِّسك غصباً عنك الخطأ ويقول أنت قصدك أن تستهزأ يا زنديق برسول الله ولم يُمكِنك أن تتطرق إلى استهزائه حتى استهزأت بي، علماً بأن كل هدفه أن يقطع لسانك عنه هو، يُحِبون من الناس أن ينظروا لهم نظرة خاصة، وهذا شيئ بشع وشيئ كريه، النبي لم يكن كذلك، عندما جاء أحدهم وسب أبا بكر في وجهه وقال له فيك كذا وكذا، علماً بأنه كان خليفة، فقال أحدهم لهذا الرجل لقد كفرت، قال أبو بكر له اسكت، ليست لأحد بعد رسول الله، رسول الله الوحيد الذي أذا سبه يكفر، قال له حتى لو سبني لا يكفر، مَن أنا؟ واليوم ليس أبا بكر الصديق مَن يُسَب، انظروا وتعلَّموا، مثل هؤلاء يقول الواحد منهم مَن هو أبو بكر؟ هو صديق الأمة وقد قال الله إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ۩، هو الصديق وهو كذا وكذا وهذا الرجل حين سبه أراد أن يسب نبيه فهو زنديق كافر واضربوا عنقه، وهذه طريقة في التفقه ولا أغبى، أقسم بالله هذه طريقة إبليسية، ما هذا الفقه؟ تباً لهذا الفقه، أي لفقه هؤلاء.

على كل حال طوَّلنا ودخلنا في موضوعات أُخرى، نعود ونقول نحن – كما قلت لكم – يكره بعضنا بعضاً لعجزنا، لأننا نُذكِّر بعضنا البعض بما يُزعِجنا في أنفسنا، هذا بذكائه يُذكِّرني بغبائي، ومن ثم أغضب وأكرهه، لأنه يُذكِّرني بأنني غبي، واعظ القرية الذي كان يظن نفسه أبا حامد الغزالي أو أبا الفرج بن الجوزي لأنه يعظ في القرية عشرين سنة حين أتى واعظٌ جديد مُتعلِّم وعنده شهادات عليا ومنطيق ومُتكلِّم وملسن وسريع البديهة وقوي العارضة وحاضر الحًجة وقوي المُستمر أصبح يكرهه كرهاً شديداً ويبدأ يتصيَّد له، لا لأجل العلم والموعظة والدين، فقط لأنه قلَّل من حجمه أمام الناس، أنت كواعظ كنت في نظر الناس عملاقاً، لكن جاء عملاق حقيقي فارتددت قزماً في نظر الناس، وهذا الطبيعي لأن الناس تُقارِن، يكرهه كرهاً شديداً وتصير المعركة دينية، وهذا كذب طبعاً، هى معكرة نفسانية شخصية، هل فهمتم؟ أنا أكره هذا لأنه يُذكِّرني – مثلاً – بنسبي، يقولون عنه جاء الأمير ابن الأمير ابن كذا وهذا ما شاء الله، هؤلاء سادة يا أخي وهذا من نسل رسول الله فبركاتك يا سيدنا، وهذا نسبه خسيس بل قد يكون مطعوناً في نسبه، فيغضب هذا المسكين غضباً شديداً ويبدأ يطعن في السيد الشريف يا أخي هذا من نسل رسول الله، ما علاقتك يا رجل، عيب هذا الكلام، اسكت ولا تُنبِّه الناس على خسة أصلك بهذه المعركة الخاسرة، لكنه يفعل المسكين ويدّعي أنه يكرهه لأسباب موضوعية، والأسباب دائماً شخصية، على كل حال هل فهمتم الرسالة؟ هذا الضعف البشري، كلنا ذلك البشر، فنسأل الله أن ينجينا من هذا الضعف، نأتي إلى الجزء الأهم الآن والأخير في الخُطبة، ما يهمنا الكراهة المجموعية، وهنا قد يقول لي أحدكم ما معنى الكراهية المجموعية؟ الشر الشامل، ما هو؟ حين تكره مجموعة من الناس – كأن تكره شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم أو طائفة أو أهل مذهب أو أهل دين أو أهل ملة – ليس حتى لك علاقة شخصية بهم أحياناً، ما رأيك؟ من المُمكِن أن شخصاً ينتمي إلى دين أو طائفة في بلد ليس فيها من الطائفة من المكروهة هذه أحد – هم موجودون في بلاد أخرى – ويراهم في التلفزيون – Television – فقط ولا يراهم في الواقع ولا يُواكِلهم ولا يُجالِسهم وليس عنده أي مُشكِلة شخصية مع أي أحد فيهم إلا أنه يكرههم جميعاً ويتمنى إفناءهم وقتلهم جميعاً، وقد استعمنا قبل أيام إلى أحد هؤلاء وهو يقول لو كانوا مليار ونصف لأحببنا أن نقتلهم كلهم من عند آخرهم، أف، ما هذه القدرة على الكراهية؟ قدرة غير طبيعية وقدرة مُخيفة وهى بحجم الكون، هذا شيئ رهيب، هو يتمنى أن يقتل مليار ونصف، هذا أمرٌ عجيب يا أخي، عجيب جداً هذا الشيئ، ما هذا؟ ماذا يحدث هنا؟ هذا الذي نريد الآن تفكيكه بسرعة، في القرن العشرين المُنصرِم أول مَن درس هذه الحالة ودفع الثمن طبعاً وتبهدل في دراسة علمية فلسفية لأول مرة الفيلسوفة السياسية اليهودية التي عانت نوع مُعاناة من النازية طبعاً حنا أرندت Hannah Arendt، حنا أرندت Hannah Arendt عندها كتاب إسمه Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil، علماً بأن كلمة Eichmann تُنطَق بالألمانية أيشمان لكن نحن نطقها في النمسا هنا أيخمان، مثل أدولف أيخمان Adolf Eichmann، و In Jerusalem تعني في القدس، : A Report on the Banality of Evil أي تقريرٌ عن الشر التافه، كلمة Banality تعني الشر الاعتيادي أو الشر التافه، ما هو الشر التافه؟ هو هذا، حنا أرندت Hannah Arendt اليهودية المُضطهَدة هى وأهلها وقومها بدراستها حالة أدولف أيشمان أو أيخمان Adolf Eichmann توصَّلت إلى هذه النظرية، وطبعاً دفعت ثمناً صعباً، لُعِنَت من اليهود والصهاينة واتُهِمَت بأنها كارهة لنفسها – يهودية كارهة لنفسها – وأنها كارهة لقومها، وهى لم تكن كذلك، بالعكس مُتعاطِفة مع قومها ومع الضحايا، لكنها أحبت أن تفهم، قالت لماذا فتحتم النيران علىّ؟ أنا أحببت أن أفهم، علماً بأن هذا مثل ما يحصل الآن، أنا قبل أسابيع أثنيت على الأزهر وأنا أعرف ماذا أقول لأنه لم يُكفِّر داعش، لأنني أعلم أن السلاح الذي تستخدمه داعش في قتلي وقتلك هو التكفير فانتبه، هى لا يمكن أن تفعل هذا إلا بعد أن تُكفِّر في الأول، فطبعاً إذا استخدمنا نفس السلاح – والعياذ بالله – ماذا سوف تكون ميزتنا عليهم؟ أصبحنا مثلهم، فالأزهر مُتوازِن، وأنا قلت حتى في التعقيب أن الأزهر ليس داعشياً، والأزهر لا ينتمي لنظام مصري في شكل ودود مع داعش، بالعكس داعش تُهدِّد مصر والنظام المصري صباح مساء وتتوعَّد وتقول أن طريقنا إلى القدس عبر مصر وعبر إفناء الجيش المصري اللعين، ومع ذلك الأزهر – بارك الله في الأزهر – مُعتدِل وشجاع، حكى كلاماً قد لا يكون حتى على هوى السُلطة في مصر، قال لا للتكفير، لا نُحِب أن نُكفِّر، نُجرِّم ونُثرِّب ونُنكِر ونلعن لكن لا نُكفِّر، فانظروا إلى هذه الفيلسوفة الكبيرة، حنا أرندت Hannah Arendt قالت لهم لماذا فتحتم علي النار؟ لماذا أردتم اغتيالي؟ قالت لهم هذا اغتيال معنوي، لقد أردتم تحطيم شخصيتي كفيلسوفة سياسية وكيهودية مُحِبة لدينها وقومها، مع أنها كانت ماركسية طبعاً، لماذا فعلتم هذا؟ قالت أنا أردت أن أفهم ومُجرَّد الفهم لا يعني المغفرة، أنا أُريد أن أفهم حالة أيخمان Eichmann ووضعية أيخمان Eichmann بل ووضعية الكثيرين، لا أُريد أن أفهم وضعية أيخمان Eichmann وحده بل وضعية حقبة وشعب ونظام و Ism، وسوف نرى ما معنى الـ Ism، هذه أيدولوجية ومذهب سيطَّر على الدنيا في هذا الوقت وتحديداً على المانيا وما حولها، أليس كذلك؟ ومن ثم قالت أحببت أن أفهم، ولذلك لما حكم القاضي بإعدام أيخمان Eichmann هى كانت مسرورة بهذا وقالت يستحق بل ويستحق أكثر من هذا لكنني أحببت أن أفهم، اتركوا لي المجال لكي أفهم، وأعطتنا تجربة فهمها العميقة في هذا الكُتيب الصغير الذي يُسمى Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil، أي أيشمان في القدس: تقرير عن الكراهية التافهة.

ما هى القصة؟ قالت في التقاليد الفكرية الفلسفية الغربية عموماً من أيام أفلاطون Plato وسقراط Aristotle قبل أفلاطون Plato – لأنه أستاذه – إلى اليوم كان يُفترض باستمرار أن كل الشرور تعود إلى جذر واحد وهو الأنانية، أرأيتم إلى مدى كانت الأنانية خطيرة؟ هذا يعني أن النبي كان يسير في الطريق الصحيح ويعرف ماذا يقول، الإنسان الأناني لا ترجو منه خيراً، فالفكر التقليدي الفلسفي الغربي دائماً كان هكذا، قالت إلى أن ظهرت هذه الحالة الجديدة، ما هى؟ حالة النازية ومحارق ومخازي وكوارث النازية، لماذا؟ حدث انكسار في النموذج – أي في الـ Paradigma بالألمانية – هنا، ما هو هذا الانكسار؟ قبل ذلك الإنسان يفعل الشر عموماً – كما قلنا – لأنه أناني، أي يُوجَد جذر شخصي للشر، أنا أعرف لماذا أكرهك وأعرف لماذا أُعاديك وأعرف لماذا أطغى عليك وأبغي عليك، هذا معروف طبعاً، هناك أسباب سواء كانت تُبرِّر أو لا تُبرِّر إلا أنها تظل أسباب شخصية وهذا شيئ إنساني، قالت أنتم أردتم بمحاكمة أودولف أيخمان Adolf Eichmann تحقيق العدالة، وهذا الأمر لن يحدث، لماذا؟ قالت لأنكم تُحاكِمون أيشمان Eichmann كشخص، الرجل لا يعترف وقال لكم أنه لا يعترف بأي نية لديه حين فعل ما فعل في الخير أو في الشر، قال أنا لم أُحِب لا أن أخدم يهود ولم أُحِب أن أضرهم، إذن ماذا أنت؟ قال أنا عبد مأمور، أنا مُوظَّف في جهاز بيروقراطي جبّار، ألمانيا هذه دولة، وطبعاً كان عندهم فلاسفة ورجال دين ورجال كنيسة وأطباء وغيرهم، كلهم تورَّطوا في هذا، ليس أيشمان Eichmann مَن فعل هذا وحده، قال لهم أنا مُجرَّد ترس صغير جداً في آلة بيروقراطية هائلة عملاقة تدور، كان يُقال لي انقل هؤلاء فأنقلهم، أنا لا أنظر لهم لا على أنهم مُجرِمون ولا على أنهم ضحايا، هم مُجرَّد أرقام، يُقال انقل عشرة آلاف يهودي إلى أوشفيتز Auschwitz فأنقلهم، اصدر أمراً لكذا وكذا فأُصدر أمراً كما يُطلَب مني، لم يكن لدي نية لا في الخير ولا في الشر أبداً، قال لهم هذا وهو يتكلَّم بثقة كاملة، علماً بأنه يُمكِنكم رؤية هذا في مقاطع بالأسود والأبيض موجودة على اليوتيوب Youtube، يُوجَد جزء من مُحاكَمة أيخمان Eichmann مُتاح، والرجل يتكلَّم بكل هدوء، قال لهم أنا لم يكن لدي نية لا في الخير ولا في الشر أبداً، لم أُعامِلهم – كما قلت لكم – لا على أنهم مُجرِمون ولا على أنهم ضحايا أبداً، أف، هذه حالة جديدة نراها لأول مرة، أليس كذلك؟ تقول حنا أرندت Hannah Arendt – هى مُصيبة تماماً وأنا أوافقها تماماً – من التقاليد القديمة السخراتية إلى اليوم تقريباً وإلى ما قبل النازية كان يُعتبَر الفكر مرآة يُحاوِل الفرد أن يرى نفسه فيها، يُوجَد حوار داخلي وأنتم تعرفون طريقة سقراط Socrates في الحوار، يُوجَد حوار بمعنى أنني أسأل نفسي بصدد دوافعي وبصدد أهدافي وغاياتي وبصدد مُبرِّراتي، لماذا أفعل هذا أنا؟ ماذا أُريد من هذا؟ هل هذا مُبرَّر أو غير مُبرَّر؟ هل هذا التبرير المُقدَّم لي في شكل أمر هو مُبرّر أم غير مُبرَّر؟ هل هذا يكفي لأن يكون تبريراً؟ بمعنى أن الفرد كان ينبغي عليه أن يخوض معركة مُضنية ومُرهقة في إصدار أحكام أخلاقية على نفسه وعلى الآخرين، لكن النازية منعت هذا كله، هذا أصبح من الماضي، بمعنى ماذا؟ بمعنى أنها أحالت العباد وأحالت الناس وأحالت الأفراد إلى مُجرَّد آلات تُبرمَج فقط، مثلما تُبرمِج روبوتاً – Robot – على القتل، حين يرى أي إنسان بصفة معينة يقتله مثلاً، هل يُمكِن أن يُحاكَم هذا الروبوت Robot؟

أنا الآن بسطت لكم نظرية أرندت Arendt في الشر التافه -The Banality of Evil – أو اعتيادية الشر وتفاهة الشر، أصبح الشر شيئاً لا يستثير أي مشاعر، تفعل وتُحرِق ألوف الناس وعشرات ألوف بل وملايين الناس دون أن يطرف لك جفن، دون أن تتساءل مرة واحدة بصدد أخلاقية هذا الفعل أو مُعاناة هؤلاء الضحايا لأنهم ليسوا ضحايا عندك، هذا أمر عادي عندك وتفعل هذا وأنت مرتاح وتأكل وتشرب ولا تتقزز ولا تتقيأ، الله يرحم أستاذنا المسيري وقد قال مرة التقيت بأحدهم فقال لي أنا ذاهب إلى مشوار مُهِم يا عبد الوهاب فهل تأتي معي؟ قلت له إلى أين؟ قال سوف أذهب لمُقابَلة روبرت أوبنهايمر Robert Oppenheimer، أف، هو أبو مشروع القنبلة الذرية، فقال قلت له طبعاً هذه فرصة تاريخية لأنني سوف أقابل أوبنهايمر Oppenheimer، هو من أكبر علماء الفيزياء في العالم، هو أبو مشروع القنبلة الذرية، قال قلت أذهب وذهبت إليه، وطبعاً أوبنهايمر Oppenheimer ليس عالماً فقط بل هو فيلسوف كبير وكان مُتعمِقاً في الأديان الشرق أقصوية وكان يقرأ الأوبانيشاد – The Upanishads – ويستشهد بها، هذا الرجل كان عميقاً وكان إنساناً يهودياً وواحد من   ضحايا النازية في أمريكا، قال المسيري – رحمه الله – أنا استغللت الفرصة فقلت له بروفيسور أوبنهايمر Professor Oppenheimer أُريد أن أسألك سؤالاً بسيطاً، فقال له تفضل، قال له حين فُجِرت هذه القنبلة وحصل ما حصل ماذا كانت ردة فعلك؟ تأثَّر الرجل جداً بالسؤال وقال له هل تعرف ماذا كانت ردة فعلي؟ بالضبط كما هى، لقد تقيأت، تقيأ أوبنهايمر Oppenheimer لأنه إنسان نبيل، فيه إنسانية عميقة، هذا الشيئ لن أقول أنه شرير لكن هو شيئ قبيح وشيئ مُقزِّز ومُقرِف، انتهى الإنسان بالمُعادَلات وبالعلم وبالفلسفة وبالمعرفة الموضوعية إلى أن يقتل أخاه الإنسان بهذه الطريقة، مئات الألوف يُحرَقون في لحظة، كيف نفعل هذا؟ قال أنا تسبَّبت في هذا ومن ثم تقيأت، وطبعاً هذا الرجل – كما تعرفون – حُوكِم وتقريباً قضى حياته الأخيرة كلها في شبه إقامة جبرية معزولاً مكروهاً لأنه سرَّب الأسرار للاتحاد السوفيتي، قال هذا لا يصح ومن ثم لابد أن يكون عند عدونا برنامج القنبلة لكي يحدث ردع متبادل وإلا نحن حمقى، نحن الأمريكان سوف نُصبِح حمقى وسوف نذبح العالم بهذه الطريقة، وهذا لا ينبغي، سنُعطي السوفيتون الملاحدة هذا السر لكي يُلجِموننا، وهذا أمرٌ نبيل، هل تُؤيِّدونه؟ أنا أُؤيِّده، هل تُؤيِّدون هذه الخيانة؟ أنا أُؤيِّدها،هذه الخيانة مُمتازَة لأنها لصالح الإنسانية، يُذكِّرنا العظيم أوبنهايمر   Oppenheimer الآن بمونتسكيو Montesquieu صاحب روح الشرائع حين قال لو اكتشفت شيئاً يخدم بلدي فرنسا ويضر بالعالم ويُمكِن أن أُقدِّمه لبلدي فإنني لن أُقدِّمه، مصلحة العالم ينبغي أن تكون لها الأولوية على بلدي، فرنسا سوف تُدمِّر العالم في الأخير أو سوف تؤذي العالم، هل فهمتم؟ أنا مُتأكِّد من أنكم أصبحتم مصدومين، سوف تقولون أف، مثل هذه العقليات – مونتسكيو Montesquieu وروبرت أوبنهايمر Robert Oppenheimer – بهذا المنطق وبهذه المقبوسات حين نضعها إزاء بعض تصرفات المسلمين اليوم سوف نخسر المعركة بالكامل، وهذا صحيح طبعاً، سوف تُصبِحون خارج – Outside – المسألة ولن يحترمكم أو أي يحترم دينكم، أحد ويحترم، أليس كذلك؟ فعليكم بكل مسئولية ،وبكل جدية ونزاهة أن تعيدوا تركيب خطاب إسلامي يكون مثل هذا بل ويتفوَّق عليه، هل فهمتم؟ هذا هو، اهتموا بالإنسانية واجعلوا الأعم هو خياركم دائماً، والإسلام هو دين العالمين والله هو رب العالمين.

نرجع مرة ثانية، على كل حال ماذا قالت حنا أرندت Hannah Arendt؟ قالت هذا الرجل – كما قلت – أصبح أشبه بآلة تُبرمَج ومن ثم فقد إنسانيته، قالت لأول مرة تشهد البشرية جرائم لا يقوم بها أشخاص Persons، إذن مَن الذي يقوم بها؟ قالت يقوم بها نكرات، طبعاً أي شخص مثل أدولف أيخمان Adolf Eichmann ويفعل كل ما فعله هو نكرة، وطبعاً هناك أناس أسوأ منه بمراحل طبعاً وهذا معروف، لكنه فعل كل ما فعل وقال لم يطرف لي جفن ولم أتساءل ولم يكن عندي أي نية في الخير أو في الشر، إذن أنت نكرة، أنت لست الإنسان الذي حدَّثتنا عنه الكتب السماوية، لست الإنسان الذي حدثنا عنه لاو تسي Laozi أو كونفوشيوس Confucius أو بوذا Buddha المُستنير أو سقراط Socrates أو أفلاطون Plato أو أرسطو Aristotle، هذا مُستحيل طبعاً، فأنت شيئ مختلف تماماً، هو طبعاً Nothing، أنت لا شيئ، أنت مُجرَّد نكرة ، لذلك قالت لهم حنا أرندت Hannah Arendt – ما أروعها هذه الفيلسوفة وما أروع هذا الكتاب، والله ما أروعه يا أخي، هذه إنسانة رائعة جداً – أنتم تريدون تحقيق العدالة بمُحاكَمة شخص، وهذا الشخص غير موجود إذا أردتم أن تُحاكِموا يجب أن تحاكموا الـ Ism، هل تعرفون ما هى الـ Ism؟ اللاحقة التي تعني أيدولوجية أو مذهب مثل Marxism, Darwinism and Capitalism وما إلى ذلك، قالت لهم حاكموا الـ Ism، أي حاكموا الأيدولوجية، حاكموا الحقبة، حاكموا العصر، حاكموا الإطار العام، لا تُحاكِموا الأشخاص، هذا صعب لأن الأشخاص غير موجودين، قالت هذه حالة مُخيفة لأول مرة نشهدها، هذا ما أسميه بتفاهة الشر The Banality of Evil، لكن كلمة تفاهة لا تعني Triviality التي تعني وجود الشيئ التافه وإنما تعني الاعتيادية، أن الإنسان يفعل الشر كأنما يتنفس أو كأنما يشرب الماء البارد، هذه ليست صفة في الإنسان، الإنسان لا يفعل هذا، حتى البرابرة الكبار والمغول – مثل جنكيز خان Genghis Khan – والتتار مَن مثلهم لا يفعلون هذا، على ذكر البرابرة هناك رواية الآن مشهورة جداً لـ جي. إم. كويتزي J. M. Coetzee الجنوب إفريقي إسمها في انتظار البرابرة، ويبدو أن أسم هذه الرواية الجنوب إفريقية مأخوذ من إسم قصيدة لشاعر مصري إسكندراني أصوله يونانية وهو قسطنطين كفافي Constantin Cavafy المعروف بقسطنطين كفافيس، كفافي Cavafy عنده قصيدة يُمكِن أن تجدوها على النت – Net – لأنها موجودة في مواقع كثيرة للشعر العربي وللشعر العالمي، هذه القصيدة إسمها في انتظار البرابرة، وهى قصيدة بسيطة من صفحة واحدة، تتحدَّث عن الرعية وعن أن الملك يأخذ زينته وأهبته لكي ينتظروا وفداً من البرابرة وهم الأعداء دائماً لهم، هؤلاء أعداء يُهدِّدون الدولة دائماً على حدودها ومن المُمكِن أن يغتالوها في الداخل، اقرأوا طبعاً A Study of History لآرلوند توينبي Arnold Toynbee لكي تعرفوا كيف يُفسِّر بهذا العدوان البربري هلاك الحضارات والأمم، وهى قصة معروفة في فلسفة التاريخ، إذن هؤلاء هم البرابرة، في آخر القصيدة ماذا يقول قسطنطين كفافي Constantin Cavafy؟ يقول ما لي أرى الميادين وقد أقفرت؟ ما بال الناس يعودون كلهم إلى منازلهم أو دورهم ويلوح عليهم الغم، ما الذي حصل؟ انفض السامر كله من غير أن يحدث أي شيئ، ما الذي حصل؟ اسمعوا إلى هذا جيداً، يقول قد أتى بعض الجنود من الحدود وأخبروا أنه ما عاد للبرابرة ود، لا يُوجَد أي برابرة الآن لأنهم لن يأتوا إلينا، وهذا الوفد – Delegation – التابع لهم لن يأتي، إذن اذهبوا وانفضوا، لكن الناس انفضت وهى حزينه، رغم أن البرابرة يُمثِّلون خطراً داهماً، وأحسن شيئ حصل أنهم اختفوا وتبخَّروا، ومع ذلك الناس حزينة والملك حزين والحاشية والبطانة بل والكل مغموم، لعدم وجود البرابرة، أرأيتم ما حدث؟ هذه القصيدة في القرن التاسع، في آخر عشرية تقريباً في القرن التاسع عشر كتبها قسطنطين كفافي Constantin Cavafyاليوناني الإسكندراني، المهم أنه قال في النهاية لكي يختم القصيدة:

والآن؟ وبدون البرابرة، ما الذي سيحدث لنا؟

هؤلاء البرابرة كانوا حلاً من الحلول.

أعتقد هذه الخاتمة لهذه القصيدة المُوحية جداً والعميقة جداً يُمكِن أن تضع الأصبع على تفسير مُمكِن لحالة الكراهية المجموعية، كيف يُمكِن أن تكره أمة كاملة أو شعباً كاملاً أو مذهباً كاملاً أو طائفة كامة على الرغم أن ليس لك أي علاقة بهم ولم ترهم يوماً ولا يُوجَد أي شيئ شخصي، هل تعرف لماذا؟ توظيف سياسي ملعون، وهذا يحدث كلما لعبت السياسة أو كلما لعب الدين السياسة أو أراد أن يلعب السياسة، هذه قناعتي المطلقة ولن أتخلى عنها، علماً بأن هذا لا يعني عد وجود لعبة سياسية، هناك لعبة سياسية في الشرق الأوسط، لكن الذي أُطالِب به من سنوات ولا زلت أُطالِب به هو لتُلعَب السياسة بالسياسة، نزِّهوا الدين المُقدَّس، نزِّهوا دين رب العالمين ودين العباد أجمعين عن أن تستوظفه وتستدمجه وتُلوِّثه وتُدنِّسه السياسة بدنسها الذي لا ينتهي، أليس كذلك؟ ثم أن الساسة هم أحرار والله، وطبعاً الدول عندها خيارات وعندها دورات، ومن ثم هم أحرار، كل الساسة لهم أن يلعبوا السياسة كما أرادوا وعلى المكشوف دون أي مُشكِلة لكن أبعِدوا الدين ونزِّهوا الدين، علماً بأن هذا يجري على الكل دون استثناء، فأنا لا أستثني أحداً، لا تقل لي أنا أستثنى الشيعة أو غيرهم، الكل ينطبق عليه هذا، كلهم يلعبون بالدين سياسة وأُقسِم بالله على هذا فكفى، كفى لهذا اللعب بالدين، اجعلوا الدين بعيداً، كما أفعل أنا مثلاً، أنا لا أُحاوِل أن أستخدم الدين في السياسة، ولا أريد أن أفعل هذا أبداً حتى لا أكون ملعوناً في الدنيا والآخرة، اعملوا هذا والعبوا السياسة بعيداً، لكن للأسف الشديد السياسة وإدارة الدول وإدارة القطعان – Herds – تتطلَّب هذا، فالبشر يُعامَلون كالقطعان من السلطة دائماً، هذه القطعان كيف تدار وكيف تُسرنَم – تمشي نائمة – وكيف تُسحر وتُجذب؟ هل تعرفون كيف يحدث هذا دائماً؟ بالخطر الذي يُلوَّح لها به، يُقال لها هناك برابرة، إذا سكتم ولم تكونوا خلفنا ولم تُؤيِّدوننا في كل مجازرنا سوف يأكلونكم ويذبحونكم ولن يجعلوا لكم أي وجود، البرابرة سوف يُنهون حياتكم، أليس كذلك؟ قبل انهيار الأتحاد السوفيتي في أواخرها التسعينيات – في أوائل العشرية الأخيرة – ماذا كان يُوجَد؟ كان يُوجَد الخطر الأحمر، أي الاتحاد السوفيتي والشيوعية، انتهت – الحمد لله – بالسكتة القلبية طبعاً، وجدار برلين كان أيقونة – Icon – الانتهاء بالسكتة قلبية، ماذا فعل الغرب هنا؟ لا يقدر على أن يعيش بغير برابرة، أليس كذلك؟ عمَّدوا أناساً جُدداً كبرابرة، مَن هم؟ نحن للأسف، وهذا كان طبعاً في إسبانيا – تحديداً برشلونة – والرجل الذي كان يتكلَّم بإسم الناتو – NATO – قال انتهى الخطر الأحمر وهذا لن ينفع، فلكي نُكمِل مسيرتنا نحتاج إلى خطر آخر نُخوِّف به وما إلى ذلك، قال يُوجَد الخطر الأخضر، علماً بأننا سمعنا هذا في التلفزيون Television، أي أن هذه ليست معلومات سرية، هذا الكلام أتى في التلفزيون – Television – لكن الأمة الإسلامية لم تفهم شيئاً، وأنا من يومها انفجر في رأسي وعي كبير وكنت حينها في مسجد الهداية وقلت انتبهوا يا علماء المسلمين ويا قادة ويا مُفكِّرين، انتبهوا يُوجَد شر كبير يُراد بنا، علينا الآن أن نُعيد برمجة أنفسنا وبرمجة خطابنا لكي لا نُعين على أنفسنا وعلى ديننا، انتبهوا إلى هذا، مُنذ هذه الأيام وأنا أُطالِب بنُسخة ممتازة تكون إنسانية رحيمة وحضارية من الدين، وكنت أعلم أن كل نسخة همجية بربرية وعنفية سوف تُسهِّل إنفاذ المؤامرة فينا وأُقسِم بالله على هذا، ولذلك من أول يوم كنت ضد ابن لادن وضد القاعدة وقلت نفس التفسير، وكلامي إلى اليوم صادق بإذن الله وكل ما يجري يُؤكِّده – والله – حذو القذة بالقذة، لكن ما من سميع إلا قليل، ما من عاقل إلا قليل، الناس لا تعقل ولا تفهم ومن ثم يُضحَك عليهم، نحن اليوم برابرة الغرب، قال
قسطنطين كفافي Constantin Cavafy:

والآن؟ وبدون البرابرة، ما الذي سيحدث لنا؟
هؤلاء البرابرة كانوا حلاً من الحلول.

هذه آخر كلمة في القصيدة، هم كانوا حلاً من الحلول، ونحن الآن حلاً من حلول الأزمات، فأصبحنا أزمة لأنفسنا وأزمة لديننا والعياذ بالله تبارك وتعالى، أعتقد هذا هو المفتاح الذي قد يُفسِّر لنا هذه الكراهية، وطبعاً أنا لا أتحَّدث في إطار فلسفي ولا حتى في إطار علم الاجتماع السياسي وإنما أتحدَّث في إطار واقع الآن يُفسِّر الحالة الإسلامية، ما الذي يحدث الآن في ديار المسلمين؟ هو هذا الذي يحصل بكلمة، والحديث الفلسفي والفكري يحتاج إلى مُحاضَرات أخرى، لكن بكلمة واحدة نقول نحن ضحايا لعبة سياسية إقليمية وعالمية كُبرى، والضحية الأكبر الذي يسفك دمه كل مائة مرة الدين وهو الإسلام، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

(انتهت الخُطبة والتتمة بحمد الله)

             فيينا (2/1/2015)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: