إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله عز من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الإخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۩ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ۩ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ۩ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

للقرآن – أي للسماء – منطق خيرُ مَن يُترجِم عنه ويتمثَّله ويعكسه السادة الأنبياء والمُرسَلون، ومنطق النبوة والرسالة مبثوثٌ في حنايا الكتاب وتضاعيفه، وهو عند المُقارَنة لا يخرج قيد أنملة عن منطق السماء، بالإزاء أحبتي في الله منطق البشر من غير الأنبياء – أعني العلماء والأئمة والمُجتهِدين – يقترب ويبتعد عن منطق السماء وبالتالي عن منطق الأنبياء، وهمٌ كبير تدفع الأمم الملية ثمنه غالياً باهظاً أن يُعتقَد بالنقاء التام الكامل في فهم النصوص ومُقارَبتها، لو أننا أحبتي في الله عرضنا لشرط من شروط الاجتهاد واعتبار ما يتأدى إليه الاجتهاد لظن الناس أننا غارقون في السذاجة وفي الصبيانية الفكرية، أعني بهذا الشرط ألا يُعتقَد في المُجتهِد أنه نبي، سيُقال هذا أمرٌ مُسلَّمٌ ومُتسالِمٌ عليه عند الجميع بلا اشتراط، وفي الحقيقة تقريباً الجميع يخالفون عنه ويخالفونه، عملياً نسلك كما لو كان المُجتهِدون والأئمة المتبوعون الكبار رسلاً معصومين، لا نُعطي أنفسنا فسحةً لكي نُعيد النظر في اجتهاداتهم وفي آرائهم وفي مُقارَباتهم وقراءاتهم للنص الإلهي المُقدَّس، عملياً نفعل هذا للأسف الشديد، وهذا الذي عطَّل الإمكان الُمتاح القائم والذي سيظل قائماً لاستثمار كتاب الله – تبارك وتعالى – على نحوٍ أكرم، وأعني بالكرم السعة والجود والعطاء، فالفهم الإسلامي أحياناً تماماً كسائر الفهوم الملية يتضايق ويتحرَّج حتى يُصبِح أحياناً فهماً لا إنسانياً وفهماً – كما أقول دائماً واعتبروا أحبتي في الله بهذا المعيار، اعتبروه دائماً – لا يُمكِن تعميمه، لو عُمِّم لأصبحت الحياة غابة ولأصبحنا نعيش معركة مُستدامة وحرباً مُستمِرة، هذا سوف يحدث لو عُمِّمَ هذا المنطق، فمثلاً الاعتقاد السائد عند كثيرين من الأئمة والفقهاء والعلماء وبالحري أتباعهم من طلاب العلم ومن عوام الناس أنه يجوز للمسلم بل يجب على المسلم – ليس مجرد الجواز بل يجب على المسلم – أن يُقاتِل كل مَن ليس بمسلم، أن يبدأه بالقتال، فإن أسلم فبها ونعمت وإلا اضطررناه إلى دفع الجزية ولا يبقى إلا العرض على السيف، أي الموت، هذا الفهم لو عُمِّم تُصبِح الحياة لعنة، وطبعاً بلا شك هذا الفهم نفسه صدرت عنه عبر التاريخ كل القوى الإمبراطورية والاستعمارية، المُستعمِرون – أي المُخرِّبون – يصدرون عن مثل هذا المنطق الذي يُعادِل بين القوة والحق، فالقوة هى الحق Might is right، عندي القوة ولذلك لدي الحق أن أتغوَّل عليك وأن أجتاحك وأن أنتهكك وأن أستتبعك وأن أستذلك وأن أضرب عليك صنوفاً وصوراً وأشكالاً من الإذلال والإهانة والاستتباع لأنني الأقوى، لا يزال طبعاً الأقوياء المُتجبِّرون يفعلون هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين، وإن أصبحوا بتأثير التقدم المُضطرِد لأفكار حقوق الإنسان وتعزيز وتأكيد وتوقير واعتبار الحريات وما إلى ذلكم أكثر لباقة وحذقاً، يُغلِّفون أطماعهم ومساعيهم وأفعاليهم بالمنطق ذاته الذي توسله أجدادهم الاستعماريون في القرن التاسع عشر، عبء الرجل الأبيض المُهِمة الثقيلة التي ألقاها القدر لى أكتافنا لكي نُنقِذكم من أنفسكم ومن تخلفكم ومن بربريتكم ومن جهالتكم فنحن نضحي من أجلكم، يقتلونك ويُدمِّرونك ويأتونك بالدبابات والطائرات والقاذفات وحاملات الموت والدمار ويقولون خدمةً لك وتضحية من أجلك، وطلبعاً هذا لا ينطلي على أحد، لم ينطل ولن ينطلي على أحد على كل حال، ولابد أن أكون واضحاً – إن شاء الله – كعادتي مع نفسي ومعكم وأقول أن مما يأسف له ومما يُقبِض ويُحزِن أن من المسلمين – لن أقول الكثير أو القليل ولكن سوف أقول أن من المسلمين – مَن يرى القذاة والجذع طبعاً في عين غيره، لكنه لا يرى الجذع في عين نفسه، يكاد يُجَن جنونه من هذا التلبيس الاستعماري الإمبراطوري الذي يُمارَس على الأمة الإسلامية وله الحق، ولكنه مُطمئن ومُتصالِح تماماً – لا يشعر بأي تناقض ولا يشعر بأي حريجة – مع منطق الفقهاء – لا أقول منطق الدين أو منطق النص وإنما أقول منطق الفقهاء – في اجتياج الناس على النحو الذي قرَّرته كتب الفقه للأسف الشديد، وهذا أمرٌ عجيب، كيف؟ لذلك حريٌ بالأمة الإسلامية الآن أن تفهم هذا، وهى ليست فقط مدعوة إلى إصلاح فهمها للدين، حين نتحدَّث عن الإصلاح حتى لا يحدث أو لا يقع التباس لن نتكلَّم عن إصلاح الدين، لأن سيأتيك بعض السذج ويقول لك الدين لا يحتاج إلى إصلاح فهل أنت تُصلِح على رب العالمين؟ وطبعاً هو هنا يُراهِن على جهل العامة وجهل الناس مُفترِضاً أن الدين الذي ندعو إلى إصلاحه هو النص بذاته، لكن هذا مُستحيل، النص معصوم وثابت، وإنما الذي ندعو إلى إصلاحه قراءة النص وفهم النص، أنا أقول لكم أن دين الله كما هو في ذاته هو عند الله تبارك وتعالى، أنت لا تستطيع أن تتلقى القرآن كما هو، هذه مُهِمة مستحيلة، لا يستطيع بشر حتى الصحابة أن يتلقوا القرآن كما هو، هم يتلقونه مُجتهِدين أن يُقارِبوا بحسب خلفياتهم وبحسب فهومهم، ومن هنا تتعدد الفهوم وتتعدد القراءات وتتعدد الاجتهادات، أما أن يزعم أحدٌ أنه قارب النص كما هو وكما أراد الله بنسبة مائة في المائة فهذا محال، هذه عجرفة علمية، على الأقل أضعف الإيمان في النصوص المُتشابِهة وفي الظواهر وليس في النصوص بالمعنى الأصولي التي تقطع الأمة كلها – كل أمة التوحيد وكل أهل القبلة – على غيب معناها بوجه واحد أو على وجه واحد أهلاً وسهلاً، لا تُوجَد مُشكِلة، نستطيع أن نقول نحن قاربنا النص تقريباً كما هو، أما فيما عدا ذلك وهو الأكثر فهذه الدعوى لا تعدو كونها عجرفة علمية، ضرب من ضروب الجهالة.

أحبتي في الله – إخواني وأخواتي – منطق السماء مبثوث في حنايا الكتاب ومنطق الأنبياء منشور في تضاعيف الكتاب أيضاً، هل يسمح لنا أن نؤمن بالقوة أم يسمح لنا أن نتوسَّل القوة؟ قد يقول لي أحدكم هذه فلسفة، ما الفرق؟ الفرق هائل وشاسع، نحن نُؤمِن الآن بالله – تبارك وتعالى – ونُؤمِن بكل ما أتى من الله تبارك وتعالى، لذلك نُؤمِن بالقدر ونُؤمِن بأن الجنة حق وأن النار حق ومن قبل أن البعث حق، إذا آمنا بالقوة فإن هذا الإيمان يقتضي أن تكون القوة غاية نهائية، فنحن نُؤمِن بها وبكل تواليها وبكل توابعها، القوة تُفرِز النصر والغلب والقهر وإن كان أحياناً طغيانياً وظالماً، هذه هى القوة، كما قلنا قبيل قليل Might is right، هو هذا، هذا منطق القوة، لا يُمكِن لإنسان يتقيل طريقة الأنبياء ويُفرِغ عن منطقهم الذي هو للمرة الثالثة منطق السماء ذاته أن يُؤمِن بالقوة على هذا النحو، أي على النحو الغائي، أن يتعامل معها على أنها غاية، هذا لا يُمكِن، لكن نحن نُؤمِن بغاية أخرى وهى الرحمة، نُؤمِن بالرحمة كغاية وبالمحبة وبالتعارف الإنساني، يُلخِّص هذا كله الرحمة فهى كلمة كافية، أما القوة فهى وسيلة، لا تعدوا كونها وسيلة، هل يمكن لك أن تؤمن بالرصاصة أو بالخنجر أو بالمدفع؟ لا يُمكِن، هذه وسائل لا تستحق أن نُؤمِن بها، تتوسل حين تدعو إليها الحاجة، الحاجة التي تُريد أن تُثبِّت الغاية وأن تخدم الغاية، انتبهوا إلى أن هذه طبيعة العلاقة بين الغايات والوسائل، الوسائل لابد أن تفعل دائماً في اتجاه خدمة الغايات وتكريسها وتأكيدها، أما إذا انقلب الفهم وانعكس الفقه فصارت الوسائل غايات استحالت الدنيا إلى غابة وتلاشت إنسانيتنا، بدل أن نكون لا أقول أدوات – لا أحب هذه الكلمة، هذه كلمة مُؤلّينة من Alienation، كلمة فيها نوع من التشييء والاغتراب، فلا أقول بدل أن نكون أداوات – وإنما بدل أن نكون فواعل أو فاعلي عدل نُصبِح أدوات، الآن يأتي دور الأداة، بدل أن نكون فاعلي عدل نُصبِح أدوات قتل، وبالضبط هذا هو الفرق بين الجهاد الإسلامي بالمنطق القرآني وبين القتل الذي يُمارَس اليوم بإسم الإسلام، هذا قتل وهذه جريمة مفضوحة مُخيفة، وأما الجهاد بالمنطق القرآني النبوي الرسالي فهو أداة لتكريس العدل وقيم العدل والرحمة، قال الله لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ ۩.

نعود إلى قضية الإصلاح، الأمة الآن ليست مدعوة إلى أن تصلح فهمها للدين بل مُضطرة اضطراراً، هى على كل حال ستفعل هذ، إن لم تفعله اليوم ستفعله غداً، إن لم تفعله غداً ستفعله بعد غد، لكن انتبهوا إلى أن هذا ليس فقط بعد خراب البصرة وإنما بعد خراب البصرة والقاهرة ودمشق وطهران وكابول وكل بلاد المسلمين وبعد أن يدفع العالم ربما أيضاَ قسطاً من هذا الخراب والتخريب، سنعود ونقول لعنة الله على الجهالة، لعنة الله على الغطرسة، لعنة الله على العمى ما أفدح ثمنه، أي ما أفدح ثمن العمى، كنا عمياً عن أن نُلاحِظ الوقائع كما هى وأشد عمىً أن نقرأ النص بالمنطق الذي دلنا النص على توسله عند قراءته، أنا أقول لكم ما وجدت معضلة في الفقه الإسلامي وفي التصور الإسلامي لشؤون الحياة والبشر إلا وجدت حلها – والله – في كتاب الله ما رأيكم؟ هذا شيئ عجيب، لكننا أبينا هذا، توسَّل عقلنا الكسول – العقل النائم الغافي وبالحري الغافل طبعاً لأنه غافي وسنان – بالمُلصَقات والأشياء الجاهزة مما ينسب إلى النبي ومما ينسب إلى الأئمة وقد يثبت عن الإئمة وقال فلان وقال علان من الناس وانتهى كل شيئ، لكن أليس حرياً بك ولو لحظة أن تقف وتُحاوِل أن تتأمل فيما قال الله؟ قد تقول ليس لدي القدرة، إذن ليس لديك اللسان، انتبهوا فأنا أحب أن أكون واضحاً، إذا كان ليس لديك القدرة وليس لديك اللياقة المعرفية لأن تنظر في النصوص لأن تفهم وتستثمر أرجوك لا تتكلَّم ولا تتكلَّف ما لا يعنيك ولا تُحاوِل أن تلعب دور العالم والفقيه والمُجتهِد والداعية وتتكلَّم ثم تحرق العالم، اسكت إذن، حريٌ بك السكوت، أنا أقول لكم والله جزءٌ عظيم وشطرٌ هائل من أسباب نكبة الأمة الآن والدين في هذه الأمة أن مُعظَم المسلمين على الإطلاق له عشرة ألسنة، كلهم تقريباً إلا ما رحم ربي – والله – وقليل ما هم، كلهم مِمَن يرى نفسه مُؤهَّلاً ومُعداً ولائقاً أن يتكلَّم وهذا أمرٌ عجيب، فضلاً عن أنه يُرجِّح ويسب هذا ويخطيء هذا وينحاز إلى هذا، وكما قلت لكم يعطي هذا ألقاب الذكاء والعلامة والعبقرية، مَن أنت؟ لماذا تتكلَّف هذا؟ لماذا هذا الكذب؟ لماذا هذا الكذب على النفس وعلى الحقائق؟ لست هناك، يا أخي كفانا بلاءً وبلوة – والله – من المُعمَّمين والمُلتحين والمُتخرِّجين من الجامعات الشرعية مِمَن – والله شهيدٌ – لا يُحسِن يتلو كتاب الله – بعضهم طبعاً ولا أقول الكل – ولا يُحسِن يُعرِب ما يقول، هذه فضاحات مُخيفة، لحى عظيمة وعمائم لكن هذا لا يفهمه إلا أهل العلم، طبعاً الجاهل مرة أخرى لن يفهم هذا، سيسمع ويلذ له ما سمع، وسوف يقول هذا جميل وعظيم، لكن أنت لم تفهم شيئاً، أنت سمعت إلى بلاوى وإلى كوارث إلى طوام، أنت تسمع إلى الجهل المُركَّب ولا تدري أنه جهل مُركَّب، فكيف إذا جاء الجاهل الأصلي ليدعّي العلم ويتكلَّم؟ من هنا اتسع الخرق على الراتق فعلاً، هذه أمة بلا بوصلة وبلا مرجعية وبلا منارات وسوى تهتدى بها في الطريق الظلماء وفي الطريق المظلمة الشائكة الطويلة البعيدة والمقفرة، لا تُوجَد سوى ولا تُوجَد منائر ولا تُوجَد علائم يُهتدى بمنارها، ماذا نفعل؟ نحن في التيه، نحن الآن في الدمار، نحن في الخراب، وبالمُناسَبة – وليس هذا موضوع الخطبة لكن الحديث أيها الإخوة يدعو بعضه إلى بعض لأنه ذو شجون كما يقال ويُذكِّر بعضه ببعض – بعض الناس يظن أن المعركة بخطوة وخطوتين وستحسم، وأنا على منبر رسول الله أقسم لكم أنها لن تُحسَم ما دمنا نصدر ونُفرِغ عن المنطق نفسه، والله العظيم لن تُحسَم، يقولون نحن الإسلاميين أحق بالحكم وأحق بالكرسي، وطبعاً هذا ليس معناه بالمرة أن من هم في الحكم أحسن وأفضل وأعدل أبداً، أنا لا أقول هذا لكن أقول الطريقة التي يتوسلها الإسلاميون والمنطق الذي يُفرِغون عنه بحيث استسهلوا الدماء واستسهلوا العنف والدعوة إلى العنف والدعوة إلى التكفير والدعوة إلى التفجير كوسائل من أجل مُغانَمة السُلطة ومغانمة الكراسي ليُصلِحوا العالم وليُصلِحوا الناس بهذه الوسائل، وهذا أمرٌ عجيب، واضح أنهم سيُصلحون كثيراً – ما شاء الله – بهذه الوسائل، مَن يؤمن بهذه الوسائل الآن واضح أنه سيُصلِح كثيراً، لكن هذا المنطق لا يجوز على إنسان له ذهن متماسك وذهن محترم، هل تعرفون لماذا لن تنحسم الحرب بخطوة أو خطوتين؟ أنا سآتيكم بالجواب من هنري كسنجر Henry Kissinger وليس من شيخ من الشيوخ، من عراب السياسة الخارجية الأمريكية، الرجل في أحدث مقولاته يقول فيما مضى – يتحدَّث عن الشرق الأوسط عن بلاد العرب والمسلمين – كانت هناك حروب وفيها رابح وخاسر، ما نريده الآن واليوم حروباً كل مَن فيها خاسر، ويعلم الله أن هذا هو الذي يقع، كلنا خاسر وكل مَن يخوض هذه الحروب خاسر، لكن أنا لم أجب، هذا ليس واضحاً لبعض الناس، لماذا لن تُحسم بخطوة أو خطوتين أو بكرة أو كرتين؟ هل تعلمون لماذا؟ لو – وهذا مستحيل – افترضنا وتخيَّلنا عابثين على طريقتنا العبثية وعلى طريقتنا العمياء – كما قلت لكم – التي تفشل دائماً أن تلاحظ الوقائع فسوف نعلم أن تقصٍ بسيط جداً وسهل اليوم يُمكِن أن يصدمنا بحقيقة واقعية وهى أن عوالم المسلمين اليوم سواء في مصر أو غير مصر لم تعد وقفاً على الإسلاميين، لدينا ملايين من الليبراليين والاشتراكيين اليساريين وحتى الملاحدة واللادينيين والمسلمين الذين يخالفوننا في كل هذا الهم الإسلامي أو الإسلاموي، فهؤلاء بالملايين فضلاً عن غير المسلمين، أي شركاء الوطن من المسيحيين وغير المسيحيين، وهم يعيشون في بلادهم، تاريخياً هذه بلادهم وليس لهم بلاد سواها، إذا لاحظت هذا ستفهم حجم المُصيبة التي نحن مُوغِلون فيها ومُتورِّطون فيها حتى الأذقان، نحن مُتورِّطون إلى النواصي من بعد الأذقان، لو افترضنا تخيلاً – وهذا تخيل مريض ومُجرِم، هذا الخيال مُجرِم – أن هؤلاء جميعاً نُحوا عن طريقنا ولم يعد في بلادنا – على الطريقة الداعشية – مسيحيون ولا أزيديون ولا طبعاً ليبرالي وعلماني فضلاً عن مُلحِد مُنكِر نافٍ – كله صُفي أو طُرد أو هُجِّر وانتهى كل شيئ أو اضطُر أن يدخل الإسلام اضطراراً ليكون احد المنافقين على الطوابير الخامسة والسادسة والخمسين – لن تنتهي المسألة، قولوا لي لماذا، واضح جداً، أنا أُذكِّركم بما هو فاقع وناصع أمامنا وساطع، لأنه ليس هناك إسلامٌ واحد، ليس هناك فريقٌ إسلامي واحد، لدينا خمسون إسلاماً وخمسون طريقة في فهم الإسلام، يأتي هذا ويفوز أو يتغلَّب سيخرج له ألف قرن يتهمونه بالردة والمروق من الإسلام، يقول هذا الحكم الإسلامي ليس إسلامياً، هذا حكم مُرتَد كافر، وسيحملون السلاح على هذا الحكم وسنغرق من جديد في حروب أهلية، وهكذا لن يحكم أحد حتى يخرج له مَن يصمه بأنه لا يحكم بالإسلام الحق والدين الحق، لأن قراءة هذا الذي يُلقي بالتهم تختلف عن قراءة الذي اغتنم السُلطة ووصل إلى سدة السُلطة، هل تفهمون؟ هذه مُصيبة الإسلاميين اليوم ومُصيبة المسلمين اليوم لضيق صدورهم ولعدم دورانهم وتقريرهم للغايات الكبرى العُليا للدين وهى التي أفلحت الإنسانية نسبياً في الوصول إليها أو إلى بعضها بعد قرون من الاحتراب الدامي والاقتتال المجنون، علماً بأنني أتحدَّث بالذات عن سياق التاريخ الاوربي، فهم فهموا هذا في نهاية المطاف، فهموا هذا لكن بعد قرون وبعد عشرات الملايين من القتلى، واضح أننا الآن بعيدون جداً أن نفهم هذه الحقيقة، ولذلك لديك طمأنينة مُخيفة بل أنا أقول لكم طمأنينة مُجرِمة وطمأنينة كارثية عند هذه التشكيلات والحركات والتنظيمات والتجيشات الإسلامية، مهما كان التشكيل صغيراً وبسيطاً ةعمره نصف يوم – عمره سنة أو سنتان أو ثلاث – يرى نفسه أنه الحق وأنه الذي يُمثِّل الإسلام بطريق المُطابَقة التامة وأن غيره لا يفعل ولذلك من حقه أن يتوسل السلاح لكي يفرض منطقه ورؤيته، إلى أين يذهب العالم الإسلامي إذن؟ هنا كسنجر Kissinger يقول لك نريد هذه الحرب التي كل مَن فيها خاسر، أنا أقول لكم أن أحسن وسيلة وأحسن فهم وأحسن مُدخَل لتحقيق هذه الغاية اللعينة ما هو حاصل الآن بين كل هذه الأفراق الإسلامية، هذا شيئ مُخيف ومُرعِب.

لا تستطيع أن تُطالِب العوام ولا تُطالِب أنصاف وأعشار وكسور المُتعلِّمين هؤلاء من المشائخ والملتحين، لا تستطيع هذا ولكن بعد التأميل في الله ولطفه لا إله إلا هو – اللهم لطفك الخفي والظاهر يا رب العالمين يا لطيف يا خبير يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض – وبعد التعويل على رب العالمين وحده لا إله إلا هو فقط تُخاطِب مَن له عقل ومَن له فهم من رجالات الأمة ظاهرين أم مُستتِرين، لأن بعضهم مُستتِر ليس من رجال الإعلان والإعلاميات والفضائيات، وما شاء الله كم تضج هذه الفضائيات لا أقول بكسور مثقفين – وهذا شيئ مخيف – وإنما بكسور مُتعلِّمين وكسور مُثقَّفين وأضعاف مُجرِمين، الواحد فيهم يكتنز في شخصيته عشرة مُجرِمين، مائة مُجرِم في إهاب واحد، يدعو إلى القتل وإلى النفي، يدعو إلى نفي الآخر وإقصاء الآخر وذبح الآخر – هذا شيئ فظيع – مرة بإسم الوطن ومرة بإسم الدين، وهو في الحق يذبح الوطن ويذبح الدين كل يوم مع كل طلعة يطلع بها على التلفزيون Television، وهذا شيئ مرعب ومخيف أيضاً، كنا نظن أن بلاءنا في الإسلاميين وحدهم أو في بعض الإسلامين لكن بلاؤنا أيضاً في غير الإسلاميين، في العلمانيين والليبراليين من هؤلاء الإقصائيين ومن هؤلاء الأصوليين، هم أصوليون أيضاً لا يتمتعون بمُقارَبات ولا بعقلية نقدية بل بعقلية دجمائية لا تُعطي أي هامش للتراجع وللاستثناء والعياذ بالله، لذا مُصيبتنا كبيرة.

إذن منطق الله – إن جاز التعبير – ومنطق السماء ومنطق القرآن هو منطق الأنبياء وهو المنطق الذي نحتاجه اليوم بالذات على سبيل الضرورة لا على سبيل الترفه والاختيار لإصلاح فهمنا للدين، القوة لا يُمكِن أن تكون غاية، القوة ينبغي أن تبقى دائماً وسيلة تخدم الغاية، ولذلك أحسب أن هذا المُدخَل يُمكِّننا ويُتيح لنا أن نُميِّز بين معالم الدين الإلهي ومعالم الدين البشري، هنا قد يقول لي أحدكم هل يُوجَد دين بشري؟ يُوجَد طبعاً، وستُصدَمون إذا علمتم أن كثيراً من دينكم – أي من ديننا – هو ليس دين الله، هو دين الفقهاء والأئمة، دين بشر من أمثالنا من القاصرين النسبيين الذين يخضعون لكل عوارض البشرية من الغضب وضيق الصدر وسوء الفهم وحس الانتقام وحب التسلط والهيمنة والتسيد على البشر، هم طبعاً ليسوا أنبياء – كما قلت لكم – وتذكَّروا أنهم ليسوا معصومين، هم ليسوا رسلاً وإنما هم بشر، حتى الصحابة بشر ليسوا أنبياء، نحن – كما قلت دائماً وأقول وأردد – لدينا نبيٌ واحد، علي ليس نبيي وأبو بكر ليس نبيي وعمر ليس نبيي وإلى آخره، عندي أنا نبي واحد فقط إسمه محمد، هذا هوالمعصوم في البلاغ عن ربه لا إله إلا هو فقط، لذلك هناك معالم للدين الإلهي ومعالم للدين البشري، قال الله وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩، افترينا أشياء وصدَّقناها على أنها تُناكِد وتُناقِض الكتاب في موضوعها على طول الخط، وهذا شيئ غريب لا يكاد يُصدَّق، وسوف يُصدَم كل واحد منكم يقوم بمثل هذه المُراجَعة العلمية ولو اقتضاه هذا زمناً طويلاً، ليس شرطاً أن تفعل هذا في أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، قد يتقضاك سنة وسنتان وثلاث وأربع، لا بأس لكن افعل هذا بجدية وسوف تُصدَم حقيقة، لكننا ما زلنا في طور التنظير، معالم الدين الإلهي كيف ينبغي لها أن تكون؟ بدون أن ندخل في التفاصيل والاختباريات معالم الدين الإلهي كيف ينبغي لها أن تكون؟ أنا أقول لكم ببساطة ينبغي لها أن تعكس صفات الله تبارك وتعالى، أول صفة من هذه الصفات الرحمة كما قلنا، صفة الغنى، الله غنيٌ عن العالمين، إذا آمنا – وينبغي أن نُؤمِن – بأنه غني عن العالمين هل يُمكِن لنا أن نُبرِّر أي فهمٍ يُلصَق بالشريعة أو يُنسَب ويُسنَد إلى الشريعة يلغي حرية الناس في اختيار عقائدهم ويضطرهم إلى أن يصيروا مُنافِقين فيتظاهرون بما لا يُؤمِنون به باطنياً من دين؟ هذا مستحيل، كيف؟ فكل الأحكام التي تتصف بهذه الصفة أحكام مدسوسة وغالطة ومكذوبة، لماذا؟ لأن الله غنيٌ عن العالمين، سواء آمنتم أو كفرتم أو عبدتم أو عصيتم هو غني لا إله إلا هو، وانظروا إلى العظمة، قال الله وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ ۩، وهذا أمرٌ عجيب، لماذا؟ لماذا قال الله الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ ۩؟ لأن كثير من رحمات البشر تكون عن خوف وتحسب، هو يرحم لئلا يُظلَم، يرحم من أجل أن يُرحَم، وطبعاً حتى من أجل أن يرحمني الله أنا أرحم لأنني فقير، لكن الله هل هناك من يرحه؟ هو الرحمن الرحيم وهو رب العالمين، ولكنه يرحم، وهذا أمرٌ عجيب، لماذا ترحم؟ وصفٌ ذاتي، أنت ترحم لأنك ضعيف لا تستطيع أن تنتقم فتدّعي الرحمة والعفو والصفح لكنك لن تفعل هذا لو كنت قوياً ولا تخشى عقبى ظلمك وطغيانك، قال الله كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ۩ أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ۩، إذا استغنى طغى، هذا هو الإنسان، لكن الله غنيٌ ولا يطغى لا إله إلا هو، وحرَّم الظلم على نفسه واتصف بالرحمة، ذاته رحمة لا إله إلا هو، هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۩، أكثر أسماء لله بعد الإسم الأعظم المفرد “الله” هو الرحمن الرحيم في القرآن الكريم، فهو غنيٌ لكنه رحيم لا إله إلا هو، هذه رحمة حقيقية، لا يرحمنا لأنه يخاف عقبى الظلم والطغيان أبداً،لا يرحمنا لأنه يحتاج إلى مساعدتنا كأن نُعطيه أصواتنا في الانتخابات وأن نُساعِده لكي ينتصر على عدوه وعلى الإله الآخر، لا يُوجَد له شريك لا إله إلا هو، لا يُوجَد له عدو، لا يستطيع أحد أن ينال من الله لا إله إلا هو شيئاً ومع ذلك يرحم، فكِّروا في هذا، فكِّروا في عظمة الله لا إله إلا هو وفي عظمة هذه الرحمة، قال الله وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ ۩، إذن هو غني ورحيم، رحمته اقتضت أن يجعل الفرصة المُتاحة للإنسان لكي يُراجِع نفسه ويهتدي إلى الحق مفتوحة مدة الحياة وليس إلى سنة أو سنتين وثلاث، طالما هناك ثمة نفس يتردد، أي شهيق وزفير، لم تُقبَض الروح، لأن النفس تُقبَض إما مع آخر شهيق أو لآخر زفير، لكن طالما هناك تردد – نفس طالع ونفس نازل أو نفس داخل ونفس خارج – فالتوبة مبسوطة أمامك والله يقبلك، وهذا من رحمته لا إله إلا هو، فلا تقل لي هو يُلغي هذه الفرصة مُباشَرةً بذنب أو ذنبين ويُعجِّل بك إلى جهنم، هذا غير صحيح، ولذلك قال الله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ – آمنوا وكفروا أكثر من مرة دون أي مُشكِلة، بما أنهم لا يرفعون اليد ولا يُثيرون القلاقل ولا يُعِّكرون صفو المُجتمَع هم أحرار ومن ثم يُؤمِنون ويكفرون، والله لم يقل اقتلوهم أبداً، بل هم يُؤمِنون ويكفرون ويموتون على ذلك، وهذا هو الازدياد – لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ۩، طبعاً لأنه رضيَ بهذا، هذا من رحمة الله تبارك وتعالى، على كل حال هذا يحتاج إلى مُحاضَرات عن معالم دين الله من القرآن الكريم، ويُمكِن أن تستخرج بسهولة، معالم دين البشر طبعاً لابد أن تكون على الضد تماماً، ضداً على – وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ۩ – دين الله، دين البشر يأتي ضداً على دين الله، دين يطلب هيمنة البشر وسُلطة البشر وتسيد البشر وبالتالي التمييز بين البشر، أي هذا سيد وهذا عبد وهذا فوق وهذا تحت، مرة بإسم العرق ومرة بإسم العنصر ومرة بإسم الدين، فبإسم الدين يُقال أنني مسلم فأنا فوق، وهذا غير صحيح، لا يُوجَد هذا الكلام، الله رب العالمين وكلهم عباده وهو حكم عدل بينهم، لا يرفع أحداً على أحد بهذا المنطق – منطق الاستقواء والاستذلال في مُقابِل الاستضعاف أو التضعف – أبداً ولا يسمح بهذا، لذلك ربما لاح لكم الآن لماذا افتتحت خُطبتي بالسياق الكريم من سورة البقرة، لن أفعل هذا، هذا يحتاج إلى خُطبة، كنت أنتوي أن أفعل هذا جزئياً لكن عودوا إلى هذا السياق من الآية التسعين بعد المائة وما تلا – ست آيات – لأنه سياق عجيب، السياق لا يفتأ يُردِّد باستمرار لا قتال إلا رداً لعدوان أو درءً لفتنة، هو باستمرار يفعل هذا من أوله حتى آخره، العدوان معروف ما هو، أن تُبدأ وأنت كافٌ مُسالِم بالقتال ظلماً وطغياناً، هذا هو العدوان وهذا الأصل للوضع اللغوي لهذه اللفظة ولهذه الكلمة، لكن ما الفتنة؟ اعجب إن شئت أن تعجب وما شاء لك العجب من قول جماعة من المُفسِّرين الذين قالوا أن الفتنة هى الشرك، كيف؟ على أي أساس؟ هل هناك في اللغة العربية فتن أو افتُتِنَ بمعنى حمله على الشرك أو أشرك هو؟ أين الكلام الفارغ هذا؟ أين هذا في لغة العرب؟ لكن لو قرأتم كتاب الله سوف تجدون أن من الواضح جداً ما هى الفتنة، الفتنة أن يمتحنك المشرك الكافر وأنت مُسلِم مُوحِّد لكي يثنيك عن دينك ويردك إلى الكفر – والعياذ بالله – والشرك، هذه هى الفتنة، وذلك بالقتل وبالتعذيب وبالسجن وبالاضطهاد وبالمُحارَبة في الرزق وبالمُقاطَعة الاقتصادية وبالإخراج من الديار وهذا أسوأ شيئ كما قلنا، في القرآن الكريم هذا أسوأ من القتل، أي أن يُخرِجك من ديارك، والقرآن وضَّح ما هى الفتنة، لكن لم أقل لكم مما تعجبون، قالوا قال الله وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ ۩ وقال أيضاً وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۩ فالفتنة هى الشرك، مَن أكبر؟ مَن أخطر؟ مَن أسوأ وشر؟ الشرك أم القتل؟ قالوا الشرك، إذن يجوز قتل المُشرِك لأجل شركه، فلا تحتجوا على المسلمين أنهم يبدأون الناس بالقتال – يُقاتِلونهم ويقتلونهم – لأنهم مُشرِكون غير مُوحِّدين لأن الله قال وَالْفِتْنَةُ – وهى الشرك والكفر – أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۩، اللهم نُشهِدك أن هذا كذبٌ عليك – طبعاً في المعنى وليس في التنصيص، فالتنصيص لله – وكذب على معنى القرآن، والله هذا كذب، وهذه يمين على هذا، لأن كل موارد الفتنة في القرآن تُؤكِّد المعنى المعاكس، وقد شرحت لكم قوامه بكلمة، وأما السياق في هذه الآيات فواضحٌ جداً في تفسير الفتنة على النحو الذي ذكرت لكم، ماذا قال تبارك وتعالى؟ قال الله يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ ۩ أي أشدُ من القتل، إذن ما هى الفتنة؟ إخراج المُوحِّدين من ديارهم، من مسجدهم بمعنى من ديارهم من مكة لأنهم مُوحِّدون، الله قال هذه هى الفتنة، ولذلك ماذا قال السياق الذي تلوته في صدر الخُطبة؟ وهذا من البقرة وهذا من البقرة، قال الله وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۩، وهذا أمرٌ عجيب، إذن واضح ماهى الفتنة، لماذا تقولون الفتنة هى الشرك؟ لماذا؟ لماذا تُغالِطون الحقائق؟ لماذا غفلتم عن قوله في المُمتحنة وهى بعد البقرة ومن أواخر ما نزل وهى مدنية لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۩؟ عجب، أُقسِم باالله هذا الكتاب عجب، ونُشهِد الله أنه كلامه، لم نشك يا رب لحظة فيه، هذا شيئ عجيب، هذه في الممتحنة وهذه في البقرة وهذه في البقرة ومرة أخرى الله يقول هناك مُسوِّغان اثنان لقتال الآخرين، ما هما؟ أن يبدأوكم بقتال وهذا هو العدوان أو أن يفتنوكم عن دينكم، قال مرة أخرى هذا هو فقط ، أقاتلك لكى أخضد شوكتك، لأنك مُعتدٍ باغ، تبدأني بقتال أو تفتنني عن ديني، لماذا؟ اتركني حراً في ديني ولك الحرية التامة أيضاً في دينك، أنا لا أقاتلك لأن قال الله لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩، لكن هو له دينه وليس لي ديني، الله قال في هذا السياق وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۩، الآن ما معنى وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۩؟ يتدين كلٌ بما أذعن به باطنه فيكون الدين خالصاً لله، قال الله أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۩، ومرة أخرى أن يكون الدين لله لا يعني أن يكون الإسلام هو دين العالمين، هذا كذب لأن الله يقول وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ۩، الله قال سيظلون مُختلفِين، لن يكون الإسلام دين العالم كل العالم وتختفي الأديان، هذا كذب الأحاديث، قالوا سوف ينزل عيسى ويكسر الصليب ويقتل خنزير ثم يُصبِح التوحيد هو السائد، وهذا غير صحيح، قال الله وَلاَ يَزَالُونَ ۩، وستقمون الساعة والناس مُختلِفون، من أين لكم هذه الدسائس والأكاذيب؟ وقالوا لك هذا في البخاري ومسلم، كلام فارغ ضد كتاب الله، ستقبى الناس مُختلِفة، انتبهوا إلى هذه الدسائس التي دمَّرت ديننا ودمَّرت إنسانيتنا ودمَّرت وعينا، هذا عكس منطق السماء، تخيَّل مُسلِماً يتسلَّح بالمنطق الذي أقوله، بلا شك هو مُسلِم مُسالِم يدعو إلى الله على بصيرة وعلى بينة، وأنا أقول لكم كما حدث في التاريخ مُعظَم مُسلِمي الأرض اليوم لم يدخلوا بعد قتال في هذا الدين، وإنما دخلوا بالدعوة وبالموعظة وبأخلاق التجار والدعاة، وهذا معروف طبعاً، مُعظَم مُسلِمي الأرض لم يدخلوا الدين بالسيف والقتل، لا يا حبيبي لأن السيف يُنادي على السيف والدم يستدعي الدم، حين تحمل سيفاً ستُحمَل عليك قنبلة هيدروجينية، حين تسفك دماً سيُسفَك دمك، كما قال المسيح مَن سل السيف فبالسيف يكون قتله، أي عدواناً طبعاً وليس دفاعاً عن النفس، ولذلك الله يقول لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ – لم يبدأوكم وأنتم كافون مُسالِمون – وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ – إذن الفتنة والعدوان، هذا هو فقط، وطبعاً الفتنة ضرب من ضروب العدوان بلا شك، لكن خصها الله بإسم الفتنة – أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۩، هل الله يُحِب هذا؟ نعم، الله يُحِب المُقسِطين، وهناك ماذا قال؟ قال إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، تقول الآية الكريمة وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، الله يقول أنا أُبغِض هذا، أُبغِض العدوان وأُحِب القسط، هذه معالم دين الله، دين السماء جاء لمصلحة أهل الأرض، لبسط العدل والقسط والبر والتراحم والتعارف، لا يُمكِن – هذا كذب كما قلنا مائة مرة – أن يكون دين الله جاء وتنزَّل من أجل أن يُسلِّط قوماً على قوم أو ليُذِل أقوامٌ آخرين ويستعبدوهم ويأخذوا ثمرات تعبهم ونتائج كدهم وكسبهم بإسم جزية وغير جزية، وهنا قد يقول لي أحدكم هل تُنكِر الجزية؟ لا أُنكِر الجزية، لكن عن أي جزية تتحدَّث وعن أي جزية أتحدَّث أنا؟ أنا أتحدَّث عن جزيىة القرآن الكريم وكما أفهم قرآني الكريم.

في الحقيقة أنا أردت في هذه الخطبة أن أُفسِّر آية التوبة لكن المُقدِّمات ساقتني تقريباً على الرُغم مني لكي أوضح أموراً، وقد وضح لي بعد المُتابَعات أن أموراً كثيرة نعلم على إيضاحها وشرحها ثم تظل الأسئلة تتردد، كأن الجرعة المُكثَّفة الزائدة من المعلومات والتحليلات تُفقِد كثيراً من الناس القدرة على الفهم، لذلك لابد أن نختط خُطة أخرى، نُبسِّط ولا نحكي كل شيئ مرة واحدة ولا نُفسِّر كل الآيات بضربة واحدة ولا نُفسِّركل النصوص بضربة واحدة أبداً، وهذا أمرٌ عادي، من المُمكِن أن نأخذ خُطبة وخُطبتين وثلاث خُطب لكي نُفسِّر آية واحدة، هذه طبعاً الآن وسيلة – كما قلت – ضرورية من وسائل الإصلاح، نُريد أن نبسط وأن نُعبِّد طريقاً لفهم سليم ولفهم رشيد لدين الله، آية التوبة وهى الآية التاسعة والعشرون يتردَّد السؤال كثيراً جداً حولها، لماذا يأمر الله المسلمين والنبي وأصحابه بمُقاتَلة أهل الكتاب؟ لماذا هذا وأهل الكتاب لهم دينهم ولهم كتابهم؟ طبعاً للأسف مِن المسلمين مَن يُوافِق المُستشرِقين فانتبهوا، كثيرُ من المُستشرِقين يقول هذا، قالوا هذا يُؤكِّد أن القرآن ليس من عند الله بل هو من عنديات محمد، القرآن في الأول حاسن أهل الكتاب ولاينهم وأباح ذبائحهم – أي طعامهم – ونكاح نسائهم وقال النصارى أقرب الناس مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ۩ وإلى آخره لكي يستدرجهم إلى الإيمان به، فلما لم يُفلِح أعلنها عليهم حرباً شعواء وفتح النار عليهم، وقالوا هذا هو محمد، لكن هذا غير صحيح، أين هذا؟ أين في القرآن أن القرآن أعلن الحرب الشعواء على أهل الكتاب؟ قالوا هذا في الآية التاسعة والعشرين يا رجل، ما لك؟ هل أنت لا ترى؟ هل أنت لا تقرأ؟ ألا تحفظ كتابك؟ قال الله قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ۩، أول صلة للموصول ما هى؟ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ، الصلة الثانية وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۩،الصلة الثالثة والأخيرة وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ۩، ثم بيَّن الموصول، قال الله قَاتِلُواْ الَّذِينَ ۩ هذا إسم موصول، أين بيانه؟ قال مِنَ – هذه مِن بيانية طبعاً – الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى – هذه هى غاية قتال – يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩، قالوا هذه الآية واضحة، هذه حرب مفتوحة على أهل الكتاب بكونهم كتابيين أسند إليهم ما أسند من هذه الأوصاف، أنهم لا ولا ولا، أي الصلات الثلاث.

للأسف ضاق وقت الخُطبة عن إيعاب المسألة بحثاً وتحقيقاً، لكن أكتفي ربما بأمرين على أن نعود إلى هذه الآية في الخُطبة المقبلة إن كتب الله لنا ولكم عمراً وأعماراً إن شاء الله تعالى، أولاً هذه الآية فيها إشكال وفيها خلاف، لو عُدتم إلى الفخر الرزاي – رحمة الله تعالى عليه – لوجدتموه ذكر مجموعة إيرادات على الفهم الشائع لظاهر الآية، ظاهر الآية أن الصلات الثلاث لموصول واحد، بيَّن هذا الموصول قوله تعالى مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ۩، إذن فالفريق المأمور بقتاله فريقٌ واحد وهم الكتابيون، اتصفوا بمعان ثلاث وهى الصلات الثلاث، كما قلنا لا ولا ولا، هنا تُوجَد مُشكِلة، علماً بأن الفخر الرازي ذكر هذا بتفصيل وإسهاب، أولاً أهل كتاب يُؤمِنون بالله واليوم الآخر، معلوم أنهم يُقرِون بالله ويُقِرون بالحياة الأخرى ويُحرِّمون أشياء كثيرة مما حُرِّم في ديننا على لسان الله ورسوله بدليل أن كل المُفسِّرين والفقهاء حين ذهبوا يُعلِّلون أو يبحثون عن الحكمة والسر في لماذا أباح الله لنا زواج الكتابيات قالوا لأن أهل الكتاب في الجُملة مُؤمِنون بالله واليوم الآخر ويُحرِّمون ما حرَّم الله في الجُملة طبعاً، هناك الوصايا العشر في سورة الأنعام وهى الوصايا العشر عند أهل الكتاب جميعاً، فكيف لا يُحرِّمون؟ هنا تُوجَد إشكالات حقيقية، فكيف تقول لي أهل الكتاب لا ولا؟ الكلام في أول صلتين، أجاب الفخر الرازي بإجابات، قيل يُؤمِنون بالله ولكنهم يُسنِدون إليه صفات تجعل إيمانهم كعدمه، لأنهم ينسبون إليه كذا وكذا مما تعلمون، كما أنهم يُؤمِنون باليوم الآخر لكن على نحو يجعل إيمانهم به كاللا إيمان كقولهم لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ ۩،

وماذا عن القول بأنهم يُحرِّمون؟ يُحرِّمون أشياء كثيرة – كما قلت – مما حُرِّم في شرعنا، العلامة الإمام المُفسِّر النحرير محمد الطاهر بن عاشور – رحمة الله تعالى عليه – مُعلِقاً على ما أورده الفخر الرازي من جوابات وكله تعسف وغير صحيح – تُوجَد مشكلة الآن في فهم الآية، انظروا إلى الإمام الطاهر بن عاشور النحرير، هذا المُفسِّر والمُجدِّد أيضاً في التفسير فليس شرطاً أن يتبع الطبري والقرطبي والآلوسي وغيرهم، هم علماء ونحن علماء لنا رأي – قال الذي عندي فيه تفسير هذه الآية أن ما صدق الموصول مُتعدِّد، فالله حين يقول قَاتِلُواْ الَّذِينَ ۩ لا يقصد فريقاً واحداً وإنما يقصد فريقين، المُراد أصالةً أهل الكتاب، فالآية حين ساقها الله ساقها أصالةً لبيان حكم – طبعاً سوف نتلو عليكم في الخطبة المُقبِلة بإذن الله تعالى هذا – نفر مخصوصين من أهل الكتاب وليس أهل الكتاب جُملةً هكذا بالمطلق، هذا أصالةً وأما ما ورد من الصلتين الأوليين يقول العلّامة ابن عاشور فإدماج، ما معنى الإدماج؟ الإدماج مبحث من مباحث البديع، هو من علوم البلاغة، ماهو الإدماج؟ الإدماج أن يسوق القائل في ثنايا معنىً يُريده أصالة – هو الذي سيق الكلام لأجله – معنىً آخراً لم يرده ولم يقصد إليه، هذا أسمه إدماج.

الله – تبارك وتعالى – حين ذهب يمتن أو يذكر منة الأم الوالدة على أولادها ماذا قال؟ قال وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ ۩ ثم قال وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ۩، وهذا إدماج طبعاً، المعنى الذي يُراد أصالةً هو ماذا؟ بيان منة الأم الوالدة على الأولاد، أما معنى أن أقل الحمل يكون ستة أشهر المفهوم من هذه الآية مُقارَنة بقوله حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۩ هذا إدماج، لم يُرَد أصالةً، يقول أبو الطيب أحمد المُتنبي:
أُقَلّبُ فيهِ أجْفاني كأنّي                                 أعُدّ بهِ على الدّهرِ الذّنُوبَا.

هذا إدماج، ماذا أراد المُتنبي؟ أراد أصالةً أن يُعبِّر عن طول الليل، أن ليله طوي كليل امرئ القيس – وَنَاءَ بِكَلْكَــلِ – ولكنه أورد إدماجاً حينما عد الذنوب، فهذا إدماج لأن الليل الطويل ليس له علاقة بكثرة ذنوبك ومآتيك وفعلاتك، هذا موضوع ثانٍ، يقول:

أُقَلّبُ فيهِ أجْفاني كأنّي                                 أعُدّ بهِ على الدّهرِ الذّنُوبَا.

هذا إدماج، في قول الله – تبارك وتعالى – وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩ المعنى الأصلي الأساس والرئيس الذي سيق الكلام لأجله ما هو؟ بيان أن نفقة المرضع على الوالد، هذا المعنى الأصلي، أما بيان أن الولد يُنسَب لأبيه المأخوذ من قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ۩ إدماج، وطبعاً الأمثلة على الإدماج كثيرة جداً، العلّامة الشيخ الإمام ابن عاشور – رحمة الله تعالى عليه – طبعاً لا يشرح لك الإدماج، هو يفترض أنك رجل عالم ودارس للعلوم وتعرف هذا، وهذا هو العلم، اليوم أنت لا تجد أمثال ابن عاشور يُستشهّد به، يُستشهَد بالشيخ أبي قتادة وأبي عوسجة وأبي فلان من أصحاب فتاوى التفجير والتقتيل واللحى الضخمة، وهذا شيئ مُخيف مُرعِب، ويقولون لك هذا الإسلام والدين، لكن هذه كارثة ودماء تسيل فقط، هذا هو، لا يُوجَد علم حقيقي، الشيخ العلّامة ابن عاشور يقول لك قول الله – تبارك وتعالى – قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ۩ هذا هو المعنى الأساسي، وما عداه مما وردت به الصلتان هو إدماج، لماذا؟ لئلا يظن ظانٌ أن الأمر بقتال هؤلاء الكتابيين يعني مُتارَكة قتال المُشرِكين الموصوفين بالصلتين.

للحديث بقية، استكمله إن شاء الله – أي الحديث – في الخُطبة المُقبِلة، ادعوا الله – تبارك وتعالى – وأنتم مُوقِنون بالإجابة.

_____________________________________________________________________________

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلي يوم الدين.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً برحمتك يا أرحم الراحمين، زِدنا ولا تنقصنا، وأعطِنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تُهِنا، وانصرنا ولا تنصر علينا، اللهم انصرنا على مَن بغى علينا يا قوي يا عزيز يا جبّار يا متين يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك ونبتهل إليك بالدعاء والضراعة في هذه الساعة المُبارَكة من هذا اليوم المُبارَك الأزهر أن ترفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا ولا تُؤاخِذنا بما فعل السُفهاء منا واهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مِن تشاء إلى صراطٍ مُستقيم، اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (27/2/2015)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: