إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله  – سبحانه وتعالى – في  كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:

وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۩ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ۩ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ۩ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ۩ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ۩ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ۩ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ۩ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ۩ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلْآخِرِينَ ۩ 

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

 إخواني وأخواتي:

هذه الآية الجليلة من سورة الزخرف فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۩ حظيت بقبولٍ وترداد كبيرين في العصر الحديث على ألسنة الدعاة والعلماء وحتى العامة من المسلمين، وهى آية في الحقيقة وللحق مفتاحية، يُمكِن أن تضع الأصبع على جوهر مسائل كثيرة ينتظمها عنوانٌ واحد وهو الوعي الكاذب أو الوعي الزائف كما يُسميه علماء الاجتماع، كيف نجح فرعون في تزييف وعي قومه؟!

الله تبارك وتعالى عبَّر عن هذا المعنى بقوله فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۩، لكن السؤال – سؤال المقام – هو: كيف تأتى له أن يستخف قومه؟!

بماذا استخف قومه؟!

ما هى الوسيلة أو الطريقة التي اتبعها لكي يستخف قومه؟!

ما هى المهنجية التي اصطنعها هذا الداهية الكبير لكي يستخف قومه – أي عقول قومه – وهم يعدون بمئات الألوف من البشر؟!

الله قال فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۩، وهو رجل يدعي الإلهية ويدعي الربوبية ومع ذلك صدقوه في هذا وكذبوا موسى ونعتوه بالساحر-  وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ۩ – بعد الذي أنزل الله بهم من صنوف البلايا والمحن وعلموا أنهم ما ابتُلوا بها وما حاقت بهم إلا جزاءً على  كنودهك وكفرانهم، ومع ذلك  ينتعتونه بالساحر ويسمعون قول الذي استخف بعقولهم.

يقول فرعون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ۩، إنه مهين، فلماذا موسى مهين؟!

من أين تطرقت المهانة إلى موسى؟!

 أنى لموسى أن تتطرق إليه المهانة؟!

هذا الجواب تُجيب عنه السورة في السياق الكريم وفي آيات أُخر أو أخرى في السورة، وتجيب عنه بعنوانها، وهى سورة غريبة حيث أن عنوانها يكشف عن سرها، كأن هذه السورة الجليلة وهى سورة الزخرف – والزخرف هو الذهب – أنزلها الله – تبارك وتعالى – لتعطينا جواباً عن هذا السؤال الكبير: كيف يُزيَف وعى الناس أو وعى الجماهير أو وعى الشعوب أووعى الأفراد والجماعات؟!

إنه الزخرف، إنه الذهب ببساطة، وقد يُقال هناك سلطة لكن لا سلطة بغير ذهب ولا سلطة بلا مال، المال يأتي بالسلطة ويُمكِّن للسلطة، فالسلطة تستمر وتمتد بالمال لكن السلطة بلا مال تنهار مباشرةً وهذا شيئ معروف، والمال وإن عاش بغير سلطة بالمعنى السياسي والتنفذي للسلطة فإنه بحد ذاته سلطة وأي سلطة؟!

إنها سلطة المال إذن، لذلك هى سلطة أخطر من السلطة المُجرَدة لأنها هى التي تؤسِّس لها وتدعمها وتقويها وتمدها وتمونها ويُمكِن أن تستمر بغيرها ويُمكِن أن تتحالف مع صنوف من السلطات أو السُلط مُتناقِضة  مُتعارِضة ومُتزاحِمة أيضاً ويبقى المال هو المال، لذلك السر في سورة الزخرف.

في هذه السورة يقول الله وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا ۩،أي الذين احتازوا الذهب والفضة، فالمُترَفون هم الأغنياء الواجدون من أصحاب الكنوز دائماً تقريباً، علماً بأن هذه سُنة ولذلك الله عبَّر عنها بطريقة تدل على السُننية فقال وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا أي أنه يقول أن هذا يتكرر دائماً وبالتالي هذا تعبير سُنني في كتاب الله الأجل – مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ۩، طبعاً هذه تعلة أو ذريعة أو سبوبة كما يُقال، لكن هم رفضوا الحق لأنه يتعارض مع مصالحهم ومع تثمير وتكثير الذهب والفضة واحتيازها من دون الأفواه والمِعد الجائعة والأكباد الحرّى، وطبعاً الأنبياء لم يأتوا لكي يتحالفوا مع الظلم ومع الظالمين ومع الذين يتآمرون على الشعوب وعلى حرياتها وعلى خيراتها، هذا مُستحيل ولكنهم أتوا أيضاً بشيئ أكبر من ولكننا سنعرض له بُعيد قليل بإذن الله تعالى.

إذن هذا في المُترفين في الثلث الأول من السورة، بُعيد قليل الله تبارك وتعالى يعود فيقول وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۩، رجل ليس يتيماً مثل محمد الذي كانوا يدعونه بيتيم أبي طالب، ولا يزالون بعد أن كَبَر أو كَبِر وشب عن الطوق وهو رجل ناهز الأربعين يقولون له يتيم أبي طالب لكي يذكرونه بماضيه، كأنهم يقولون: هذا يتيم ولم يكن ابناً لأبٍ مُتموِل مُكفِر مُثرِ بل هو فقير غلبان، فلماذا نصدقه إذن ونتبع هديه؟!

قال الله وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ قريش أو ثقيف – عَظِيمٍ ۩، أي عظيم  مُتموِل لأن العظمة عندهم تُقاس بالمال وهذا شيئ غريب، وعلينا أن ننتبه إلى أن هذه السُنة أيضاً سُنة حاكمة على كل الشعوب التي زُيف وعيها والتي تعمل على استدامة وعيها المُزيَف أن يبقى مُزيفاً فيكون معيار الحقيقة هو السلطة،سلطة الذهب وسلطة السيف.

 للأسف الشديد كل الشعوب وكل المدنيات وكل الحضارات التي تُعيّر وتروز الحقائق بهذا المعيار يكون مالها إلى زوال وإلى دمار وإلى خراب لإنها شقيانة، ويشقى بهذا الطراز من التفكير الإنسان وتشقي الشعوب والأفراد والجماعات للأسف الشديد، لكن كل هؤلاء المُستفيدين من تزييف وعي الشعوب يعملون دائماً على تثبيت هذا المعيار فيقولون: هو يدّعي أنه على حق، فلماذا هو فقير وغلبان وليس لديه سُلطة إذن؟!

لماذا لم يغلب ولم يظهر ولم ينتصر؟!

ثم يقولون “إذن ليس على حق” وهذا شيئ عجيب، فهذه هى حُجة السلطة في مقابل سلطة الحُجة، لكن الحُجة لها سلطة على العقلاء وعلى المُهتدين  – اللهم اجعلنا منهم – وعلى المُستبصِرين، أما الذين زُيف وعيهم فلا يُعنون كثيراً بسلطة الحُجة.

أما وأننا نتحدَّث عن الوعي الزائف فقد يسأل أحدكم: ما هو الوعي الزائف؟!

باختصار الوعي الزائف هو الذي لا يُطابِق الوقائع، وطبعاً أكثر مَن يستخدم هذا المصطلح هم الماركسيون بالذات عن تزييف وعى الطبقة العاملة – أي پروليتاريا  Proletariat  –  حيث تكون أنت في الطبقة العاملة ولكنك تُفكِر بطريقة برجوازية ومن ثم هذا وعي زائف إذن، إذا فكَّرت بطريقة برجوازية أو سمحت للطريقة البرجوازية أن تتطرق إلى تفكيرك أو تستولي عليه أو تشوِّهه أو تُحرِّفه فمعنى ذلك أنك تستديم حالتك المأساوية السيئة بأن تبقى هكذا مطحوناً وعرقك لغيرك لأن لديك وعياً زائفاً، فلماذا تُفكِر على نحو برجوازي؟!

ثم يقولون “يجب أن تُفكِر بوعي عُمالي، فهذا هو الوعي الحقيقي ، وذاك وعي زائف  كاذب False”، فهذا هو إذن باختصار، لكن نحن نستقبل الوعي الزائف في سياق دلالي أعم وأشمل وقد ظهر لكم هذا من تضاعيف الجُمل السابقة.

كل وعي لا يُعيّر الحقيقة بالمعايير التي ينبغي أن تُعيَر بها الحقائق يُعَد وعياً مُزيَّفاً، وطبعاً هنا يطول الجدال فلسفياً وإﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎً ولكن على كل حال نحن سنتحدث في مقامنا هذا بالذات عن الحقيقة أو عن خصوص الحقيقة الدينية وما هو معيار الحقيقة الدينية وكيف نعرف أن هذا الوعي الدين صحيح أو وعي ديني زائف، لأن نكبة الأمة اليوم الإسلامية ومُصيبة الأمة الإسلامية هى في هذا الوعي الديني بصرف النظر أكان زائفاً أم حقيقياً فهذه مسألة أخرى، وسنعرض لجانب بسيط جداً  – جُوينب بسيط جداً –  منها في هذه الخطبة لنرى كم هو زائفٌ أو كم هو صحيحٌ ومُستقيم وسديد وعينا الديني ، سوف نرى فهذا هو هدف وغاية الخطبة التي تتجارى إليها كلماتها بإذن الله تبارك وتعالى.

على كل حال نعود إلى ما كنا بصدده، فهذه هى السُنة: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۩ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ۩ وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۩ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ ۩وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ۩، فهذه آيات عجيبة ومن هنا أقسم بعزة جلال الله أن هذا لا يقوله إلا رب العالمين، ائتني بأكبر شاعر أو بأكبر أديب أو بأكبر مُترسِل ليتكلم هذا الكلام ولن يقدر على هذا، فهذا شيئ غريب ومن هنا مَن لا يفقه هذا فليس عنده شيئ من الفقه وليس عنده شيئ من ذوق ولا فهم ولا دراية، كلام عجيب جداً جداً وفعلاً لا يقوله إلا رب العالمين الذي يريد أن يكشف به مضمونياً الآن مضمونياً زيف هذه المعايير الزائفة، كأنه يقول: ما علاقة هذا بهذا؟!

علماً بأننا سنشرح هذا بُعيد قليل، ثم بعد ذلك تأتي هذه السورة على لسان اللعين فرعون فتقول وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ  ۩، إذن السلطة مرة أُخرى، هذه هى حُجة السلطة الآن، فهكذا تحتج السلطة فيقول صاحبها “أنا الملك، أنا المُنتصِر، أنا القوي، أنا الذي بيدي السيف والذهب”، كما في المثل الإسلامي “سيف المُعِز وذهبه”، أي سيف المُعِز – المُعِز الفاطمي  – وذهبه، فهكذا كان يحتج لموقفه وهذه حُجته التي يحتج بها مرة بالذهب ومرة بالسيف، وكما قال المعري
تلو باطلاً, وجلوا صارماً                   وقالوا: صدقنا؟ فقلنا: نعم

ماذا قال فرعون؟!

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ  ۩أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ  ۩ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ  ۩

أي أين ذهبه، وهذه الطريقة في التفكير عجيبة حتى وإن استخف بها بعض الناس، فهذه طريقة وبائية في التفكير، ومع ذلك معظم عباد الله  أو معظم من ترى من بيننا نحن الآن هم يصدرون عن هذا المنطق وعن هذه الطريقة وعلى الإطلاق، وقلة قليلة  مُمتازة – ذات – خاصة مخصوصة هى التي تكفر بهذا المنطق ولا تصدر عنه وتحترم عقلها ويكون وعيها وعياً صحيحاً سديداً وليس وعياً زائفاً، فليس شرطاً أنك انتصرت أنك على حق وليس شرط أنك أغنى أنك على حق وليس شرطاً أنك مُتسلِط مُهيمن أنك على حق، هذا ليس شرطاً أبداً.
انتبهوا الآن لأن هذه موضوعات كبيرة جداً ونحن نُريد أن ندخل في موضوعنا حتى لا يُدرِكنا الوقت، فما علاقة هذا بقضية الوعي الديني الزائف أو الصائب؟!

وعينا الديني للأسف ليس في هذا العصر بل تقريباً من يوم ما اُغتيلت الخلافة الإسلامية وحُوِّلت إلى مُلك  – كما تعلمون – على يد معاوية بن أبي سفيان هو وعي زائف، كل الفرق الإسلامية من شيعة ومن سنة ومن خوارج ومن كل الفرق بلا استثناء وعيها زائف وكلها تصدر عن منطق أن هذا الدين لا يقوم إلا بالقوة وأن الغلبة والهيمنة علامة على الحقية وعلى الصحة، طبعاً لم يُفلِح إلا الأقلون منهم الذين أقاموا دولاً، وما كانوا أصلاً يُقيمون هذه الدول إلا على تلال بل جبال من الجماجم، من جماجم المُوحِدين من أهل لا إله إلا الله.

والسياسية في عالم المسلمين وفي تاريخ المسلمين ليست بدعاً من السياسية في العالمين فهى مثل كل السياسة في العالمين، هى دجل وكذب ونصب واستخفاف بالناس وتزييف لوعيهم وتحريف لدينهم من أجل الكرسي، ومن أيام معاوية إلى اليوم وهذا حال الأمة حيث أنها تتذابح وتتناحر، فيا سيدي هى أرادت وشاءت وأحبت ولا تزال أن تتذابح وتتناحر من أجل السلطة والكرسي فلتفعل ولكن لتترك الدين في قدسيته وفي نزاهته، ولكن كيف طبعاً يحدث هذا وهى لا تفعل إلا بإسم الدين؟!

 باختصار آن لهذه الأمة – آن الآوان فعلا ً – أن تكشف قناع الدين عن وجه السياسة القبيح، كفى لعباً بالدين لمصلحة السياسة ولغايات السياسة، الكل يفعل هذا ولا تقل لي “أهل البيت – عليهم السلام – والمظلومون” وقد فُعِل هذا بإسمهم أيضاً ولا يزال عبر التاريخ، ولكن أنا لا أعتقد أن هناك أمة تجهل تاريخها كما تفعل هذه الأمة، أستطيع أن أقول وأنا واثق مُطمئن – أي أجزم بالقول – أن  أمة بتاريخها هى الأمة المسلمة على الإطلاق فهى تزهد طبعاً في معرفة تاريخها، علماً بأن العلماء والوعاظ يُزهِّدون الأمة في قراءة تاريخها فهذا غير مُستحَب لأنك لو قرأته شاب مِنك سواد الشعر وستكتشف أشياء لا تُقال لنا ولا تُدرَّس ولا تُستنبَط  كأنها غير موجودة فتكتشف شيئاً مهولاً مُخيفاً وهو أن أكبر عامل من عوامل تحريف الدين بسبب بعض هؤلاء الدُعاة، فلماذا  حُرِف الدين  وظل يُحرَّف إلى الآن ليس فقط على المستوى الفقهي بل وعلى المُستوى العقدي أيضاً؟!

 بمعنى أن هناك من ادّعى النبوة وهم كثيرون، بل هناك من ادّعى الإلهية وهم أكثر، فهؤلاء كثيرون جداً في هذه الأمة، كثيرون جداً مَن ادّعوا أن الله حل فيهم وهذا كفر وزندقة حقيقية، ولكنهم فعلوا ذلك من أجل السياسة ومن أجل فقط أن يكسبوا النُصراء وأن يقمعوا الأعداء، وطبعاً أمة غريبة عندها وعي غريب أسطوري خُرافي سيكذب بعضها بعضاً لا عقلاً ووعياً وإنما تعصباً للطائفة وللمذاهب، ومن هنا ستجد من الرجال النبلاء أصحاب العقل وقلم واللسان مَن كانوا يُؤيدون – مثلاً – بعض هؤلاء المُتألهين، علماً بأن ليست كل الأمة هكذا ولكن هذا شيئ غريب فيكف يكون الرجل عالماً وذكياً وفيلسوفاً ويُؤيد هذا المتبوع؟!

يفعل هذا لأن عنده أهداف سياسية، وهذا العالم يعلم أن هذا كذاب أشر، وأين التراب من رباب الأرباب؟!

وأنى لأحد أن يدعي هذا الكفر ويقول أن الله – أستغفر الله العظيم – حل فيه؟!

لكنهم فعلوها مرات ومرات ومرات عبر التاريخ، واليوم أيضاً تُفعَل لكن بطريقة أكثر ذكاءً وأكثر التباساً وذلك حين يأتيك مَن يأتي سواءً أكان فرداً أم جماعة وتقريباً مُحصِل أو مُحصَل قوله “أنني أنا الذي أُمثِل الإسلام، وإذا غبت غاب الإسلام، وإذا لم تفقه الإسلام على طريقتي ففي إسلامك شك أصلاً”، فهذا يتأله إذن ولا يتواضع، فلا يقول لك أنا لدي طريقة في فهم الدين بل يقول لك أنا الدين نفسه، لكن طبعاً انتهى عهد التأله وهذه الخُرافات انتهت وإن كان من المُمكِن أن تسوغ في بعض البلاد البعيدة حيث أنهم الآن يُصدِقون هذه الخُرافات، لكن عموماً في العالم انكشف الغطاء والدين حُرِّف وكان أكبر عامل في تحريف وتدمير هذا الدين هو عامل السياسة، قاتل الله السياسة – والله العظيم – في عالم المسلمين بالذات التي ذهب الدين كأول ضحاياها وأكبر ضحاياها وأقدس ضحاياها، ومازال الدين ضحية للسياسة، لأن المسلمين استنبطوا هذا النموذج في التفكير وهذا الإطار حكم على تفكيرهم الذي يتعلَّق بمعيار القوة، لكن بالعكس أنا لا أرى أن لا القوة ولا الغلبة ولا النجاح ولا السلطة هى معيار تمييز الحقيقة على الإطلاق، فهذا غير صحيح لا من قريب ولا من بعيد وبالتالي هذا ليس له علاقة بهذا أبداً، علماً بأننا الآن نستشير الكتاب ونستفتي رب العالمين وذلك حين نقرأ الآن القرآن الكريم، فنستقرأه ونستشيره ونسأله ونستفتيه عن هذه القوة، وإذا قرأت القرآن من أوله إلى أخره لن تجد هناك  مجالاً يسمح فيه القرآن بإعمال القوة  – علماً بأنني ذكرت هذا غير مرة – إلا مجالاً واحداً فقط وهو مجال درء العدوان ورد العوادي، بمعنى أن جماعة تعتدي علينا فنرد، مثل دولة أخرى تعتدي أو جماعة من الكفار ومن المُشرِكين  المُعتدين أو حتى جماعة من المسلمين تعتدي على الأمة فنرد في هذه الحالة، نرد – مثلاً – إذا وُجِدَ فرد ما يعتدي على الناس وعلى أموالهم وعلى أعرضاهم وعلى حيواتهم وعلى أمنهم، لكن فيما عدا هذا لا تُستخدَم القوة فلا مجال لها.

السياسة تستخدم القوة وتقوم دعائمها مُوطَدة على القوة، فلتستخدمها إذن دون أن نقول أن هذا يُعَد حراماً، فهى حُرة في أن تفعل هذا وأن تستخدم هذه طريقة السياسة لتضبط الناس على غايتها وأهدافها بالقوة، فكما قال ماكس فايبر Max Weber “الدولة تحتكر العنف”،فلتفعل هذا علماً بأننا نرى من حيث المبدأ أن هذا الأمر يُعَد ضرورياً، فضروري أن تفعل الدولة هذا لأنهاطبعاً إذا لم تحتكر الدولة العنف ما شاء الله تكون الفوضى المُدمِّرة وليست الخلاقة، أي حرب الكل على الكل وللكل، فالكل يأكل الكل والكل يذبح الكل، ومن هنا من الأفضل أن تحتكر الدولة العنف فقط لأن مهما ظلمت ومهما طغت فسيبقى التجاوز محدوداً، لكن في ظل هذا الانفلات المجنون فسوف تعم الفوضى، وطبعاً الضرر لا  يُقَادِرُ قَدْرَهُ لأنه ضرر مُخيف ومُريع وكارثي ونهائي وجازي، إذن الدولة إذا كانت تفعل هذا فلتفعل ولكن الدين ليست هذه طريقته  أبداً، ولكن هل تعرفون ما هو الدين؟!

إذا سألك أحدهم عن الذي يُريده الدين من الناس عليك أن تُجيب قائلاً “الهداية”، فالدين يُريد هدايتنا، فهذا الكتاب كتاب هداية، قال الله هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ۩، وكذلك النبي هادٍ حيث قال الله وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ۩، فضلاً عن أن البلاغ والبشارة والنذارة وإلى أخره كلها أمور من أجل الهداية، أي أن هذه تنويعات وأساليب للهداية على الهداية، وأنا ولكن ببساطة ما هى الهداية؟!

ما هو أصل الهداية؟!

أصل الهداية هو الدلالة، فالنبي يدلك ويقول لك “هذا سبيل الرشاد وهذا طريق الغي، اسلك من هنا ولا تسلك من هنا”، ثم يأتيك بالبشارة والنذارة والقصة والعبرة والمثل والحكمة والبصيرة وإلى آخر هذه التنويعات الكثيرة لكي يُقنِعك وينتهي دوره هنا.
النبي لا يدعك بيديه فهو لا يدع أحداً ولا يُلجئ أحداً ولا يُسلِط السيف أو يسله على رأسك يقول لك “صل وإلا قتلتك”، كما زعموا أنه قال حُج وإلا ذبحتك وهذا غير صحيح، فهذا ديني وهذه هداية لي ثم ينتهي دور النبي ومن باب أولى أن ينتهي دور الذين يرثون النبي – أي العلماء والدعاة والأئمة – عند الحد الذي انتهى عنده دور النبي، فالدين لا يُمكِن أن يكون بالإكراه والإلجاء، لكن الدين هداية ومن هنا ينتهي دور النبي، وبعد ذلك الباقي عليك أنت فإما سلكت هنا وإما أخذت هناك، وبالتالي النتيجة معصوبة بجبينك وأنت ستتحملها في الدنيا وفي الآخرة، فهذه هى الهداية إذن، وما وراء هذا هو قصرٌ وإلجاء وإكراه واضطرار ولكن الدين منه براء.

قال الله وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ لم يقل اذبحوه أو اقتلوه –  فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ۩، فالقرآن طافح بالآيات التي لا تقول مَن لم يصل ولم يصم وإنما مَن كفر بالدين كله ولكن الله يقول فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ۩ وقال الله أيضاً وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ۩

لا يُمكِن أن يحدث هذا لأن هذا الدين كما قلنا يقوم على الهداية، والهداية مسألة تتعلق بإرادة الإنسان وباختياره وبقناعته، فهذا هو إذن لكن علينا أن ننتبه إلى أن الدين الذي يُريد أن يُلجئ الناس وأن يقصر الناس على  أشياء بالقوة هو دين السلطة والذي يتوسل السلطة ويريد سلطة ، وطبعاً نحن نرى في بلاد العرب الآن – ما شاء الله – ديناً  يُريد فيه بعض أصحابه في المواطن أن يلتحي الناس على الرغم منهم بالقوة، وإذا لم تُطلِق لحيتك فلن تُقتَل  ولكن ستُجلَد، فما هذا الكلام الفراغ؟َ

فأنت إذا أردت أن تُصلي جماعة وأن تُغلِق المحل لكي تذهب إلى المسجد فأنا لا أُريد أن أصلي في جماعة، فلا يُمكِن أن يُقتل الإنسان بعد أن يُعَد كافراً لأنه لا يُصلي، وهذا شيئ غريب، فأي دين هذا؟!

وطبعاً سوف ترون ببساطة أن هذا الدين يٌفرِق المُنافِقين، علماً بأنني  فكرت طويلاً وهذا موضوع كثرة حركات الزندقة وادّعاء النبوة وادّعاء الإلهية فأرقني وأتعبني ولكنني أن هذه الحركات هى من الكثرة بمكان أكثر مما تتخيلون، وهذا لا يُقال لنا وكأن تاريخنا نضيف لأمة مُوحِّدة ولكن هذا التاريخ في الكثير من العبط ومن الأشياء المُخيفة، وذلك لأسباب في رأسها  – كما قلت لكم – الصراع السياسي، فهذا السبب الأول إذن، وفي رأسها أيضاً جموح السلطة وطغيان السلطة.

اليوم وأنا أُعِد نفسي للمجئ إلى هذا المكان استمعت إلى خطيب يتحدَّث عن النبي  – نبي  الرحمة – في ظل ميلاده الميمون – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً  -طبعاً – نحن الآن في شهر ميمون قائلاً “إنني لأخشى أن يأتي يومٌ يبدأ يشك شبابنا في حقيقة فعلاً هل كان نبياً للرحمة”، ومن هنا علينا أن ننتبه إلى أن إلى الآن تقريباً والشك ليس في أسس الإسلام عند أكثر الناس ولكن في فهم المسلمين للإسلام، فيقول لك أحدهم ” هؤلاء لم يفهموا الإسلام، هؤلاء إرهابيون وجهلة ومُتطرِفون ، هذول مش عارف أيه ، مُوتورون، لكن إذا اتسع الخرق على الراتق – والراقع فمن المُمكِن أن نصل إلى درجة يبدأ يتساءل الشباب وخاصة الذين لا دراية لهم بأصول الإسلام ولا بفروعه ولا حتى بتاريخه وحضارته ويقول لك عن أن كيف النبي هو نبير الرحمة؟!

أي نبي رحمة !؟

وأي دين رحمة ؟!

ثم يقولون “نحن لا نرى هذه الرحمة – فهم لا يروا أي شيئ، فإذا استشارنا كتاب الله سنعود بأن هذا يُعَد شيئاً مُخيفاً في الحقيفة – فأين هذه الرحمة إذن؟!

إذن لا يُوجَد مجال لاستخدام العنف والقوة في إلجاء الناس، لكن علينا أن ننتبه إلى أن هذا المنطق الذي أقوله بالذات هو أكثر شيئ يكرهه دجاجلة السياسة من الذين يُحبون أن يقيموا دولاً ويثلوا عروشاُ، فيريد الواحد منهم أن يثل عرشاً ويرفع عرشاً عن طريق أقصر طريق وهو الدين، فالكل فعل هذا بإسم الدين،  معاوية عندنا  نزع الإمامة علياً الذي بايعته الأمة كلها كان يستند إلى قضايا دينية التي تتعلَّق بولي الدم وما قال الله فيه وذلك بعد حادثة استشهاد عثمان، فهذا إذن نوع من الدجل الواضح بإسم الدين وبالتالي يضحك على الأمة فكان ما كان طبعاً، وبعد ذلك كما تقول العامة    “كرت السبحة”، وإلى اليوم يا إخواني كرت السبحة، بنو العباس أتوا على إثر بني أمية ، ودعوا سنوات مُتطاوِلة إلى الرضا من آل محمد، فلم يدعوا إلى حفيد ابن عباس ولا إلى ابن عباس وأولاده أبداً، فأين ابن عباس من الإمام عليّ مثلاً – إذا المسألة بالقُربى – ومن الحسن والحسين، لأن هذان من أهل بيت النبوة وأبضاع محمد، العباسيون كانوا طبعاً أذكياء ونادوا بالدعوة إلى الرضا من آل محمد، فبايعهم الكثيرون ونشط معهم الكثيرون من العرب والفرس، وبعد ذلك إذا بالعباس هو الذي يحكم، أبو العباس السفاح هو الذي حكم وهو فعلاً سفاح، فهذا إسم على مُسمى لأنه سفح من الدماء ما  لا يعلمه إلا الله، وبدأ السيف يدور على رؤوس كبار المُبشِرين والدعاة وقادة هذه الدعوة، فالذين أسسوا لهذه الدولة قُتِلوا شر قِتلة طبعاً لأنهم رأوا أنهم قد خُدِعوا وضُحِك عليهم فهم فعلوا ما فعلوا وقدَّموا ما قدَّموا وجاهدوا من أجل الرضا من آل محمد وليس من أجل أولاد ابن عباس، ولكن هكذا هى السياسة، ثم جاء أبو الجعفر المنصور ولم يكن خيراً من أخيه، بل بالعكس نكب ابن أخيه ونكب وأكثر من ابن لأخيه  – السفاح – طبعاً وقتل اثنين من أعمامه، فهذا هو تاريخ بني العباس!
جاء الرشيد ومع أمه وتآمروا على أخيه الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور وقتلوه بعد أن حكم سنة واحدة، وجاء الرشيد ونكب البرامكة وهم أكثر من ألف حيث عبأوا تقريباً كل مجالات الدولة الإدارية والاقتصادية والسياسية وتحكموا في كل مفاصل الدولة وكانوا خير عونٍ لها ولكن عندهم أخطاء كثيرة لكن كانوا إداريين من طراز فريد  ويشهد بهذا كل مُؤرِخ مُنصِف، فكانوا ساسة أقرب إلى المعدلة وأبعد من الإجحاف والظلم ولكنه نكبهم نكبة أضحت لغزاً إلى اليوم، وفي الحقيقة هو ليس باللغز وإنما هى السياسية والسلطة.

الرشيد وُليَ الحلافة وهو ابن ثلاث عشرة سنة، أي لأنه كان ولداً صغيراً ولم يكن رجلاً كبيراً، أما يحيى بن خالد بن برمك فكان ذاك الرجل الذي درَّسته وحنَّكته الأيام –  أبو البرامكة الأربعة الفضل وجعفر وموسى ومحمد –  ومن هنا هو يعرف كل شيئ فهو رجل خطير وبالتالي وزر للهادي ووزر للمهدي ويُقال أيضاً للمنصور، فطبيعي طبعاً أن يُلقي  إليه الرشيد مقادته وأن ينيبه التصرف في شئون الدولة لكن لما كبر قليلاً الرشيد وصار في الثلاثين – أي بعد سبع عشرة سنة – رأى  أن الأمر لا يُطاق وذلك بسبب الرغبة في السلطة، فكما يُقال “إنما العاجز مَن لا يستبد”، وطبعاً حين تقرأ هذا الفصل الدامي  – أنا لم أقرأه مرة إلا بكيت –  تبكي رغماً عنك أخلاقياً طبعاً، أي تبكي بدافع القيم وبدافع شيئ إنساني فيك ومن ثم تكفر بالسياسة وتبصق عليها ألف مرة، فهو نكب أخاه جعفر هذا –  جعفر البرمكي – بعد أن كان أعز من أخ لمدة تصل إلى سبع عشرة سنة، فكان له ثوب له زيقان – العرب يُسمونه  الزيق – مثلما كان للرشيد ثوب له زيقان، فيمشيان كأنهما يلبسان ثوباً واحداً وهو فعلاً كذلك، هما يلبسان ثوباً واحدا، وهذا شيئ غريب فلك أن تتخيَّل هذا!

جعفر البرمكي يتصرَّف في المملكة كما لو كان الرشيد فيدخل  عليه عبد الملك بن صالح العباسي  ابن عم هارون الرشيد  وأحد ولاته وبعد قليل يعلم جعفر أن له حاجة فيقول له قبل أن ينصرف “ذكر حاجتك”، فيقول “تغير علىَ قلب أمير المؤمنين، ولو أنك تدخلت فأرجعت الأمر إلى صافي ما كان”، فقال “قد رضى عنك أمير المؤمنين” أي أنه كما نقول يمون عليه تماماً، فماذا يفعل جعفر الرشيدي يُمضي، ثم قال له الرجل “علىّ أربعة آلاف ألف”، أي أربعة مليون، فقضى له بهذا، وطبعاً هذه أموال الأمة طبعاً ولكن يتصرف فيها البرمك وآل العباس والكل ولكن الناس طبعاً أكباد حرّى من الجوع، فهذا هو تاريخ الأمة وهذا هو تاريخ السياسة بإسم الدين، فلماذا يحصل هذا الرحل على أربعة مليون أصلاً؟!

 طبعاً لا ننسى أن  جعفر البرمكي هذا الذي كان فقيهاً وأديباً هو أحد تلاميذ أبي يوسف القاضي، علماً بأنه كان فقيهاً كبيراً ومن هنا قال ابن خَلِّكان لو وُجِد ألف توقيع فمن المُستحيب أن نجد لحناً واحداً في هذه التواقيع، لا يُوجَد أي خطأ لأنه فقيه وعلّامة وأديب ومُترسِل وصاحب تواقيع، فهذا الرجل كان شيئاً رهيباً وبنى بيتاً له بعشرين مليون فضية، أي بنى بيتاً بعشرين ألف ألف من أموال هذه الأمة دون أن يجد مُشكِلة في هذا، والويل لمَن يتكلَّم أو يعترض فأسهل شيئ السيف، وعلينا أن ننتبه إلى أن في الوقت الذي لدينا فيه تاريخ مُحاكمات للناس الذين قُتِلوا لدينا أيضاً تاريخ من اللامحاكمات وتاريخ نزوات الملوك، ففي لحظة يُشير بيده هكذا تطيح رأس إمام كبير أو عالم جليل أو ولي صالح، إي والله  في لحظة!

على كل حال نعود إلى قصة الرجل الذي طلب الأربعة المليون وقال “علىّ أربعة آلاف ألف”، فقال له “قد قُضيَت وهى الآن حاضرة ولكن أن تكون من مال أمير المؤمنين أشرف بك وأكرم لك”، وكان كريماً جعفر ولكن طبعاً من أموال الأمة لأن هذه الأموال لم يتعب فيها وأخذها بدون تعب، فأعطاه أربعة مليون فضية  وهذا شيئ لا يُصدَّق.

ثم قال له”وابني فلان”، فقال له: ما له؟!

فقال “أُحِب أن يتشرَّف بأهل بيت الخلافة”، فقال “زوجته لبنت الرشيد”، أي أن لهذه الدرجة كان يمون جعفر على الرشيد فهو يتصرف حتى في ابنته،  فيُزوِج ابنة الرشيد ويقضي الديون من ماله.

ثم قال الرجل “وأريد أن يُرفَع له لواء”، أي أُريد أن نرفع خسيسته”، فقال له “وليناه مصر”، أي أنه عزل والي مصر وعين هذا الآخر بدون أسباب، يقول ابن خَلِّكان “الرشيد سمع بهذا الكلام في اليوم الثاني ففرح وسُرَ وأمضاه كله”، أي أنه وافق على هذا كله بما فيه تزويج ابنته ولذلك أنت ستبكي في النهاية عندما تعلم أنه بعث مسروراً خادمه الضليع القوي وهو يقول له “تأتيني برأس جعفر وإلا فعل الله بك وبك، فلأفعلن بك وبك إن لم تأت الآن برأسه”، فالرجل أخذ يرتعد لأن ما يحدث غير معقول، كيف يطلب منه أن يأتي برأس جعفر بن يحيى البرمكي وهو ثاني رأس في الدولة وأعز من أخ  بل هو أعز من أولاده؟!

لكنه قال له “ائتني برأسه الآن”، وفعلاً أُوتيَ برأس الرجل، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، فلعنة الله على السياسة.

هذه هى السياسة إذن، فلذلك يا إخواني عليكم أن تفهموا ما هى السياسة أولاً – علماً بأن السياسة سيئة السُمعة في العالم كله وفي التاريخ كله – ثم بعد ذلك عليكم أن تُجيبوا عن سؤال: ما عساه يكون الدين المُخرَج الذي عبثت به السياسة ووظفته واستعملته؟!

ماذا سيكون دين السياسة هذا؟!

كيف سيكون الدين الذي تخرِّجه السياسة وتربيه على يديها فتفطمه ومن ثم تُوظِّفه وتستعمله؟!

سيكون رُكاماً من التحريف  – وأقسم بالله  – ورُكاماً من الكذب على الله ورسوله، سيكون رُكاماً من كل شيئ ربما يتعارض مع كل ضمير نزيه ومع كل قيمة رفيعة نبيلة، ورغم كل هذا فإسمه دين وعليك أن تتقبله رغماً عنك.

هذه هى السياسة إذن وإن اعترض علىّ أحدهم بالقول أنني رجل علماني وأنا لست كذلك طبعاً، ولكن آن الأوان أن نستيقظ بعد أن ذُبِحنا انذبحنا وذهبت أمتنا وذهبت بلادنا وذهب ديننا وذهب كل شيئ، وطبعاً هناك إسلاميون يُحِبون هذه السياسية ويقولون أهلاً وسهلاً بها ومن هنا كل مَن يُحاوِل أن يمنعهم هو ظالم، فلماذا يُمنَع  الإسلامي؟!

هل الإسلامي هو قرد أو شيطان لكي يُمنَع مِن مُمارَسة السياسة؟!

الإسلامي هو بشر مثله مثلك وعنده الحق في إدارة شأنه في الدولة، ولكنني أقول لهذا الإسلامي “لا تلعب بالدين فلقد تعلَّمنا الدرس ولكن العب سياسة، لا أحد يحول بينك وبين السياسة، اعمل أحزاب واعمل برامجك، والسياسة ينبغي أن تكون مفتوحة واضحة، لكن لا تأخذ الطريق القصير لأنه أقصر طريق وأسهل طريق لتجنيد ملايين من الناس الذين زُيف وعيهم ولا وعي لديهم، فيُكفِّر الواحد منهم أخاه بالسياسة ويقول له إذا لم تكن معنا  ففي دينك شك وإذا لم تُبايع مُرشَحنا فأنت البعيد – والعياذ بالله – عدو للإسلام، لكن نحن لا نحتاج لهذا اللعب والزيف والتزييف، العبوا السياسة كما تشاءون لأن هذا من حقكم – والله من حقكم – فيجب أن تفعلوا هذا، ولكن العبوا السياسة كسياسة”، آن للإسلام أن يكون هكذا، فوالله العظيم هذا مشروع الأمة وهذا مُستقبَل الدين والأمة، وإذا لم يكن هذا المشروع فلا مشروع لنا وسيذهب الدين لأن هذه هى الطريقة الوحيدة لإنقاذ الدين، إذن أقول للإسلاميين مرة أُخرى “العبوا السياسة كسياسة واتركوا الدين وحده، ولا تُفهِموا الناس أبداً أن الدين لا يقوم إلا بقوة ولا يستقيم إلا بقوة لأن هذا غير صحيح”.

وبالمُناسَبة أُحِب أن أقول أن عصر الفتوحات انتهى،  فنحن لا نحتاج خليفة الآن كالملك الناصري بن فلان الغازي الظاهر المُؤيَد المُعضَد الكذا كذا، لا نحتاج لمثل هذا لكي يذهب ويغزو لنا، فلا يُوجَد غزو الآن  ولا يستطيع أحد أن يذهب ليغزوا بلاد الناس، اجلس في بيتك أفضل فالدولة الآن لا تُقام هكذا، فلا يُمكِن لدولة أن تكون دولة أقلية على حساب أكثرية ولا يُمكِن لدولة أكثرية أن تمحق دولة أقلية، هذا لم يعد مقبولاً لأن اليوم الدول يُوجَد دول حديثة، تُوجَد دولة مواطنيها وهى هذه الدولة التي تشمل الكل، وهى دولة – والله – في منتهى العدل وفي منتهى السلام، وقلتها قبل هذا وسأقولها الآن: مَن  لا يُرضيه ومَن هو الذي يُحِب أن يعيش في دول كهذه الدول التي نعيش فيها والتي تمتليء بالعدل والسلام والحريات والحقوق؟!
هل منعك أحد هنا من أن تُصبِح أكبر ولي لله أو أكبر حدا مُتدين أو أكبر مُتأله أو أكبر صادق أو أكبر عالم أوأكبر مُجتهِد؟!

لا أحد يمنعك من هذا لأن هذه دول حديثة، ومن ثم نحن نُريد مثل هذه الدول في بلادنا، وبعد ذلك هوية الأمة  – كما قلنا ألف مرة – ستضح حيث أن الأمة ستصدر عنها وستُمثلها رغماً عن كل المانعين وعن كل المُعارِضين، لأن هذه هى هويتنا فلا يخاف الإسلامي ولا يضحك علينا ويقول “نحن نرفض الديمقراطية لأنها تُحل ما حرم الله”،هذا كلام فارغ يُضحَك به على الصبيان، لأن في عالم إسلامي أو في دولة مسلمة أو في شعب مسلم لن يقبل الشعب أصلاً إلا بمَن يُمثِّل هويته لأن الشعب عنده نوابه وعنده ممثلوه، ومن هنا الشعب سيقول لك “أنا من الأصل لا أقبل أصلاً أن تُعرَض قواطع الدين للاستفتاء”، فلا يُوجَد استفتاء على قواطع الدين، هذا غير مُتصوَّر أصلاً  ولا ينبغي أن يحصل، فلا يُمكِن لأمة مسلمة – مثلاً – أن ترغب في أن تُصوِّت على قانون للشذوذ الجنسي، فعلينا أن ننتبه إلى أن هذا كلام غير وارد لدينا  ولكنه وارد فقط في الغرب والسبب في هذا معروف، لكن عندنا هذا غير وارد على الإطلاق فنحن لدينا شريعة في ديننا، فالدين لا يقتصر فقط على العقيدة وإنما هناك شريعة مُحترَمة عند أبنائها بفضل الله تبارك وتعالى، لكن لا قدر الله ولا سمح – علماً بأننا نقول هذا للناس الذين يُحِبون أشياء أُخرى عكس الشريعة كنوع من الكيد ونوع من التزييف أيضاً لوعي شعوبنا الإسلامية ونوع من المُؤامَرة على الجماهير المسلمة – إذا في يوم من الأيام ارتد مُعظم المسلمين عن دينهم فلن يُصبِح المسلمون أكثرية طبعاً في دولة كهذه ولكن نحن إلى الآن نتحدث عن فضايا خارجية كما يُسميها علماء المنطق، حين نقول رعايا هذه الدولة مسلمون أو أكثرهم مسلمون هذه لا تُعَد قضية حقيقية ولكن هذه قضية خارجية في علم المنطق، بمعنى أنها تُراعي الواقع، فمُمكِن – لا قدر الله – بعد خمسين أو ستين سنة يُصبِح أكثر هؤلاء الرعايا ليسوا مسلمين، فهذه حالة أخرى وهذه قضية خارجية ثانية، لكن الآن واقعياً وضعياً هذه القضية الخارجية ومعظم هؤلاء مسلمون ومن حقهم أن يعكسوا هويتهم ومن حقهم أن يحافظوا على ثوابتهم، فلا تتهمونهم بالتأخر والرجعية والجمود، فهل التقّدم هو ما تُحِبون فقط أما الآراء الأُخرى الباقية فهى تُعَد رجعية؟!

 هذا إرهاب فكري، والحمد لله تقريباً ما مِن دولة عربية من هاته الدول التي يسميها بعض الإسلاميين علمانية إلا ومذكور في المواد الأولى من دستورها أن الشرع الإسلامي أو الإسلام هو المصدر الرئيس للتشريع وهذا صحيح.

إذن خُلاصة ما أحببت أن أقوله اليوم يتعلَّق بوجود نموذج حاكم علينا دون أن ندري، وهذا ليس من اليوم فقط بل هو حاكم عبر التاريخ الإسلامي للأسف، فإذا نظرت إلى  كل الحركات التي قامت ولا يزال  بعضها قائماً ربما بإسم أهل البيت – عليهم السلام – الذين ظُلِموا وفعلاً وطُرِدوا وذُبِحوا وستجد أن هذه الحركات في جوهرها تتغيا غايات سلطوية، فهى عندها بكل صراحة غايات سلطوية وقد نجح كثيرٌ منها، الفاطميون – مثلاً –  أنشأوا لهم  دولة بإسم فاطمة الزهراء – عليها السلام – وأبناء فاطمة –  عليها السلام –  ولكن هذه الدولة دولة  لها وعليها، بل وعليها الكثير هذه الدولة وإن كان لها أيضاً، وكذلك الحال مع الزيدية في اليمن حيث أقاموا لهم دولة، وهذه الدولة كانت موجودة في القرن العشرين، فتحدَّثوا عن الأئمة وسلالة الأئمة وأقاموا دولة زيدية لها وعليها أيضاً، فلم تكن دولة مُنزَهة أو دولة معصومة، وهكذا هى السياسة، فأيضاً بإسم أهل البيت نبغت حركة الإسماعيلية وهى حركة باطنية  خطيرة جداً ومُنظَمة وقوية وعندها فلسفة، ومن الإسماعيلية ظهر لنا فرع إسمه القرامطة وهى حركة خطيرة جداً جداً حيث استباحت الأمة واستباحت دماءنا وأعراضنا وأموالنا وكعبتنا، أبو طاهر بن أبي سعيد  الجنابي جاء من الأحساء واستباح الكعبة واستحل حُرمتها، ففعل هذا أبو طاهر أفندي وهو يتحدَّث بإسم أهل البيت كما لو كانت هذه الكعبة ملكاً لأحد  الكعبة، وهذا شيئ غريب، وطبعاً حين تقرأ أنت فلسفة القرامطة وكتب القرامطة ستجد أنها كانت كتباً باطنية فعلاً، وتأول في النهاية بل تُصرِّح بأن الله – أستغفر الله العظيم – يحُل في العباد، ولكنه يحل في إمام ما طبعاً، وهذا الإمام عندما يحل فيه الله تجب طاعته على الجميع، ثم أننا وجدنا عند هؤلاء نظريات غريبة عجيبة تتعلَّق بأن النبي محمد ليس هو خاتم النبيين – ولك أن تتخيَّل هذا – فضلاً عن أنه لو كان خاتم النبيين فلا يُعجِز القدرة أن تُخرِج نبياً آخراً، أي أن هذا كان خلطاً وضحكاً على الناس، ثم تحدَّثوا عن رُتب من رُتب النبوة حيث أن هناك رُتبة انتهت ولكن هناك رُتب أُخرى لم تنته بعد، وهذا عبث بعقائد الناس وعبث بقرآننا، ولكنهم فعلوا هذا كله من أجل أن يُقيموا دولة ومن أجل – كما قلت لكم – أن يثلوا عرشاً وأن يُقيموا عرشاً.

المهدي بن تومرت – أبو عبد الله محمد بن تومرت المُسمى بالمهدي – مُؤسِس الدولة  المُوحِدية هو وخليفته عبد المُؤمِن بن علي الكومي كان رجلاً فظيعاً، وسأذكر لكم باختصار قصة من أجل فقط أن أقول لكم كيف يتم التدجيل بإسم الدين على الناس وإن كان سيغضب من هذا الكلام بعض المسلمين ولكن هذه الحقائق تاريخية وسأذكرها على الأقل كما ذكرها صاحب الكامل، حيث كان هناك رجلاً إسمه أبو عبد الله الونشريسي وكان من تلاميذ وصنائع المهدي بن تومرت، فقال له اذهب لسنوات ومثِّل دور الأهبل الجاهل الذي يسيل لعابه على فمه، وفعلاً الرجل مثَّل دور الأهبل الجاهل صاحب اللعاب السائل باستمرار بجدارة لدرجة أن الناس كانوا يتصدَّقون عليه، وفجأة زعم أن الله فتح عليه ببركة إلهية وبنور المهدي بن تومرت، وطبعاً الرجلا كان من طلاب العلم وكان عالماً ويحفظ القرآن والسُنن ومُوطأ مالك والشروحات واللغة، أي أنه كان شيئاً رهيباً ولكنه كان يُمثِّل دور الأهبل، فلم يُصدِّق الناس أن الرجل يحفظ كل هذه العلوم الشرعية فبدأوا يمتحنونه ومن ثم أدهشهم لأنه – كما قلت لكم – كان يحفظ القرآن والسُنن وموطأ مالك والشروح والمُدونة، وهذا كان شيئاً غريباً بالنسبة لهم فصدَّقوه وقالوا أن هذا فعلاً حق.

ثم بدأ التحايل بإسم الدين حيث جاء أبو عبد الله الونشريسي هذا وزعم أن الله – تبارك وتعالى – أعطاه القدرة على تمييز أهل النار من أهل الجنة – علماً بأنني أقول هذا لتعلموا كيف كانت دولة المُوحِّدين وهى دولة عظيمة ولها خدمات وأيادي على الإسلام والأمة ولكن الثمن أو الكلفة كانت باهظة جداً جداً جداً، والدين دائماً هو الضحية، حيث أننا نُدجِّل ونُحرِّف حتى الدين وبإسم الدين بدون أي مُشكِلة من أجل السياسة والسلطة والكرسي – وقال لهم يُوجَد شاهد على هذا حيث يُوجَد بئر فيه ملائكة سيشهدون لي بإذن الله تعالى، وهذه البئر كانت قديمة ومُعطَلة فنزلت فيه الملائكة التي ستشهد له، ثم إلى البئر في المساء هم وأبو عبد الله المهدي – ابن تومرت – الذي تكلَّم فإذا بالصوت يأتي من  قعر البير، لكن طبعاً كان هناك أُناس في البئر تم وضعهم مُسبَقاً وهذا دجل كبير وشيئ لا يُصدَق، وهذا يُذكرنا بصراحة بمخاريق الحلاج، فحين تقرأون قصة الحلاج  – الحسين بن منصور أبو المُغيث – ستجدون أن الأساليب واحدة هنا وهناك، ولذلك أنا رجَّحت أن ابن تومرت قرأ سيرة الحلاج تفصيلاً ومن ثم هو استلهمها واستوحاها، لأن الاساليب واحدة ومن الواضح جداً أنه لا يُوجَد أي كرامات وإنما مُجرَّد حيل مُتقنَة وذكية، فاقرأوها مُفصَلة في الكتب على كل حال.

إذن نطق الناس في البئر على أنهم ملائكة، فقال ابن تومرت “هذه البئر مُقدَسة لابد من ردمها”، فردمها على مَن فيها حتى لا تُكشَف الحيلة وبعد ذلك بدأت المجزرة –  وطبعاً هذا تاريخ وليس فيلماً سينمائياً، هذا تاريخ مُؤلِم ودامٍ ونازف، حيث كان يُمارَس الدجل بإسم الدين من أجل السياسة، ودائماً كان يحدث هكذا فلم يقتصر الأمر على الشاه إسماعيل الصفوي الذي حدَّثتكم عنه ذات مرة، فحتى نحن كنا كذلك ولكن هو دجال كبير طبعاً بل دجال أكبر وألعن – حيث وقف ابن تومرت وأبو عبد الله الونشريسي  ومعهم عدد من الأشخاص الذين لا يُحِبهم ويعتبرهم من أعدائه لأنهم لم يكونوا معه في الدعوة فيقول “هؤلاء من أهل النار” فيُلقى بأحدهم من فوق الجبل فيموت، ثم يقول “هذا من أهل الجنة، وهذا من أهل النار، وهذا من أهل النار، وهذا من أهل النار” وهكذا حتى قتلوا سبعين ألفاً، شيئ رهيب ومجزرة لا تكاد تُصدَّق، ونحن ما زلنا نتحدَّث عن دواوين التفتيش في الغرب في حين أن نحن عندنا مشاكلنا أيضاً وعندنا هذه البلايا وهذه المصائب في تاريخنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.   

(3/1/2014)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: