بسم الله الرحمن الرحيم “الم1 تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ2 أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ3 اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ4 يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ5 ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ6 الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ7 ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ8”

صدق الله العظيم، وبلّغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات، الإنسان حيثما ذُكر في كتاب الله تبارك وتعالى ينطبق على وينصرف إلى النوعين جميعاً الذكر والأنثى، ولا مشاحة في تقرير هذا المعنى ولا جدال فإذا قال سبحانه وتعالى “وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً..” فهذا الأمر لا يتعلق بآدم وحده، أو بالذكر من بني آدم وحده وإنّما أيضاً يشهد ويضم حواء أو الإناث جمعياً، وإذا قال سبحانه وتعالى “خُلق الإنسان من عجل..” يعني الذكر والأنثى جميعاً آدم وحواء إذا عدنا إلى  أصل النشأة وإلى أصل التكوين، “إن الإنسان خُلق هلوعاً..” الذكر والأنثى، “يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم..” إلى أخر هذه الآيات وهي كثيرة في كتاب الله تبارك وتعالى.  

والمراد أنّه سبحانه وتعالى حين قال في هذه الآية الجليلة من سورة السجدة “وبدأ خلق الإنسان من طين..” فحتماً أنّ الإنسان هنا على ما جرت به عادة النظم الكريم والذكر الحكيم تشمل وتضم النوعين جميعاً، بدأ خلق آدم وخلق حواء من طين، إذاً حواء مخلوقة من طين كما أنّ آدم مخلوق من طين، فهذا ما تعطيه ظاهر هذه الآية الذي توشك أن تكون نصّاً في الموضوع، ولكن سنتواضع ونقول ظاهر الآية -بلغة الأصوليين- يقول إنّ حواء مخلوقة من طين وابتدأ خلقها كما ابتدأ خلق آدم زوجها من طين.

وهنا قد يعترض معترض ويقول هذا كلام غير صحيح لأنّه مخالف لما شاع بين أهل الملل لدى اليهود والنصارى والمسلمين أيضاً أنّ حواء مخلوقة من آدم، من جزء من أجزاء آدم، مخلوقة من ضلع آدم، والنبي هو الذي قال هذا في أحاديث صحّت عنه عليه الصلاة وأفضل السلام، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم- وهذا لفظ البخاري- استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإنّ أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته ظّل أعوج فاستوصوا بالنساء..وهذا لفظ البخاري، وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة في صحيح مسلم: فإن ذهبت تقيمها- الضمير يعود على المرأة- كسرتها وكسرها طلاقها..وأخذ هذا المعنى الشاعر فقال بيتين مشهورين:

هي الضلع العوجاء لست تقيمها ألا إنّ قيام الضلوع انكسارها

جمعت ضعفاً واقتداراً على الفتى أليس عجيباً ضعفها واقتدارها

هذا المعنى شائع في أدبيات المسلمين وأيضاً في أدبيات أهل الكتاب الأول، ولكن قد يُردّ هذا أو يُردّ عليه بالقول إن النبي عليه الصلاة وأفضل السلام لم يقل إنها خُلقت من ضلع آدم، إنما قال خُلقت من ضلع على سبيل الاستعارة والتشبيه، يريد أن يقول إنها خُلقت من طبيعة عوجاء كالضلع ولم يصرّح، بدليل ما رواه البخاري في صحيحه لكن هذه المرّة في كتاب النكاح وليس في كتاب أحاديث الأنبياء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاهم أجمعين، قال صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم المرأة كالضلع.. ولم يقل خُلقت من ضلع، والمراد هو التشبيه وليس القطع بقضية نشوءية، ولو قطع بها النبي لاتبعناه بدون كلام لأنّ هذا من مقتضيات الإيمان، لكنه قال المرأة كالضلع، وأخرجه مسلم في صحيحه على التشبيه هكذا “المرأة كالضلع”.

لماذا ينبغي أن نعقد خطبة برأسها حول هذا الموضوع، سواء خلقت من طين أو خُلقت من ضلع آدم كلّه سيان أمام قدرة الله تبارك وتعالى..ولكن المسألة لها آفاق أبعد وأكثر تعقيداً مما قد يبدو بادئ الرأي.

أوّلاً: كون أمّنا حواء خُلقت من ضلع آدم هي قضية واردة في التوراة في أوّل إصحاحات سفر التكوين، فالمسألة لها أصل إسرائيلي، فهل يمكن أن يقال إنّ هذا تسرّب إلى المسلمين عن طريق هذه الإسرائيليات وخاصّة وأنّ أبا هريرة ممّن أكثر النقل عن بني إسرائيل، وقد كان مولعاً بأحاديث بني إسرائيل وبإسرائيلياتهم حتى ذكر الذهبي في تذكرة الحفّاظ أنّ كعب الأحبار، وهو اليهودي اليمني الذي جاء إلى المدينة المنوّرة في خلافة الفاروق عمر وأعلن إسلامه هناك، وكان من أحبار اليهود ومن علمائهم الكبار المشاهير، وكان أبو هريرة يجلس إليه كثيراً وأخذ عنه كثيراً طائلاً حتى قال كعب الأحبار مرّة ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة هو أعلم بما فيها من أبي هريرة، فقد كان يكاد يحفظها.

وطبعاً أبو هريرة لم يتفرّد بالأخذ عن بني إسرائيل للأسف، فيا ليته ما فعل، ويا ليت سائر الصحابة ما فعلوا، لأنّ هذا أضّر كثيراً بينابيع معرفتنا وأثّر كثيراً في تصوراتنا المعرفية والاجتماعية والفلسفية والعقائدية فاختلطت الحقائق بالأساطير، واختلط الصواب بالخطأ والحق بالباطل، وعبد الله بن عباس نفس الشيء أخذ كثيراً عن بني إسرائيل، وعبد الله بن سلام الصحابي الجليل حدّث كثيراً من موروث الإسرائيلي، وفي المقدمة يأتي كعب الأحبار ووهب بن منبّه، وعبد الله بن عمر أخذ عنهم، وعبد الله بن عمرو أخذ عنهم أيضاً، ولكن أبو هريرة يتصدّر هؤلاء فهو أكثر كثيراً عن بني إسرائيل.

فالمسألة لها أصلها الإسرائيلي، وطبعاً الدراسة المستقصية والبحث الجاد سوف يوصل في النهاية إلى استخلاص نتيجة أن جزءً أو شطراً لا يستهان به ولا يُستخّف به من تراثنا إنّما هو ذو أصل إسرائيلي، وتسرّب هذا إلى كتب الحديث، إلى كتب التفسير، إلى كتب التاريخ خاصة، وأحياناً تسرّب حتى إلى الدراسات الفقهية للأسف الشديد وقد أضّر بنا كثيراً…هذه مسألة.

المسألة الثانية، كون المرأة خُلقت استقلالاً من طين، ابتدأ الله خلقها من طين الأرض كما ابتدأ خلق آدم فهذا يكرّس ويدعم نموذجاً في التفكير سيكون له ما بعده، سيختلف ضمن هذا الإطار تناول سائر قضايا المرأة عمّا لو تناولناها من منظور إطاري مختلف، يمكن أن نسمّيه نموذج أو إطار الاستتباع فيه المرأة كذيل أو ملحق للرجل وبالرجل لأنّها مخلوقة من جزء منه، من ضلع من أضلاع الرجل، وقد روى العلامة محمد بن إسحاق في كتاب المبتدأ عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، قال- وهذا ليس من كلام النبي بل من كلام مولاه ابن عباس-، وقد أخذ ابن عبّاس أيضاً كثيراً عن بني إسرائيل، قال عبد الله بن عباس: خلق الله تبارك وتعالى حواء من ضلع آدم الأيسر وهو نائم، وروى ابن أبي حاتم هذا عنه، كما رواه عنه مجاهد، قال مجاهد: خلقها عليها السلام من قُصيرة آدم، والقُصيرة هي الضلع التي تكون دون الشاكلة وهي آخر ضلع، والتي دونها تسمّى القُصيرة، وفي رواية اليسرى، وفي رواية وهو نائم، فأخذها ثم ملأ مكانها لحماً ثم خلق حواء منها، وهذا بالضبط ما قالته التوراة، وهذا ما قاله مجاهد والضحّاك ومقاتل وأخرج كل هذه الروايات ابن أبي حاتم في تفسيره، وكلّها استنساخ طبق الأصل عن رواية التوراة.

مايكل أنجلو
مايكل أنجلو

التوراة تقول، واسمعوا هذه الرواية المنكرة التجسيمية التشبيهية والعياذ بالله، فكم يضّر هذا بديننا! تقول الرواية: قال الرّب الإله سنخلق إنساناً على صورتنا-أستغفر الله العظيم- والذين ذهبوا إلى الفاتيكان أو حتّى يتابعون الأعمال الفنية عبر الكتب المختصّة في معبد سيستيان لوحة شهيرة جدّاً مكث مايكل أنجلو أربع سنوات وهو يرسمها بالجص على سقف معبد سيستيان بالفاتيكان في بداية القرن السادس عشر، واسم اللوحة خلق آدم، وأستغفر الله العظيم مصوّر الله- اللهم غفراً- في شكل رجل قوي شديد ملتحي ذو عضلات بارزة يمدّ طرف إصبعه إلى طرف إصبع آدم المخلوق بهذه الطريقة وآدم متكأ هكذا على صخرة محاطة بالأعشاب إلاّ أنه حليق، فهذا شيخ كبير وهذا رجل شاب حليق…ولا نستطيع أن نعتب على مايكل أنجلو لأنه أخذها من التوراة.

ثم يأتينا بعد ذلك أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه ليروي عنه البخاري ومسلم في الصحيحين، قال: قال صلى الله عليه وسلم خلق الله آدم على صورته…، وليس في الصحيحين فقط، وسأقولها وربّما بعض الناس يكفرّوني على هذا، ولو كان في ألف صحيح لن نقبل هذا، لأنّ الله يقول “ليس كمثله شيء..”، “قل هو الله أحد…ولم يكن له كفواً أحد” فأن يقول لنا خلق الله آدم على صورته، فهذا التوراة وسفر التكوين، وليس قول محمد، فمحمد برئ من هذه الأكاذيب، وإن تسرّبت إلى الصحيح وغير الصحيح.

ستقولون ما القضية مع البخاري ومسلم؟ القضية كما روى مسلم نفسه، روى مسلم قال عن أحد التابعين يحذّر من الرواية عن أبي هريرة مع أنه كان من تلاميذ أبي هريرة من غير تثبّت، فهو لا يكذّب أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وإنما يقول أبو هريرة كان يجلس ونجلس إليه فيحدّثنا عن رسول الله ويحدثنا عن بني إسرائيل، ويا ليته لم يشب السنة المحمدية المصطفوية بخرافات وأساطير بني إسرائيل، يا ليته ما فعل لا هو ولا غيره فكان أفضل بكثير، ولذلك كان النبي أحياناً يشمئز من هذه الطريقة، فمرّة عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة وأدمى رأسه، وقال له: لتدعّن الحديث عن الأُول..اترك الحديث عن بني إسرائيل، وامتنع أبو هريرة إلى آخر خلافة عثمان بن عفان، وكان يقول إنّي لأحدّث الآن بأحاديث لو تحدّثت بها في زمان عمر لشجّ رأسي..طبعاً وحُقّ لعمر أن يفعل رضي الله عنه وأرضاه، لقد أفسدوا علينا ديننا، أفسدوا علينا عقائدنا.

اليوم توجد فرقة من المسلمين ألّفوا كتباً، وهم قطعاً سيغضبون من خطبتي هذه لأنهم ألّّفوا كتباً عشرات الصفحات وأحياناً مئات لتصحيح حديث أنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن، يصحّحون الحديث ويشمئزّون ممن ينكره لأنّه في الصحيح… فهذا من الإسرائيليات وسوف نفهم الآن لماذا هو من الإسرائيليات…فهمنا أنّ التوراة قالت هذا “نخلق الإنسان على صورتنا..” ويصوّره مايكل أنجلو، وهو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير..الله أكبر! هكذا فسد توحيدنا واختلط توحيدنا بالنزعة التشبيهية وهي نزعة وثنية كتابية نحن منها براء إلى يوم الدين.

على كل حال، قال التابعي: كان يحدّثنا أبو هريرة عن رسول الله ويحدّثنا عن بني إسرائيل، فكان يعمل بعضنا خطئاً، لأنّ الذاكرة تخون، وأبو هريرة لم يكن كاتباً بل كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ، فهو يحفظ عشرات الآلاف من الأحاديث والإسرائيليات في ذاكرته، وله في دواوين المسلمين أكثر من خمسة آلاف حديث..وأبو هريرة كم سنة عاش مع الرسول، هل أكثر من عمر وأبو بكر وعلي؟ كلاّ، بالإجماع هو أسلم سنة خيبر أي في السنة السابعة للهجرة في شهر صفر، ثم بعثه الرسول في عمل له في البحرين في ذي القعدة من السنة الثامنة، أي مكث مع الرسول بحسب هذه الرواية سنة وتسعة أشهر، وهل عاد بعد ذلك أو لم يعد؟ مسألة فيها خلاف وأخذ ورد بين العلماء، ولو تنازلنا وقلنا إنه عاد بعد سنة أو أقل من سنة، أي في أحسن الفروض يكون مكث مع الرسول أقل من ثلاث سنوات، زهاء سنتين ونصف فقط، فمن أين أتت هذه الآلاف من الأحاديث، والنبي لم يكن مكثاراً ولا مهزاراً، النبي صح عنه من رواية ابن مسعود أنه يتقوّل الصحابة بالموعظة، ولا يحب أن يكثر الحديث والوعظ، وكان كلامه مقتضباً، وكان كلامه لو شاء العاد أن يعدّه لعدّه، فهو كلام قليل مرتّب حتى يُحفظ وما يُنسى، فلماذا ينفرد أبو هريرة برواية أحاديث غريبة عجيبة، أو يُنسب إليه رواية هذه الأحاديث؟!

وفي الحقيقة قد نقول إنّ أبا هريرة أُكثر عليه، دُسّ عليه وانطلت الحيلة، وهل هناك من أنكر على أبي هريرة هذا من الصحابة غير عمر؟ جمهور الصحابة باعتراف أبي هريرة كما في الصحيح، يقول أبو هريرة: إنّكم لتقولون، وفي رواية، إنهم يقولون أكثر أبو هريرة أي من الحديث عن رسول الله، والله المولى..أي الله يحكم بيننا، والصحابة استنكروا هذا من أين له، ولماذا هذا الإكثار والأحاديث الكثيرة جداً، والتابعون استكثروا هذا باعتراف أبي هريرة في البخاري.

يقول خلق الله آدم على صورة الرحمن..أستغفر الله العظيم، كيف أترك القرآن القطعي الذي يقول “ليس كمثله شيء” وأقتنع بحديث تشبيهي تجسيمي وثنياً، وللأسف هذا ما فعله قطاع من الأمّة تهوكوا باسم احترام الصحيح، وضحّوا بنقاء وصفاء العقيدة..كيف يقول أبو هريرة في صحيح مسلم: أخذ رسول الله بيدي وقال لي يا أبا هريرة خلق الله تبارك وتعالى التربة يوم السبت، وأرسى الجبال يوم الأحد، وخلق الأشجار والنبت يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ دواب الأرض بها يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة في آخر ساعة من بعد عصر الجمعة بين العصر والليل، أي سبعة أيام، والله يقول في ستة أيام.

وجاء الإمام البخاري نفسه رحمة الله عليه في التاريخ الكبير، قال هذا الحديث ليس من كلام رسول الله، وهو من الإسرائيليات لأنّه يخالف “في ستة أيام..” فلا يمكن أن أترك كتاب الله المتواتر الذي يحفظه الملايين عن الملايين عن الملايين، عن عشرات الآلاف، وعن الآلاف من الصحابة لأعتقد بحديث وإن أخرجه مسلم في صحيحه، فهذا خطأ مسلم، ومسلم ليس معصوماً، والبخاري ليس معصوماً، وأبو هريرة ليس معصوماً.

أبو هريرة مكث مع رسول الله أقل من ثلاث سنوات، فما هو الكم الذي حصّله من الحديث، ويعيش مع بني إسرائيل؛ مع ابن سلام، ومع كعب الأحبار سبعة وأربعين سنة يتلقّى الإسرائيليات، فاختلط هذا بهذا، والذاكرة تخون كما في صحيح مسلم بإشارة التابعي الجليل أنّ ذاكرة الرّواة عن أبي هريرة كانت تخونهم، وكانوا يخلطون بين ما قاله أبو هريرة عن رسول الله وما قال عن كعب وغير كعب، وكذلك أنا أقول ذاكرة أبي هريرة ستخونه أيضاً لأنّها ثقافة شفهية روائية، والرجل لم يكن يكتب ولا يكتم كما قال الذهبي، فهو لا يكتم العلم ولكن لم يكن ليكتبه إذاً سينسى وقطعاً سينسى، والرسول نفسه كان ينسى؛ الرسول صلى صلاة الظهر أو العصر ركعتين وهو كان متأكّدا أنه لم ينس، ولكن لمّا أجمع الحضور على أنّه نسي قال إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت ذكّروني، فلماذا يكون لأبي هريرة ضمانة مطلقة، بل هو ينسى ويخلط أيضاً شأنه شأن أي بشر واحد منا، فعلينا أن ننتبه في هذه القضايا ونعتصم دائماً بكتاب الله تبارك وتعالى وخاصة- هذه قاعدة علمية منهجية- إذا وافق ما ينقله أبو هريرة ما في الكتاب الأول ولم يوافق ما في الكتاب الآخر الغض الطري ولم يسقط فيه ولم يسقط منه شيء بحمد الله تبارك وتعالى “وإنا له لحافظون..”.

طبعاً، لا يعنينا من أين جاء الخطأ ومن أين جاء حتى الدّس، سواء من أبي هريرة أو من بعده هو الذي سها وأخطأ، كل ما يعنينا أنّ هذا يخالف كتابنا، يخالف المتواتر فضلاً عن أنه يخالف القوانين العلمية الضرورية والحقائق القطعية المقطوع بها، فلا يمكن أن نضحّي بعقولنا وبالحقائق من أجل حديث آحاد وإن كان في الصحيح، فهذا خطأ كبير سيحمل أحرار الفكر والمتنوّرين على نبوة محمد، فهذا يُنسب إلى رسول الله فيقولون هذا كلام فارغ ودين أسطوري مثله مثل سائر الأديان الأخرى، والكتاب المعصوم بحمد الله تبارك وتعالى ليس فيه من هذا شيء، وهذا فعلاً لأنه كتاب الله أولاً وآخراً، ومن أوّله حتى أخره بفضل الله تبارك وتعالى.

الآن، قد يخرج واحد ليقول: ولكن يا أخي، أبو هريرة في هذا الحديث الذي أخرجه في الصحيحين لم يأت بجديد لأنّ القرآن قرّر حقيقة أنّ حواء مخلوقة من آدم، وهي جزء من آدم، وجماهير المفسّرين على هذا…صحيح، فهل هم مخطئون؟ والرأي هو في أول النساء “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً..” الآية واضحة..ما هي أول نفس خلقها الله؟ آدم، وخلق منها زوجها حواء، وهذا قول جمهرة المفسرين وليس بصحيح وهم مخطئون.

قد تقولون الآن، ما أجرأك أيها الرجل، ما أشدّ جرأتك! لا أريد لا الجسارة ولا الجراءة ولا أن يقال إنه خالف فعُرف، ولا أن أعلن وأستعلن بهذا اللقب، وإنّما هو التحقيق فانتبهوا! “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها..” كلمة “زوج” في القرآن وفي اللغة العربية تُطلق على النوعين؛ على الذكر وعلى الأنثى “اسكن أنت وزوجك الجنة” أنت الذكر وزوجك الأنثى، وكلمة زوجة غير واردة في كتاب الله، وهي لغة رديئة، واللغة الفصيحة القويمة هي “زوج” الذكر زوج وهي زوج، وهذا يُعرف من السياق، وأنتم ستقولون إن ما في الآية قطعاً “خلقكم من نفس واحدة” هو آدم وليست حواء، “وخلق منها زوجها” هي حواء، وأنا سأصدمك الآن وسأصدم تقريباً كلّ المفسرين لأقول: الذي أستروح إليه وأستكين إليه وأبخع له أن النفس الواحدة هي حواء والزوج هو آدم، ولم يبق متعلّق لأحد بهذه الآية حتى يقول نصحح حديث أبي هريرة في الصحيح خُلقت حواء من ضلع آدم..أتعلمون لماذا؟

لسببين اثنين: فهذه هي القراءة الموضوعية لكتاب الله تبارك وتعالى، وعلينا أن نتعلّمها ونمهر فيها ونحذقها، أولاً: حيثما وردت كلمة نفس في كتاب الله وردت مؤنّثة، وستقول لأن اللفظة مؤنّثة، وفي لغة العرب قد تكون اللفظة مؤنثة ومصداقها مذكّر فيصّح تذكيرها اعتباراً بالمصداق، ويصّح تأنيثها دوراناً مع اللفظ وهذه اللغة معروفة جداً، فأحياناً يقول ما نفهم منه أنّ القوم يعامل معاملة المفرد لأنّه كلفظة مفردة، وأحياناً يُعامل معاملة الجمع لأنّ مصداقه أناس كثيرون وهذا جائز جداً، وفي قضية الضلع هذه في رواية في الصحيحين “فإن ذهبت تقيمه..” وفي رواية “إن ذهبت تقيمها..” ولها تأويلات كثيرة.

وهنا في قضية النفس، فالنفس حيثما وردت ترد مؤنثة باستمرار، فلا توجد شبهة أن نقول وردت مذكّرة لأنّ مصداقها آدم مذكّر، وحيثما تأمّلنا كتاب الله صحّت لنا هذه القاعدة، والآن الزوج كما أردفنا قبل قليل يمكن أن يكون الذكر ويمكن أن يكون الأنثى “أسكن أنت وزوجك..” واضح أنه الأنثى، ولكن هنا “خلق منها زوجها..” الذكر أو الأنثى؟! هذا يعتمد، ولنعود إلى القرآن فخير ما يُفسر به القرآن هو القرآن، فالقرآن خير ما يفسر نفسه، ولنقرأ في سورة الأعراف “هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها..” فالزوج هنا واضح أنّه الذكر، وآية الأعراف هي آية النساء ذاتها ليس هناك فرق بينهما، ولا نعرف كيف غفل المفسرون عن التقاط هذه الإشارة القرآنية “خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها” ” خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها” فقطعاً النفس الواحدة في الأول هي المؤنث وهي حواء، والزوج المذكر هو آدم.

قال هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ
الأعراف(189)

إلى آخر الآية وما يليها من آيات كريمات، وبذلك أصبحت القضية واضحة جدّاً بفضل الله واستقامت على صراطها..إذاً الأرجح في آية النساء أن يُراد بالنفس الواحدة حواء، وبالزوج هو آدم، فهل آدم خُلق من حواء وهو جزء منها؟ غير صحيح طبعاً، ولم يقل أحد هذا، ولكن هذا لأنّ القار في أذهاننا جميعاً أن واحد منهما خُلق من الآخر، وهذه قضية غير صحيحة، فالله يقول
“وبدأ خلق الإنسان من طين..” فكما خُلق آدم من طين خُلقت هي من طين، وقد تقولون فما موضع “من” هنا إذاً “خلق منها..”؟ هذه ليست للتبعيض، فقد تكون “من” نشوءية ابتدائية، وقد تكون تبعيضية، وقد تكون بيانية، وقد تكون لغير ذلك، أما هنا فـ “من” ليست تبعيضية، فقط على الرواية، وعلى رأي من يرى أن حواء خُلقت من ضلع آدم، أي خُلقت من جزء من أجزاء آدم، فيقولون “من” هنا تبعيضية وهذا غير صحيح، وضعيف جداً، وسنقول لماذا وسننوّر المقام.

إذاً إذا كانت “من” غير تبعيضية، وللأسف أقول بين قوسين هناك من الأئمة الذين أحترمهم وأجلّهم الشيخ ابن عاشور وقد رجّح هذا الرأي مع سائر الجمهور أنّ “من” هنا تبعيضية، وهو يتأيّد بما ورد في الحديث أن الله تبارك وتعالى خلق المرأة من ضلع آدم، وهذا لم يُصرّح به لا في البخاري ولا في مسلم، إنما صُرّح به في روايات عن الضحّاك ومقاتل ومجاهد عند أبي حاتم وغيره وعند ابن إسحاق في المبتدأ.

قال الشيخ ابن عاشور يؤيّد رأيه الذي هو رأي الجماهير وهو ليس جديداً، قال: أما قول من قال “خلق منها زوجها” بحيث تكون “من” للبيان أي خلق زوجاً من جنسها، من نوعها وهو نوع الإنسان، من نفس النوع الإنساني، فلم تكن هذه الزوجة أو الزوج تنتمي إلى نوع حيواني آخر أو ملائكي أو شيطاني وإنما من نوع إنساني، قال الشيخ ابن عاشور: من قال هذا لم يأت بطائل..ونقول لا يا مولانا بالعكس الطائل كبير وكبير جداً، الطائل أنّ العرب في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الإناث النساء لسن مخلوقات للآلهة ، بل هنّ مخلوقات للشياطين، وطبعاً ليس كلّ العرب كان يؤمن بذلك بل فقط من كانوا يأدون البنات، فهم يعتقدون أنّ البنات مخلوقات مدنّسات لذلك يأدون البنات، وكثير من الحضارات كانت في شك وعماية في شأن الأنثى، وهل روحها شيطانية أو آدمية إنسانية، وبعضهم قطع ذات روح شيطانية، والشاعر العربي كأنّه يستهدي هذا الموروث الأسطوري الأحفوري ويقول إن النساء شياطين خُلقن لنا نعوذ بالله من شر الشياطين، ويُنسب إلى الإمام علي أنّه قال المرأة شرّ لابد منها.

في تاريخ الكنيسة المسيحية ظلّ الشك قروناً متواصلة حتى القرن السادس الميلادي وعقد مؤتمرات ليبحثون هل المرأة لها روح أصلاً أو ليس لها روح لأنّ الشائع أنها كانت بروح حيوانية والبعض قال إنّ لا روح لها أصلاً، وتنازل هؤلاء وقالوا يبدو أنّ لها روحاً ولكن دون روح الرجل وهي مخلوقة لخدمته وتكون ذنباً له، ذيلاً له، هو الرأس وهي البدن، هو السيد وهي العبد، وهذا اسمه النموذج الاستتباعي وهو نموذج خطير جدذاً، فأنت حين تقول إنّها فعلاً جزءً منه فهذا يُكرّس النموذج الاستتباعي ليسيء إلى ملف حقوق المرأة بالكامل بعد ذلك، وسيؤثّر عليه شئت أم أبيت.

إذاً “خلق منها زوجها..” جعل منها زوجها ليس المراد البتّة، ولا يخطر هذا على بال من يعرف فعلاً قراءة القرآن موضوعياً أن تكون “من” تبعيضية على أنه استهلّ جزءً منها فأنشأه خلقا آخر..أبدا! إنما “من” بيانية، أي خلق من جنسها، من نوعها زوجاً لها، وهذا هو الطائل الذي لم يجده الشيخ الإمام ابن عاشور، ولا زال هذا الطائل يلحّ بتقريره إلى اليوم ونحن محتاجون إليه.

قضية ثانية: الإمام المفسّر أبو مسلم الأصفهاني وهو أحد الأئمة المعتزلة وهو صاحب الرأي الشهير في إنكار النسخ في القرآن الكريم، وهو إمام جليل وأنا أرتاح له جداً، وهو له رأي تفرّد به من بين سائر المفسرين في زمانه، وقال “من” هنا بيانية كما نقول نحن اليوم، وقد فسّر “النفس الواحدة” بآدم والزوج هي حواء، وهذا ليس ظاهراً ولكن لا بأس، قال المعنى هنا أنّ الله خلق من نوعها زوجاً تأنس به..لماذا؟ لأنّ الإنسان لمّا يكون ينتمي إلى نوع واحد هي أدعى إلى المؤانسة والتضان “لتسكنوا إليها..” “هن لباس لكم وأنت لباس لهن..” فلابد من تقرير هذه الحقيقة، وهذه الحقيقة موجودة في سائر الأنواع، ففي كلّ الأنواع إنّما تكون الأنثى من نوع الذكر، وهذا معروف ومقرّر بأنّ هذا أدعى إلى التآلف والتساكن والملابسة والتضان كما قال العلماء والمفسّرون.

قال أبو مسلم الأصفهاني رحمة الله عليه: وفي مساق هذا الآية قوله تبارك وتعالى “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً..” وزوجتي ليست مخلوقاً مني، ليست بضعاً منّي فما ينطبق على هذه الآية ينطبق على آية النساء نفس الشيء، وإلاّ كيف خلق الله زوجتي مني، هل استلّها مني؟ مستحيل، خلق لكم أي جعل لكم من أنفسكم أزواجاً كما في سورة الشورى أيضاً “جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” بمعنى خلقهن من نفس النوع للتجانس والمماثلة.

نفس الشيء قال الإمام محمد عبده مفتي مصر في وقته رحمة الله عليه رحمة واسعة، وهو يؤيّد هذا الرأي تماماً، وأطال النفس بطريقة عبقرية في تأييده، قال ليس المراد أنّ الله خلق آدم من حواء، وإنّما المراد من نوعها، وقال: فمن فسّر آية النساء بالمعنى الذي ذهب إليه جمهرة المفسرين فقد أخرج الآية عن سبيل مثيلاتها ونظائرها بدون حجّة، والقرآن مملوء من هذا “هو الذي بعث في الأميين رسولاً من أنفسهم..” فكيف رسول الله منّي، هل هو مخلوق مني؟ أبداً، نحن عرب وهو عربي، نحن بشر وهو بشر، والمراد هنا من الأمّة الأمية، من العرب، ولهذا ذهب أبو بكر القفّال الشيخ الكبير والمفسّر الذي له آراء عريضة في التفسير، قال: “من نفس واحدة وخلق منها زوجها..” هي قصي من كلاب والمراد قريش، والخطاب لقريش، وهو رأي ولكن عموم الآية وظاهرها هو أبعد من هذا.

نعود مرة أخرى لنقول إذاً ليس في القرآن آية واحدة ولا شطر آية يمكن أن يتعلّق به من ذهب إلى أن حواء مستلّة من آدم، إنما خُلقت خلقاً مستقلاً “وبدأ خلق الإنسان من طين..” كما خُلق آدم.

من حسن الحظ أن إخواننا الشيعة الإمامية في تفاسيرهم متعاطفين جدّاً قديماً وحديثاً مع هذا الرأي، ولم يأخذوا قط برأي أنّ حواء جزء من آدم، وفي كتاب الفرقان للشيخ الصدوق قال صلى الله عليه وسلم: أخذ الله تبارك وتعالى قبضة من طين الأرض فعجنها فخلق منها آدم، ومن فضلتها وبقيتها خلق الله حواء، وقد ذكر هذا المعنى الشيخ الإمام ابن عاشور منكراً له، أنّ بعض العلماء قالوا إن الله خلق حواء بحيالها أي برأسها على حدا من فضلة أو بقية طينة آدم، وهذا مروي عن أهل البيت في تفاسير الإمامية، ويروى أيضاً عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أبو جعفر الصادق، قال: حدثني أو أخبرني أبي عن آبائه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم خلط الله تبارك وتعالى طينة آدم بيمينه، وكلتا يديه يمين..وهذا وارد في أحاديث السنة، ليس كمثله شيء، فإذا ورد يمين الرحمن فلا نستطيع أن نقول إنّ له يسار أستغفر الله العظيم، ومباشرة تقع في التشبيهية…لماذا؟ لأنّ إذا كان له يمين تقابلها يسار إذاً هو متحيّز، ومحكوم بالجهات وبالنسب، والنبي يحّب أن يفهمنا أن الله لا يُدرك بالقياس ولا يقاس بالناس “ليس كمثله شيء” فما أعظم هذا الاحتراز، وهكذا يسمى في البلاغة.

قال: بيمينه، وكلتا يديه يمين،..إلى أن قال، وخلق من بقيته أي من فضلة طينة آدم حواء، فهي مخلوقة من بقية طينة آدم، ومما بقي منه، من طينة واحدة، وعلى كل حال ظاهر الآية عجيب ويحتاج إلى إعادة بحث مطوّل في آية الأعراف وآية النساء، وفي النساء أول آية استهلالية افتتاحية فإن أصررنا على أن المراد النشأة التكوينية أو البداية النشوءية أي آدم وحواء فالقضية خطيرة كأنّها تقول لنا إن البداية كانت مع حواء وليس مع آدم، ولكن لماذا خصّ القرآن آدم بالذكر وأخبر الملائكة عن شأنه؟ لأنّ لله شأناً به وشأناً معه وهو الاستخلاف، وإسجاد الملائكة له..القضية خطيرة وتحتاج إلى إعادة نظر.

بعض النظريات العلمية تؤكّد أن الأنثى أملك لنفسها وأكثر استقلالاً من الذكر كأنّها هي البداية، وهذا يحتاج إلى بحث طبعاً، وهناك كائنات تلحق فيها الأنثى نفسها بنفسها ولا تحتاج إلى ذكر، وتستطيع أن تأتي بمجموعة من البطون من غير ذكر فهي أملك بنفسها، وظاهر آية الأعراف وظاهر آية النساء إن أصررنا على أنّها تتحدّث عن البداية النشوءية أنّ البداية كانت مع الأنثى ثم خُلق الذكر من جنسها ونوعها وهو آدم فانتبهوا! “فجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها…” الآية في سورة الأعراف، ويبقى السؤال مفتوحاً على جواب ليس حاضراً، إنما يستدعي التحفيز والتوثّب والبحث العلمي والفكري والجدلي.

نعود مرة أخرى، إذاً هما نموذجان في التفكير والتعاطي؛ نموذج الاستقلال والمساواة، ونموذج الاستتباع والاستلحاق غير المتكافئ، فهل القرآن الكريم منحاز إلى النموذج الأول أو إلى النموذج الثاني؟ هناك نظرية أحبّ أن أقولها: في القرآن الكريم، ولأنّ القرآن هو كلام الله، والكون كلّه والخلق كلّه هو صنعة الله، ويستحيل إلاّ أن يتكامل القول مع الفعل، والخبر مع الصنعة، وهذه طريقة جديدة تفتح منهجاً جديداً للاجتهاد، فعلى المجتهد أن يراعي ضمن مراعاته لآليات الاجتهاد التقليدية، مع احترامنا الشديد والإقرار بعبقريتها، ولكنها غير كافية، فعليه أن يراعي حين يجتهد في انتزاع أو استنباط أو الاستدلال على حكم معين، يراعي التناظر والتناغم بين الشرعي والقدري، فلو صدق حقاً وكانت حواء جزءً صغيراً جداً من آدم، هذا الجزء الأعوج البسيط، فهذا هذا هو الجانب القدري النشوئي التكويني، فينبغي أن تعرف المنظومة التشريعية هذه الحقيقة النشوئية فتأتي المرأة متأخّرة مستتبعة ملحقة باستمرار بالرجل.

بعض الناس أثّر عليهم هذا التصور غير المبرر قرآنياً ففسروا آيات من مثل “إنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ، هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ” قالوا “أزواجهم” أي زوجاتهم..لماذا؟ هذا يتأيّد ويؤيّد نموذج الاستتباع، فقد نجا الرجل فتنجو المرأة..وسيقول أيّ واحد إن هذا كلام فارغ، وهو طبعاً كلام فارغ، ولكن هذا الكلام موجود في تفسيرات معاصرة مطبوعة وقامت بها لجان علمية متخصّصة، وفسّرت بها الآية بهذه الطريقة، فلا دخل لزوجاتهم في القضية “وهم وأزاوجهم..”  أي هم وأشكالهم؛ المتّقون مع المتّقين، المقرّبون مع المقرّبين، الأبرار مع الأبرار، المحسنون مع المحسنين، الصدّيقون مع الصدّيقين، كل شكل مع شكله، “احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون” وأزواجهم من كان مثلهم في الظلم، وهذا هو الصحيح، ولكن نموذج الاستتباع يوحي إلينا إلى أن المراد زوجاتهم مع أن القرآن طافح مملوء بمثل قوله “كل نفس بما كسبت رهينة” “لا تزر وازرة وزر أخرى”..ليس هناك أي علاقة، ولكن نموذج الاستتباع فإذا هو نجا تنجو هي أيضاً لأنّها ملحقة وهذا غير صحيح.

لو أتينا إلى المنظومة التشريعية في القرآن والسّنة سنشهد أن المرأة مخاطبة على السواء كما يخاطب الرجل إلاّ فيما لا تستطيعه رحمة بها، وأيضاً هي تخاطب بأشياء الرجل غير مؤهّل لها رحمة بها، فهذه قضية مراعاة التكوين، والتناغم التشريعي مع التكويني، وقد قال الله تبارك وتعالى ” هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ..” قال أنا أعرف، وأعرف كيف أشرّع لكم بما يتناغم مع المهاد التكويني والنشوئي الطبيعي رحمة.

المرأة مخاطبة كما يخاطب الرجل، والمرأة مكلّفة في باب العبادات والأخلاق والمعاملات والقيم كما هو الرجل تماماً، والمرأة تحاسب وتجازى في الدنيا والآخرة حتّى على الجرائم وإن أبى العرب ذلك، فجريمة الشرف إن أتى بها الذكر تعتبر أحياناً مفخرة للقبيلة وترفع رأسها، فهو فحل ابن فحل..هتك أعراض الحرم وتقولون عنه فحل هذا الزنديق! لكن إن فعلتها البنت أو المرأة وحتى البنت البكر تُقتل مباشرة، وهذا كفر صريح بتشريعه تبارك وتعالى، وهذا كفر صريح بشرع الله مهما حاولت التقاليد البالية أن تبرّره، هو تشطيب بالقلم الأسود أو الأحمر على شرع الله تبارك وتعالى، والقرآن يقول “الزانية والزاني فاجلدوهما..” نفس العقاب “السارق والسارقة فاقطعوا..” نفس العقاب، وفي كل شيء عقابها تتلقاه، وجزائها تتلقاه على قدم مساواة “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات….فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” نفس الشيء ولا خلاف، وهو نموذج المساواة والمماثلة.

وقال ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..” تبادل المودة والرحمة من الجنسين على قدم سواء، وقال هن لباس لكم وأنتم لباس لهن..” المرأة ليست أحبولة الشيطان، المرأة ليست مغوية الرجل، فهي تغوي كما يغوي هو، وتتلقّى جزاءها كما ينتظر هو جزاءه، لكن التوراة تخبرنا في التكوين مرة أخرى بغير هذا، تقول: الذي زلّ وأخطأ وأزلّ آدم هي حواء، فقط جاءت الحية الخبيثة فأغرت حواء فصدّقت حواء فأكلت ثم قالت لآدم هاأنا ذا أكلت فلم تضرّني، فأخذ منها آدم وأكل فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الشجر وهذا بتعبير الكتاب العزيز.

وفي سفر التكوين، بعد ذلك سمعا آدم وحواء صوت الرّب الإله ماشي…أستغفر الله العظيم الرب يمشي وله صوت..سمعا صوت الإله يمشي في الجنة أين أنتما فاستحييا منه وسأله الله تبارك وتعالى، فقال هي أضلّتني، هي أكلت وأغرتني بالأكل، فقال تكفيراً أكثر أتعاب الحبل، أي تحبلين بالتعب وتلدين بالتعب، وأدميك مرتين أي بالحيض، والتفت إلى الحيّة وقال ملعونة أنت من جميع هوام ودواب الأرض…وهذا كلّه كلام فارغ، وفي كتاب الله “فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم..” آدم هو البداية، آدم هو الذي ضلّ وأضلّ زوجه المسكينة، ولم تضل هي وجاءت تغويه.

ولكن يا للعجب هذا هو الإمام الطبري والإمام ابن أبي حاتم يرويان عن عبد الله بن عباس وغيره الرواية الكتابية في تفسير الآية القرآنية بشكل واضح، فتقرأ أنّ حواء هي التي أكلت، ويقول عبد الله بن عباس وهذا ليس مرفوعاً وموقوف عليه، وهو ممّن أخذه عن بني إسرائيل، قال: ولما سأله الله تبارك وتعالى أعتل- أي بدأ يبحث عن العلل والمعاذير- فقال يا رب هي أغوتني، فقال الله لها كذا وكذا وأدميتك مرتين…هذا إن صحّ عنه فهذا من بني إسرائيل ويخالف ما في كتاب الله، فكيف نترك كتاب الله لهذه الأساطير والخرافات؟!

وطبعاً العقلية الذكورية والنموذج الاستتباعي غير المتكافئ في التعامل مع المرأة يفرح كثيراً بهذه الروايات ويملأ بها بطون التفاسير معرضاً عن صريح كتاب الله تبارك وتعالى الذي يجعل الملام على آدم فحواء طبعاً، ولذلك قال “أزلهما الشيطان…” الاثنان وقعاً في الزلل، والاثنان تلقّيا العقوبة معاً جميعاً آدم وحواء، وهذا هو القرآن.

إذاً المنظومة التشريعية في القرآن الكريم منظومة تعكس النشوء والتكوين، تعكس الطبيعة والفطرة، وتؤيّد ماذا؟ نموذج الاستتباع أم نموذج الاستقلال والمماثلة والاستقلال؟ قطعاً النموذج الثاني الذي صرّح به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي وأخرجه البزّار من حديث أنس، أخرجه الأوّلون من حديث عائشة، وأخرجه البزّار من حديث أنس، قال صلى الله عليه وسلم: إنّما النساء شقائق الرجال..معنى شقائق جمع شقيقة، هي نصف وهو نصف، أو هي أخت له، والواضع التكويني كل يوم يطرح عشرات آلاف الحالات، الرحم ذاتها والصلب ذاته يخرجان مرّة ذكراً ومرّة أخرى أختاً له أنثى..إذاً هناك وحدة واحدة، من نفس الصلب، من نفس الرحم، ونفس البداية “وبدأ خلق الإنسان من طين”، “أنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى” في وحدة تكوينية بإزاء الوحدة الربوبية؛ ربّ واحد وتكوين واحد، نوع واحد وإنسان واحد..أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

تمت الخطبة بحمد الله

فيينا 25/01/2008

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 20

اترك رد

  • بارك الله فيك ياشيخنا الجليل ويعلم الله انه كانت تراودنى الشكوك تجاه التفاسير التى اعتمدها اغلب الشيوخ قديما وحديثا خاصتا فيما يتعلق بقضايا المرأة التى لا ارى فيها الا تحيزا غير مبرر لنوعهم الذكورى واخشى ان يكون تحيزا متعمدا ولكنى احاول ان احسن الظن بهم على اى حال

  • للأسف ما زال الكثير من مثقفي الامة يدور ذهنه داخل الاطار التوراتي بتحريفاته فهو اما يأخذه كله او يدعه كله فإذا جاء فيها ان المرأة خلقت من ضلع وهي مخلوق دوني فإما ان يقبل هذا كما هو او يأخذ نقيضه على طول الخط فتكون لم تخلق من ضلع وهي مخلوق أرقى من آدم ، وهناك شيء آخر أراه قد يكون سببا لكل هذه الخطبة الطويلة وهو أن خلق حواء من آدم والذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة تناقض نظرية التطور (الكتاب المقدس للملاحدة واللادينيين) والتي للأسف يروج الدكتور لكثير من مبادئها

  • نصيحتي للدكتور حفظه الله أن يحاول التخفف من الاطار الذهني التوراتي في التفكير عن طريق قراءة كتاب الوحي ونقيضه للدكتور بهاء الامير مرتين على الأقل بنية مجردة وعدم وجود تعصب مسبق ضد الكاتب وأن يدعو الله أن ينير بصيرته وهو إن شاء الله حتى لو اختلف مع الكاتب في 90% مما جاء به ويراه باطل فإن ال10% التي يراها صواب ستفيده جدا

  • المبحث الثالث:
    آدم والنفس الواحدة
    المطلب الأول: نظرة عامة حول النفس الواحدة:
    أولاً: ما معنى النفس الواحدة؟
    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } .
    وقال تعالى: ({وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } .
    وقال تعالى:
    {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } .
    وقال تعالى:
    ({خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } .
    هناك في هذه الكوكبة من الآيات البينات قوله تعالى: من نفس واحدة, فما هو المراد بهذه النفس الواحدة؟
    هل الحديث عن النفس الواحدة, يخص الخلق الأول من الطين, وقبل الهبوط من الجنة؟
    أم أن الحديث عن النفس الواحدة حديث يخص الخلق في هذه الدنياً؟
    أم أنه يأخذ في مفهومه, الحديث عن الخلق الأول من الطين, وعن الخلق الثاني من النطفة أيضاً؟
    وعلى أي الأحوال فإن هناك نظرات متشابكة من المفسرين والباحثين, حول مفهوم النفس الواحدة, فهناك مثلا:
    1-يكاد يكون جميع المفسرين بلا استثناء, إلا القليل من يقول: بأن النفس الواحدة هي آدم وأن زوجها هي حواء عليهما السلام, كما أن هذا قول هو قول الإجماع والسواد الأعظم من المسلمين, رغم أن الجميع يخلط ما بين الخلق لآدم من التراب, والخلق لآدم من النطفة, فهم يقولون بأن النفس الواحدة هي آدم سواء الذي كان في الجنة أو الذي كان على الأرض فكلاهما سواء وواحد.
    2- وهناك القليل من المفسرين من يقول بأن زوج النفس الواحدة التي هي حواء, لم تخلق من آدم بل خلقت من نفس طينته: فقد جاء في تفسير الدر المصون قوله:
    (وقَدَّر بعضُهم مضافاً في « منها » أي: “مِنْ جنسِها زوجَها”، وهذا عند مَنْ يرى أن حواء لم تُخْلق من آدم، وإنما خُلِقت من طينة فَضَلَتْ من طينة آدم ، وهذا قولٌ مرغوب عنه .) .
    هو والله أعلى وأعلم قول الحق ولكن فيه عور بسيط وهو أن زوج آدم لم تخلق من فضلة طينة آدم, لأن الله الذي يقدر لا يزيد عنده فضلات, فكانت الأنثى مخلوقة من نفس الطينة التي قسمت قسمين قسم للذكور والقسم الآخر للإناث.
    3- هناك من علماء الاعجاز من يقول بأن النفس الواحدة هي حواء وأن آدم هو زوجها حيث خُلق منها, فقد حارهم معنى النفس الواحدة في قوله تعالى وجعل منها زوجها ليسكن إليها.
    فما هي حقيقة النفس الواحدة المذكورة في عدة آيات من القرآن؟
    وحتى نتمكن من فهم النفس الواحدة لا بدّ وأن نعلم كيف خلقنا الله تعالى في هذه الحياة الدنيا, فلربما يعطينا ذلك صورة عن ماهية النفس الواحدة, وهذا ما أعتقد به, لأن الإعادة تدل على البداءة: قال تعالى:
    {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } .
    لنتأمل في طريقة خلقنا في هذه الدنيا:
    نحن نرى من خلال ما أنعم به الله علينا وتفضل من الكشوفات العلمية وبالذات في علم الأجنة, أن مادة خلق الإنسان في هذه الدنيا, هي المادة المسماة بالسائل المنوي, الذي تبين أنه يحتوي على جراثيم حية تسمى حوينات منوية, وأن من هذه الجراثيم حوينات منوية مذكرة رُمز لها بالرمز “Y” وينتج عنها الذكور بصفة عامة تشمل جميع الكائنات الحية, أو الرجال بصفة خاصة يراد به الإنسان.
    وأن هذه الجراثيم تحتوي أيضاً على حوينات منوية في نفس السائل المنوي, ينتج عنها الإناث لجميع الكائنات الحية الحيوانية, أو النساء للجنس البشري.
    وقد تبين لنا علميا بأن هذه الحوينات المنوية تأتي نتيجة مراحل تخليقية كالآتي:
    1- لوحظ عند ولادة الجنين أن هناك خلايا جرثومية تقبع في جدار خصيته تسمى الخلايا الجرثومية المنشئة “primordial germ cells” وهي خلايا شاحبة وباهتة اللون, وهي تحمل في نواتها 46 كروموسوم ” 44 منها صفات جسدية عامة وعدد كروموسومين يحملان صفات الجنس الخاصة, فالمذكر صفة الجنس المرموز لها بالإنجليزية “Y” والمؤنث يرمز له بالحرف الانجليزي “X” .
    2-وقُبَيْل البلوغ بقليل, تتفتح هذه الخلايا الجرثومية الأولية وتتكبكب ويغْمَقُّ لونها فتصبح خلية منوية أم تسمى علميا بـ: “spermatogonia”
    3-تتضاعف المادة المنوية في هذه الخلية المنوية الام لتصبح 4n بدلا من 2n فتصبح خلية منوية أولية, تسمى علميا:
    “Spermatocyte Primary ” ثم تدخل هذه الخلية في حالة انقسام اختزالي أول, فتعطي خليتان منويتان ثانويتان “Secondary Spermatocyt” يوجد في كل خلية منهما “2n” من المادة النووية فتدخل هاتين الخليتين من فورهما في انقسام ناضج ثاني لتعطي كل خلية منهما خليتان منويتان ناضجتان ” spermatides”
    4- يكون الحاصل لدينا أربع خلايا منوية ناضجة تحتوي كل خلية على “n” من المادة النووية وعلى “22 صفة جسدية عامة + صفة الجنس الخاصة” أي خليتان مذكرتان YوY” و خليتان مؤنثتان “XوX” .
    5- تدخل هذه الخلايا في عدة مراحل تَمَحْوُّر فيتخلق منها رأس وعنق وذيل لتعطي أربع حوينات منوية ناضجة منها حوينين مذكران والآخران مؤنثان.
    فسبحان القائل: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى*مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } .
    بذلك نجد أن الحقيقة العلمية قد تطابقت مع الحقيقة القرآنية وهذا دليل على صدق الوحي والنبوة.
    وكما سبق تبيانه فإننا نجد أن الرجل جاء من النطفة ولكن من حوينات منوية مذكرة, وأن المرأة جاءت من نفس النطفة ولكن
    من حوبنات مؤنثة.
    فإذا قال الله تعالى:
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ: فإن ذلك يعني والله تعالى أعلى وأعلم أن الله تعالى يوجه نداءه للجنس البشري ذكوره وإناثه, بأن يتقوه ويتجنبوا غضبه, فهو الذي خلقهم في هذه الدنيا من نفس واحدة, وهذه النفس الواحدة هي النطفة وذلك من خلال ما رأيناه بأم أعيننا عبر المجاهير المكبرة التي أكرمنا الله بها لنرى الحقيقة الواقعية والعلمية, بأم أعيننا وهي تتطابق مع الحقيقة القرآنية.
    أما قوله تعالى: وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا: أي ومن هذه النفس الواحدة التي هي النطفة, خلق الله تعالى منها زوجها: أي صنفي الجنس البشري, الذكر والأنثى, وهذا ما رأيناه من الحقيقة العلمية التي بَيَّنْتُها في صدر هذا المطلب.
    أما قوله تعالى: وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء: أي ومن الذكر والأنثى بثَّ الله تعالى رجالاً كثيرا ونساءَ.
    إذن فالنفس الواحدة في خلقنا الدنيوي كانت النطفة, وزوجها كان صنفي الجنس البشري, الذكر والأنثى.
    فإذا كانت النطفة هي النفس الواحدة التي منها خلق الله الناس ذكورا وإناثا فإننا لو عرفنا مصدر هذه النطفة فإن ذلك يمكن أن يدلنا على النفس الواحدة التي خلقنا الله منها في الخلق الاول.
    لقد كان مصدر النطفة التي خلقنا الله منها, ذلك الإنسان الاول الذي خلقه الله من التراب والطين, فإذا كنا في الدنيا خلقنا ذكورا وإناثا من ذات شيء واحد وهو النطفة, فإنه لا بدَّ أيضا أن الله تعالى خلقنا من ذات شيء واحد في بدء الامر وهو التراب وأنه تعالى خلقنا ذكورا وإناثا منه, فإذا رجعنا للوراء من خلال قوله تعالى:
    { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } :
    فإننا سنجد:
    أولاً: قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ: أي أن الله تعالى يخبرنا بأنه خلقنا من نفس واحدة أي وهي التراب.
    ثانيا: وقوله تعالى: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا: أي جعل من هذه النفس الواحدة التي هي التراب زوجها أي صنفيها, الذكر والانثى.
    ثالثاً: وقوله تعالى: لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا : أي ليسكن الذكر إلى الانثى.
    فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ: أي فلما تغشى الذكر الأنثى, حملت الأنثى حملا خفيفا أي في بداياته فكانت تروح وتجيء به دون تعب أو قلق.
    رابعاً: وقوله تعالى: دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ: أي فلما اقترب موعد الميلاد وقد خشي الزوجان أن يكون حملهما بهيمة كما ورد عن ابن عباس دعوا: أي الذكر والأنثى أو الرجل والمرأة, اللهَ ربهما, لئن آتيتنا إنسانا سويا وليس بهيمة لنكونن من الشاكرين.
    خامساً: وقوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
    أي فلما رزقهما الله ذرية بشرية سوية, نسيا الله الذي دعواه, وجعلا له شركاء فيما آتاهما من ذرية سوية البنيان.
    إذن النفس الواحدة هي التراب وزوجها هما الذكر والأنثى, وأن هذان الزوج تغشى ألذكر منهما أنثاه فحملت, وطلبا من الله تعالى أن يرزقهما بشرا سويا وليس بهيمة, فلما حازا على طلبهما, نسيا ما كانا يدعوانه وأشركا به تعالى عن الشرك.
    فيكون بها التأويل, كلا من آدم الذي اصطفاه الله لأن يكون أبا للبشرية, وزوجه حواء بريئان من الشرك كما اتهمهما بذلك
    المفسرون.
    المطلب الثاني: وبث منهما رجالا كثيرا ونساء
    قال تعالى في كتابه العزيز:
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي
    تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } .
    في هذه الآية نجد أن هناك خطاب للناس فماذا يقصد بكلمة الناس؟
    قاموس المعاني: (ناس: هو اسمٌ للجمع من بني آدم “واحده إنسانٌ من غير لفظه)
    ويفهم من لفظ ” الناس” أنه الجنس البشري الذي يشمل الذكور والإناث, إذن فالله تعالى يخاطب الجنس البشري ذكورا وإناثا قائلا لهم:
    يا أيها الناس اتقوا ربكم: أي تجنبوا غضب ربكم عليكم وذلك بسبب عدم إيمانكم بأنه خالقكم وباعثكم, فالله يحذر الناس ويوجههم نحو الهدى والإيمان به وعدم الشرك, وأن يطيعوه في كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه.
    الَّذِي خَلَقَكُم: أي الذي أوجدكم من العدم وأنشأكم بصنفي جنسكم ذكورا وإناثا, وكان ذلك:
    مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ: يقول المفسرون أنها آدم عليه السلام, فهلل هذا الكلام دقيق؟ أم يحتاج إلى مزيد من التدقيق؟
    فما هي هذه النفس الواحدة؟
    يقول المفسرون:
    تفسير الألوسي:
    (والمراد من النفس الواحدة آدم عليه السلام، والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين ومن وافقهم أنه ليس سوى آدم واحد وهو أبو البشر) .
    المشكلة تتمثل في القول: “والذي عليه الإجماع من الفقهاء” فهلا بيّن لنا أحدهم الدليل على ذلك من القرآن أو السنة
    الصحيحة؟
    المهم هذا القول هو الذي تقول به جميع التفاسير, ورغم ذلك فلا يمنع ولا يحجر على من يريد التدبر في آيات الله تعالى أن يتدبر, فهناك من يقول بأنه بعد قول السلف في تأويل الآية فلا يحق لأحد أن يتدبر بنفسه في التفسير, حتى وصلوا بالأمر على أنه لولم تجد قولا لسلف في تفسير آية فلا يحق لك أن تخوض فيها مهما كان الأمر.
    فعذرا لمن يقول بذلك فأنا مسلم مأمور بالتدبر في القرآن فقد قال تعالى:
    {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } . وسوف يحاسبني الله على مدى معاملتي مع هذه الآية وليس على مدى تسليمي
    بما بقوله المفسرون الذين أجمعوا ولا أدري كيف أجمعوا وعلى أي شيء اعتمدوا في اجماعهم.
    المهم ونزولا عند قول الله تعالى, فإن من حقي أن أتدبر في الآيات وما يقال عن تفاسيرها مع مراعاة النظر فيما يقوله
    المتخصصين:
    أولاً: لنفترض أن النفس الواحدة هي نفس آدم عليه السلام وأن زوجها هو حواء عليها السلام كما يقول الجميع, فكيف
    ينسجم المعنى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من آدم وخلق من آدم زوجه حواء, “وبَثَّ”: أي ونشر, منهما: أي من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء.
    فكيف خلق الناس رجالهم ونسائهم من آدم أول الأمر, ثم خلق بعدهم حواء حسب واو العطف من نفس آدم, ثم بثَّ الناس برجالهم الكثر ونسائهم من آدم وحواء؟
    ثانياً: هناك خطاب للناس حيث يبين الله تعالى لهم بأنه خلقهم من شخص بعينه اسمه آدم فهل حقا أننا خلقنا من آدم؟.
    وكيف خلقنا الله من آدم؟ هل كان لنا وجود وحياة وسعيٌّ وقت ذلك؟ وهل كان خلقنا من آدم هو خلقا أوليا, ثم بعد ذلك خلقنا الله تعالى من آباءنا وأمهاتنا؟
    ثالثاً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
    هناك ثلاثة أحداث تبينها الآية:
    الحدث الأول:
    خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ: أي من آدم وفقا لما يُقال, ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } .
    فقد ذكر النفس الواحدة دون أي ذكر لزوجها. ولم يكن في هذه الآية وخلق منها زوجها.
    الحدث الثاني:
    وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا: فـ “الواو” هنا عاطفة أي أن الله تعالى بعد أن خلقنا من آدم, خلق منه زوجه, ويؤكد هذا العطف قوله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا…} فثم الفاصلة والعاطفة هنا تعطينا ترتيب: خلقنا نحن البشر كحدث
    أول من نفس واحدة وبعد ذلك بزمن وكحدث منفصل تماما عن خلقنا, خلق زوجها التي يقال عنه أنها حواء.
    أم أن استعمال حروف العطف لا مبالاة لها في مرادها وعملها؟
    وبناء على كل ذلك فهل ما يقوله المفسرين قول منسجم مع سياق النص؟ أم أنه منسجم مع المفاهيم المتجذرة في الأدمغة ولا تسمح لنفسها بأن تعطي العقل مساحة للتدبر؟
    الحدث الثالث:
    وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء: و “واو” العطف هذه تعود من جديد لترتب حدث خلقنا ووجودنا مرة ثانية بعد ما خلقنا أولا وفقا للآية, من النفس الواحدة التي يقال عنها أنها آدم فها هو النص القرآني يعيد خلقنا بالبثِّ من آدم وزوجته مرة ثانية.
    فكيف خلقنا الله تعالى أولا من آدم وبعد ذلك خلق منه حواء وبعد ذلك بثنا الله منهما؟
    بصراحة أن مثل هذا الكلام: (والمراد من النفس الواحدة آدم عليه السلام، والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين ومن وافقهم أنه ليس سوى آدم واحد وهو أبو البشر)
    لا ينسجم هذا القول مع الآية ولا ينسجم أيضا مع العقل والمنطق فكيف يجزم فيه من جزم؟ لا بدَّ وأنْ تكون هناك حركة
    دافعة خفية هدفها جرف المسلمين وابعادهم عن سبيل الحقيقة وذلك لتحقيق مآرب مقصودة ضارة بالفكر الإسلامي.
    سيقول لي قائل وما هو هدفهم من ذلك؟
    فأقول له المطلوب أن نتلقى معلومات سليمة تنبني عليها عقولنا, فإذا كانت المعلومات التي نتعلمها منذ الصغر, مشوهة وغير صحيحة, فإن ذلك تكوين وتشكيل عقلية تفكر بأساس خاطئ, وغير صحيح فننجرف عن ركب الحضارة ونقبع في بئر التخلف مدفونين تحت طميه ورماله.
    والمشكلة في الأمر هي قول: (والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين ومن وافقهم أنه ليس سوى آدم واحد وهو أبو البشر) ولا يحق لأحد أن يقول بكلام غير هذا.
    وهناك من المفكرين المسلمين وبالذات من علماء الإعجاز العلمي, من يقول بأن النفس في الآية مؤنثة, والزوج مذكر فإذا قال تعالى من نفس واحدة وخلق منها زوجها فإن ذلك يعني أن الله تعالى خلقنا من امرأة وهي حواء ومنها خلق زوجها آدم ويعتقدون بأن ما يؤكد هذا المفهوم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } .
    فالضمائر في منها وزوجها وإليها كلها تعود على النفس الواحدة التي هي مؤنثة.
    فالله خلقنا من نفس واحدة: أي من أنثى. ومن هذه الأنثى خلق زوجها وذلك ليسكن إليها, ولم يقل لتسكن إليه, فلما ضاجعها زوجها حملت هذه النفس الواحدة من زوجها الذي خلق منها.
    فهل يعقل بأن يكون المقصود بالنفس الواحدة آدم ويخاطبه الله بخطاب التأنيث وتكون زوجه حواء ويخاطبها الله بخطاب
    التذكير ويقال: خلق منها زوجها ليسكن إليها؟ .
    إن في كلا التأويلين والتفسيرين لعور كبير وتضليل عن سواء السبيل.
    إذن فالنفس الواحدة ليست هي آدم عليه السلام, ولا هي حواء, وما كان زوجها هي حواء عليها السلام.
    فما هي النفس الواحدة؟
    جاء في قاموس المعاني: (نَفس: “اسم” الجمع : أَنْفُسٌ، و نُفوسٌ والنَّفْسُ: الرُّوحُ خرجت نفسُه، وجاد بنَفْسِه: مات. والنَّفْسُ: الدَّمُ. والنَّفْسُ: ذاتُ الشيء وعينُه)
    ومن قاموس لاروس:
    (نَفْسٌ: مصدرها نَفَسَ: حقيقة “في نفس الأمر والواقع… ونفس: ذات… والنفس: ذات الشيء وعينه….)
    فـ النَّفْسُ: هي ذاتُ الشيء وعينُه, فإذا قال تعالى: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ: فإن هذا يعني أن الله تعالى خلق الجنس البشري ذكورا وإناثا من ذات شيء واحد: ولو تأملنا مراحل الخلق الأول الذي كان من التراب والطين, والخلق الثاني من الماء المهين لوجدنا:
    أولا: الخلق الأول من التراب والطين: فإن ذات الشيء الواحد الذي خلقنا الله تعالى منه هو التراب والطين حيث خلقنا تعالى ذكورا وإناثا من هذه المادة قال تعالى:
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ: وخلقناكم تشمل جميع الجنس البشري ذكوره وإناثه ولا تعني “أنه ليس سوى آدم واحد”.
    وقال تعالى:
    {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ..} . ونفس ما قيل في الآية السابقة, يقال هنا في قوله تعالى خلقكم.
    فالنفس الواحدة هي التراب الذي خلق منه جميع البشر ذكورا وإناثا وفقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ…}, وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ…}
    ومن هذه النفس الواحدة أي من ذات هذا الشيء الواحد الذي خلقكم منه يا ذكور الجنس البشري خلق زوجا: أي ذكور وإناث, ولا شك أن هذا الخلق الترابي لم يكن في هذه الأرض بل كان خارجها.
    ثانيا: الخلق الثاني وهو من الماء المهين: فمن ذات الماء المهين خلق الله تعالى عوامل انجاب الذكور وعوامل إنجاب الإناث فيكون معنى الآية والله تعالى أعلى وأعلم: يا أيها الناس ذكورا وإناثا اتقوا ربكم الذي خلقكم من ذات شيء واحد وهو المني, فمن هذا المني خلق جنسيكم أي زوجكم من الإناث والذكور ومن الذكور والإناث بثَّ الله منهما رجالا كثيرا وإناثا. ويؤكد ذلك قوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } .
    أي أنه من النطفة التي يمنيها الذكور يكون الذكر ” الولد الرجل”, ومنها نفسها تكون الأنثى “البنت النساء”, أي أن المني يوجد فه عوامل خلق وتخليق الذكر وفيه هو نفسه أيضا عوامل خلق وتخليق الأنثى, ألم يقل الله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } : أي يجعلهم من توائم مختلفة الجنس في حمل واحد, مما يدل على أن الذكر والأنثى من نفس المني.
    وهذا يدل على أن معنى النفس الواحدة هي هذا الماء المهين الذي هو المني فمن ذات هذا الشيء الواحد خلق الله تعالى البشرية في هذه الحياة الدنيا ذكورها وإناثها ومن ذات هذا الشيء خلق الذكر والأنثى الذيْن سيسكن أحدهما للآخر ويتضاجعا ويكون منهما رجالا كثيرا ونساء.
    إذن فالنفس الواحدة هنا هي المني وزوجها هي نوعي الخلق الذين خلقهما الله منها أي الذكر والأنثى.
    والخلاصة هي يا أيها الناس الذكور والإناث تجنبوا غضب الله عليكم الذي خلقكم من ذات شيء واحد وهو التراب في الأولى. والماء المهين في الثانية فمن هذا الماء المهين خلق الله تعالى نوعيه من الذكور والإناث, ومن الذكر والأنثى بث الله منها الرجال والنساء.
    وحتى نزداد فهما للنفس الواحدة نتابع التدبر في قوله تعالى:
    {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } .
    تقول التفاسير بأن النفس الواحدة هنا هي آدم عليه السلام, جاء في تفسير الألوسي قوله:
    ( وَهُوَ الذى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ واحدة: أي آدم عليه السلام وهو تذكير لنعمة أخرى فإن رجوع الكثرة إلى أصل واحد أقرب
    إلى التواد والتعاطف. وفيه أيضاً دلالة على عظيم قدرته..)
    وهكذا تقول جميع التفاسير بأن النفس الواحدة هي آدم عليه السلام.
    ولو تأملنا في هذا القول الذي يقوله علمائنا من أن الله تعالى خلقنا من آدم فقط وليس معه غيره, لتبين لنا الله تعالى خلقنا من آدم قبل أن تخلق منه زوجه حواء وإلا فلماذا لم يذكر زوجه في هذه الآية؟, وبعد ذلك جعلنا في مستقر
    ومستودع.
    ولو تأملنا هذه الآية والآيات المذكور فيها النفس الواحدة فإننا لا نجد ذكر لا لآدم ولا لحواء في جميع الآيات التي تتحدث عن النفس الواحدة:
    قال تعالى:
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي
    تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } .
    {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } .
    {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } .
    {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } .
    فأين ذكر آدم وحواء هنا؟
    المطلب الثالث: فمستقر ومستوع:
    قال تعالى في كتابه العزيز:
    {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } .
    لو تأملنا في هذه الآية لعلمنا أنها تتحدث عن نشأتنا سواء في هذه الحياة الدنيا على الأرض, أو نشأتنا من التراب قبل هذه الدنيا.
    هي تدلنا بحق على معنى النفس الواحدة, فلو كانت النفس الواحدة هي آدم, كما يقول بذلك الجميع, فنحن لم ننشأ من آدم ولم يقل الله تعالى أنه أنشأنا من آدم, بل نحن من التراب في الخلق الأول, ونشأنا من النطفة الأمشاج المكونة من قسمين متساويين قسم من الأب وهو الأساس, وقسم من الأم وهو المكمل في هذه الحياة الدنيا.
    ولو كان المراد بالنفس الواحدة هنا أيضا, آدم, فأين ذكر الشق الآخر الذي هو زوجه وسيبثنا الله منهما؟
    الآية واضحة وبينة ولا لبس فيها أو تعقيد:
    هو: أي الله تعالى. الذي أنشأكم: والنشأة لا تعني خلقا من العدم بل هي خلق تركيب وتكوين, وقد أنشأنا الله تعالى من التراب
    وأنشأنا في بطون أمهاتنا. من نفس واحدة: أي من النطفة التي تنشأ في الخصية لذلك قال تعالى: فمستقر: أي أنشأنا كنطف في هذا المستقر. وبعد ذلك تنتقل هذه النطفة إلى الرحم لتكون النطفة الأمشاج, لذلك قال تعالى: ومستودع لتمكث فيه النطفة مدة زمنية محدودة لا تزيد عن تسعة أشهر فينشئنا الله فيه ويسوينا أجسادا كاملة وجاهزة للنمو والتطور.
    إذن يذكر الله تعالى في هذه الآية خلق الناس ونشأتهم من النفس الواحدة, وبدون ذكرٍ لخلق زوج من هذه النفس الواحدة. فأين موقع الزوج من هذه الآية؟
    البيضاوي:
    (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ: هو آدم عليه الصلاة والسلام. فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ أي فلكم استقرار في الأصلاب، أو فوق الأرض واستيداع في الأرحام، أو تحت الأرض أو موضع استقرار واستيداع، وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر القاف على أنه اسم فاعل، والمستودع اسم مفعول أي فمنكم قار ومنكم مستودع، لأن الاستقرار منا دون الاستيداع. قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ذكر مع ذكر النجوم يعلمون لأن أمرها ظاهر، ومع ذكر تخليق بني آدم يفقهون لأن إنشاءهم من نفس واحدة
    وتصريفهم بين أحوال مختلفة دقيق غامض يحتاج إلى استعمال فطنة وتدقيق نظر..) .
    فهذا المفسر رحمه الله يؤكد على أننا نشأنا من نفس واحدة وهي آدم, فهلا بيَّن لنا كيف ذلك حدث؟ هل نحن فعلا نشأنا من آدم؟
    إذا كنا رموز وراثية في صلب آدم فهذه ليست نشأة النشأة هي البناء والتركيب والتسوية والتشكيل, ونحن لم ننشأ من آدم بل نشأنا من الأرض, وفي الأرحام كما قال تعالى: {… إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } .
    أليس خير مفسر للقرآن, القرآن نفسه؟ فكيف يقول الله تعالى إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة, ثم نجد من يقول: أنشأكم من آدم؟ هل وعي من يقول بذلك معنى الآيات التي ذكر الله فها كلمة أنشأكم؟.
    وحتى لو وعوا ذلك فإنهم لن يتعرضوا له لأن تعرضهم لهذا المفهوم الصحيح لمعنى النفس الواحدة, يهدم في عقولهم المعنى المتجذر عنها وهي فرد بعينه اسمه آدم, ولما كانت النفس الواحدة هي حجتهم على أنها هي آدم وحواء, فإن القول بغير ذلك يهدم لديهم كل فكرة عن الخلق الأول الذي كان من التراب والطين.
    الخطاب في الآية موجه للناس في مكة. ومن خلالهم يمتد الخطاب في زمن المستقبل إلى جميع الناس في كل زمان ومكان.
    وإذا كان القرآن قد نزل على محمد صلى الله عليه وسلم, فإن محتوياته الخلقية تمتد في جذور الماضي حتى ظهور الجنس البشري على الأرض, وبالتالي فإن خطاب يا أيها الناس يشمل كل الجنس البشري السابق واللاحق.
    وما يبدو واضحا لي من سياق النص القرآني هو أن الله تعالى يخبرنا بأنه تعالى خلقنا نحن البشر جميعا بما فينا المدعوان آدم وحواء, من نفس واحدة: والتي هي بالتأكيد ليست آدم لأن آدم, واحد من الناس ويشمله الخطاب الموجه في الآية, فإذا لم تكن النفس الواحدة هي آدم فما هي إذن؟, إنها ذات الشيء الواحد.
    وهنا يكون المعنى له صورتان في:
    الصورة الأولى: حدثت خارج هذه الأرض, وهو أن تكون النفس الواحدة هي التراب, وبناء على ذلك يكون المعنى في الآية والله تعالى أعلى وأعلم: هو الذي أنبتكم من الأرض نباتا, ودليل ذلك قوله تعالى: {… هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ…}
    وهذا يعني أن الله تعالى خلقنا جميعا من ذات شيء واحد وهو التراب, وكان من بيننا آدم وزوجه والمسيح عيسى ابن مريم عليهم السلام وجميع الخلق البشري.
    أما قوله تعالى: فمستقر: فالمراد به والله أعلى وأعلم, الجنة أو النار, ودليل ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } . ويكون المؤمن دائم الوجود في مستقر الجنة, وأما الكافر فهو أيضا دائم الوجود في جهنم.
    وأما قوله تعالى: ومستودع: والمستودع هو المكان الذي تودع فيه الأشياء لفترة مؤقتة الوجود, ووجود البشرية على الأرض هو وجود مؤقت والبشرية ستمكث في الأرض مدة محدودة ثم تغادرها إلى مستقرهم الأبدي سواء إلى الجنة أو إلى النار.
    إذن فالمستودع الذي أودعنا الله فيه ليبتلينا أيُّنا أحسن عملاً, والله أعلى وأعلم هو الأرض.
    وأما الصورة الثانية لمعنى النفس الواحدة: وهي تحدث في الأرض الدنيا وهو أن تكون النفس الواحدة هي النطفة, وبناء على ذلك فإن المعنى يكون والله تعالى أعلى وأعلم:
    هو الذي أنشأكم من نفس واحدة: أي أن الله تعالى خلقنا جميعا وأنشأنا من النطفة, وكان أيضا من بيننا آدم وزوجه.
    وحتى المسيح عيسى ابن مريم كان صفات راقية مجردة من أية طفرات, ثم أودعها الله تعالى في رحم مريم في الأرض الدنيا لتكون طليعة الذكورة ولتندمج في طليعة مريم المؤنثة فيحدث العبور الوراثي, فتكون بذلك النطفة الأمشاج التي أنشأ الله تعالى منها المسيح عيسى عليه السلام, فيسمح بذلك للمسيح عليه السلام من دخول هذه الدنيا.
    والدليل على أن النفس الواحدة هي النطفة في هذا الموضع أيضاً قوله تعالى: {…. وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى .} .
    أما قوله تعالى فمستقر: فهو أنه تعالى قدر أنتكون النطفة التي منها أنشأ البشرية في مستقر دائمة الوجود فيه وهو خصيّ الذكور, وهي هناك في أعماق الأنابيب المنوية التي تمثل بحق القرار المكين والمستقر الدائم للنطفة.
    أما قوله تعالى: ومستودع: فهو المكان الذي تودع فيه النطفة لمدة محدودة وهو بلا شك أرحام الإناث, حيث تتخلق فيه النطفة وينشأ منها جنين كامل النمو ثم يغادر هذا المستودع إلى مستودع الحياة الدنيا الذي هو الأرض.
    إن ظاهر نص الآية صريح العبارة وواضح البيان فنحن البشر جميعا خُلِقنا من ذات شيء واحد هو التراب والطين, بما فينا آدم وحواء والمسيح عيسى ابن مريم, ثم أودعنا الله في مستقرٍ وهو الجنة, ثم بعد ذلك أهبطنا إلى الأرض لتكون لنا مستودع, يفرز الصالح منا ليعود إلى المستقر الأول أي الجنة, من الطالح منا ليعود إلى مستقره الأبدي وهو النار وبئس المصير. والله أعلى وأعلم.
    أقوال المفسرين حول معنى المستقر والمستودع:
    ابن كثير:
    (وقوله: فَمُسْتَقَرٌ: اختلفوا في معنى ذلك، فعن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي عبد الرحمن السلمي، وقيس بن أبي حازم ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والضحاك وقتادة والسُّدِّي، وعطاء الخراساني: فَمُسْتَقَرٌ: أي: في الأرحام قالوا -أو: أكثرهم وَمُسْتَوْدَعٌ: أي: في الأصلاب) .
    وهذا الكلام يمكن أن يكون للخلق في حال النطفة, غير ان المستقر الذي تكون النطفة دائمة الوجود فيه هو الخصيّ وليس الأرحام, بينما المستودع الذي تودع فيه النطفة إلى أجل مسمى فقط, فهو ولا شك الرحم.
    لكن ما هو المستقر وما هو المستودع للخلق الأول الذي كان من التراب: فيبدو والله تعالى أعلى وأعلم أن المستقر الذي سيكون فيه المؤمنين الصالحين في الجنة, حيث ستكون لهم مستقرا أبدياً, ولكن سيودعهم الله تعالى في مستودع مؤقت إلى حين وهو الأرض الدنيا, حيث يبتلون فإذا ثبتوا على الإيمان وماتوا على ذلك, عادوا إلى مستقرهم الأبدي.
    ولو سألنا اللغويين ماذا يقصد بكلمة مستقر؟
    قاموس المعاني:
    (مُسْتَقْرٍ: “اسم” مُسْتَقْرٍ: فاعل من إِستَقرَى. مُستَقَرّ: “اسم”: اسم مكان من استقرَّ / استقرَّ بـ / استقرَّ على / استقرَّ في مكان الإقامة والاستقرار: لكلِّ خبر وقت يقع فيه ويستقرّ. المُسْتَقَرُّ: القرارُ والثبوتُ: لكل نبإٍ مُسْتَقَرٌّ: غايةٌ ونهاية وصار الأَمْرُ إِلى مستقرِّه : تناهَى وثَبَتَا ستَقَرَّ بالمكان : تمكَّنَ وسَكَنَ..)
    أما المستودع من القاموس فقد جاء في قاموس المعاني:
    (مُستَودَع: “اسم”. اسم مفعول من استودعَ: اسم مكان من استودعَ : مكان الوَديعة، مكان الحفظ: المراد: مقرُّها في الأصلاب أو الأرحام أو بعد موتها. خزّان، مكان تُخْزَن فيه البضائع مُسْتَوْدَع الأثاث / البنزين / الجَمارك)
    وبعد فإن النفس الواحدة ليست هي آدم عليه السلام, ولا هي حواء, وما كان زوجها هي حواء عليها السلام. ويظل العلم الحقيقي لله تعالى.
    المطلب الرابع: ليسكن إليها:
    {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا
    اْللَّهَ رَبَهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ اْلشَّاكِريْنَ} .
    في هذه الآية الكريمة بحر من الإشكالات الذي غرق فيه المفسرون, وسنرى أمواج هذا البحر وهي تعصف بهم من حال إلى حال:
    تفسير البغوي:
    (قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة: يعني: آدم، وجعل: وخلق. منها زوجها: يعني: حواء. ليسكن إليها: ليأنس بها ويأوي إليها. فلما تغشاها: أي: واقعها وجامعها. حملت حملا خفيفا: وهو أول ما تحمل المرأة من النطفة يكون خفيفا عليها. فمرت به: أي: استمرت به وقامت وقعدت به، لم يثقلها. فلما أثقلت: أي: كبر الولد في بطنها وصارت ذات ثقل بحملها ودنت ولادتها. دعوا الله ربهما: يعني آدم وحواء. لئن آتيتنا: يا ربنا. صالحا: أي: بشرا سويا مثلنا. لنكونن من الشاكرين: قال المفسرون: فلما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل، فقال لها: ما الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري. قال: إني أخاف أن يكون بهيمة، أو كلبا، أو خنزيرا، وما يدريك من أين يخرج؟ من دبرك فيقتلك، أو من قبلك وينشق بطنك، فخافت حواء من ذلك، وذكرت ذلك لآدم عليه السلام فلم يزالا في هم من ذلك، ثم عاد إليها فقال: إني من الله بمنزلة، فإن دعوت الله أن يجعله خلقا سويا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث؟ – وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث – فذكرت ذلك لآدم، فقال: لعله صاحبنا الذي قد علمت، فعاودها إبليس، فلم يزل بهما حتى غرهما، فلما ولدت سمياه عبد الحارث.
    قال الكلبي: قال إبليس لها: إن دعوت الله فولدت إنسانا أتسمينه بي؟ قالت: نعم، فلما ولدت قال سميه بي، قالت: وما اسمك قال الحارث، ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث.
    وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت حواء تلد لآدم فيسميه عبد الله، وعبيد الله, وعبد الرحمن، فيصيبهم
    الموت، فأتاهما إبليس وقال: إن سَرَّكُمَا أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث، فولدت فسمياه عبد الحارث فعاش. وجاء في الحديث: ” خدعهما إبليس مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض”.
    وقال ابن زيد: ولد لآدم ولد فسماه عبد الله فأتاهما إبليس فقال لهما: ما سميتما ابنكما؟ قالا عبد الله – وكان قد ولد لهما قبل
    ذلك ولد فسمياه عبد الله فمات – فقال إبليس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما، لا والله ليذهبن به كما ذهب بالآخر, ولكن أدلكم على اسم يبقى لكما ما بقيتما، فسمياه عبد شمس. والأول أصح، فذلك قوله: فلما آتاهما صالحا: فلما آتاهما صالحا بشرا سويا. جعلا له شركاء فيما آتاهما. قرأ أهل المدينة وأبو بكر: ” شِركا ” بكسر الشين والتنوين، أي: شركة. قال أبو عبيدة: أي حظا ونصيبا، وقرأ الآخرون: ” شركاء” بضم الشين ممدودا على جمع شريك، يعني: إبليس، أخبر عن الواحد بلفظ الجمع. أي جعلا له شريكا إذ سمياه عبد الحارث، ولم يكن هذا إشراكا في العبادة ولا أن الحارث ربهما، فإن آدم كان نبيا معصوما من الشرك، ولكن قصد إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامة أمه، وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به أنه مملوك، كما يطلق اسم الرب على ما لا يراد به أنه معبود هذا، كالرجل إذا نزل به ضيف يسمي نفسه عبد الضيف، على وجه الخضوع لا على أن الضيف ربه، ويقول للغير: أنا عبدك. وقال يوسف لعزيز مصر: إنه ربي، ولم يرد به أنه معبوده ، كذلك هذا .
    وقوله: فتعالى الله عما يشركون: قيل: هذا ابتداء كلام وأراد به إشراك أهل مكة، ولئن أراد به ما سبق فمستقيم من حيث أنه كان الأولى بهما أن لا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في الاسم.
    وفي الآية قول آخر: وهو أنه راجع إلى جميع المشركين من ذرية آدم، وهو قول الحسن وعكرمة، ومعناه: جعل أولادهما شركاء، فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم، كما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء في تعييرهم بفعل الآباء فقال: “ثم اتخذتم العجل”, “وإذ قتلتم نفسا ” خاطب به اليهود الذين كانوا في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وكان ذلك الفعل من آبائهم. وقيل: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا، وقال ابن كيسان: هم الكفار سموا أولادهم عبد العزى وعبد اللات وعبد مناة ونحوه. وقال عكرمة: خاطب كل واحد من الخلق بقوله خلقكم أي خلق كل واحد من أبيه وجعل منها زوجها، أي: جعل من جنسها زوجها، وهذا قول حسن، لولا قول السلف مثل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن المسيب وجماعة المفسرين أنه في آدم وحواء) .
    أولاً: بالنسبة لقول المفسر: “فلما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل” فإذا كان آدم وحواء هما المخلوقين الاولين فمن أين يأتيهما مثل هذا الرجل؟ لذلك كان ينبغي عليهما أن يعرفا ذلك القادم لهما في صورة رجل, وبالتالي كان عليهما أن يستعيذا بالله من الشيطان.
    وما يزيد الإشكال إشكالاً قول المفسر قال: فذكرت ذلك لآدم، فقال: لعله صاحبنا الذي قد علمت” وهذا يعني أن آدم عرف من الرجل القادم لحواء. فكيف يصدقانه ويسميان ولدهما عبد الحارث؟!!
    ثانياً: وجاء في التفسير قول: وجاء في الحديث: ” خدعهما إبليس مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض”. فهل يعقل يا عقلاء أن ينخدع آدم وأن يعصي آدم مرتين معصية شرك طاعة؟
    ثالثاً: قول المفسر: ” ولم يكن هذا إشراكا في العبادة” فسبحان الله تعالى فهم يعلمون الناس عن مفهوم شرك الطاعة وهو أن
    تشرك مع الله غيره في الأمر والنهي, بل الأدهى والأمر أن يقول لك الله لا تفعل كذا فيأتي من يقول لك افعله فإنه فعل حسن, فتعمله ضاربا بأمر ربك عرض الحائط.
    إن الذي قال له الله لا تطيع الشيطان, إنه لك عدو مبين, ومع ذلك فقد أطاع الشيطان وسمى ابنه باسم الشيطان, لهو مشرك شرك طاعة لغير الله. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
    رابعاً: قول المفسر: “وفي الآية قول آخر: وهو أنه راجع إلى جميع المشركين من ذرية آدم”: فهذا قول صحيح ولكن المفسرين بصفة عامة لن يستطيعوا إثبات ذلك من الآية.
    وهذا الذي أحاول إثباته في هذا البحث بتفسير معنى النفس الواحدة ومعنى كلمة زوجها.
    وعلى العموم فقد جاء في فهرس التفسير لنفس الصفحة من تفسير البغوي حول حديث ابن عباس الوارد في التفسير :
    (حديث ضعيف أخرجه الترمذي في تفسير سورة الأعراف: 8/460، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه، ورواه الإمام أحمد في المسند: 5 / 11، والطبراني في الكبير برقم(6895)، والحاكم: 2 / 545، والطبري: 13 / 309، وعمر بن إبراهيم، صدوق، في حديثه عن قتادة ضعف، قال أحمد: يروي عن قتادة أحاديث مناكير. وقال ابن عدي: يروي عن قتادة أشياء لا يوافق عليها، وحديثه خاصة عن قتادة مضطرب. “تهذيب التهذيب”. وساق الحافظ ابن كثير رواية ابن عباس، وعزاها أيضا لابن أبي حاتم في تفسيره، وكذا ابن مردويه ثم قال: الحديث معلول من ثلاثة أوجه: أحدها: أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري وقد وثقه ابن معين، ولكن قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به، ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا، فالله أعلم. الثاني: أنه قد روي من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعا، كما قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه، حدثنا بكر بن عبد الله عن سليمان التيمي عن أبي العلاء بن الشخير عن سمرة بن جندب قال سمى آدم ابنه عبد الحارث. الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه. قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمر وعن الحسن “وجعلا له شركاء فيما آتاهما” قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم. وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن ثور عن معمر قال: قال الحسن عني بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده يعني: جعلا له شركاء فيما آتاهما. وحدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال كان الحسن يقول هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا. وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسر الآية بذلك، وهو أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره ولا سيما مع تقواه لله وورعه فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم: مثل: كعب أو وهب بن منبه وغيرهما – كما سيأتي بيانه إن شاء الله – إلا أننا برئنا من عهده المرفوع والله أعلم. فأما الآثار: فقال محمد بن إسحاق بن يسار: عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولادا فيعبدهم لله، ويسميهم: عبد الله، وعبيد الله، ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: إنكما لو سميتماه بغير الذي تسميانه به لعاش، قال فولدت له رجلا فسماه عبد الحارث ففيه أنزل الله يقول “هو الذي خلقكم من نفس واحدة” إلى قوله: “جعلا له شركاء فيما آتاهما” إلى آخر الآية.
    وقال العوفي: عن ابن عباس قوله في آدم: “هو الذي خلقكم من نفس واحدة” إلى قوله: “فمرت به” شكت أحملت أم لا؟ “فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين” فأتاهما الشيطان فقال: هل تدريان ما يولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون أبهيمة أم لا؟ وزين لهما الباطل إنه غوي مبين، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان: إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سويا ومات كما مات الأول، فسميا ولدهما عبد الحارث، فذلك قول الله تعالى: فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما… الآية. وقال عبد الله بن أبي سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما: قال الله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها: آدم حملت: فأتاهما إبليس لعنه الله فقال إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلن له قرني أيل، فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن، يخوفهما، فسمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت الثانية فأتاهما أيضا فقال أنا صاحبكما الذي فعلت ما فعلت لتفعلن أو لأفعلن – يخوفهما – فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت الثالث فأتاهما أيضا فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله تعالى: جعلا له شركاء فيما آتاهما: رواه ابن أبي حاتم.
    وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، ومن الطبقة الثانية: قتادة والسدي وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة، وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب فإن ابن عباس رواه عن أبيّ بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو الجماهر حدثنا سعيد يعني ابن بشير عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب قال لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها أتطيعيني ويسلم لك ولدك، سميه عبد الحارث فلم تفعل فولدت فمات ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل ثم حملت الثالثة فجاءها فقال إن تطيعيني يسلم وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبهما فأطاعا.
    وهذه الآثار يظهر عليها والله أعلم أنها من آثار أهل الكتاب، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم”. ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام: فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضا، ومنها: ما هو مسكوت عنه، فهو المأذون في روايته بقوله عليه السلام “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج”، وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله: فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم: وهذا الأثر هو من القسم الثاني أو الثالث فيه نظر، فأما من حدث به من صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسم الثالث، وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته، ولهذا قال الله: فتعالى الله عما يشركون، ثم قال: فذكر آدم وحواء أولا كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس.) .
    وبعد فإن كل

    • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله دكتور جودت _______الرد على ما تركته سيادتكم حول الدر المصون في علوم الكتاب المكنون انما رده المؤلف بقوله وهو قول مرغوب عنه ______وقولكم حول النفس انها عين الشيء وذاته وهو صحيح لغويا لكن ترادف ايات القران الكريم تقضي ان ادم هو من خلق اولا أنا اتفق ان زوج آدم خلقت من تراب وهو كما قال الدكتور عدنا ان خلق منها أي خلق مثلها او شبيه لها ليسكن اليها ليكون ادم هو الاول والطرح الثاني ويؤكد الطرح الاول ما جاء في سورة البقرة وهو قوله تعالى وهو اني خالق بشر من طين وهو ايضا وعلم ادم الاسماء كلها وقول ابليس في سورة ص قال انا خير منه وكلمة منه هنا الضمير للمذكر ولو كان كلاهما موجود اعني ادم وزوجه لقال منهما ولو كانت حواء لقال منها وهذا غير موجود فالايات تقطع ان ادم اولا حتى الامر بالسجود للملائكة فكان ادم ولا يقل احد ان المقصد ادم وحواء ولكن افرد ادم لانه السيد والمتحكم فمقصد القوم في مثل تلك الاقوال انه خاص يراد به العموم وهذا وهم فلو كان هذا صحيح لما احتاج المولى ان يذكر زوج ادم في مواضع مثل موضع العصيان ووسوسة الشيطان وجل القول ان بعد حادثة السجود خلقت حواء ليسكن اليها ادم ولذلك كان الخطاب دائما وياادم اسكن انت وزوجك الجنة ___ويكون خلق ادم اولا ثم الامر بالسجود له ثم خلق حواء ثم الخروج من الجنة ______هكذا هي تفاصيل الايات ________فلو قولتم ان خلق الانسان من طين ثم من سلالة لكلا النوعين الذكر والانثى وهو صحيح ولكن ما بالنا بافراد ذكر ادم في مسالة الخلق الاول في البقرة ووقت سجود الملائكة ___________ارجوا التواصل ولكم جزيل الكر

  • لقد قرات مثل هذا الراي من كاتب اسمه عماد بابكير في كتاب له ( اذان الانعام) .. وقد قرن ايظا قول الله في خلق عيسى من انثى ..( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ )

  • أنا أقول للسيد عدنان الفلسطيني الأصل ..هل خلق حواء من آدم أم تراب هو قضية الإسلام والمسلمين اليوم؟ إنه صرف للميلمين عن قضاياهم الجوهرية ..لذلك نقول له و للإخوة المتحمسين لهذا الفكر الغريب..إتكم تهدرون الوقت والطاقات في أمور لا خير فيها ..فاصرفوا طاقانكم في العمل الذي من شأنه أن يجمع شمل الأمة ويوحد طاقاتها و أوطانها ودعوكم من هذه القضايا التي لا تزيد الأمة إلا تشرذما

  • فعلا لقد ابدعت يا عزيزي وأخي عدنان، لكن انا متأكد ان هذه ليس نهاية التفسير فلا بد من اضافة ، ونحن ننتظر

  • وما ذا عن الاية التالية: ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ ) ، أرى ان مفهومها يدخل ضمن الفكرة لكن بتعديل .

  • لكن لما ذكر الله تعالى الخلق من نفس واحدة ولم يقل من جسد / بنية / طينة واحدة ؟ كما أعلم ان الانسان مكون من ثلاث ( الجسد ( المادي ) والنفس ( الحياتية ) والروح ( الالاهية ) ،فلماذا الاختصاص هنا بالنفس وليس بالجسد ؟ الا يكون كل كلامنا هنا عن خلق النفس وليس الجسد ؟

  • عجينة صلصال كل واحد يشكلها علي كيفه هذا هو حال الدين يلون الكليمات والالفاظ لتعزيز فكرتهم والعجيب في الامر ليس الخلاف العجيب هي القوه المتكلم كل منهم وكان ربه اوحي له بما يقول { انا بصراحه بيبقي هاين عليه اقول للواحد منهنم انت ابن خلته ولا اخوه بس بخاف يبجح ويقول انه هو هو } حقيقي حاجه تقرف حلكم صعب وكذب وتدليس

  • الحدث الثاني: ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ:
    والخلق كان أولا بكل ظروفه وأبعاده المكانية والزمانية ثم بعد ذلك صورنا الله فما معنى صوركم:
    (صَوَّرَ: أَعطَى شكلًا وصورة، رسَم. “صَوَّرَ حُروفًا” الْتَقَط صورة بآلة تصوير… صُورَةٌ طِبْقَ الأَصْلِ… صورة الشّيء ماهيّته المجرَّدة، خياله في الذِّهن أو العقل).
    هناك قضية لا بد من التدبر فيها: ما هو الفرق بين الخلق والتصوير؟
    هل يمكن أن يكون معنى خلقكم أي قدركم ومعنى التصوير جسدكم, أي كما شكلكم في أرحام النساء خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم؟.
    فلو كان الأمر كذلك أي أن معنى خلقناكم أن الله خلقنا خلق تقدير بأبعاد البشر طولا وعرضا وارتفاعا وزمانا ومكانا تماما كما قدرنا الله في النطفة, ثم بعد ذلك تجسد هذا التقدير وفقا لما هو مقدر فإن هذا حدث قبل ظهور آدم الذي يقال بأنه المجمع البشري لأنه بعد الخلق بزمان لا يعلمه إلا الله صورنا الله فمكثنا صورا من ومان لا يعلمه إلا الله بعد ذلك قال للملائكة اسجدوا لآدم.
    أعتقد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون معنى ثم صورناكم: أي أنشأناكم وجسدناكم في أرحام النساء لأن التصوير حدث بكل ظروفه قبل ظهور آدم كما توضح الآية.
    لذلك فلا أعتقد هنا أن التصوير يُقصد به التجسيد شكلاً وبناية بل يُقصد به صورة رمزية ومعبرة لماهية البشر المجردة والتي كانت طبق الأصل في التعبير عنه.
    إذن فالبشر جميعهم خُلق من تراب وطين ثم صورهم الله تعالى بصور رمزية طبق الأصل لكل واحد منهم.
    عند هذه النقطة كانت الصور في أحسن ما يكون. قال تعالى:
    {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }غافر64
    ولا يمكن أن نستطيع التخيل كيف صورنا الله أما هنا في الحياة الدنيا فقد علمنا بفضل الله كيف صورنا بكل الأبعاد وذلك في الحوين المنوي الذي هو النطفة قال تعالى:
    {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ }الانفطار8
    فقوله في أي صوما شاء ركبك, ليس كمثل قوله تعالى صوركم فأحسن صوركم.
    وقال تعالى
    {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى }القيامة37
    والنطفة مصور فيها الإنسان وهي التي كانت في أي صورة ما شاء ركبك.
    الحدث الثالث: ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ
    حتى ننظر لآدم بمنظار الجنس البشري أقول وبالله التوفيق:
    قال تعالى:
    {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }لقمان28
    وهذا الخلق يكون يوم القيامة وكذلك يكون في الخلق الأول قال تعالى:
    {….كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }الأعراف29
    فكيف بدأنا الله؟ قال تعالى:
    {….وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7
    فالخلق له بداية ووسط هي الحياة الدنيا ونهاية هي البعث والقيامة.
    والخلق في القيامة يكون كما كان في البداية فيعود الخلق من التراب والطين وليس من النطفة والماء المهين.
    كيف يكون حال أهل الجنة:
    (إنّ صورة أهل الجنّة هي صورة في غاية الجمال والبهاء والتألّق والنضرة، فأهل الجنّة جردٌ مردٌ مكحّلين، ومعنى مرد أي أنّهم مجرّدين من الشّعر على وجوههم وأجسادهم، كما أنّ الكحل يزيّن عيونهم ويمدّها بقوّة الإبصار، وهم بالعمر والسّنّ في ذروة الفتوّة والقوّة، حيث يكونون في عمر ثلاثة وثلاثين، وهو عمر سيّدنا المسيح عليه السّلام حينما رفعه الله إليه.)
    فتخيل أن البشر كانوا مثل ذلك في الخلق الأول الذي كان في أحسن تقويم: أي أحسن ما يكون خلقا وتركيبا.
    ثم صورهم الله فتكون صورهم التي تعد بالمليارات كصورة واحدة لا تجد فيها فروقا أو ميزة لأحد دون غيره ثم جمعت هذه الصور جميعها في شخص مثلهم اختاره الله واصطفاه هو والله أعلى وأعلم آدم قال تعالى:
    {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ….}آل عمران 33
    فجعل فيه مجمع لكل الصور البشرية:
    فإذا كان لآدم رأس فهو يمثل صورة عن كل المليارات البشرية, وكذلك عينه وأذنيه وفمه وفكيه وأسنانه وشفتيه ولسانه وباقي ما في آدم من خلق لا يعلمه إلا الله فهو نيابة وعبارة عن تجمع مليارات الصور البشرية التي صور الله البشر الذين خلقوا من الطين.
    إذن إذا:
    خُلِق آدم من تراب وكل البشر خلقوا من تراب بما فيهم عيسى ابن مريم.
    وخُلِق أدم بيدي الله تعالى وتنزه عن التمثل والتشبيه والتكييف فإن البشر جميعا خلقهم الله بيديه.
    وخُلِقَ آدم في أحسن تقويم فإن البشر جميعا خلقوا في أحسن ما يكون الخلق والتركيب.
    وإذا نَفَخَ الله في آدم من روحه فإن البشر جميعا نفخ الله فيهم من روحه تعالى.
    وإذا علمه الأسماء كلها فإن البشر جميعا تعلموا الأسماء كلها.
    وإذا أسجد له الملائكة فإن الملائكة سجدت لجميع البشرية ذكورا وإناثا.
    وإذا كان قد حذره من الشيطان فإن الله حذر جميع البشر من الشيطان.
    وإذا سكن آدم وزوجه الجنة فإن البشر جميعا ذكورا وإناثا سكنوا هذه الجنة.
    وإذا تمتع آدم بالجنة فإن البشر جميعا تمتعوا كيف يشاؤون في الجنة.
    فإن ذلك كله يعتبر لجميع البشر ومنهم آدم عليه السلام البشر الذين خلقهم الله من الطين ثم صورهم ثم جعلهم في أجهزة آدم وأعضائه وأنسجته وخلاياه.
    فإذا وسوس الشيطان لآدم فقد كانت الوسوسة لجميع الجنس البشري.
    وإذا أكل آدم من الشجرة فهذا يعني أن كل الجنس البشري أكلوا من الشجرة.
    وإذا عصى آدم ربه فغوى فهذا يعني أن البشر جميعا قد عصوا إلا ما رحم ربي من المصطفين الأخيار
    وإذا تاب آدم فإن ذلك يعني أن البشرية جمعاء قد تابت
    وإذا تاب الله على آدم فهذا يعني أن الله تاب على البشر جميعا.
    وإذا هبط آدم من الجنة إلى الأرض فهذا يعني أن البشر كلهم هبطوا إلى الأرض.
    دكتور جودت منصور

  • من هو آدم عليه السلام
    البداية في هذا السبيل هو الإجابة على السؤال الأول ومعرفة هل آدم فرد أم جنس؟
    قال تعالى:
    {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ }الأعراف11
    في هذه الآية ثلاث أحداث متوالية يفصل بينها حرف العطف “ثم” المتراخي زمانيا:
    الحدث الأول: ولقد خلقناكم
    الحدث الثاني: ثم صورناكم.
    الحدث الثالث: ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.
    الحدث الأول: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ:
    الخطاب في هذه الآية كان للناس فالله تعالى يقول للناس من خلال أهل مكة الذين نزل عليهم القرآن ومن خلالهم يشمل الخطاب كل الجنس البشري ولم يكن الخطاب لفرد واحد أو جماعة دون أخرى فلنرى ماذا يقول المفسرون؟:
    جاء في تفسير الطبري صفحة 151 :
    (قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
    فقال بعضهم: تأويل ذلك: ولقد خلقناكم: في ظهر آدم، أيها الناس. ثم صورناكم: في أرحام النساء. خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم…..
    وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقناكم: في أصلاب آبائكم. ثم صورناكم: في بطون أمهاتكم….
    وقال آخرون: بل معنى ذلك: خلقناكم: يعني آدم. ثم صورناكم: يعني في ظهره…..
    وقال آخرون: معنى ذلك: ولقد خلقناكم: في بطون أمهاتكم. ثم صورناكم: فيها…..
    قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: ولقد خلقناكم: ولقد خلقنا آدم. ثم صورناكم: بتصويرنا آدم)
    هذا تأويل ممثلا عن كل التأويلات فأكتفي به في معرفة آراء المفسرين ولو كان هناك أقوال أخرى لما توانى الطبري في طرحها.
    فكيف يقول من يقول أن معناها: ولقد خلقنا آدم أو خلقناكم في صلب آدم؟
    هل سهل هذا القول على المفسرين ولم يسهل على الله تعالى أن يقول سبحانه ولقد خلقنا آدم ولقد خلقناكم في صلب أباكم آدم؟
    أم أن المفسرين عرفوا مراد الله تعالى في معنى قوله هذا؟ فلماذا لا يقولون والله أعلم قبل قوله أو حتى بعد قولهم؟
    ثم أن هناك حرف العطف “ثم” هذا الحرف علمنا الله عنه عدة أمور فهل يجوز أن نخضعه لأمور أخرى وفقا لرغبتنا غير التي علمنا الله عنها؟
    الله تعالى قال: خلق الإنسان علمه البيان فماذا علمنا من البيان عن حرف العطف “ثم”؟
    علمنا أن حرف: (ثم: تفيد العطف مع الترتيب والتراخي, أي بمهلة كما تفيد الفصل بين الأحداث المتعاقبة).
    فكيف يلغي المفسرون هذه الصفات في حرف العطف “ثم” في هذه الآية؟.
    ولقد خلقناكم: ما معنى خلقناكم؟
    قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر:
    (والخَلْقُ في كلام العرب: ابتِداع الشيء على مِثال لم يُسبق إِليه: وكل شيء خلَقه الله فهو مُبْتَدِئه على غير مثال سُبق إِليه: أَلا
    له الخَلق والأَمر تبارك الله أَحسن الخالقين)
    فـ خلقناكم تعني: ابتدعنا من عدم وجود مخلوقات طينية وأنشأنا الله على مثال لم يُسْبَق إليه فالملائكة خلقها الله من النور خلقا ليس له مثيل سابق والإنسان خلقه الله من التراب والطين ولم يكن له شبيه ولا مثيل سابق.
    لكن وكما يعلم الجميع أن الإنسان كان آخر الخلق في أرض الدنيا وكان على مثال شبيه بالحيوان والقرود.
    فالجميع له رأس به عينين وأذنين وفم ولسان وفكين وأسنان ومخ واعصاب.
    والجميع لديه صدر فيه قلب ورئتان وشعبة وقصبتان وشرايين وأوردة.
    والجميع لديه بطن فيه كبد وطحال ومعدة وبنكرياس وأمعاء دقيقة وأمعاء غليظة وكليتان وحالبان ومثانة بولية وإحليل ومهبل
    والجميع لديه حوض فيه حالبان ومثانة بولية ومبيضان ورحم وبروستاتا وقنوات منوية.
    والجميع لديه خصيتان وإحليل ومهبل وفتحة خارجية.
    والجميع لديه وأطراف أمامية كما في الحيوانات وعلوية كما في الإنسان والقرود وهي تبدأ من الكتفين
    والجميع لديه أطراف سفلية تبدأ من على جانبي الحوض.
    والجميع مخلوق من نطفة مقدر فيها من خلال الكروموسومات والجينات صفات طرازه الخارجي
    والجميع مكون من مواد بروتينية ودهون ومواد كربوهيدريتية وأملاح ومعادن وماء.
    فهل الحيوانات خلقت خلق إبداع أي على مثال غير سابق وهي موجودة قبل الإنسان؟
    هل خلقت الحيوانات من طين؟
    من هنا يبدو والله أعلى وأعلم ومن هذه الآية أن قوله تعالى: ولقد خلقناكم: لم يكن المقصود منه خلق الحياة الدنيا فقد خلق الإنسان في بداية أمره من طين قال تعالى:
    {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7
    وعلى ضوء ذلك فهل يمكن أن تكون الحيوانات مخلوقة قبل الإنسان ولما بلغت أرقاها وهم القرود بعدها خلق الله تعالى الإنسان الأول من طين وكان خلقه على مثيل الحيوانات, وبعد ذلك جعل نسله من سلالة من ماء مهين كما الحيوانات السابقة له؟
    حيوانات من نطفة قبل الإنسان—ثم–> إنسان أول من التراب —> ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين مثل الحيوانات.
    فهل هذا الذي كان؟
    لا أعتقد ذلك فبدو أن الأمر فيه عور ونوع من عدم التناسق والمنطقية, الذي يبدو لي من خلال تدبري في الآية أن الله تعالى: خلقنا جميعا نحن البشر من التراب والطين فقضى لنا أجلا في ذلك الخلق ولم يكن مسمى هذا الأجل.
    وبعد ذلك حدث ما حدث من الإنسان فأنهي هذا الخلق ثم بعد ذلك أستخلص صفات الإنسان من سلالة الماء المهين.
    ثم تكونت النطفة وخُلق نفس الإنسان من هذه النطفة.
    وكان وجود الإنسان في الدنيا مخصص له أجل محدود ومسمى قال تعالى:
    {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ }الأنعام2
    إذن محصلة القول أن الإنسان وفقا لهذه الآية ووفقا لآيات كثيرة غيرها, خُلق بشرا سويا كاملا من مادة الطين ولم يخلقه الله على شبه من غيره من المخلوقات.

  • لماذا لا يرد الدكتور عدنان إبراهيم على المواضيع التي أعلق بها عليه؟ هل هو مغرور بما لديه من أتباع وأضواء؟ هل هو مغرور بما يظن أنه لديه من علم؟ الرجاء أن يحترم الدكتور عدنان إبراهيم من يعلق عليه ويرد عليه كما يريد.

  • مابني على باطل فهو باطل ولايفسر القرآن إلا بالقرآن وليس بالأهواء
    ————————————————————
    أولا قولك : ((حين يقول الله تعالى “وبدأ خلق الإنسان من طين ” فحتماً أنّ المقصود بالانسان هنا أيضا الذّكر و الأنثى ، فالله بدأ خلق آدم وخلق حواء من طين)) قول باطل ولادليل علية من القرآن الكريم كون الآية الكريمة تتحدث عن مرحلة بدأ خلق الإنسان الأول أبو النوع البشري المخلوق من طين وهو آدم علية السلام فقط وليس حواء يؤكدة قولة تعالى “إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)” سورة ص. فالآية الكريمة تؤكد أن الله أمر الملائكة بالسجود للبشر المخلوق من طين وهو آدم علية السلام يؤكدة قولة تعالى “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)” سورة البقرة. فالآية الكريمة تؤكد أن سجود الملائكة لم يكن إلا لآدم المخلوق من طين فقط وليس لحواء
    ثانيا قولك : ((”وخلق منها زوجها ”ليس المقصود منها أنّ اللّه خلق حوّاء من آدم )) قول باطل والدليل على ذلك أن النفس الواحدة المذكورة في الآية التي إستشهدت بها هي نفس آدم وزوجها هي حواء في قولة تعالي “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (1)”سورة النساء. يؤكدة قولة تعالى “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ” 35سورة البقرة. فالآية الكريمة تؤكد أن الزوج المخلوق من النفس الواحدة هي حواء وأن النفس الواحدة هي نفس آدم
    ثالثا قولك : ((حوّاء: لم تخلق قطّ من ضلع آدم!)) قول باطل ولا دليل علية ولا من القرآن ولا من السنة النبوية الشريفة وسوف أقدم لك الدليل العلمي الذي يؤكد أن آدم خلق أولا قبل حواء وأنها خلقت من ضلعة ومن نفسة ولإثبات ذلك نفترض 1- خلق آدم قبل حواء نجد أن خلايا آدم تحتوي على زوج الكروموسومات ( الصبغيات) XY وهو الزوج الذي يحمل الصفات الذكرية لآدم .وهو الزوج الكروموسومي المسئول عن تحديد الجنس في الإنسان (الذكورة أو الانوثة) فالكروموسوم Y المسئول عن تحديد صفات الذكورة والكروموسوم X المسئول عن تحديد صفات الانوثة .وبإفتراض نسخ الكروموسوم X أي تكرارة من نفس زوج كروموسومات آدم يتكون زوج جديد من الكروموسومات XX وهو نفس زوج الكروموسومات الذي يحدد الصفات الوراثية للأنثى والموجود بها وبإفتراضها حواء تكون فرضية خلق آدم يسبق خلق حواء وأن الله خلقها من نفسة قد تحققت وهي قائمة بنسبة 100%.
    2- خلق حواء قبل آدم نجد أن خلايا حواء تحتوي على زوج من الكروموسومات (الصبغيات) XX وهو الزوج الذي يحمل الصفات الانثوية لحواء. ونجد ان هذا الزوج الكروموسومي متطابق اي نوع واحد من الكروموسومات فقط وهو كروموسوم X وهو مسئول عن تحديد صفات الانوثة .بإفتراض نسخ هذا الكروموسوم اي تكرارة يتكون زوج من الكروموسومات المتطابقة XX وهو نفس الزوج الكروموسومي الذي يحمل الصفات الانثوية فقط ولايمكن الحصول منة على كروموسومات الذكورة التي تحمل الصفات الذكرية لآدم أي أنة لايمكن أن يكون خلق حواء قد سبق خلق آدم أو أنة خلق منها وبهذا فإن فرضية خلق حواء أولاً لايمكن أن تتحقق وهي غير قائمة بنسبة 100%

%d مدونون معجبون بهذه: