أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ۩ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ۩ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ۩ وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ۩ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً، وافتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين. اللهم آمين.

أما بعد، أيها الإخوة في الله، أيتها الأخوات:

أُحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، وأود في البداية أن أشكر لكم جميعاً حضوركم وبالذات لأخواتنا الفاضلات هذا الحضور وهذا الحرص على أن يتفقهن في الدين، فهذا أيضاً من ضمن واجباتهن الشرعية، نسأل الله – تبارك وتعالى – لنا ولهن جميعاً حُسن الفقه في الدين وجميل طاعة رب العالمين سُبحانه وتعالى.

أيها الإخوة:

موضوع الطاعة – طاعة الزوجة لزوجها – موضوع كما يُقال كثير الشعوب وطويل الذيول وفيه كلامٌ كثيرٌ نفياً أو إيجاباً وسلباً، لأن الحديث عن الطاعة يستدعي مُباشَرةً الحديث عن النشوز، ولعله من الصعب أو من الصعوبة بمكان أن نتحدَّث عن الطاعة دون أن نتحدَّث عن النشوز، لكن قبل أن نتناول أطراف هذا الموضوع أُحِب أن أُشير إلى حقيقة واضحة لكنها لوضوحها وبداهتها قد تغيب، موضوعنا اليوم – أيها الإخوة والأخوات – ليس موضوعاً مُطلَقاً وليس موضوعاً عاماً، ليس موضوعاً مُطلَقاً عن القيود وليس موضوعاً عاماً يعم كل الإناث بعنوان أنوثتهن، إنما هو موضوعٌ مُختَصٌ بالإناث الأزواج، أي بالزوجات، فالحديث عن طاعة الزوجة وليس عن طاعة الأُنثى أو طاعة المرأة هكذا بإطلاق وبعامة، إنما عن طاعة الزوجة، وإلا فالأُنثى منظوراً إليها باعتبارها أُماً هي واجبة الطاعة، أي أن تُطاع لا أن تُطيع من قِبل أبنائها ومن قِبل بناتها، أليس كذلك؟ لذلك حديثنا عن طاعة الزوجة، ليس عن طاعة المرأة بشكل عام، وإنما هناك مجالات تُطاع فيها المرأة كما قلنا، كأن تُطاع الأم من قِبل أولادها عامة ذكوراً وإناثاً، فلها عليهم حق الطاعة والبر والاحترام والاحتشام وحفظ المنزلة والمقام، إلى آخره!

ندخل الآن بحول الله – تبارك وتعالى – وتوفيقه في موضوعنا، ونبدأ بالآيات والأحاديث المفاتيح في هذا الموضوع، والأحاديث أكثر من الآيات.

لفظ الطاعة مُختَصاً بالزوجة ورد في آية واحدة من القرآن العظيم من سورة النساء، أعني قوله – تبارك وتعالى – وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ – أي من أزواجكم، من نسائكم – فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ – واضح من السياق أن هذه الطاعة في مُقابِل النشوز المذكور، لذلك فسَّرها بعضهم ككثير في الحقيقة من المُفسِّرين والعلّامة المُجتهِد ابن حزم الظاهري رحمة الله عليهم أجمعين بأن الطاعة فيما يخص موضوع الوقاع أو الجماع، وليست أيضاً الطاعة هكذا بالمُطلَق – فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۩، لذلك قال السادة العلماء ليس للرجل الوقّاف عند حدود الله – تبارك وتعالى – سبيل على المرأة الصالحة ولا حتى بالوعظ، أي ليس عليه أن يتأستذ على المرأة الصالحة وكل يوم يُعطيها موعظة بليغة أو موعظة مُسهَبة، لا! الوعظ والتذكير بحقوق الزوج وأن تتقي الله فيه لا يكون إلا للمرأة الناشز، أما المرأة الصالحة الحافظة للغيب بما حفظ الله والواقفة عند حد الله ليس له أن يأخذها بسوط وتهييب الوعظ كل يوم أو كل حين، هذا ما قاله السادة العلماء.

أما الأحاديث فهي – كما قلنا أيها الإخوة والأخوات – كثيرةٌ جداً، لذلك سنكتفي ونجتزئ منها – إن شاء الله تبارك وتعالى – بالقدر الذي يتسع له هذا المقام.

من هذه الأحاديث ما أخرجه الإمام الترمذي في جامعه الصحيح – رحمة الله تعالى عليه – عن قيس بن سعد، قال – رضيَ الله عنه وأرضاه – أتيت الحيرة – ذكرنا الحيرة أعتقد في الدرس السابق، وقلنا على شاطئ الخليج، وهي في ظهر الكوفة كما قال صاحب المُعجَم، أي مُعجَم البُلدان، تبعد عنها نحو ثلاثة أميال، الآن تُسمى النجف، الحيرة الآن تُسمى النجف، هذه هي الحيرة – فرأيتهم يسجدون لمرازبتهم – المرزبان هو الفارس المُقدَّم الشجاع الذي له نوع سُلطة وظهور على قومه دون الملك، يُسمى المرزبان ويُجمَع على مرازبة – فقلت – أي في نفسي – لرسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – أحق أن نسجد له، الرسول أعظم من هذا المرزبان، لماذا لا يُسجَد له؟ هكذا! قال فلما رجعت إلى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قلت له يا رسول الله أتيت الحيرة… إلى آخر الكلام، لا نُحِب أن نذكره مرة أُخرى، المُهِم أنه نفس الكلام، فقال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – يا قيس بن سعد لو مررت بقبري أكنت ساجداً له؟ قلت لا، قال فلا تفعل، لا تسجد لي لا حياً ولا ميتاً، السجود لمَن؟ للحي الذي لا يموت، وأنا أموت! أنا أموت وأُوضَع في التراب، لا يُسجَد لمثلي، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

هذا الحديث أوحى لي بمعنى لطيف جداً يندر تناولها، إن شاء الله سنتناوله في خُطبة الجمعة القادمة إذا مد الله في فُسحتنا جميعاً، إن شاء الله تعالى، قال فلا تفعل، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، وذلك لما جعل الله له عليها من حقٍ.

هذا الحديث في إسناده كلام أو بعض كلام، لكن شواهده التي يتقوّى بها كثيرةٌ جداً، لذلك لم يفت أبا عيسى الترمذي – قدَّس الله سره الكريم – أن يقول وفي الباب عن مُعاذ وأنس وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن أبي أوفى وطلحة بن عليّ وأم سلمة وغيرهم، فهذا الحديث يتقوّى بشواهده، فهو حديث حسن لا ريب.

أستغفر الله العظيم، أنا أخطأت، هذا الحديث أخرجه أبو داود، الذي أخرجه الترمذي حديث أبي هُريرة، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لكن الحديث – حديث بن قيس – هو في أبي داود وأستغفر الله، لكن ما ذكرناه عن الترمذي صحيح، والذي رواه الترمذي من حديث أبي هُريرة رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

هناك حديث أيضاً النسائي، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا ماتت المرأة وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة، وفي معناه الحديث المشهور إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبوابها الثمانية شئتِ، إذا كان هذا جزاء الطاعة ففي المُقابِل جزاء الخروج عن الطاعة والنشوز ومُغاضَبة الزوج ومُلاحته ومُناغَصته والتنكيد عليه هناك الحديث المُخرَّج في الصحيح وهو حديث أخبر فيه النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن النساء يدخلن جهنم، وأكثر ما يكون ذلك بسبب كُفران الزوج، سماه كُفران العشير والعياذ بالله تبارك وتعالى، هذا أكثر ما يُدخِل النساء نار جهنم، كُفر الزوج! أي لا تعترف لا بفضله، لا بنعمته، ولا بتعبه، لا تُقدِّر جُهده ولا تُقدِّر سعيه، هذا يُدخِلها النار والعياذ بالله، وهذا حديث صحيح.

في خصوص طاعة الزوجة لزوجها في مسألة العلاقة الجسدية هناك الحديث المُخرَّج في الصحيحين وعند أحمد وعند ابن حبان والحاكم ومُخرَّج في كُتب السُنن، حديث مشهور جداً، يكفي أنه في الصحيحين طبعاً، إذا دعا الرجل زوجته إلى الفراش فأبت – وفي رواية فأبت عليه فباتت وهو غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تُصبِح، وفي رواية لعنها الذي في السماء، وفي رواية حتى ترجع، وهناك ألفاظ أُخرى أيضاً! ولذلك روى الإمام أحمد في مُسنَده أن على المرأة أن تُطيع زوجها إذا دعاها إلى الفراش وإن كانت على قتب، أي وإن كانت على ظهر الجمل أو الناقة، ومثله حديث الترمذي وإن كانت على التنور، بمعنى أنها تكون مشغولة في عمل من أعمال البيت.

هذه الأحاديث مثلها كثير، لكن نكتفي بهذا القدر – إن شاء الله تبارك وتعالى – لنخوض بعد ذلك في أمر أقل وضوحاً وأكثر التباساً عند المُسلِمين عموماً وخصوصاً الرجال، بعض الرجال يستعين بهذه النصوص الكريمة الصحيحة والحسنة لكي يتعسَّف ويُبالِغ في استخدام هذا الحق المُعطى له شرعاً – باسم الشارع الحكيم – ولكي يفرض على المرأة نوعاً من الولاية ونوعاً من الوصاية ونوعاً من القهر ونوعاً من الابتزاز للحقوق وللأموال، بل ليُحيلها في نهاية المطاف – وهذا للأسف ملحوظ من بعض الرجال في كل عصر – إلى مُجرَّد موضوع، وهي في حقيقة الأمر ذات، المرأة ذات بإزاء ذات، كما الرجل ذات هي ذات، هو شخصية وهي شخصية، لكنه يُحِب أن يُحيلها إلى مُجرَّد موضوع استناداً إلى هذه النصوص وإلى فهم مُغبَّش وغائم وعائم وغير دقيق وغير مُقنَّن فقهياً وعلمياً وليس عليه دليل حتى، ليس عليه دليل! الآن سوف نرى كيف فهم السادة الأئمة والعلماء هذه النصوص وما هي الحدود التي وضعوها للطاعة، هل هي طاعة مُطلَقة في كل الأمور – في كل مُشتهيات الزوج، في كل رغائبه، وفي كل مُريد – فيصل بها إلى حيث يُريد أم أن لها حدوداً وضوابط دقيقة؟

ولعل لخطورة هذه الأمر وحراجته وحساسيته وعدم وضوحه والتباسه تكرَّر مُصطلَح حدود الله – عز وجل – في سورة النساء ما لم يتكرَّرها في غيرها من السور، أكثر سورة تكرَّر فيه قولى تعالى تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۩ أو كلمة حدود أو مُركَّب حدود الله هي سورة النساء، كأن الله يُريد أن يقول الحياة الزوجية والعلاقة الأسرية ينبغي أن تكون محكومة بضوابط، هذه الضوابط تُبيِّن لنا حدود الله – تبارك وتعالى – التي مَن يتعدها فقد وقع في ظلم نفسه – والعياذ بالله تبارك وتعالى – إذ ظلم غيره.

فلنبدأ من حيث انتهينا في الفقرة السابقة – أيها الإخوة والأخوات – لنقول إن مُجمَل بل تفاصيل العلاقة الزوجية بين الزوجين محكومة بجُملة قواعد قرآنية، في رأس هذه القواعد ما دل عليه قوله – تبارك وتعالى – ونحوه أيضاً – أي نحو هذا القول وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، إذن هذه الآية ناطقة صراحةً بأن المرأة ذات مُقابِل ذات، لا موضوع مُقابِل ذات، بعض الناس – كما قلت – يُريد أن يُحيل المرأة إلى ساحة وإلى مساحة لإظهار سطوته ورجولته وبطشه وتعسفه والتنفيس حتى عن عُقده ومشاكله ومُركَّباته، وهكذا تستحيل المسكينة إلى مُجرَّد موضوع، وهي في الحقيقة ذات مُقابِل ذات، لها مثل ما عليها، وله مثل ما عليه، فهما يتبادلان الحقوق والواجبات على سواء حسبما رسم الشارع الحكيم في الكتاب وصحيح السُنة.

إذن وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، لذلك نقول إذا كان للرجل نوع قوامة وسُلطة بلا شك في بيته فللمرأة مثل ذلك، لسنا الذي نقول ذلك، النبي هو الذي قال ذلك، في الحديث المُخرَّج في الصحيح قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ – هكذا في هذه الرواية بالواو، قال والأمير راعٍ – ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عن رعيتها.

إذن لها نوع إمارة ونوع قوامة ونوع تسلط أيضاً، ولذلك رأيها – أيها الإخوة والأخوات – في شؤون الأُسرة مُعتبَرٌ كرأي الزوج ومحكومٌ بعموم قوله – تبارك وتعالى – وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩.

من فروع ذلك ما نص عليه المولى الجليل – تبارك وتعالى – في سورة البقرة، أعني قوله – عز من قائل – وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا – يعني الزوجين مع أنهما ليسا في قيد الزوجية، هذه الآية بإجماع المُفسِّرين في الزوجين اللذين انفك قيد زوجيتهما، المرأة المُطلَّقة – فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۩، يعني إذا اتفق الزوجان المُطلَّقان، إذن الزوجان الباقيان في قيد الزوجية أحرى وأولى بثبوت هذا المعنى لهما.

فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا ۩، ما معنى فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا ۩؟ أي فإن أرادا أن يفطما الرضيع، هذا معنى فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا ۩، ليس معناها فإن أرادا طلاقاً، هما أصلاً مُطلَّقان، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا ۩ أي فإذا أرادا فصام وفطام هذا الرضيع، يقول تعالى عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ ۩، قال الإمام المُجدِّد والسيد المُصلِح محمد رشيد رضا في كتابه الشهير نداء إلى الجنس اللطيف وهذا في الزوجة المُطلَّقة، فلأن أن يكون في الزوجة الباقية في الزوجية أحرى وأولى.

إذن هذه آية عجيبة جداً ومفتاحية أيضاً في هذا الموضوع بالذات، تُؤكِّد على أن درجة الرجل وقيمومة الرجل في الأُسرة ليست قيمومة أو قوّامية تسلط وقهر واستبداد بالرأي، إنما قيمومة رعاية ومسؤولية وانفاق وحدب ورحمة، وأيضاً العلاقة بينهما علاقة تشاور وتعاون، خاصة فيما يخص الأُسرة وشؤون الأُسرة.

موضوع تزويج البنات، مع أن الولاية للأب وليست للأم إلا أن النبي قال في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد آمروا النساء في بناتهن، حتى في هذا الموضوع لا يستبد الأب أو الزوج دون الأم أو الزوجة برأيه في تزويج ابنته، وإنما أمر رسول الله وقال آمروا النساء في بناتهن، وأيضاً هذا فرع قوله وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩.

وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩ في تأويلها وترجمتها قال ترجمان القرآن ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – إني لأتزيَّن لزوجتي كما أُحِب أن تتزيَّن لي، وهذا أخذاً من هذه الآية، لأن الله يقول وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، أنت تُحِب أن تتزيَّن لك، يجب عليك أيضاً أنت أن تتزيَّن لها وأن تتجمَّل، إني لأتزيَّن لزوجتي كما أُحِب أن تتزيَّن لي، وما أود أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستنظف هي كل ما لها علىّ من حق، لأن الله يقول وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، شيئ غريب! هذا هو الفقه الراشدي، هذا هو الفقه السلفي، هذا هو فقه أصحاب محمد، صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، ليس فقط أن يكون الرجل – كما قلنا – مُغرَماً بسوق الآيات والأحاديث التي تنص على حقوقه وعلى وجوب طاعته دون أن يُؤدي هو أكثر ما عليه، بالعكس! يجب عليك أن تُعامِل بالعدل والإنصاف وبالمثل، إذا أردت أن تستوعي حقوقك فإذن لها هي أن تستوعي كل حقوقها، فالأفضل إذن التسامح، أن أتنازل عن بعض وأن تتنازل هي عن بعض.

ابن جرير الطبري في تفسيره يروي عن ابن زيد في تأويل هذه الآية أيضاً قوله الآتي، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، قال – رحمة الله عليه – اتقوا الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيكم، نفس الشيئ! مُراعاة حقوق الله من الجانبين.

من الآيات أيضاً المفتاحية التي يُمكِن أن تضح بها حدود الطاعة المأمور بها شرعاً قوله – تبارك وتعالى – وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، أيضاً مفتاحية أُخرى، ولذلك سنُفرِّع على هذه الآية الكريمة مسألة واحدة، لأن المُتفرِّع عنها عشرات المسائل، لكن هذه مسألة لها حساسيتها أو حسّاسيتها الخاصة فيما يتعلَّق بقضية العلاقة الجسمانية أو الجسدية.

وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، من المُعاشَرة بالمعروف الآتي، وهذا السؤال يتردَّد هنا كثيراً، في الغرب بالذات يُقال إنكم يا معاشر المُسلِمين وإن نبيكم الكريم – عليه الصلاة وأفضل السلام – تُؤكِّدون دائماً على وجوب أن تُلبي المرأة نداء زوجها إلى الفراش، وإلإ فطبعاً هناك التثريب والوعيد باللعنة والعياذ بالله تبارك وتعالى، فما للمرأة في ذلك؟ نقول الأصل أن لها مثل ما للرجل، وقد صرَّح به بعض الأئمة، لكن لم يُذكَر في الحديث هكذا صراحةً، لماذا؟ لأن غالب الحال أن المرأة تستحي من طلب ذلك، تستحي! الرجل لا يستحي، يطلب ذلك وبشكل مُباشِر، أما هي فقد تشتهي ذلك إلا أنها تستحي، لكن هذه الآيات في عمومها وبعمومها تُثبِت لها من الحقوق مثل ما عليها أيضاً من الواجبات، لذلك إذا فهم الرجل أنها تدعوه عليه أن يُلبيها ما دام في وسعه، والآن سيُطرَح السؤال بل سينطرح من ذاته: إذا دعاها هو وليس في وسعها؟ لا شيئ عليها، لا تأخذوا بظواهر الأحاديث، والأحاديث تدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور، لا! هذا في الحالة العادية، بحيث أنها لا تتأذى لا جسمياً ولا نفسياً لكنه تتأبى عليه هكذا مُغاضَبةً ومُناغَصةً، هذه الموعودة باللعن وبالغضب والعياذ بالله، أما إن كانت تتضرَّر فليست موعودة بذلك.

فمثلاً هناك التضرر والتأذي الجسماني، وقد ذكر السادة الفقهاء مسألة مشهورة جداً في فقه العلاقات الزوجية وهي مسألة المرأة التي تكون نضو الخلق، تكون نضو الخلق أي تكون مهزولة، ليست بادنة وإنما مهزولة، قد تتأذى حتى بهذه العلاقة الجسمانية، قالوا عليه ألا يطأها، لأن في هذا إضراراً بها، ولا ضرر ولا ضرار، ولم يقولوا الأحاديث صريحة أبداً، لأنها تتضرَّر، والضرر مرفوع.

المرأة إذا كانت في حالة نفسية لا تسمح – في حالة اكتئاب، في حالة حزن، في حالة بؤس ربما لموت قريب وربما لأي ظرف نفسي أو اجتماعي آخر حاق بها – فأيضاً على الرجل ألا يُثقِل عليها بهذا الطلب، فإن طلب منها وتأبت فهي لا تدخل في هذا الوعيد، لماذا؟ لأنها معذورة، لأن لها عذراً، تتضرَّر نفسياً هي من ذلك، وهو عليه أن يفهم.

طبعاً هذه قضية فيها تفاصيل ودقائق كثيرة جداً جداً، تعود ليس فقط إلى حدود وآداب لياقية كما قال وأشار الإمام القرطبي، قال هذا يُؤخَذ باللبق، أي مسألة لباقة وحذاقة هذه، مسألة تربية! ليست مسألة شهوة جسمانية يتعاطاها الرجل بطريقة حيوانية فقط، لا! لذلك النبي نفسه هو الناهي – عليه الصلاة وأفضل السلام – والمُتعجِّب من الرجل يضرب زوجته في أول النهار ثم هو يُضاجِعها في آخره، عجيب جداً! النبي قال كيف هذا؟ كيف تستطيع؟ أهي علاقة بهيمية؟ وبالذات هذه العلاقة وبالذات من جهة المرأة أكثر منها – حتى نكون علميين – في جهة الرجل – سُبحان الله – علاقة تقوم على أُسس عاطفية وأحاسيس عالية ومشاعر مُرهَفة أكثر منها مُجرَّد حاجة غرزية بدنية، لذلك المرأة إذا لم تكن في ظرف نفسي يُؤهِّلها لذلك فالأحسن أن يُهيء الرجل هذا الظرف أو الأحسن ألا يُضيِّق عليها بهذا الطلب الثقيل، وهذا كله في باب الأعذار!

الحافظ ابن حجر في فتح الباري – رحمة الله تعالى عليه – قال الآتي، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال فبات عليها غضبان، أي زوجها، قال يتوجَّه به اللعن، الذي يتوجَّه – أي يتبرَّر – به لعن الملائكة هو ماذا؟ أن يبيت غضبان عليها حين أبت أو تأبت عليه من غير عذر، فإما أذا لم يغضب لأنه يعذرها ويعرف أنها معذورة فلا لعن، انتبهوا! النبي قال فبات غضبان عليها، إذا لم يغضب فالأمر مُنتهٍ، إذا أسقط حقه أو سامح في حقه لما يعلم من عذرها فلا لعن أيضاً، لا لعن! إذا كان هو الذي غاضبها وهجرها أولاً وهي كافأته بذلك فلا لعن أيضاً، وهذا من دقيق فهمه رضيَ الله عنه وأرضاه، صعب أن تجد بعض المُتحذلِقين الآن وكسور المُثقَّفين يفهم هذا الفهم، لكن إمام كابن حجر يفهم مثل هذا الفهم، أي إذا كانت هي التي بدأت بمُغاضَبته وهجرته بغير عذر وغضب هو فنعم هي ملعونة، إن كانت قد أسلفت ذنباً ولم تستنصل – وأيضاً هذا نصه – من ذنبها ثم هجرته هي أو هجرها هو غاضباً أيضاً يتوجَّه اللعن، أما إن كان هو الذي بدأ بهجرها ظلماً فكافأته هي – لا تُريد الآن لأنها مُتشوِّشة نفسياً – فلا لعن عليها، هكذا!

الأحاديث التي تُؤكِّد أن على الرجل أن يفي بحق المرأة في هذا الجانب كثيرةٌ جداً، وهي مُناقِضةٌ لبعض الذين فرَّطوا في تقرير حق المرأة في هذا الجانب بالذات كفقهاء الشافعية مثلاً بالذات وخصوصاً للأسف الشديد، هي في حال مُعارَضة مع هذا الاتجاه الفقهي الذي لا يدعمه الدليل، كثيرة جداً! منها حديث عثمان بن مظعون – وهو حديث مشهور وصحيح – الذي كان يصوم النهار ويقوم الليل فترك زوجته وكأنه لا زوج لها، حتى أضاعت نفسها، تركت نفسها وأضاعتها، لم تهتم بنفسها ولا بجمالها ولا بلباسها، إلى آخره! فبلغ ذلك النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – فاستدعاه إليه وقال له أرغبة عن سُنتي يا ابن مظعون؟ قال بل سُنتك أُريد يا رسول الله، فأخبره أن من سُنته أنه يصوم ويفطر ويُصلي ويستريح ويرقد في الليل وينكح النساء، وأخبر في حديث آخر – والقصة مُتشابِهة – أن مَن رغب عن سُنته فليس منه، هذه سُنة الرسول، وهذا من حق الزوجة، قال له إن لزوجك – وفي رواية إن لأهلك – عليك حقاً، وإن لزورك – أي لزوّارك، لضيفك – عليك حقاً.

مثل هذا الحديث الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضيَ الله عنهما، وفيه يقول النبي ألم أُخبَر يا عبد الله عنك أنك تصوم ولا تُفطِر وأنك تقوم ولا ترقد؟ قال نعم يا رسول الله، المُهِم أخبره أيضاً أن لأهله عليه حقاً، وأن لعينه عليه حقاً، وأن لجسده عليه حقاً، وأمره بإيفاء أصحاب الحقوق حقوقها، أمر واضح جداً!

لذلك ابن حزم – رحمة الله تعالى عليه – علَّق على هذه الأحاديث وأمثالها بقول لطيف جداً له على عادته، قال ويُجبَر عليه إن تركه تأديباً له، أي يُجبَر على مُواقَعة زوجته بالقوة، بقوة القاضي! ويُمكِن حتى أن يُضرَب، يُمكِن أن يُضرَب لأن هذا من حقها عليه، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

طبعاً هناك حديث الثلاثة الذين أيضاً أتوا أبيات زوج النبي وقالوا ما قالوا، الحديث مشهور وصحيح أيضاً، والوقائع التي تحكي لنا مُطالَبة النساء سواء من الصحابيات أو غيرهن في الأعصار التالية بحقهن في هذا الجانب أيضاً كثيرة ومشهورة وصحيحة، لا نُطوِّل بذكرها، نكتفي في تقرير هذه النُقطة بهذا القدر إن شاء الله تبارك وتعالى.

ونسأل الآن السؤال بطريقة مُحدَّدة، ما هي حدود هذه الطاعة الواجبة، أي الواجبة على المرأة بإزاء زوجها؟ باختصار كلام السادة الفقهاء من المذاهب المُختلِفة كالآتي، جعلوا هذه الطاعة في أمرين رئيسين، ولذلك عرَّفوا النشوز بمُخالَفة المرأة عن طاعة زوجها في هذين الأمرين الرئيسين، إذن أمران اثنان! ليس في كل الأمور وهكذا بالمُطلَق، الأمر الأول هو ما يتعلَّق بالفراش، وقد فصَّلنا فيه القول بما يتسع له المقام قُبيل قليل، فهمنا كيف يتم هذا الأمر، والأمر الثاني هو قرارها في بيتها وعدم خروجها إلا عن إذنه، أي إلا بإذنه، فليس لها أن تكون خرّاجة ولّاجة في أي وقت وفي أي حال وفي أي شأن دون أن يعلم هو، فيأتي – مثلاً – إلى البيت ولا يجد زوجه، ولا يجد امرأته! وربما يكون به إليها حاجة معنوية أو مادية أو أي شيئ، فليس لها أن تخرج إلا بإذنه، سنُفصِّل في موضوع الإذن بعد قليل إن شاء الله تعالى.

الآن قبل أن نُفصِّل في موضوع خروجها من بيتها وما هي القواعد الحاكمة في هذا الموضوع والضوابط الضابطة له نُحِب أن نقول قبل ذلك أو بين يدي ذلك:

أولاً ليس للزوج على زوجته حق الطاعة فيما يختص بخدمتها في البيت، وهذا هو رأي جمهور العلماء، بمعنى أنه ليس واجباً على المرأة أن تخدم زوجها وأولاده الذين هم أولادها في البيت، أي لا أن تطبخ ولا أن تعجن ولا أن تكوي الملابس ولا أن تُعد الطعام ولا… ولا… ولا… ولا أي شيئ! وهذا رأي السادة الحنابلة – انتبهوا – والسادة الأحناف والسادة الشافعية في كلا حالتي الإعسار والإيسار، سواء كان مُعسِراً لا يستطيع أن يأتي بخادم أو خادمة أو سواء كان مُوسِراً ويستطيع ذلك ليس يجب عليها ذلك، أما السادة المالكية فقالوا ليس يجب عليها ذلك، وهذا هو تقرير مذهب المالكية، لأن البعض يقول المالكية خالفوا، لم يُخالِفوا هكذا بالمُطلَق، وإنما قيَّدوا! قالوا يجب عليها خدمته في البيت وخدمة أولاده في حال إعساره، لا يستطيع أن يأتي بخادم، أيضيع البيت؟ لا يستطيع! أما إن كان مُوسِراً بحيث يستطيع أن يُخدِمها خادماً أو خادمةً فليس يجب عليها.

إذن هذا رأي الجماهير أيها الإخوة والأخوات، وهذا غائب عن عموم المُسلِمين والمُسلِمات، والرجال بالذات لا يُحِبون مَن يُذكِّر به، وقد غضبوا علىّ مرة لأنني ذكرته في خُطبة جُمعية، هذا الفقه والله يا أخي، لا تُناقِش عدنان، اذهب وناقش المذاهب الأربعة وعشرات آلاف العلماء الذين قرَّروا هذا في كُتبهم، لأن ليس هناك دليل على وجوب خدمتها، سنُناقِش الآن بعض ما يُقال إنها أدلة بسرعة لكنها ليست أدلة.

طبعاً إلى هذا المذهب ذهب أيضاً الإمام ابن حزم، الذي هو ليس مُقلِّداً إنما مُجرَّد رجل مُجتهِد، يجتهد في حدود ما لاح من الأدلة الصحيحة الرجيحة، قال بهذا وأيضاً فصَّل، قال – رحمة الله تعالى عليه – بل يجب عليه أن يُحضِر لها كسوتها مخيطةً، فقط تلبس! فإن أحضر لها قماشاً يحتاج إلى صباغ وإلى قصار وإلى خياطة فهذه ليست كسوة، ليست الكسوة المأمور بها شرعاً! ويجب عليه أن يُحضِر لها رزقها – أي الطعام – مطبوخاً وليس نِيْئًا، ممنوع أن تُحضِره نِيْئًا وتقول لها اطبخي، لا! هذا ليس رزقاً، الرزق ما كان مُعَداً للأكل مُباشَرةً، أي خُبز مخبوز وطعام مطهو ومطبوخ، قال يجب عليه ذلك، إلى آخر هذه الأمور! ثم رد قول مَن أوجب خدمتها، وسنرى بماذا استدلوا وكيف رد على ذلك ابن حزم.

أشهر وأقوى ما احتجوا به حديثان مشهوران، هناك حديث أسماء بنت الصدّيق رضيَ الله تعالى عنهما، طبعاً لأن أسوقه لأنه طويل، زُهاء صفحة طويلة، وهو حديث مُخرَّج في الصحيح، وذكرت عن نفسها ومن شأنها أنها كانت تخدم الزُبير وكانت تسوس فرسه بالذات وتلقط له النوى وكانت تحش له وكانت تأتي بالنوى من ثُلثي فرسخ، المُهِم حتى ذكرت في النهاية أن أبا بكر – أباها – أخدمها خادماً، تقول فكأنما أعتقني، كانت تقوم هذه الخادم بسياسة الفرس، لأن سحابة النهار كلها كانت تقضيها في سياسة هذا الفرس ولقط النوى ثم طحن هذا النوى ثم تقديمه، والمسافات بعيدة! قالت فكأنما – تعني أباها – أعتقني، ثم – الدليل الثاني وهو أيضاً حديث في الصحيح، في البخاري وغيره – حديث خدمة – فاطمة عليها السلام – البتول الزهراء في بيت زوجها عليّ عليه السلام ورضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، كانت تعمل بيديها، تطحن بالرحى حتى مجلت يداها، أي غلظ جلدهما ونفطت، وكانت تستقي حتى أثَّر ذلك في عاتقها وفي رقبتها عليه السلام، وكانت تكنس البيت حتى اغبرت ثيابها كما في البخاري، المُهِم سمعت أن الرسول – أباها عليه الصلاة وأفضل السلام – آتاه خدم، فبعثت عليّاً ليأتي بخادمٍ، إلى آخر الحديث! المُهِم أن النبي دلها على شيئ هو خيرٌ لها من ذلك، قال يا فاطمة بنت محمد اتق الله واعملي في بيتك، فإذا أخذتِ مضجعك – في حديث آخر أو في رواية أُخرى في البخاري النبي وصى بذلك الاثنين، أي الزوجين، قال إذا أخذتهما مضاجعكما، هنا قال فإذا أخذتِ مضجعك – فسبحي الله ثلاثاً وثلاثين واحمديه ثلاثاً وثلاثين وكبِّريه أربعاً وثلاثين، فذلك خيرٌ لك من خادم، قالت رضيت عن الله ورسوله، فقالوا فإذا خدمت مثل هاتين الفاضلتين – أسماء وفاطمة عليها السلام – فمَن مِن النساء بعد ذلك تتأبى على الخدمة؟ هذا دليلهم! لكن رده ابن حزم والحق معه، قال ليس في الحديثين أن هذا واجب عليهما، لا تُوجَد شُبهة أن ذلك واجب، وإنما كانتا مُتبرِّعتين، ونحن لا نمنع من التبرع، بل نقول إن خدمتها نفسها وأهلها ولدها وزوجها أفضل لها، هذا أفضل! وهذا من المعروف بين الناس، لكن ليس واجباً شرعياً، مقاطع الحقوق التي يحصل بها الإفتاء والإلزام بالقضاء الشرعي لا تُؤخَذ بالتبرع، إنما تُؤخَذ بالأدلة الشرعية الثابتة، قال ابن حزم ولا دليل!

إذن – أيها الإخوة والأخوات – حق الزوج – كما قلنا – في نطاقين مُحدَّدين، فيما يخص الفراش وفيما يخص القرار في البيت، فيما يخص القرار في البيت إذا كانت المرأة تُزاوِل مهنةً أو حرفةً كأن تكون طبيبة أو مُدرِّسة – إلى آخره – وأذن لها زوجها الإذن العام فلا تحتاج أن تستأذن كل يوم، هو مُنذ البداية قال لها نعم أنا مُوافِق أن تعملي مُعلِّمةً، انتهى! إذن يجوز لها أن تخرج في كل وقت يقتضيه عملها أو تقتضيه المهنة، انتهى! هذا اسمه الإذن العام.

الإمام محمد أبو زُهرة المصري – رحمة الله تعالى عليه – يقول أحياناً قد يدّعي الزوج – أي يرفع دعوى على زوجه أمام المحكمة وأمام القضاء – بالمنع – يطلب منعها من الخروج ومُزاوَلة المهنة – وليس قصده من ذلك إلا ابتزاز مالها، أي أنها تعمل وهو أراد أن يأخذ من مالها لكنها أبت، تقول له هذا مالي وأنا حُرة فيه، فهو يُريد أن يبتز مالها، فيُريد منها أن تبقى في البيت، وليس قصده فعلاً إمساكها في البيت وإنما قصده ابتزاز أموالها، يقول أبو زُهرة وفي مثل هذه الحالة يظهر للقاضي سوء مقصده وتُرفَض الدعوى لأنها دعوى كيدية، لا تُسمَع! هذه الدعوى لا تُسمَع حتى أمام القضاء، وهذا ما يفعله للأسف كثير من الرجال، يمنعها أن تخرج لا لأنه يُريد لها القرار أو لأن حاجة البيت تستدعي ذلك، وإنما لكي يبتز مالها، هذه الدعوى لا تُسمَع حتى قضاءً.

الصحيح ليس للزوج أيضاً – أيها الإخوة والأخوات – أن يمنع أهله أو زوجته من صلة أرحامها، أن تزور أبويها أو تزور إخوانها أو أخواتها، ليس له ذلك، لأن هذا من باب قطع ما أمر به أن يُوصَل، وليس له هنا حق الطاعة، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، وفي رواية في معصية الخالق، كيف تحرمها من أبويها؟ كيف تحرمها من أرحامها؟

للأسف بعض الوعّاظ وما زالوا إلى اليوم يهرفون بما لا يعرفون، نكبة الفقه الإسلامي ونكبة حتى المزاج العلمي الإسلامي من هؤلاء الذي يهرفون بما لا يعرفون، اليوم أنا استمعت أيضاً إلى أحد الوعّاظ في فضائية – شيئ غريب – يتحدَّث ساعة كاملة وربما جاء بأثر واحد صحيح، كل ما أتى به بعد ذلك من آثار في موضوع مُعيَّن – لا نُريد أن نفضحه – هو ما بين موضوع وما بين هالك، إلا ما كان من أثر واحد كان صحيحاً، شيئ غريب جداً يا أخي، ولحية ومُعمَّم ويتكلَّم! يتكلَّم بما لا يعلم، فهؤلاء الوعّاظ أدمنوا على حديث كلكم وكلكن سمعتم به أيضاً، حديث المرأة التي سافر زوجها وأمرها أن تقر في بيتها، يضحكن الأخوات لأنهن ربما أردن أن يسألن عنه! أمرها أن تقر في بيتها وسافر، فاعتل أبوها – أي فمرض أبوها – فقيل لها تعالي زوري أباكِ، فاستأذنت النبي فقال اتق الله ولا تُخالِفي أمر زوجكِ، ثم قيل لها أبوكِ يُحتضَر، فجاءت النبي وقالت له يا رسول الله أبي يُحتضَر وزوجي منعني من الخروج، فقال اتق الله ولا تُخالِفي أمر زوجكِ، فمات أبوها، فأوحى الله – إلى هنا القصة – إلى النبي أن الله قد غفر لها – وليس كما يُردِّدون غفر لأبيها بطاعة زوجها، ليس هكذا! هكذا غفر لها – بطاعتها زوجها، الحديث ضعيف، لم يُصحِّحه أحد من العلماء لا قديماً ولا حديثاً، وآخرهم العلّامة الألباني – رحمة الله عليه – حكم عليه بالضعف، لم يُصحِّحه أحد! رواه الإمام ابن بطة – الحنبلي ابن بطة رحمة الله عليه – في كتاب أحكام النساء ورواه أبو القاسم الطبراني في المُعجَم الأوسط، قال الهيثمي في مجمع الزوائد وهو حديث ضعيف، لماذا نحتج بهذا الحديث الضعيف المُناقِض المُصادِم لظاهر القرآن الكريم؟ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ۩، هذه قطيعة رحم والعياذ بالله، ولذلك قال العلماء – وخاصة السادة الأحناف ودليلهم قوي لائح – للزوجة أن تخرج ولو بغير إذن زوجها كل أسبوع لزيارة أهلها أو أرحامها إذا كانوا في نفس البلدة، كل أسبوع مرة أذن أو لم يأذن، إذا لم يأذن تخرج من غير إذنه، لأن هذا من باب صلة الرحم الواجبة، ولا طاعة له في معصية الله، وهذا من أعظم المعصية، أعني قطيعة الرحم، هذا هو الصح!

اللهم صل على سيدنا محمد، أيها الإخوة:

قوله – تبارك وتعالى – وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩ يقتضي ألا يتخذ الرجل من بيت الزوجية سجناً لزوجته، ليس من المُعاشَرة بالمعروف أن يأمرها بالقرار في البيت بياض النهار وفحمة الليل من غير سبب، مع أنها لم تأت بفاحشة مُبيِّنة، إذ كان هذا عقاباً في أول الإسلام لمَن تأتي بفاحشة الزنا والعياذ بالله، أن تبقى في البيت لا تُغادِره ولا تريم، هذا كان عقاب الزانية، فليس من المُعاشَرة بالمعروف التشبّث بحق الطاعة وبظاهر مثل هذه النصوص وأن يقول لها ممنوع أن تخرجي إلى أي مكان أو ممنوع أن تقضي أي حاجة بسيطة أيضاً إلا عن إذني، نفترض أنه يتغيَّب، أي هذا الرجل! يتغيَّب ربما في النهار – مثلاً – عشر ساعات خارج المنزل، وتمس حاجتها أن تزول – مثلاً – جارتها في شأن من الشؤون، كالتعاون على الخير حتى أو على أي شيئ، هل لابد من الإذن في مثل هذه الحالة؟ أنا أقول من المُعاشَرة بالمعروف أن تخرج وأن يكون لها إذن عام في مثل كل هذه الحالات، فتخرج إلى حاجتها، هذا من المُعاشَرة بالمعروف، وليس من المُعاشَرة بالمعروف أن يُتخَذ البيت سجناً.

نعم هناك فرق بين هذه الحالة وبين حالة ما إذا كره الزوج أن تخرج زوجته إلى مكان مُحدَّد بالذات، هو لعلة مُعيَّنة أو لدافع مُعيَّن أو لسبب مُعيَّن يكره أن تزور شخصاً ما ليس من أرحامها، ليس مِمَن يجب عليها صلته، مثل إلى سيدة مُعيَّنة أو إلى جارة مُعيَّنة، هو – مثلاً – يتأذى، لا يرتاح! فهنا عليها أن تُراعي حقه وأن تُطيعه، إذا لزم أو إذا رأت ضرورةً للزيارة فعليها أن تُناقِشه وأن تُقنِعه بذلك، هو ربما يتخوَّف من شيئ – مثلاً – يُشكِّل هاجساً له وهو غير حقيقي، لا أساس له! لكن بعد المُناقَشة، لا تخرج عن طاعته في هذا الموضوع، وهذه حالة استثنائية، لكن من المُعاشَرة بالمعروف أن يأذن لها إذناً عاماً في أمثال هذه القضايا، مست حاجتها أن تأتي السوق تشتري شيئاً، أن تزور صديقةً لها، وأن تزور قريبةً لها أو جارةً لها، من المُعاشَرة بالمعروف أن يكون هناك إذن عام في مثل هذه الأمور، وفي الحقيقة هذا هو المعروف إلى يوم الناس هذا، أي رجل واعٍ وليس مهجوساً وليس شكّاكاً وليس ريّاباً فإنه يأذن لزوجه الإذن العام في هذه الشؤون لأنه يثق بها، يقول لها إذا مست حاجتك أن تخرجي إلى أي صديقة – كما قلنا – أو جارة أو قريبة أو هناك حاجة في السوق أو في غيره فعلى بركة الله إن شاء الله.

أُريد أن أذكر بعد هذا البيان ثلاثة أمور، الأمر الأول أن الأفضل مع ذلك بلا شك حتى إذا كان في عمله أو في كان حاجة له أن تُعلِمه، الآن موضوع الإعلام أصبح سهلاً عن طريق التليفونات Telephones، تقول له أنت ربما تعود الساعة الرابعة، وأنا سأذهب الآن – مثلاً – إلى جارتي أو صديقتي الفلانية، هذا الأفضل! كما أنه الأفضل أيضاً من جهة الزوج إذا أراد أن يتأخَّر – مثلاً – أو يذهب في حاجة أن يُعلِم أهله، يقول لهم سأتأخَّر وسأحضر بعد كذا وكذا – مثلاً – ساعة، هذا أفضل حتى لا يتحرَّك أو حتى لا يتشوَّش خاطر وقلب الزوجة والأهل، هذا أيضاً من المُعاشَرة بالمعروف، أنني إذا خرجت كرجل من بيتي أن أُعلِم أهلي وإذا أرادت أن تخرج أن تُعلِمني، هذا من المُعاشَرة بالمعروف، وأيضاً في عموم قوله وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، أيضاً أنا أُعلِمها كما عليها أيضاً أن تُعلِمني، هذا أفضل! وهكذا يُمكِن أن تحلو وأن تجمل الحياة والعشرة.

ثانياً لو قيل فإن أبى إلا منعها من الخروج في مثل هذه الأمور المُباحة أو المندوبة أحياناً – كالخروج إلى المسجد أو إلى درس علم أو إلى تعاطي خير من الخيرات ومبرة من المبرات – دونما سبب مشروع أو معقول قلنا هذا من التعسف، هذا اسمه التعسف في استخدام الحق، صحيح له عليها حق الطاعة لكن هو الآن أصبح مُتعسِّفاً في استخدام حق الطاعة، مثل هذه الحالة إذا أدمنها الزوج أو بالغ فيها وأفرط تُتيح وتُسوِّغ للمرأة أن ترفع أمرها إلى القاضي، والقاضي بعد ذلك يحكم بما شاء، طبعاً يقول قائل بماذا يُمكِن أن يحكم؟ بحسب الحالة، بالمُناسَبة الفقه الإسلامي تحدَّث عن المرأة التي تتضرَّر من نشوز زوجها، وطبعاً بعض الناس لا يستسيغ هذا المُصطلَح مع أنه مُصطلَح قرآني، كما يكون النشوز من المرأة يكون النشوز من الرجل، وعجبت من بعض الفقهاء قالوا والنشوز لا يكون من الرجل! ما هذا التفكير الذكوري؟ تفكير ذكوري مُصادِم للنص الكريم، قال – تبارك وتعالى – وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا ۩، غير مُمكِن! غير مُمكِن هذا الرد والطعن في صدور الآي الكريمات بمثل هذه الجسارة، لأنه غير مُتخيِّل كرجل أو كذكر أن يُقال إنه ناشز، الله قال! الرجل يُمكِن أن يُعتبَر ناشزاً، وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۩، إلى آخر الآية في أواخر سورة النساء، قال السادة الفقهاء في مثل هذه الحالة فالقاضي يأمر بها بالنفقة، أي رغماً عن الرجل! لأن الرجل قد يحبس عنها النفقة عقاباً لها، فتأخذ نفقتها بأمر القاضي، ثم يُعلِّق الطاعة، أي يأمر زوجته أن تتأبى عليه، ليست الطاعة في الفراش وإنما الطاعة في أمورأُخرى، طاعة الفراش بالذات حسّاسة جداً، لماذا؟ لأن الرجل صبره قليل وربما أفضى به ذلك إلى الفتنة، وهذا غير صحيح، مثل هذا لا يُؤمَر به، انتبهوا! لذلك هذا احتراز مُهِم جداً، لكن الطاعة فيما سوى ذلك، تُعلَّق الطاعة! أي أن المرأة الآن ناشز بأمر القانون، سوف تُكسِّر كلامه وتُكسِّر أوامره من أجل أن تُؤدِّبه، يقول الفقهاء فإن عاد – عاد إلى سواء السبيل وعاد إلى صفصف العدل – وإلا أمر القاضي بضربه بالعصا، حتى هو يُضرَب الآن! لأن المرأة لا تستطيع أن تُؤدِّب زوجها بالضرب، الرجل إذا نشزت زوجته فالقرآن أعطاه ثلاث وسائل للتأديب: الوعظ والهجر في المضجع ثم الضرب، موضوع الضرب موضوع طويل ويحتاج إلى تفصيل، المُهِم أنه لم يُعط المرأة مُباشَرةً – أي الشرع بطريق المُباشَرة – إلا الحق الأول، حق الوعظ! أن تعظه وأن تُذكِّره بالله وما إلى ذلك، لم يُعطها حق الهجر، وطبعاً لم يُعطها حق الضرب، في البداية كان هذا الحق مُتعارَفاً عليه في الإسلام، انتبهوا! أي أن الإسلام جاء من أول يوم فعلاً ليُسوّي بين الجنسين، بدليل ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم لكنه مُرسَل، السيوطي – رحمة الله عليه – زعم أنه يتقوّى بطرقه، لكن هو أثر أو خبر مُرسَل، أن امرأةً جاءت إلى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – مع أبيها – هذه زوجة سعد بن الربيع في الحقيقة، المُهِم أنها جاءت إلى النبي مع أبيها – تشتكي، فقال يا رسول الله سعد بن الربيع أفرشته كريمتي – أي زوَّجته ابنتي – فلطمها من غير حق، ضربها على وجهها من غير حق! فقال النبي القصاص، تلطمه كما لطمها، هذا كان هو الأصل المُتعارَف عليه، مثلما ضربها تضربه على وجهه، فذهبت مع أبيها وفي نيتهما القصاص، فأنزل الله – تبارك وتعالى – الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩، فقال إلىّ، فأعادهما وقال قضيت شيئاً وأبى الله غيره والخير ما قضى الله، انتهى هذا! طبعاً هذا يحتاج إلى تفسير وإلى تحليل، لو الإسلام أعطى المرأة مثل هذا الحق لفسدت كل حياة زوجية، مُستحيل أن تستقيم الحياة بمثل هذا، مُستحيل، انتهى! ستخرب الحياة، ولذلك استدرك الله – تبارك وتعالى – فأنزل هذه الآية الكريمة، على كل حال هو لم يُعطها هذا الحق، لكنه أعطاه لمَن؟ للقضاء الإسلامي، فللقاضي أن يضربه، أي للقاضي أن يُعلِّق طاعته وللقاضي بعد ذلك أن يأمر بضربه وهذا من العدل، هذا من العدل الذي راعته العقلية الفقهية.

يبدو أنني لن أستطيع أن أتكلَّم عن النشوز وهو الجُزء الثاني من المُحاضَرة لأن الوقت طال بنا وأُحِب أن أُتيح الفُرصة للسؤال والجواب والمُداخَلات إن شاء الله، لكن أُحِب أن أختم بمسألة عرضت لي أو تذكرتها، لها علاقة أيضاً بطاعة الزوج في مسألة الفراش، وهي ما ذكرته كُتب السادة الشافعية، أن من الأعذار المُعتبَرة شرعاً لإباء المرأة أن تُجيب زوجها إذا دعاها إلى الفراش هو صنان الرجل، بعض الناس – نسأل الله العافية لنا ولجميع المُسلِمين – والعياذ بالله يكون مُصاباً بهذا المرض، مرض عضوي مُعيَّن يجعل الرجل دائماً تفوح رائحة كريهة منه، أي من بدنه وخاصة من إبطه، موجود في بعض الناس على قلة لكنه مرض مُنفِّر وسيئ جداً، أنا أعرف أحد الأصدقاء – عافاه الله المسكين – كان يخرج من الحمام – أي يأخذ الدش – فإذا ما خرج واقترب منك تفوح منه رائحة كريهة جداً جداً، من كل جسمه! فهذا اسمه الصنان، رائحة كريهة جداً! فإذا كان الرجل مُصاباً بالصنان فهذا عذر يُبيح لزوجته أن تمتنع من قُربانه ولا تُعتبَر ناشزاً وليس له عليها حق الطاعة، وهذا من واقعية الشريعة الإسلامية، طبعاً مثل هذه الحالات لابد أن تنتهي إما إلى الطلاق وإما إلى الخُلع، وهنا رحمة الشريعة الإسلامية.

تحضرني قصة أيضاً في هذا الباب لطيفة جداً عن الفاروق عمر رضوان الله تعالى عليه، تحكي رهافة حسه وحدة ذهنه وعمق فهمه رضوان الله تعالى عليه، كان عمر في الحج – أيها الإخوة والأخوات – فسمع امرأةً تقول شعراً، ومَن ذا يفهم هذا الشعر إلا عمر وأمثال عمر؟! تقول:

فَمِنْهُنَّ مَنْ تُسْقَى بِعَذْبٍ مُبَرَّدٍ                         نُقَاخٍ فَتِلْكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ قَرَّتِ.

وَمِنْهُنَّ مَنْ تُسْقَى بَأَخْضَرَ آجِنٍ                     أُجَاجٍ وَلَوْلا خَشْيَةُ اللَّهِ فَرَّتِ.

فقال لها يا أمة الله أين زوجكِ؟ قالت هو ذاك، فقال له أتخلعها على خمسمائة درهم؟ فهم أن المرأة تشتكي وتشكو نكد عيشها مع رجل له رائحة كريهة جداً والعياذ بالله، وتأسف وتأسى على حالها حين تُقارِن بين حالها وبين حال غيرها من الأزواج، كالتي تُعاشِر زوجاً طيب الرائحة وطيب الريق، وهذه كناية بقولها تُسْقَى بِعَذْبٍ مُبَرَّدٍ، أي ريق الزوج، أما هي تُسْقَى بَأَخْضَرَ آجِنٍ، أسنانه مُصفَرة وريقه كريه جداً، أي أن المسكينة في حالة صعبة جداً، علم هذا لكنها لا تستطيع أن تختلع، لماذا؟ لأن ليس عندها مال، فالمسكينة تشكو حالها، علم عمر أنها لو كان عندها مال لاختلعت وانتهى كل شيئ، فلماذا؟ ما الذي يُقيمها على هذا النكد والنغص المُتواصِل؟ ففهم عمر مُباشَرةً وقال لها يا أمة الله أين زوجكِ؟ قالت هو ذاك، فقال له أتخلعها على خمسمائة درهم؟ قال نعم، وفعلاً اختلعت.

من رحمة الإسلام الآتي، وأيضاً اذكروا هذا لكل مَن يسألكم مِن الأوروبيين وغيرهم، يقولون الإسلام أعطى الرجل حق الطلاق، فماذا أعطى المرأة بالمُقابِل؟ أعطاها حق الاختلاع، هو دفع لكِ مهراً، ربما يكون هذا المهر ثمرة كده وكدحه لعشرين أو ثلاثين سنة، في بعض البُلدان المهر عالٍ جداً جداً ومُرهِق حقيقةً، مُعجَّل ومُؤخَّر وبقيم عالية للأسف خلافاً للسُنة، فالمُهِم هو أعطاكِ المهر، إذا أردتِ أن تُفادي نفسكِ أو تفتدي نفسكِ فعليكِ أن تُعيدي إليه المهر، الإسلام – سُبحان الله – في الخُلع بالذات – أذكر هذه المُلاحَظات الفقهية – وسَّع ما ضيَّق في الطلاق رحمةً بالمرأة، في الطلاق ضيَّق لكنه في الخُلع وسَّع، وسأذكر بعض الأمور.

أولاً الطلاق قد يقع رجعياً، أما الخُلع فإذا وقع وقع بائناً، لأن لا تُوجَد حكمة من وقوعه رجعياً، هي أصلاً تُريد أن تفتدي نفسها، فكيف تقول لي هي ترد المهر وكل شيئ لكنه بعد ذلك يستطيع أن يُعيدها إلى عصمته؟ غير منطقي، فإذا وقع وقع بائناً، أما الطلاق فيقع رجعياً، إذن هنا وسَّع وهنا ضيَّق.

ثانياً الطلاق – طلاق السُنة، الطلاق الماضي الصحيح، طلاق الدين – ممنوع أن يكون في حيضٍ مسها أو لم يمسها فيه، كما أيضاً يُمنَع أن يكون في طُهرٍ مسها فيه، أما الطُهر فيكون في كل ذلكم، في طُهر أو في حيض مسها أو لم يسمها، لماذا؟ لأنها تُريد أن تتخلَّص كما يُقال، فالله يُعجِّل لها بالفرج، ولذلك انظروا الآية التي ذكرناها قبل قليل، وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۩، أكثر الفقهاء لم يتنبَّه أن هذه الآية دليل على الخُلع أيضاً، هم يذكرون الآية الصريحة جداً في الخُلع وهي فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۩، نعم هذه نص في الخُلع بلا شك لكن أيضاً آية نشوز الرجل هي أيضاً دليل على الخُلع، لأن من هذه الأمور المُشار إليها الخُلع، كما فسَّره السادة المُفسِّرون، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

آخر شيئ، من أجمل الاستخلاصات التي قرأتها في هذا الموضوع – موضوع الطاعة – جُملة للشيخ المُصلِح رشيد رضا – رحمة الله تعالى عليه – في مناره، أي في تفسير المنار، قال على كل من الزوجين أن يلتزما ما أوجبه عليه الشارع بإزاء الآخر بشكل واضح ومُحدَّد وما عدا ذلك يجب عليهما أن يصيرا إلى المُشاوَرة، هكذا! قاعدة عامة واضحة وبسيطة جداً، أي ليس باسم أو بعنوان حق الطاعة أن الرجل يستبد برأيه في كل شيئ وأن على المرأة أن تسمع وتُطيع، لا! هناك أشياء – كما قلنا – مُحدَّدة وواضحة جداً جداً تختص بالعلاقة في الفراش وتختص بالقرار في البيت فصَّلنا فيها القول، أهلاً وسهلاً! هذا من جهة الزوجة إزاء زوجها، فيما عدا ذلك عليهما أن يصيرا إلى المُشاوَرة، هذه أشبه أن تكون بالقاعدة التي تُنظِّم موضوع الطاعة بين الزوجين بطريقة جُملية، والله – تبارك وتعالى – أعلم وهو يقول الحق ويهدي إلى السبيل، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكن أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

فيينا 10/06/2006

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: