نظرية التطور 

السلسلة الأولى: الأدلة والمؤيدات

الحلقة الثانية والعشرون

تطور الحيتان

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً.

 ثيروبودس Theropods
ثيروبودس Theropods

أما بعد، أحبتي في الله، إخواني وأخواتي: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،أُكمِل معكم في هذه الحلقة بعض ما تبقى من الحديث عن تطور الطيور من الزواحف، وقد أنهيت الحلقة السابقة بسؤال لم يتسع الوقت للجواب عنه وهو ما عساها كانت تلكم الديناصورات الرشيقة الـ Theropods تستفيد من البنية الريشية البدائية التي استجدت لها؟ يقول علماء التطور أولاً ربما كعازل حراري، وطبعاً المفروض أن هذه الكائنات تكون من ذوات الدم البارد Cold-blooded، ويقترح بعض العلماء كما ذكر جيري كوين Jerry A. Coyne في كتابه المشهور الذي ذكرته عدة مرات أنها قد تكون أيضاً من ذوات الدم الحار جُزئياً، يعني شيئ

جيري كوين Jerry A. Coyne
جيري كوين Jerry A. Coyne

بين الدم الحار والدم البارد، ثم يقول العلماء حتى لو لم يُمكِن أن يُفيد الريش البدائي في عملية العزل الحراري فربما أيضاً يُفيد في عملية الانتخاب الجنسي، وقد شرحنا عدة مرات الانتخاب الجنسي ونوعي الانتخاب الجنسي أو قسمي الانتخاب الجنسي، الصراع على الإناث وانتخاب الإناث للذكور كما شرحهما أبو النظرية تشارلز داروين Charles Darwin، فيُمكِن هذه البنية الريشية تُعتبَر جذابة للإناث لكن كتعليق مني سريع أُريد أن أقول أن هذا لا يُمكِن أن يتم – هذا جواب مُستعجِل في نظري – إلا إذا تمت البرهنة على أن هذه البنية الريشية كان يختص بها الذكور دون الإناث، فهل ثبت هذا؟ على كل حال هذا ما يذكره علماء التطور.
il_570xn-256243128آتي الآن إلى السيناريو الأول الذي يعني كما قلت بمثابة اقتراح لبيان كيفية تطور هذه الديناصورات الرشيقة إلى طيور، أي الـ Theropods إلى طيور، فالاقتراح الأول هو الهبوط من عالٍ أو الهبوط من الأشجار Trees Down، حيث يقترح بعض علماء التطور استناداً إلى بعض الأدلة التي يذكرونها أن هذه الكائنات التي كانت عاشبة – طبعاً بعض الديناصورات كانت عاشبة وبعضها لاحمة بلا شك – عاشت على الأشجار، لكن كيف عاشت على الأشجار؟ أيضاً هذا سؤال يجب أن يُجاب عنه، لكنهم يقولون أنها عاشت على الأشجار، فكانت هذه البنية الريشية البدائية تساعدها جُزئياً في الانتقال بطريقة الانزلاق – التي شرحتها لكم – الهوائي، أي عن طريق التزلق أو التزلج الهوائي – Gliding – من شجرة إلى شجرة، فهى أفضل من أن تستخدم وسائل أخرى في الانتقال، فتنزلق كما تنزلق السناجب والحيوانات الأخرى من شجرة إلى شجرة أو حتى من شجرة إلى الأرض بالانزلاق دون أن تطب أو تطيح مرة واحدة، وهذا يساعدها على مُلاحقة الطرائد كما على الهرب من المُفترِسات إن وجدِت – أي في حال وجِدت المُفترِسات Predators – وهذا هو السيناريو الأول، وهناك سيناريو آخر أكثر ترجيحاً منه وهو الارتفاع من الأرض Ground Up، والارتفاع من الأرض Ground Up أكثر ترجيحاً طبعاً، لأن حتى السيناريو الأول – كما قلت – لابد أن يُجيب عن سؤال ما الذي دفعها إلى أن تكون الديناصورات على الأشجار؟ هذا شيئ غريب، ولذلك ليس مُرجَحاً، ولكن المُرجَح هو سيناريو الارتفاع عن الأرض Ground Up، لكن كيف؟ إلى الآن نرى طيوراً مثل طائر الحجل Perdix – Partridge، وطائر الحجل Perdix – Partridge الصغير يُرفرِف، فهو لا يستطيع أن يطير طبعاً لأن عنده بنية ريشية لا تُمكنه من الطيران لكبر لضعف جناحيه وكبر جسمه وثقله، لكنه يتمكَّن بفضل هذين الجناحين بما فيهما من ريش من الرفرفة بسرعة والصعود بزاوية خمس وأربعين درجة، وهذا بالنسبة للطائر الصغير، أما بالنسبة لطائر طائر الحجل Perdix – Partridge البالغ اليافع فإنه يستطيع أن يُرفرِف وأن يصعد دون أن يطير بزاوية مائة وخمس وأربعين درجة، ولك أن تتخيَّل هذا، بمعنى أنه يتدلى أكثر منه يصعد، فكأنه يتدلى وهو بهذا يتمكَّن من الهروب من المُفترِسات، وهذه عملية صعبة جداً، يعني لم يبق بينه وبين الطيران إلا خطوات يسيرة، فإذن هذا الريش مفيد، فهذه البنية الريشية لا تُمكنه من الطيران لكن تُمكنه من أن يُصاعِد بهذه الزاوية الغريبة جداً وهى مائة وخمس وأربعين درجة، فهذا الصغير يفعل هذا بزاوية خمس وأربعين وهذا مُمكِن، لكن اليافع بزاوية مائة وخمس وأربعين يكون كأنه يتدلى على أنه يصعد ولا يتدلى، وهذه صفة بلا شك تساعده على البقاء، فشيئٌ من هذا أو قريب من هذا يُوضِّح ما حدث تقريباً للديناصورات الرشيقة التي ربما كانت تساعدها هذه البنية الريشية على أن تُرفرِف وتحاول أن تصعد.

هناك أيضاً الديك الرومي Turkey، نحن نسميه إلى الآن الديك الرومي Turkey، أي التركي، لكن هذا الديك ماذا يفعل؟ هذا الديك لا يطير أيضاً، ولكنه يُمارِس القفز، فهو يُحاوِل أن يقف ويقفز قفزات هوائية – أي قفزات في الهواء – خاصة به، فإذن الديك الرومي وطائر الـ Quail أيضاً وهو السمان- Quail & Turkey – عندهما نفس الشيئ، فهما يُمارِسان القفز في الهواء، وأحياناً تكون قفزات طويلة إلى حدٍ ما نسبياً، وهذه تعطينا فكرة عن الخطوة التالية في التطور من المشي على الأرض إلى الطيران، فالخطوة الأولى هى الرفرفة، والخطوة الثانية هى القفز في الهواء، وذلك من خلال القيام بقفزات بفضل أيضاً هذه الأجنحة البدائية وهذه الأجنحة غير الكافية، وطبعاً ستأتي الخطوة الثالثة لتكون العوم في الهواء أو التحليق التام، فهى خطوات إذن، وهذه كائنات لاتزال موجودة وتُعطينا – كما قلت – إمكانية لتصور كيف تمت العملية، ومُؤكَد طبعاً أن الانتخاب الطبيعي سيستبقي كل خُطوة يُمكِن أن تنفع في إعطاء مزية من هذه المزايا، فهناك خُطوة للرفرفة – كما قلنا – تُستبقى، وخُطوة تُمكِن من القفز في الهواء تُستبقى، وبعد ذلك الخُطوة النهائية وهى العوم في الهواء، وهذه سوف تكون آخر خُطوة مُتاحة إلى الآن، وأعتقد أننا انتهينا من هذا الموضوع، والآن أنتقل بكم إلى موضوع آخر، وهذا الموضوع أُلِفَت فيه كتب كثيرة وأصبح الآن غنياً أو مُغتنياً بدراسات وأبحاث وحفريات كثيرة جداً بحيث أنه تقريباً من أكمل الموضوعات التطورية أدلةً وهو تطور الحيتان.

طبعاً تشارلز داروين Charles Robert Darwin في أصل الأنواع تحدَّث عن تطور الحيتان وأنها بالحري تطورت من كائنات برية، ونحن رأينا في البداية كيف أن الحياة نشأت في المياه، ثم بعد ذلك خرجت – وقد رأينا الأسماك – لحمية الزعانف أو فصية الزعانف تطورت إلى البرمائيات وما إلى ذلك، وبعد ذلك في خُطوة ارتدادية بعد أن كانت الحيوانات الآن في البر آثرت أن تعود إلى البحر مرة أخرى، وهذا ما استوعبه داروين Darwin، وهو أن الحوت هذا كان كئاناً رباعي الأطراف Tetrapod ويعيش على اليابسة أو في البر على الأرض وتحت ظروف غير واضحة لداروين Darwin وغير مُحدَدة فعاد إلى البحر، ومن هنا قد يقول أحدكم هذا أمر عجيب، فكيف أدرك داروين Darwin هذا؟ وبدوري أقول في الحقيقة ليس داروين Darwin في القرن التاسع عشر مَن أدرك هذا وحده، إنما منذ القرن السابع عشر أدرك علماء الطبية والأحياء – أي علماء الطبيعة الحيوية – أن الحيتان أو الحيتانيات عموماً وهى الحيتان والدلافين وخنازير البحر أنها ثدييات – هذه الثلاثة مثل بقر البحر وأسود البحر، وكل هذا إسمه خنازير البحر، وهذه ثدييات – وهذا كان إدراكاً مُهِماً جداً، وأدركوا أن مجموعة من الصفات والسمات تربط بينها وبين الثدييات البرية، وهذا كان في القرن السابع عشر لكن طبعاً لم يكن في القرن السابع عشر أي نموذج لا مُكتمِل ولا قريب حتى من الكمال للتطور، نعم وُجِدَت أفكار تطورية من زمان من أيام اليونان لكن لم يكن موجوداً أي نموذج مثل نموذج مثلاً لامارك Lamarck أو نموذج داروين Darwin طبعاً في القرن السابع عشر على الإطلاق، لذلك هذه الحقيقة – حقيقة أن الحيتانيات ثدييات هى ثدييات البحر – هامة، علماً بأن البحر فيه ثدييات فقط هى هذه الحيتانيات، فالحوت والدولفين وخنازير البحر هى الثدييات التي تعيش في البحر، فهى ثلاثة فقط بأنواعها طبعاً المُختلِفة، وهذا لم يوح لأحد العلماء بالفكرة التي التقطها داروين Darwin وفق نموذجه طبعاً في التطور، وهى فكرة أن هذه كانت في البر إذن وتطورت ثم انتقلت إلى البحر، وإلا كيف هى تعيش كأسماك بين الأسماك وهى أصلاً ثدييات؟ ما القصة إذن؟ فداروين Darwin افترض بالحدس الذكي – هذا تأكد الآن تقريباً بشكل شبه تام – أنها كانت كائنات برية ثديية وانتقلت إلى البحر وبقيت ثديية، وطبعاً سمات الثديية فيها واضحة، فالحوت – مثلاً – لا يبيض إنما يضع صغاره مُكتمِلين، فإذن هو كائن مشيمي، وهو فعلاً عنده مشيمة – Placenta – خاصة به – وهذا شيئ عجيب – تنمو فيها صغاره أو صغيره بشكل كامل، وهو يُولَد ويُرضِعه باللبن تحت الماء إرضاعاً حقيقياً، وهذا كان مفهوماً لداروين Darwin وكان معروفاً من القرن السابع عشر، لكن هناك أدلة أخرى تشريحية ومورفولوجية وإمبريولوجية وأدلة جينية من تحليل الـ DNA وأشياء تختص بطريقة عوم أو سباحة ثدييات البحر وغير هذا، وكلها تُؤكِد أنها فعلاً كائنات ثديية ولابد أن تكون مُنحدِرة من ثدييات برية في يوم من الأيام، وهذا شيئ عجيب وغريب، فالعلماء من قديم لاحظوا أن هذه الثدييات مثل ثدييات البر، فالدلافين – مثلاً – لديها شعر عند الفتحات الأنفية أو ما كان فتحات أنفية، وهذا أمر غريب، فمن أين أتى هذا الشعر؟ الحوت الآن في مُقدَم رأسه – كما تُلاحِظ في بعض الصور – عنده شعر، فمن أين هذا الشعر؟ هذا شيئ غريب، لأن الأسماك العادية ليس فيها شعر، فمن أين تأتي هذه الشعور؟ فهم لاحظوا هذا وسجلوه وهذا كان أيضاً بعض ما يُؤكِد هذا الأصل البري لهذه الحيوانات.

ريتشارد دوكنز
ريتشارد دوكنز

سوف نستعرض بعض الأدلة التي تُؤكِد صحة هذه الفكرة كما قلت لكم، وطبعاً حتى الكتب المُوسَعة أحياناً إلى حد ما لم كانت لا تتحدَّث عنها لأنها معروفة، فدوكينز Dawkins في كتابه أعظم استعراض على وجه الأرض The Greatest Show on Earth تحدَّث عن تطور الحيتان في نصف صفحة، وهذا موضوع مُهِم ومُكتمِل، فلماذا إذن فعل هذا؟ قال “لأنه موضوع مُكتمِل وقد أُلِفت فيه كتب وما إلى ذلك، فارجع إليها لأنني لا أريد أن أُنفِق وقتاً فيه”، فهو موضوع مُكتمِل وغني – كما قلت لكم – بالأدلة والمُغامَرات العلمية، فتستطيع أن تقرأ مُغامَرات كثيرة تتعلَّق بكيف تم اكتشاف الحفرية الفلانية وما إلى ذلك، وهذا شيئ طويل لكن حدث خاصة على يد العالم الأمريكي الشهير / فيليب جنجريتش Philip Gingerich، فالبروفيسور Professor جنجريتش Gingerich قضى من حياته ثلاثين سنة في هذا المجال، فهو بدأ كعالم جيولوجي – أي في مجال علم الجيولوجيا Geology – طبعاً، ولكن عشقه للجيولوجيا جعله يهوى الإحاثة Paleontology وينتمي بعد ذلك إليها، فأصبح عالماً باليانتولوجياً أو عالماً إحاثياً، أي أصبح قارئاً

فيليب جنجريتش Philip Gingerich
فيليب جنجريتش Philip Gingerich

للحفريات وعالماً في الحفريات، وقضى ثلاثين سنة وهو مُتوفِر على دراسة موضوع تطور الحيتان، وطبعاً لكل مُجتهدٍ نصيب، حيث كَافَأَه القدر بأن اكتشف بعض الأشياء التي لم يُسبَق إليها، وسدت ثغورات كبيرة في هذا الموضوع، فيُمكِن أن تعودوا أيضاً أنتم بدوركم إلى الكتب التي كُسِرت – كما يُقال بالعربية الفصحى – على هذا الموضوع وعلى عرضه والبرهنة عليه وسوف ترون الكثير من النماذج عن أنواع هذه الحيتان الوسيطة أو الحلقات الوسيطة بين الأساس الثديي البري للحوت الحديث وبين ما بين ذلك، أي بين الأساس البري وبين الحوت الحديث وما بين ذلك، فهناك حلقات كثيرة كلها موجودة، وأحياناً تكون بعض الهياكل موجودة ثم تم بعد ذلك اقتراح سائر البدن، وأحياناً تكون شبه مُكتمِلة، وقد ذكرت لكم في حلقة سابقة أن العلماء الكبار يستطيعون من بعض الاجزاء أن يحدسوا بقية الهيكل، فبعضهم كان يزعم أنه من خلال السن يُمكِن أن يرسم لك الهيكل العظمي للحيوان الكامل من خلال سنه فقط، وطبعاً هذه مُبالَغة كبيرة، لكن هناك أشياء أكثر تواضعاً من هذا.

الحوت
الحوت

نأخذ الآن أدلة – مثلاً – من التشريح المُقارَن، فأولاً – كما قلنا لكم – لدينا الحوت، والحوت هو سيد المًحيطات وسيد البحار وسيد المياه، فهو السيد رقم واحد وهو أضخم حيوانات الكرة الأرضية، فأضخم حيوان على الكوكب هو الحوت، فالحوت الأزرق – مثلاً – يبلغ طوله ثلاثين متراً، وهو أضخم من الفيل ومن غير الفيل، لذا الحوت هو أضخم حيوانات الكوكب، فأضخم حيوانات الكوكب هى الحيتان على الإطلاق، وكما أن الإنسان سيد اليابسة فالحوت سيد المياه، والحوت له مُخ كبير ومُتطوِر، فهو سيد المياه بلا نزاع، والآن هناك بعض المشابه – كما قلنا – بالثدييات، فالحيتان لها مشيمة – Placenta – ولذا هى كائنات مشيمية، والحوت يُنجِب أطفاله كاملين ويُرضِعهم تحت الماء، وهذا شيئ غريب، وهو من ذوات الدم الحار وليس من ذوات الدم البارد، في حين أن الأسماك عموماً من ذوات الدم البارد، أي أنها تتأثر حرارتها بحرارة المُحيط، لكن الحوت ليس كذلك، فالحوت من ذوات الدم الحار، ولذا حرارة بدنه ثابتة تسعين فهرنهايت Fahrenheit تقريباً ثابتة، مثلما الإنسان حرارة بدنه ثابتة لا تتأثر بالوسط، والعجيب أن الحوت ليس لديه خياشيم No Gills، وهذا أمر عجيب، فكيف تُوجَد سمكة بدون خياشيم؟ هو أصلاً ليس سمكة، هو في الظاهر سمكة لكنه ليس سمكة عظيمة، هو حيوان ثديي بأصل بري، أي من أصل بري، لكن كيف يتنفس إذن وهو ليس عنده أي خياشيم Gills؟

1bottlenoseard_800x493يتنفس بالرئتين، فالحوت لديه رئتان كبيرتان بعد مُقدَم رأسه بقليل، ولكن ليس لديه خياشيم، ونحن نجد أن في أعلى رأسه من فوق لديه فتحة للتنفس Blowhole، وبعض الحيتان لديها فتحتان تُناظِران فتحتى المنخرين، علماً بأن الإنسان لديه أنف واحد ومنخران طبعاً، لكن بعض الحيتان في أعلى رؤوسها – ليس في مُقدَم الرأس ولكن في أعلى الرأس – لديها فتحة التنفس – Blowhole – أو فتحتان لبعضها، أما الدلافين فليست كذلك، فكل الدلافين لديها فتحة واحدة فقط، فلا يُوجَد دولفين عنده فتحتان، لكن العجيب سواء الحيتان بفتحة أو فتحتين والدلافين التي كلها بفتحة واحدة نجد عندما نأتي إلى الجمجمة – Skull – الخاصة بالحيتان والدلافين فتحتين تحت، وهذا شيئ غريب، فوق هناك فتحة واحدة لكن في الجمجمة ذاتها يُوجَد فتحتان، وهذا شيئ غريب جداً، وهذا معناه أنهما التطور عن فتحتي المنخرين للثديي البري.

حدَّثتكم عن الشعر أو عن هذا الموجود كالشعر والذي يكون حول المنخرين في الحيوانات البرية، لكنال أعجب من هذا هو أن الزعنفة الأمامية للحوت – لديه زعنفتان – إذا نفذنا إلى باطنها ودرسناها تشريحياً سوغ نجد فيها شيئاً غريباً، وتستطيع أن ترى الكتب المُتخصِصة وسوف تجد شيئاً عجيباً جداً، فهناك عظام تامة، نحن نستطيع أن نجد عظمةً ثم عظمتين ثم بعد ذلك نجد عظاماً ثم عظاماً أكثر، ونفس الوضعية في الخُفاش وفي الطيور وفي الإنسان وفي الحصان، وهذا شيئ غريب، فهناك عظمة العضد وهى عظمة واحدة، ثم عظمتي الذراع ثم عظام الرسغ Wrist، ثم عظام الأصابع، وكل هذا موجود بشكل جميل وواضح في الزعنفة، وهذا معناه أن أكيد هذه الزعنفة كانت في يوم من الأيام طرفاً أمامياً، وهذا أمر عجيب وجميل، ولذلك العلماء الذين آمنوا بالتطور ويعشقونه لا يفعلون هذا أبداً لأنه تطور أو لأنه ضد الدين، ولكن لأنه علم، فهذا علم وهذه حقائق يجب أن تُقرَب بشكل سليم وأن تفهم الدلالات الخاصة بها، فهو لو كان سمكة منذ يومه الأول لما وُجِدَ فيه أي عظام ولوجدنا زعنفة بتركيب الزعانف وانتهى كل شيئ، لكن هناك ما يدل على أنهما كانا طرفين أمامين يمشي عليهما، وقد تقول لي أين الطرفان الخلفيان في هذا الجسم الضخم المُنساب الذي يعوم في الماء؟ لا يُوجَد طرفان خلفيان لكن إذا نفذت إلى البنية الداخلية ستندهش، فهنا ستجد مجموعة عظام صغيرة، وهى أصغر بكثير من العظام الموجودة في الزعنفة، لكن هذه العظام عند دراستها والتدقيق فيها يضح تماماً أنها عظام طرفين خلفيين، فهى عظام باقية كأثر – Vestige – لعظام كانت في يوم من الأيام طرفاً، فلماذا إذن؟ ستجد عظمة الحوض موجودة، وستجد عند عظمة الحوض أيضاً شيئاً غريباً جداً، حيث أن المفصل الدائري – Bone Joint – موجود بشكل صغير، ولك أن تتخيَّل هذا، وبعد ذلك عظام الساق، ثم تجد بعد ذلك عظام الكاحِل – Ankle – موجود أيضاً، ثم تجد فيما بعد الأصابع، فكل هذا موجود، نعم هذه الأشياء كانت صغيرة ولكنها مُتمِزة وواضحة، وهذا شيئ غريب، وطبعاً هذه لا تُفيد بإجماع علماء الأحياء على الإطلاق، فهذه العظام داخل البدن وواضح أن هذه العظام غير مُتكيفة بالمُطلَق والبتة لحيوان بهذا الشكل المُنساب الجميل الذي يعوم في الماء، فهى ليس لها أي فائدة وهى غير مطلوبة، وبالتالي لماذا إذن هى موجودة؟ لماذا هى مغروسة في آخر هذا الجسم؟ إنها البقايا الأثرية من طرفين خلفيين كانا في يوم من الأيام مفيدين وضروريين لكائن Tetrapod رباعي الأطرف أي يمشي على أربع طبعاً، وهو لا يمشي في الماء، ولكن من الأكيد أنه كان يمشي في البر، فهذه أدلة عجيبة وغريبة على كل حال.

نأتي الآن إلى بعض الأشياء التي يُمكِن أن تُؤخذ من علم الأجنة، فلو أخذنا جنيناً – Embryo – لدولفين في مرحلة مُعينة من مراحل تطوره بشرط أن تكون مرحلة مُبكِّرة وليس مُتأخِرة وقارنا بين جنين الدولفين وجنين بشري في نفس المرحلة – ضروري أن يكون جنين الدولفين في نفس مرحلة الجنين البشري – سوف نجد العجب، وطبعاً على اليوتيوب YouTube سوف تُشاهِد أفلاماً بصور حقيقية عن هذا، فهى ليست مرسومة إنما صور حقيقية، وسوف ترى من خلالها العجب، فسوف ترى – مثلاً – في الأعلى بالقرب من الرأس بُرعمين – بُرعماً من ناحية وبُرعماً من ناخية أُخرى – اثنين، فلماذا إذن؟ هذان البُرعمان لو تطورا سيكونان ماذا؟ سيكونان ذراعين، وهذان موجودان في جنين الدولفين، وفي جنين الإنسان نفس الشيئ، هناك بُرعمان، وفي الموضع المُناظِر القريب من الرأس من تحت سوف تجد بُرعماً في ناحية وبُرعماً في الناحية الأُخرى، وهذه مرحلة – كما قلنا – مُبكِّرة، وبعد قليل سيظل البُرعمان في الإنسان ينموان وينموان، أما البُرعمان في الدولفين سيضمُران ويضمُران حتى يختفيان، وهذا يعني أن في هذه المرحلة المُبكِرة – كما قلنا – يُوجَد تشابه تام، فتحت يُوجَد نفس الشيئ هنا وهناك، فهناك بُرعمان عندهما، بُرعم على كل جانب في جنين الإنسان – طبعاً بالحري – وفي جنين الدولفين أيضاً، ففي جنين الإنسان ينموان ليُشكلا الرجلين، وفي جنين الدولفين يضمُران، وبالتالي لا نجد الرجلين ولكن هذه الأشياء موجودة ونراها في نفس المرحلة، فلماذا إذن؟ ما الذي يحدث؟ هذا يحكي لك ماذا؟ التاريخ التطوري الغابر وأن في يوم من الأيام كان هذا الدولفين حيواناً رباعي الأطراف برياً، أي يمشي على أربع في البر، وهذا لايزال موجوداًفي الخُطة أو الخارطة الجينية عنده، لكن لا يتم التفعيل والتطوير، فنحن دخلنا في مرحلة وانتهى الأمر، وهذا شيئ عجيب وغريب!

أيضاً في المراحل المُبكِّرة أو المُبكِرة لجنين الدولفين سنُلاحِظ فتحتين للأنف لو تطورتا لكانتا فتحتي أنف مثل ما لدي الإنسان والحصان والبقرة وهكذا، لكن بعد قليل سيلتحمان ليصبحا فتحة واحدة، فكل الدلافين – كما قلت لكم – لديها فتحة واحدة فقط للتنفس، لكن الحيتان لديها فتحة وبعضها لديها فتحتان، وفي البداية – كما قلنا – في مرحلة مُبكِّرة من حياة جنين الدولفين سوف يكون له فتحتان – علماً بأنك تستطيع أن ترى هذا بشكل واضح في الصور وفي التصوير الخاص بها – طبعاً، لكن كلما تقدمنا تندمجان وتندمجان حتى تُشكِلا فتحة واحدة، وهذا معناه أن سلف في الدولفين قبل ملايين السنين كان حيواناً بفتحتين أو بمنخرين، ولايزال هذا موجوداً إلى الآن.

الباسيلوسورس Basilosaurus
الباسيلوسورس Basilosaurus

نأتي الآن إلى السجل الأحفوري Fossil Record، وطبعاً الذين درسوا تطور الحيتان يعرفون مُطلَحا يُشير إلى أنوع من الحيتان المُنقرِضة التي تُمثِّل حلقات انتقالية، وأشهر هذه الحلقات – طبعاً هناك حلقات غيرها، حيث يوجد حلقات كثيرة كما قلت، لكن هذا مشهور جداً، وتم اكتشافه مُبكِّراً قبل الحلقات التي تم اكتشافها بعد ذلك – الباسيلوسورس Basilosaurus، وهناك نوعان من هذا الحوت المُنقرِض، لكن ما المُساهَمة التي قام بها العالم فيليب جنجريتش Philip Gingerich الذي حدَّثتكم عنه والذي درس ثلاثين سنة تطور الحيتان؟ طبعاً يُعتقَد أن الباسيلوسورس Basilosaurus عاشت قبل ثلاثين إلى أربعين مليون سنة سلفت، ولدينا طبعاً جمجمة الباسيلوسورس Basilosaurus كاملة، فنحن لدينا تقريباً هيكل كامل منه وجمجمته كاملة وواضحة وجميلة، وفي أحد الصور في المراجع العلمية سوف تري جنجريتش Gingerich يحمل جمجمة الباسيلوسورس Basilosaurus بيده، لكن مُركَب فيها أسنان بشكل تركيبي محل الأسنان الحقيقية، وفيما عدا ذلك الجمجمة كاملة كما هى وهى ذات حجم كبير، ولو نظرنا إلى جمجمة حوت حديث من الحيتان الموجودة حالياً وإلى جُمجمة الباسيلوسورس Basilosaurus وإلى جمجمة ثديي بري – Land Mammal – أيضاً حديث مما يعيش الآن سوف نلاحظ شيئاً عجيباً، فسوف ترى في جمجمة الثديي البري فتحة الأنف في مُقدِمة الجمجمة، ففي مُقدِمة هذه الجمجمة عند الفم سوف نجد الفتحة فوق، وفي الحوت الحديث – كما قلت لكم – سوف نجد في مؤخِرة الرأس أو مُؤخِرة الجمجمة الفتحة والفتحان، وأنتم تفهمون لماذا هذا، وطبعاً في الجمجمة نجد فتحتين دائماً – كما قلت لكم – دائماً، لكن في الباسيلوسورس Basilosaurus أين ينبغي الآن تطورياً أن نجد الفتحتين في الجمجمة؟ المفروض في المُنتصَف بسبب التطور، وهذا هو الموجود فعلاً، فالفتحتان مُتموضِعتان في مُنتصَف الجمجمة أي ليس في المُقدِمة وليس في المُؤخِرة، فلماذا إذن؟ نحن الثدييات منذ يومها الأول والفتحتان كانتا في مُقدِمة الجمجمة، ثم حدث تطور من الثديي البري، وستنتهي هذه المسيرة التطورية بالحوت – Whale – الحالي، والحوت – Whale – الحالي لديه الفتحتان في مُؤخِرة الجمجمة، إذن في الحلقة الوسيطة أين يجب أن تتموضع الفتحتان؟ في المُنتصَف طبعاً، وهذا هو الموجود، وهو شيئ جميل وبديع ويدل على وجود التطور، فهناك تطور بمسار منطقي، وهذه الحفرية موجودة وهذه الجمجمة للباسيلوسورس Basilosaurus موجودة – كما قلت لكم – وواضحة والفتحتان في المُنتصَف، وليسا في المُقدِمة وليسا في المُؤخِرة، فإذن هو مسار تطوري سلس.

Maiacetus
Maiacetus

لدينا أيضاً حفرية لكائن إسمه Maiacetus ، والـ Maiacetus هو حيوان عاش قبل سبعة وأربعين مليون إلى ثمانية وأربعين مليون سنة تقريباً، أي سنقول من سبع وأربعين ونصف مليون سنة، وحفرية الـ Maiacetus تُؤكِد أن عظام الحوض – Pelvis أو Hip – لديه كانت قوية ومصوغة بشكل صلب بحيث تُؤكِد أنه كان قادراً على المشي والاعتماد على أطرافه، فهذا ما يُظهِره تشريحه إذن، لكن لماذا يفترض العلماء أن الـ Maiacetus هو حلقة وسيطة تنتمي إلى عالم الحيتان؟ لماذا يقولون هذا مع أن لديه – كما قلت لكم – عظام حوض وهو رباعي الأطرف؟ لماذا لا يكون ثديياً عادياً من الدثييات البرية؟ لماذا سيكون حلقة في طريق تطور الثديي البري إلى الحيتان الحديثة؟ لماذا افترض العلماء هذا؟ لأنهم وجدوا كل مُتحجِرات هذا الكائن – أي الـ Maiacetus – بين مُتحجِرات بحرية، فكل ما يُحيط به من أحفورات – Fossils – أُخرى كلها بحرية، فهذا من غير المعقول أن يكون كائناً برياً، هذا مُستحيل طبعاً، قإذن هذا المكان الذي وُجِدَت فيه كل هذه المُتحجِرات قبل ملايين السنين كان ماءً أو كان مغموراً بالماء، وهذا الحيوان بهذه الأطراف كان يعيش في الماء، وهذا أمر غريب،فهو عنده أطراف ويعيش في الماء وبالتالي هو حلقة وسيطة قد انتقلت من البر، ثم حدثت له بعض التحويرات والتطورات وأصبح مُتلائماً مع الحياة في بيئة جديدة وهى البيئة المائية، وطبعاً بعد ملايين السنين هذا سيتطور لكي يُصبِح الحوت الحديث،وسوف يفقد الحاجة إلى أطرافه الخلفية كما رأينا قُبيل قليل، فالحوت لا يحتاجها ولذلك سوف تضمَر وتضمَر ويبقى منها بقايا تدل عليها تماماً، أي عظمة حوض والمفصل الدائري وإلى آخره، وهذا كلام جميل وواضح!

إذن الأدلة على الحلقات الوسيطة بين رباعي الأطراف البري وبين الحيتان موجودة بشكل مُتوفِر جداً – كما قلت لكم – وبتسلسل سلس يُمكِن أن تعودوا إليه، وأنا كتبت هذا حتى عندي لكن سيكون الأمر مُمِلاً إذا تحدَّثنا عن كل حلقة بإسمها وبتفاصيلها، لكن هذا موجود في الكتب، لذلك حتى دوكنز Dawkins نفسه – كما قلت لكم – لم يشغل نفسه وهو من أشد المُدافِعين عن التطور بهذا، وقال “عودوا إلى الكتب المُتخصِصة”، فهذا موضوع طويل وهذه حلقات كثيرة، ولذا هو كتب نصف صفحة ومضى في كتاب كبير زهاء خمسمائة صفحة – هو كتاب أعظم استعراض على وجه الأرض – وقال “عودوا إلى الكتب المُتخصِصة”.

أكمل سجل تقريباً هو سجل تطور الحيتان، والآن في المتاحف – أي متاحف التطور -في كل أنحاء العالم وخاصة أمريكا يُمكِنك أن تدخل على قسم كامل لتطور الحيتان وتسير فيه لكي ترى كل شيئ وتعرف كيف هذا التطور جرى عبر هذه الحلقات.

نأتي الآن إلى أدلة – كما ذكرت لكم – مُستمَدة من علم الوراثة ومن علم الجينات ومُقارَنة الـ DNA، فبمُقارَنة الـ DNA المأخوذ من الحيتان تبين أن أقرب الحيوانات إليه أو الكائنات إليه ليست الأسماك ولا أسود البحر Sea lions ولا أي كائنات بحرية أُخرى أبداً، وهذا شيئ غريب وصدم العلماء، لأن من المفروض أن أقرب الحيوانات إليه جينياً تكون كائنات بحرية مثلاً، لكن هذا لو كان هو فعلاً كائناً بحرياً، وهو ليس كائناً بحرياً أصلاً، هو كائن أتي من البر، إذن ليس عجيب أن يُوجَد كائن بري ويكون هو أقرب الحيوانات جينياً ووراثياً إلى الحوت، وهذا ما حصل بالفعل، فهذه المُقارَنة لا مجال للكلام فيها، ولذا هذا دليل قطعي، فبالمُقارَنة بين DNA الحوت و DNA حيوانات أخرى بحرية وبرية وجد العلماء أن أقرب الحيوانات إلى الحوت هو الـ Hippo أو ما يُعرَف بفرس النهر Nile Ferret، ونحن جميعاً نعرف فرس النهر صاحب هذه الرأس الضخمة، وهو كائن رباعي الأطراف عجيب، ويعيش أيضاً في الماء طبعاً، وهذا شيئ غريب، ففي الظاهر ليس هناك أي مُشابَهة لكن في الحقيقة هناك مُشابَهة، فهل يكون هذا الـ Hippo هو أصل الحوت؟ هذا مُستحيل طبعاً، فهو ليس أصل الحوت، لكن واضح أن الحوت والـ Hippo ينحدران من سلف مُشترَك Common Ancestor، فلابد من وجود جد مُشترَك انحدر منه الحوت وانحدر منه الـ Hippo، وهو كائن بري طبعاً، فهذا هو الصحيح وهذا المقبول الآن عند كل علماء التطور، لكن ما هو وجه المُشابَهة هنا؟ أي ما هى المشابه بين فرس النهر وبين الحوت؟ هناك مشابه عجيبة ولافتة سوف نراها الآن، فالحيتان القديمة كان لديها تركيبة عظام في أطرافها الخلفية خاصة فيما يختص بالكاحِل – أي عظام الكاحِل Ankle – طبعاً، لكن قد يسأل أحدكم ما هو الكاحل لأن هناك مَن لا يعرف مثل هذا الكلام ومن ثم سوف أُوضِّحه ببساطة، فأنت عندك الساق وعندك القدم، الذي يربط بينهما هو الكاحِل، هذا هو باختصار دون أُدخِلك في تفاصيل لها علاقة بالتشريح وبغير التشريح، فالعظم الذي يربط بين الساق – أي بين عظمتي الساق – وبين القدم – أي الشظية والظنبوب كما يقول العرب – هو عظام الكاحِل أو عظمة الكاحِل، والحيتان القديمة كان لديها تركيبة عظام كاحِل خاصة جداً، تدل عليها المُتحجِرات، وهذه التركيبة الآن غير موجودة إلا في الـ Hippo – هو لديه نفس التركيبة وهذا شيئ غريب – وبعض الحيوانات شديدة القرب منه، فهذا يُؤكِد وجود علاقة إذن تطورية بين الحيتان وفرس النهر، ويُؤكِّد وجود الأصل المُشترَك، وهذا كان أول شيئ، و طبعاً كما أن الحيتان تلد أطفالاً صغاراً كاملين وتُرضِعهم تحت الماء فإن الـ Hippo يلد أطفالاً صغاراً كاملين ويُرضِغهم تحت الماء، فهو يفعل نفس الشيئ مثل الحوات.

أما بالنسبة للمعدة، فمعدة الحوت بغرف مُتعدِدة، فلماذا إذن؟ مع أن الحوت يُعَد حيواناً لاحماً وليس عاشباً لأنه يأكل الأسماك والقشريات، وهذا أمر معروف وقد قلت وشرحت لكم حين تحدَّثت عن الجزيرتين الكرواتيتين أن الجهاز الهضمي للحيوانات العاشبة أكثر تعقيداً واكتمالاً وكفاءة من الجهاز الهضمي للحيوانات اللاحمة، فنحن تحدَّثنا عن هذا وقلنا لماذا وذكرنا صفات وأشياء تتعلَّق بهذا الموضوع، والحوت هو كائن لاحم لأنه يتغذي على الأسماك والقشريات، لكن لماذا لديه المعدة ذات الغرف المُتعدِدة المُعقَدة التي تتميز بها فقط الحيوانات العاشبة؟ هو حيوان مائي ولاحم ومع ذلك عنده هذه المعدة، والـ Hippo أو فرس النهر لديه معدة بغرف مُتعدِدة أيضاً، أي أن نفس الشيئ عنده لكن هذا مفهوم بالنسبة لحالته لأنه حيوان عاشب، فالـHippo حيوان عاشب لأنه يأكل الأعشاب، وبالتالي هذا مفهوم، لكن الذي ليس مفهوماً هو الحوت الآن، وبالتالي هذا دليل مرة أخرى على أن الحوت انحدر من ثديي بري كان عاشباً، وإلى اليوم لا يزال يحتفظ بهذه المعدة، ويُمكِن بعد عشرين أو ثلاثين أو أربعين مليون سنة تتحور هذه المعدة وتُصبِح مثل معدة الحيوانات اللاحمة بسيطة وتكون من غرفة واحدة، لكن إلى الآن الحوت على هذه الحالة، فالحوت – كما قلت لكم – من ستين أو سبعين مليون سنة بل وأنزل من هذا، فهو ليس من مئات الملايين، ولكنه حيوان حديث التطور، ويُمكِن بعد خمسين أو سبعين مليون سنة أن تتكيف المعدة وتُصبِح معدة بسيطة وليس كهذه المعدة المُعقَدة، وعلى كل حال هذا فرس النهر وهذا حوت مائي ومع ذلك تجمع بينهما صفة هامة، فهما الحيوانان الوحيدان اللذين يتوفران على خصيتين داخل البدن، أي ليس في خارج البدن ولكن في الداخل، فقط هم الاثنان وهذا شيئ غريب، وهذا أيضاً مشبه من المشابه اللافتة والمُثيرة التي تُؤكِد أنهما انحدرا من أصل مُشترَك، وطبعاً كلاهما لا يمتلكان غطاءً فروياً، ومعقول طبعاً لماذا الحوت ليس عنده هذا الفرو، وإلا ماذا سوف يفعل به؟ فهذا كائن مائي وبالتالي لا يحتاج إلى الفرو، لكن من المعقول أن يُوجَد الفرو لهذا الثديي البري المُسمى بالـ Hippo، ومع ذلك الـ Hippo ليس لديه فرواً، والحوت أيضاً ليس لديه فرواً، وهذا آخر المشابه.

طبعاً قد يسأل بعضكم ما هى الأشياء اللي اكتشفها جنجريتش Gingerich؟ هذا سجل حافل وكبير ولكن أولى كتشافاته المُثيرة كانت في سلسلة جبال سُليمان في الباكستان، فهو اكتشف هناك أولى الحفريات المُهِمة وهى كانت حفرية مُثيرة، ولكن للأسف قامت الحرب المشهورة هناك كما تعرفون، وسُدَت الحدود ولم يستطع أن يُكمِل بحثه الرجل، فاضطُر إلى أن ينزل إلى الشرق الأوسط وجاء إلى منطقة الصحراء الكُبرى، ومنطقة الصحراء الكُبرى هى أشد المناطق جفافاً على وجه البسيطة اليوم، لكنها قبل أربعين مليون سنة لم تكن كذلك، فقبل أربعين مليون سنة كانت مغمورة بالماء، فيُوجَد لدينا البحر المُتوسِط والصحراء الكُبرى والفيوم، فإذن نحن نتحدَّث عن شمال الفيوم وما يُوجَد تحت البحر، في منطقة الصحراء الكُبرى اليوم هناك مساحة تُغطي ثلاثمائة كيلو متر مربع وتُعرَف بوادي الحيتان Valley of the Whales،

وادي الحيتان في مصر
وادي الحيتان في مصر

وهذا شيئ عجيب، فإسمها مُثير طبعاً، لأن إسمها وادي الحيتان، وهى موجودة في الصحراء الكُبرى اليوم، فجاب هناك جنجريتش Gingerich وكان مُتفائلاً جداً لأنه سيجد في وادي الحيتان شمال الفيوم ضالته المنشودة وهو يبحث عن تطور الحيتان، ففيليب جنجريتش Philip Gingerich بحث كثيراً، وطبعاً هناك ألوف المُتحجِرات لحيوانات بحرية وليس مئات الحفريات فقط، وهذا شيئ عجيب، لكنها كلها مُتشابهة، أما المُثير في الأمر هو أنه وجد هناك طبعاً حفريات كثيرة للباسيلوسورس Basilosaurus، أي لهذا الحوت المُنقرِض وهو من الحلقات المُهِمة التي حدثتكم عنها قبل قليل، والباسيلوسورس Basilosaurus كان موجوداً ومعروفاً من البداية، إذن لم يجد جديداً حتى الآن، لكن أسعده الحظ أو القدر بأن وجد بعد خمسة أيام من الحفر والتنقيب أو التحفير – إن جاز التعبير – والبحث عن الحفريات – Fossils – شيئاً كان أعظم ثاني اكتشاف له في حياته، ولذا هو أسعده جداً، وهذا الاكتشاف عبارة عن مجموعة عظام أخطأ في الأول في فهمها وفي توصيفها لكنه لم يلبث أن فهم ما هى واستطاع أن يُحدِد مكانها، إنها عظام – كما قلت لكم – أثرية وهى عظام الحوض في مُؤخَرة هذا الحوت، فلأول مرة إذن يكتشف العلماء أو يثبت العلماء أن الباسيلوسورس Basilosaurus كان رباعي الأطراف وكان له أطراف

الباسيلوسورس Basilosaurus
الباسيلوسورس Basilosaurus

خلفية، لأن قبل ذلك كان يُعتقَد أنه مُجرَد حوت مُنقرِض أو نوع من أنواع الحيتان، لكن الآن اختلف الأمر، فقد وجدنا عظاماً هى عظام حوض Pelvis، فإذن هذا كان رباعياً – أو سلفه كان كذلك أي يمشى على أربعة أطراف طبعاً، أي يمشى على أربعة أطراف، وهذا كان حلقة مُتأخِرة في التطور، فكان هذا اكتشافه الرائع الذي أسعده به القدر، ومن ثم – كما قلنا – سد ثغرة في سجل تطور الحيتان، وهكذا ثبت لدينا أن الحيتان كانت في يوم من الأيام من رباعيات الأطراف أو الـ Tetrapods، وبهذه الطريقة أكون قد ذكرت لكم قبل أن أُنهي حديثي بعض المشابه الهامة، لكن هناك وجه شبه مُهِم جداً أُريد أن أختم به هذه الحلقة لأن أدركنا الوقت، وهو وجه شبه مُثير وجميل بين الحيتان والدلافين وخنازير البحر وهى ثدييات البحر وبين ثدييات البر، فما هو إذن؟ هو طريقة السباحة، فالمفروض أن الحوت والدولفين وخنزير البحر أسماك كبيرة، فإذن كيف تسبح الأسماك؟ كيف تسبح السمكة حين تمخر عُباب الماء؟ تسبح بتحريك عمودها الفقري بين جهتين أفقياً، أي تسبح بشكل يميل إلى جهة الشمال ثم إلى جهة اليمين ثم إلى جهة الشمال ثم إلى جهة اليمين وهكذا، فالأسماك تسبح هكذا، لكن هل يسبح الحوت والدولفين وخنزير البحر بالطريقة ذاتها؟ لا يسبح هكذا أبداً، وإنما يسبح من خلال رفع عموده الفقري إلى أعلى وأسفل ثم إلى أعلى وأسفل وهكذا، ليس إلى جهة اليمين ثم إلى جهة الشمال كما تفعل الأسماك، فالأسماك كلها تسبح بشكل يميل إلى جهة الشمال ثم إلى جهة اليمين ثم إلى جهة الشمال ثم إلى جهة اليمين، أي أفقياً، لكن ثدييات البحر لا تفعل هذا، فثدييات البحر تتحرك إلى أعلى وأسفل ثم إلى أعلى وأسفل، وهى الطريقة التي تجري وتركض وتتحرك بها الثدييات البرية، وهذا شيئ غريب، وعلى كل حال هذا كان من أكثر المشابه إثارةً للعلماء، وهى طريقة سباحة ثدييات البحر، فهذه الطريقة دليل على أنها تنحدر فعلاً من حيوانات ثديية برية، لأن هذه الثدييات البرية تمشي وتركض بهذه الطريقة، وهذه الثدييات البحرية تسبح بهذه الطريقة، ولا تسبح بطريقة الأسماك، والله تبارك وتعالى أعلم.

إلى أن ألقاكم في حلقةِ جائية أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

(تمت المُحاضَرة بحمد الله)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

  • الصفحة للأسف غير مرتبة. هنالك صعوبة في الحصول على معلومات معينة ويجب أن تكون حلقات موضوع معين بالترتيب وسهلة المنال. هنا تكون الحلقات مبعثرة والله يستر

%d مدونون معجبون بهذه: