برنامج آفاق

قراءة القرآن

صورة الإنسان في القرآن

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، قراءة القرآن وتلاوته وتدبره تُخرِج المرء رُغماً عنه من حالة الاستغراق في اليومي، في المُبتذَل، في العادي، وفي الروتيني، مُعظَم الناس – إخواني وأخواتي – مُستغرَقون في هذا المُبتذَل العادي جداً، يخرج من بيته كل صباح، يقصد مكان أو موضع عمله، يُؤدي عمله بشكل مُكرَّر رتيب روتيني، يُلاقي نفس الأشخاص تقريباً، همومه تقريباً فيما عدا تلك التي تطرقه على سبيل النُدرة هي نفسها، هموم المعاش اليومية، هموم العائلة والأولاد، وهموم العمل.

حالة من الرتابة للأسف تأخذ الإنسان عن الاشتغال أحياناً وبالقدر المطلوب وحتى في الحدود الدنيا، تأخذه من هذه الحدود الدنيا، أن يشتغل على التساؤل وعلى التأمل وعلى التفكر في مسائل تخصه كإنسان مُميَّز، ككائن مُميَّز في هذا الوجود! سُخِّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً من لدن الله – تبارك وتعالى -، وأمامه مصير مجهول، أمامه حياة أبدية، نعيم أو شقاء، إذن ملحمة كُبرى، لا ينبغي للإنسان أن يتغافل عنها اشتغالاً بهذا اليومي، للأسف الذي لابد منه.

قراءة القرآن تنتشل الإنسان ولو لدقائق أو ساعات أو سويعات معدودة من هذه الحالة، وتُلقي به في خضم هذه المسائل الكُبرى، المسائل المصيرية، والمسائل الوجودية، في رأس هذه المسائل – إخواني وأخواتي – مسألة الإنسان نفسه، ما هو؟ ماهية الإنسان، مُحدِّداته، ومُشخِّصاته ككائن – كما قلت – مُتميِّز، واستثنائي، في درجة قُصوى في هذا الوجود.

القرآن العظيم يُقدِّم منظوراً أو نظريةً مُتكامِلة الأجزاء والجهات والجوانب، فأولاً الإنسان مخلوق من المخلوقات، إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا ۩، وبالتأكيد: إِنِّي ۩، الله يُؤكِّد على هذا، إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ۩ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ۩، إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ۩، من المُهِم أن يُدرِك الإنسان أنه مخلوق، بعض الناس يقول طبعاً هذه بدهية، لا! ليست بدهية، لأن هناك مِن البشر مَن يظن أنه ليس مخلوقاً، وُجِد هكذا بغير خالق وبغير مُوجِد، ليس مخلوقاً! فالمخلوق مفعول، المصنوع مفعول، المُبدَع أيضاً مفعول لفاعل، لصانع، ولبديع أو مُبدِع، لا إله إلا هو!

إذن من المُهِم أن يُدرِك الإنسان أنه مخلوق، وإذا أدرك أنه مخلوق أدرك أن له حدوداً في الزمان، إذن هو كان بعد أن لم يكن، الإنسان ليس خلقاً أو ليس شيئاً وليس كياناً أزلياً لا بداية له، الله – تبارك وتعالى – وحده هو الأزلي بلا بداية، يزعم الملاحدة ويزعم آخرون أن هناك أشياء أزلية أُخرى، بعضهم يزعم أزلية الكون نفسه، الكون أزلي، لم يزل، لا بداية له، على كل حال الإنسان وفق كل المنظورات ليس كائناً أزلياً، سواء آمن بأنه مخلوق لله أو بأنه حدث هكذا، لا عن خلق، لا عن تقدير، لا عن تدبير، ولا عن إبداع، لكنه على كلا النظرتين وفي كلا الرأيين ليس كائناً أزلياً، لماذا؟ 

لأن هذا يُكلِّفه الإقرار بحقيقة تُؤلِمه جداً – إخواني وأخواتي -، لما لم يكن أزلياً إذن هو في خطر ألا يكون أبدياً، لأن القاعدة تقول كل ما ثبت له القدم استحال عليه العدم، القدم هو الأزلية، اللابداية، هذا هو القدم، الأزلية! فكل ما ثبت له القدم استحال عليه العدم، الإنسان ليس قديماً، ليس أزلياً، وبالتالي فالعدم ليس مُستحيلاً في حقه، وهذا يُؤرِّق الإنسان جداً، يُزعِجه جداً إدراكه ووعيه بنهائيته، أنه كائن نهائي، أنه كائن تحتوشه الآفات، يترصده الموت، يترصده الموت ولابد أن يقع يوماً بين براثنه وبين مخالبه، لابد! الإنسان يموت، لكن هذا الفرق بين مُؤمِن بالله واليوم الآخر، وبين إنسان لا يُؤمِن بالله واليوم الآخر.

الذي لا يُؤمِن بالله واليوم الآخر يظن أو يُوقِن أنه إن مات فقد صار إلى العدم، انتهى! عاد إلى العدم الأول، ولن يعود، لن يعود هو كما هو، لا يُوجَد احتمال ولا تُوجَد إمكانية بالمُطلَق أن يعود هو كما هو، كل نظريات العود الأبدي تتحدَّث عن استحالات أو حالات من التحول للإنسان، من حالة شخصية واعية إلى حالة لا شخصية، وحتى لو افترضنا أن هذه اللاشخصية ستُنتِج حالات شخصية، لكنها حالات شخصية أُخرى، بوعي آخر، بكينونات أُخرى مُختلِفة تماماً، إذن فهذه الحالة الشخصية المُحدَّدة بذاتها لن تعود، ما من احتمال أن تعود على الإطلاق، هذا شيئ مُزعِج ومُخيف، رهيب بالنسبة للإنسان.

بالنسبة للمُؤمِن الأمر ليس كذلك، المُؤمِن لديه اعتقاد أنه كائن أبدي، ليس بطبيعته، كائن باقٍ، لكن ليس بطبيعته، المُؤمِن يُوقِن بأن الإنسان سواء أكان مُؤمِناً أو كافراً هو كائن باقٍ، من جهة المبدأ أو المُبتدأ هو ليس أزلياً، هو مخلوق مُحدَث في الزمان، له بداية في الزمان، ابتدأه الله – تبارك وتعالى -، لكن من جهة النهاية هو باقٍ، لا يزول، فما بال الموت؟ الموت ليس عدماً، الموت ليس إنهاءً تاماً، الموت ليس إعداماً مُطلَقاً للإنسان أبداً، الموت حالة تصيرية، الموت بوّابة، لكن لا إلى العدم، وإنما إلى وجود آخر، إلى وجود أرحب وأوسع وأدوم، إنه وجود بلا نهاية.

طبعاً هذا ليس بطبيعة الإنسان، الإنسان لا يبقى بطبيعته، هذا ليس من خصائصه الذاتية، إنما يبقى بإبقاء الله – تبارك وتعالى – له، أما هو ذاتياً فهو قابل للعدم، قابل لأن يعود إلى العدم الأول الذي خرج منه، لكن الله – تبارك وتعالى – شاء بحكمته أن يُبقيه، ومن هنا أيضاً هذا الشوق اللاهب وهذا الشوق العميق إلى البقاء، وإلى الامتداد اللانهائي إلى الأبدية في الإنسان.

إذن حقيقة أن الإنسان مخلوق مُهِمة جداً، لكي يُدرِك الإنسان نهائيته، أنه كائن ينتهي، على الأقل ينتهي في هذه الدورة أو في هذه النشأة أو في هذه الحياة الأولى بالموت، لا يبقى في هذا العالم، ثم يفترق الناس بعد ذلك وفق عقائدهم ووفق تصوراتهم، فإما وقعوا في العدم، وإما آمنوا بنشأة أُخرى أرحب وأوسع، هذا ما يُعطيه أو بعض ما يُعطيه الإقرار بحقيقة مخلوقية الإنسان.

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۩، نحن لسنا مُجرَّد موجودات أو كائنات، نحن موجودات حية، فرق كبير! الكون فيه موجودات كثيرة، أكثرها ليس حياً، على الأقل فيما يبدو لنا، كيف نُميِّز؟ من حقنا نحن كبشر أن نُميِّز بين الكائنات الحية والكائنات غير الحية، ولنا معاييرنا، طبعاً سؤال الحياة وما هي الحياة؟ وما هي خصائص الحياة ومُميِّزات الحياة؟ من أصعب الأسئلة، وهو سؤال مُعقَّد جداً، لكن على الأقل نستطيع أن نُشير إلى بعض المسائل التي تُشكِّل شبه اتفاق بين العلماء والمُفكِّرين.

من سمات الكائن الحي ومن سمات الحياة عموماً كما يُقال ماذا؟ التكاثر، التناتج، التناسل، التذرية، يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۩، فالكائن الحي الله – تبارك وتعالى – زوَّده بهذا الاستعداد وبهذه اللياقة وبهذه الإمكانية، أن يتكاثر، الفيروس Virus يتكاثر، البكتيريا Bacteria تتكاثر، كذلك الأميبا Amoeba، الخلايا الحية، الإنسان، الحيوان، والنبات، كل هذه الكائنات تتكاثر، هذه كائنات حية على اختلاف رُتب الحياة وصورها، لكن الميزة الأساسية الرئيسة للحياة وللكائنات الحية أنها تتكاثر، الشيئ الميت كما نقول نحن أو الجامد لا يتكاثر، أي ضع هذه القطعة من الزجاج أو تلك من الحديد بلايين السنين، لا يُمكِن أن تتناتج وأن تتكاثر أبداً، لكن الكائنات الحية تتكاثر، الكائنات الحية تتكاثر – إخواني وأخواتي -.

العجيب في قضية التكاثر أو في قضية الحياة عموماً ومن سماتها التكاثر – وطبعاً لها سمات كثيرة ماتعة، تحتاج إلى حديث برأسه، حديث مُفصَّل ومُخصَّص – أنها منسوجة مع الموت، اللافت في قضية الحياة أن الحياة منسوجة مع الموت، مضفورة مع الموت، تستبطن الموت، والموت يستبطن الحياة، وهذا بعض معنى قوله – تبارك وتعالى – يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۩، عجيب جداً! هذا فيه إشارة واضحة أو شبه واضحة إلى أن الحياة تستبطن الموت، والموت أيضاً تكمن فيه الحياة، وهذا مُهِم أيضاً في القضايا العقدية – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي -، لماذا؟

لأننا نشهد كل يوم ومُذ كان الإنسان وهو يشهد وقبل أن يكون عقله استطاع أن يستدل وأن يعرف أن الحياة تنتج من الموت، نشهد هذا كل ساعة وكل حين، حياة تأتي من اللاحياة، من الموت! كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩، إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ۩، الله يقول هذا هو الله، لديه القدرة على أن يُخرِج الحياة من الموت، لكنه ينسج أيضاً في ثوب الحياة خيوط الموت، فتتآكل من داخلها، تتآكل أو تزول أو تتلاشى أو تذوي أو تضمحل من داخلها، شيئ عجيب على كل حال.

إذن نحن نشهد باستمرار كيف تنتج الحياة من الموت وكيف يسطو الموت بالحياة، لكن ما معنى أن الموت كامن في الحياة والحياة كامنة في الموت أو باطنة في الموت؟! معنى هذا كما نشهد الآن استحالة اللاحي إلى حي غداً سنشهد كيف يعود أيضاً مَن مات ومَن صار غير حي إلى الحياة من جديد، فما الأُعجوبة في هذا؟

القرآن دائماً يُؤكِّد على هذا المعنى، يقول لك فقط فكِّر، استخدم عقلك، أنت ترى الآن في هذا الوجود كيف تخرج الحياة من الموت، وغداً ستخرج الحياة من الموت أيضاً، هذا معنى البعث ببساطة، هذا معنى البعث والنشور! الحياة ستعود وتخرج من الموت، كما تراها كل يوم وكل ساعة وكل حين، وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ۩، نفس الشيئ، المُؤمِن يُوقِن بهذا ويفهم هذا بشكل جيد.

إذن كل شيئ – إخواني وأخواتي – فيه حياة وفيه موت، حتى الكوكب الأرضي، كوكبنا الجميل الأزرق هذا كوكب الحياة بامتياز، سُبحان الله! كوكب منسوج من حياة ومن موت في الوقت ذاته، أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً ۩ أَحْيَاءً وَأَمْوَات ۩، هذه الأرض! فيها الحياة وفيها الموت، تقلبات من الموت والحياة، تقلبات وتغيرات واستحالات من الموت والحياة والحياة والموت باستمرار، بقدرة الله – تبارك وتعالى -.

أيضاً هذا الكائن المخلوق الموجود المصنوع الحي محكوم – إخواني وأخواتي – بــ وخاضع لــ قانون الزوجية في الكون، القرآن يُؤكِّد: وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ۩، قال وَمِنْ كُلّ شَيْء ۩، يُوجَد زوجان، والإنسان ليس استثناءً، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ۩ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ۩ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ۩، انظر إلى هذا، حتى ليل ونهار، نهار يُقابِله ليل، وليل يخرج منه نهار، هناك زوجية، هناك ازدواجية، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۩، ثم قال وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ۩ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ ۩، حتى الأعمال أزواج، سُبحان الله! عمل صالح وعمل طالح، عمل كريم وعمل لئيم، وهكذا! عمل مُتعالٍ وعمل مُتسفِّل مُنحَط، أزواج أزواج أزواج، كل شيئ يخضع لقانون الزوجية، كل شيئ! المادة، النبات، الحيوان، وفي رأس الحيوان الإنسان، شيئ عجيب، وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ۩.

علماء الطبيعة يُحدِّثوننا عن المادة وضد المادة، ليس فقط إلكترون Electron وبروتون Proton أو إلكترون Electron وضديد الإلكترون Electron، بوزيترون Positron – مثلاً -، لا! المادة كلها بشكل عام كما نعرفها تُقابِلها مادة مُضادة، المادة وضد المادة، وحدَّثونا أيضاً عن الكون والأكوان الضد، أكوان ضديدة، أكوان تُقابِل هذه الأكوان وتُخالِفها، تماماً كأنها صورة مرآوية، كأنها صورة مرآوية! أكوان معكوسة، وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ۩، لا إله إلا الله.

المُتفرِّد فقط بالواحدية والوحدانية هو الله، الله هو واحد – لا إله إلا هو – أحد، لا يُوجَد زوج لله – تبارك وتعالى – أبداً، هو الله وحده، لا إله إلا هو، جل في عليائه، ما عدا الله يخضع للزوجية، ما دلالة خضوع الإنسان أيضاً ضمن هذه الأشياء التي تخضع كلها لمبدأ أو قانون الزوجية؟ الدلالة الافتقار، الخضوع للزوجية دلالة الاحتياج، دلالة الافتقار، الإنسان لا يُمكِن أن يعيش وأن يمتد كنوع إلا بهذه الازدواجية أبداً، وهذا معروف، لأنه يتكاثر جنسياً، يتكاثر تكاثراً جنسياً، وهذا ما جعله ما هو عليه، هذا الذي جعله ما هو عليه!

النبات أزواج طبعاً كما تعلمون، والحيوانات أزواج، وكل شيئ أزواج، الله وحده هو الذي يتعالى على هذا القانون، لا إله إلا هو! والإنسان قرآنياً – إخواني وأخواتي – حين يُفكِّر في نفسه يجد أنه مُكوَّن من عناصر ثلاثة: من جسم، وإن شئتم جسد، وحده هكذا، والآن سنقول الفرق، إذن من جسم، ومن نفس، ومن روح، ولي حلقة ضمن الحلقات السابقة عن الفرق بين النفس والروح.

إذن الجسم والنفس والروح، الجسم معروف، هو هذا الثوب المادي، الغلالة المادية، التي كُسيناها، وهناك النفس، النفس هي التي إذا دبت في هذا الجسد صار جسماً، صار جسماً حياً، يحيا كما تحيا الحيوانات، يتحرَّك ويسعى، يأكل ويشرب، يأتي أهله ويتكاثر، إلى آخر صفات الكائنات الحيوانية، إلى الآن هو مُجرَّد حيوان، لكن وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، هذه مسألة غير النفس تماماً، النفس غير الروح، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، الآن أصبح إنساناً، أصبح خلقاً آخر، أصبح سيد هذا الكون، عبد لله وحده وسيد لكل شيئ بعده، بفضل وبسبب نفخة الروح.

وقبل أن أتحدَّث عن نفخة الروح أتحدَّث – إخواني وأخواتي – عن الجسم والجسد، الجسم وردت في كتاب الله في موضعين فقط، وأما الجسد فوردت في أربعة مواضع، فما الفرق بين الجسم والجسد؟ قال وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۩، قال وَزَادَهُ – عن طالوت – بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۩، لم يقل والجسد، وإذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۩، في حق المُنافِقين، أجسام! لم يقل أجساد، هذه هي، موضعان فقط، جسم وأجسام.

أما الجسد فشأنه الآتي، وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۩ في سورة الأعراف، لم يقل عجلاً جسماً، قال عِجْلا جَسَدًا ۩، قال عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۩، في سورة طه فَأَخْرَجَ لَهُمْ – أي السامري، موسى السامري اسمه هذا – عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۩، في حق سُليمان النبي الملك – عليه السلام – وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ۩، قال جَسَدًا ۩، في حق الأنبياء بعامة وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ۩، عجيب! جسد… جسد… جسد… قال لك جسد لا يأكل الطعام، الجسد لا يأكل الطعام! إذن ما هو الجسد؟ الجسد هو الجسم – جسم الإنسان أو الحيوان – إذا زايلته النفس، إذا لم يكن حياً، فهو جسد، لكن إن كان حياً ودبت فيه النفس أو لا تزال فيه فهو الجسم.

دقة قرآنية عجيبة! ونحن طبعاً هكذا لا نُفرِّق، وهذا مُهِم جداً حتى في التفسير، أي إذا أردنا أن نتحدَّث عن عجل بني إسرائيل الذي صنعه لهم موسى السامري من الحُلي – من حُليهم التي سرقوها من أقباط مصر – فسنتساءل هل فعلاً كما يقول بعض المُفسِّرين ذاك العجل كان عجلاً من ذهب ولكن دبت فيه الحياة – الحياة الحقيقية – وكان يخور ويُصوِّت ويتحرَّك كعجل حقيقي؟ لا، هذا كلام غير صحيح، قرآنياً غير صحيح، لماذا؟ لأن الله قال جَسَدًا ۩، لو أصبح هذا الجسد حياً ودبت فيه النفس والحياة التي نعرفها كما تدب في أجسامنا وفي أجسام الحيوانات لقال جسماً، لكنه قال جَسَدًا ۩، وبالتالي أيضاً نحن نُرجِّح أن الذي رُزِقه سُليمان – هناك قصة طويلة معروفة، ولها أصل في الصحيح – لم يكن غُلاماً مُشوَّهاً فقط، أي شق غُلام، بل كان ميتاً أيضاً، كان غُلاماً أو سِقطاً ميتاً، ومُشوَّهاً، لأنه كان نصف إنسان، نصف بدن، هو هذا! فلا نقول إنه كان حياً، وقع ميتاً، نزل من رحم أمه ميتاً، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

ولذلك عجَّب الله – تبارك وتعالى -، قال فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۩، من أين أخرج لهم؟ من الحُلي، وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۩، فمن أين يأتي الخوار؟ والخوار هو صوت الثور، يقول المُفسِّرون السامري حين صنع وصاغ هذا العجل الذهبي جعل له منفذاً، جعل له منفذاً بصفة مُعيَّنة من التضيق والاتساع في مواضع، المُهِم منفذاً من رأسه ومخرجاً من دُبره، ثم وصله بآلة، آلة نفخ، أي هذه عملية بسيطة، تكنولوجيا بدائية جداً، وطبعاً نقول هذا لماذا؟ لأن الكنعانيين كانوا يصنعون هذا الصنيع نفسه بإلههم بعل، وتعرفون هذه الأصنام المصنوعة لبعل، نفس الشيئ! يصنعونه بنفس المبدأ، ويصلونه بهذه، أي بآلة النفخ هذه، فيخرج له صوت، وهي آلة مخفية، لا يراها الناس، عبّاد الأصنام وعبّاد هذه العجول، تُخفى في مكان مُعيَّن، يُحرِّكها الكاهن، يضغط عليها، يدخل الهواء ويخرج، فيُصوِّت، مثل مبدأ الزمارة أو الصفارة، أي هذه تقنية بدائية جداً، هذا الذي حدث، وليس أكثر من هذا، ولذلك هذا جسد وليس جسماً.

على كل حال الإنسان بجسمه لا يزال حيواناً، مع أن جسمه بنية مادية دبت فيها النفس، فحيا أو فحيي حياة البدن أو حياة الحيوانات، بعد ذلك وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، ولذلك الله – تبارك وتعالى – ما أمر الملائكة بأن يُسجدوا له إلا بعد نفخة الروح، قال فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ۩، ليس من أجل النفس، إنما من أجل هذه النفخة الروحانية، من روح الله – تبارك وتعالى -.

هذه النفخة العُلوية – إخواني وأخواتي – هي التي جعلتنا كما نحن، جعلتنا ما نحن، ما نحن عليه! كائنات تُدرِك المسافة والفرق بينها وبين الطبيعة، نحن لا نشعر أننا مدكوكون مُدغَمون مُندمِجون في الطبيعة تماماً، لا مسافة بيننا وبين الطبيعة، بالعكس! نشعر بأن هناك ثمة مسافة كبيرة بيننا وبين الطبيعة، نشعر بغُربة أصلاً في هذا العالم، ومن هنا البحث عن الدين، من هنا البحث عن الله، السؤال عن الحقيقة، السؤال عن المصير، والسؤال عن المنشأ، لماذا؟ لأننا ككائنات لسنا كائنات مُندِكة في الطبيعة، لو كنا مدكوكين مُدغَمين في الطبيعة مثل الحيوان ومثل النبات لما طرحنا هذه الأسئلة أصلاً، لعشنا نأكل ونشرب ونتسافد وانتهى الأمر، ابداً!

لكن انظروا، الإنسان هو الكائن الوحيد الذي له تسلط على الطبيعة وما فيها، هل الفيروس Virus الذي يأتي ويفتك بالإنسان يعلم أنه يفعل هذا؟ أبداً أبداً، وهو لا يفعل هذا لخصومة شخصية بينه وبينك، وذكرت لكم مرة في حلقة سابقة كلمة الفيلسوف الفرنسي الكبير لبليز باسكال Blaise Pascal، باسكال Pascal تحدَّث عن الفرق بين أصغر إنسان أو أتفه إنسان وبين أقوى شيئ في الوجود، سواء كان حيواناً أو سواء كان شيئاً مادياً، كسيف يُضرَب به عُنق الإنسان مثلاً أو تُضرَب به عُنق الإنسان، أو خنجر، أو قصبة تخترق قلب الإنسان فتُميته، قال الفرق بين أدنى إنسان أو أتفه إنسان وبين هذه القصبة أن هذه القصبة حين تقتل هذا الإنسان لا تدري بما تفعل.

الإنسان في المُقابِل هو الذي يعلم أشياء كثيرة جداً جداً، تُمكِّنه حتى من تحكم زائد مُتواصِل، يعلم أشياء كثيرة عن الفيروس Virus هذا، وعن الميكروبات بأسرها، وعن النجوم والشموس، وعن الأقمار، وعن الأرض، وعن النبات، وعن الحيوان وأنواع الحيوان، وعن نفسه، وأشياء كثيرة، شيئ غريب! الإنسان وحده هو الذي يفعل هذا، وواضح أنه وحده هو اللائق بفعل هذا، لكن لماذا؟ وكيف؟ وما علاقة هذا بالنفخة من روح الله فيه؟ 

هذا ما سنعرض له بحول الله – تبارك وتعالى -، لكن بعد هذا الفاصل، فكونوا معنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواتي من جديد.

إذن الإنسان هو وحده الذي يشعر وبالفعل هو كذلك بأنه مُتسلِّط على هذا الكوكب، مُتسلِّط على موجوداته، كائناته، أحيائه، وأشيائه، ويستخدمها ويستعملها ويستثمرها، ويُساهِم للأسف أيضاً في انقراضها وفي زوالها، هو يفعل هذا ويعي هذا، غيره ليس له هذه المزية.

والعجيب أنه لا يُوجَد – ونحن نُدرِك هذا تماماً، نعيش هذا ونخبره كل يوم – كائن آخر على هذا الكوكب يفعل بنا هذا الشيئ، فيتسلَّط علينا ويُفنينا ويُخضِعنا للدراسة والاستعمال والارتفاق، غير موجود! إذن واضح أننا نحن سادة هذا الكوكب، لماذا؟ لماذا كانت لنا هذه الخصائص أو هذه المزية؟ بفعل النفحة والنفخة الإلهية، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، لماذا؟ لأن الوجود كله – كما قلنا – المصنوع المخلوق لله – تبارك وتعالى – والمملوك لله – تبارك وتعالى -، كله خاضع مشمول بعلم الله – عز وجل -، بخالقية الله – تبارك وتعالى -، بربوبية الله – عز وجل -، الله هو رب هذا الوجود، يربه ويُديره ويُدبِّره كله، وهو مالكه وخالقه وصانعه، والعليم بكل شيئ فيه، والآن نُفِخ فينا من روح الله، شيئ عجيب يا إخواني، صار لدينا استعداد ولياقات في هذه الأبواب، لكن بقدرنا، فالإنسان لديه فضول معرفي تقريباً غير محدود، يُحِب أن يفهم كل شيئ وأن يبحث في كل شيئ، وطبعاً كما ترون الآن العلماء والدول تُنفِق أحياناً مليارات على أبحاث لا ينبني عليها شيئ عملي، على الأقل في الأمد وفي الأجل المُباشِر أو حتى المُتوسِّط، لكن يُحِب الإنسان أن يعرف، فلماذا – مثلاً – نحن معنيون جداً أن نعرف كيف نشأ الكون؟ وهل نشأ قبل خمسة عشر مليار سنة أو أكثر أو أقل؟ وبالضبط كيف نشأ؟ يُحِبون أن يعرفوا، ويُحِبون أن يعرفوا – الإنسان يُحِب أن يعرف – كيف سيزول هذا الكون، قد يزول بعد عشرين أو بعد ثلاثين أو بعد مائة مليار سنة، المُهِم كيف سيزول؟ هل سيزول؟ وكيف سيزول؟ وهناك نظريات وأنماط من التفكير وخيالات علمية، شيئ عجيب جداً، لماذا؟ نفخة إلهية، الوجود كله خاضع لعلم الله، والإنسان عنده هذا الفضول العلمي العجيب جداً جداً.

الوجود مملوك لله، والإنسان عنده هذه النزعة للتملك، أن يضع يده على كل شيئ، القمر الآن تقريباً صاروا يبيعون فيه لبعض الناس، فبعض النصّابين استغل أيضاً هذا، قال لك هذا القمر نزلنا عليه، إذن نتملَّكه نحن، نتملَّكه ونبدأ من الآن في أن نُوزِّع ونبيع ونشتري ونُقطِّع، شيئ غريب! عنده نزعة للتملك، عنده نزعة للتملك ولوضع اليد على الأشياء، لماذا؟ لأن الله مالك المُلك، لا إله إلا هو! وهو منفوخ فيه من روح الله، لكن هو يحتاج، الله – عز وجل – لا يحتاج، وحين يحتاج يُلبيه الوجود ويُلبيه الكون، لماذا؟ هذا ليس بحيلته، وليس بذكائه، لأن الله – تبارك وتعالى – خلق الوجود وسخَّره للإنسان، هو مُسخَّر لنا لكي يُلبي حاجاتنا، لكي يستجيب لطَلِباتنا، هو مُهيَّأ لهذا، شيئ غريب جداً، كما أنه مُهيَّأ في الوقت نفسه يا إخواني لأن ندرسه، ولأن نعرفه، ولأن نكشف عن قوانينه التي تُسيِّره ودساتيره التي تُدبِّره، هذا هو المبدأ الذي يُسمى الآن في لُغة العلماء المُعاصِرين بالمبدأ الأنثروبي، يُسمى بالمبدأ الأنثروبي، يقول الكون هو كما هو لكي يكون مُناسِباً لنا، وإلا لما كان الكون كما نعرفه الآن، هذا هو المبدأ الأنثروبي، وله صيغ، الصيغة الضعيفة والصيغة القوية.

إذن – إخواني وأخواتي – النفخة الإلهية في الإنسان جعلته – كما قلت لكم – يتسجيب للوجود، يتعاطى مع الوجود، ويتلقى هذا الوجود تلقياً مُركَّباً مُعقَّداً، على مُستويات: هناك المُستوى العلمي البحثي التجريبي الاختباري، هناك المُستوى الفني الذوقي الإبداعي التخليقي، هناك المُستوى الفلسفي التحليلي التساؤلي، وهو مُستوى قلق، وهناك المُستوى الروحاني الديني.

على كل حال إذا كان الإنسان يتلقى الكون ويستجيب له ويتفاعل معه ويتعاطى معه على هذه المُستويات الأربعة أو وفق هذه المُستويات الأربعة كاستجابة أو كمفعول أو كأثر للنفخة الإلهية فيه – وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، إذن انتبهوا – فإذن كل الجوانب المذكورة أيضاً لها جوانبها الروحية، كلها! أي الجانب الفني، الجانب العلمي، الجانب الفلسفي، وطبعاً فضلاً عن الجانب الديني، هذا واضح جداً، كل هذه الجوانب لها أيضاً جوانبها الروحية، أبداً! أي أكبر الماديين وأكبر الملاحدة لا يُمكِن إلا أن يخضع للاعتراف بالجوانب الروحية، الحيوانات لا تفعل هذه الأشياء، نحن نفعلها، لماذا؟ فينا هذا الجانب الروحي، فينا هذا الجانب المُفارِق، الجانب المُتعالي، الجانب الذي – كما قلت لكم – يجعلنا نشعر بأن هناك ثمة مسافة هائلة بيننا وبين الطبيعة، الجانب الذي يجعلنا أيضاً في الوقت ذاته نشعر بالغُربة في هذا العالم، بالغُربة في هذه النشأة، لماذا؟ لأن لنا أصلاً إلهياً، لنا أصلاً ما ورائياً، موجود هذا فينا، الجانب الذي يُعمِّقنا، يُعطينا عُمقاً في الحياة. 

تخيَّلوا إنساناً – لو وُجِد طبعاً، وهو غير موجود على كل حال، وإن زعموا أنهم كذلك – أو تخيَّلوا مُلحِداً حقيقاً ومُلحِداً خالصاً – أي Pure – أو كاملاً – أي Perfect، وهذا غير موجود على فكرة، غير موجود أبداً، وإن ادّعى أعتى الملاحدة أنه مُلحِد خالص، غير موجود! المُلحِد الخالص لابد أن يخلو من كل هذه الجوانب الروحانية، بمعنى أنه سيعيش حياته أُفقياً، لا عُمق له، ولا ارتفاع، لا يُوجَد أي نوع من التعالي، وهذا مُستحيل، لسنا كذلك، نحن كائنات مُتعالية بطبيعتها، ومن هنا – كما قلت لكم – نحن كائنات روحانية، كائنات سأَّالة عن الله – تبارك وتعالى -، عن الغيب، وعن الما وراء، ونعشق الما وراء هذا، ومن هنا عشقنا للمجاز، وللتشبيه، لماذا المجاز؟ تقريباً كل اللُغات البشرية فيها المجاز، فيها المجازات! لماذا؟ ببساطة وبكلمة واحدة لأن المجاز هو بحث وسعي، بحث عن وسعي إلى الما وراء، الما بعد، الما تحت، أي الأعمق أيضاً، هو هذا المجاز، ما وراء الظاهر، ما وراء المُتبدي، وما يتعدى المُتبدي، هو هكذا! هذا هو المجاز.

أيضاً الفن يا إخواني، الفن هم يقولون تخليق وإبداع، وفي الحقيقة الفن اكتشاف، وليس تخليقاً ولا إبداعاً، لماذا نستجيب بتأثر بالغ وبوجدان مشبوب للحن جميل وللحن مُتقَن؟ ونُخطئ فنقول كاد اللحن ينطق، وفي الحقيقة هذا غير صحيح، لا! ليس من شأنه أن ينطق، نُخطئ في هذا، والآن سأُوضِّح هذا، نُخطئ فنظن أن اللحن حين لحَّنه المُلحِّن الكبير أو المُلحِّن المُبدِع كما اعتدنا لكي نصفه جاء ليتوافق ويتكيَّف مع الكلمات، وفي الحقيقة هذا غير صحيح، المفروض أن الكلمات هي التي تتوافق مع اللحن، كيف؟ لأن اللحن يا إخواني هو معنىً لم تبتسره اللُغة، ومن هنا تأثرنا به أكثر من الكلمة، ونُخطئ حين نقول كاد ينطق، بالعكس! ليس من شأنه أن ينطق أبداً، نحن الذين ننطق، وحين ننطق يذوب شيئ من المعنى، تتلاشى أجزاء من المعنى، تضمحل، تختفي، وتهرب من بين أيدينا أجزاء من المعنى، اللُغة التي تُقولِب المعنى تختزله، تحصره، تُشوِّهه، تجور عليه، اللحن لم يُقولِب المعنى، اللحن فيه انطلاق يا إخواني، فيه سلاسة، وفيه حرية حقيقية.

الإستاذ الكبير عباس العقاد كان يرى أن جمال الفن في الحرية، أي شيئ له علاقة بالفن إذا لم يتصف بصفة الحرية فليس من ناحية فنية شيئاً جيداً، ليس شيئاً جيداً، منقوص الجمالية، منقوص الفنية، الحرية! الحرية تمثل في القلب أيضاً من الفن، الفن حر، الفن حر يا إخواني، وهذا الفرق على فكرة بين الفنّان وبين المُفكِّر، بين الفنّان وبين المُبشِّر أو الداعية إلى فكرة مُعيَّنة أو الأيديولوجي، هل تعرفون ما هو؟ المُفكِّر عليه دائماً أن يُبرهِن – يأتي دائماً بالبُرهان – أنه على الأقل يتفق مع السائد، أو يُخالِف السائد وهذا بُرهانه، المُفكِّر أو الفيلسوف أو الداعية أو المُبشِّر أو الأيديولوجي دائماً يأتي ليقول أنا جئت من أجل مصلحتكم، وهذا البُرهان، جئت من أجل إنقاذكم، وجئت من أجل التغيير، الفنّان غير مُلزَم بأن يُقدِّم بُرهاناً أصلاً، هو مُتحرِّر، الفنّان يُقدِّم ما عنده وكفى، هو غير مُلزَم بأن يُبرِّر ما يُقدِّمه، عجيب! درجة عالية من الحرية، هذه حرية الروح، حرية الروح الإنساني أو الروح الإنسانية.

إذن في القلب من الفن تمثل الحرية – كما قلت لكم إخواني وأخواتي -، لكن بالله كيف نتأثَّر بلحن – كما قلت لكم جاءت الكلمات لتتكيَّف معه، وليس هو ما جاء ليتكيَّف مع الكلمات – دون أن نعلم معناه الذي نتأثَّر به؟ في الحقيقة المعنى موجود، موجود فينا نحن، وهذه قدرة الإنسان على أن يكون فنّاناً، وهو يكشف عن المعنى، لا يخترعه، لا يُبدِعه، يكشف عنه! تماماً كما قال مايكل أنجلو Michelangelo – النحّات العظيم، وهو مُعاصِر طبعاً دافنشي Da Vinci، كان يقول الآتي، ويتعجَّب الناس من قدرته على التمثيل وعلى النحت الفائقة، لم يكن لها نظير في عصره – أنا لا أفعل شيئاً، أنا حين أتوجَّه إلى كُتلة الصخر يكون التمثال موجوداً، يقبع هناك، فقط أنا أكشف عنه، وهذا شيئ عميق، أي هذا من أدق التعبيرات ومن أعمقها على الإطلاق التي تُؤكِّد حقيقة وجوهرية الفن، هذا هو الفن، الفن كشف، ليس إيجاداً، وليس اختراعاً.

وكل هذا له علاقة – كما قلت لكم – بالجانب الروحي فينا، بالنفخة الإلهية فينا، وهذا الذي يُعطينا هذا العُمق وهذه الروحية، هذا التحرر وهذه السلاسة وهذه الانسيابية في الإنسان، هذا عُمق الإنسان الحقيقي، عُمق روحي! في المُستوى العلمي، في المُستوى الفلسفي، في المُستوى الفني، وطبعاً في المُستوى الديني.

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ۛشَهِدْنَا ۛأَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ۩ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ۩، يا سلام! شيئ عجيب جداً جداً، بعض الناس لأنه ولكونه لا يفهم عُمق هذه الآية ربما يُسجِّل عليها نقداً، والنقد عليه، وليس على الآية، كيف؟ هذه الآية تقول لا يجوز لأحد أن يعتذر يوم القيامة بين يدي الله – تبارك وتعالى – ولا أن يحتج على الله – تبارك وتعالى – بالغفلة أبداً! الغفلة عن ماذا؟ الغفلة عن هذا الميثاق، الغفلة عن هذه المُخاطَبة، الله خاطبنا، أخرجنا في عالم الذر، تخيَّل! أخرج كل أحد من ظهر أبيه، من بعد آدم وأولاد آدم إلى آخر نسمة، إلى آخر نسمة يتأذَّن الله بخلقها وإيجادها وصُنعها، وخاطبنا أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ  ۩، وكان الجواب بَلَىٰ ۩، هذا استفهام تقريري، ثم قال ۛأَن تَقُولُوا ۩، أي ألا تقولوا، لئلا تقولوا، لابد من تقدير حرف النفي، ۛأَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ۩، أي لئلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، لا يجوز الاحتجاج بالغفلة، ما معنى هذا؟

معنى هذا أن الشعور بالله – انتبهوا إخواني وأخواتي – والبحث عن الله في قرارة وقاع نفس أو روح كل واحد منا، أبداً! لا يُمكِن لأي أحد أن يهرب من هذا، ولذلك حتى الملاحدة يا إخواني ليس بوسعهم أن يهربوا، ولذلك هم يُبدئون ويُعيدون ليُؤكِّدوا ويُقنِعوا الآخرين أن الله هذا غير موجود، لماذا تُرهِقون أنفسكم؟ لو كان غير موجود وكانت قضية فعلاً عفا عليها الزمن وخُرافية وليس لها معنى، فلماذا تتكلَّمون فيها؟ كما لا يُتكلَّم في قضية الرُخ والعنقاء – مثلاً – وأطلس حامل الكون وهذه الأشياء الفارغة، أبداً! لأنها في قاع النفس، إذا شعرت بأن لك عُمقاً، إذا شعرت بتوقك للخلود والأبدية، إذا شعرت بأنك لست واحداً مع الطبيعة، بل أنتما اثنان، إذا أقلقك سؤال الوجود، وسؤال المصير، إذا… إذا… وإذا… فاعلم أن هذا كله بسبب أن الله – تبارك وتعالى – في قاع النفس، أي الإيمان بالله، فكرة الله، مبدأ الله، وعقيدة الله في قاع النفس.

ولذلك الاحتجاج بالغفلة مرفوض، الله يقول غير مقبول، غير مقبول! قد يأتي الاحتجاج بالجهل، أن الله – تبارك وتعالى – ليس واحداً، وربما معه شركاء ومعه آلهة أُخرى تُدبِّر الوجود وتربه، لماذا؟ لأننا وجدنا آباءنا هكذا، فنحن تابعناهم فيما هم عليه، نحن مُجرَّد ذُرية، أجيال لهم! فتابعناهم على ما هم عليه وما هم فيه، هذه حُجة الجهل، وجهلنا أن الإشراك خاطئ وباطل وقبيح، نحن قلَّدنا، مُجرَّد مُقلِّدة، كنا مُقلِّدين، وأيضاً هذه الحُجة لا وزن لها، لأن الله خلق لك عقلاً بعد أن غرس في فطرتك وفي قاع نفسك مبدأ الإيمان، شيئ عجيب جداً يا إخواني! هذا ما يُعطي الإنسان عُمقه.

ثم بعد ذلك الإنسان يرفض فكرة العدم، أنه بموته سوف ينتهي ولن يعود وسينتهي كل شيئ، ستنتهي ذكرياته الجميلة مع زوجه، مع أولاده، مع أصدقائه، ومع نفسه، ستنتهي التأميلات، ستنتهي التأملات، ستنتهي الطموحات، ستنتهي اللذائذ، وسينتهي كل شيئ! الإنسان يرفض هذا تماماً، وهو يُداوِره ويُناوِره بأكثر من طريقة ومن أكثر من زاوية مُنذ القدم، قبل أن تنشأ الفلسفة، المسكين يُدرِك أنه نهائي، يُدرِك أنه ليس إلهاً، يُدرِك أنه ليس مُطلَقاً، بل هو مُقيَّد، مُقيَّد بالزمان، مُقيَّد بالمكان، ومُقيَّد بالمصير كما قلت لكم، وتتناوشه الآفات والأمراض والمتاعب والشيخوخة والضعف والتراجع، يُدرِك هذا ويُقلقِه ويبحث عن الخلاص.

في عهود ما قبل الفلسفة الإنسان قال الخلاص يكمن في الإنجاب، أن نُنجِب الذُرية، وأولادي صورة مني، فهكذا أنا لا أنتهي، لكن ببساطة هو أدرك سريعاً أن هذا مُجرَّد مُخادَعة للذات، لأن الذي يبقى النوع في نهاية المطاف، الفرد أو الشخصية أو الكيان – كما قلت – الواعي بذاته يفنى ولا يعود، هكذا ظنوا! أما النوع الإنسان فيبقى، كما تبقى الأنواع الحيوانية الأُخرى، مع فناء أفرادها باستمرار وعلى التوالي، فليس في هذا عزاء.

ثم حاول أن يبتكر طريقة أُخرى، أن يكون استثنائياً، أن يُبدِع أعمالاً غير عادية، أن يجترح بطولات وخوارق كُبرى، بحيث تُخلِّده في التاريخ، ويبقى اسمه يُذكَر على الأزمان، وتتلوه الألسنة على مر السنين والأعوام، ومن هنا كان التاريخ والتأريخ، ولكنه أدرك أيضاً سريعاً ومن قريب أن ليس في هذا عزاء، لماذا؟ لأن الذي يبقى ليس هو كذات واعية، كشخصية قائمة بحيالها، بل ما يبقى منه ذكرى، ذكرى يستهلكها الآخرون.

ثم بعد ذلك أتت الفلسفة، فماذا قدَّمت الفلسفة وماذا اقترحت؟ الفلسفة اقترحت عزاءً جديداً، سمته الحكمة، بالذات الفلسفة الأبيقورية، نسبة إلى إبيقور Epicurus، أي فلسفة إبيقور Epicurus، وخاصة مع الفيلسوف العبد – الفيلسوف الرقيق العبد -إبيكتيتوس Epictetus، قال على الإنسان ان يُدرِك أن ما يجري في الوجود – وهو ليس شذوذاً، ليس استثناءً من الوجود وأشياء الوجود – مجرَّد حالة سريان، حالة دوامية باستمرار، للتحولات والتغيرات، قطرة الماء تتبخَّر من البحر أو من النهر، ثم تنعقد وتتكثَّف، لتنزل مرة أُخرى، فربما نزلت في نهر أو بحر، فإن نزلت في نهر ربما يشربها حيوان، ربما يمتصها جذر نبات، ثم يأتي حيوان ويأكل هذا النبات، فتصير هذه القطرة بعض هذا الحيوان وتُساهِم في بنائه، وربما جاء إنسان فارس نبيل يدفع عن أرضه وقومه وعرضه وشرف بلده، فذبح الحيوان، فأكله، فساهمت هذه القطرة في إنجاز جُزء بسيط جداً – جُزء كسري عشري – من أهداف هذا البطل الطمّاح الكبير، فلا تقلق أيها الإنسان، أنت في عالم من التحولات!

طبعاً للأسف الشديد كان بود الإنسان أن يُصدِّق، أن يُصدِّق هذا الوهم الكبير، أن يُصدِّق اعتدال وتساوي وترادف حالة الإنسان الشخصية الآن – أنا الآن ذات، ذات لها حدود، واعية بنفسه، ذات شخصية – وبين الاستحالية اللاشخصية، أي أن يُساوي بين هذه الحالة – أي الحالة الشخصية – وبين الحالة التحولية أو الاستحالية اللاشخصية، بحيث تكون أبعاضك في جوف حيوان، وأبعاض أُخرى في جذر نبات، وأبعاض في السماء، وأبعاض في نهر أو في بحر ملح، إلى آخره! الإنسان اقتنع تماماً بأن ليس هذا هو العزاء، هذا لا يُمكِن أن يكون عزاءً.

اقترح آخرون كالبوذيين وبعض فلاسفة المسيحية مثل باسكال Pascal الذي ذكرته اليوم مرةً، اقترحوا عدم التعلق، أن نُحِب الخير والجمال ونفعل الخير ونأنس بالجمال، ولكن لا نتعلَّق، لماذا؟ لا نتعلَّق بشيئ، لا نتعلَّق بالأصدقاء، لا بالأمهات، لا بالآباء، لا بالأبناء، لا بالأحباب، ولا بالزوجات والأزواج، لا نتعلَّق بشيئ أبداً، نتعلَّق بماذا؟ قالوا نتعلَّق بالحقيقة المُطلَقة، وحين يدهم الموت وحين يأتي الموت تكون أنت مُستعِداً، ليس عندك ما تتحسَّر عليه، لأنك غير مُتعلِّق! هل هذا مُناسِب؟ في الحقيقة نحن نُحِب الحياة لأننا مُتعلِّقون، الذي يُحِّببنا في الحياة أو يُحبِّب الحياة إلينا أن فيها أبناء طيبين لنا، أن فيها زوجات صالحات، أن فيها أصدقاء أوفياء، أن فيها أناس نُبلاء، نأنس بهم ويأنسون بنا، نألفهم ويألفوننا، هذا الذي يجعل للحياة معنى، لا حدودنا البدنية المحدودة القاصرة النهائية، أبداً! فمبدأ عدم التعلق هذا مبدأ خيالي قليلاً، بليز باسكال Blaise Pascal يقترح علينا ألا نتعلَّق بشيئ – هذا في خواطره، أي في خواطر باسكال Pascal – وألا نسمح لأحد أن يتعلَّق بنا، حتى أنه تجرَّأ على القول حين تسمح لأحد أن يتعلَّق بك وأن يُحِبك فقد ارتكبت خطيئة، لماذا؟ قال لأنك نهائي، لأنك فانٍ، في يوم من الأيام سيأتي يبحث عنك هذا المسكين بعد أن تعلق بك وربما تعشقك تعشقاً كبيراً فلا يجدك، أنت انتهيت، أنت ذهبت، فأنت تسبَّبت في مأساة له، تسبَّبت في تمرير حياته، أنت تأثم، أنت تُخطئ بهذا الأسلوب، لا تتعلَّق بأحد، ولا تسمح لأحد أن يتعلَّق بك! وكما قلت لكم هذا الكلام خيالي، يجعل الحياة فقيرة جداً، يجعلها صحراء، يجعلها صحراء جرداء، ليس فيها معنىً يُرطِّب حياة الإنسان أبداً، لا يُرطِّبها إلا العلاقات.

لكن جاء الدين، ونعود الآن، جاء الدين ليُعطيك الحل الحقيقي، الحل الذي جعل الدين يكتسح كل الاقتراحات الأُخرى، جعل الدين في المُقدِّمة، وجعل الدين الأكثر تأثيراً في البشر وعلى مر العصور، جاء الدين ليقول لك اطمئن، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩، جاء الدين ليقول يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ۩، جاء الدين ليقول انتبه، الذي يموت لا يفنى ولا ينتهي، والموت لا يتسلَّط على الروح، الحقيقة التي جعلت منك إنساناً بكل الأبعاد التي ذكرنا وألمعنا إليها ليست النفس وليست الحياة الحيوانية، إنما الحياة الروحية، الجانب الفني، الفلسفي، العلمي، والديني الروحاني فيك، هذا هو حقيقتك.

الدين قال لك الذي يموت ليس الروح، وإنما النفس، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۩، ليس كل روح أبداً، ليس في القرآن الكريم ولا في موضع أن الروح تموت أو الروح تخرج من الإنسان ومن البدن، لأنها ليست كذلك، ليست عنصراً أصلاً، أبداً! وإنما الذي يخرج والذي يموت النفس، ومع ذلك الموت ليس إعداماً وليس إنهاءً، الموت بوّابة على عالم أوسع وأرحب وأدوم، إنه عالم الأبدية، وشخصيتك – اطمئن ولا تقلق – محفوظة، سوف يبقى لك كامل الشعور بالذات، بالعكس! بل في أُفق – كما قلت لك – أوسع وأقوى، كل شيئ سيغدو أمامك واضحاً، لا تحتاج إلى ذاكرة خارقة، أنت الآن مُجرَّد ذاكرة، أنت كلك ذاكرة، كل شيئ سيكون حاضراً، ستستعيد كل الطفولة، كل الشباب، وكل الأحداث التي كانت مرت بك في يوم من الأيام، كلها أمامك! قال – تبارك وتعالى – فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ ۩، الإدراك Perfect الآن، في أعلى درجاته، في ذُروته، مُرهَف، ومشحوذ شحذاً تاماً، فانتبه، بالعكس! أنت بالموت ربما ستشعر أنك وُلِدت ولادة حقيقية، وجدت نفسك، الآن ستشعر بنفسك، الحياة تأخذك من نفسك! إذن إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩. 

نحن سنعود من جديد في شكل أكمل، في شكل أوضح، وفي شكل أجمل – بإذن الله تبارك وتعالى -، يا لسَعد أو يا لسُعد المُؤمِنين! يا لسعادتهم! لأنهم سيعودون على هذا النحو لكن في حياة يلتقون فيها بأحبابهم، بآبائهم، بأزواجهم، وبذُرياتهم، أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۩، لا إله إلا الله! لكن في دوامية وفي أبدية، لا يتهددها موت ولا استحالات ولا ضروب من ضروب الآفات والعدم والفناء والإجهازات، أبداً!

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُحيينا حياةً طيبةً في الدنيا والآخرة، وأن يختم لنا بأسعد وبخير الخواتم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وإلى أن ألقاكم أحبتي في الله في حلقة أُخرى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: