برنامج آفاق

الضمير

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:

أُحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، ما حكاية الضمير؟ فلان ضميره صاحٍ أو يقظان، وفلان ضميره ميت أو نائم أو بلا ضمير، الحيوانات هل لديها ضمير؟ يُقال على لسان أو ألسنة بعض المُثقَّفين أحياناً حتى الحيوانات تتميَّز بهذه الحاسة، بالضمير! فالقط إذا أعطيته سمكة يأكلها أمامك، بين يديك، أما إذا سرقها هو وغافلك عنها فإنه يهرب بها بعيداً، إذن له ضمير، هل الضمير بمثل هذه البساطة، وبمثل هذه المُباشَرية؟ وهل فعلاً يُمكِن أن يكون شركة بيننا وبين الحيوانات؟

في الحقيقة ما لا يعلمه كثير من الناس أن الضمير له مسار حياة طويل، مفهوم الضمير – أعني مفهوم الضمير – له مسار حياة طويل ومُلتوٍ ومُعقَّد، ولنبدأ أولاً بالمُصطلَح ذاته، هل عرفت اللُغة العربية والثقافة الإسلامية في الأعصار الغابرة مُصطلَح الضمير بالمعنى الذي نفهمه اليوم؟ بمعنى أنه ذلك الجُزء من الإنسان أو تلك الملكة بالأحرى من الإنسان التي تُراقِب أفعاله وتصرفاته، تقوم بدور الرقيب على سلوكه الظاهر والباطن، فإذا ما فعل حسناً استراح ورضيَ واطمأن – أعني الضمير -، وإذا ما اجترح المُوبِقات والسيئات والمُخالَفات والمُنكَرات جعل يخزه، وخز الضمير! يتحدَّثون عن وخز الضمير، عن تأنيب الضمير، هذا هو الضمير كما نفهمه، وكما تتحدَّث عنه الأدبيات المُعاصِرة، وكما يتحدَّث عنه علماء النفس والتربية والأخلاق.

في الحقيقة الجواب بالنفي، العرب لم يعرفوا الضمير بهذا المعنى، كلمة ضمير موجودة في اللُغة العربية في الأعصار السابقة بلا شك، كلمة عربية فُصحى، وهي فعيل بمعنى مفعول، أي المضمور، ولكن دلالته كانت مُقتصِرة على ما تُخفيه في نفسك، مُضمَرات الصدور! يقولون مُضمَرات الصدور أو القلوب، الأشياء التي تُخفيها ولا تُظهِرها للناس، هذه ما تُشكِّل ضميرك، لكن الضمير بمعنى الرقيب على الإنسان، على ظاهره وباطنه، هذا شيئ مُستحدَث، هذا المعنى نحن جعلناه بإزاء لفظة الضمير في العصر الحديث، حين أراد المُترجِمون أن يُترجِموا كلمة Conscience باللُغات الأجنبية – بالإنجليزية بالذات – قالوا فلنُترجِمها بالضمير، ثم شاعت، ثم شاعت بعد ذلك! مع أن هذه الكلمة بحد ذاتها حتى باللُغة الإنجليزية لم يكن لها هذا المعنى نفسه عبر الأزمان، تطوَّر من حالة إلى حالة ومن مُستوى إلى مُستوى، والعجيب أن فكرتنا عن الضمير في كل عصر وفي كل ثقافة تكون محكومة بالمُستوى الذي وصلنا إليه.

إذن هذه بداية غير مُشجِّعة – أظن – وغير مُطمئنة، بمعنى أننا سنكون بإزاء ضمائر مُتعدِّدة، أي ضمير يختلف من نطاق ثقافي إلى نطاق ثقافي آخر، طبعاً للأسف هذه هي الحالة! وأيضاً ضمير يختلف من حقبة زمانية إلى حقبة زمانية أُخرى، مسألة – كما قلت – غير مُبشِّرة، بداية غير مُبشِّرة! لكن هذا ما حدث، هذا في الحقيقة هو ما حدث.

حتى لا أنسى قد يقول بعضكم إذا كانت كلمة ضمير – الكلمة التي نعتز بها، نعتز ونُدِل بها، خاصة أصحاب الضمائر الصاحية اليقظانة الحية، كما يُقال ضمير حي – لا تعني في العربية معنى الضمير كما نفهمه اليوم فهل يعني هذا أن العرب وأن المُسلِمين وأن الدين الإسلامي والأدبيات الإسلامية لم تعرف الضمير أو لم تعرف معنى الضمير؟ لا، بالعكس! عرفته، والحديث عن الضمير بالمعنى الذي نفهمه اليوم يتقاطع ويلتقي مع مُصطلَحات كثيرة جداً في الأدبيات الإسلامية.

مثلاً في كتاب الله – تبارك وتعالى – لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ۩ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ۩، ربما تكون أدق ترجمة للضمير بالمعنى الذي اصطلحنا عليه في عصرنا هذا هي النفس اللوامة، النفس اللوامة! النفس اللوامة هي التي تلوم أو تعود باللائمة والتقريع والوخز والتأنيب على صاحبها حين يُجاوِز الشيئ الصحيح، حين يُجاوِز الحق، حين يتقحَّم ورطات الباطل، حين يحتقب الآثام ويجترح المعاصي والجرائم، فهذه النفس تبدأ في لومه، تستمر في لومه، وأحياناً تفرض عليه تبعات كبيرة، قد يُسلِّم نفسه للعدالة، فيُمنى بسجن طويل أو قصير، بل قد يُمنى أحياناً بالإعدام، ويُسلِّم نفسه، ويُقال فعلاً هذا مثال على الضمير الصاحي اليقظان، ما الذي ألجأه إلى هذا؟ الضمير.

وتعرفون حديث أبي داود – وسردته عليكم مرة – في الصحابي الذي تعرَّض لامرأة ذاهبة لكي تُصلي خلف رسول الله صلاة الصبح، ونال منها – والعياذ بالله -، وجعلت المرأة تستغيث وتستصرخ وتصيح، لكنه نال وطره منها على عجل، ثم تركها وذهب، فجاء أحدهم واقترب وهي تصيح، فاشتد الناس في أثره، فهرب الرجل لئلا يظن الناس أنه هو الذي فعل الفعلة المُنكَرة، هرب! لكنهم أدركوه، وأوتي به إلى رسول الله، والرجل يُنكِر ويحلف أنه ليس صاحبها، لكن المرأة تقول هو، ظنت أنه هو، كان قريباً من الرجل الذي فعل الفعلة المُنكَرة، والذين أمسكوا به وأحدقوا به قالوا هو يا رسول الله، وطبعاً الآن ليس إلا العقوبة، ليس إلا الحد، وقبل أن يُقام عليه حد الله جاء الرجل، برز وقال يا رسول الله ليس بصاحبها، هذا ليس هو الذي فعل الفعلة، مَن صاحبها إذن؟ أنا يا رسول الله، قصة عجيبة! ضمير إذن، هنا ضمير يشتغل، ضمير يتحرَّك، ضمير بطل الآن على الساحة، هذا هو الضمير البطل، الضمير هو الذي يفعل هذا، موجود! 

إذن النفس اللوامة، لا يستطيع أن يرى أخاه المُسلِم البريء يُمنى بعقوبة على فعلة لم يفعلها وهو آمن مُطمئن، ضميره لم يسمح له بهذا – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، هذا هو الضمير الصاحي اليقظان يا إخواني، ليس أن يفعل الفعلة وتأتي في رأس غيره كما يُقال، ثم يعتبرها شطارة، أي إنه ماهر وشاطر، فعل الفعلة وغيره تورَّط، لا! وسيُجزى بسوء عمله طبعاً في الدنيا والآخرة، الضمير يُملي على صاحبه إملاءات كما قلت، ويُوقِّع عليه أحياناً عقوبات قاسية، عقوبات داخلية تجعله لا يذوق طعماً للنوم، ولا يستيغ طعاماً ولا شراباً، لا يهنأ بعيش، الضمير! هذا ما سماه كانط Kant – الفيلسوف الألماني الكبير – محكمة الضمير، محكمة! محكمة داخلية باطنية، وصوت القاضي فيها مُرتفِع، وصوت القاضي مُرتفِع!

إذن الحديث عن الضمير بهذا المعنى يلتقي مع النفس اللوامة، الحسن البِصري – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – يقول لا ترى المُؤمِن إلا وهو يلوم نفسه، لِمَ فعلت كذا؟ ولِمَ تركت كذا؟ المُؤمِن دائماً ما يقول لماذا فعلت؟ ولماذا لم أفعل؟ ولماذا كذا؟ ولماذا كذا؟ نفس لوامة! الله أقسم بها، تنويهاً بمكانتها وأهيمتها، وليس فوقها وليس بعدها إلا النفس المُطمئنة، طبعاً النفس اللوامة نفس شريفة، ضمير صاحٍ كما نقول، لكن هناك النفس المُطمئنة، التي تقريباً محفوظة بحفظ الله – تبارك وتعالى -، لا تطمئن إلا بالخير، فلا تجترح الشر ولا تهواه ولا تقترب منه ولا تُريده – بفضل الله -، هي لا تطمئن ولا تهوى ولا ترضى إلا بالخير، بالبر، بالشيئ العالي النفيس، وبالشيئ المُطهَّر، إذن النفس المُطمئنة فوق النفس اللوامة.

يقول الحسن البِصري وأما المُنافِق فهو يمضي في سبيله، لا يلوي على شيئ – والعياذ بالله -، لا يُعاتِب نفسه، لا يُؤنِّب نفسه، الضمير ميت، ضمير المُنافِق ميت، وكيف لا يكون ميتاً وهو رجل يُخادِع الله ورسوله والمُؤمِنين؟ طبعاً المُنافِق – والعياذ بالله – حالة سيئة جداً جداً، وضع المُنافِق كله مبني على موت الضمير، مبني على الكذب، ولذلك ورد عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة، قال والكذب ريبة، إذن فإذا الكذّاب لا يرتاب، وكما قلنا يمضي، لا يلوي على شيئ، فمعنى هذا أن ضميره قد مات، النفس اللوامة انتهت.

في حديث الإمام النسائي والترمذي عن أبي محمد الحسن بن عليّ – عليهما السلام، ورضيَ الله عنهما – قيل له هل حفظت شيئاً عن جدك رسول الله؟ قال نعم، حفظت منه – عليه الصلاة وأفضل السلام، وهنيئاً له – قوله دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك، رابه وليس أرابه، رابه يَريبه (بالفتح)، دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة، مَن المُخاطَب هنا؟ المُؤمِن، المُؤمِن هو الذي يطمئن بالصدق، بالحق، بالصحيح، وبالاستقامة، يطمئن! أما شيئ – والعياذ بالله – ينتمي إلى دائرة وفضاء الكذب، التزييف، الاختداع، الغش، الباطل، والحرام، المُؤمِن يرتاب فيه، لا يطمئن به، ولا يطمئن إليه – بفضل الله تبارك وتعالى -، المُنافِقون ليسوا كذلك أبداً، كله سواء عندهم، لا يرتابون، لا يرتابون في أفعال الكذب والباطل، لأن مبنى أمرهم – والعياذ بالله – على الكذب والغش والاختداع والتدليس، نعوذ بالله من حالتهم، قال هذا حال المُؤمِن، وهذا حال الكافر.

أيضاً الحديث عن الضمير أو الضمير مُصطلَحاً ومفهوماً يلتقي بالحديث عن ماذا؟ عن واعظ الله في قلب المُؤمِن، وهذا أيضاً ترجمة دقيقة جداً للضمير كما نفهمه في عصرنا هذا، هناك جُملة أخبار تتحدَّث عن واعظ الله في قلب المُؤمِن، حديث النواس بن سمعان حديث مشهور، قال لك واعظ الله في قلب المُؤمِن، ما هو هذا الواعظ؟ كأن هناك إنساناً يقعد لك، هناك صوت يقعد في الداخل، وهو فاهم ويُميِّز الصح من الغلط والحلال من الحرام والحق من الباطل والنور من الظلام، ويقول لك افعل هذا ولا تفعل هذا، ويُكافئ ويُعاقِب كما قلنا، إن فعلت الخير كافأك بالطمأنينة والرضا والسكينة والسعادة، إن فعلت الشر نكَّد عليك عيشك، أي هذا الضمير، هو هذا! واعظ الله في قلب المُؤمِن هو الضمير.

وقد روى الإمام أحمد أيضاً في الزُهد – ولعله في المُسنَد أيضاً – مَن كان له مِن قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ، الذي يكون له واعظ رباني في قلبه يكون محفوظاً بحفظ الله – تبارك وتعالى -، لماذا؟ لأن هذا الواعظ – أي الضمير الصاحي اليقظان – الرباني الإلهي في قلبه لا يجعله يمضي إلى نهاية الشوط في فعل المُحرَّم، في فعل القبيح، وفي احتقاب المعاصي والآثام والمُوبِقات، أبداً! يمشي خُطوة أو خُطوتين، فيقول له إلى أين؟ إلى أين أنت ذاهب؟ توقَّف، حاسب نفسك، وارجع، يتولى هذه الرقابة، ولذلك مَن كان له مِن قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ۩، انظر إلى هذا، هذا هو! أي كأن الرسول يستلهم هذه الآية وأمثالها، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ۩، سُبحان الله! كأنه كان أعمى، فإذا حصل له الذكرى والتذكر أبصر، فأدرك رُشده، تبيَّن رُشده، فيعود – بفضل الله – من قريب، يعود من قريب! ولذلك توبة المُؤمِن أيضاً تكون توبة من قريب كما قال الله – تبارك وتعالى -، يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ۩، ما معنى من قريب؟ أي بعد وقت يسير من ارتكاب المعصية، المُؤمِن يتوب بسرعة، هذا إذا ارتكبها، لكن في أغلب أحواله لا يُتِمها – بفضل الله تبارك وتعالى -، يشرع ثم يعود، الضمير! الضمير أو الواعظ، مَن كان له مِن قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ.

إلى حد ما أيضاً الضمير والحديث عن الضمير يلتقي بـ ومع الحديث عن النية، إنما الأعمال بالنيات، ما هي نيتك؟ ما هي نيتك في هذا الفعل؟ وهل كانت النية منك أن تفعل هذا لأجل كذا وكذا وكذا كما تزعم وكما يظهر للناس منك أم أن النية عندك كما يعلم الله وتعلم من نفسك أنها لشيئ آخر، من أجل مصلحة، من أجل هوى، ومن أجل كذا، ولكنك تُغلِّفها، تُغلِّف الأعمال بغلاف آخر، يُظهِرها مُقدَّسة كريمة؟! فالحديث عن النية بلا شك يدخل باعتبارات مُعيَّنة في الحديث عن الضمير.

القلب أيضاً، الحديث عن القلب، قلب المُؤمِن، ألا إن التقوى ها هنا، النبي يقول هذا، فالتقوى في القلب، الحديث عن القلب يلتقي بالحديث عن الضمير، ولذلك إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبدانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، القلب محل النية، موضع النية والهم والعزم والإرادة والحُب والكُره والرغبة والنُفرة، كلها! القلب محلها، فبلا شك يدخل في هذا، ولذلك القلب السليم، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ۩، قال يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۩ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ۩، هذا هو القلب السليم، هذا هو القلب السليم الذي يُراقِب الله بالغيب، إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ ۩، والخشية محلها القلب، قلب يخشى، قلب يخشى الله – تبارك وتعالى – ويُوقِّره ويُجِله ويُجِل أمره ونهيه، مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ۩، هذا هو، إذن هذا هو القلب، إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ۩، قال يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ ۩، أي يُراقِب الله ليس فقط في الجلوات وإنما في الخلوات، ليس فقط في الملأ وإنما في الخلأ، حين يخلو ويكون وحده يُراقِب الله – تبارك وتعالى -، هذا قلب سليم، وطبعاً هو أيضاً خالٍ من الشرك، وخالٍ من الكبر، وخالٍ من الغرور، وخالٍ من العُجب، وخالٍ من النفاق ومن الرياء، ولكن أيضاً هو قلب رقابي، يُراقِب الله، اعبد الله كأنك تراه، أو أن تعبد الله كأنك تراه، هذا هو الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، الرقابة من عمل القلب، ليست من أعمال البدن، المُراقَبة من أعمال القلب، ولها لقاء واضح بحديث الضمير.

في الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجة في السُنن – رحمة الله تعالى عليه – من حديث ثوبان مولى رسول الله – صلى الله على رسول الله وآله وسلم تسليماً كثيراً – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لأعلمن أُناساً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال صالحة كثيرة، أعمال عظيمة! كجبال تهامة بيضاً، أي حال كونها بيضاء، وهذا يعني أنها أعمال صالحة بيضاء طيبة، حج وعُمرة وصلوات واستغفارات وأذكار وتلاوة قرآن وصدقات وعلم وأشياء كثيرة، فلا يعبأ الله – تبارك وتعالى – بها، ويأمر بها، فتكون هباءً منثوراً، الله أكبر! وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ – هذه في حق الكافرين – فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ۩، فأن يُمنى المُسلِم المُؤمِن أيضاً في عمله بمثل هذا المصير والله إنها لكارثة، داهية ما لها من واهية كما يُقال، داهية! لماذا يا رسول الله؟ الصحابة جزعوا وخافوا، يا رسول الله صفهم لنا، مَن هم هؤلاء؟ جلهم لنا، ألا نكون منهم ونحن لا ندري، قال أما إنهم من إخوانكم، قال من إخوانكم، ومن بني جلدتكم، منكم أنتم! من الصحابة ومن العرب أيضاً، ويأخذون من الليل كما تأخذون، أي يقومون الليل أيضاً، فالأمر لا يقتصر على صلوات وحج وعمرة فقط، ومن أهل قيام الليل، فما مُشكِلتهم إذن؟ لماذا لا يعبأ الله بأعمالهم الصالحة البيض هذه ويأمر بها فتصير هباءً منثوراً؟ ماذا قال – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ مُعلِّم الناس، انظروا إلى هذا، مُعلِّم الناس الخير، والله والله الذي لا إله إلا هو يا إخواني لقد نهج لنا النهج الصحيح، والله العظيم! ويُدرِك هذا كل فقط مَن تأمَّل، وبأدنى تأمل يُدرِك هذا، هذا النبي العظيم يا إخواني والله الذي لا إله إلا هو لقد نهج لنا النهج، ووضَّح لنا ما هو جدير وقمين بأن يجعل كل مَن اتبعه وفقه عنه وطبَّق هذا في حياته إنساناً عظيماً نبيلاً ومُؤمِناً حقاً، قضية الإيمان بعض الناس لا يعبأ بها، ولكن أنا أقول لكم هذا المُؤمِن الحق هو إنسان كامل، إنسان نادر المثال يا إخواني، آية من آيات الله في الطهر، ليس طهر الظاهر فقط، وطهر الباطن، آية من آيات الله في النُبل، ليس نُبل الظاهر فقط، ونُبل الباطن أيضاً، هو هذا! هذا بفضل محمد وتعاليم محمد، صلى الله على محمد وآل محمد.

قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – الآتي، والمُشكِلة هنا إذن، قال ولكنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، إذن الضمير ميت، القلب غير سليم، القلب فاسد – والعياذ بالله – طبعاً، لأن الإنسان الذي يُطيع الله بين الناس فقط وإذا كان خالياً اجترأ على مُبارَزة الله بانتهاك حدود الله وارتكاب مُحرَّمات الله، هذا إنسان لا حياء له من الله، لا يستحي من الله، وإنسان لا يُوقِّر الله، هو يُوقِّر شيخاً، شيخاً كريماً فاضلاً من شيوخ العلم والهُدى، يُوقِّره فلا يعصي الله أمامه وبين يديه، ولكنه يكون بين يدي الله وحده ويُبارِز الله – والعياذ بالله – بالمعاصي، فأين الحياء من الله؟ أين الخشية؟ أين التوقير يا إخواني؟ أين الإيمان؟ أين الإيمان الحق؟ ولذلك في الأحاديث الصحيحة لا يزني الزاني حين يزني وهو مُؤمِن، ونفس الشيئ: ولا يسرق، ولا يشرب الخمر، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مُؤمِن، أين الإيمان؟ لو هناك إيمان حقيقي بأن الله – تبارك وتعالى – يراني ويرقبني الآن وينظر إلىّ لا يُمكِن أن أفعل هذا الشيئ، مُستحيل! فحقه أن يُستحيا – لا إله إلا هو – وأن يُخشى وأن يُجَل وأن يُراقَب أكثر والله من حق العالمين جميعاً لو اجتمعوا وأحدقوا بك ورمقوك، أليس كذلك؟ لكن المسألة مسألة ضمير.

ماذا تُريد أبلغ من هذا إذا تحدَّثنا عن الضمير؟! هذا هو الضمير إذن، هذا هو الضمير! ثم يقولون لا يُوجَد مُصطلَح إسلامي خاص بالضمير، لا! تُوجَد كل هذه المُصطلَحات وكل هذه الأدبيات وأمثالها الكثير الكثير يا إخواني، كتاب الله طافح بهذه الآيات، والسُنة وقصص الصالحين من الصحابة والتابعين وأئمة الدين كثيرة جداً، كل ما يتعلَّق بأبواب الصدق والإخلاص والمُراقَبة والمُحاسَبة، كله له علاقة بالضمير وبحديث الضمير، هل هذا واضح؟

إذن لا يضرنا ولا يضيرنا ألا تكون الأدبيات الإسلامية عرَفت أو عرَّفت هذا المعنى وحددته بكلمة ضمير، أي لماذا كلمة ضمير بالذات إذن؟ لا! أي كلمة أُخرى قد تكون أبلغ من كلمة ضمير، لكن نحن ترجمنا هذه الترجمة ودرجنا عليها في العصر الحديث، فالضمير موجود مُعترَف به ويلعب دوراً عظيماً جداً في أدبيات المُسلِمين وفي مناهجهم التربوية والتزكوية – بفضل الله تبارك وتعالى -.

ابن مسعود يروي عنه الإمام أبو يعلى وأعتقد الدارمي والطبراني في الكبير والإمام  العادلي الآتي، أئمة كثيرون رووا عنه موقوفاً ومرفوعاً، والظاهر أن الموقوف عليه – أي من كلامه – هو الأصح، قال ابن مسعود الإثم حزّاز القلوب، وفي رواية حوّاز القلوب، الإثم حزّاز القلوب، فإن حز شيئ في قلب أحدكم فليدعه، هذا مثل ماذا؟ دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة، ابن مسعود يقول الإثم يحز في القلب ويُؤثِّر فيه، أي تُزايله الطمأنينة، القلب لا يطمئن بالإثم، وطبعاً هذا أي قلب؟ أي قلب؟ هذا القلب المعمور بالتقوى، قلب المُؤمِن يا إخواني، قلب المُؤمِن – كما قلنا – الله يُسميه القلب السليم، هذا غير مريض يا إخواني، لا يُوجَد فيه سرطان، لا تُوجَد فيه انتفاخات، لا يُوجَد فيه تضخم، ولا يُوجَد فيه هبوط، هذا قلب سليم، خالٍ من كل هذه الأدواء ومن كل هذه الأمراض الفتّاكة.

هذا القلب يا إخواني يتحدَّث عنه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله تعالى عليه -، فيقول هكذا بالحرف وباللفظ، يقول القلب المعمور بالتقوى إذا رجَّح بمُجرَّد رأيه فترجيحه شرعي، شيئ غريب! لو قالها صوفي لأنكروا عليه، لكن هذا ابن تيمية – رحمة الله عليه -، يقول هذا عن القلب المعمور بالتقوى، أي الملآن بتقوى الله – تبارك وتعالى -، وذلك في مسائل مُعيَّنة خلافية طبعاً، لأنه إذا رجَّح فالمسألة خلافية، فيها أقوال، فيها أقوال مُختلِفة، وهذا قلب رجل، ليس شرطاً أن يكون من أهل العلم، قد يكون فقط من أهل الصلاح والاستقامة، فقط! ليس من أهل العلم الشرعي، هذا القلب المعمور بالتقوى إذا رجَّح – رجَّح قولاً في مسألة شرعية خلافية طبعاً على قول آخر – فترجيحه شرعي، هذا ما يقول ابن تيمية، مثل ترجيح المُجتهِد، مثل ترجيح المُجتهِد الذي يُؤجَر عليه سواء أصاب أو أخطأ، يُؤجَر إذا أصاب بأجرين ويُؤجَر إذا أخطأ بأجر واحد، وكذلك قلب الرجل الصالح المعمور بتقوى الله – تبارك وتعالى -، لا إله إلا الله!د

ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية، قال والذين أنكروا أن يكون الإلهام الصادق سبيلاً إلى معرفة الحقائق أخطأوا، عجيب! أي ابن تيمية يعترف بأن الإلهام له نوع دور وله نوع حُجية في مُطالَعة الحقائق الإلهية وفي معرفة الحقائق، بالإلهام! الله – تبارك وتعالى – يقذف من نوره في قلب عبده الصالح، في قلب المُؤمِن المعمور بالتقوى، فيرى الحق حقاً ويتبعه، ويرى الباطل باطلاً ويجتبنه، فيرى الحق حقاً ويرى الباطل باطلاً! يُميِّز – بإذن الله تبارك وتعالى -، قال – تبارك وتعالى – وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۩، ولذلك قال السادة العلماء إذا أُشكِلت مسألة على أهل العلم عليهم أن يسألوا أهل الثغور وأهل الجهاد في سبيل الله وأهل الصدق، فهؤلاء – بإذن الله تبارك وتعالى – يتميَّز لهم الحق من الباطل.

كونوا معي أحبتي في الله بعد هذا الفاصل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواتي من جديد.

إذن وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ۩، الفاروق عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – كان يقول اقربوا من أفواه المُطيعين – أي اقتربوا من أفواه المُطيعين – واستمعوا ما يقولون، لماذا؟ فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة، لا إله إلا الله! 

إذن صاحب القلب المعمور بالتقوى يا إخواني يُلهَم، يُلهَم ويُقذَف في قلبه من نور الله – تبارك وتعالى -، فتتبيَّن له أمور صادقة، ولذلك ترجيحه شرعي، كيف لا وفي الحديث الصحيح – من أفراد البخاري، وهو حديث الولي، وهو حديث قدسي جليل – ولا يزال عبدي يتقرَّب إلىّ بالنوافل حتى أُحِبه، فإن أحببته أصبحت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصِر به… إلى آخر الحديث؟! إذن صاحب القلب التقي والقلب المعمور بالتقوى يا إخواني فعلاً مُؤيَّد بتأييدات إلهية – بإذن الله تبارك وتعالى -، يرى الحق ويُميِّزه من الباطل، لماذا؟ لأنه يسمع بلُطف الله – تبارك وتعالى -، ويُبصِر بلُطف الله وبنور الله – تبارك وتعالى -، هذه فراسة المُؤمِن، اتقوا فراسة المُؤمِن، فإنه ينظر بنور الله.

وعوداً مرة أُخرى في حديث وابصة بن معبد يا إخواني الذي أخرجه أحمد والدارمي وغيرهما حين أتى النبي يسأله عن البر والإثم، قال له البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد – تلجلج – في الصدر، هذا هو! ولذلك هذا مثل حديث الحسن بن عليّ، الصدق طمأنينة، والكذب ريبة، يقول له والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، استفت قلبك، وإن أفتاك الناس، وفي رواية المُفتون، وأفتوك وأفتوك، شيئ عجيب! يقول له استفت قلبك؟ نعم، في الأمور الخلافية، في الأمور التي فيها أكثر من وجهة نظر، أكثر من اجتهاد، وأكثر من قول للسادة العلماء، عليك أن تستفي قلبك، والنبي هنا لا يُخاطِب إلا القلب المُؤمِن، القلب المعمور بالتقوى، أي يُخاطِب الضمير الصاحي والضمير اليقظ يا إخواني وأخواتي، فهذا حُجة لصاحبة، معونة لصاحبه، معونة! 

وهذا قد يُملي عليه – إخواني وأخواتي – أن يذهب في طريق مُخالِفاً طريق كل الناس تقريباً، لأنه ضميره غير مُرتاح، وهذا يُكلِّفه تبعات، أن الناس يشنأونه، وربما اتهموه بكذا وكذا وكذا، وقارفوه بالعظائم، ولكنه على الأقل هو في حالة طمأنينة، كما نقول حالة راحة ضمير.

حديث الضمير في التراث الإسلامي وفي الأدبيات الإسلامية حديث طويل ومُتشعِّب وجميل يا إخواني، وهو حديث تأسيسي فيما يختص بالتربية والتزكية، هل نذكر حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله؟ هذا الحديث لو أردنا أن نُسميه بعنوان جامع لجاز ولساغ أن يُسمى بحديث الضمير تقريباً، والحديث مُخرَّج في الصحيح، سبعة يُظلهم الله في ظله – ليس في ظل الله أي في ظل ذاته، حاشا لله، الله ليس جسماً، في ظله أي الذي يخلقه، سواء كان ظل العرش كما صُرِّح به (في ظل عرشي) أو في ظل يخلقه لهؤلاء طبعاً، كما نقول بيت الله، أي في بيته مثلاً، ليس الذي يسكنه، بعض الناس هاله ذلك، كيف يُقال في ظل الله؟ فهل هو منسوب إلى الله على أن ظل الله هو ظل ذات الله؟ أعوذ بالله، ظل الله منسوب إلى الله، كما نقول نحن عباد الله، نحن خلق الله، نحن رجال الله، وهذا بيت الله، وهذه ناقة الله، إضافة خلق! مخلوقة لله، إذن في الظل الذي يخلقه الله أو في الظل الذي خلقه الله، على كل حال هناك سبعة يُظلِهم الله في ظله – يوم لا ظل إلا ظله، هذا حديث الضمير تقريباً.

الإمام العادل، هل تعرفون لماذا؟ الإمام العادل طبعاً ليس رئيساً أو إماماً كما يحدث اليوم في القرن الحادي والعشرين ثم تقول لي هناك ديمقراطية وكذا، لا! هذا في العصور الوسطى، تقريباً في العصور الوسطى الصيغة كانت صيغة استبداية، الحاكم دائماً يستبد برأيه، وتقريباً سُلطة شبه مُطلَقة لديه، فالنبي يقول هذا الإمام إذا كان عادلاً فهو من السبعة، بل هو أول السبعة ورأس السبعة، هل تعرفون لماذا؟ لأنه لا يحمله على العدل ولزوم حدود الله – تبارك وتعالى – واحترامها إلا ضمير صاحٍ، قلب عمران بتقوى الله – تبارك وتعالى -، فهذه مسألة ضمير، لأنه صاحب سُلطة، هل نقول مُطلَقة تقريباً؟ بالنسبة للعباد هي مُطلَقة، أي يستطيع أن يفعل ما يُريد، ولكنه لا يفعل، وألزم نفسه خُطة العدل، إذن هذا صاحب ضمير، إمام عادل!

شاب نشأ في عبادة الله، أي في طاعة الله، أعون شيئ يا إخواني على تربية ضمير صاحٍ التربية مُنذ الصغر، صدِّقوني! لا كلام في هذا، هذا أعون شيئ، إذا أردت إنساناً ذا ضمير حقيقي فعليك بالتربية مُنذ نعومة الأظفار، فالنبي يقول شاب نشأ في عبادة الله، هذا هو! هذا أكيد عنده ضمير صاحٍ، لأنه ناشئ مُنذ نعومة أظفاره في طاعة الله – تبارك وتعالى -.

رجلان تحابا في الله، في الله! ليس من أجل التجارات والبياعات والمصالح والمُناسَبة والمُصاهَرة والمُحازَبة والمُطائفة – إن جاز التعبير – والمُذاهَبة، أي الاشتراك في الطائفة والاشتراك في المذهب والاشتراك في الحزب، أبداً أبداً! يُحِبه لوجه الله، هذا قلب نظيف، هذا قلب نظيف وقلب صادق، حُبه غير مدغول، غير مدخول، إن قال لك أنا أُحِبك فهو يُحِبك لا لغرض، لا لمعنى لدنيوي، لله! وواضح أيضاً أنه صاحب قلب نظيف، وبالتالي وبالتبع صاحب ضمير نظيف.

أكثر من هذا وأوضح إذن من هذا: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، جمال يُغري أمثاله، ومنصب يمنعه ويمنعها، ليست تخاف أن يُسطى بها، وليس يخاف أن يُفتَضح أمرهما فيخضعا للعقاب والتشهير، لأنها ذات منصب، قد تكون ملكة أو أميرة أو امرأة من علية القوم غنية، المُهِم مالكة لأمرها، فماذا قال؟ أي الداعي على مُواقَعة الفاحشة مُتوفِّر الآن، هو شاب أو رجل قوي، وهي امرأة جميلة وذات منصب، ولكنه قال إني أخاف الله، امتنع وقال إني أخاف الله، الله أكبر! اللهم اجعلنا مِمَن يخافك بالغيب ويخشاك بحق لا إله إلا الله، إني أخاف الله، الضمير هنا، الضمير هو الذي يتجلى كما قلنا، هنا الضمير البطل وضمير البطل، هذا الضمير البطل، وهذا هو البطل، هذه هي البطولة، وليست مُواقَعة المعاصي – والعياذ بالله -، كل شيئ يُتاح يُفعَل، المُتاح مفعول – والعياذ بالله -، اتيتحت له فُرصة أن يزني فيزني، أُتيحت له فُرصة أن يسرق فيسرق، وربما أحياناً يقتل – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، ولا يخشى الله، فقال إني أخاف الله.

وماذا بعد؟ ورجل تصدَّق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ضمير! لا إله إلا الله، ضمير صاحٍ بارئ، وصاحبه بارئ من الرياء والشهرة والسُمعة والتسميع بأعماله كأن يُقال المُحسِن الكبير، ليس كذلك أبداً، يفعل هذه الأشياء لله وحده، لا إله إلا الله، يرقب الله بالغيب، وهو مُؤمِن، مُؤمِن هو بأن الله يراه وبأن الله يُحسِن الجزاء يا إخواني، هو مُوقِن بهذا، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ۩، هذا من المُؤمِنين بالغيب، ضمير! هذا شغّال يا إخواني، هذا هو.

وبعد ذلك يأتي آخر شيئ، نفس الشيئ! ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ذكر الله بالغيب خالياً، لا يراه أحد، ففاضت عيناه، ضمير أيضاً، ضمير! ليس مُجرَّد رياء للمُجتمَع، ليس مُجرَّد قشرة دين، انتبهوا! ليس قشرة دين أبداً، ليس قشرة، هذا ضمير حي  وقلب عامر وقلب سليم، قال – تعالى – وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۩، حديث الضمير إذن مرة أُخرى، هناك آثام ظاهرة، وهناك آثام باطنة، بعض الناس عقلاً منه، حرصاً على سُمعته، حرصاً على كرامته، حرصاً أيضاً على اعتبار عائله – زوجته وأولاده وأهله وكذا -، يستقيم سيره وسلوكه، ولا يأتي ما يقبح إتيانه، لا يأتي ما حرَّم الله أو ما استقبح الناس والمُجتمَع، العُرف! خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ۩، ولكن – والعياذ بالله – في الباطن هو لا يفعل هذا لوجه الله – تبارك وتعالى -، يفعل هذا لأجل إحراز مصالحه، لأجل حفظ حشمته ومكانته في المُجتمَع، وربما أيضاً يفعله شَركاً ليختدع به الناس، ليظنوه فاضلاً كريماً نبيلاً أميناً، ثم هو يتغوَّل حقوق الناس حين تحين له الفُرصة ولا يُظَن به السوء – والعياذ بالله -، لأن ما معنى وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۩؟ ما معنى باطن الإثم؟ باطن الإثم يحتمل معنيين، والمعنيان هما صحيحان بلا شك، باطن الإثم قد يكون بمعنى آثام الباطن مثل الغرور والكبر والعُجب والأمن من مكر الله – والعياذ بالله -، إلى آخر هذه المُهلِكات الباطنية، أي أمراض القلوب، وأيضاً باطن الإثم – إخواني وأخواتي – قد يكون بمعنى آخر، لأن الإضافة لأدنى مُلابَسة، فباطن الإثم هو الإثم الذي يفعله الإنسان خالياً، خالياً بحيث لا يراه الناس، لكن الله يراه، وهو لا يعبأ ولا يُبالي برؤية الله له، فهذا أيضاً من باطن الإثم، ولا يجرؤ عليه إلا قلب أكلته الآثام الباطنة – والعياذ بالله -، فهو لا يُوقِّر الله ولا يخشاه بالغيب، وهذا حديث عميق أيضاً من حديث الضمير.

في المُقابِل – إخواني وأخواتي – في السياق الغربي، في السياق المسيحي، وفي السياق الأوروبي، هناك قصة أُخرى، هناك حكاية أُخرى، قبل أن تكون المسيحية وقبل أن تعتمد مُصطلَح الضميلر كان هناك الرومان، والرومان عرفوا هذا المُصطلَح، كانوا يُسمونه بكلمة تعني المعرفة العامة، وهي Conscientia، و Con معناها عام، إذن Conscientia، اسمها Conscientia، إذن Conscientia ومنها Conscience، أي الضمير باللاتينية، باللُغة اللاتينية Conscientia، أي المعرفة العامة، ويُقصَد بها معرفة تُراعي الخارج، ولكنها تنعكس ذاتياً وتعرف نفسها وتعرف ذاتها، أي معرفة الإنسان بذاته، هذه هي المعرفة العامة، معرفة الإنسان بذاته، Conscientia!

والرومان لهم أدبيات تتحدَّث كثيراً عن الضمير، شيشرون Cicero – هذا الخطيب المُفهوَّه والباحث الشهير – يتحدَّث عن الضمير، يقول هو البطل، هو المُمثِّل الأكبر على المسرح، المسرح المُمثِّل الأبرز عليه هو الضمير، على هذا المسرح وهو مسرح الفضيلة – يقول على مسرح الفضيلة – المُمثِّل الأكبر هو الضمير، وعلى هذا المسرح كل يُؤدي دوره على نحو أو آخر.

ومن كلمات شيشرون Cicero أيضاً عن الضمير أو الــ Conscientia الآتي، يقول لا تُكثِروا العويل، ولا يستبد بكم الغضب الشديد، أي من أجل ماذا؟ من أجل أفعال الناس الأُخرى الذين أذنبوا في حقكم أو في حق ذويكم، يقول فالمُذنِبون يُعذِّبون أنفسهم بالتفكير في أفعالهم الآثمة، فإذن هذا الحديث مُتقدِّم جداً، قبل المسيحية، عن ماذا؟ عن عذاب الضمير، كيف يُعذِّب الضمير صاحبه ويُؤذيه؟ كيف يخزه ويُؤنِّبه؟ هذا عند شيشرون Cicero، وشيشرون Cicero كان مُلحِداً على كل حال.

بعد ذلك – إخواني وأخواتي – جاء القديس جيروم St. Jerome، والقديس جيروم St. Jerome هو الذي ترجم في القرن الرابع الميلادي العهد الجديد، أي الأناجيل أو الإنجيل عموماً، ترجمه من اللُغة الإغريقية إلى اللُغة اللاتينية، هذا في القرن الرابع الميلادي، في اللُغة الإغريقية في رسائل بولس Paul – المعروف عندهم ببولس الرسول Paul the Apostle، وهو شاؤول الطرسوسي – الآتي، في الرسائل كانت تُوجَد كلمة يونانية، وهي Synderesis، اسمها Synderesis، أي هذه مثل الضمير، لكن Synderesis بالذات هذه يا إخواني لا تُعادِل الــ Conscientia تماماً، لا تُعادِلها من كل الوجوه، لماذا؟ لأن الــ Synderesis كانت تعني بشكل رئيس النظرة الذاتية، النظرة من داخل، النظرة من باطن، فقط! هذا هو الــ Synderesis، فالقديس جيروم St. Jerome ترجم هذه الكلمة إلى اللاتينية، واختار كلمة الــ Conscientia.

كما شرحت لكم قُبيل قليل الــ Conscientia لها جانبان، المعرفة العامة هذه معرفة تُلاحِظ الخارج، وتنعكس على الداخل، فكأن الإنسان يعرف داخله من خلال معايير الخارج، وهذا معنى معرفة عامة، لكن هي معرفة مُنعكِسة، فكأنه يُدرِك ذاته ويعي ذاته، ولكن وفقاً للخارج، الــ Conscientia!

وهنا تفترق الــ Conscientia عن الــ Synderesis، وهذا افتراق مُهِم جداً جداً، قد يقول لي أحدكم ما علاقتنا بالأشياء هذه؟ أي هذه في ماذا تُؤثِّر؟ لا! هذه تُؤثِّر كثيراً جداً، هذه أثَّرت على مسار الضمير المسيحي، خاصة الأوروبي الغربي، كيف إذن؟ بمثل هذا المزج وبمثل هذه الازدواجية – داخل وخارج أو خارج بإزاء داخل – يقول أحد الفلاسفة والمُفكِّرين الغربيين الضمير المسيحي الكاثوليكي – الكاثوليكي بالذات طبعاً – إنه وجد نفسه رهناً أو منذوراً أو مقدوراً، عليه أن يعيش ازدواجية كعبد لسيدين، كعبد لسيدين: الباطن، وفي نفس الوقت الظاهر أو الخارج، المُتمثِّل – أي الخارج – في ماذا؟ المُتمثِّل في شكل المُؤسَّسة الكهنوتية، تعاليم الكنيسة ودوجمات الكنيسة – أي عقائد الكنيسة – أيضاً، أي في الاثنين معاً، إذن أنت لست حراً أن تستفتي قلبك، استفت قلبك، لا! لست حراً أن تُعوِّل على ما في قلبك، لا! ليس كذلك أبداً، لابد أن يكون هذا القلب محكوماً بسُلطة الكنيسة.

البابا السابق وهو بندكت السادس عشر Benedict XVI الألماني الأصل كما تعلمون عنده كتاب عن الضمير، كتاب كبير عن الضمير! تعاطف فيه ورجَّح كفة السُلطة وهي السُلطة الدينية الكنسية الكاثوليكية طبعاً على سُلطة الضمير الداخلي أو الصوت الداخلي، هو يعترف بها ولكنه رجَّح هذا على هذا أكثر، هذا الخط الكاثوليكي، هم أرادوا من الضمير وأرادوا للضمير أن يكون ماذا؟ أن يكون قوةً أو صوتاً أو جهازاً أو فاعلاً يحمل الإنسان دائماً على الخضوع، على الخضوع للسُلطة، عجيب! كل هذا الخطأ نجم بفضل خطأ في الترجمة أو عدم دقة حقيقية في الترجمة، من Synderesis إلى Conscientia، شيئ عجيب! وظل هذا مُدة طويلة، وتعرفون أن هذا الوضع استمر تقريباً إلى القرن السادس عشر، وذلك في ألف وخمسمائة وعشرين، حين جاء مارتن لوثر Martin Luther، وتعرفون أن البروتستانتية تختلف عن الكاثوليكية في تعويلها أكثر على الضمير الفردي، لا تُوجَد أصلاً مُؤسَّسة كهنوتية حقيقية ولا يُوجَد بابا Pope، إذا تحدَّثت عن بابا للبروتستانت تكون مُخطئاً، لا يُوجَد بابا أصلاً، ليس عندهم هذا، هم يُعوِّلون على الضمير الفردي أكثر، وأرادوا أن يتحلَّل الإنسان من سُلطة الكهنوت، من هذه السُلطة الهيراركية الضاربة، فعوَّلوا أكثر على سُلطة الضمير، أعادوه تقريباً إلى Synderesis، وبدأ هذا الضمير يأخذ دوراً جديداً، ورَّط أصحابه في أحيان كثيرة في صراعات وانشقاقات مع السُلطة الدينية، بدل أن يكون عُنصراً يحمل على الانقياد والخضوع ويُمارِس دور التأديب في لحظة المُخالَفة أصبح ماذا؟ أصبح عاملاً على الانشقاق، يدعو إلى الانشقاق، يدعو إلى النزاع، يدعو إلى الخصام، وهذا الذي حدث.

وهناك قصة أرجو أن يتسع لي الوقت لذكرها، قصة في التاريخ الأوروبي، تُؤكِّد هذا المعنى بطريقة درامية حقيقية، قصة الملك هنري الثامن Henry VIII ملك بريطانيا مع توماس مور Thomas More الأديب الأنسني – أي الــ Humanist – الكبير، وتوماس مور Thomas More لم يكن رجلاً دينياً، كان دنيوياً علمانياً، ولكنه كما يُقال كان صاحب ضمير، المُشكِلة أن هنري الثامن Henry VIII أيضاً احتج بالضمير، وطبعاً الآن نحن في عصر الإصلاح، هذا تقريباً كان في ألف وخمسمائة وسبع وعشرين، وتأثَّرت بلا شك طبعاً الأفكار وتأثَّرت الطروحات والأنماط الجديدة للتدين بفكرة مارتن لوثر Martin Luther عن الضمير الفردي وسُلطة الضمير الفردي وقانون الله المكتوب في روح الأفراد كما عُبِّر عنه.

هنري الثامن Henry VIII يُريد أن ينفصل عن زوجته كاثرين Catherine، الملكة كاثرين Catherine، لماذا؟ السبب الحقيقي لأنها لم تُنجِب له أطفالاً ذكوراً يرثون العرش، وعشق آن بولين Anne Boleyn، لكن تعرفون أن هناك مَن يقولون لكم هذا زواج كاثوليكي، فهذا لا يُمكِن، ممنوع! الطلاق يكون إما للخيانة وإما للموت، وتُلحَق أحياناً بعض الأسباب، لكن هذان سببان رئيسان، لكن الأسباب الأُخرى لا يُعبأ بها، كتلك المُتعلِّقة بالعرش وغير العرش والتخليف والأولاد، لا! هذه ليس له علاقة، لا يُعترَف بها، فادّعى هنري الثامن Henry VIII أمام شعبه وأمام رجال الدين بالذات ومُستشاريه أن ضميره مُثقَل مُرهَق، ضميره يُعذِّبه، لماذا؟ لأنه تزوَّج بكاثرين Catherine أرملة شقيقه، وهو غير مُرتاح لهذه الحالة، أن يتزوَّج بأرملة شقيقه، عجيب جداً! فهو عوَّل على ماذا بالضبط؟ على الضمير، وذكر كلمة الضمير، ضميره يُعذِّبه، ضميره مُرهَق!

وأيضاً في الباطن للأسف الشديد هو تزوَّج بآن بولين Anne Boleyn، كانت له علاقة جنسية، وتزوَّج بآن بولين Anne Boleyn قبل أن ينفصل عن الملكة كاثرين Catherine، وهذا لا يجوز، وفق مبادئ الكنيسة في روما وتشريعاتها لا يجوز مُطلَقاً، هذه جريمة فاضحة، ولكنه أعرب أيضاً لبعض المُقرَّبين منه عن أن ضميره على علاقة طيبة مع الله، قال له لا تخف، قال له هل أنت مُرتاح وأنت تفعل هذا؟ قال له إن ضميري على علاقة طيبة مع الله، الضمير إذن مرة أُخرى، فهو يُبرِّر الخروج والانتهاك لأشياء كثيرة، فيما يُقال البابا في روما أيضاً كان يُفكِّر في مخرج وفي حيلة تُمكِّن الملك هنري الثامن Henry VIII من أن يجمع بين اثنتين، أي بين آن بولين Anne Boleyn وبين كاثرين Catherine، لماذا؟ من أجل أن يرتاح ضمير الملك، فبدأ الضمير الآن يدخل المعركة حقيقةً، عُنصر فاعل، فاعل ورئيس في المعركة، الضمير الضمير الضمير!

توماس مور Thomas More كان موقفه في البداية مُتأرجِحاً، وإن كان أميل إلى الرفض، يرفض هذه الحالة، ولكنه بعد أن سُجِن – لأنه رفض أن يُوافِق على فعلة ملكه – وخلا بنفسه بعيداً عن تأثير رجال الدين الذين وافقوا الملك على فعلته وجوَّزوا له أن يفعل ما فعل قرَّر أنه لن يُؤيِّد، الرجل في خلوته وفي عزلته قرَّر أنه لن يُؤيِّد، ولن يكون مع الجمهور، وأن ما فعله الملك هو شيئ شرير بامتياز، وضمير الملك ضمير شرير ومُخزٍ، في نهاية المطاف طبعاً أرادت ابنته مارجريت Margaret – وكانت وحيدته، أي لتوماس مور Thomas More – إقناعه بأن يكون مع الناس، أن يقول مثلما قال الناس، وقد قيل له بالحرف أو باللفظ وبالحرف الآتي، قيل له ماذا تحسب نفسك؟ ماذا تخال نفسك؟ هل أنت أفضل وأطهر وأقدس من كل هؤلاء – أي رجال الدين الذين وافقوا الملك -؟ فقال لهم إن أتيتموني برجل دين فأنا آتيكم بألف قدّيس في تاريخ المسيحية، كلهم يُؤكِّدون أن ما فعله خاطئ، ألف قدّيس! وإن أتيتموني ببرلمان – والبرلمان طبعاً وافق، والله يعلم حاله، أي هذا البرلمان – فأنا أُحيلكم إلى الكنيسة في تاريخها الطويل، إلى الكنيسة في فرنسا وإلى الكنيسة في روما، وهي ضد ما فعل.

المُهِم أن الرجل كان أميناً مع ضميره الشخصي، غريب! مع أن رجال الدين في بلده وافقوا، لكن هو لم يُوافِق، كان أميناً مع ضميره، وفي النهاية بعد أن عمل لبضع سنوات مُستشاراً للملك وكاتباً عظيماً ومُفكِّراً شهيراً وأنسانياً – أي من دُعاة المذهب الإنساني، الــ Humanism – نبيلاً لقيَ حتفه بضرب عُنقه، الرجل لقيَ حتفه بضرب عُنقه! قصة درامية لها علاقة بالضمير، لكن هذا الضمير يا إخواني في لحظة انتصاره – الضمير البروتستانتي المُعارِض والضمير الشخصي الفردي – بدأ يُلاقي المتاعب، متاعب كثيرة! ما هو المعيار؟

للأسف بقيَ دقائق معدودات، لكن في النهاية في السياق الأوروبي وجدنا نيتشه Nietzsche يصرخ، يصرخ أو يهذي في الحقيقة، هذا هذيان، ليس فكراً أو فلسفةً مُتماسِكةً، يهذي يقول ما هو الضمير؟ إنهم يحسبونه صوت الله في باطن الإنسان، وهو ليس كذلك أبداً، إنه النزعة الوحشية للإنسان، حين لا تجد ما تفتك به في الخارج ترتد إلى الباطن، وهذا هذيان في الحقيقة، هل تعرفون لماذا؟ لأن الإمام العادل، صاحب القوة يا إخواني، المُسلَّط، القادر على أن يفعل ما يُريد، حين لا يفعل إلا ما هو إنساني ونبيل وأخلاقي ورحيم، هل يُقال إن النزعة الوحشية المُرتَدة إلى الباطن هي التي دفعته؟ مُستحيل! هذا شيئ لا يُفسَّر بمثل هذا النمط من التفكير العقيم ومن التفكير الهذياني.

وسيجموند فرويد Sigmund Freud أيضاً مُتأثِّراً بنيتشه Nietzsche حتى النُخاع يقول وكلما نجح الإنسان أكثر في كبح عدوانيته – ما سماه نيتشه Nietzsche نزعة وحشية سماه هو العدوانية، نفس الشيئ – نحو الخارج كلما ارتد هذا على داخله، على الأنا الأعلى، والأنا الأعلى اصطلاح عند فرويد Freud يُساوي الضمير، أي هذا يُساوي الضمير، جهاز الرقابة! ارتد إلى الأنا الأعلى، فأصبحت مشحوذة، تعمل بكفاءة أعلى، ويُسمونه الضمير، نفس الكلام! كلام باطل، هذا لا يستطيع أن يُفسِّر حالات كثيرة، لا يستطيع أن يُفسِّر الوازع الحقيقي لإنسان كل الظروف مُلائمة أمامه تماماً – كل الظروف، وفي تقديري إلى آخر حياته – لكي يأخذ ما وقع في يده – مثلاً -، لكي يكتم شهادة بحيث ينجو ابنه من العقاب أو ينجو هو، لكنه لا يتغوَّل ما وقع في يده، ولا يكتم الشهادة، وتُوقَّع العقوبة عليه أو على ابنه، وهذه نماذج فريدة وعجيبة جداً جداً، لكنها شاهد على بُطلان نظرية نيتشه Nietzsche ونظرية فرويد Freud في الضمير، وحديث الضمير لا ينتهي، ويبقى ما بقيَ الإنسان.

نكتفي بهذا القدر أيها الأحبة في هذه الحلقة، وإلى أن ألقاكم في حلقة أُخرى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: