الكذب العميق

video

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.

ثم أما بعد/

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/

يقول الله جل مجده في كتابه العزيز، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ *

صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.

أحبتي؛ إخوتي وأخواتي/

لا شك أن أعظم مقام يُمكن أن يتطلع إليه المسلم والمسلمة، هو أن يُرقى بحيث يُنظم في سلك أولياء الله تبارك وتعالى، الولاية الخاصة، ولست أتحدث عن الولاية العامة، التي هي ثابتة لعموم المؤمنين والمؤمنات، بمُجرد إيمانهم، بمُجرد ثبوت أصل الإيمان! هذه ولاية عامة، ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ *، إنما أتحدث ومُرادي وقصدي الولاية الخاصة، والتي تدرج درجات بلا شك، تنتهي بأعلى درجة، ولا يعلوها إلا درجة النبوة والرسالة، أعني درجة الصديقية.

هذه أعلى درجات الولاية على الإطلاق، حتى أن الإمام الجليل الراغب الأصفهاني – رحمه الله تعالى – قال والصديقون دوين الأنبياء في الفضل. ولم يقل دون! دوين. الفرق جد يسير والهوة – أيها الإخوة – مُتواضعة للغاية، بين الصديق والنبي. وإليه اللفت بمثل قوله تبارك وتعالى وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ إِبْرَٰهِيمَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا *. إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا *. إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا *. إذن الصديقية قبل النبوة، كأنها تُهيء للنبوة، وكأنه لا يكون نبي نبيا إلا بعد أن يكون صديقا. صحيح أن النبوة لا تُحصّل باكتساب، ولكن الله تبارك وتعالى حين يختار امرأ ليكون نبيا، لا يختاره إلا من جُملة الصديقين. ولو كانت نبوة بعد رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون -، ما كانت هذه النبوة لتكون إلا في الصديقين، لن يُختار النبي والرسول إلا من جُملة الصديقين، شيء عجيب! إذن هذا باب من الفضل، باب من الزلفى، باب من القُربان، واسع عريض جليل شريف سامق! حُق على ذوي الهمم العالية والأرواح الطاهرة، أن تتطلع إلى تحصيله، أن تتطلع إلى الولوج منه.

وقد ذكر السادة العلماء، ولكي نُبارك النقل، فنعزوَه – أيها الإخوة – إلى صاحبه، القائل مرة أخرى هو الراغب، وإن كنا حصّلناه عن طريق الإمام أبي السناء الآلوسي – رحمة الله تعالى عليه -، قال قاله الراغب ونقله الطيبي – رحمة الله عليهم -. المنازل أربعة، يُشار إليها بالآتي! منازل الكملة، منازل الكملة الأكمل من خلق الله! وهي التي أُشير إليها بقوله جل مجده وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم – اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنّك – مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا *. 

أما ما يمتاز به كل أهل مرتبة من هذه المراتب، فهو الآتي؛ فأما الأنبياء – صلوات ربي وتسليماته عليهم -، فهم على هذا النحو في القُربى والمعرفة الإلهية! هذا هو المُعتقد، وهذا هو المُرتكز، وهذا هو المحور – أيها الإخوة -! المعرفة! لأن العبادة بحد ذاتها والاجتهاد والتجرد، إنما يُعتبر عند الله ويُعتد به على قدر معرفة صاحبه بالله. ولذلك ذرة من عبادة من عارف بالله، تعدل ملء الأرض من عبادة جاهل بالله، ولذلك قال السادة العارفون لا يقبل الله الفرض المؤقت، حتى يؤدى الفرض الدائم. وفي تفسير المُراد بالفرض الدائم، قالوا هو المعرفة بالله. أي التحقق بحقيقة الإيمان! أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. مقام المُراقبة، وإلا الأعلى مقام المُشاهدة. مَن لم يتيسر له مقام المُشاهدة، فلا أقل من مقام المُراقبة. وهذان حقيقة الإحسان! وهذا المقامان جُملة الإحسان! على كل، إذن المعرفة هي الفرض الدائم – أيها الإخوة -. بقدر المعرفة، يكون الاعتداد، يكون الاعتداد بماذا؟ بالعمل، بالعبادة، بالذكر، بوجوه البر المُختلفة. 

فأما مقام الأنبياء – صلوات ربي وتسليماته عليهم أجمعين وآل كل وأصحابه وأتباعه -، فمُثل بمَن يرى الشيء عيانا، أي مُعاينة! بمَن يرى الشيء عيانا، من قريب. هذا هو النبي! مكشوف عنه الحجاب. أكثر انكشاف، إنما يكون للأنبياء والمُرسلين، أعلى درجات الانكشاف! كمَن يرى الشيء عيانا، من قريب. ثم تأتي بعد ذلك درجة الصديقية، والصديقون في هذا الباب، وبهذا اللحاظ أو الاعتبار، كمَن يرى الشيء عيانا، لكن من بعيد. قال الراغب وإليه الإشارة بقول الإمام علي – عليه السلام وكرم الله وجهه ورضيَ عنه وعن سائر أصحاب رسول الله – حين سُئل هل رأيت ربك؟ قال لم أكن لأعبد مَن لم أره. وكأنه طبعا افترض أن السؤال سيثور من فوره، فقال لم تره الأبصار بحقائق العيان، إنما رأته القلوب بشواهد الإيمان – أو قال بحقائق الإيمان -. فهو هذا! ولذلك قال لو كُشف الحجاب، ما ازددت يقينا. هذه مرتبة الصديقية.

ننحدر الآن إلى مرتبة الشهداء، الشهادة! أما الشهيد – أيها الإخوة -، فهو الذي يرى الشيء، لكن لا رؤية ذات، لا يرى ذات الشيء، إنما يرى الشيء برؤية بُرهانه، برؤية بُرهانه العتيد. فرؤية البُرهان تقوم مقام رؤية الشيء، على أنها في كل الأحوال أقل لا شك من رؤية الشيء في ذاته. فالشهداء لا يرون الحقائق، إنما يُطالعون ماذا؟ براهينها. ويعتقدونها! يطوون عليها جوانحهم اعتقادا لا تلجلج فيه، لا تلجلج فيه ولا تردد. ومثلهم – رضيَ الله عنهم، وسلامات الله عليهم – كمثل مَن يرى الشيء في مرآة، من قريب. هذه المرآة مرآة البُرهان. وآخر هذه المراتب الأربعة الجليلة السامقة الشريفة، مرتبة الصلاح – أصلحنا الله له بما أصلح به عباده الصالحين -. فأما الصالح، فإنه بمثل مَن يرى – أيها الإخوة – البُرهان، لكن لا يرى البُرهان بتركيبه وهيئته، إنما يُقلد فيه. يسمع بالبُرهان، ولا يعرفه حقا، فيُقلد فيه، لكن تقليدا جازما، أيضا بغير لجلجة وبغير تردد. إذن هو لا يستطيع أن يُقيم البُرهان، وربما حتى لو أُلقيَ إليه البُرهان، لا يفهمه! لا يفهمه؛ لأنه ليس من أهله! على أنه يُقلد فيه، يُقلد في البُرهان! تقليدا جازما. ومثله – أيها الإخوة – كمَن يرى في المرآة، لكن من بعيد، رؤية شبحية. 

هذه هي المراتب! أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ *، بلا شك أن الولاية درجة جامعة، تجمع كل هذه الدرجات، فينسلك فيها الأنبياء والمُرسلون والصديقون والشهداء والصالحون. أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ *، جعلني الله وإياكم وإياكن منهم بفضله ومنه، في هذه الجُمعة الخاتمة من هذا الشهر المُبارك، والذي أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله أبرك وأرضى رمضان مر بنا، وأن يجعل ما يتلوه من رمضانات أبرك وأرضى له منه – أيها الإخوة -، بحيث نلقاه تبارك وتعالى وقد رضيَ عنا أتم الرضا. اللهم اجعله شهر نُصرة وظفر وتشريف وتحرير للمسلمين، في أقاصي الأرض وأدانيها! هذه الأمة المرحومة الطيبة المُباركة المظلومة.

إذن – أيها الإخوة – الولاية كما قلت تشمل هذه المقامات الأربعة، لكن حقيق بنا، في هذا الوقت الشريف، وبهذه المُناسبة الخاتمة، أن نسأل أنفسنا؛ هل طريق الولاية هو طريق أن نتحدث عنها، أن نُشقق الكلام ونُشعبه حولها، أن نعرف مبانيها وأسسها وشرائطها ولوازمها؟ كل هذا مطلوب، لا شك! والعلم قبل العمل، لكن لا يُكتفى بهذا وحده. 

تحدثنا في الخُطب السابقة عن الإخلاص من جانب، وله جوانب كثيرة! ثم تحدثنا عن الصدق من جانب، من بين جوانب كثيرة! واليوم نتحدث عما يجمع الصدق والإخلاص ونحوهما، وربما حتى أضدادهما، كمُتابعة هوى النفس. والآن يثور سؤال لا بُد من التصدي والانبراء للجواب عنه، وهو؛ لِمَ قد يعرف المسلم والمسلمة شرف هذه المراتب العالية، التي لا أشرف منها، ثم إنه لا يسلك وفقها؟ هل لأنه لا يُريد؟ بداهة كلا! ما من مُسلم يسمع بهذا الكلام، إلا تستشرف نفسه، تتشوف نفسه، إلى هذه المراتب، أو إلى بعض هذه المراتب، لكن المسألة ليست وفقا على أن تعرف، ولا حتى أن تُريد إرادة إرادة عامة، ولا أن تُريد إرادة عامة! لا، لا بُد كما قلنا في خُطبة الإخلاص، وهي شرط النجاة، أن تهيء نفسك بالتربية الدائمة المُستمرة والمُطالعة الدائبة الدؤوب غير المُنقطعة – أيها الإخوة -، لماذا؟ لكيفية استجابة نفسك للبواعث. ما هي البواعث التي تُنهض نفسك وتبعثها على الفعل؟ وهنا كل ما لا يرضاه الله تبارك وتعالى، كل ما يسخطه الله تبارك وتعالى، عليك ألا تستجيب له، وأن تدأب نفسك وتُجهدها وتُتعبها وتكدها، في ماذا؟ في أن تستجيب فقط للمرضي، للمرضي من البواعث، للمرضي عند الله من هذه البواعث! هذا طريق تحصيل النية الخالصة أصلا، هذا الطريق! لا طريق سواه.

لكن مما يُعين في هذه الطريق – والطريق تُذكر وتؤنث، مما يُعين في هذا أو في هذه الطريق – أن تلزم صُحبة الصالحين. مُهم جدا! وإليه الإشارة الواضحة بقوله تبارك وتعالى اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *. قلنا في الخُطبة السابقة لم يقل كونوا من الصادقين. المسألة ليست رهنا بماذا؟ بالإرادة! أنني أُريد أن أكون. لا، ليست سهلة، ليست سهلة المسألة! لكن يُعين على ذلك، أن تلزمهم، أن تُداخلهم، أن تُلابسهم، أن تكون معهم في مُعظم أحوالهم، مهما كلف ذلك! كما قال ولي الله، الرجل الصالح المُبارك، من علماء وعباد وزهاد بلاد الشام، في عهد الراشد الخامس ابن عبد العزيز – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، عبد الله بن أبي زكريا! عبد الله بن أبي زكريا قال للُبس – أي اللباس، أن تلبس، اللُبس وليس اللَبس – المسوح – الخرق والخلقان من الثياب -، والأكل على المزابل، مع الكلاب، قليل في مُرافقة الأبرار. الله! هذا يعلم لوازم الطريق. مهما كلفني أن ألزم الأبرار والمُقربين، فضلا عن الصديقين، سأفعل؛ لأن هذا طريق النجاة، وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ  *، والمُخاطب مَن؟ سيد الخلق وحبيب الحق – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين -. فكيف بأمثالنا؟ كيف بأمثالنا؟

الشيخ بشير الغزي كان من علماء بلاد الشام، وأعتقد من حلب بالذات – رضوان الله عليه -، هذا من طبقة شيخ شيوخ شيوخ المُعاصرين من علماء حلب وعلماء الشام. الشيخ بشير الغزي – رضوان الله عليه – عالم كبير، ورجل صالح. له أبيات في مُنتهى اللُطف، ذكرتها قبل سنين، لكن لا بأس، فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ *، في الدلالة على مدى أهمية وشرف مُلازمة الأكابر، من العلماء والصالحين، تُغير جوهر الإنسان! وهذا سر وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *، كأنه يقول لتكونوا من الصادقين. إذن أردت أن تكون من الصادقين، فكُن في البداية معهم، سنين طويلة تتمادى عليك، بعون الله تُنقّل، ثم تُرفع إلى رُتبة هؤلاء الصادقين – اللهم اجعلنا من الصادقين، المُخلصين لك، برحمتك يا أرحم الراحمين -.

يقول الشيخ بشير الغزي – رضوان الله تعالى عليه – في شعر لطيف، وإن كان ملحونا في قافيته، ضرورة القافية! للأسف الشديد، كما سترون، من ناحية نحوية اللحن. يقول:

رأيت الطين في الحمام يوماً…………..بكف الحِب أثّر ثم نسّم

يتحدث عن أي طين؟ عن التُربة الحلبية، المعروفة بالتُربة الحلبية، اسمها ماذا؟ بيلون بورد. نوع من التُربة الحلبية، تُستخدم للتطييب وتنظيف الجسم، ولا أُريد أن أُسهب فيها، معروف عنها كلام كثير، بيلون بورد! التُربة الحلبية. يتحدث عنها! طبعا قبل أن يغتسل الإنسان، يضع هذه القطع الصغيرة في الماء، وهي قطع مُستطيلة! أي أسطوانية صغيرة، تُوضع في الماء، تُنقع لفترة، لساعات، فتُصبح لزجة، جاهزة للعجن، ثم تُعجن كالدقيق، تُعجن تماما. وهذه يُطلى بها الجسم، تُرطبه، تُعطي الجسم رطوبة، وتُعطيه ريحا طيبة، ريحا طيبة! لماذا؟ لأنها معجونة بماء الورد. هذه الطينة، التُربة الحلبية، أيضا تُعجن بماء الورد. فهو يقول رأيت هذه الطينة في يد الحبيب، بكف الحِب أثّر ثم نسّم، رائحة طيبة!

فقلت له أمسك أم عبير؟………….. لقد صيرتني بالحِب مغرم

أجاب الطين أني كنت ترباً……….صحبت الورد صيّرني مكرم

ألفت أكابراً وازددت علماً………..كذا من يُعاشر العلماء يكرم

الله! من ألطف ما يُسمع ومن ألطف ما يُقال! 

رأيت الطين في الحمام يوماً…………..بكف الحِب أثّر ثم نسّم

فقلت له أمسك أم عبير؟………….. لقد صيرتني بالحِب مغرم

طبعا لا بُد من ماذا؟ مُغرما، مُكرما، وهكذا! لكن الضرورة كما قلنا.

أجاب الطين أني كنت ترباً……….صحبت الورد صيّرني مكرم

ألفت أكابراً وازددت علماً………..كذا مَن يصحب – وقيل مَن يُعاشر، روايتان – العلماء يُكرم

اللهم اجعلنا من أهل صُحبة العلماء والأولياء والأتقياء والصالحين والصديقين، عسى الله أن يُنقّلنا إلى مراتبهم، ويسلكنا في سمطهم ونظامهم! اللهم آمين. هو هذا! فهذا مُهم جدا يا أحبتي أن نحرص عليه؛ لأن هذا الصالح لا يكون إلا في مُذاكرة، لا يكون معك إلا في مُذاكرة! في الخيرات، في الأنوار، في الأعمال والمبرات والمُباركات.

ذكرت عبد الله بن أبي زكريا هذا، من عباد الشام في وقته، ومن أهل الحديث، عنه أحاديث قليلة، والصحيح أنه أرسل عن الصحابة، أي ولم تثبت له طريقة في الرواية مُتصلة، أرسل عنهم! على كل حال، عبد الله بن أبي زكريا عُرف عنه أنه لم يكن يُغتاب أحد في مجلسه، وكان يقول للناس إن ذكرتم الله، أعناكم، وإن انصرفتم عنه، تركناكم. قال هذه حياتي أنا، أجلس معكم في ذكر الله، في العلم، في الصلاح. والناس كانوا يُحبون أن يتقربوا منه؛ لأنه كان بساما، طيب المعشر، صالحا، مُجاب الدعوة. حتى أن كبار علماء الشام قالوا من رُتبة مكحول. هو من رُتبة مكحول! كانوا يترددون أيهما أفضل؛ عمر بن عبد العزيز، أو عبد الله بن أبي زكريا؟ تخيل! يُعدل بابن عبد العزيز. وكان عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – يُقربه ويُدنيه ويُجلسه معه على الكرسي؛ كرسي الحُكم! يُجلس هذا الصالح التقي. والعجيب أنه تسبب في نهاية عمر بن عبد العزيز! نحن نعلم أن عمر بن عبد العزيز مات مسموما. الشيء بالشيء يُذكر، هذا ليس من موضوع الخُطبة، لكن – سُبحان الله – حين ذكرته، حضرني هذا! 

عمر بن عبد العزيز – رضوان الله تعالى عليه، وقدس الله سره العزيز – مات مسموما، والأرجح أن أهله، أي أقربائه، قراباته! هم الذين سموه؛ لأنه سد عليهم أبواب الدنيا، أن يتغولوا أموال المسلمين، فكرهوا هذا منه! ليس كبني أمية، مِمَن سبق من خلفائهم ولا مِمَن لحق، كان نمطا مُختلفا، كان نسيج وحده – رضيَ الله عنه وأرضاه -. على كل حال، لكن ما السبب؟ السبب الحقيقي هو عبد الله بن أبي زكريا. يروي العلامة أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق – رحمة الله تعالى عليه -، أن عمر – ابن عبد العزيز أعني – أرسل إلى ابن أبي زكريا، فأتاه، فقال له يا أخي أُريدك في حاجة، عدني أنك تُلبيني فيها. قال مع الإمكان، اذكرها. قال لا، حتى تحلف. قال مهما طلبت، أفعل لك. قال لا، حتى تحلف، احلف. فحلف! والله لأُجيبنك إلى حاجتك. قال ادع الله لي بالموت. أن أموت! قد كرهت هذه الدنيا، وبرمت بها. وكان ابن نيف وثلاثين سنة، لم يُكمل حتى الخامسة والثلاثين، ابن نيف وثلاثين سنة! الراشد الخامس! كره الدنيا، برم بها، وهو أمير المؤمنين، أعلى سُلطة على الإطلاق في العالم! لم يكن في وقته في العالم مَن يحكم مثل الرُقعة التي يحكمها. هذا من ناحية تاريخية معروف!

فقال بئس وافد المسلمين أنا إذن! وإني لعدو لهم! آتي إلى نعمة أنعم بها الله على المسلمين، فأحرمهم منها؟ قال هه، قد حلفت لي. فرفع يديه، ودعا الله تبارك وتعالى، بأن يُلحق ابن عبد العزيز بالرفيق الأعلى. فجاء ابن لعمر، صغير! قال يا ابن أبي زكريا وهذا، فإني أُحبه، ولا أُحب فراقه. قال يا رب وهذا الصبي. فمات عمر، ومات الصبي، في هذه الرواية عند ابن عساكر، وعند غيره ممن نقلها: وقال أيضا وألحقني بهما. قالوا ماتوا في جُمعة واحدة. ماتوا جميعا في جُمعة واحدة! مات عمر وابنه، ثم لحقهم في الجُمعة ذاتها. هكذا في الرواية، وإلا المعروف أن ابن أبي زكريا تُوفيَ في خلافة هشام بن عبد الملك، سنة سبع عشرة ومئة للهجرة، كما قال أبو الحجاج المزي وغيره، ويبدو هذا الأرجح، لكن قصة الدعاء هذه تقريبا يتناقلها العلماء الكبار.

رجل صالح، انظروا! رجل صالح، مُجرد أن يرفع يديه، يُلبيه الله في أمير المؤمنين، في راشد الخلفاء الخامس، خامس الراشدين! هذه كرامة ولي الله على الله تبارك وتعالى! لكن ما الطريق يا إخواني؟ ما الطريق؟ بعض الناس يقول أنا أُصلي وأصوم وأتصدق وأحج وأعتمر وأزكي، وربما أحفظ القرآن وأحفظ السُنن، لا أونس مثل هذه الاستجابة لي، لدعائي! لا، الفرق كبير والبون واسع، بين مَن يظن في نفسه الصلاح، وبين الصالح حقيقة! على أن الصالح حقيقة لا يظن في نفسه صلاحا، وهذه من ميزات الصالحين، انتبهوا!

من مزايا الصالحين؛ لا يُمكن أن ترى صالحا، بدءا من الصحابة – رضوان الله عليهم -، وانتهاء بصالحي اليوم – كثر الله في هذه الأمة من الصالحين والصالحات، الطيبين والطيبات، المُباركين والمُباركات -، لا يُمكن أن ترى صالحا، ثم هو يُحسن الظن بنفسه. لا أُريد أن أُطيل في هذا الباب، الآثار كثيرة ومعروفة جدا، لكن ربما اجتزئ باثنين، بثلاثة، أربعة! بحسب ما تُسعف الذاكرة. 

أبو حازم سلمة بن دينار – وكان أيضا من المُجابين، ومن كبار أولياء هذه الأمة، رضوان الله عليه – كان يقول الحمد لله أن الله لم يجعل للذنوب نتنا – ريحا مُنتنة -، إذن لما قرب مني أحد، لنتن ريحي. الله أكبر! أين ذنوبك يا أبا حازم؟ أبو حازم الأعرج! مرة أُخرى يقول يا أعرج، أراك يوم القيامة يُقال ليقم أهل خطيئة كذا وكذا – ليقم الكذّابون مثلا -، فتقوم معهم، ثم يُقال ليقم أهل خطيئة كذا وكذا، فتقوم معهم، فلا أراك يا أعرج إلا تقوم مع أهل كل خطيئة! ثم جعل يبكي. يرى نفسه خطّاء، غارقا في الخطايا! وكان مثلا يُضرب في العبادة والزهد والتقوى والصيانة والديانة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، شيء عجيب! لا يكاد يُصدق!

محمد بن واسع – محمد بن واسع البِصري – مُجاب الدعوة، والذي قيل فيه سبابته حين يرفعها، يدعو الله، خير من عشرة آلاف سيف شهير، وشاب طرير – طرت لحيته -. جيش! دعوته بجيش. وفتُحت بلاد من بلاد العجم بدعوته، لم تُفتح ستة أشهر – حدثتكم بهذا غير مرة -! بعد ستة أشهر! وكانوا يرقبونه في الليل، في قيام الليل، في السحر! ذات ليلة، وجدوه رفع السبابة ودعا، قالوا جاء الفتح! في تاليه، في الصباح، جاء الفتح. هذا محمد بن واسع!

رأى ابنه مرة يختال – يرى نفسه ابنه -، قال له أي بني، انظر مَن أنت وما أنت. أما أمك، فقد اشتريتها بمئة دينار – أمك عبدة، أنت لست ابن امرأة حرة، تختال على مَن؟ تتكبر على مَن؟ قال له -. وأما أبوك، فلا كثر الله في المسلمين من أمثاله. الله أكبر! هكذا يرون أنفسهم. أما أبوك، فلا كثر الله في المسلمين من أمثاله. تتكبر على عباد الله؟ من أجل ماذا؟ قال له. مَن نحن؟ قال له. مَن أنا؟ ومَن أنت؟

قيل مرة للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل – رضوان الله عليه -، إمام المسلمين، المُلقب بالصديق الثاني، لوقوفه في فتنة خلق القرآن، وعدم تراجعه، حين تراجع غيره! فلُقلب بالصديق الثاني – رضوان الله عليه -! الإمام الرباني والصديق الثاني أحمد بن حنبل، موسوعة ومدونة سُنة رسول الله، تقريبا يحفظ كل ما أُثر إلى وقته من سُنن رسول الله، بالأسانيد! كما قلت غير مرة مليون، ألف ألف، حديث! طبعا بالطُرق – رضوان الله عليه -! قيل له مرة جزاك الله عن الإسلام خيرا. قال ماذا؟ أنا؟ مَن أنا؟ وما أنا؟ أنا جزاني الله؟ بل جزى الله الإسلام عني وعن أمثالي خيرا. غضب من هذا الدعاء، قال جزاك الله عن المسلمين! اليوم قد يُقال لطفل صغير، عيل، جزاك الله عن الأمة وعن الإسلام خيرا. فيهز رأسه، أي أن آمين. يرى له فضلا على الأمة، على أمة محمد، على مليارين! نعوذ بالله من العُجب، ونعوذ بالله من الحُمق، ونعوذ بالله من الغرور الذي هو الجهل. هذا من الجهل! قال أنا؟ أنا ما أنا؟ ومَن أنا؟ بل جزى الله الإسلام عني خيرا.

لما احتُضر سُفيان الثوري، سُفيان الثوري الإمام الخامس في الإسلام – رحمة الله تعالى عليه -، الذي بكى الدم، وقيل بال الدم، من خشية الله! الرجل الدؤوب في العبادة، ومن أوعية العلم، من أوعية العلم والحفظ! إلى العبادة والزهادة والصيانة والديانة والتقوى الظاهرة والخفية – رضوان الله تعالى عليه -! لما احتُضر، جاءه الإمام حماد بن سلمة، فجعل سُفيان يبكي! فقال له يا أبا سعيد، أتبكي؟ أتجزع؟ قد اقتربت من لقاء مَن تُحب! قد دنوت من حُسن جزائك – إن شاء الله -! فبكى سُفيان، وقال له يا أبا سلمة، بالله عليك أترجو لي أنا الخير عند الله؟ أمثلي يُرجى له الخير عند الله؟ أي مُمكن أن أنجو؟ هو لا يُفكر في الجنة والدرجات العُلا، أن ينجو فقط، ألا يُدخل النار. قال له إي والله، إني لأرجو لك ذلك. وسُفيان يبكي! أي أترجو لي؟ مُمكن؟ مُمكن أن أنجو أنا؟ سُفيان الثوري! هكذا كانوا!

محمد بن واسع، الذي ذكرته لتوي، حين احتُضر، جعل يبكي، وقال لمُريديه وتلاميذه وأحبابه وإخوانه وخلصانه يا إخوتي، أو يا إخوتاه، أتدرون أين تذهب بي؟ يُريد الملائكة! أين تذهب بي؟ قالوا أين؟ قال والله إلى النار، أو يعفو الله عني. كان عندهم هذه! هذه سمة الصالحين. انتبهوا، نتحدث اليوم عن أولياء الله، أهل الصدق والإخلاص والصلاح التام. أولياء الله مشغولون! لا تجد الولي، يا أخي، يا أختي، إلا مشغولا بالتفتيش عن العيوب، بتتبع العورات! لا تجده إلا دائبا في المُراقبة والكشف والتلصص والتجسس! لا تجدون الولي إلا وهو شديدا صارما قاسيا! مُعاملته مُعاملة الشحيح، الشريك الشحيح، شديد النكير، شديد الدمدمة! لكن على مَن؟ على نفسه. الولي هذا حاله! يتتبع عورات نفسه، وفي نفسه شُغل وغناء عن الاشتغال بالعالمين. يرى الخير في كل الناس، ولا يرى الشر إلا في نفسه! 

ولذلك يا إخواني هؤلاء أورثتهم هذه الطريقة الحسنة الجميلة الصعبة – بلا شك صعبة، من أصعب ما يكون، صعبة مُستصعبة -، أورثتهم العلم الباطن. يقول الإمام علي – عليه السلام، وكرم الله وجهه – علم المُنافق في لسانه – نعوذ بالله، نعوذ بالله أن نكون من المُنافقين. علم المُنافق في لسانه. شيء خطير هذا! العلم باللسان فقط، علم الكُتب، علم الحفظ -، وعلم المؤمن في قلبه. ورد عن رسول الله، وإن كان الحديث ضعيفا بلا شك، أنه قال أخوف ما أخاف على أمتي الشهوة الخفية. الشهوة الخفية! وفي بعض الأحاديث الضعيفة فسرها! لكن جماعة من العارفين بالله الكبار – عرفني الله وإياكم به ودلنا عليه دلالة الصادقين – فسروا الشهوة الخفية بماذا؟ انتبهوا، هذا محور في خُطبة اليوم! بأعمال البر عن هوى نفس. أعمال بر عن هوى نفس! ليست صدقا، وليست إخلاصا لله، إنما عن هوى نفس.

الآن سأذكر حكايتين أو ثلاثا، ثم نُفرّع عليها ونُقعّد:

الحكاية الأولى حكاية الرجل الصالح الذي عبد الله مُنقطعا إليه في صومعته سنين طويلة! على فكرة من أمة محمد، هذا ليس من بني إسرائيل، من أمة محمد. واتفق أن جاءته أمه ذات مرة! يا بُني، يا فلان. قال لبيك يا أماه. لي إليك حاجة. لبيك يا أماه، أبشري. افعل لي كذا وكذا. أي ربما طلبت منه أن ينزل إلى المدينة. قال فلبيتها، ولكن كشفت نفسي. افتُضحت أمام نفسي! هذا الموقف فضحني! خرجت مغرورا! 

هو اكتشف أنه إنسان مغرور؟ ما معنى أنه إنسان مغرور؟ جاهل. يعبد الله على جهل، عبادته جهل، تقربه وانقطاعه إلى الله جهل وغرة. لماذا؟ قال لأنها لما نادتني، فاضطررت أن أنصرف عن عبادتي – ربما كان في صلاة أو في ذكر -، وجدت غضاضة في قلبي، شيئا من غضاضة! أي كأنه يقول يا ليتها ما جاءت في قلبه، أي أنا فاض؟ ها نحن جالسون في العبادة! 

عبادة ماذا؟ عبادة ماذا يا حبيبي؟ هذه أمك، أمك! ولعلك تكون في عبادة من التطوعات والنوافل، والمُضي عليها والمُتابعة فيها تطوع ونفل، أما إجابة الأم وبر الأم والأب، فواجب حتم وفرض لازم. يُوجد جهل هنا، يُوجد جهل بالنفس وجهل حتى بالشريعة وغرة، يُوجد هوى النفس هنا، هوى النفس! 

قال فوجدت شيئا من غضاضة، فعلمت أني مدغول. عبادتي مدغولة! فبدأت من جديد. لا بُد أن أبدأ مشوارا جديدا في التقرب إلى الله. كله هذا كلام فارغ! أرأيتم الوعي؟ هذا علم، هذا علم كبير! لا يُمكن أن يدلك عليه أحد. تدلك عليه ماذا؟ التجربة، مع تفتيش النفس والقلب باستمرار. تُفتش نفسك، تُحاسبك نفسك مُحاسبة الشريك الشحيح، وأن تكون واضحا مع نفسك، إياك أن تخدع نفسك! كما قال الإمام الصادق – عليه السلام – حذار أن تترك يقين نفسك في نفسك لشك الناس فيك! والمغرور كما قال سيدنا عمر – رضوان الله عليه -، المغرور مَن غررتموه. إياك، حذار يا حبيبي، حذار يا أختي، أن تُصدق كلام الناس فيك! مولانا، أنت المُبارك، أنت الأبر، أنت الأطهر، ادع لنا يا مولانا! إياك أن تُصدق كل هذه الخُزعبلات! خُزعبلات هذه، شعوذات! أبر ماذا؟ وأطهر ماذا؟ ومولانا ماذا؟ نعرف أنفسنا. 

قال مولانا جلال الدين الرومي – قدس الله سره – في المحبة كُن كالشمس، وفي الأخوة كُن كالنهر، وفي ستر العيوب ورزايا الخلائق كُن كالليل، وفي التواضع كُن كالأرض والتراب، وفي الغضب كُن كالميت – الميت يغضب؟ حين تُستفز وتُستغضب، لا تغضب، كُن حليما، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ *-، وأيا ما كانت من الخلائق – ما أجمل هذه الخاتمة المولوية! وأيا ما كنت، أيا مَن تكن، وأيا ما كنت! من نسل الرسول، من نسل العجم، من نسل العرب، عالما، جاهلا، صالحا، طالحا، ترى نفسك، أو يرونك! غير مُهم. قال! كبيرا، صغيرا، ذكرا، أُنثى، وأيا ما كنت من الخلائق -، فابد كما تكون، أو كُن كما تبدو. الله! لا بُد من وقفة، ما معنى هذا؟ ما معنى هذا الكلام؟

قال أيا ما تكن، اجعل هذه قاعدتك، هذا دستورك، هذا معيارك! تبدو كما تكون، أو كُن كما تبدو. بفضل الله تبارك وتعالى، الذي وقف عليه الفقير الحقير، أن مولانا الرومي أخذ هذا المعنى من الأستاذ أبي علي الدقاق – قدس الله سره -، وهو أحد أساتيذ مولانا عبد الله الكريم القُشيري، أبي القاسم، صاحب الرسالة القُشيرية الأشهر! أشهر متن في التصوف تقريبا الرسالة القُشيرية! قال سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق – قدس الله سره – يقول – أستاذه قال له، قال للإمام القُشيري، قال له – الصدق أن تكون مع الناس كما ترى نفسك، أو ترى نفسك كما تكون. هذا نفس المعنى! 

إذن وأيا ما كنت من الخلائق، فابد كما تكون، أو كُن كما تبدو. ما معنى هذا الكلام؟ ابد كما تكون، ما هي حقيقتك الكيانية؟ كما تكون! ما هي حقيقتك الكيانية؟ ما أنت؟ ما رُتبتك؟ ما وضعك؟ ما سرك مع الله؟ اظهر كما أنت، إياك أن تظهر فوق ما أنت! النفاق والكذب والمُخادعة لله ولعباده، أن تُظهر من نفسك فوق ما أنت عليه، إياك! بل الصالحون يجتهدون دائبين على أن يكون ما يُظهرونه أو ما يغلبهم بظهوره أقل بكثير من ماذا؟ من حقيقتهم الكيانية. أي إذا رأيته وأعجبتك حتى صلاته، هذا جُزء من صلاته الحقيقية. إذا أعجبك ورعه، هذا ربما يكون شطر ورعه، أو أقل من الشطر، أقل من ذلك! دائما باطنهم خير من ظاهرهم. 

لكن على الأقل لئلا تنتقل من زُمرة الصادقين، من ضفة الصادقين، إلى ضفة الهالكين الكاذبين المُرائين المُنافقين، إياك أن تُبدي من نفسك فوق ما أنت! إياك أن تُحاول أن تدعي! الدعاوى مُهلكة، تقطع الأعناق، في طريق الله تبارك وتعالى! إياك أن تُحاول أن تدعي ما ليس فيك أبدا أبدا! الصالحون يدعون العكس، مساكين! يدعون أنهم أسوأ بكثير مما هم فيه. 

إذن ابد كما تكون، أو كُن كما تبدو. الله! كُن كما تبدو، ماذا؟ الناس يرونك صالحا، يرونك ورعا، حذار – وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * – حذار أن ترضى على نفسك أن تُحمد وأن يُرفع لك عنوان، يافطة، ليست كحقيقتك، أنت أقل منها! إذن ارتق إليها، كُن كما تبدو. هكذا تظهر؟ هكذا يرونك؟ ارتفع. ولعل أحسن ما يُفسر هذه العبارة العظيمة في العرفان قصة مولانا الإمام الأعظم أبي حنيفة النُعمان – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وعن سائر أئمتنا وعلمائنا، ونفعنا الله ببركاتهم، وأعاد علينا من أنوارهم -! أبو حنيفة يُحكى عنه الآتي! وكان فقيها، أي فقيه الأمة الأكبر ربما! هذا الرجل فقيه، ويعلم أن النبي لم يكن من سُنته أن يقوم الليل بطوله، إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ *…الآية من سورة المُزمل! يعلم هذا، يعلمه الصغار! لكن لماذا كان أبو حنيفة يقوم الليل كله، أربعين سنة، إلى أن لقيَ الله مسموما في سجن أبي جعفر المنصور الظالم؟ أربعين سنة يُصلي الصُبح بوضوء العشاء، لا يُوجد نوم، لا يُوجد رقدة، ولا حتى خمس دقائق! لماذا؟ 

قالوا السبب ليس جهلا منه بالسُنة، أو أنه يُريد أن يتنطع في الدين، يتشدد أكثر مما تسمح به الشريعة! حاشاه وكلا، هو فقيه الدنيا! ولكن كما حكى الإمام الحُجة الغزّالي – قدس الله سره -، نقلا عن بعض كُتب تراجم الإمام الأعظم؛ لأنه كان يمشي مرة في سوق من أسواق الكوفة، فسمع اثنين يتساران – لكن سمعهما -، يقول أحدهما أتعلم مَن هذا؟ أتدري مَن هذا؟ قال مَن؟ قال هذا أبو حنيفة. قال مَن هو أبو حنيفة؟ قال هذا شيخ الإسلام، يُصلي الصُبح بوضوء العشاء، لا ينام! قال أعوذ بالله أن أُحمد بما لم أفعل، هذه بلية! فمضى على أن يُصلي الصُبح بوضوء العشاء، حتى لقيَ الله. أو كُن كما تبدو، فهمتم؟ هذا هو، أحسن شرح لعبارة كُن كما تبدو، هذه القصة العجيبة عن الإمام الأعظم أبي حنيفة – رضيَ الله عنه وأرضاه -. ابد كما تكون، أو كُن كما تبدو. الله علمنا العلم النافع، حققنا بالعلم الباطن، لا بالعلم الظاهر، علم الدعاوى والرسوم والأخاديع والأفائك، اللهم آمين. 

هذه القصة الأولى إخواني، القصة الثانية قريبة منها، وحكاها رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه -، بل هي كالتقعيد – أيها الإخوة – لما تحصّل لدينا الآن. هذا العابد لو كان يعلم الحقيقة، لو كان يعلم الحقيقة الشرعية في هذه المسائل، لفرح جدا بقطع ما هو فيه من النوافل والتطوعات، وربما الفرائض، لتلبية أمه، أليس كذلك؟ لكنه لم يفرح، بل وجد الغضاضة، على مضض، في نفسه، لم يُبده لها! لأنه جاهل، لا يفهم، لا يفهم الحقيقة! كيف؟ روى الإمام مُسلم في صحيحه، عن أبي هريرة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، قال قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة؛ عيسى بن مريم، وغُلام جُريج، ثم شرح قصة غُلام جُريج، ثم أتى بالثالث، الطفل الرضيع الذي كان يرتضع ثدي أمه، فمُر برجل من ذوي الهيئات، ثم مُر بجارية تُضرب، ويُقال سرقت، زنيت. لا نُريد أن نُفصل، موجود الحديث، عودوا إليه! لكن نأتي إلى غُلام جُريج.

غُلام جُريج! يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – وكان جُريج رجلا عابدا، من بني إسرائيل. من أتقياء، من صُلحاء بني إسرائيل! يتعبد الله تبارك وتعالى في صومعة له، فأتته أمه. ابتلاه الله! كلنا في بلاء على فكرة، كلنا في بلاء! والله لا تخلو ساعة من بلاء، بلاء! إبلاء، اختبار، كل شيء اختبار كل شيء اختبار! أنا أتكلم، اختبار. أنت تستمع، اختبار. كله اختبار، دائما نحن في اختبار. نسأل الله أن ننجح، أن نكون من المُنجحين المُفلحين. الأمر غير يسير، اللهم يسره علينا ولنا يا رب العالمين. اختبار! فجاءته أمه يوما، فقالت له يا بُني، يا جُريج. فقال ربي، أمي وصلاتي. أنا أصلي، قاعد، وأمي تدعوني. يا ربي، أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته، فانصرفت المسكينة. ثم جاءته من الغد؛ يا جُريج. قال ربي، صلاتي وأمي. فأقبل على صلاته، فانصرفت. فلما كان من الغد، الغد التالي؛ يا جُريج. قال ربي، صلاتي وأمي. ثم أقبل على صلاته، فقالت الآتي! غضبت المسكينة، أوحشها، أوحش قلبها، كسر قلبها، كسر بخاطرها. قالت يا جُريج، لا أماتك الله، حتى يُريك وجوه المومسات – الزواني العواهر، أجلكم الله -! انظر إلى هذه الدعوة، دعوة ذكية! ثقيلة وصعبة، ولكن ذكية! لم تدع عليه بالزنا، حاشا لله! دعت عليه فقط بماذا؟ أن يرى وجوه المومسات. الله! اقشعر بدني والله. 

إذن فلنتق الله، ليتق الله أبناؤنا وأحبابنا الصغار، الشباب العزاب. لا تمش في شوارع وأماكن ترى فيها هذه الوساخات، وأنت غني عن أن تمشي فيها. إن كنت مُضطرا، فهذا شيء ثان. إن كنت غير مُضطر، فلا تفعل هذا. هذا بحد ذاته عقوبة! أن ترى وجوه هؤلاء عقوبة، عقوبة لك، يا أخي، يا حبيبي. فدعت عليه بهذه العقوبة! ألا يُميته الله، حتى يُريه وجوه المومسات – العواهر -. 

يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام، والحديث في الصحيح، في مُسلم، يقول الآتي عليه الصلاة وأفضل السلام – وكانت امرأة بغي، من بني إسرائيل، يُتمثل بحُسنها. أي يُضرب المثل بحُسنها! يُقال أحسن من فلانة، في حُسن فلانة، مثل حُسن فلانة. جميلة جدا جدا، لكنها – والعياذ بالله – ماذا؟ بغي. تعيش ببُضعها، تعيش ببُضعها – والعياذ بالله -. نسأل الله العفة لنا ولأولادنا وبناتنا والمسلمين أجمعين والمسلمات. فقالت لهم وقد تذاكروا يوما عبادة جُريج؛ ما أعبده! ما أتقاه! ما أشد جده في العبادة وصدقه في الخدمة الإلهية وكذا! قالت لهم الخبيثة الآتي! الشيطان طبعا وكزها كما يُقال، ووخزها، وأزها أزا! فقالت لهم إن شئتم، فتنته لكم. فقالوا ها، هلمي. هيا، افتنيه. انظروا، أمة خبيثة! هناك ناس خبثاء هكذا، هناك ناس خبثاء! حتى في الأمة المسلمة، هناك ناس خبثاء مُخبّثون، لم يتركوا صالحا إلا بهتوه! ليس فتنوه، بهتوه! هو صالح نظيف، أطهر من ماء الغمام. الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، مُقرئ القرآن العظيم، تكلموا فيه! الشيخ متولي الشعراوي، العارف المُفسر، نسيج وحده، تكلموا فيه! شيء عجيب يا أخي الأمة هذه! موجود! موجود هؤلاء المُخبثون – والعياذ بالله -، وأصلحهم ولا تُكثر في الأمة من أمثالهم.

فقالت أنا أفتنه لكم. فأتته، راودته عن نفسه، فلم يلتفت إليها. رجل صادق، لا يُريد ولا يهمه. فلما يئست منه، انحدرت إلى راع، عند الصومعة يرعى! فأمكنته من نفسها، فوقع عليها. مرت الأيام والشهور، حملت! حبلت، ثم ولدت ولدا. مَن هذا؟ قالت ابن جُريج. الملعونة! قالت هذا من جُريج، حين ذهبت إليه، أتتذكرون الزمان الفلاني؟ هذا ابنه. فأتوا إليه، فاستنزلوه! انزل، انزل يا حبيبي. يقولون له! انظر إلى الناس الجهلة. الجمهور كالوحش، ولذلك يا حبيبي، أنا أُحدثك الآن كإنسان يُريد من نفسه أن يكون مشروع صلاح، أن تكون رجلا صالحا – إن شاء الله – صدّيقا يا رب، ونحن معكم يا رب جميعا! لا، إياك أن تُتابع الجماهير والحشود! الجماهير عقلية وحش، صدقني! في كل مكان، الجماهير الهاجئة عقلية وحش، يقتلون الصالحين فيهم، كما حصل في كثيرين! يقتلون مَن يُساعدهم، ثم بعد ذلك يتندمون؛ لم نكن نعرف! بادرتموهم بالقتل لماذا أيها الوحوش الكاسرة؟ إياك أن تكون مثل هذه الجماهير البهيمية! كُن رجل الله، الراكز، الواعي، الذي لا يُسارع لا إلى تُهمة الناس ولا إلى عقاب الناس، اشتغل بنفسك. هذه طريق الصالحين.

المُهم، فاستنزلوه، فنزل المسكين. هدموا صومعته، سووا بها الأرض، وجعلوا يضربونه! اضرب، اضرب! قال ما شأنكم؟ قال لماذا هذا يحدث؟ قالوا زنيت بهذه، وهذا ابنك. زنيت بها، وأولدتها. قال أين الصبي؟ فأتوا به. قال دعوني، أصل. دعوني، أصل. طبعا الراوي قال أصلي، خطأ نحوي، لا! أصل. دعوني، أصلي. أي جواب الشرط هذا. دعوني، أصل. فتركوه يُصلي. فصلى، ثم رفع يديه، وضرع إلى الله تبارك وتعالى، ثم أقبل إلى الغُلام، فوكزه بأُصبعه، قال يا غُلام، مَن أبوك؟ قال أبي الراعي. آه! فكبروا، وسبحوا، وأقبلوا على جُريج يُقبلونه ويتمسحونه به؛ بركاتك يا مولانا. والآن ضربوه، وهدموا صومعته! جماهير مُتوحشة، اللهم لا تجعلنا منهم، شيء مُقرف هذا، طريقة الجماهير هذه! فجعلوا يُقبلونه ويتمسحون به، وقالوا له نبني صومعتك من ذهب. قال بل ابنوها من لبن. أعيدوها كما كانت.

هذه قصة جُريج، أخذ العلماء منها يا أحبابي أحكاما فقهية، من ضمنها؛ ماذا على مَن دعاه أو دعته أمه أو أبوه، أمها أو أبوها، وهو في صلاة؟ أُصلي الآن، صلاة! ليس في ذكر وتسبيح، في صلاة. جاءت أمي تدعوني! فرّق العلماء بين الفرض والنفل، ومنهم مَن تكلم في الفرض وفرّق بين ما إذا كان الفرض لا يزال وقته مُتسعا وبين ما صار وقته مُضيقا ضيقا، كالذي يُصلي الظهر في آخر وقتها، قالوا مثل هذا لا يقطع الظهر لأبيه أو أمه. يُكمل الظهر؛ لأن سيدخل العصر. بعضهم قال أما إذا كان وقت الصلاة، كالظهر مثلا قبل العصر، مُوسعا، بحيث يستطيع أن يقطع الصلاة، ثم يُلبي أمه أو أباه، ثم يعود، والوقت لا يزال مُتسعا، قالوا يقطع الصلاة. وهي في الفريضة! من علماء الإسلام، لا أُريد أن أذكر التفاصيل، هناك تفصيلات عند المالكية وعند غيرهم. بعض المالكية مثلا قالوا هذا خاص بالأم دون الأب. حكاه العلامة أبو الوليد بن رُشد الجد، صاحب البيان والتحصيل. وقيل هو ثابت عن مكحول الدمشقي. ذكرته اليوم مع ابن أبي زكريا. على كل حال، وبعضهم قال ماذا؟ لا يجوز في الفرض قولا واحدا، لكن في النفل. وبعضهم قال حتى في النفل، إن كان أبوه أو أمه على علم، ولا يستوحش، إن لم يُلبه، فلا بأس، يُكمل صلاته. أما إن كان لا يعلم، وقد يستوحش، فعليه أن يقطع ويُلبي أباه أو أمه. أما إن كان الأب أو الأم مُستغيثين، فعليه أن يقطع صلاته في كل الأقوال، وهذا يستوي فيه غير الأب والأم مع الأب والأم. أتاك مَن قدره هذا! 

إذن قدر الأب والأم عظيم! أن تُلبيهم حتى في الصلاة، حتى في الفريضة أحيانا في بعض الأقوال، وفي النافلة في أرجح الأقوال؟ تقطع الصلاة! لماذا؟ قال الإمام النووي عند شرح حديث أبي هريرة عن جُريج هذا، في كتابه، أي شرح المنهاج على مُسلم، قال – رحمة الله عليه – وكان حقه – حق جُريج – أن يقطع صلاته ويُلبي أمه؛ لأنه في تطوع، والمُضي في التطوع تطوع، وتلبية الأم واجب، والواجب مُقدم على التطوع. شيخ مشايخ الإسلام، مُحيي الدين النووي – قدس الله سره -! قال هذا هو فقه المسألة، اقطع ولب أمك يا جُريج. فُتن! وفعلا رأى وجه المومسة هذه، وكادت تودي به، كادت تودي به وتقضي عليه، المسكين! على حياته وسُمعته، لولا أن الله لطف، إنه؛ لَطِيفٌ خَبِيرٌ *، لا إله إلا هو! لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ *.

إذن واضح يا إخواني! قصة أُخرى قريبة من هذه ومُهمة أيضا، مُهمة للغاية! رجل في هذه الأمة المُحمدية، كان حريصا على أن يُصلي الجماعة – أيها الإخوة – في الصف الأول، ولا تفوته تكبيرة الإحرام. هذا شيء عظيم جدا جدا طبعا! كما يُحكى عن ابن المُسيب، أنه لم تفته تكبيرة الإحرام خلف الإمام في الصف الأول أربعين سنة. سعيد بن المُسيب، صهر أبي هريرة، أحد فقهاء المدينة السبعة، سيد التابعين – رضوان الله تعالى عليه -! أربعون سنة، الصف الأول، تكبيرة الإحرام، شيء عجيب! توفيق عجيب! هذا التوفيق العجيب! ليس الفعل، التوفيق! أن يُوفق الإنسان أن يُتابع العمل الصالح أربعين سنة دون انخرام، والله مُعجزة! والله – وأنا على منبر رسول – مُعجزة! مُعجزة الأولياء! اللهم أعطنا بعض هذه الكرامات يا رب، لنُتابع طاعتك على الوجه الذي يُرضيك عنا ومنا، بحيث ترضى عنا وتُرضينا يا كريم. شيء عجيب يا إخواني!

فهذا الرجل يُصلي في الصف الأول، يُدرك تكبيرة الإحرام. فتأخر مرة، سُبحان الله! حدث له حادث، تأخر! فصلى في الصف الثاني – في الصف الثاني أو التالي، أي الثاني – واعترته خجلة وانكسار. خجل وانكسر! قال فلما آنست هذا من نفسي؛ أنني خجلت وانكسرت، علمت أن عبادتي كانت طيلة – أي طوال – تلك السنين الفائتة مدغولة، ليست صادقة لله. أي يلحظ بها الناس، ومُستأنس كما نقول! مُستأنس، غير مُستوحش، ومُرتاح، أنه يُصلي والناس يرونه في الصف الأول! فاتته الصلاة اليوم في الصف الأول، صلى في الصف الثاني، انكسر وخجل. لماذا تخجل؟ ينبغي ألا تخجل وألا تنكسر، ينبغي فقط أن تحزن وتأسى على نفسك؛ لأن الأجر فاتك. أما أن الناس يرونك، لا يرونك، هذا لا يُمكن أن يدخل في اعتبار الصالحين، في اعتبار الصديقين، في اعتبار الأبرار الكبار المُقربين، لا يُمكن! لأن العمل لله، ليس للناس، العمل لله! لو كان كل حضور المسجد عُميا، هو سيُصلي في الصف الأول، دون أن يأذنوا به، دون أن يلتفتوا إليه؛ لأن هذا لله. لكن انظر إلى هذا الرجل، مُوفق أيضا، التفت إلى هذا من نفسه، وعلم. ستقول لي ما الدرس؟ الدرس – أنا أقول لكم – هو الآتي! نقع كلنا هكذا! تقول لي أنا لا أُصلي في الصف الأول، ولا أعمل أشياء كهذه، ولا أنا مثل جُريج. لا، كلنا نقع في مثل هذه الأشياء، ونحتاج إلى القاعدة والدرس، تعرفون كيف؟ صدقوني، سآتي بمثال أو مثالين، ونُنهي هذه الخُطبة.

المثال الأول؛ يجتهد أن يعتمر كل سنة، وخاصة في رمضان، وعُمرة في رمضان كحجة معي، حلو! جميل! اللهم وفقنا ووفقه يا رب. لكن لِمَ أنت تُماطل في أداء الدين الذي عليك؟ لم أفهمك يا رجل! أين الدين؟ تُوجد عليك ديون! يُماطل. بعد ذلك الوضع صعب، ويذهب لكي يعتمر. مدغول، العبادة مدغولة، ليست لله. من أخيك الصغير، من غير تأكيد، ومن غير تحريج؛ عبادتك يا حبيبي مدغولة، راجع نفسك، هذه ليست لله. أيهما أولى؛ أن تقضي ما عليك من دين، أو تطوع بالعُمرة؟ لا، الدين يا حبيبي، الدين، الدين! لو لقيت الله تبارك وتعالى شهيدا، مقتولا، مذبوحا، في المعركة، من أجل رفعة كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعليك دين، تُحبس على القنطرة، تكون من أهل الأعراف، ولا تدخل الجنة، حتى تُسوي ما عليك من حقوق، واضح؟ انتبه، تفضل، تفضل! وتذهب لكي تعتمر، أو تتطوع بالحج! أد الدين يا رجل.

لا، بعض الناس أحمق من هذا – حاشاكم وأعزكم الله -! بعض الناس يتوسع في الصدقات! يبعث صدقات، وخاصة في رمضان، صدقات هنا وهنا، ولا يقضي ما عليه من دين، نفس الشيء! وهناك شيء أغمض من هذا، انتبهوا! يجب أن نكون فلاسفة، فقهاء في هذه المسائل، يجب أن نُحاسب أنفسنا أشد الحساب، حتى يستوي عملنا على سكة الصدق والإخلاص لله، فنكون من المقبولين، ولو قُبل أقله، نجونا – إن شاء الله تعالى -، لكن بهذا التخليط وهذا الغرور والدغل والجهل، نحن ضائعون، أليس كذلك؟ ضائعون، وضيعنا أعمالنا، أي أتعبنا حالنا. ما مثل هذا؟ أغمض منه قليلا؛ حين ينبعث في الصدقة والتطوعات المالية، يتحامى الذوين، يتحامى ذويه! أولاد عمته، أولاد خاله، أولا كذا، أولا أخيه! قال لك لا، نُعطي الذين هم في الخارج. إذن لماذا؟ هؤلاء الذوون، هؤلاء الأقربون، مُحتاجون أيضا، مُنكسرون، فقراء، معاويز، محاويج، لِمَ لا تُعطيهم؟ يقول لك لا أرتاح، أشعر أنني أرتاح حين أُعطي الأغارب.

لا، أنت تعبد هواك، هواك يُحركك يا مسكين. جاهل المسكين، الشيطان يلعب به، الشيطان! لعنة الله على إبليس، فيلسوف المعصية. أكبر فيلسوف إضلال ومعصية إبليس – لعنة الله عليه -، ولا أحد يقدر عليه، إلا المُوفق بتوفيق الله – اللهم وفقنا يا رب -! وإلا الرجل شيء مُخيف هذا، اللعين هذا، إبليس! فيلسوف. يقول لك أنا لا أرتاح، وأنت علمتنا وقلت لنا وغيرك قال لنا الإخلاص وما الإخلاص والنية، أنا لا أرتاح يا أخي. لا، لماذا لا ترتاح؟ فتش نفسك. لا ترتاح؛ لأنك حين تُعطي القرابات والأحماء والأصهار والذوين، في عموم الحالات هؤلاء لا يمدحون كثيرا؛ لأنهم يعتبرون تقريبا ما تُعطيهم من صدقات كالواجب عليك. أي أنت لحم ودم، أنت صهر وقريب، أعط يا رجل، والله موسع عليك! أليس كذلك؟ وإن مدحوك، اقتصدوا جدا في المدح. يقول لك جزاك الله خيرا، بارك الله فيك. فقط؟ أنت تُريد منهم أم تُريد من الله يا رجل؟ قال لك قال لي فقط كلمتين! يا رجل! لكن لما يُعطي الأغارب، الذين لا ينتظرون منه العطاء، يبعثون له مُدونة قانونية، ثلاث صفحات على الواتساب WhatsApp، وكذا وكذا وزوجتك وأبناؤك وذُريتك وأنت من الصالحين والله والله. وبعد ذلك يفضحونه في الناس؛ ما شاء الله أعطانا وعمل لنا. ويفرح وينشرح ويستأنس. مسكين يا رجل، عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ *، أضعت كل شيء. أرأيتم كيف؟ الدغل، عدم الفهم. يُعطي الأغارب، ويتحامى الأقارب، ثم يرى أنه مُتصدق! لا يا رجل.

في صحيح مُسلم، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – دينار أنفقته في سبيل الله – في الجهاد، هل هناك ما هو أحسن من الجهاد؟ -، ودينار وضعته في رقبة – رقبة حررتها، شاركت في تحريرها -، ودينار تصدقت به على فقير، ودينار – في مُسلم هذا – أنفقته على أهلك، أعظمها عند الله أجرا الذي أنفقته على أهلك. نعم، طبعا يا حبيبي. مِن الناس مَن لا يُحب حتى أن يُعطي زوجته وأولاده! نُعطي الأغارب. الزوجة لا تُمدح، أليس كذلك؟ تقول لك واجبك، واجبك يا أبا فلان. واجبي؟ حسن! لا يُريد، هو يُريد المدح. وأولاده لا يمدحون طبعا، ويُمكن حتى أن يستقلوا ما يُعطي وما ينالون منه! لكن الأغارب، القليل كثير عندهم. 

النبي قال هذا، انظر، النبي نبهنا، النبي! الله! المُعلم الأعظم طبعا. إبليس المُعلم الأكبر للشر، ومُحمد المُعلم الأعظم للخير في تاريخ الدنيا كلها بطولها وعرضها، واضح؟ النبي قال لك أعظم دينار عند الله، ليس الخاص بالجهاد، ولا بعتق الرقبة، ولا بالفقراء والمساكين، ولا…ولا…ولا…إذن مَن؟ الذي تُعطيه لأهلك. ما داموا محتاجين له، فهو أعظم دينار. ولذلك في الصحيحين، بل في الموطأ، بل عند أهل السُنن، من حديث سعد بن أبي وقاص، الصحيح جدا، الذي في آخره ولكن البائس سعد بن خولة يرثي له أن مات بمكة، في ضمن الحديث العظيم هذا، حديث سعد؛ إنك أن تذر ورثتك أغنياء، إلى آخره! قال له ماذا؟ وإنك يا سعد لا تُنفق نفقة إلا أُجرت بها، حتى ما تجعله في في امرأتك. في في امرأتك! في الثانية تعني ماذا؟ اسم من الأسماء الخمسة أو الستة! فو! في فيها. قال له في في امرأتك، أي في فم امرأتك. الله أكبر! والحديث رواه الجماعة. حتى الذي تضعه في فم زوجتك، تؤجر عليه. 

واضح يا إخواني؟ فنسأل الله تبارك وتعالى أن يُفقهنا بعيوب أنفسنا وأخاديعها ومداخلها ومخارجها، حتى نكون في أمر عبادتنا وفي أمر تقربنا من الله على بيّنة وعلى نور وبنور – إن شاء الله تعالى -.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

 

الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُباركين الميامين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا وعليكم والمسلمين والمسلمات معهم بفضله ومنّه ونعمته أجمعين.

اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا غائبا إلا رددته، ولا أسيرا إلا أطلقته، ولا مدينا إلا قضيت عنه دينه وأذهبت همه وغمه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت. اللهم اجعلنا هُداة مُهتدين، غير ضالين ولا مُضلين، سلما لأوليائك وعدوا لأعدائك، نُحب بحُبك مَن أحبك، ونُعادي بعداوتك مَن خالفك. اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التُكلان، وأنت المُستغاث وبك المُستعان، لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين.

نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. ونسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك – صلى الله عليه وآله وسلم – وعبادك الصالحون، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك وصفيك – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – وعبادك الصالحون. ونسألك ما قضيت لنا من أمر، أن تجعله عاقبته لنا رشدا. 

اللهم اهدنا لأرشد أمورنا، اللهم اهدنا لأرشد أمورنا، اللهم اهدنا لأرشد أمورنا. بصّرنا بعيوبنا، وأقمنا على طريق الإخلاص لك والصدق لك، وارزقنا الصدق في خدمتك، والجد في خشيتك، والرجوع إليك في كل أمرنا. 

اللهم تُب علينا لنتوب إليك توبة تقبلها وتجعلها نصوحا، برحمتك يا أرحم الراحمين. نسألك حُبك وحُب مَن أحبك وحُب العمل الذي يُقربنا إلى حُبك. اللهم ما رزقتنا مما نُحب، فاجعله قوة لنا فيما تُحب. وما زويت عنا اللهم مما نُحب، فاجعله فراغا لنا فيما تُحب. اللهم اجعل حُبك أحب إلينا من أنفسنا وأولادنا ووالدينا والماء البارد على الظمأ الشديد، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ *. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، يا واسع المغفرة، يا عظيم النوال، يا غياث مَن لا غياث له، يا كنز مَن لا كنز له، يا حرز مَن لا حرز له، يا رب العالمين، يا إله العالمين، إلهنا ومولانا رب العالمين.

اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وسنين مديدة، اللهم اجعل هذا الرمضان أبرك ما مر بنا من رمضانات، اللهم واجعل ما يتلوه من رمضان أبرك منه، حتى نلقاك وقد رضيت عنا أتم الرضا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اكفنا ما أهمنا من أمر دنيانا وأمر أخرانا، واختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنت راض عنا. 

اللهم مَن أحييته منا، فأحيه على سُنة محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا -، ومَن أمته منا، فأمته على ملة محمد. اللهم أحينا على سُنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا يوم القيامة في زُمرته وتحت لوائه. اللهم أوردنا حوضه، اللهم أسعدنا بشفاعته، واسقنا بيده الشريفة الكريمة شربة لا نظمأ بعدها أبدا، برحمتك يا أرحم الراحمين. 

لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين. أصلحنا لك بما أصلحت به عبادك الصالحين. اللهم ارحمنا في شهر رمضان. اللهم اغفر لنا ذنبنا كله في شهر رمضان، دقه وجله، قديمه وحديثه، سره وعلانيته، ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهم واعتق في هذا الشهر الكريم، في هذه الليالي المُباركات والأيام الطيبات الزاهرات رقابنا من نار جهنم ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأزواجنا وأولادنا وذُرياتنا وقراباتنا وأصهارنا وأخينا فيك وحبيبنا فيك يا رب العالمين والمسلمين والمسلمات معنا أجمعين، بفضلك ومنك ونعمتك وكرمك. يا أكرم الأكرمين، يا أجود الأجودين. لا إله إلا أنت سُبحانك وبحمدك، نبوء إليك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنب الكبير إلا أنت، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله/

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِىٓ إِلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌۢ بِٱلْعِبَادِ *، وأقم الصلاة.

(29/4/2022)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: