يقول المُفكِّر عليّ الوردي لو خيَّروا العرب بين دولتين، دولة علمانية وأُخرى دينية، لصوَّتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية، هذا ما استهل به الدكتور أحمد العرفج حلقته التي تحمل عنوان العَلمانية في ميزان الإسلام، فضلاً عن طرحه بعض الأسئلة التي تتعلَّق بالموضوع.

قال الدكتور عدنان إبراهيم إن العَلمانية أو العِلمانية أو العَالَمنية ترجمة للمُصطلَح الشهير في الغرب Secularism، وهذا التفاوت بين المُترجِمين حصل بسبب الوقوف مع اشتقاق الكلمة.

أضاف أن هذه الكلمة مُشتَقة من كلمة وردت في أدبيات القديس أوغسطين Saint Augustin أطلقها على الفترة التي ينتظر فيها الإنسان المسيحي والعالم كله عودة المسيح الثانية لكي يبدأ العهد الألفي الجديد.

تابع أن في الأدبيات المسيحية كان يُقال عموماً لكل شيئ خارج الدير بأنه علماني حتى رجال الدين، لذا إذا مارس رجل الدين نشاطاته الدينية خارج الأديار فإنه يُعتبَر علمانياً، ومن باب أولى عموم الناس كلهم علمانيون، لأنهم يعيشون في زمن الانتظار الدنيوي، على عكس رجل الدين الذي ينقطع في الدير فهو رجل دين نظامي، أي أن هناك Secular clergy وRegular clergy.

أكَّد على أن هذا كان الأصل في الاستخدام، لذلك ربما تكون الترجمة الدقيقة الدُنيوية أو الدهرية كما ترجمها جمال الدين الأفغاني، فأبعد الترجمات عن حقيقة المُصطلَح عِلمانية، لأنها نسبة إلى العِلم، ومن هنا تساءل ما علاقة العِلم بالعِلمانية؟ فهذه العلاقة جاءت مُتأخِّرة جداً.

أوضح أن العرب يصكون مُصطلَحات كثيرة لأشياء لم تُنجَز في حين أن الغربيين يفعلون العكس، واستدل بمُصطلَح الـ Renaissance الذي يعني إعادة الميلاد وترجمه العرب إلى النهضة، فهذا المُصطلَح صُك بعد زُهاء أربعمائة سنة من نشأتها.

أضاف أن العَلمانية صيرورة لم تسر بوتيرة واحدة وكانت وتائرها مُختلِفة من بلد إلى بلد، وهذه الصيرورة امتدت إلى مُنتصَف القرن التاسع عشر، ثم أتى جورج هوليوك George Holyoake وصك المُصطلَح لأول مرة في سنة ألف وثمانمائة وإحدى وخمسين وأشار إلى أنه يُريد بالعَلمانية فصل الدين عن الدولة وليس عن الحياة، وطالب بفصل المُؤسَّسات الدينية عن المُؤسَّسات الدولتية.

أوضح أن الانفصال بين الدين والدولة تم من القرن السادس عشر على الأقل في التجربة الإنجليزية، وذكر أن هوليوك Holyoake عوَّل على الإرث الإنساني، ففي بداية النهضة برزت الحركة الإنسانية التي أحيت المواريث الإغريقية والرومانية وجعلت الإنسان محور الاهتمام عكس الدين المسيحي الذي يجعل محور الاهتمام الآخرة وما يتعلَّق بالله، لذا سعادة الإنسان وتكامله وما إلى ذلك كان يُرجأ إلى الآخرة، لكن في المنظور الإنساني هذه الأشياء لا تُرجأ.

بيَّن أن العَلمانية تهتم بأمرين، الأمر الأول فصل الدين عن الدولة في الشأن السياسي، الأمر الثاني إتاحة الفرصة للإنسان أن ينمو تنمية حرة على أسس عقلية وعلمية مُحترَمة الآن وهنا في الشأن الاجتماعي.

أوضح أن الدولة في القرن التاسع عشر ليست كدولة اليوم العصرية التي أصبحت كوحش – Leviathan – توماس هوبس Thomas Hobbes، لذا عَلمانية الدولة الحديثة تختلف عن عَلمانية جورج هوليوك George Holyoake.

ذكر أن عبد الوهاب المسيري كأحد المُتخصِّصين في موضوع العَلمانية كان يرى أن مُصطلَح العَلمانية كما يطرحه بعض المُبشِّرين به إنما يصف واقعاً منسوخاً يتعلَّق بالقرن التاسع عشر، أما العَلمانية المعيشة فهي شيئ مُختلِف تماماً، مُشيراً إلى أنه يُسميها العَلمانية الشاملة أو العَلمانية المادية أو العَلمانية المُنفصِلة عن القيمة أو العَلمانية الداروينية لأنها نحت مجموع القيم عن الفضاء العام أولاً ثم الفضاء الخاص أخيراً حتى انتهت المسألة بمُساواة الإنساني بالطبيعي لصالح الطبيعي، فكل شيئ أصبح محكوماً بمنطق المادة المُغلَق الذي يقطع مع الغيبيات والروحانيات ويتنكَّر للآفاق الأعمق للإنسان الذي يُنظَر إليه كمادة استعمالية.

أشاد بطريقة المسيري في ضرب الأمثلة المُنوَّعة والرائقة، ثم تحدَّث عن إحراق بعض البلدات في السويد لجثث الموتى لإنتاج الطاقة التي يتدفأ بها الناس ويُسخِنون به الماء، وهذا شيئ مُخيف.

ذكر أن النازية لم تتخلَّص من اليهود فقط وإنما من المُعاقين والمُتخلِّفين، فضلاً عن الذين يأكلون ولا يُنتِجون كان يُتخلَّص منهم، لذا أسموهم الآكلون غير المُنتِجين Useless Eaters، لأنهم ينظرون لهؤلاء على أنهم غير نافعين، في حين أن الدين ينظر للإنسان على أنه مُقدَّس ومُكرَّم وخليفة الله في الأرض وما إلى ذلك.

أكَّد على أن الطرح العَلماني لا يُمكِن أن يحل محل الأديان كما يظن البعض، مُشيراً إلى أن الفيلسوف المُلحِد يورغن هابرماس Jürgen Habermas كان حاذقاً في نقد الآثار السلبية للفلسفة الوضعية والعِلموية أيضاً التي تُقدِّس العقل العلمي وتجعله مرجعية نهائية.

أضاف أن عادل ضاهر كان ينظر إلى العَلمانية كرؤية كونية شاملة، أي أنه أخذها من الناحية المعرفية، وهذا منظور خاطئ ويُؤدي إلى إقصاء الدين والماورائيات.

أوضح أن الفيلسوف حسن حنفي عرض للعَلمانية من نفس المنظور في لحظة من لحظات تطوره ثم تراجع وأخذ موقفاً مُختلِفاً من العَلمانية، فهو كان يرى أن العَلمانية قادرة على تكوين رؤية كونية شاملة فتُقدِّم للإنسان كل ما يطمح إليه على مُستوى الروح والعقل والقيمة، وهنا تساءل هل أنجزت العَلمانية هذا؟ هل هذا موجود أصلاً؟ ثم أجاب بأن هذا كله غير صحيح، فهو أراد تقديم العَلمانية كسردية كُبرى جديدة في عهد انتهاء السرديات الكُبرى.

أشار إلى أن آخر السرديات انتهاءً هي الماركسية، فهي كانت مُنظومة كُبرى مُغلَقة حاولت تفسير كل شيئ لكنها لم تُفلِح.

أكَّد على أن العَلمانية لم تستطع أن تفعل ما طلبه الفيلسوف حسن حنفي، فهي غير مُرشَّحة لهذا، لأن العَلمانية ليست أيديولوجيا أو سردية كُبرى، لكن هذا أحد مواطن الخطأ والالتباس.

تحدَّث عن إمكانية نقاش العَلمانية كمذهب سياسي يُريد فصل الدين عن الدولة، فهي ليست مذهباً فلسفياً أو فكرياً وما إلى ذلك، مُشيراً إلى أنها لكي تكون سردية كُبرى لابد من نسبها إلى شخص أو جماعة قليلة من المُفكِّرين، وهذا لم يُنجِزه أحد.

أوضح أن ضمن المشهد العَلماني الغربي تُوجَد منطومات كثيرة جداً للقيم فضلاً عن الكثير من السرديات الصغيرة المُتصارِعة المُتناقِضة داخل الفضاء العَلماني.

ألمع إلى أن العَلمانية الفرنسية “اللائكية” أكثر تشدداً ونضالية من العَلمانية الإنجليزية، لذا تُسمى بالعَلمانية المُعادية للدين وليس المُحايدة للدين في الشأن السياسي، لأنها تُريد إقصاء الدين عن المجال العام الذي تحضر فيه الدولة بمُؤسَّساتها المُختلِفة.

تحدَّث عن العَلمانية الأنجلوسكسونية وعلاقتها بالبروتستانت، وذكر أن البلاد الكاثوليكية مثل فرنسا وإيطاليا لديها إرث وذاكرة نازفة من الحروب الدينية على عكس البلاد البروتستانتية، فمارتن لوثر Martin Luther – مثلاً – كان مُنحازاً لصالح الزمني وليس لصالح الديني في الشأن السياسي، مُشيراً إلى أنه وقف مع الأمراء ضد الفلاحين في ثورة الفلاحين وهذا فصل أسود من تاريخه.

بيَّن أن العنف في القرون الوسطى كان دينياً صرفاً ثم صار عنفاً عَلمانياً، لذا أحد الأطراف التي دفعت الثمن الأقليات الدينية، ومن هنا يُمكِن التحدث عن الحروب الدينية ثم يُمكِن التحدث عن العنف السياسي العَلماني المشهود الآن ضد المُتدينين وضد الدين نفسه.

عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة للباحث الشرعي حسن فرحان المالكي الذي تحفظ على عنوان الحلقة وهو العَلمانية في ميزان الإسلام، وذلك للضبابية الكبيرة حول العَلمانية وحول الإسلام.

أشار إلى أن الإسلام القرآني يختلف عن الإسلام الشعبوي، لذا لا يجوز أن ندّعي أننا نُمثِّل الإسلام، كما لا يُمثِّل الكثير من العَلمانيين الفلسفة العَلمانية الجُزئية التي لا تُعادي الدين.

أكَّد على أن العَلمانية ليست شراً مُستطيراً بالكامل، لأن إسلام إقامة القسط لا يتناقض مع العَلمانية من حيث المبادئ العُليا، ولعل العَلمانية تكون أقرب إلى غايات القرآن من المُسلِمين.

أوضح أن فك الاشتباك يحدث من خلال أن يفهم الإسلاميون الإسلام والعَلمانية وأن يفهم العَلمانيون الإسلام والعَلمانية، خاصة أن هناك عجلة لدى الفريقين.

أوضح أن العَلمانية تهدف إلى تحقيق العدالة والإسلام يهدف إلى إقامة القسط، لذا لا تناقض هنا، ويُمكِن الاستدلال ببعض المواقف من السيرة النبوية للتأكيد على هذا مثل عرض النبي نفسه على القبائل ووثيقة المدينة.

ألمع إلى أن صورة العَلمانية تشوَّهت وهذا ما منعه من قول إن وثيقة المدينة تُمثِّل شكلاً من أشكال العَلمانية لكنها تُمثِّل شكلاً من أشكال الإسلام الأول، فالإسلام والعَلمانية يلتقيان في الغايات الكُبرى، أما التشريعات فهي محل الجدل والخلاف، لذا لابد من البحث والحوار والتجديد.

أثنى الدكتور عدنان إبراهيم على المُداخَلة وأكَّد على وجود إيجابيات للعَلمانية لا يُشَك فيها خاصة أنها أنقذت الغرب الأوروبي من كوارث كثيرة، لذا بعض المُفكِّرين العرب يجعل مزية العَلمانية الأولى في أنها يُمكِن أن تُشكِّل حلاً للاحتراب الطائفي في العالم العربي، لأنها أنقذت أوروبا من الاحتراب الطائفي الذي دمَّر ثُلثها.

تساءل أين يُمكِن أن يلتقي الإسلام كما نفهمه مع العَلمانية كما هي مفهومة؟ وقال إذا كانت العَلمانية تُصِر على دولة يُحيَّد فيها الدين عن الدولة وأجهزتها فالإسلام لا يتعارض كثيراً هنا، لأن الذي لا يتعارض مع هذا المعنى هو الدولة الثيوقراطية، أي دولة الحكم الإلهي.

أوضح أن بعض العَلمانين العرب يدسون أفكاراً يقولون من خلالها أن الدولة الثيوقراطية هي التي تحكم فيها طبقة رجال الدين باسم الإله وهذا صحيح أو تحكم باسم حفظ الشريعة وهذا غير صحيح، لأن هذا أضافوه من عندياتهم لكي يُدينوا الحالة الإسلامية، في حين أننا حُكِمنا بشرع الله أربعة عشر قرناً ولا نزال بمعنى أو بآخر.

أكَّد على عدم وجود دولة ثيوقراطية في الإسلام لكن بعض الحكّام أحبوا هذا مثل أبي جعفر المنصور الذي أراد إفهام الناس أنه ظل الله على الأرض، أما الناس فلا يقولون بهذا مُطلَقاً.

ذكر أن مصدر السُلطة في الفقه الإسلامي الشعب، فالملائكة لم تنزل من السماء لكي تُبايع أبا بكر مثلاً، وإنما الشعب هو مَن فعل هذا، وحتى الرسول لم يذهب إلى المدينة إلا بعد أن أخذ بيعة العقبة.

أوضح أن دولة الرسول في جوهرها دولة مدنية، فهي ليست دولة دينية – ثيوقراطية – بتفويض إلهي، لأن إدارة الشأن السياسي هو شأن مدني بشكل عام، لذا الرسول لم يحكم كما حكم باباوات روما ومارس السياسة سياسياً بارعاً.

نبَّه على أن مصدر السُلطة ليس الله وإنما الشعب، أما مصدر التشريع الإساسي فهو الله، لكن هنا تُوجَد مُشكِلة تتعلَّق بتحكيم شرع الله وفي البال دائماً الحدود فقط.

تابع أن الحدود نظَّمتها أقل من عشر آيات في كتاب الله الذي يضم ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية، مُشيراً إلى أن الحدود قابلة للنقاش.

أوضح أن العلمانية تُطالِب بإتاحة الحريات لجميع الأفكار والمُعتقَدات، فتغل يد الدولة عن الإملاء العقدي، وهي بهذا المعنى تتوافق مع الإسلام تماماً، لذا الرسول في القرآن مهامه واضحة، فهو بشير ونذير ومُبلِّغ ومُذكِّر لكنه في المُقابِل ليس مُسيطراً وليس وكيلاً وليس جبّاراً وليس حفيظاً.

أكَّد على أنه ليس ضد العَلمانية التي تقف على مسافة واحدة من جميع المُواطنين، على عكس العَلمانية التي تُعادي الدين.

لفت إلى أن بنية الدولة طرأ عليها غير قليل من التغير والتناسخ، فالدولة الحديثة اليوم ليست هي مُؤسَّسة الخلافة فيما عدا أجزاء بسيطة، لذا لا يُمكِن استنساخ هذه المُؤسَّسة الآن.

استشهد بقول محمد رشيد رضا لولا مُعاشَرة المُسلِمين للغربيين ما دروا أصلاً ما هو الحُكم الدستوري، للتأكيد على أن الكثير من المُفرَدات السياسية كالدستور والبرلمان هي مُفرَدات مجلوبة ومُستجِدة.

لفت إلى أن القرآن الكريم عبَّر عن إدارة الشأن العام بالأمر، قال الله وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۩، وقال أيضاً وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩، فضلاً عن وجود الكثير من الأحاديث المُستفيضة في هذا الباب.

أضاف أن هذا الأمر يخضع للشورى لأنه أمر مدني، لذا الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – قال لما تُكلِّم في خلافة أبي بكر رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدُنيانا؟

استدل ببعض الآيات لتأكيد فكرته مثل أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، ومثل وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ۩، فالله يمتن عليه باستبقاء هذا التنوع الديني، ومع ذلك البعض لا يُتيح إلا هامشاً ضيقاً لحريات الناس، لذا يقشعرون حين يسمعون ببناء معبد بوذي مثلاً.

قال لعنة الله على الشيزوفرينيا Schizophrenia، فهناك مَن يستبشر حين يسمع ببناء المساجد في الدول الأوروبية وفي الوقت ذاته لا يفعل هذا مع أصحاب الديانات الأُخرى رُغم أن دينه يأمره بهذا.

عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة وهو فيديو للإعلامي نزيه الأحدب، مُلخَّصه أنه تحدَّث عن أصابة الدول العربية بالشيزوفرينيا Schizophrenia، فهناك – مثلاً – مَن لا يقبل بالنظام العَلماني وفي الوقت نفسه يُؤيد الرئيس أردوغان الذي يُعلِن دائماً أنه يحكم بلاده بدستور عَلماني.

علَّق الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً إن الرئيس التركي جاء بعد الثورات إلى مصر وقال عليكم بالخُطة العَلمانية، فأنا لست إلا رجلاً مُسلِماً في دولة عَلمانية، لا أستطيع أن أقول إنني علماني، فالرجل لا يُوصَف بالعَلمانية، لكن النظام هو العَلماني.

تابع أن ما قاله الرئيس أردوغان لم يُقبَل منه ولم يُستوعَب منطقه، ثم تحدَّث عن تشويه صورة العلمانية قائلاً إن مَن شوَّهها بدرجة أولى هو الإسلام السياسي.

أضاف أن الإسلام السياسي على مدى عقود يُجرِّم وينتهك كل حُرمة للعَلمانية التي يُسيء تصويرها، رُغم أن العَلمانية ليست شيئاً واحداً.

أشار إلى وجود دول تنص على أن النظام السياسي عَلماني لكن الدين في الفضاء العام له نوع وجود، في حين أن هناك دولاً لا تنص على ذلك لكنها تتبنى أُطراً عَلمانية عامة، فضلاً عن أن هناك دولاً تنص على أن الدين الدولة هو الدين الفلاني لكنها تتبنى دستوراً عَلمانياً في المُجمَل مع تقييدات خاصة في موضوع الأحوال الشخصية مثل مصر.

رأى أن عزمي بشارة هو أفضل مَن كتب في العَلمانية بطريقة عِلمية وعميقة جداً، وأكَّد على ضرورة القراءة للجميع.

ذكر أن هابرماس Habermas مُستاء جداً من التطرف العَلماني لذا يُبشِّر بحقبة ما بعد العَلمانية التي يطير فيها الإنسان بجناحين: جناح من الروح وجناح من المادة، فهذا أمر هام لاستقرار المُجتمَعات وسعادة الإنسان، مُشيراً إلى أنه ينزعج جداً من الأصوليات لأنها تقطع مع ما بعد الحداثة وفي نفس الوقت ينزعج جداً من العَلمانية التي حاربت الدين وطاردته.

أضاف أن المسيري يلتقي مع هابرماس Habermas المُلحِد في أن العَلمانية انتهت بالإنسان إلى تصويره ككيان مادي بحت لا أبعاد روحية له، ثم ذكر أن هابرماس Habermas يرى أن مشروع الحداثة لم يستنفذ أغراضه ومن هنا يُؤكِّد على العقل الكُلي والأخلاق الكُلية.

أكَّد على ضرورة قراءة النقد الغربي للعَلمانية المُتطرِّفة والعَلمانية الدوجمائية والعَلمانية المُؤدلَجة، فالعَلمانية بطبيعتها يستحيل أن تكون مذهباً فكروياً إلا لدى المُتطرِّفين الذين يودون أن يُقدِّموا بديلاً من الأديان.

تحدَّث عن وجود بعض المُتدينين والمُؤمِنين بالغيبات ضمن دُعاة العَلمانية، فضلاً عن وجود بعض الملاحدة واللاأدريين، مُشيراً إلى أن جورج هوليوك George Holyoake صك المُصطلَح تحاشياً للوقوع في وصمة الإلحاد، لأن الناس ستفترض أن تحييد الدين عن الدولة هو مسلك إلحادي، وهذا ما رفضه لأنه ليس مُلحِداً لكنه يُطالِب بتحييد الدين عن الدولة.

أوضح أن محمد عابد الجابري صدم العَلمانيين العرب، خاصة أنه كان يرى أن المسألة العَلمانية في السياق العرب مسألة زائفة، لأنها تُعبِّر عن حاجات أصيلة بمضامين خاطئة، مثل الديمقراطية وعقلنة وترشيد الأداء السياسي.

أشار إلى وجود دول عَلمانية تسلطية وغير ديمقراطية بالكامل، فهتلر Hitler – مثلاً – أقام نظاماً عَلمانياً وليس دينياً لكنه كان تسلطياً مُخيفاً، وكذلك الحال مع صدام الحسين، فضلاً عن الأنظمة الشيوعية والإلحادية، فهي أنظمة عَلمانية حيَّدت بل حاربت الدين لكنها مُتسلِّطة.

أوضح أن الديمقراطية وحدها غير كافية بدليل أنها أتت بهتلر Hitler، لذا في الغرب يُنادى بالديمقراطية الليبرالية، والليبرالية بمُوجبها لابد من أن تكون الدولة مُحايدة إزاء كل أنماط الأفكار الكُلية الشاملة.

قال إن الدولة لا دين لها، فالدين للناس وللجماعات لكن الدولة إما أن تكون دولة ناجحة أو تكون دولة فاشلة، لأن الدولة منوط بها مهام سياسية مُحدَّدة كالأمن الداخلي والأمن الخارجي وضرورات العيش وبسط سيادة القانون على الجميع، فإن أحسنت الدولة في توفير هذه المهام الأربع تكون ناجحة وإن لم تُحسِن تكون فاشلة بغض النظر عن دينها وشعاراتها.

غرَّد قائلاً: قد نجد في قلب الإسلام جوهر العَلمانية، مُشيراً إلى أنه يقصد العَلمانية بالمعنى الذي ارتضاه وليس العَلمانية الشاملة.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: