الصلاة على الحبيب الأعظم سبيلا للخروج من الظلمات

video

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَعظيمنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ۩ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ۩ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۩ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۩ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ۩ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۩ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ۩ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ۩ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

في عصر التبست فيه الأمور، وادلهمت فيه الخطوب، وتوعرت فيه المسالك، واستبهمت فيه السُبل، صار المُؤمِن والمُؤمِنة بأحق وأمس الحاجة إلى استيضاح سبيله، وتبين نهجه، الذي ينتهي به إلى رضا الله – تبارك وتعالى – وقُربانه.

وكما سمعتم من قول الحق – عز وجل – يبدو أن أقصر طريق على الإطلاق إلى هذه الغاية الشريفة، ما دل عليه قول الله – تبارك وتعالى – هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ۩، سُبحانه وتعالى! وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۩. هذه هي السبيل، بكلمة واحدة!

الله – تبارك وتعالى – إذا صلى عليك، أيها المُؤمِن، أيتها المُؤمِنة، أخرجك بفضله ومنّه وقدرته وكرمه، مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۩. فلا تزال في نور غامر – بعون الله تبارك وتعالى -، لا تشتبه عليك المسالك، ولا تستبهم عليك الطُرق، حتى تُفضي إلى الله وأنت بخير المنازل – إن شاء الله تعالى -.

والسؤال أحبابي – إخواني وأخواتي -؛ وكيف السبيل إلى أن يُصلي الله – تبارك وتعالى – علينا؟ السورة نفسها (سورة الأحزاب) دلتنا على هذه السبيل. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ۩. 

لم تضح الصورة بعد، تضح بالعود إلى المُصلى عليه أبداً. صلى عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، وجزاه الله عنا ما هو أهله، جزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن نبوته وخير ما جزى رسولاً عن أمته، إلى أبد الآبدين وإلى دهر الداهرين، صلاة لا انقطاع لها، دائمة بدوام مُلك الله، وعلى عدد معلومات الله، وكمالات الله، لا إله إلا هو!

نعود إلى المُصلى عليه – صلوات ربي وتسليماته عليه -، الذي زف إلينا البُشرى الجزيلة، فقال فيما أخرجه الإمام أحمد وغيره، من حديث أبي طلحة الأنصاري – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال أصبح رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – ذات يوم طيب النفس، يُرى البشر في وجهه الشريف – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله -، فقلنا يا رسول الله – صلى الله تعالى عليه -…  

كلما سمعتموه، صلوا عليه. أبخل الناس مَن ذُكرت عنده، فلم يُصل عليه. مَن ذُكرت عنده فلم يُصل على، خطئ طريق الجنة. أيما قوم، أو جماعة، جلسوا مجلساً، فقاموا ولم يُصلوا على رسول الله، إلا كان عليهم ترة – أي حسرة أو حسرات – يوم القيامة. يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فإن شاء الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم. الأمر جد، والأمر كبير وجليل، يا إخواني. 

يا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أصبحت طيب النفس، يُرى البشر في وجهك. قال نعم، لقد آتاني من ربي آتٍ، فقال لي يا محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – بشِّر أمتك أنه مَن صلى عليك صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً. 

إذن هذه هي الطريق، أن يُصلي الله علينا. وإذا صلى علينا، أخرجنا من الظلمات إلى النور، قرآن! هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩. اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، واجعلنا أحق بها وأهلها يا رب العالمين، فإننا مُفتقِرون إليها.

مَن صلى عليك صلاةً، صلى الله عليه به عشراً. وكتب له – أي بها – عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات. ورفع له – أي رفعه، أي بها – عشر درجات. بالصلاة الواحدة!

وأول هذه البشارة الجزيلة الثابتة في صحيح مُسلِم، من حديث عبد الله بن عمرو – رضيَ الله تعالى عنهما – مَن صلى عليه صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشراً. 

يا إخواني لولا النور الذي ينفسح في صدر المُؤمِن، وبقدر ما ينفسح هذا النور في صدر المُؤمِن، يفهم عن ربه مثل هذه البُشريات، ويفقه في مثل هذه الأخبار العظيمة، عظيمة! بعِظم الله – تبارك وتعالى -. هل فكَّرنا بعُمق وباستنارة مرة في معنى أن الله يُصلي على النبي؟ رب العالمين، رب الأكوان، لا إله إلا هو! خالق الخلق، ومن ضمنهم محمد – صلى الله على محمد وآل محمد -، يُصلي عليه. انتبهوا! ليست المسألة أنه صلى عليه، إِنَّ اللَّهَ ۩، إذن هو إخبار بالجُملة الاسمية. 

وفي علم البيان الإخبار أو سوق الخبر بالجُملة الاسمية يدل على ماذا؟ على الثبات والدوام. هذا هو! مُفاد هذه الجُملة أن صلاة الله وملائكته على رسول الله دائمة، ثابتة ودائمة. عجيب! لأنه قال إِنَّ اللَّهَ ۩. هذه الجُملة اسمية، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ۩. وفي الحقيقة هما مقامان: مقام صلاة الله على النبي، ومقام صلوات الملائكة على النبي. ضرورة كما قال جماعة من المُحقِّقين. ولا نقول بعموم المجاز أو بالاشتراك، هذا مهيع آخر ومشرب آخر لبعض علماء أصول الفقه والبيان. قال لك هذا من عموم المجاز، أو من باب المُشترك. لا! نحن نقول بالتحقيق الأول، إنهما صلاتان: صلاة الحق – لا إله إلا هو -، وصلاة الملائكة. لماذا؟ لاختلاف حقيقة الصلاتين. أين صلاة الملائكة من صلاة الله؟ صلاة الله لها معنى، والآن سنخوض فيه بسرعة وعلى عجل، صلاة الملائكة دعاء، بأن يُحقِّق الله لرسوله هذا المعنى، فطبعاً هذا فرق كبير جداً جداً. وكذلكم صلاتنا نحن ابتهال إلى الله ودعاء، أن يُعطيه ما يُعطى بالصلاة عليه. هل نعرفه؟

الذي ينثلج به الصدر، وينشرح ويطمئن به القلب، أن تمام هذا المعنى ربما لا يعرفه حتى رسول الله، نحن نعرف أجزاء من هذا المعنى. الله بعظمه – لا إله إلا هو – إذا صلى على عبد ماذا يُعطيه؟ ماذا يمنحه؟ لا أحد يعرف. لكن نعرف أجزاء، شذرات، هُتامات.

روى البخاري – رحمة الله تعالى عليه، ورضيَ الله عنه وأرضاه – في صحيحه، في معنى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ۩، معنى صلاة الله، فروى عن أبي العالية – رضيَ الله عنه وأرضاه -، قال الآتي وصدَّر به، فالبخاري له فقه دقيق وذكي جداً، فهو يروي عن ابن عباس الآن، طبعاً مُعلَّقاً، وعن أبي العالية، فلماذا يبدأ بأبي العالية؟ يقول لك هذا الأرجح عندي. وهذه طريقته، له فقه جليل بجلالته – رضيَ الله عنه وأرضاه، هذا الإمام الأجل، من أئمة الحديث والسُنة -. قال عن أبي العالية – رضيَ الله عنه وأرضاه – صلاة الله – سُبحانه وتعالى – على نبيه ثناؤه عليه بين ملائكته. الله، الله! 

الواحد فينا ينشرح ويفرح ويُسر إلى الغاية لو أثنى عليه رجل كبير: كبير في صلاحه، كبير في علمه، كبير في نفوذه. يقول فلان قال في كذا. يفرح ويطير، فكيف إذا أثنى رب العالمين – لا إله إلا هو -؟ وهو يُثني على عبده، يذكر محاميده، يذكر مزاياه، يذكر كراماته، يذكر مثابته. لا إله إلا الله! الله؟ الله نفسه – لا إله إلا هو -.

قال صلاة الله على رسوله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – ثناؤه عليه بين ملائكته. وقال ابن عباس – رضيَ الله عنهما – الصلاة التبريك. الله يُبارِك عليه، ويُبارِك فيه، ويُبرِّك عليه. والبركة هي الزيادة، البركة هي الزيادة الدائمة. ابن عباس قال التبريك. 

الذي أنشرح إليه، أنا العبد الفقير الحقير، قول ابن عباس، وسأقول لكم لماذا، وليس قول أبي العالية. وطبعاً بما أنه قول أبي العالية – كما قلت قُبيل قليل -، وقول ابن عباس، وقول كل قائل – والله أعلم، والله أعلم -، فكله داخل في صلاة الله على نبيه. وكما قلت لكم نحن نعرف أشياء، ولكن هناك الأولويات، أي أي المعنيين أولى  وأقرب إلى حقيقة هذه الصلاة؟ التبريك، أكثر من الثناء، وسنقول لماذا، والقرآن دل على هذا.

ثم ذكر الإمام البخاري – شيخ الحفّاظ هو وأمير المُؤمِنين – عن آخرين، عن مُقاتِل بن حيان، قال صلاة الله على النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – المغفرة. وذكر عن الضحّاك بن مُزاحِم الرحمة. وروى عنه أيضاً المغفرة، يُروى عنه المغفرة. أقوال! إذن الرحمة، المغفرة، التبريك، والثناء. هذا ما أورده البخاري في صحيحه.

الحافظ ابن حجر – رضوان الله عليه، أمير المُؤمِنين أيضاً في الحديث – في فتح الباري استروح ورجَّح قول أبي العالية، قال أولى الأقوال الأول، قول أبي العالية، أنه ثناء الله على نبيه في الملأ الأعلى. 

والدعاء بالصلاة على رسول الله ليس المُراد به طلب أصل الصلاة. وقد قال لك إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ۩، أتطلب أنت أصل الصلاة؟ فهو قبل أن تُخلَق هو يُصلي عليه، أليس كذلك؟ إذن قال ابن حجر، وهذا من دقيق فقه أيضاً ولفته، قال ليس المُراد به طلب أصل الصلاة. وإنما طلب ماذا؟ الزيادة. نحن نطلب من الله أن يزيده صلاةً، كما نقول زيادةً في شرف النبي. هكذا يقول المُؤذِّنون ومَن مثلهم، زيادةً في شرف النبي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -.

قبل أن نخوض في موضوعنا، فقط نلفت إلى أن القرآن ذكر الآتي؛ لأن بعض الناس قد يستغويهم ويستزلهم الشيطان، فيقول لهم خلوكم ودعوكم من المُبالَغات، هذا غلو في رسول الله، هذه مُبالَغة في الرسول. رسول الله: عبد، بشر، آدمي، رسول. هذا من إلقاء الشيطان، فانتبه. هذا ليس من حفاظك على عصمة التوحيد وعلى عمود التوحيد، فهذا من تلاعب الشيطان بك، لماذا؟ عُد إلى كتاب الله، الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ۩، هو الأخبر بعباده، بأحوالهم وشؤونهم جميعاً، والأخبر بكل خلقه – لا إله إلا هو -، الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ۩.

ألم تُلاحِظوا أحبابي – إخواني وأخواتي – ما لاحظه العلماء من القدم (من أول هذه الأمة) أن الله – تبارك وتعالى – حين حكى عن الأنبياء ذكرهم بأسمائهم، وحين خاطبهم وناداهم ناداهم بأسمائهم؟ فــ: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا ۩، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ۩. إذن يَا إِبْرَاهِيمُ ۩، يَا نُوحُ ۩. يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۩، يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ۩، يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ ۩، يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ ۩. بالاسم! ولكنه لم يفعل هذا مرة مع رسوله، ولا مرة قال له يا محمد. في كتاب الله هذا غير موجود، لم يقل يا محمد أبداً. في كتاب الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ۩، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ۩، يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۩، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۩. وحين أخبر عنه، أخبر عنه بعنواني النبوة والرسالة. وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۩، قال وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۩، وهلم جرا، في آيات كثيرة.

بل هناك ما هو أعجب، الله – تبارك وتعالى – لم يُقسِم بعُمر أحد من البشر في كتاب الله، من الأنبياء، إلا بعُمر رسول الله، حين قال له لَعَمْرُكَ ۩، الله يقول له وحياتك يا حبيبي، يا صفوتي. وحياتك! لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ۩. أوجدوني في كتاب الله، أوجدوني موضعاً واحداً أقسم الله فيه بعُمر أحد من الأنبياء. أبداً! فقط برسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -.

رَسُولَ اللَّهِ ۩، وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۩. وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۩ في دورة الأشباح. نحن الآن في عالم الأشباح، عالم الأبدان. وأول النبيين في عالم الأرواح. روى الإمام الترمذي، وعلى ما أذكر قال حسن صحيح، عن أبي هُريرة – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال قالوا يا رسول الله متى نُبئت؟ متى وجبت لك النبوة؟ قال وآدم بين الروح والجسد. لم يتم خلق آدم وأنا نبي. خُلق آدم ومحمد نبي. وفي مُسند الإمام أحمد – رضيَ الله عنه وأرضاه – من حديث العرباض – العرباض بن سارية، رضيَ الله عنه وأرضاه -، قال – صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون – إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمُنجدل في طينته. هو كان لا يزال في الطين! إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم – عليه السلام – لمُنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك. أنا دعوة أبي إبراهيم. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۩، في البقرة. أنا دعوة أبي إبراهيم. هذه دعوة، رَبَّنَا ۩، أنا دعوة أبي إبراهيم. وبشارة عيسى بن مريم. وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۩، في الصف – في سورة الصف -. ورؤيا أمي – عليها السلام، آمنة بنت وهب – التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين. ماذا رأت؟ في الحديث الآخر رأت حين حملت به نوراً يخرج من رحمها، تُضيء له قصور بُصرى الشام. رأت هذا النور وكُشِف لها عن هذا المشهد.

لو أردنا أن نتحدَّث عن خصائص رسول الله وعظمة رسول الله وأوليته، أيضاً قد يعترض بعض الناس، يقول لا، من أين لكم هذا؟ هذه أحاديث وقد لا تصح، وقد لا تصح! كيف؟ هو مولود لعبد الله وآمنة، فهو مُتأخِّر عن كل مَن سبقهم من الأنبياء، فكيف يكون أولهم؟ قلنا مُتأخِّر في دورة الأشباح، مُتقدِّم في دولة الأرواح ودورة الأرواح. والدليل عليه وله من كتاب الله – عز وجل – في سورة الأحزاب الجليلة. وعلى فكرة هذا هو العجيب، سورة الأحزاب هذه عجيبة، سورة الأحزاب هذه يبدو أنها حوت من التنويه بمثابة رسول الله والدلالة على مزاياه وخصائصه ما لم تحوه سورة أخرى، من أولها إلى آخرها، شيء غريب هذه السورة! وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ ۩، قال وَمِنكَ ۩، ثم قال وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ۩، قدَّمه أو لم يُقدِّمه؟ قدَّمه. قال وَمِنكَ ۩. وبعد ذلك نوح، إبراهيم، موسى، وعيسى. لأنه مُتقدِّم عليهم، النبي لا يتكلَّم من لدنه، يتكلَّم بوحي. الله هو الذي أوحى إليه بأنك أولهم في عالم الأرواح. وربما – وهذا الأرجح – هو كان يُدرِك هذه الحقيقة، كروح! هو روح أصلاً – عليه السلام -، وكان يُدرِك أنه الأول. ولذلك في صحيح مُسلِم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول مَن تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع، وأنا أول مُشفَّع. 

وأما مقامه بالنسبة إلينا وفينا، فهو أولى بحُبنا وإيثارنا من أنفسنا، ولا يكمل إيمان الواحد أو الواحدة منا، إلا إن اعتقد بصدق وإخلاص محبته أكثر من محبة نفسه، لماذا؟ لأنه ورد في سورة الأحزاب أيضاً مُجدَّداً النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۩، قال أَنْفُسِهِمْ ۩، ثم قال وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۩. قال النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۩. أولى بك من نفسك، ولا يكون أولى بك من نفسك، إلا إن كان أحب إليك وللخير يصير إليك وتصير إليه مما تُحِب لنفسك. تخيَّل! ما هذه العظمة؟ ما هذه الروح؟ ما هذا القلب الجليل – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟

يا إخواني كما يُقال بالمُختصَر الوجيز لا أحد يُدرِك حقيقة مقام رسول الله، إلا الذي أعطاه ذلكم المقام، لا صحابة ولا عارفون ولا أئمة، لا أحد! إنما يُدرِك كل عارف وكل ولي لله وكل إمام هُمام في هذه الطريق بقدر منزلته هو، يُدرِك طرفاً من ماذا؟ من منزلة رسول الله. إذن يُوجَد عندنا معيار، معيار لقياس الولاية والقُرب من الله، الرجولية الإيمانية والفتوة، ما هو؟ معرفة رسول الله. بقدر ما ترتقي، ترتقي معرفتك بماذا؟ بقدر رسول الله.

يقول سيدنا أبو اليزيد البُسطامي – قدَّس الله سره، والذين يقرأون في التصوف، يعرفون مَن هو البُسطامي، وما هي مقاماته، أحواله، وكراماته، شيء عجيب هذا القُطب الكبير – قدَّس الله سره -، يقول طلبت من ربي – لا إله إلا هو، تشوفت نفسه – أن يُوقفني على عين حقيقة رسول الله ومقامه. يقول فوجدت بيني وبينه – عليه السلام – ألف حجاب من نور. لو اقتربت من الحجاب الأول – أبو اليزيد يقول -، احترقت كما تحترق الشعرة إذا وضعت في النار. الله! هذا لا يزال ماذا؟ لم يطو الحجاب الأول. لا! قال لو اقتربت من الأول فقط (مُجرَّد اقتراب)، احترق. وهناك ألف حجاب. وهذا أبو اليزيد البُسطامي، القُطب الكبير، صاحب الكرامات والخوارق العجيبة والمُكاشَفات والمُنازَلات. قال لك لا شيء، صفر نحن إلى جانب الجناب الأفخم. لا إله إلا الله الذي أعطاه هذا الجناب ووضعه فيه. شيء عجيب يا إخواني!

ولذلك فكِّروا، وقد استسلفتم واستحضرتم هذه الخلفية البسيطة – البسيطة في ذكرها، لأن الأمر أكبر من هذا بكثير -، حين تقرأون إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۩. فكِّر! وحين تُصلي أنت عليه بعد ذلك – تبدأ تُصلي وتعشق الصلاة عليه، عشَّقنا الله وحبَّبنا في ذلك -، فكِّر في هذه الخلفية، تُصلي على مَن؟ وتتقرَّب إلى الله بالصلاة على مَن – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟

في الآية نفسها إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ۩، مرة أُخرى! بدأ بالاسمية، الدالة على الدوام والثبات، وفي عجز الآية الكريم قال لك يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۩، للتجدد! فالأمر مُتجدِّد، دائم ثابت ومُتجدِّد، لأنه قال لك يُصَلُّونَ ۩. وبعد ذلك قال وَمَلائِكَتَهُ ۩، أضافها إلى الاسم الجليل، فأفاد ماذا؟ العموم والاستغراق. هذه قاعدة من قواعد اللُغة وأصول الفقه، العموم والاستغراق! كل الملائكة، كل الملأ الملائكي يُصلي على رسول الله. الله أكبر، كم عدد الملائكة! لا يعلم عدتها إلا الله، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ۩. أكيد ملايير ملايير الملايير، كلها تُصلي على رسول الله.

سيقول أحدكم يا أحبابي فما صلاتنا نحن؟ وهل النبي يحتاج إلى صلاتنا؟ لا يحتاج. الحقيقة كما قال سيدي عبد العزيز الدبّاغ في الإبريز وغيره الله حين أكرمنا بأن ندبنا أن نُصلي على حبيبه، إنما أراد أن يُشرِّفنا وأن يرحمنا وأن يُكرِّمنا. فقط! وإلا النبي لا يحتاج إلى صلاتنا ولا إلى دعائنا. هذا تشريف وتكرمة ورحمة وبر وإلطاف، إلطاف بنا. 

قال العارفون بالله لما أخبر الله أنه وأملاكه يُصلون على النبي، استُهيمت أرواح العارفين، واشرأبت أعناقها، أن يُشارِكوا في هذا المحفل الصمداني الكريم. أي فخلنا معهم أيضاً، نحن من ورائهم. فألطف الله بهم، وأحسن صُنعاً، فقال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ۩. سمحت لكم، أنتم مأذونون، مأذونون أن تُصلوا على حبيبي، لكي أرحمكم وأُنيركم ولا أُعذِّبكم وأكفيكم وأرقّيكم وأفتح عليكم وأفتح لكم وأفتح بكم. بالصلاة عليه!

روى الإمام الترمذي في جامعه، والإمام أحمد في مُسنده، وأبو عبد الله الحاكم في مُستدركه وصحَّحه، عن أُبي بن كعب – وخلوا بالكم من هذا الحديث، حديث جليل وعظيم وكريم، عن أُبي بن كعب، الحافظ لكتاب الله، رضيَ الله عنه وأرضاه -، قال كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – إذا ذهب رُبع الليل، قام فقال يا أيها الناس، اذكروا الله. جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة – يتأوَّل النازعات، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة -، جاء الموت بما فيه. وفي رواية مرتين، جاء الموت بما فيه. قال أُبي بن كعب فقلت يا رسول الله – وواضح أنه من سياق الحديث أنه قال له هذا ليلاً، والله أعلم، وقد مضى رُبع الليل، وقال النبي ما ذُكر على عادته، فجاءه أُبي وقال له الآتي – إني أُكثر من الصلاة. والمقصود من الصلاة كما أجمع الشرّاح هنا الصلاة اللُغوية، أي الدعاء، وليست الصلاة ذات الأركان، القيام والركوع والسجود، لا! وإنما الصلاة اللُغوية، التي هي بمعنى الدعاء أيضاً، وهذا في حق البشر طبعاً. 

قال يا رسول الله إني أكثر من الصلاة. قال السادة العلماء الشرّاح إما أنه يُكثِر من الصلاة عموماً – أي في الليل وفي النهار وفي كذا -، أو يُريد أن له مجلساً أو أن له وقتاً – وربما من الليل، وهو الأرجح الآن، إذا كان هذا المجلس هو المُراد – يُقبِل فيه على الله – وخاصة في الليل – ويدعو الله – تبارك وتعالى -. الله أعلم! لكنه قال إني أكثر من الصلاة. فتحتمل هذا وتحتمل هذا.

قال فكم أجعل لك من صلاتي؟ أي بدل أن أدعو وأقول اللهم أعطني، اللهم اصرف عني، اللهم ارحمني، اللهم ارفعني، اللهم اجبرني، اللهم اهدني، اللهم ارزقني. أقول اللهم صل على محمد وآل محمد. أي أُصلي عليك بدل الدعاء لنفسي. قال ما شئت. فوَّض الله أمر إليه، انظر إلى هذا، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۩. فوَّض الأمر إليه، لم يُغلِق عليه. قال ما شئت. أي ما تُحِبه. 

قلت يا رسول الله رُبعها؟ قال ما شئت، وإن زدت، فهو خير لك. إذا كان أكثر من الرُبع، فهو أحسن. انظر إلى هذا، فوَّض إليه، ولكن ندبه إلى الزيادة، محبة الخير له. فهو يعرف أن الأفضل لك أن تُصلي عليه، هذا أفضل لك من أن تدعو لنفسك، لأنك حتى قد تدعو لنفسك بخير ضئيل وقصير وصغير، وخاصة من خيرات الدنيا، تنقضي بانقضاء الدنيا ويضيع كل شيء دون أن تستفيد. الصلاة عليه خير لك في دنياك وأخراك، وخير دائم وجزيل – بإذن الله تعالى -. 

قلت نصفها؟ بدأنا بالرُبع، فماذا عن النصف؟ قال ما شئت، وإن زدت، فهو خير لك. في رواية – ليس في كل الروايات، وإنما في رواية – الثُلثين؟ أي أجعل لك الثُلثين؟ أجعل لك خمسة وسبعين في المئة من صلاتي؟ أي إذا كنت أدعو في عشر دقائق، فقد أجعل سبع دقائق أو ثماني دقائق، من أجل الصلاة على النبي فقط، وفي دقيقتين أدعو لنفسي. 

قال ما شئت، وإن زدت فهو خير لك. أُبي بن كعب هذا! يحفظ القرآن ويفهم، تَلميذ رسول الله النجيب، فهم! بما أنه حتى في الثُلثين قال ما زدت خير لك، قال يا رسول الله أجعل صلاتي كلها لك. لم أعد أُريد في هذا المجلس أو هذا الوضع أن أدعو لنفسي، فقط سأجلس وأقول ورد صلاة على النبي. 

ماذا قال إمام الكل، وسيد الكل، المُنتخَب، المُنتجَب، الحبيب، الأفخم، الأجل، الأعظم، الأنبل، الأطهر، الأبرك، الميمون النقيبة – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ قال إذن تُكفى همك ويُغفَر لك ذنبك. الله أكبر! هذه البشارة يا إخواني. بشِّروا أزواجكم وأولادكم (أبناءكم وبناتكم) وآباءكم وأمهاتكم، هذه البشارة! إذن تُكفى همك، الله أكبر! ويُغفَر لك ذنبك. 

قال الإمام الحافظ الفقيه الجليل المُتأخِّر محمد بن عليّ الشوكاني في تُحفة الذاكرين، شرح عُدة الحصن الحصين لسيد القرّاء وإمام القارئين محمد بن محمد بن محمد بن الجزري – رضوان الله عليه، صاحب هذا الكتاب الجليل، أي الحصن الحصين، وأيضاً اختصره في عُدة الحصن الحصين، واختصر العُدة أيضاً في كتاب ثالث. المُهِم أن الشوكاني شرح عُدة الحصن الحصين، شرحه شرحاً طيباً جميلاً مُبارَكاً -، قال وفي هاتين الخصلتين – أي خصلتين يعني؟ يعني كفاية الهم، ومغفرة الذنب – جماع خيري الدنيا والآخرة. قال وفي هاتين الخصلتين جماع خيري الدنيا والآخرة. لماذا يا إخواني؟ 

لأن مَن كُفيَ همه، فقد كُفيَ الدنيا وعوارضها. ما الذي يُهمك في الدنيا؟ مشاكل الدنيا. هناك مشاكل! نجاح الأولاد، إيجار البيت، الديون، المُتسلِّطون عليك بالباطل، الذين يتكلَّمون فيك وفي عِرضك وفي أهلك وفي أولادك، الذين يأكلون أموالك ويأكلون عِرضك، السجون، الظلمة، المُجرِمون، والطاغون، مشاكل كثيرة في الدنيا! تُوجِب ماذا كل مُشكِلة؟ الهم. يُصبِح عندك هم وغم! قال لك تُكفى همك. الله أكبر! معناها – بعون الله – أن أمورك تسير مثل الساعة.

وعلى فكرة يُمكِن أن تبحثوا عن مصداق هذا، كل واحد فيكم ينتدب نفسه، يذهب يسأل عن أهل الأوراد الذين يصلون على النبي في اليوم ألف أو ألفين، وهناك أُناس يصلون مئة ألف مرة، وسوف نرى كيف، سوف نرى كيف يقدر الواحد منهم على ذلك، كيف يقدر الواحد منهم على ذلك؟ لأن من بركات الصلاة على النبي طي اللسان وبسط الزمان. وبركاتها لا تُعد ولا تُحصى، الذي أدمنها وعرف كيف يُصلي على النبي باستمرارها، يعلم أن من بركاتها يا إخواني التي لا تُعد ولا تُحصى ولا تُستقصى طي اللسان وبسط الزمان. 

ما أدمن أحدٌ الصلاة على النبي، إلا قصر لسانه. يصير لا يتكلَّم إلا في خير، لا يُوجَد عنده هذا الكلام الفارغ، لا يسترسل لمُدة ربع ساعة. حين تسأله من أين؟ يحكي لك قصة حياته. يقول لك من أين أتى وإلى أين سيذهب وماذا رأى في الـ U-Bahn ويُحدِّثك عن فلانة وعن الكلب الخاص بها. ما هذا الهبل؟ ما هذا الخطل يا رجل؟ ستُسأل عن كل ساعة من عمرك. تكلَّم في خير، تكلَّم في بر. أنت تضيع نفسك!

أهل الله حين تسأل الواحد منهم، يُجيبك على قدر السؤال. كيف حالكم يا سيدي؟ الحمد لله رب العالمين. فقط! يتكلَّم في الخير، في العلم، في الهُدى، في النور. وليس في الكلام الفارغ.
قال لك من بركاته طي اللسان وبسط الزمان. تُصبِح الساعة عندك – بإذن الله – مثل خمس ساعات، وربما عشر ساعات، وربما عن يوم، وربما عن شهر، وربما أكثر. وأنت تُجرِّب هذا، وتقول عجيب عجيب عجيب عجيب عجيب، أنا في ساعة عملت أشياء لم أكن أتمكن من عملها في يوم كامل، ببركة الصلاة على رسول الله.

ومن هنا يقتدر أهل الله على أن يُصلوا عليه في اليوم والليلة مئة ألف مرة، لا إله إلا الله! مئة ألف! يا هنيئاً لهم! ولذلك بعضهم يتحدَّثون عن أنهم يرونه كل ليلة، وبعضهم يقول لو غاب عني ليلة، لظننت أنني مُنافِق أو ارتددت. ونحن يُوجَد منا مَن يعيش خمسين سنة، ولم ير الرسول ولا مرة في المنام، لأن القلب ليس مُشتعِلاً بُحب النبي، لا يُوجَد اشتعال بصدق، غير مُشتعِل! لو كان مُشتعِلاً حقيقة، لرآه. وهذه الحكاية ليست حكاية اشتعال وأوهام، لا! الحكاية حكاية حقائق، وليست حكاية أحلام وليست حكاية أوهام، لماذا يا إخواني؟

قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما من أحد من أمتي يُصلي علىّ، إلا رد علىّ روحي، فأُصلي عليه. والذين يُصلون عليه بالملايير، وملايير المرات، فإذن معناها أن النبي دائم الحياة، أكيد! إذا كان الشهداء: أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۩، فكيف برسول الله؟ ولكن له غرض من هذا التشبيه.

وفي مُسند أبي بكر البزّار – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، من حديث عمّار بن ياسر – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – يا عمّارُ بن ياسرٍ إن لله ملكاً – إن لله ملكاً، والتنكير هنا للتعظيم، يقول لك تنكير تعظيم هنا. ملك عظيم مهيب جليل -، أعطاه الله – تبارك وتعالى – أسماع الخلائق. كل واحد ينطق، يسمعه، في الوقت نفسه. لا إله إلا الله! وفي رواية أسماء – بالهمز، الأسماء! فلان ابن فلان – الخلائق. إذن أسماع الخلائق، وفي رواية أسماء الخلائق.

قال فهو مُوكَّل بقبري – واقف عند قبره، عند قبر رسول الله هناك، في الروضة، في الروضة الشريفة، على صاحبها مليون مليون مليون صلاة إلى انقطاع النفس، بل إلى انقطاع أمداد الأنفاس والدنيا، وسلم تسليماً كثيراً – إلى يوم تقوم الساعة. فإذا صلى أحدٌ من أمتي علىّ، قال لي يا أحمدُ فلان ابن فلان يُصلي عليك كذا. يذكره بالاسم، هنيئاً لك! هذا الذي يُصلي ألف مرة، ألف مرة يُذكَر اسمك عند رسول الله. وتقول لي لماذا يرون الرسول؟ ولماذا يرونه باستمرار؟ طبعاً لأن اسمه حاضر عند رسول الله. 

هل فهمتم يا إخواني كيف هي القضية؟ هي ليست أوهاماً وأحلاماً، أي أنا مُشتاق له وكذا، ليست هذه هي، لا! أنت صرت حاضراً عنده. 

يا أحمد فلان ابن فلان يُصلي عليك كذا – أي كذا، بالصيغة الفلانية، وربما أيضاً كذا وكذا مرة -. وقد ضمن الله – تبارك وتعالى، الملك يقول للنبي وقد ضمن الله تبارك وتعالى -، لمَن صلى عليك – أي مرةً -، أن يُصلي عليه عشراً. وإن زاد، زاد الله – تعالى -. لا إله إلا الله! حديث عظيم وجميل، وهذه بُشرى أيضاً، بُشرى!

إذن كلما أكثرت من الصلاة والسلام عليه، كان هذا أفضل. والله هنيئاً لنا! والله هنيئاً لي، وهنيئاً لكم، ولكن، ولكل مُسلِم، أدرك هذا الرمضان! هنيئاً لنا أننا في رمضان! لم نمت قبل رمضان، وهنيئاً لنا أن الله ألهمنا الصلاة على رسول الله، وألهمنا أن نتكلَّم في هذا الموضوع الشريف! وإن شاء الله يُلهِمنا الإدمان والوله والعشق لهذه الصلاة، وبالذات في شهر رمضان، تُضاعف فيه الأجور والحسنات والمبرات، وبين أيدينا ماذا؟ ليلة القدر – إن شاء الله تعالى -. فُرصة عظيمة! دليل على لُطف الله ومحبته لنا – إن شاء الله تعالى -، أبقانا إلى هذا الوقت الشريف، ولله الحمد والمنّة، لا إله إلا هو! دائمة بدوام مُلك الله وعلم الله. هل هذا واضح يا إخواني؟

ولذلك تُكفى همك، تنتهي مشاكل الدنيا. قال الشوكاني ويُغفَر لك ذنبك، قال ينجو من محن الآخرة. محن الآخرة ما الذي يُوجِبها؟ الذنوب. محن، مشاكل، ابتلاءات في الآخرة هناك، الذنوب! تُغفَر الذنوب – قال لك – بالصلاة. قد يقول لي أحدكم ما هذا الكلام؟ هل الذي يُصلي على النبي ويكذب ويسرق، يُغفر له؟ ومَن قال لك إن واحداً يلزم الصلاة ويعشق رسول الله، يبقى يكذب أصلاً يا مسكين؟ أنت لا تعرف شيئاً، أنت تقول هذا لأنك لم تذق، الذي يلزم الصلاة على النبي يتنوَّر يا عباد الله، ونحن قلنا يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۩، بقدر ما تُصلي عليه، تتنوَّر، تُصبِح عبداً ربانياً من أولياء الله. كيف تكذب وتزني وتسرق؟ انتهى! أنت بعد فترة ويسيرة من الصلاة على النبي – أي ربما أسابيع أو شهر -، ستنُكِر نفسك، ستُخلَق خلقاً جديداً، سترى من نفسك أنك صرت شيئاً مُختلِفاً، أنت صرت شيئاً مُختلِفاً! تُحِب ما لم تكن تُحِبه، وتُبغِض وتكره وتحقر وتقذر ما كنت تعشقه من الذنوب، بالصلاة على النبي، هذه بركة الصلاة على رسول الله يا إخواني!

وأما سعة الرزق هذه، فحدِّث ولا حرج، لأنها من الكفاية، تُكفى همك، أليس كذلك؟ ومُعظَم هموم الناس في الدنيا من الرزق، أليس كذلك؟ من الأرزاق! سعة الرزق شيء عجيب، وحدِّث ولا حرج. هناك أشياء لا أستطيع أن أُحدِّث بها، مع أنها يقين وحاصلة، كما أراكم، أيضاً مخافة الإنكار ومخافة مَن يقطع الطريق على أولياء الله الأبرار، لن نتحدَّث بهذا، نتحدَّث بالأشياء المكتوبة وبالأشياء المُحقَّقة وما إلى ذلك، ونُحيل على الرواة وعلى المُصنِّفين.

وعلى ذكر المُصنِّفين، جماعات كثيرة من علماء الإسلام وأئمة الإيمان الهُداة المُهتدين، صنَّفوا مُصنَّفات برؤوسها وبحيالها في فضل الصلاة على رسول الله والسلام – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيرا -. هناك أبو نُعيم الأصفهاني، أبو بكر بن أبي عاصم، أبو العباس الأقليشي، الإمام ابن الأنباري شرف الدين – رحمة الله عليه -، أبو الحسن تقي الدين السُبكي. 

المجد الفيروزآبادي – تَلميذ السُبكي، وشيخ ابن حجر العسقلاني، صاحب القاموس – له كتاب الصلات والبِشر، وطبعاً الإمام ابن قيم الجوزية له جلاء الأفهام، الإمام السخاوي له القول البديع، هناك كُتب ومُصنَّفات كثيرة عبر القرون، فقط عن رسول الله. هناك الدُر المنظوم للفقيه الشافعي الجليل ابن حجر الهيتمي، وليس الحافظ ابن حجر، من أهل القرن العاشر الهجري، الإمام السيوطي له عشرات المُؤلَّفات في الصلاة والسلام على رسول الله وأسرارها، في كل عصر موجودة هذه كلها. وذكروا حكايا ووقائع بديعة وعجيبة يا إخواني.

عودوا إلى اليوتيوب YouTube – قبل أن نختم الخُطبة الأولى نقول هذا – وشاهدوا مقطعاً يستغرق دقيقة، يأخذ منكم دقيقة! عن رجل يبدو أنه من المملكة السعودية، عليه سيما الصالحين، رجل في العقد الثامن من عمره، مُمتَّع – ما شاء الله – بصحته، وجهه – سُبحان الله – فيه نور، وعليه سيما الصالحين، حتى من لحن صوته! 

يتحدَّث عن نفسه، يقول في حارتنا قريب من البيت فوّال، حين كنت صغيراً، كنت أغدو إليه بالنقود وبالصحن، اسمه العم حسين الفوّال. قال حين كنت صغيراً، كنت أغدو إليه بالنقود وبالصحن، أُعطيه الثمن ويُعطيني الفول. أقول بكم؟ فيقول بكذا هللة، ثم يُعطيني الفول. قال فربما تأتي امرأة، تُقدِّم صحنها – أي الزبدية، يقول الزبدية -، فيقول بكم؟ فتقول له بالصلاة على رسول الله. 

وهو كان ولداً صغيراً، قال كنت صغيراً، أي هو لم يفهم كيف هذا، هناك هللة وهناك ريال وكذا، أما بالصلاة على رسول الله، فكيف؟ قال فإذا سمع هذا، ملأ لها الزبدية – يُعطيها أكثر منا – ويضع لها سمناً، ويُعطيها عيشاً (خُبزاً). 

قال فأرجع أنا محزوناً، فقلت لأبي يا أبي يحدث كذا وكذا وكذا! قال يا بُني الصلاة على النبي شيء عظيم. وبعد ذلك أفهمه أن هذه المرأة تكون مُحتاجة. انظر كيف كانت المُجتمَعات الطيبة! قال لذلك – أي قال هذا الرجل الصالح – في ذلك الوقت لم يكن عندنا شحّاذون. لا تجد في الشوارع شحّاذين، لا يُوجَد إنسان يريق ماء وجهه. 

المُجتمَع يقوم ببعضه، كرامة لرسول الله. بالصلاة على رسول الله يُعطيك ثوباً، بالصلاة على رسول الله يُعطيك ركوبةً، لأن لا يُمكِن لأحد أن يرد الرسول. أي كأنه يقول لك أنا جعلت أتوجه برسول الله إليك، أنا شفيعي وواسطتي عندك الرسول. فكيف لا أُعطيه؟ أي شيء أُعطيه إياه، أي شيء أُعطيه إياه! خاصة إذا لم يكن نصّاباً أو دجّالاً أو مُتحاذِقاً، أي هذا إنسان (غلبان) فقير، بالصلاة!

قال هذا الرجل الصالح، قال ابنه – ابن هذا الفوّال – مالتي مليونير Multi Millionaire. طبعاً! طبعاً! الله لم ينس له ذلك، أغدق عليه وأغدق على أولاده. قال مالتي مليونير Multi Millionaire. ويذكره بالاسم، معروف! بالصلاة على رسول الله.

خُذوا إليكم قبل ختام هذه القصة الجليلة العجيبة، عن شيخ القرّاء وإمام من الأئمة العظماء (من أئمة القراءة) أبو بكر بن مُجاهِد، صاحب السبعة – رحمة الله عليه -. يقول أحد تَلاميذ الشيخ أبي بكر بن مُجاهِد، يقول أتينا شيخنا أبا بكر، نزلت إلى بغداد، لأقرأ عليه – أي القرآن والقراءات -. قال فبين أنا عنده ذات يوم، إذ دخل عليه رجل شيخ – أي الشيخ كبير في السن، عمره سبعون سنة أو كذا -، شيخ عليه عمامة رثة – أي فقير -، ورداء رث – رداؤه رث، والعمامة رثة؛ لأنه فقير -، فلما رآه الشيخ الإمام – هذا أبو بكر بن المُجاهِد  -، قام له ورحَّب به وأجلسه مكانه.  فطبعاً أعتقدنا أن هذا الرجل له شأن، هذا معناها! فقد يكون من الصالحين ومن أولياء الله، لأنه ليس من أهل العلم، ولكنه فقير، ويلبس لباس الفقراء.

قال ثم استخبره عن حاله وأحوال صبيانه. كيف الحال؟ قال له، كيف الأهل؟ كيف الأولاد؟ استخبره عن حاله وأحوال صبيانه. فقال له وُلد لي الليلة مولود – بحمد الله تبارك وتعالى -، وطلبوا مني سمناً وعسلاً، وما عندي ذرة. قال له لا أملك ذرة. ولا أي شيء!

يقول أبو بكر بن المُجاهِد فبِت تلك الليلة محزوناً – رضيَ الله عنه وأرضاه -. أرأيتم كيف تكون الأمة المُسلِمة؟ أرأيتم ما معنى أن تكون مُسلِماً؟ تحزن لإخوانك، لأن هذا فقير، هذا ليس عنده، وأنا ليس عندي أي شيء لكي أُعطيه إياه، فأنا أيضاً مثله فقير. تُفكِّر في الناس، وتحمل همومها، وتحمل أحزانها، لا أن تخلق لها هموماً وأحزاناً، بالعدوان عليها بلسانك ويدك، لا! حاذر إن لم تنفع أن تضر أحداً من الناس. إياك! أمسك! هذه طريق الولاية.

قال فبِت تلك الليلة محزوناً، فلما نمت، فإذا بسيدي رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۩ يا أخي، يا الله! حياتي خيرٌ لكم، ومماتي خيرٌ لكم، الله أكبر! لكن أنت مِت يا رسول الله؟ قال لك مِت ماذا؟ أنا أعلم بكم وبأحوالكم وأُراقِبكم وأُراعيكم، وكله بمُقتضى الرحمة. فقال له يا أبا بكر – الرسول قال له ذلك – ما هذا الحزن؟ أي لماذا أنت حزين؟ ما هذا الحزن؟ وهو يعرف ما السبب. ثم قال اذهب إلى عليّ بن عيسى. والآن سنذكر ماذا كان.

قال فاستفقت من النوم. وقال له النبي أشياء، سنذكرها الآن، لأن هذا أحسن. قال وأخذت أبا المولود – أخذت أبا المولود، أي هذا الشيخ الصالح -، وغدوت إلى الوزير – الوزير العباسي – عليّ بن عيسى، واستأذنت عليه – وطبعاً هو يأذن لشيخ القرّاء، هذا أبو بكر بن مُجاهِد -، فأذن لي، فقلت له أيها الوزير، هذا الرجل أرسله رسول الله إليك. الوزير تفاجأ، هذا كلام حلو، لكن كيف أرسله؟ 

قال له ويقول لك – عليه الصلاة وأفضل السلام – بعد أن يُقرئك السلام – أمرني أن أقرأ عليك السلام منه، أي الرسول يُسلِّم عليك -، ويقول لك بعلامة – فهذا هو، هذا هو! هناك علامة، حين تقول لي إن النبي أرسلني إلى واحد، أرني العلامة، أي لهذا الواحد، وإلا الناس سوف تذهب وتُؤلِّف، أليس كذلك؟ ويقول لك بعلامة، أي يا أيها الوزير – أنك لا تدع أن تُصلي عليه كل ليلة جُمعة ألف مرة، وهذه الجُمعة – أي قال له الجُمعة التي مرت أول أمس – صليت عليه سبعمائة مرة فقط. وجاءك رسول الخليفة، فمضيت معه إليه، ولما عُدت، أتممتها ألف مرة. صُدم الرجل، تأثَّر الوزير، قال لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، والله إن هذا لسر بيني وبين الله – عز وجل -، لا يعلمه أحد، ولا زوجتي، هذا ورد لي هكذا، أعمله وأتقرَّب به إلى الله.

وأنت رسول رسول الله إلىّ! يبكي الوزير، غير معقول – قال له – هذا. ثم قال يا غُلام. أمر بالخازن، فجاء بالبدرة، والبدرة كيس، كيس تُوضَع فيه الدنانير والدراهم، وكانوا يُسمونه البدرة، وكان عنده سعة مُعيَّنة. فأتى بالبدرة، التي يكون فيها مال كثير، ذهب! فقال زن لهذا الرجل – أي هذا الفقير المسكين، أبو المودود، والنبي سماه المودود، عن المولود – مئة دينار. قال زن له مئة دينار. تخيَّل! مئة دينار ذهب، أي ربما تكون قيمة هذا الآن مئة ألف يورو. قال زن له مئة دينار. فوزن له، ثم قال زن مثلها. أي مئة دينار. فوزن، قال هذه لشيخنا أبي بكر بن مُجاهِد، لأنه رسول رسول الله إلينا – أي قال النبي بعثه -، وأنا سأعطيه مئة. فوزن، قال زن مثلها. أي مئة دينار أُخرى. تخيَّل! فوزن، فقال وهذه لشيخنا أبي بكر بن مُجاهِد، لأنه بشَّرنا بعلم رسول الله بصلاتنا عليه. هذه بُشرى – قال -، أي هذه تصله، فعلاً هي تصله وهو يعرف أننا نُصلي عليه. يا الله! يا للبُشرى! يا للسعادة! 

فوزن، قال وزن مثلها لشيخنا أبي بكر بن المُجاهِد، وأرأيتم إلى أي درجة بلغ تعظيم الدين؟ رضيَ الله عن هذا الوزير، وكثَّر الله في الأمة من أمثال هذا الوزير. وزير وعنده كل هذه التقوى والمحبة والشغف برسول الله والتعظيم لشأن رسول الله، بسبب رؤيا. زن له مثلها؛ لأنه تعنى وأتى من بيته إلينا هنا. أي هو أتعب نفسه من أجلنا. 

وزن مثلها لأبي بكر بن المُجاهِد. مثلها… ومثلها… ومثلها… حتى أوفى ألف دينار، أي مليون يورور. فقال الشيخ أبو بكر بن المُجاهِد جزاك الله خيراً، ما أنا بآخذ شيئاً – انظروا إلى هذا، انظروا إلى العفة الآن، أرأيتم؟ أرأيتم كرم الوزير وعفة أهل الدين وأهل العلم؟ ما أنا بآخذ شيئاً – إلا ما أمرني به رسول الله. رسول الله أمرني أن آمرك أن تُعطي هذا الرجل مئة دينار، ونحن الآن نسينا أن نقول هذا، النبي أمره، قال له قل له أعط أبا المودود مئة دينار، يستعين بها على إصلاح حاله. قال له النبي قال مئة دينار لأبي المودود. أنا لم يذكرني – قال له – ولذلك لن آخذ فلساً واحداً. احتراماً لرسول الله، أرأيتم كيف يكون الاحترام؟ لم يقل هذه فُرصة وخُذ الذهب لك واجري. قال لكم لا ذهب ولا كلام فارغ. وطبعاً هو يرى النبي، والنبي يُوسّطه في الخير، وهذا خير من الدنيا – والله العظيم – وما فيها،  قسماً بالله، قسماً بالله خير من الدنيا وما فيها، وأمثال أمثال الدنيا.

اللهم أعطِنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تُهنا، وزِدنا ولا تنقصنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فيما أخرجه أبو داود في سُننه أكثروا علىّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علىّ حيث كنتم، ولا تتخذوا قبري عيداً. كأنه يقول زوروني دائماً، وليس أن تأتوا في كل عيد إلىّ، زوروني دائماً، لا تقطعوا ماذا؟ علائقكم بي. وصلوا على باستمرار، في كل مكان، لأن أيضاً الذين اتخذوا قبور أنبيائهم عيداً ماذا يعملون؟ لا يذكرونهم، ولا يُبجِّلونهم، إلا إذا كانوا عندهم، أي في هذا العيد. فالنبي قال لا، ليس عيداً. قال صلوا علىّ باستمرار، سواء كنتم عند قبري، أو لم تكونوا. فهذا معنى آخر طبعاً، وهو الظاهر طبعاً من سياق الحديث. فإن صلاتكم معروضة علىّ.

وقال أيضاً في حديث آخر إن من خير أيامكم – أو قال خير أيامكم – يوم الجُمعة، فأكثروا من الصلاة والسلام علىّ فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ. نحن اليوم في اليوم الأزهر المُبارَك (الجُمعة)، ولذا لا بد من الإكثار من الصلاة على رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

قال الإمام عليّ – كرَّم الله وجهه، ورضيَ الله عنه وأرضاه – لولا أن الله – تبارك وتعالى – فرض فرائض، ما تنفست نفساً إلا جعلته صلاةً على رسول الله. لماذا يا أبا الحسن؟ لماذا أيها الولي الجليل، العارف الكبير؟ لماذا؟ قال لأنني في خير عظيم وعميم، من معرفتي بالله وإقبالي عليه وأخذي بهديه ودينه وسُننه، والفضل بعد الله كله للرسول. الواسطة! لولاه ما كنا في هذا الفضل، فكيف لا أُثني عليه؟ ولذلك فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩. ما معنى وَعَزَّرُوهُ ۩؟ هذه في الأعراف، ما معنى وَعَزَّرُوهُ ۩؟ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩… وماذا؟ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ۩، أي الرسول. ثم: وَتُسَبِّحُوهُ ۩، أي الله – تبارك وتعالى -، بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۩، ما معنى التعزير؟ قال ابن عباس التعزير هو التعظيم. تعظيم! عظِّم نبيك، لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۩، أي لا تقو له يا محمد. لا يُمكِن أن تقول يا  محمد. قول يا نبي الله، يا رسول الله، يا صفوة الله، يا حبيب الله، يا خيرة الله، يا نجيب الله، يا… يا… يا… وهكذا! وليس يا محمد، الله قال لك عظِّمه، عظِّمه. وَتُوَقِّرُوهُ ۩، التوقير هو ماذا؟ الاحترام والتجلة والمهابة. إذن احترام وتجلة ومهابة وتعظيم، تعظيم لرسول الله، بأمر رب العالمين – لا إله إلا هو -، بأمر رب العالمين!

يقول جعفر بن عبد الله – أحد علماء الحديث – رأيت أبا زُرعة الرازي في المنام بعد وفاته. ونختم بهذه الأشياء بسرعة، في دقيقة أو في دقيقتين، للإفادة – بعون الله – وللإسعاد. يقول رأيت أبا زُرعة الرازي – الإمام الجليل، عصري البخاري، من الطبقة الأولى – في المنام بعد وفاته. رأيته في الملأ الأعلى يُصلي إماماً بالملائكة. بشر يُصلي بالملائكة في المنام! قال فقلت له يا إمامنا بِمَ نلت هذا؟ قال كتبت بيدي هذه – أي بيمني – ألف ألف حديث. مليون حديث – قال – كتبتها. كلما ذكرت اسم النبي كتبت صلى الله عليه وآله وسلم. وقد صح عنه أن مَن صلى عليه مرة، صلى الله عليه به عشرا. قال له فانظر إذن، كم عندي! وهذا مُختلِف، حين تكتب ذلك، يختلف الأمر عما تقوله بلسانك. بلسانك تستطيع في أسبوع أن تعمل المئة ألف ربما، أليس كذلك؟ لكن حين تكتبها كتابة، يختلف الأمر، وهذه لا يزال أجرها أعظم، هذه أجرها أعظم كثيراً عند الله – تبارك وتعالى -. 

ماذا يقول أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى، الإمام المُزني، تَلميذ الإمام الشافعي؟ يقول أبو إبراهيم المُزاني – مُختصِر الأم، رحمة الله تعالى عليه، وعلى إمامنا أبي عبد الله الشافعي، قدَّس الله سره الكريم – رأيت إمامنا أبا عبد الله الشافعي في المنام – مشهورة هذه الحكاية -، فقلت له يا إمام ما فعل الله بك؟ قال الحمد لله، خيراً، غفر لي، ورحمني، وأكرمني. في رواية عبد الله بن الحاكم أيضاً رأى الشافعي في المنام، رآه أيضاً في المنام! قال له غفر لي، وزفني إلى الجنة، كما تُزف العروس. وأنا في طريقي إلى الجنة نُثر علىّ أشياء. هذا النثار الآن، انظر إلى النثار في الدنيا، ما هو؟ في الدنيا ينثرون الملبس، المال، وما إلى ذلك، في الآخرة الله أعلم طبعاً بما يُنثر. ونُثر علىّ كما يُنثر على العروس. فسألاه  – هذا رآه وهذا رآه – وبِمَ ذلك يا إمامنا؟ قال بكتابتي في الرسالة – الرسالة الأصولية، أول كتاب في علم أصول الفقه مُصنَّف – وصلى الله على محمد، عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون. فقط – قال له – هذه، هذه النبي فرح بها جداً، والله أعطاني هذا المقام.

لذلك يروي العلّامة الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي في كتابه الدُر المنضود، يقول روى جماعة – أي من أهل العلم الكبار الثقات – عن أبي الحسن الشافعي – أحد أئمة الشافعية – أنه رأى النبي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – في المنام، فقال له يا رسول الله بِمَ جُزيَ أبو عبد الله الشافعي عنك، حين صلى عليك في الرسالة، فقال وصلى الله على محمد، عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون؟ قال جُزيَ بأنه لا يُوقَف يوم القيامة للحساب. الله! لأن هذا الشافعي، إمام الأمة، وكتبها في كتاب مُخلَّد – بعون الله – إلى يوم الدين، قرأه ملايير المُسلِمين، وهذه الصيغة من عنده هكذا، ابتدعها – ما شاء الله – وفيها محبة للرسول. قال له لا يُوقَف يوم القيامة للحساب. وهذا طبعاً الشافعي، قال له لا يُوقَف للحساب يوم القيامة. هنيئاً لهم! ورضيَ الله عنهم وأرضاهم.

إخواني وأخواتي:

صيغ الصلاة على النبي بالألوف، وليس بالمئين. يُمكِن أن تبحثوا عنها وتقرأوا الكُتب وتنتخبوا، لكن أختم بهذه الصيغة، وهي في أقل من سطر، حافظوا عليها، وتُعرَف بالصيغة الكمالية، من بين مئات الصيغ، بل ألوف الصيغ، جميلة جداً، والأولياء يتكلَّمون عنها كلاماً عظيماً. يقول أحد مشايخ الإسلام، وهو الشيخ احمد الصاوي – الفقيه الكبير، والمُفسِّر على فكرة، صاحب الحاشية على تفسير الجلالين -، يقول الشيخ الصاوي وهذه الصلاة على رسول الله من أوراد أولياء الله. معروفة عند أهل الطريق، شريفة المقام، يلزمونها، على الأقل دُبر كل صلاة عشر مرات، وفي غير أدبار الصلوات مئة مرة أو أكثر، ومَن زاد، فالله أكبر وأكثر – لا إله إلا هو – خيراً. هل هذا واضح؟

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله… هل كمالات الله معدودة؟ لا تتناهى. كمالات الله غير مُتناهية، عدد كمال الله! وبماذا؟ وبقدر كماله. كمال مَن؟ قال الشيخ الصاوي كمال رسول الله. لأن عدد كمال الله انتهينا منها، إذن بقدر كمال رسول الله. 

فصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد بن عبد الله، خاتم الأنبياء والمُرسَلين، مالك أزمة الأنبياء والمُرسَلين. أولهم وخاتمهم وأفضلهم وأشرفهم وأعظمهم وأرقاهم وأنبلهم – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون.

اللهم صل عليه في الأولين، وصل عليه في الآخرين، وصل عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين. صل عليه إلى أبد الآبدين وإلى دهر الداهرين، واجزه عنا ما هو أهله. اللهم اجز سيدنا ومولانا محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، وخير ما جزيت رسولاً عن رسالته.

اللهم أحينا ما أحييتنا على مِلته وعلى سُنته، وأمتنا على دينه وملته، واحشرنا يوم القيامة في زُمرته. اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بيده الشريفة شربةً لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم شفِّعه فينا، بحق لا إله إلا الله، محمد رسول الله – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً -.

اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها. اللهم واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وبالسعادة آجالنا. واجعل أوسع أرزاقنا عند كبر أعمارنا وانقطاع أسناننا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

(بعد الصلاة)

تقبَّل الله يا إخواني وأخواتي، ما رأيكم أن نُكرِّر عشر مرات الصلاة التي ذكرتها؟ حتى نحفظها – إن شاء الله -، حتى نحفظها ونعيها، ولكن هذه ليست سُنة أن نفعل هذا بعد كل صلاة، يفعل هذا كل واحد وحده – إن شاء الله -، هذا شيء طيب.

فقولوا – إن شاء الله – يا إخواني:

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله. 

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله. 

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

اللهم صل وسلم وبارك، على سيدنا محمدٍ وعلى آله، عدد كمال الله، وكما هو أهل لكماله.

وتقبَّل الله منا جميعاً – إن شاء الله -.

بارك الله فيكم وعليكم.

 

(انتهى بحمد الله)

فيينا (10/5/2019)

فضائل الصلاة على حبيبنا رسول الله وأفضل صيغها.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: