إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ۩ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ۩ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۩ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
كانت خُطبتنا الماضية عن التعصب، والضدُ النوعي للتعصب هو التسامح كما يُقال، فهناك التعصب وبإزائه يقفُ ويمثل التسامح فهو الضدُ النوعيُ على طول الخط للتعصب، وليس مقصودي في هذا المقام أن أتحدَّث عن موضوعة التسامح وهى موضوعةٌ ضافية الذيول وكثيرة الشعب ولا يُفرَغ من الحديث فيها ولا تقرير الآراء المُختلِفات المُشتجِرات حولها على أنها موضوعةٌ نامية مُتجدِّدة يجد فيها كلُ حين أو كلَ حين رأيٌ جديد لمُفكِّرٍ يبتكر شيئاً أو يتنقَّد من زاويةٍ لم يُسبَق إليها، وإنما أُريد أن أتناول هذه الموضوعة من حيثية واحدة فقط وهى حيثية الأساس الميتافيزيقي والأساس الفلسفي – إن جاز التعبير – للتسامح، فلماذا ينبغي علينا أن نتعمَّق إلى هذه الدرجة فنتناول الأساس الأعمق والأساس الميتافيزيقي المُجرَّد لموضوعة التسامح؟!
لأنه بغير هذا الأساس سنقع في مُعضِلة – Dilemma – وفي مُفارَقة وربما في حلقة مُفرَغة كما يُقال، فما هى حدود التسامح؟ وما هى ضوابطه؟ وواضح أن التسامح قرين الحرية لأن حين نتحدَّث عن التسامح نستجلب الحديث مُباشَرةً عن الحرية وآفاقها ومدياتها وفضائاتها ومدياتها وتخومها وحدودها، ولذلك سنتحدَّث عن مَن بيده وعن مَن له صلوحية أو صلاحية – كما نقول بالعامية – رسم هذه التخوم وتحديد هذه الحدود ووضع تلكم الضوابط، والمُفارَقة مَن يضبط مَن يضبط؟ مَن الذي يضبط؟ مَن يُراقِب؟
الذي وُكِلَ إليه مُهِمة المُراقَبة بلغة ابن خلدون وقد تنبَّه بذكاء مُنقطِع النظير إلى هذه المُفارَقة وازع الوازع، فالحديث سيتحوَّل عن وازع الوازع وضبط الضبط ورقابة الرقابة وما وراء – Behind – الرقابة.
المسألة مُعقَّدة وليست كما تظنون، فالمسألة صعبة جداً ولكن قد يثورُ تساؤل: هل هذه المسألة على أنها فيما يبدو من المسائل المُهِمة – علماً بأن العامي سيلتقط أنها مسألة مُهِمة ونحتاجها – هى في رأس أولوياتنا اليوم في عهد الثورات ونحن نستقبل – إن شاء الله – حقبة جديدة من حياة أمتنا العربية المسلمة؟
أنا أقول لكم أنها في قلب الأولويات، في قلبها تماماً، لكن لماذا؟ وسأكون واضحاً على عادتي التي تُؤذي وتجرح بعض الناس، فبعض الناس تجرحهم الحقائق لأنهم لم يعتادوا ولم يُنشَّأوا ولم يتربَّواولم يُربَّوا على أن يواجهوا الحقائق وإن كانت مُرة وإن كانت قاسية وجارحة ومُحرِجة وشديدة الإحراج، بالذات لأنه في هذه الحقبة الجديدة سيكون للإسلاميين وللشباب والشابات المسلمين والمسلمات دورٌ وهو مرصودٌ لهم وواضح وهو بحجمهم وبحضورهم وبأملهم وتفاؤلهم وحماسهم وحمياهم، فسيكون لهم دورٌ وهو مرصودٌ لهم في غد هذه الأمة، دورٌ كبير لا يستهان به، ولسنا نلمس أن الفضاء الإسلامي مُدمِن على التسامح، لسنا نلمس هذا لأن الفضاء الإسلامي لا يتعشَّق تعشقاً حقيقياً الحرية والتسامح، لأنه لا يفهمها فهماً عميقاً، وليس هذا السبب وحسب بل في رأس الأسباب أنه لم يذق ثمارها ولم يذق كم هى جميلة وكم هى لذيذة أو لاذة الحرية، الحرية قرينة التسامح وجوهر التسامح.
كل المُفكِّرين الليبراليين هم مُفكِّرو الحرية لأنهم يرون التسامح قرينة الحرية وجوهر الحرية وثمرة الحرية وضمانة الحرية، يُمكِن أن يتغوَّل التسلط والاستبداد والتفرد على الحريات فيُحيلها لعنة فلابد من ضمانة التسامح.

وليام جيمس
وليام جيمس

وحتى نُعالِج مسألتنا من الزاوية التي إليها أشرت ولم أذكرها ما هى لابد في عُجالة بجُمل قصار أن أُعرِّج على بعض تعريفات التسامح وعلى ما نرتضيه من هذه التعريفات، فالمُعجَمات وكتب تواريخ الأفكار تعج بمئات التعريفات كالحال مع الحرية، فهناك مئات التعريفات للتسامح، وعلينا أن ننتبه إلى أن التسامح في اللغات الأجنبية مثله تماماً في اللغة العربية، التسامح والتحمل، Tolerance من Tolerate، أي يتحمَّل ويصبر على الأذى، فباللاتينية تعني يصبر على الأذى، كأن يقول أحدهم سأصبر وسأتحمَّل !
وهذا مبدئياً يشي بأنك تضغط على أعصابك أو إلا كنت ستقطع لساني وربما عنقي إن شئت لأنك في موقع المُتنفِّذ ولكنك ستتحمَّل وستُرهِق نفسك وتضغط على أعصابك وتُمارِس فضيلة التسامح والتحمل والتساهل معي، إذن يُوجَد وجه امتناني ووجه استعلائي، ولكن أنت أعلى مني ربما بحُكم السُلطة فقط لأنك الآن صاحب سُلطة وقوة، وفي غد أو من غد أنا سوف أُصبِح صاحب سُلطة قد أُمارِس التسامح أيضاً وأمتن به عليك، أي أمتن بهذه المُمارَسة عليك لأنني سأتحمَّل وجودك وغلاستك وثقل دمك عقائدك وآراءك وشذوذها وزندقتها وهرطقتها، سأتحمَّل على أعصابي كل هذا، وأحياناً الله يغفر ولكن الأعصاب لا تغفر كما قال وليام جيمس William James، فأنت ستُتعبني جداً، ولذلك ربما تنفلت هذه الأعصاب ويتحوَّل التسامح إلى ضديده كما حدث في القرن العشرين وفي أوروبا، فعلينا أن ننتبه إلى أن في قلب البلدان والثقافات التي نادت بالتسامح من القرن السابع عشر والثامن عشر تحوَّل التسامح إلى غول هائج في حالة تهيج فأحرق الأخضر واليابس ولم يسمح بالمُختلِف!

ليسينج
ليسينج

اليوم يُوجَد عروض كثيرة في السنوات الأخيرة للمسرحية الأشهر للفيلسوف الكبير الإنساني المُتسامِح حقاً والذي اقتبست لكم عبارته العجيبة في كتابه دوبليك Duplik أو الرد أو الجواب ليسينج Lessing، ففي دوبليك Duplik ذكر عبارته المشهورة “لو كان بيد الرب اليُمنى الحقيقة الكاملة الناجزة كلها وبيُسراه البحث الدؤوب عنها المُترافِق مع السعي الدائم والخطأ واكتنان الحقيقة التي تبقى مُختفية ولا تُعرِب عن نفسها ولكن إن هو إلا البحث حتى ولو لم تُطالِع وجه الحقيقة ثم قال لي الرب Wählen – أي اختر – لجثوت على ركبتي عند يُسراه وقلت له إلهي أعطني ما في اليُسرى، أما الحقيقة كلها هى التي تليق بمجدك وجلالك”، وهذا الفيلسوف له مسرحية مشهورة جداً هى ناثان Nathan الحكيم، وأحد أبطالها وشخوصها الرئيسين هو صلاح الدين الأيوبي لأنها وقعت في القدس، فساحة المسرحية ومسرح المسرحية هو القدس والبيت المُقدَّس ولذلك من أبطالها صلاح الدين، ولا أُريد أن أُلخِّص لكم المسرحية فيُمكِن أن تقرأوها وهى ليست مسرحية طويلة ولذا تُقرأ في جلسة واحدة، ولكن أُريد أن أقول في هذه المسرحية يستدعي صلاح الدين الشيخ الكبير ناثان ويسأله في قضية الأديان وعن الدين الحق، فيروي له ناثان Nathan الحكيم ما ستعرفون، علماً بأن Nathan der Weise تعني ناثان الحكيم أو الأبيض، فالعروض الحديثة في ألمانيا وغيرها لناثان Nathan الحكيم جعلته الأبيض، فالأبيض هو مَن يفهم التسامح ويُمكِن أن نلعب على هذا الاقتراب، فإذن Weise بمعنى حكيم وبمعنى أيضاً الأبيض، المُلوَّنون لا يفهمون التسامح، وهذه أصبحت فكرة غربية مع أن ليسينج Lessing – وهذا ما أثبته بعض الدارسين – قرأ في الإسلام، فهناك باحثة حازت على درجة الماجستير في هذه النُقطة لأنها كشفت النقاب وإن لم يكن لأول مرة عن هذا، فهناك إشارات كثيرة نسبياً حتى من بعد ليسينج Lessing بنحو قرن وفي القرن التاسع عشر – وهو في القرن الثامن عشر -وفي خمسينيات القرن العشرين إلى تأثر ليسينج Lessing بالإسلام وقرائته للإسلام، وله كتاب لم يُطبَع في حياته – يبدو أنه خشيَ من أن يُطبَع في حياته – إسمه Über die Entstehung der geoffenbarten Religion”” بمعنى حول – أي بحث حول – الديانة الوحيانية، أو حول الديانة الوحيانية أو حول نشأة الديانة المُنزَّلة من عند الله، وبالحتم طبعاً واضح جداً أنه قرأ القصة الفلسفية الشهيرة “حي ابن يقظان” لأستاذ ابن رشد أبي بكر بن طفيل والتي صارت تُعرَف هنا في السياق الغربي بإسم فلسفة التعلم الذاتي Philosophies Autodidacts، فهو قرأها وتأثَّر بها كما قرأ القرآن، والجديد هو أنه مُتأثِّر جداً بالقرآن، لكن طبعاً هنا المُفارَقة المُحزِنة وهى أن هذا الفيلسوف عاش في سياق مُختلِف، سياق كان الرأس السائد والشائع فيه أن الإسلام دين لا عقلاني ودين همجي ودين مُتوحِّش لأنه يقطع مع العقل ومع الإنسانية والقيم الإنسانية الحميدة، لكن ليسينج Lessing تصدَّى لكل هذا، وأكثر شيئ بدا فيه وتجلى فيه تأثر ليسينج Lessing بالإسلام هو في مُصطلَح الإسلام ذاته، فهو لا يفتأ يُكرِّر باستمرار مُصطلَح الاستسلام لله والخضوع لله، فهنا يكمن الحق ، والطريق الأقصر إلى التسامح وهو أن نخضع لله وليس للمُؤسَّسة وليس لأهوائنا وليس لمصالحنا وليس لمذهبياتنا وليس لأعراقنا وإثنياتنا وإنما لله من خلال الإسلام!

أرلوند توينبي
أرلوند توينبي

وهذا الآن أصبح مُقرَّراً وواضحاً جداً في كثير من الدراسات حول هذا الفيلسوف العظيم – ليسينج Lessing – المُتسامِح، وطبعاً هو يختلف عن ديدرو Diderot ويختلف عن جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau ويختلف حتى عن فرانسوا فولتير François Voltaire في أن هؤلاء كانوا لا دينيين، فهم كانوا دنيويين وبعضهم كان ربوبياً كما قلنا في الخُطبة السابقة، فلا يعترفون بالوحي ولذلك بحثوا موضوعة التسامح من خلال التضحية بمفهوم الحقيقة، حيث أنهم خاضوا في النسبية، فنحروا الحقيقة على حجرة أو على مذبحة التسامح، لأنهم قالوا إن كنا نُريد التسامح لابد أن ننحر الحقيقة وهذا غير صحيح، لكن إلى اليوم الغرب يُمارِس هذا، وهذا جانب لا مُتسامِح في التفكير الغربي حذَّر منه وأعرب عن خوفه العظيم منه في أكثر من موضع وأكثر من بحث ومن دراسة الفيلسوف الإسلامي المُعاصِر الكبير الذي لا يزال حياً سيد حسين نصر، وبالمُناسَبة هو الفيلسوف الوحيد الذي يُعترَف به في الغرب على أنه فيلسوف مسلم الآن، نعم لدينا ألوف من أساتذة الفلسفة ولكنهم ليسوا فلاسفة، فهذا هو الفيلسوف الحقيقي الآن، علماً بأنه قبل سنتين صدر كتاب عظيم عنه في الولايات المُتحدة الأمريكية على أنه فيلسوف العام، فضلاً عن عدد من الدراسات التي كانت كلها عن سيد حسين نصر، وقبل ذلك صدر مثل هذا عن برتراند راسل Bertrand Russell وعن هنري كوربين Henry Corbin وعن أمثال هؤلاء.
سيد حسين نصر لا يفتأ يُعبِّر عن حذره وعن خوفه العظيمين من أن تأسيس الغربيين للتسامح – واستمرارهم على هذا التأسيس وتجاوبهم مع هذا التأسيس – على مقولة نسبية الحقائق دائماً سوف يُنتِج ما أنتجه سابقاً من مواقف لا مُتسامِحة مع أمثالنا، مع المُتدينين من اليهود والنصارى والمسلمين وغيرهم الذين يرون أن هناك حقيقة حقيقية مُطلَقة وليست نسبية، نعم تختلف الطرق إليها وتختلف تجلياتها ويختلف تلقيها وهذه مسألة أخرى لكنها موجودة!
إذن هم لا يتسامحون مع مَن يُؤمِن بهذه الطريق بطرق من اللاتسامح، وهذا شيئ مُخيف، فما هو الحل الوسط؟ هل الذين يُؤمِنون بالحقائق المُطلَقة وهم في الأغلب أصوليون من الهنادكة واليهود والمسيحيين والمسلمين على حق؟ هم يُؤمِنون بالحقيقة المُطلَقة على طريقة الأصوليين ويقولون أنها موجودة وقد وقعنا عليها تامة ناجزة كاملة ونحن فقط مَن يتحدَّث بإسمها، وفي خُطوة مُتقدِّمة سيئة يقولون من حقنا أن نُبشِّر بها وأن نُرغِم الآخرن عليها بل ومن حقها أن تسيل الدماء في سبيلها، وهذا شيئ مُخيف، فهل هذا هو الحل؟ ليس هذا هو الحل، إذن ما الحل؟ سيد حسين نصر لم يتقدَّم بحل واضح، ونحن في هذه الخُطبة نُريد أن نُقارِب المسألة بطريقة جديدة وبطرح جديد لعله غير مسبوق على أنه واضح جداً، لكن علينا أن ننتبه إلى أنه أحياناً لشدة وضوح الحل أو الطريق يتساءل الذي يحدس به والذي يُفضي به ويُفرِغ عنه هل فعلاً هذا يُشكِّل حلاً؟ لأنه سهلٌ جداً، فكيف غفلوا عنه؟ ولكن لنتذكَّر أن مُعظم عبقريات العباقرة ومُعظم عبقرية الكشوف والآراء والنظريات كانت تتسم بنفس الطابع وكانت المسألة سهلة جداً وأوضح مما قد يُظَن، فتجلَّت عبقرية العبقري في أنه قد حدس بهذا الواضح جداً حين لم يفعل غيره ذلك، فلم ينجح هذا أن يفعل ذلك ولكنه نجح في أن يفعل ذلك، وهذا يعود إلى طبيعته ومزاجه الفكري المُتسِم بالمصداقية والوضوح، وعلى كل حال مَن أراد ومَن أحب أن يكون عبقرياً مع أن العبقرية في جزء منها لا يدخل في الإرادة عليه أن يكون صادقاً مع نفسه، فنقول للعبقري الذي ليس عبقرياً ولم يكتشف عبقريته إذا أردت أن تنمو هذه العبقرية عليك أن تكون واضحاً تماماً وذا مصداقية كاملة مع نفسك ومع ضميرك ومع عقلك ومع الآخرين، إياك أن تُردِّد ما لا تقتنع به حتى إن اتهموك بالهرطقة والكفر، وقل لن أُسلِّم بما لا أقتنع به حتى إن أجمع العالم على ضد ما أقول به، قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ فلن أُسلِّم لأنني لست مُقتنِعاً، كيف أُسلِّم بشيئ لا أقتنع به؟ هذا غير معقول!
وقد حفظ لنا التاريخ حالاتٍ كثيرةً عن آراء ووجهات نظر ونظريات أجمع العالمون في وقتها على خطلها وخطئها ومروغها ولكن رفع رايتها واحد أو جماعة قليلة من الناس ثم ثبت بعد قليل أو كثير من الزمان أن العالم كله كان على خطأ وذلكم الواحد كان على الصواب، فلذلك لا يجوز أن نقطع ألسنة مَن يُخالِفنا لأن اللسان المقطوع لن يتكلَّم بالحقائق وبالتالي سنكون قد فوَّتنا على أنفسنا فرصة أن نسمع حقيقة، ومن ثم علينا أن ننتبه إلى أنه لا يجوز أن نقطع رؤوس المُفكِّرين الذين يُفكِّرون على نحو مُختلِف لأن الأدمغة المقطوعة لا تأتي بجديد لأنها مُنتهية وميتة بل علينا أن نستبقي لها حق الحياة، لماذا؟ استبقاءاً للحقيقة المُحتمَلة حق الحياة، فقد يكون هناك حقائق مُحتمَلة لم نسمع بها من قبل ولم يُفض بها أحد ولم يكتشفها أحد، فلماذا تُفوِّتون الفرصة عليها وعلى الحقائق؟
بعض الناس يُهرَع بكل سذاجة طبيعية ويستجلب أمثلةً من الطبيعة قائلاً لا يا أخي حتى الجسم أو حتى البدن حين نغرس فيه عضواً أجنبياً عنه يرفضه لأن جهاز المناعة يأباه، ونحن أيضاً كهوية ثقافية علينا أن نرفض كل جديد وكل ما لا يتلاءم معنا” وهذا غير صحيح ولذا أنا أُحذِّر هنا لأن هذا يقع فيه أُناس من الغرب ومن الشرق، فحتى في الغربيين للأسف هناك مَن يستجلب أمثلة من الطبيعة، فإياك وأنت تُناقِش عالم وفضاء الثقافة والفكر أن تستجلب شيئاً تُمثِّل به من عوالم الطبيعة لأن هذا يعني لأول خُطوة في النقاش أنك لا تفهم ما هى الثقافة أصلاً وأنت تدّعي أنك من المُثقَّفين وأنك تتكلَّم بلغة المُثقَّفين في حين أنك لا تفهم ما هى الثقافة، لماذا؟ لأن الثقافة في أول ما تعنيه ضمن ما تعنيه أنها تجاوز – كما قلت في الحلقة السابقة – للطبيعة، فالثقافة تجاوز للطبيعة وتهذيب للطبيعة وتشذيب للطبيعة، حيث يُمكِن للحيوانات – وهى تفعل هذا تماماً وبكل راحة ضمير إن كان لها ضمير – أن تعيش وأن تموت على مدى ألوف السنين وملايين السنين بالطبيعة فقط دون الثقافة، وهى عائشة بالفعل هكذا، فالثقافة هى مُنتَج إنساني وامتياز بشري للمُجتمَع الإنساني، وهى ليست فعلاً فردياً بل هى فعل مجموعي الفرد يُساهِم فيه، وفي غير جماعة في ظل الفردية المُطلَقة لا نشوء للثقافة، ولأن الثقافة امتياز إنساني نجد أنها تتجاوز الطبيعة، فلا تأتني بمثال من عالم الطبيعة والحيوية لكي تُبرّهِن وتُسوِّغ لي الانغلاق والتعصب واللا تسامح وإقصاء الآخر وإلغاءه لأن هذا لا يجوز!

أرلوند توينبي
أرلوند توينبي

أرلوند توينبي Arnold Toynbee في يوم من الأيام ضرب مثلاً لكي يسخر من هذه الطريقة ومن هذا الأسلوب قائلاً “في عالم الدجاج – إذا كنا نُحِب أن نكون دجاجاً وحاشانا – حين تُنقَر دجاجة في موضعٍ ما ويسيل دمها فإن سائر أفراد مجموعة الدجاج تُهرَع إليها تنقرها في موضع الجُرح حتى تهلك”، ثم يستتلي توينبي Toynbee قائلاً “والبشر يفعلون الشيئ نفسه على الغرار نفسه، فهم ينقرون كل مَن لا يُفكِّر على غرارهم و كل مَن لا يظهر بمظهرهم”.
الآن بالله عليكم تصوَّروا ما يحدث في الحقل الإسلامي إلى اليوم، أنا شخصياً مصدوم مما يحدث، مَن يتصوَّر أن في القرن الحادي والعشرين الميلادي والخامس عشر الهجري مَن يستبعد الآخر الإسلامي، ولا أقول يستبعد الآخر غير المسلم وإنما الإسلامي، فهو مسلم مثله وأمله ومشروعه يرتكز على الإسلام ولكنه يستبعده فقط لأنه يلبس لباساً إفرانجياً كما نلبس نحن هكذا، ويقول كيف نأخذ منه؟ كيف يُمكِن أن نتزَّل وأن نستمع إليه وهو يلبس الكرافتة والبدلة على منبر رسول الله؟ وهذا شيئ عجيب!
وبعضهم يفعل أكثر من هذا، فتلبس الدشداشة والطاقية وتظهر بمظهر هؤلاء الشيوخ ولا بأس في هذا لكي تُوافِقهم ولكن طول اللحية ليس الطول الذي يقيسونه هم باجتهاداتهم، فاللحية أقصر مما ينبغي، وبالتالي يقولون كيف يُمكِن أن نأتمنك على الدين ولحيتك بهذا القصر؟ وهذا شيئ غريب، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، ولذلك أنا قلت لكم موضوعة التسامح تقع في قلب الغد العربي والإسلامي اليوم، الغد الذي سيرسم معالمه في جزء منه الإسلاميون، وهذا سوف يكون شيئاً مُخيفاً إذا كان في الإسلاميين مَن يُفكِّر بهذه الطريقة وعلى هذا النحو، وطبعاً هناك مَن لا يُفكِّر على هذا النحو الهابط والواطيء جداً ولكنه أيضاً يُمارِس الإقصاء والإلغاء والتعصب واللاتسامح بمُبرِّرات ومُسوِّغات أخرى حزبية ومذهبية وطائفية وتنظيمة وإلى آخره من هذه الـ (ية) التي تنتهي بها مثل هاته الكلمات، فالواحد منهم يُمارِس أيضاً هذا وهو يدّعي أنه يتكلَّم بإسم الوطن والدين وبإسم الحقيقة وهذا لا يجوز، فلابد أن نكون واضحين وإن كان الوضوح – كما قلت لكم – يُحرِج ويُحزِن ويُؤلِم أحياناً، ولكن إذا أردتم ألا تكونوا مخدوعين وألا تكونوا مُكرَهين وألا يُضحَك علينا وألا تستعار أدمغتنا وعقولنا وألا ننطق بلسان غيرنا لابد أن تكون الأمور منذ البداية واضحة تماماً، فلا نتلجَّلج ولا نُجمّجِم ولا نُجامِل في تقرير ما نراه كما نرى، نعم قد نكون مُخطئين ولكننا نُحاوِل أن نصف وأن نُقرِّر ما نراه كما نراه، ولكن من أين أخذت هذه القاعدة؟ من القرآن العظيم، وذلك من الآية العنوانية ومن الآية المفتاحية في موضوع التسامح – هى الآية رقم واحد في هذا الباب – التي تقول لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، فالله يقول إذن قَدْ تَبَيَّنَ ۩، لأن ما لم يتبيَّن ستظل قائمة وماثلة مُبرِّرات الإكراه، وبالتالي علينا أن ننتبه إلى أن الإكراه ليس له وجهٌ واحد وإنما له وجوه كثيرة مُباشِرة ووجوه أخرى مُضمَّنة – أي ضمنية – وغير مُباشِرة، بمعنى أن من الإكراه أن تقول لي أو تُفهِمني عملياً أنك ما لم تتطابق معي تماماً حذوك القذة بالقذة وضرب الكف بالكف فأنا سأنقص من اعتبارك وسأنقص من الاعتراف بك وسأُجنِّبك فرصة أن تأخذ دورك في قيادة المُجتمَع وفي التعريف بآرائك وطروحاتك وسأجعلك مخفياً – Hidden – وسأجعلك في الخلف هذا، وهذا أقل شيئ، فلن أشن عليك حرباً ولكن لن أُعطيك فرصتك كاملة، فهذا إكراه، وهو إكراه من نوع خسيس، وبالتالي هذا لا يجوز، لكن هل تعرفون لماذا؟ لمُبرِّرات كثيرة سأجتزيء بواحد منها، وذلك لأن مناطات الاختلاف ومسائل الاختلاف وصور الاختلاف بيننا كبشر وبيننا كمسلمين وبيننا كإسلاميين في حق الواحد – والله – أكثر مما تظنون وأكثر مما يُظَن في العادة، فهى كثيرةٌ جداً جداً جداً لكن فقط العوام هم الذين لا يعرفون هذا، فالعوام يظنون أن كل شيئ بخير وأننا وحدة واحدة وأن هذا يكفي وينتهي كل شيئ، ولكن مَن تعمَّق بل من شدا في العلم حروفاً وليس تعمق وإنما شدا فقط في البدايات البسيطة يعلم أن مسائل الخلاف كثيرةٌ جداً جداً وأنها موجودة، لكن الآن ما هو وزنها؟ هذه مسألة أخرى، فمسائل الاتفاق وإن كانت أقل إلا أنها ذات وزن أثقل بكثير وتكفي أحياناً في وحدة الطريق ووحدة التصور العام وليس الجزئي المُشخَّص.
نعود إلى ما كنا فيهـ إذن هذه المسألة لها أهميتها ولها خطرها، وبالتالي علينا أن نتناولها بجدية وبصرامة، وهى لا تعني التساهل واللاأبالية واللامُبالاة بل بالعكس، فالمُتسامِح إنسان جاد تماماً ولكنه سما – كما سأُوضِّح بعد قليل – في احترام الحقيقة وفي توقيرها وتبجيلها والبحث عنها، وذلك عكس ما يظن الناس!
وطبعاً أنا كلما ذكرت إشادة الإسلاميين بالذات ببعض المُتسامِحين من الغربيين واحترام هؤلاءِ الإسلاميين لهؤلاء المُتسامِحين أشعر بنوع من الضيق الداخلي وأقول هذا أمرٌ عجيب، فهم يُعجِبهم أن يتسامح الآخرون ولكن لا يُعجِبهم ولا يُغريهم أن يتسامحوا هم، وهذا شيئ عجيب، فالواحد منهم يقول لك هذا مُفكِّر مُمتاز ومُفكِّر عظيم ونبيل لأنه أنصف الإسلام والمسلمين وأنصف محمداً وأنصف القرآن وشهد لنا، فلم يبق إلا أن يترحموا عليه ولكن لماذا لا تشهدون أنتم أيضاً بالحقائق؟ لماذا لا تُقِرّون بها؟ لماذا لا تُحرِّككم عقلية نقدية وعقلية تحترم الحقيقة كما هى؟ هذا شيئ عجيب، وهذا لا يليق بمُفكِّر حقيقي هذا ولا بباحث عن الحق، فما أُحِبه من غيري لي لابد أن أبذله لغيري وفقاً للعدالة ولمبدأ العدل، فأنا أفرح بأن يدخل أحدهم في ديني وبالتالي علىّ ألا أُجنّ إذا خرج أحدهم من ديني لأنه حُر، فهذا ما دخل في دينك إلا لأنه حُر، وبالحرية هذا يُريد أن يخرج، فله كل الحرية والحق بما أنه لا يُؤرِّق ولا يُزلّزِل سلم المُجتمَع ولا يجنح إلى سلوكات يُمكِن أن تُؤثِّر على استقرار السلم الاجتماعي، وبالتالي لا اعتراض لنا تماماً وليس بيننا وبينه إلا شيئ واحد وهو الحوار والجدال بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، قال مولانا جلال الدين الرومي قدَّس الله سره “لا مُؤاخَذة على الأفكار، فالباطن عالم الحرية”، وهذا كلام جميل يصدر عن مثل هذا الفيلسوف الصوفي هذا، فهو يقول “لا مُؤاخَذة على الأفكار” بمعنى أنك لا تستطيع أن تُؤاخذني على أفكاري لأن أفكاري حُرة، واحد وحيد يستطيع أن يعبث بها وأن يتصرَّف فيها وأن يُغيِّرها إن أراد وهو الله – وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ۩ – فقط، أما غير الله فلا يستطيع، تقول الآية الكريمة إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ۩ فلا تستطيع حتى ولو مع حرصك على هذا، قال الله وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ۩، فأنت تحرص وتُريد وتبخع نفسك أو تكاد ولكنك لا تستطيع لأنهم لا يُريدون إذن انتهى كل شيئ، اتركهم وما اختاروا، ومن هنا تقول الآية الكريمة أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ۩.
إذن الآية المفتاحية هى لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، فلابد أن نجنح إلى الوضوح وأن نُوضِّح الأمور تماماً، لكن ما هى الزاوية التي أُريد أن أشرح من خلالها موضوعة التسامح؟ زاوية إطلاقية الحقيقة أو نسبية الحقيقة، فمُشكِلة جداً هذه المسألة في الشرق والغرب إلى الآن، والطروحات حولها مُستقطَبة ومُتضادة ومُتقابِلة ويُمكِن أن تستحيل إلى مُتحارِبة كما أشار سيد حسن نصر، وبالتالي ما الحل؟!
نحن نُقرِّر أن من حق كل أحد مسلماً كان أو غير مسلم أن يعتقد بأن ما ينتحله من عقائد وأفكار ومباديء مُطلَقة أنها عقائد مُطلَقة، هذا من حقه وبالتالي لا أستطيع أن أحرمه ذلك، لماذا؟ لأن هذا ينتمي إلى عالم الباطن، فهو يرى ذلك، هو يرى أن هذه الحقيقة هى الحقيقة المُطلَقة، تماماً كما لا مُؤاخَذة على الأذواق والمزاجات، فهناك مَن يرى أن هذا الشكل أجمل من هذا، ماذا ستفعل له؟ أنت لا تستطيع أن تُغيِّر مزاجه، هو يرى هذا، وكذلك هناك مَن أن هذا الشيئ طعمه أفضل من هذا وأذوق وألذ من هذا، وبالتالي لا تستطيع أن تفعل معه شيئاً، فلو أتيت بأرسطو Aristotle وأكبر المناطقة لا يستطيع أن يُقنِعه بغير ما يقتنع به.
هذا الإنسان يرى أن دينه هو الدين المُطلَق، وربما من خلال تأثيره فيه – تأثير الدين فيه من خلال الثمار – يجد نفسه إنساناً نفَّاعاً خيِّراً طيباً ودوداً مُتسامِحاً رحيماً عفواً صفوحاً حليماً فيقول أكيد هذا هو الدين الحق لأنه هو الذي أحالني إلى هذا المَلك في شكل إنسان دين حق.
قال تعالى لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ – فلا تقل هذا مسلم وهذا مسيحي وهذا يهودي لأن الله قال أن هذه المسألة لا يُنظَر فيها بالعنوانات، فلا يتعلَّق الأمر بالعنوان الذي تحمله أنت – مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ۩وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ۩،
أي أن الله يقول المعيار هو العمل، وعلى كل حال هو حُر، لكن نحن نقول ينبغي تقرير الحقيقة التالية، فما هى؟ الحقيقة هى أن مُعظم المُتدينين في العالم وعبر التاريخ يرون أن أدياناهم هى الأديان التي تُمثِّل الحق المُطلَق، وهذا من حقهم وهذا لن يتعارض مع التسامح، لماذا؟ سوف نرى لكن من الواجب عليهم ومن ما ينبغي عليهم أن يُقِرّوا بحقيقة موجودة وواقعية وهى أن من حق الآخرين أن يعتقدوا الاعتقاد ذاته في أديانهم، فأنت يهودي وترى أن دينك حقٌ مُطلَق وبالتالي من حقي أنا أيضاً ان أعتقد أن ديني حقٌ مُطلَق، ومن حق المسيحي والبوذي والهندوسي وأي أحد حتى لو من أصحاب الأديان الأرضية والوضعية والمذاهب والأيدولوجيات كأن يكون ماركسياً أو وجودياً أن يعتقد هذا، فهو حُر وبالتالي من حقه أن يرى أن هذا هو الحق النهائي إن كانت منظومته تسمح له بذلك، لكنبعضهم منظومته لا تسمح أصلاً بالكلام عن المُطلَق لأنها نسبوية تامة، وعلى كل حال هنا يبرز إذن معنىً يُعَد جديداً للنسبية، وهذه هى النسبية التي نُنادي بها، ولكنها نسبية ماذا؟ نسبية ادعاء امتلاك المُطلَق، فلا أحد يمتلك الحق المُطلَق وعنده طريقة قطعية جزمية يُبرّهِن بها على مُطلاقية الحق الذي عنده، والآن سيُكفِّرونني بهذه الجُملة لأنهم لن يفهموها بسهولة، لكن أنا أقول لكم أنه لا يُوجَد مسلم أو مسيحي أو يهودي أو أي أحد عنده طريقة يستطيع أن يُبرّهِن لك بها بشكل مُطلَق أن دينه حق، ولو وُجِدَ مثل هذا سينتهي معنى الدين، فالدين معناه الإيمان بالغيب، فهناك جزء من الدين إيماني، وكما قال سرن كيركجور Søren Kierkegaard “هو قفزة في المجهول في نهاية المطاف”، وهذا صحيح لوجود جزء من هكذا، فلا تقل لي أنا أستطيع أن أُعقلِّن كل شيئ في الدين بعقلي، هذا كلام فارغ وكذب، فمَن قال لكم هذا هو أكبر جاهل وأكبر مُدّعٍ وزاعم، هذا غير صحيح لأن عند حدود مُعيَّنة يقف العقل ويبقى التسليم والإيمان وينتهي الأمر، فإما أن تُسلِّم وإما أن لا تُسلِّم، أما أن تقول لي أنا أستطيع بعقلي وبثقافتي وبفلسفتي وبمنطقي أن أُعقلِّن كل شيئ في الدين – وهذه أكبر أكذوبة – وأما أن تفعل عكس هذا.
فإذن هذا غير صحيح، بالمُطلَق غير صحيح ولن آتي بأدلة على ذلك، ولكن هذا هو الواقعي، وعلى كل حال الله – تبارك وتعالى – شاء ألا يكون الأمر على هذا النحو، بمعنى أن يُبرّهِن أحدهم دينه بطريقة مُطلَقة، فهذا مُستحيل، ولذلك قال عز من قائل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ – هذه أعظم آية في الاجتماع الديني، فأشمل آية وأوسع آية لما يُعرَف بالاجتماع الديني هى هذه الآية من سورة الحج، ماذا عن هؤلاء الذين ذكرت يا رب العالمين؟ – إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ – لن يكون الفصل في الدنيا، فلن يستطيع أحد أن يفصل وأن يقول أنا سأُثبِت لكم أنني الدين الحق بالمُطلَق، فلن تستطيع أن تفعل هذا أبداً لأن المسألة متروكة لأشياء أخرى كثيرة مُعقَّدة ومُشتبِكة – إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۩، وإلى أن يفصل الله في هذه الاختلافات الملية فإنه تبارك وتعالى وفيما يتعلَّق بالأديان الوحيانية – أديان الوحي والشرائع السماوية التوحيدية الثلاث والصابئة تُلحَق بها – أعطانا لفتة عجيبة جداً جداً جداً، ومن ثم هذه الآيات ينبغي أن يُعاد النظر فيها وأن يُعاد تأويلها وقراءتها من جديد لأنها لم تُقرأ إلى اليوم القراءة التي تستحقها، وهذا موضوع طويل وإشكالي، لكن على كل حال الله قال في الآية الثانية والستين من سورة البقرة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ – الله يتحدَّث عن المسلم واليهودي والمسيحي والصابئي، وبالتالي علينا أن ننتبه إلى أن المسلم منهم، فماذا عن هؤلاء إذن؟ – وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، وهذه آية عجيبة ومُخيفة.
قال الله قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ – ستظلون كتابيين وسنظل كما نحن مسلمين مُوحِّدين مُحمَّديين وبالتالي سنلتقي في نصف الطريقة على الحقيقة أيضاً وليس على حل وسط Compromise وإنما على حقيقة ما، فما هى؟ – أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ۩، فلا امتيازات لأحد حتى ولو كان رُسلاً فضلاً عن أن يكونوا رُهباناً وقساوسة وباباوات ورجال دين أو أن يكون الواحد منهم مُفتياً أو قاضياً، فلا امتياز لأحد أن يُكرِه الناس في الدين على عقائد لا ينتحلونها ولم يقتنعوا بها ولم يستروحوا إليها، لا امتياز لأحد ولا حتى لرسول الله، لماذا؟ لأنه مُجرَّد مُبلِّغ وليس مُسيطراً، قال الله فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ ۩ وقال أيضاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، كأن الله يقول له هل تظن أن لك صلاحية أن تُكرِه الناس؟ ليس لك هذه الصلاحية، ولكن هل تعرفون لماذا؟ لأن هذه الصلاحية حتى الله – تبارك وتعالى – لم يختص ذاته العلية بها ولذلك قال أنا هنا لن أتدخَّل في خياراتكم الملية وسأُطلِق لكم الحرية تماماً وبالتالي اختاروا ما تشاءون وعما تختارون ستُسألون ولكنني لن أتدخَّل، تقول الآية الكريمة إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ۩ وتقول الآية الكريمة الأُخرى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ ۩ ولكنه لا يشاء ولا يُريد، وبما أنه لم يختص ذاته القدسية العلية بهذا ينبغي ألا يكون هذا من حق محمد أو من حق البابا أو من حق المُفتي أو من حقي أو من حقك أو من حق أي أحد.
إذن اترك الناس وما اختاروا لأنفسهم لأن هذا هو الطغيان الذي أُمِرنا أن نكفر به، لكن ما هو الطغيان أولاً؟ الطغيان هنا هو أن يغتصب بعضُ رجال الدين وبعضُ البشر وبعضُ الساسة وبعضُ الخلق صلوحيات الله – تبارك وتعالى – لم يختص ذاته بها، ومع ذلك نجد أنهم يغتصبونها بالفعل ويقولون “نحن نُريد أن نُطوِّعكم لعقائدنا وأن نُلجئكم بكل أساليب الإكراه الضمنية والمُباشِرة لها، فبما أنك لست معنا لن يكون لك شيئ وستُحارَب ولو رمزياً”، وهذا – والله – إكراه وستُسأل عنه يوم القيامة، فلا يجوز لك هذا.
عمر حين جاءته نصرانية – علماً بأن القصة قلتها لكم أكثر من مرة – وأنصفها في قضيتها ثم عرض عليها الإسلام قال أستغفر الله، ثم دعا بها وقال أكرهتك؟ أي أنه خاف من أن يكون في عرضه عليها الدين بعد أن أنصفها وأعاد إليها أرضها وحقها كإنما أكرهها، فقال لها أكرهتك؟ أي أنني أسحب دعوتي لأنك حُرة، ولكن أنا فقط قلت هذا من باب حُب الخير لكِ.
فعمر يفهم أن ليس هذا هو الوقت المُناسِب لأن تدعوها إلى الإسلام، لأنت أمير المُؤمِنين وأعلى سُلطة تنفذية في الدولة وأعلى سُلطة رمزية أيضاً وفي نفس الوقت أنت تُعيد إليها حقها الآن وتُنصِفها وبالتالي لا ينبغي أن تُغريها بدينك، فليس هذا الوقت المُناسِب لأن هذا سوف يُعَد نوعاً من الاستغلال، ومن هنا قال له أكرهتك؟ فهو بعد أن عرض عليها الإسلام عاد وأستغفر الله، فهذا هو عمر رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.
فلا ينبغي لنا أن نُكرِه أنفسنا بألف سبب وسبب وبألف صورة وصورة على أن نتبنَى مُتبنيات البعض دون البعض وقد لا تكون في أس العقيدة بل قد تكون في فروع الفكر والسياسة والإدارة، وهذا شيئ عجيب ومُحزِن، فهل إلى هذا المُستوى نحن قد تدلينا؟!
إذن هذا هو الطغيان الذي أُمِرنا أن نشجبه وأن نُحارِبه وأن نتصدَّى له، قال تعالى فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ۩ وقال أيضاً لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وأنتم تعرفون أن من ضمن معاني الطاغوت الطغيان، وأعظم صور الطغيان أن ترى لنفسك هيمنة على عقائد الناس وهذا لا يجوز، قال الله اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ۩، فماذا قال فرعون؟ قال مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ۩، فلا رأي لكم غير رأيي ولا رأي لكم قبلي وبعدي أبداً، فرأيكم هو رأيي وينتهي الأمر، وهذا شيئ عجيب، لكن هكذا هو الطغيان وهكذا هو الطاغية، وهناك آية كريمة تقول قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ
فممنوع عليه أن يعبد الله لأنه يرى أنه يُعبَد وحده، وهكذا هو يغتصب صلاحيات الله ثم يدّعي بعد ذلك الربوبية والعلو على جميع الخلق والأمة والشعب، وهذا شيئ غير معقول، تقول الآية الكريمة قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ ۩، وهذا أمرٌ عجيب، فهل في الإيمان استئذان؟ القلب آمن وبخع وخشع وأذعن فكيف له أن يطلب إذناً من أحد؟ ومع ذلك قال هذا ممنوع فلابد أن تُعوِّد قلبك على أن يستأذن الفرعون الطاغية، لكن الله قال هذا ممنوع وهذا الطغيان لابد أن يُشجَب، وهذا الطغيان مذكور آية آل عمران، قال الله وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ – لأن كما قلنا الإسلام المُطلَق لله – فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ۩، فلا يُوجَد بشر له الطاعة المُطلَقة بغير قيد أو شرط أبداً، هذا مُتألِّه كذوب وفرعون حقير، لذلك النبي حين بعث إلى هرقل قال له من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم أسلم تسلم، يُؤتك الله أجرك مرتين، إلى أن قال له وأتى له بهذه الآية من سورة آل عمران قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ۩، ثم قال فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، فما أعظم هذا الحديث، علماً بأنه في الصحيح، لكن على كل حال النبي قالفإن عليك إثم الأريسيين، والتفسير الوحيد الذي يُريح النفس ويُريح الباحثين أن الأريسي هنا بمعنى الأريوسي، نسبة إلى آريوس Arius طبعاً، لكن ذهب المُفسِّرون بحسب معرفتهم طبعاً في الأحقاب السابقة وتهوَّكوا قائلين أن معنى أريسى من المُمكِن أن يكون الفعلة أو الفلاح أو عملة الأرض أو عبيد الأرض أو أقنان الأرض، لكن ما علاقة هذا بهذا؟ ما دخل عبيد الأرض في مسألة الدين؟ لكن الصحيح هو أن النبي يعلم أن آريوس Arius وأتباعه من اليونتريين أو المُوحِّدين قد اضطُهِدوا وعُذِبوا وحُرِّقت دواوينهم وكتبهم وظلوا مُشرَّدين في أسقاع الأرض ومعمورها ومهجورها وأصبحوا قلة مُستوحِشة، علماً بأن إلى اليوم يوجد هؤلاء اليونتريون أو المُوحِّدون، فهم موجودن حتى الآن!
وعلى ذكر ليسينج Lessing لابد أن نذكر أن ليسينج Lessing في القرن الثامن عشر أعاد الاعتبار إلى مُوحِّد مسيحي في القرن السادس عشر إسمه آدم نويزر Adam Neuser، وهذا الرجل كان مُوحِّداً، أي يونيتاري نسبةً إلى Unitarian، ثم بعد ذلك – سبحان الله – قاده إيمانه بوحدة الله وبوحدانية الله وشجب وإنكار التثليث إلى الإسلام، فأسلم وهرب إلى القسطنطينية، وطبعاً قامت الدنيا ولم تقعد عليه وعلى أهله ومعارفه، ثم جاء في القرن الثامن عشر ليسينج Lessing وقال “إن الخُطوة التي اتخذها آدم نويزر Adam Neuser في القرن السادس عشر منطقية تماماً إذا نظرنا إليها من وجهة نظر الثيولوجي Theology”، أي نظرة عقدية كلامية، فليسينج Lessing قال لهم أن الرجل كان مُوحِّداً وبالتالي كان الإسلام أقرب إليه من تثليثكم، ومن ثم لا مُشكِلة في هذا، لأن هذا هو منطق الرجل، وهو رجل مُتسِق مع نفسه وغير مُتناقِض مع نفسه، فأعاد ليسينج Lessing إليه الاعتبار مرة أُخرى.
إذن النبي يقول لهرقل فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، فمَن هم الأريسيون؟!
المُوحِّدون من المسيحيين الذين أبوا أن يقولوا بالتثليث Trinität، ولكن الذين جعلوا أنفسهم أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ۩ لاحقوهم بالاستئصال والإخراج من الأرض والتعذيب والتهييج، لكن النبي كان يقول دائماً نحن نُريد أن تكون الحرية مكفولة للجميع.
للأسف ذهبنا عن موضوعتنا، ومن ثم نعود لكي نقول بكلمة واحدة أن الطبيعة الإنسانية الأولى في نظر هوبز Hobbes – توماس هوبز Thomas Hobbes – حرب الكل على الكل، وبالتالي صدِّقوني في أن المُقابِل الثقافي لهذا الموقف الطبيعي هو التسامح أو التعارف بالمنطق القرآني، وهو دفاع الكل عن الكل وضمان الكل للكل، ولذلك قال فولتير Voltaire كلمة ويا لها من كلمة وما أعظمها من كلمة حيث قال “اختلف معك في رأيك – أختلف تماماً لأن رأيك غير رأيي – ولكنني مُستعِد أن أُقاتِل حتى الموت – أي أن أُقاتِل وأموت – من أجل أن أُوفِّر لك الفرصة لتُعبِّر عن رأيك”، الله أكبر، ما هذه العظمة؟ هذه العظمة مسبوقة في القرآن بشكل واضح، فلا تقل لي مسبوقة في الفكر الإسلامي بشكل واضح وإنما في القرآن وفي النص المُؤسِّس المُقدَّس، تقول الآية الكريمة وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ ۩، والآن بالله عليكم اتركونا من ابن تيمية والطبري وفلان وعلان والقرافي والقرضاوي ومن كل علمائنا مع احترامنا وحبنا وإجلالنا لهم وقولوا لنا هل هذه الآية تُفهِمكم أن الله كان حريصاً أو غير حريص على أن تبقى دور العبادة في الأرض؟
هذه الآيدة تدل على أن الله كان حريصاً على أن تبقى دور العبادة في الأرض، فالله يقول أنا حريص على هذا وأُريد لهذه الدور أن تبقى، ولذلك قال وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ۩، أي أنه يقول أنا خلقتهم للاختلاف لأنني أريد هذا، أُريد أن يبقى الاختلاف موجوداً وبحرياتهم وباختياراتهم وبإرادتهم الحرة.
قال الله وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ۩ وقال أيضاً في سورة المائدة لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةًوَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۩، فمن الواضح جداً أن الله يُريد هذا، فقدراً مُراد لله وشرعاً مُراداً له، ولذا قال لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، لكن هل نظن أننا فهمنا هذه الآية جيداً؟!
هذه الـ (لَا) في قوله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ هى نافية للجنس، وبالتالي علينا أن ننتبه وأن نفهم الآية نحويا، هذه الـ (لَا) في قوله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ هى نافية للجنس، ومعنى كونها نافية للجنس أن خبرها منفيٌ عن جنس إسمها، فماذا يُصبِح معنى الآية إذن؟ يُصبِح المعنى هو لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ هى نافية للجنس موجودٌ، فنفى وجود جنس الإكراه في مسألة الدين والاعتقاد، ولذلك هذه الآية أفادتني – كما قلت لكم – في أننا ينبغي أن نتفطَّن لا إلى شجب وإدانة وجوه الإكراه المُباشِرة فقط وإنما أيضاً نضم إلى ذلكم شجبنا وإدانتنا للوجوه المُضمَّنة وللوجوه الضمنية للإكراه، فأي شيئ يُمكِن أن يشي ويبوح بالإكراه هو مشجوب،لماذا؟ لأن الله عبَّر عن ذلك بالـ (لَا) النافية للجنس، بمعنى لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ موجودٌ، فهذا لا يُوجَد إذن، علماً بأننا لن نخوض في تفسير الآية وهل هى تكوينية خبرية أم إنشائية أمرية لأنهذا يحتاج إلى إلى وقت لا نملكه الآن، فنعود حتى نُحوصِل: ما هو الحل الذي أقترحه؟!
ببساطة الحل هو أننا نُؤمِن بنسبية المسألة ولكن ليس من جهة أن الحقيقة في ذاتها نسبية بمعنى لا حقيقة مُطلَقة، فهذا مُستحيل ومن ثم سوف هنا يضيع الدين، سواء كان دين الإسلام أو غير الإسلام، لكن من جهة أن من حق كل المُتدينين أن يُؤمِنوا بأن طرحهم وبأن عقيدتهم تُمثِّل حقيقة مُطلَقة، فالحقيقة في ذاتها مُطلَقة وواحدة، فهى ليست مُتعدِّدة إلا إذا أخذنا بميكانيكا الكم وقطة شرودنجر Schrodinger وهذا شيئ ثاني وموضوع ثانٍ ليس له علاقة بالأديان، وعلى كل حال الحقيقة في ذاتها مُطلَقة وواحدة، ولكن – كما قلت لكم – لا يُوجَد أحد يستطيع أن يُبرّهِن امتلاكه الحقيقة المُطلَقة وبشكل مُطلَق، فلا يستطيع أن يفعل هذا أبداً وإنما هو فقط يُقارِب ذلك، ولذلك ما هى النتيجة؟ علماً بأن هذا لا يُعجِب أي مُبشِّر سواء كان مسيحياً أو مسلماً – اليهود ليس عندهم أي تبشير على كل حال – طبعاً، المسلمون والمسيحيون لأنهم ينتمون إلى ديانات تبشيرية لا يُعجِبهم هذا ومن ثم قد يقول لك بعضهم مُعترِضاَ “أنت تُفوِّت علينا الفرصة أن نحمل الناس أو أن ندعو الناس إلى الدين الحق المُطلَق” وهذا غير صحيح، فهذه الفرصة مكفولة للجميع يا أخي، ولكن ليس بالإكراه وإنما بالنقاش والحوار، فالله حين يقول على لسان رسول وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ۩ كأنه يقول “أنتم تعتقدون امتلاككم الحق وأنا أعتقد امتلاكي الحق، فقد أكون مُخطئاً وقد تكونون، وقد أكون مُصيباً وقد تكونون، فلا ندري”، وهذا أمر طيب، لكن ما هذه الحالة؟ هذه ليست حالة لاأبالية وليست أبداً حالة غير مسئولة في توجيه الأمور أو في وصفها، هذه حالة مسئولة تماماً فهى تندرج تحت أعظم درجات المسئولية، لكن لماذا؟ لأن هذه الحالة تقول لك إذا أدركت أن الوضع كذلك – الكل يدّعي أنه يمتلك الحقيقة المُطلَقة – إذن لا يبقى بينكم من سبيل إلا التحاور والتعارف، قال الله وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۩، ومن هنا أنا أقترح مُصطلَح التعارف وليس التسامح، فمُصطلَح التعارف أجود وأحسن من مُصطلَح التسامح عشر مرات على الأقل.
الفيلسوف والأديب والعالم الألماني الشهير جوته Goethe – صاحب فاوست Faust – ماذا يقول؟ يقول “أساساً لا ينبغي أن يكون التسامح موقفاً مُؤقَّتاً”، أي لا ينبغي أن يكون بلغتنا موقفاً تكتيكياً فأتسامح وأطلب التسامح ما دمت ضعيفاً، فإذا أصبحت قوياً فأنا أشجب التسامح، فهذا لا يصح – كما قال – لأن التسامح ينبغي أن يكون من الكل، من الضعيف ومن القوي ومن الذين في سدة السُلطة ومن الذي في قبضة السُلطة، ثم قال “والتسامح في نظري – يُعرِّف التسامح – هو الاعتراف، أما التحمل فإهانة”، وهذا الكلام يُعتبَر كلاماً جميلاً جداً، فجوته Goethe يقول أن التحمل إهانة، فأنت حين تُطالِبني أن أتحمَّلك وأن أضغط على أعصابي فإنك تُهينني، لكن عليك أن تعترف بوجودي وبحقي في الوجود وبحقي في أن يكون رأيي مُختلِفاً وأن تكون عقيدتي مُختلِفة وبحقي أن أُفكِّر وأعتقد كما أريد وبأن أُعبِّر أيضاً وأن أُبشِّر بأفكاري.
للأسف أدركنا الوقت وسوف أختم الآن قائلاً أن قبل أسبوع جرى بيني وبين أحد أحبابي حوار سريع حُسِمَ في دقيقة، حيث أنه كان يقول لي أنه قلق من هذه الحالة – حالة الفوضى والسيولة الأعلامية والفضائية والتبشيرية في الفكر الإسلامي والعربي عموماً الآن – الموجودة، فالكل يتكلَّم – وهذه الحالة موجودة فعلاً – كما يشاء، كل مَن هب ودب وكل مَن يعرف وكل مَن لا يعرف ومَن قرأ كتاباً يتكلَّم ومَن قرأ مائة ألف كتاباً يتكلَّم، وهذا شيئ عجيب، ثم قال لي أنا أقترح أن نفرز الحسن من الرديء ثم … فقلت له قبل أن تُكمِل، هذه مُصيبة، فأنت تقترح الآن كارثة، إياك أن تفرز شيئاً، فقال لي فما الحل إذن؟ هذا الفضاء قلّقِل للناس عقائدهم وبالتالي الكل يتكلَّم سواء كان مِمَن يُحسِن أو مِمَن لا يُحسِن، لكن العامة لا تعرف أن تُميِّز، فهو فقط يسمع القليل ثم يظن أنه كفاءة وأنعنده لياقة التكلم في الدين والعلم والسياسية ، وهو ليس من ذلك في قبيل ولا دبير، وبالتالي ما الحل؟ قلت له الحل بسيط ولكن الناس لا يُحِبون البسيط، وإنما يُحِبون القصير الفعَّال وإن كان غير صحيح، ولكن نحن نُحِب الطويل الفعَّال وإن كان طويلاً وإن كان يتقاضى زمناً أحياناً، فالحل هو أن نُتيح الفرصة على سواء للكل أن يتكلَّم، فكل مَن أحب أن يتكلَّم وعنده فرصة أن يتكلَّم دعوه يتكلَّم ودعوه يكتب ودعوه يُبشِّر ودعوه يُناظِر ودعوه يُناقِش، فقال لي وما النتيجة؟ فقلت له النتيجة بسيطة جداً جداً ويُبرّهِنها التاريخ باستمرار والواقع حيث ستتبلوَّر شروط الانتخاب الفكري والثقافي ولكن دون إكراه، فعلينا أن ننتبه إلى أن الإكراه يُمنَع على الجميع، وبالتالي ممنوع على أي أحد يُمارِس الإكراه، فحين تتكلَّم و تخرج وتحكم على الناس بالكفر والزندقة والهرطقة وتشك في وطنيتهم وما إلى ذلك فإننا سوف نمنعك من هذا، فهذا ممنوع لأنه إكراه، فأنت تُكرِه الآخرين أن يُصدِّقوا رأيك في فلان وعلان وهذا لا يجوز لأن هذه خديعة للناس، وبالتالي تكلَّم بحديث وصفي لا قيمي ولا تُطلِق أحكام قيمة!
هنا يبرز علم الكلام عندنا أو علم الفرق الذي كتب فيه أهل السُنة وغير أهل السُنة مثل الشهرستاني وابن حزم والبغدادي وغيرهم، لكن للأسف هذا العلم كاد يتحوَّل إلى علم تكفيري،
الفخر الرازي – رحمة الله تعالى عليه – يكتب في الرسالة البخارية – وبحق ما كتب – مُنتقِداً عبد القاهر البغدادي “أنت أمضيت آراء ونسبت إلى الفرق الأخرى آراء ومُنتحَلات لا يقولون بها”وهذا لا يجوز، هذا نوع من الكذب هذا على الناس، فأنت تتكلَّم عن الخوارج وعن المُعتزِلة والشيعة والإباضية وأنت تكذب عليهم وهذا لا يجوز، وعلى كل حال هذا كاد أن يتحوَّل إلى أحكام قيمة وحكم على الناس وهذا لا يجوز.
اعرض رأيك كما هو وبرّهِن عليه بما تُريد دون أن تُطلِق أحكام قيمة على الآخرين ودون أن تُكرِهني ودون أن تخدعني بآرائك لأن عليك أن تتركني، ومن ثم – أنا أقول لكم وأضمن لكم هذا – بعد حين من الدهر ستتبلوَّر الشروط الحقيقية للانتخاب الفكري والثقافي، والناس سيعرفون أن هذا هو الأقرب إلى الحق وأن هذا أبعد منه، علماً بأنني لا أُحِب أن أقول أن هذا هو الحق وأن هذا هو الباطل وإنما أقول هذا هو الأقرب إلى الحق وهذا هو الأبعد منه، وفي النهاية لن يبق في الساحة إلا مَن يُحسِن، وهكذا يُصبِح المُجتمَع مُعافى لأنه الآن غير مُعافٍ حقيقةً، فمُجتمَعنا العربي الثقافي غير مُعافٍ، فهو مُجتمَع مسكين ومخدوع ومضحوك عليه، فالكل يُصدِّر نفسه فيه على أنه مُفكِّر كبير ومُجتهِد وعلَّامة الإسلام ومُنقِذ الأمة، وهذه مُصيبة ولكن هذه المُصيبة ستُفضي – إن شاء الله – إلى حسنة جميلة شريطة أن تتركوا الشروط لكي تُبلوِّر.
جون ميلتون John Milton في وقته كتب إلى مجلس العموم البريطاني – علماً بأن الحديث كان عن الصحافة وتقييد الصحفيين – قائلاً “اتركوا الآراء تعصف في الميدان، إهانةٌ – ما أجمل هذه الكلمة – للحقيقة أن تخافوا عليها من الزيف”، فالحقيقة لا يُخاف عليها، ولذلك أنا قلت مرة على المنبر “الله لا يخاف النقاش” فلا تخافوا إذن، لأن على قدر ثقتنا بأنفسنا وثقتنا بحقية ما ننتحله من اعتقاد سوف ندعو إلى الانفتاح والنقاش وسوف نقول أننا سنُبشِّر وسندع الكل يُبشِّرون بما يُريدون، سواء كان هذا مسيحياً أو ماركسياً أو مُلحِداً، فهذا لا يعنينا، وفي النهاية ستكون العاقبة لمَن كان إلى الحق ومن الحق بإذن الله تبارك وتعالى، قال الله وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ۩ وقال أيضاً وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ ۩، فمن هذه الزاوية أفهم مسألة النسبية، ولكن نسبية ماذا؟ نسبية مواقف البشر من الحقائق، فالمواقف مُختلِفة وليست واحدة، فإذن هذه النسبية نُؤمِن بها ولكن لا على الطريقة الغربية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله – تعالى عليه – وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد إخواني وأخواتي:
آية لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ تتلمَّح مسيرةً يرتفعُ بها المُجتمَع الإنساني والمُجتمَع البشري إلى أن يصير الإنسان يعبد ربه اختياراً وطوعاً لا كرهاً، فتنتفي كل مظاهر الإكراه – كما قلنا – المُباشِرة وغير المُباشِرة لأن الله قال لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، لكن للأسف جماعة من علمائنا في القديم والحديث ذهبوا إلى أن الآية منسوخة وقالوا “هذه الآية منسوخة، ومن ثم نحن نُكرِه الناس على الإسلام بالسيف ونُقاتِل مَن أبى”، ما شاء الله على الفقه العظيم والتفسير الأعظم، كيف تقولون بمنسوخية الآية ولا سبيل إلى نسخ علة الحكم في الآية؟
في الحقيقة وللحق الآية أقرب إلى أن تكون إنشائية، لماذا؟ لما عقَّب به من قوله قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، فلو كانت تكوينية أو لو كانت تُشير إلى حالة تكوينية من حيث هى لما كان لهذا التعقيب معنى، وبالتالي علينا أن ننتبه إلى أن الأرجح هو أنها إنشائية، وعلى كل حال الأمر قريب!
قال الله قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، فهل تبيُن الرشد من الغي مسألة قابلة للنسخ؟ هذا مُستحيل، قال الله وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ ۩، فالإسلام أو القرآن في نظر مُنتِحليه فعلاً حقٌ مُتبيِّن بفضل الله تبارك وتعالى – في نظرنا على الأقل وليس في نظر غيرنا – وبالتالي هذه المسألة في اعتقاد المسلم لا تقبل النسخ، إذن علة الحكم غير منسوخة وبالتالي يستحيل أصولياً أن يُنسَخ الحكم، لأن من قواعد الأصول أنك إذا أردت أن تنسخ الحكم لابد أن تنسخ سببه وأن تنسخ علته، فإذا استحال نسخ علته يستحيل نسخه قولاً واحداً عند كل الأصوليين ولا أقول عنده جمهرتهم، فالقول بالنسخ هنا مُجازَفة لا تُراعي قواعد الأصول الحرية بالمُراعاة، إذن هذه الآية تتلمَّح هذه المسيرة التي يصل فيها للإنسان إلى أن يعبد الله طوعاً لا كرهاً، ولذلك تقول لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، فإذا أردنا أن نخدم الدين وأن نخدم الحقائق الدينية والمِلية علينا فقط أن نُبيِّن وأن نُبلِّغ وأن يكون بلاغنا مُبيناً – الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ۩ – وأن نتوسَّل أساليب العصر أيضاً ولغات العصر ومنطق العصر وآليات العصر، لا أن نُعيد إنتاج الخطاب القديم -ولكن بلغة صحفية عصرية أبداً، فعلينا أن نُؤدِّي الشهادة على عصرنا إذن، وهذه المُهِمة تحتاج إلى رجال وليس إلى أصحاب الدعاوى والمزاعم وكل مَن يرى في نفسه لياقةً وليس هو هناك.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: