إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۩ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۩ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ۩ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

قبل حينٍ من الزمن وقف قياديٌ إسلاميٌ بارز في حركةٍ إسلاميةٍ سياسيةٍ بارزة يعدُ جمهوره وكأنه يُنذِر في الوقت عينه الآخرين من المُعارِضين قائلاً هذه الانتخابات إذا نجحنا فيها ووصلنا إلى سُدة الحكم فستكون آخر انتخابات، ديمقراطية المرة الواحدة، كأنه يثول نُؤمِن بالديقمراطية فقط لمرةٍ واحدة إذا هى أوصلتنا إلى سُدة الحكم وإلى كرسي الحكم، ستكون المرة الأخيرة!

واستمعوا إلى التبرير، لماذا؟ قال لأن الله – سبحانه وتعالى – هو الذي سيحكم بعد اليوم، لم يقل حتى سنحكم بإسم الله، وإنما قال الله هو الذي سيحكم، أليس حكم الله واضحاً مزبوراً وفي كتابه مسطوراً؟ نحن نستلهم بل ننطق بهذه النصوص، فهذا ليس مُجرَّد استلهام، إنه إفراغ مُباشِر، صدور عامد مُباشِر عن هذه النصوص، فإذن نحن نتكلَّم بإسم الله، فهو يقول الله هو الذي يحكم، وهذه صيغة مُخيفة جداً، والآن حين نقول هناك مَن ورَّطوا شبابنا وشوابنا وورَّطوا أمتنا وورَّطوا ديننا وفهمنا وخطابنا في مثل هذه الورطات فهذا واقع، وهذا ليس قيادياً بسيطاً أو مغموراً، هو قياديٌ بارزٌ جداً في دولة عربية كبيرة، وطبعاً انتهى الأمر للأسف بأهل بلده إلى مقاتل ومذابح مُتوالية ذهب ضحيتها ربما أكثر من ثلاثمائة ألف، ليس هو السبب وحده ولكن بلا شك أمثال هاته الخطابات وأمثال هذه العقليات ساهمت في المجزرة وساهمت في المذبحة!
قبل يوم أو يومين طالعنا  اليوتيوب YouTube – ماذا نقول؟ على هذا الفضّاح الكبير، فظيع هذا اليوتيوب YouTube، هذا الاختراع مُهِم، ليُمسِك امرؤٌ لسانه، لم يعد بالإمكان أن يتكلم الإنسان ثم يقول لم أتكلم ولم أقصد ولم أعن، لأننا سنستمع إلى ما قلت، لقد قلت بشكلٍ واضحٍ جداً – بأحدهم وهو يقول الذي لا يعلمه الناس –  يعني المسلمين – أن حكم جبهة الإنقاذ – الجبهة المُعارِضة في مصر التي تضم البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي وما إلى ذلك – التي تُريد الوصول إلى كرسي الحكم والتي تُريد أن تحرق مصر في كتاب الله أو في دين الله القتل، فهو قال حكمهم القتل وغضب جداً مِمَن قطعه كأنه يقول له اربَعْ عَلَى ظَلْعِكَ، يا رجل أنت على الهواء مُباشَرةً، لكنه غضب جداً لأنهم قاطعوه وقال معي الدليل، والرجل يتباهى جداً بأن معه شرح النووي على مسلم، وكأن مثل هذه الفتوى المُخيفة المُرعِبة على الهواء مُباشَرةً يشفع لها أن عنده شرح ابن حجر أو شرح النووي أو الأُبي أو السنوسي أو كل الشروح حتى أو كل المكتبة الإسلامية، لكن يُمكِن أن يقول لك عيل بسيط أنا عندي المكتبة الألفية، عندي أكثر من ألف وخمسمائة كتاب في علم السُنة إذن فإذن اُفتي بما أُريد، لكن ليس هذا، عجيب هذا المُستوى الذي صرنا إليه، وطبعاً في المُقابِل – انتبهوا فالوضع كله مأساوي وقابض ومُحزِن وفوضوي وكارثي – لا ننسى الذين أيضاً يتظاهرون هنا وهناك يُطالِبون برأس الرئيس مرسي، فما هذا؟ ما هذه المطالب الإجرامية؟ ما هذه الفوضى؟ هل تُطالِبون برأس الرئيس وأيضاً على الهواء مُباشَرةً؟ لكن  تحمى أنوف أُناس هنا وتبرد هناك, مَن أحب مصر ومَن أحب الأمة ومَن أحب الإسلام عليه أن يُحِب الحقيقة وأن يلتزم على الأقل بالصدق، قد يقول لست أعرف الحقيقة ولست أدعي امتلاكها ولذلك لا يُمكِن أن أعدكم بأن ألتزم بالحقيقة، وهذا جيد جداً ومُمتاز، تواضعٌ مشكور ومقدور لكن عليك أن تعدنا أن تلتزم بالصدق وبالعدل، الله يُحِب الصدق ويُحِب العدل، وعلينا أن نتعلم أن نُحِب بلادنا أكثر مما نُحِب أنفسنا وأحزابنا وطوائفنا ودوائرنا الضيقة ومصالحنا، لكن الواضح جداً للأسف الشديد أن أكثر هؤلاء يُحِبون أنفسهم أكثر مما يُحِبون بلادهم ويكرهون بعضهم البعض أكثر مما يُحِبون بلادهم، كراهية الطرف للطرف الآخر تُربي أو تربو وتزيد على حبهم لأوطانهم ولذلك يذهب الوطن ضحية، والوطن ليس مُجرَّد أرض، الوطن أُناس وملايين يُوعَدون الآن بالمذبحة، فهذا وعد بالمذبحة، وقبل أيام أيضاً طالعنا هذا الفضّاح المشكور – اليوتيوب YouTube – بأحدهم الذي لا نعلم مَن هو  لكن واضح من هيئته وشكله أنه ينتمي إلى التيارات الدينية لأنه بلحية طبعاً والخطاب والمُعجَمية واضحة جداً ما شاء الله لكن المُعجَمية لا تشي بشيئ من فهم الإسلام ولا الولاء لروح الإسلام – صدقوني واسمعوه – وإنما تشي بشيئ واحد وهو الكره، هو قال أنا أُريد أن أُنفِّس عن نفسي، أي أُريد أن أُحفِّزكم بالغيظ في قلبي، فهناك كره شديد جداً لكن بإسم الدين، ويقول لك الحب في الله والبغض في الله على النحو الذي يفهمه وعلى النحو الذي يُبرِّر به المجزرة والمذبحة.

 نجيب الشابي في تونس مطلوب رأسه، هناك مَن يقول نُطالب برأسه ويُحرِّض على القتل علانيةً، وكذلك الحال مع شكري بلعيد تقريباً الذي قُتِل، فهناك مَن قال نُطالِب برأس نجيب وبرأس شكري بلعيد وأمثالهما، وهذا عجيب يا أخي، ما هذا؟ تخدمون ماذا أنتم؟ تصدرون عن ماذا؟ ماذا تُريدون ؟ أنا أقول لكم هم يُريدون شيئاً واحداً وهو  تقسيم الأوطان، أن تذهب بلادنا في مليون بل في ستين مليون داهية، وأنا أقول لكم إذا استمر الوضع على ما هو عليه فهى ذاهبة، لست أُؤمِن بمنطق التفاؤل والتشاؤم السديمي، فلا أعرف لماذا أنا مُتفائل ولا أعرف لماذا أنت مُتشائم، ولكن أُؤمِن بالتفاؤل والتشاؤم العقلاني، بمعنى أن الذي يرى الأوضاع هى كما هى، هذه الأوضاع تعمل في اتجاهين مُتعارِضين بالقوة ذاتها، وهذه الأوضاع الآن يُمكِن أن تبعث على التفاؤل بمقدار ما تبعث على التشاؤم، إذن هى مُحايدة بهذا الاعتبار، فما الذي يجعل هذا مُتفائلاً إذن؟ أنه يمتلك رؤيةً ما لعلاج هذه الأوضاع ويعمل عليها ويرى استجابة ولو من قطاع من المُجتمَع لها، فالآن لو سألتموني هل أنت مُتفائل بمُستقبَل الأمة يا عدنان؟ سوف أقول نعم مُتفائل، رغم أن نبرتي انتقادية حادة جداً ومُتحسِّسة لكنني مُتفائل، هل تعرفون لماذا؟ لأن هذه الأمة أنجبت أبناء وبناتٍ بالملايين زهقوا وملوا وبالعامية طفشوا وكفروا بكل هذه الصيغ الجامدة الخشبية المُحنَّطة التي أورثتنا التفرقة والذل والهوان الذي نحن فيه، فهم زهقوا وطفشوا وملوا وسئموا من هذا الاستغباء والاستحمار والاستغلال لهم ولدينهم ولأوطانهم أيضاً  من أجل خدمة مصالح ودوائر ضيقة وضيقة جداً، فالشباب واعون بفضل الله، ومعظمهم شباب جامعي مُتعلِّم، وطبيعي أن ننتظر هذا من المُتعلِّمين، فسبحان الله، سبحان مَن خلق الشباب،كم أُحِب الشباب، الشباب طاقة من الحماس وطاقة من الصدق والآن هم طاقة من الوعي، الكبار لا تُعوِّلوا عليهم كثيراً لأن الكبار كفروا بأنفسهم وببرامجهم، كفروا بسعيهم وجهدهم وجهادهم لأنه فشل وآمنوا الآن بمصالحهم إلا مَن رحم الله، فكل يدور على مصلحته، أما الشباب فلا، الشباب أمره عجيب، لديه طاقة وقدرة ونزوع إلى التضحية وإلى العطاء – ما أجمل العطاء – أيضاً، حفظ الله شباب الأمة العربية وشباب الأمة الإسلامية ونفع بهم الدين والأوطان وأرسى بهم قواعد الأمن والإيمان والسلامة والاستقرار، فبلادنا تُريد مزيداً من الاستقرار ومزيداً من المحبة ومزيداً من الأخوة ومزيداً من الترابط وليس مزيداً من التشظية والشرذمة والتشعيع والتمزيق والتفرقة،وللأسف لا أدري بعد كم يوم – بعد يومين أو أسبوع أو أسبوعين – يُقتَل شكري بلعيد بطريقة مأساوية، طريقة مُنكَرة فاحشة، يُقتَل الرجل ويُسيح دمه في الشارع مُباشَرةً في ثوانٍ، وطبعاً لا يدري أحد  هل الذين قتلوه قتلوه استجابةً لتلك الفتوى المجنونة المُنفلِتة من كل عقال أم استغلالاً لتلك الفتوى المُتهوِّرة، فهناك فرق بين المقامين، إذا أتى هذا استجابة للفتوى فهذا يدل على وجود شباب ديني مُتطرِّف مجنون، فنسأل الله أن يُصلِح عقولهم وقلوبهم لأن العطب في قلوبهم قبل أن يكون أيضاً في عقولهم، فهم شباب فسدت قلوبهم وخربت عقولهم ورثت وبليت وهم في أول المشوار وفي أول الطريق، لكن إذا أتى الأمر استغلالاً للفتوى فهذا يدل على وجود جهات مدسوسة تعمل لحساب الداسين، ودائماً هم أجانب من الخارج،  كأنهم يقولون مُمتاز لقد حصلنا الآن هذه الفتوى في تونس فانطلقوا الآن واقتلوا الرجل، فليس شرطاً أن يكونوا شباباً مسلماً مُتطرِّفاً،  قد يكون الأمر على هذا النحو والله أعلم، فهذا أيضاً مُحتمَل بنسبة خمسين في المائة وغير مُحتمَل بنسبة خمسين في المائة، فنحن لا نعرف وليس لدينا بينات فلا نتكلَّم هكذا، لكن قد يكونون مدسوسين واستغلوا الفتوى، والذي فعله هذا الشيخ الأزهري – عفا الله عنا وعنه – أنه يلعب نفس اللعبة المسكين دون أن يدري، أنا لا يعنيني نيته – نيته لا تعنيني – لأن نحن لا نُنقِّب ولا نشق عن قلوب الناس، هذا ليس من صلاحيات البشر، هذا لرب البشر متروك، فمنطق النية الحسنة والنية السيئة منطق سخيف جداً جداً جداً أن يتكلم به البشر، فهذا لا يعنيني، أنا يعنيني ماذا قلت، هذه الفتوى أيضاً المُتهوِّرة جداً – ولا أُحِب أن أصفها بأكثر من ذلك – في أي اتجاهٍ تخدم؟ إذن اليوم سأتناول موضوعين، وأسأل الله أن يُسعفني بتهدئة أعصابي وتجميع أفكاري وأن يُلهمني رشدي وصوابي حتى أتناول الموضوعين بما يفي ببعض حاجتهما من التبيان والإيضاح! 

الموضوع الأول هو السلطة لمَن؟ لله وللشرع وللشريعة وللدين أم للشعب؟ لأن مولانا القائد الإسلامي البارز الذي ساهم بطريقةٍ أو بأخرى في تدمير بلده قال ستكون آخر انتخابات، لماذا؟ لأن الله هو الذي يحكم، فإذا حكمنا نحن فإن الله هو الذي يحكم، والله لا يُستفتى عليه، الله لا يُنتخَب ولا يُستفتى عليه ومن ثم إذا حكم الله يتراجع كل شيئ،
وإلى ما قُبيل عقود يسيرة كان بعض كبار الإسلاميين يُردِّدون أن مصدر السلطة أو السلطات الشرع، هكذا كلمة عامة غائمة، وهذه الكلمة تخدم أيضاً وتصب في اتجاه تبرير الحكم الديني الثيوقراطي، فكيف هذا؟ كيف يُقال الدين أو الإسلام أو الله مصدر السلطات؟ هذا كلام غير صحيح لأنه كلام غير علمي، هذا تنظير أعرج وباهت وسخيف جداً، السلطات على الأقل فيما هو مُتعارف عليه ثلاث، السلطة التشريعية كالبرلمان وأمثاله، والسلطة القضائية تبعٌ للتشريعية طبعاً، ثم السلطة التنفيذية المُتمثِّلة في الحكومة والجيش الشرطة، فعن ماذا تتحدَّث؟ إن تحدثنا عن السلطة التنفيذية وما الذي أتى بهؤلاء إلى الحكم فقطعاً ليس الله – تبارك وتعالى – وليس الإسلام، لا يُوجَد عندنا نص أن يأتي الدكتور فلان إلى الحكم، لا يُوجَد عندنا نص من كتاب الله وسُنة رسوله أو وحي نزل بعد انقطاع الوحي بأن تحكم الجماعة الفلانية والحزب الفلاني، هذا مُستحيل طبعاً، نحن ليس عندنا كهنوت، فإذن كيف حكم هذا؟ سلوه إذن، هو يقول حكمت بحسب الاقتراع والصناديق، لكن كثيرون يكرهون لعبة الصناديق هذه ويلعنونها، لكن بالعكس رغم كل أخطائها ومساوئها وإمكان استغلالها هى أفضل المُتاح والموجود، وانتبهوا إلى أننا في عالم يتجه يوماً فيوماً إلى تحكيم ذوي المعرفة كما أقول دائماً، فنحن وظيفتنا كعلماء وكمُفكِّرين وكمُثقفين بل وظيفة كل مثقف صادق يُحِب وطنه ويُحِب دينه ويُحِب الإنسانية – أي جزء من وظيفته الأساسية الرئيسة – أن يعلو وأن يرتقى بمُستوى وعي الجماهير، لماذا؟ لأن لعبة الصناديق هذه في حقيقتها لعبة لها جاذبية من نوع خاص، علماً بأن هذا ربما أكثر ما في الديمقراطية من جاذبية في المخيال العام وفي وعي الناس العام، فما مكمن هذه الجاذبية؟ في يوم الانتخاب في لعبة الصناديق يستحيل الحاكم محكوماً والمحكوم حاكماً، ومن ثم يرتجف الحاكم، سواء مَن تقدَّم للحكم لأول مرة أو نجح فيه في الدورة السابقة فهو الآن يرتجف، الآن يرجو ويشحذ ويتسول كل صوت من هؤلاء، إذن مَن الحاكم الآن؟ نحن، فالشعب هو الحاكم، وببساطة في عشرين ساعة يُمكِن أن يقول لك كحاكم اذهب إلى بيتك، استرح وانضم  إلى صفوفنا، انضم إلى صفوف الرعية لأنك  الآن تعود إلى الشعب، سنُعطي هذه الفرصة الآن لغيرك لأنك فشلت، فقد وعدت وكذبت، ومنيت وعجزت، منيتنا بأنك ستفعل وتفعل وتحل وتحل ولكنك عقَّدت وربطت ولم تحل شيئاً، أنت عجزت وأنت كذبت بل وربما أنت خونت أيضاً ثقتنا فيك، لذلك لن نُعطيك فرصة ثانية، ولذا في هذا جاذبية Attraktivität، هذه الجاذبية الحقيقية، فنحن الآن حاكمون اليوم، أنا كشعب على الأقل سأُمارِس الحكم ليوم، الحكم عليك الآن لأنك أنت المحكوم، ومن ثم تنقلب الأوضاع، لكن هو سيحكمك أربع سنين وأنت تتحكم فيه ليوم واحد، فهذا اليوم خطير جداً ويعدل السنوات الأربع، ولذلك على المثقفين وبالذات المثقف العضوي – كما يُقال بلغة غرامشي Gramsci – أن يكون صادقاً في توعية الناس، فلا تخدعوا الناس، لكن بمعنى ماذا يا إخواني؟ علماً بأنني  أتحدَّث بالذات الآن عن الخطاب الديني لأنه يعنيني، فأنا متدين وأنا إسلامي ولذلك هو يعنيني، ولا يجوز ولا يسوغ أن تكذبوا على الناس ولا أن تشقوا الناس رأسياً، المجتمعات تنقسم أفقياً لا بأس، فهى تبحث عن مصالحها وعن منافعها أفقياً وليس عندنا مُشكِلة في هذا، لكن أن تشقوا الناس رأسياً بإسم الدين هذا موضوع خطر، يعود بالبلوة والعار والشنار على الدين وعلى الأمة وعلى الأوطان، لا أحد يستفيد منه، ولذلك لا تخدعوا الناس هنا ولا تخدعوهم أيضاً بالمانشيتات والأكلشيهات التي تكشف عن مدى العجز التنظيري والبرامجي لديكم!

يا أخي نحن عشنا ثلاثين وأربعين سنة نسمع أن حل المشاكل المجتمعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية واسترداد الأطان السليبة المسروقة يكون بتقوى الله وبكثرة الاستغفار وبالرجوع إلى الله، فما هذا؟ هذا يُقدِّمه واعظ وهو كلام صحيح مائة في المائة، ولكن في أي إطار يعمل هذا الكلام؟ أنا سأشرح لكم، الآن – مثلاً – هل يُقبَل من حزب يحكم الناس أن يُلهِم وربما يُوجِّه أو يأمر حتى منابره ومَن عليها أن يُفهِموا الناس أن حل هذه الأزمات يكون بالعود إلى الله وبتقوى الله ثم يقول قال الله وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ۩ وقال أيضاً وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ۩ فضلاً عن أنه قال فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۩ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ۩ وإلى آخر هذه الآيات؟ هل هذا يسوغ؟ هذا خطاب يُقبَل من واعظ مسكين لا يدعي أنه يقود ولا يحكم ولا يمتلك برنامجاً سياسياً أبداً، فهذا مقبول منه أكيد لكنه غير مقبول منك، سأسألك كيف؟ هذا جيد لكن كيف؟ هنا يحدث انكسار في التصور وفي التنظير، وطبعاً أنا كمسلم وكإنسان يصدر عن كتاب الله  تبارك وتعالى – نفعني الله وإياكم ورفعنا بكتابه الأعز الأجل – أُؤمِن فعلاً بأن تقوى الله هى سبيل النجاة في الدنيا والآخرة فعلاً، فتمتين وتقوية الصلة مع الله سبيل إلى كل السعادة، لكن في إطار ماذا؟ هذا هو، في هذا الإطار فقط كرؤية فلسفية دينية، أنا كإسلامي وكمسلم عندي رؤية فلسفية دينية في الحياة وفي المُجتمَع وفي السياسة، فقط تقف عند هذه النُطق تقريباً وما شاكلها، لكن ماذا عن الكيف وجواب الكيف، أي جواب سؤال الماذا وجواب سؤال الكيف، ما الذي يُنقِذنا؟ سنقول لك – مثلاً – مُراجَعة أمر الله، وهذا صحيح لكن هذه خلفية رؤيوية فلسفية دينية طبعاً وليست فلسفية عقلانية فأهلاً وسهلاً، هذا كلام صحيح، لكن كيف تستحيل هذه الرؤية الفلسفية الدينية إلى رؤية برامجية ؟ علماً بأنني أقصد بالفلسفي شيئاً كلياً شاملاً، فلا أقول أيدولوجي وإنما أقول فلسفي ديني أو حتى رؤية دينية فلا بأس، لكن بعض الناس لا يحتمل هذه المُصطلَحات، وهذا طبعاً من قلة الثقافة ومنن التصحر الفكري، فالواحد منهم يخاف من المُصطلَحات ويخاف من كل شيئ، ليس عنده قوة المعرفة التي تُعطي شجاعة المُبادَرة المعرفية، وعلى كل حال الآن سنقول كيف تتحول هذه الرؤية إلى رؤية برامجية مُحدَّدة، عندي مشاكل في شبكات النقل وفي البنى التحتية – مثلاً – وفي الاقتصاد وفي المديونيات وفي  كذا وكذا وكذا، فقل لي كيف إذن، لا تقل لي الحل في كثرة الاستغفار وكثرة الصلاة وتضحك علىّ، عيب أن نُمارِس هذا الضحك على الناس بإسم الدين، عيب أيضاً أن نجعل النسب التي ينبغي أن تكون نسباً سياسية نسباً طائفية، هذا غير صحيح، يوم أرى حزباً يُمكِن أن يكون رجالات من رجالات الإسلام الكبار هم الذين ساهموا فيه وقد يكونون هم الأشخاص الرئيسين الذين أسسوا هذا الحزب يجب أن يكون في الحزب النصاب دائماً عند الاختبار نصاباً سياسياً وليس نصاباً طائفياً وليس نصاباً دينياً حتى لا يُشَق المُجتمَع رئيساً، لكن ما معنى نصاب سياسي؟ بمعنى أن هذا الحزب عنده برامج واضحة تُترجِم أشواق الأمة وآمال الأمة ومُتطلبات الشعب والوطن، ولذلك يدخله المسيحي واليهودي العربي والعلماني واللاديني والإسلامي – الإسلامي من كل التشكيلات والتلاوين – أيضاً، فهل النصاب هنا طائفي ديني أم سياسي؟ سياسي، وهذا جميل جداً، لكن قد يقول لي أحدهم أين الإسلام إذن؟ هل أنت مجنون؟ هل أنت علماني؟ لا لست علمانياً، لكنني أقول لك أن الإسلام يقبع كمرجعية صامتة، خلفية صامتة تُعطي رؤية – كما قلت – فلسفية لإدارة الشأن العام بل حتى لإدارة الحياة ولفهم الحياة، وهذه الرؤية يُمكِن عبر هذه البرامج التفصيلية المُفصِّلة المُترجِمة عنها والتي تتجلى فيها الرؤية عملاً وتطبيقاً وتنزيلاً وتكيفياً أن نُبرهِّن على نجاعتها، ومن ثم نقول هذا – والله – هذا صحيح وعجيب، فهذه الرؤية حين تُرجِمَت في شكل برامج اشتغلت جيداً ونفعت، فنفعت الأمة وأنقذت الوطن فأهلاً وسهلاً إذن بمثل هذا التصور الكوني على أساس ديني، لكن لا يُكتفى به على أنه جوابٌ لسؤال ماذا ولجواب سؤال كيف، هذا ضحك على الناس.

للأسف الوقت يُدرِكنا بسرعة فنعود إلى سؤالنا العتيد، إذن لا يُمكِن أن نُقابِل بين مرجعية الله ومرجعية الدين ومرجعية النص ومرجعية الشريعة وبين مرجعية الحكومة، بمعنى أن نقول إن الحكومة أو السلطة التنفيذية تستمد مشروعيتها من الشريعة، فهذا غير صحيح، هى تستمد مشروعيتها من الشعب ومن صناديق الانتخابات، وهذا واضح والإسلاميون في الجملة يُوافِقون على هذا ويقولون لك هذا صحيح ومضبوط، فنحن نحتكم إلى الصناديق إلا أمثال أخينا صاحب ديمقراطية المرة الواحدة، فهو يقول هذه مرة أولى وأخيرة، وهذا تصور كارثي، لكن فيما عدا ذلك بفضل الله الإسلاميون يُوافِقون في الجملة على هذا، إذن أين المُقابَلة المرفوضة؟
طبعاً السلطة القضائية ليس فيها أي مُشكِلة، في نهاية المطاف السلطة القضائية تبعٌ للسلطة التشريعية طبعاً، لأنها قضائية وليست تشريعية فليس عندنا أي خلاف فيها، لكن أين ينحصر الخلاف؟ لابد أن نُحرِّر محل النزاع، محل النزاع هو هنا، في الديمقراطيات الغربية في الدول المُتقدِّمة مرجعية التشريع من حيث أتى هى الشعب، ولذلك عندهم شيئ طبيعي يُصوَت الآن على حِل – مثلاً – الجنسية المثلية وزواج الرجل من الرجل، فإذا أخذ هذا المشروع المُوافَقة بنسبة واحد وخمسين في المائة إذن هذا ينفع ويُصبِح جائزاً ويُقنَّن ولا يجرَّم، فهم عندهم هذا الشيئ، وقس على هذا عشرات ومئات الأشياء الأخرى، لكن في الإسلام هذا لا يجوز، في الإسلام لا يصح أن يُستفتى الناس على ما حرَّم الله تحريماً قطعياً، ولا ندحة فيه ولا مجال فيه للاجتهاد، ومن هنا قد يقول لي أحدهم لذلك نحن نقول لكم هذه ديمقراطية منقوصة ومن ثم  الديمقراطية لا تصلح، وهنا طبعاً يبرز لك الاثنان، فالمسلم السلفي أو السلفوي – إن جاز التعبير – يقول لقد قلنا لكم الديقمراطية كفر لأنها تُحلِّل ما حرم الله وتضع أحكام الله القطعية موضع الاستفتاء والانتخاب لكي يُستفتى عليها وهذا لا يجوز، هذا حكم الله، قال الله أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ ۩، ثم يتحدَّث عن قضية التحكيم والمودودي وسيد قطب وقصة كبيرة، فهناك أدبيات واسعة جداً في العصر الحديث، ثم يأتيك هذا العلماني أو الليبرالي المُتطرِّف ويتحدَّث بتطرف شديد، يُوجَد تطرف شديد عندنا أيضاً في العلمانية والليبرالية العربية الفطيرة غير الناضجة، وكم لقينا إحنا من الحكم العلماني في البلاد العربية، كانت حكومات علمانية وكم لقيَ الكل منها، حتى دعاة الحريات والليبرالية كم لقوا منها، فليس فقط الإسلاميين الذين لقوا بل الكل لقيَ منها، علمانية غير تعددية وعلمانية دولانية Staatliche Säkularismus، تُؤمِن بقوة الدولة وصلاحية الدولة، أي أن تذبح وأن تسجن وأن تقتل في سبيل الاستقرار، ولذا هى عجيبة، أي علمانية هذه؟ هذه العلمانية ضد العلمانية التعددية أصلاً، لكن هذه موجودة في بلادنا وبكثرة للأسف الشديد فانتبهوا، ومن أيام عصر النهضة تُوجَد العلمانية الدولانية أو الدولاتية، ومن هنا سيقول لك العلماني المُتطرِّف والمُتحمِّس المُحترِق نحن قلنا لكم أن الديمقراطية لا تركب عليكم ولا تركب على بلادكم ولا تركب على هذه الأوطان طالما هى مُتشبِّسة بأذيال الدين، فما الحل إذن يا مولانا؟ تخلصوا من هذا الدين، انساقوا فيما سُقنا فيه نحن أو وجدنا إنفسنا مسوقين فيه، فحاربوا الدين، وطبعاً حرب الدين من تحت هى حرب ماذا؟ حرب القيم المُجتمَعية، القيم الأخلاقية التى ربما فقط الآن أحسن ما بقيَ في حياتنا كعرب فشلة عجزة غير ناجحين في شيئ، فأداتياً أو أدواتياً هل نحن أقوياء أم ضعفاء؟ أدواتياً ضعفاء جداً، لكن لم لا نكون أقوياء في مجالين على الأقل؟ في المجال الرؤيوي يجب أن يكون لدينا رؤية قوية،رؤية سياسية ورؤية كونية ورؤية فلسفية قوية  للحياة وللإنسان وللفرد وللجماعة وللأوطان، لماذا؟ ما الذي ينقصنا؟ أيضاً تبعاً لقوة الرؤية يجب أن يكون لدينا الإرادة القوية، ولذلك قلت لكم أننا لا نُؤمِن بالتفاؤل والتشاؤم السديمي، بمعنى أن الظروف هى كما هى حين تراها يُمكِن أن تبعث على التفاؤل ويُمكِن أن تبعث على التشاؤم بنفس القوة فإذن هى مُحايدة، لكن ما الذي يبعثك على التفاؤل؟ أجابنا السؤال بالرؤية، فأنا لدي رؤية وأعرف كيف يُمكِن أن نخرج من هذه الأوضاع ولذلك أنا مُتفائل، لكن أنت تفتقد إلى هذه الرؤية ولذا أنت مُتشائم، فهذا ليس من أجل الأوضاع، ولكن من أجل أنك ترى الأوضاع ولا ترى وسلة للخروج منها لعلاج هذه الأوضاع الزرية الهابطة القاتمة، فأنت ليس عندك رؤية ومن ثم تبدأ في أن تتشائم وتقول أنا مُتشائم وليس عندي ما يدعوني إلى التفاؤل، وحق لك هذا، لكن ليس لأن الأوضاع تُحتِّم أن نتشاءم وإنما لأنك فقير إلى الرؤية، في حين أنه غني بهذه الرؤية لأنه يتوفر على رؤية، ولذلك إذا كنا ضعفاء وغير أقنِناء أدواتياً لم لا نكون أقوياء رؤيوياً وإرادياً؟  هذا الذي نحتاجه، ولكن لسنا بعد، فنحن لسنا بعد هناك.

نعود إلى المسألة، إذن كيف الخروج من مأزق مصدر شرعية السلطة التشريعية؟ هل هو الشعب أم الشريعة؟ أنا أقول لكم والله المسألة سهلة، كما يُقال لك الحقائق الواضحة الصغيرة في المسائل الكبيرة، هناك مسائل كبيرة وتشق الأمة وتُمزِّق الشعوب والأوطان ولكن يُمكِن أن تُضبط الرؤية فيها والحكم عليها بحقائق بسيطة، ما هى؟ هذه المسألة دستورية، محكومة بمعنىً دستوي، والدساتير عموماً تُنظَّم في فصول أربعة أو في أقسام أربعة:

– مجال تعريف الهوية والمُشخِّصات القومية.

– مجال تعريف نظام الحكم وما يتعلَّق به.
– مجال تحديد الحقوق والواجبات.

– مجال الأحكام الانتقالية.

فهذه هى الدساتير، إذن أول شيئ يُطالِعنا في الدستور ما يتعلَّق بتشخيص الأمة وهوية الأمة، وفي الدساتير العربية حتى العلماني منها في معظمها على الإطلاق كان يُنَص على أن المصدر الرئيس للتشريع الشريعة الإسلامية، وإن كانت دساتير علمانية تكره الدين والمُتدينيين، لماذا؟ لأنها لا تستطيع إلا أن تكون كذلك، أنت دستور لشعب مسلم يُصلي ويصوم ومُلتزِم بأحكام الشريعة في العموم، والآن هذا الشعب – بفضل الله – لم ير أن يتخلى عن هذا الدين وأن يكفر به، بالعكس هو مُتشبِّث بهذا الدين، فإذن عليك كنظام حكم أن تعكس هوية الشعب، وهذه رسالة لإخواننا العلمانيين والليبراليين من المُتشدِّدين والمُتطرِّفين الذين هم – ما شاء الله – أفقه من الأمة كلها وأذكى من الأمة كلها ولم يروا في الإسلام خيراً، لا في التاريخ ولا في النص ولا في الواقع، ولذلك يُحِبون أن يُعلِّموا الأمة من عند آخرها – مئات الملايين – أنها أمة جاهلة حمقاء لا تُدرِك شيئاً ومن ثم عليها أن تتبعهم لأنهم بضع مئات في البلد أو بضع ألوف يا عشرات الملايين، وطبعاً في عشرات الملايين مئات الألوف من الأساتذة والأكاديميين الكبار وكتاب المقالات الصحفية والمُفكِّرين والمُنظِّرين والفلاسفة الذين يُؤمِنون بأن هوية الأمة تتحدَّد دينياً، أي تتحدَّد بالإسلام، وأننا أمة مسلمة وأن الإسلام فيه الكثير ليُعطيه، لكن هذا يعتمد على خطابنا وعلى فهمنا، فمثلاً  لو أنك طالعت أحد هؤلاء العلمانيين والليبراليين المُتحمِّسين وقلت له جان جاك روسو  Jean-Jacques Rousseau قال كذا وكذا فإنه يقول لك ما دخل روسو Rousseau في القضية؟ وذلك حين تقول له أنه في العقد الاجتماعي Social Contract مدح محمداً، فجان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau  انتقد كل الأنظمة تقريباً  وهزِأ بها ولكنه امتدح الحكومة النبوية ورآها حكومة صالحة وحكيمة وعبَّر في موضعين من كتابه – هذا يُقال لمَن قرأ الكُتيب، والكُتيب كله في مائتين صفحة ولكنهم  لا يقرأون ويتكلَّمون – عن إعجابه بسياسة محمد للحكومة، قال والدليل أن هذه الحكومة نجحت – أي اشتغلت – أيضاً في عهد الخلفاء الذين تلوه، مما يدل على صلاحها وعلى أنها حكومة جيدة وتشتغل جيداً، فروسو Rousseau قال هذا، لكن هذا العلماني أو الليبرالي المُتحمِّس يشمئز من هذا الكلام، وحتى لو قرأه لن يراه ولن يستوعبه، فالإسلام ليس فيه خير وليس فيه أي شيئ ولا يقدر على أن يُعطي شيئاً لأنه  دين دراويش ودين كهان، وهذا غير صحيح، عيب الكلام هذا والله العظيم، لكن طبعاً للأسف نحن وصلنا إلى هذا القاع الآن، الآن مُسابَقات في التلفزة العربية وفي التلفزيون العربي للغناء وموسيقى وفيها أصوات قوية جيدة صيّتة وجميلة ولكنها تُغني بالإنجليزية، والشعب يُصفِّق لهم، ولذا أنا شعرت حقيقةً – لا أكذب عليكم – بالتقزز، مُستحيل أن يحدث هذا في النمسا هنا أو في برلين أو في لندن أو في باريس، لا يُمكِن أن يُغني أحدهم هنا بالعربي والشعب يُصفِّق له وهو مُنسجِم وطروب، لماذا؟ يا أخي حتى في الموسيقى والغناء عبِّر عن أحوال الشعب بلسان الشعب وبعواطف الشعب وبمجازات الشعب وبحقائق واقعية، هل في هذا حتى تقليد؟ إلى أي درجة ببغائية انحططنا؟ يُوجَد انحطاط عجيب في هذه الأمة الآن، وهذه أوضاع لا تُطمئن كثيراً، وهذا الذي يُصوِّت ويُغني بالإنجليزية والشعب يُصفِّق مثل هذا العلماني الذي يُريد أن نكون محكومين لمرجعيات لا علاقة لنا بها ولم يُولِّدها تاريخنا ولم تستدعها واقعاتنا – جمع واقع إن جاز التعبير – ولا تمت إلينا بصلة تقريباً لا من قريب ولا من بعيد، فلماذا تُفرَض علينا؟ غير مقبولة هذه العقلية النقلية الاستنساخية والعقلية المرآوية والعقلية العاجزة أن تُعالِج واقعها بمنطق يُمكِن أن يُعالِجه حقاً، وكأنه تدهور وكأنه نوع من التباهي الفكري، أي أنه يعرف مُصطلَحات ونظريات وفلسفات أجنبية، فكل شيئ أجنبي ممتاز وكل شيئ محلي لا قيمة له، وهذا عيب، هذا دمَّر أوطاننا ودمَّرنا ودمَّر أجيالنا، أين الأصالة؟ لابد من أصالة فكرية حقيقية يتمتع بها مَن يدعي الثقافة ويدعي الفكر ويدعي الإنقاذ وإلا تضيع هذه الأمة.

إذن هذه المسألة محكومة – كما قلت لكم – بفقرة أو بمبدأ أو ببند دستوري، لكن قد  يقول لي أحدهم لقد سددت الباب، وأنا – صدِّقوني – ما سددت الباب، فالجزء التشريعي في دين الإسلام جزء يسير جداً جداً جداً، آيات التشريع في المشهور مائتان وخمسون آية، وبعض العلماء يُجادِل بأنها أقل من هذا، وبعضهم يقول أكثر من هذا، لكن أنا أقول لكم أن الكثير من هذه الآيات ليست تشريعية، وأنا مُقتنِع مبدئياً بهذه الوجهة من النظر، فهم يقولون عنها أنها تشريعية لكن صدِّقوني هى ليست تشريعية، وهذا الموضوع يحتاج إلى مُحاضَرات ولا أقول إلى مُحاضَرة، بل يحتاج إلى مُؤلّفات، فالجزء التشريعي في الإسلام ليس جزءاً أصيلاً وهائلاً كما يظن الفقهاء، لأنه أكبر علم شاع في هذه الأمة وأُكِلَت به طبعاً هو علم الفقه، وطبعاً يُوجَد نوع من التحيز لهذا العلم وللمنظور الفقهي وللمنظور القانوني، لكن الدين أكبر من هذا بكثير، والأمة الآن تحتاج إلى عشرات ألوف التشريعات فيما يتعلق بالبيئة وفيما يتعلق بالثقافة وبالتربية وبالتعليم وبالصحة وبالمُواصَلات وإلى آخره، أليس كذلك؟ أنت تحتاج إلى عشرات ألوف التشريعات، ولن تجد أي مُعارَضة لا من الدين ولا أي تصدٍ، بالعكس أنا أقول لكم حتى التشريع الإسلامي رغم أنه يستند إلى نصوص محدودة جداً من كتاب الله – تبارك وتعالى – هو في جوهره مدني، هو ليس لاهوتياً وليس غيبياً وليس ما ورائياً، هو تشريع مدني، لكن ه تعرفون لماذا؟ هذا لفت نظر أكثر من مُشرِّع غربي هنا لأنهم أناس أذكياء ولذا بعضهم يفهم الحقيقة لكن نحن لا نستطيع أن نفهمها، ومن ثم قالوا فعلاً هذا التشريع وجوهر هذا التشريع الإسلامي هو مدني، هلتعرفون لماذا؟ لأن هذا التشريع أساساً إذا استثنيا فقط تشريع العبادات – واضح أن العبادات لا تقبل بذاتها أن تكون معقولة، هذه عبادات هى قليلة جداً جداً ومنزورة ويسيرة، فاستثن العبادات وادخل إلى المعاملات في التشريع المعاملاتي – قائمة على أسس عقلية، فالتشريع المعاملاتي في الإسلام محكوم بأسس عقلانية القرآن اعتمدها ودعَّم اعتمادها وعزَّز اعتمادها، أسس مقاصدية لها علاقة بالمصالح والمفاسد وتكثير المصالح وتقليل المفاسد ودرء المفسدة مُقدَّم على جلب المصلحة واعتبار المآلات، ولذا قال أبو إسحاق الشاطبي دلت النصوص واستقراء الأحوال أو الوقائع على أن اعتبار المآلات مُراعىً في شرع الله تبارك وتعالى، بمعنى ماذا؟ بمعنى أن الشارع حين يشرع ويبتدئ شرع حكمٍ إنما ينظر إلى النتائج والثمار أو الثمرات العملية الواقعية المُترتِّبة والناجمة عن تنزيله وتطبيقه في الواقع، فالإسلام يُعنى بكل هذه الأشياء، وهذه أسس عقلية محض، لكن ماذا عن شأن الزواج؟ هذا الشأن ينتمي إلى إطار الأحوال الشخصية، 

وانظروا إلى أنه في إطار الكنيسة الكاثوليكية يقولون لك الزواج الكاثوليكي، أي المفروض أنه مُؤبَّد، لكن هذا الزواج فعلاً مُحاط بالأسرارويتم بحالة أسرارية غريبة، فأولاً لابد أن يتم في الكنيسة، لا يُمكِن أن يتم في الشارع أو في أي مكان إلا في الكنيسة، وهذا إسمه الزواج الكنسي، ثانياً لا يُمكِن أن يعقده  إلا الراعي أو القسيس أو الكاهن، فلا تستطيع أنت أن تُزوِّج وإنما يفعل هذا الكاهن، وبما أنه هذا الكاهن أو القسيس عقده فإذن لا يُمكِن لأحد أن يحله، لأن ما عقده هؤلاء لا يحله إلا هؤلاء في ظروف استثنائية معروفة – هى ثلاثة فقط في الفقه الكاثوليكي – طبعاً، وبعد ذلك يأتي الإيجاب والقبول لكن هذا ليس من حق الزوجين، فهذا ليس من حقهما على عكس ما عندنا، لكن الراعي أو القسيس يقول أنا فلان الفلاني وبصفتي كذا وكذا – إي أنه قسيس وراعي للأبراشية وكذا – أُعلِنكما زوجاً وزوجة من الآن وإلى الأبد في طور الحياة وما إلى ذلك، لكن ما معنى أُعلِن؟ كيف تُعلِن أنت؟ يا أخي هذا شأني، ولذا في الإسلام الإيجاب والقبول من حق الزوجين، فيُقال زوجتك نفسي أو زوجتك كريمتي ابنتي وعلى كذا وكذا، ومن ثم يُقال قبلت، فهذا لنا نحن لأن هذا شأننا نحن، لماذا أنت تزوِّجنا؟ ثم أن هذا قد يتم في المسجد أو يتم في المحكمة أو يتم في الشارع أو يتم في المقهى أو في بيتها أو في بيتك أو في أي مكان، فالأرض كلها مسجد وطهور ومن ثم لا يُوجَد  فصل حدي صارم بين المُقدَّس والمُدَّنس أو الدنيوي والديني الكهنوتي، لا يُوجَد هذا الكلام عندنا، فانظر إلى هذا الإسلام السلس، ومَن الذي يستطيع أن يُزوِّج؟كل مسلم يستطيع أن يُزوِّج ولكن وفقاً للأحكام الشرعية إذا كان يعرفها، فليس شرطاً أن يكون مأذوناً أو عنده لحية أو عنده كتاب رسمي من الدولة، فقط يفعل هذا لحاله، وفي المسجد هنا زوَّجنا المئات من الناس في خمس دقائق وانتهى كل شيئ، فهذا هو إذن، ففي الزواج لا يُوجَد عندنا مُشكِلة، روح التشريع في الإسلام هى روح مدنية، لذلك ليس عندنا مُشكِلة في أن نستمد وأن نستلهم وأن نستفيد من الخبرة البشرية – كما قلت – وأن نُشرِّع لعشرات آلاف القضايا – كما قلت – في الشؤون المذكورة وغيرها دونما حريجة، لا تُوجَد عندنا أي مُشكِلة والحمد لله، ولكن فيما عدا ذلك المُجتمَع لا يُريد ولا يُحِب أصلاً ولا يُؤمِن بأن يُستفتى على قواطع دينه وأخلاقه، فالمُجتمَع يرفض هذا، وهذا رأي المُجتمَع، إذن لابد أن نكون مُتواضِعين أمام إرادة المُجتمَع.

قد يقول لي أحدهم ماذا عن الأقلية؟ وأنا أقول ليس عندنا أي مُشكِلة هنا، فالأقلية في الدين عبر التاريخ تُحترَم، واقرأوا دراسة المُفكِّر المُنصِف والعقل الجبار المسيحي اللبناني جورج قرم بعنوان تعدد الأديان وأنظمة الحكم، وهى رسالته للدكتوراة في باريس في الستينيات وهى من أروع ما يكون على الإطلاق، والنتيجة أن الحاضرة الإسلامية والمدينة الإسلامية والعاصمة – Capital – الإسلامية غير مسبوقة وغير ملحوقة إلى وقتٍ قريب في التعاطي مع الآخر الملي والديني، فصدر الإسلام واسع جداً جداً جداً للآخرين، واليوم نحن قرأنا الآية التي تقول وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۩، فهذا هو أساس ما عُرِفَ بالمحاكم الطائفية في التاريخ الإسلامي وبنظام الملة عند العثمانيين، أي نظام الملة Millet System، فكل طائفة تحكم في هذه الشؤون الخاصة بها بالذات والمُلزَمة بها دينياً بحسب دينها، فليس عندنا مُشكِلة في هذا ولا نُلزِمهم ولا نُرغِمهم على أن يحتكموا إلينا، قال الله  وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۩، وكذلك يحكم أهل التوراة بالتوراة وإلى آخره، فليس عندنا أي مُشكِلة في هذا، وهذه حرية عجيبة جداً أتاحها الإسلام، ومن هنا أكثر من مُستشرِق – عشرات المُستشرِقين والمُؤرِّخين – قال لو أن المسلمين سلكوا إزاء غير المسلمين كما سلك النصارى – مثلاً – الكاثوليك إزاء المسلمين ما بقيَ مسيحياً في الشرق العربي كله، ولا في الدولة العثمانية، كنا قضينا عليهم من عند آخرهم، لكن الإسلام لم يقصد أبداً أن يفعل هذا، علماً بأن الدولة العثمانية دفعت ثمناً مراً صعباً وفُتِّتَت وقُسِّمَت بسبب أن هذه الأقليات الطائفية التي تحوَّلت في نهاية المطاف في القرن التاسع عشر وفي أول العشرين إلى دول داخل الدولة ومن ثم استغلها الاستعمار الخارجي.

أرلوند توينبي Arnold Toynbee في البداية قرأ المسألة الشرقية والمسألة التركية وطبعاً سب تركيا والعثمانين والإسلام، وقال هؤلاء أناس مُتعصِّبون وأناس قتلة وما إلى ذلك، وبعد ذلك تخصَّص في المسألة وتراجع عن رأيه، لأن الاعتراف بالحق فضيلة، فالمُؤرِّخ الإنجليزي الكبير قال أنا أعتذر – Sorry – لأنني اكتشتفت أن المسألة الشرقية مسألة غربية، فالغرب الاستعماري كان يلعب بهذه الطوائف ودمَّرها ودمَّر معها الدولة العثمانية، والعثمانيون لم يكونوا كما كنت أتصور، فأنا أعتذر عن هذا Sorry about that، أي عن ما قلته!

هذا الإسلام صدره واسع جداً بفضل الله تبارك وتعالى، لكن الآن كم مسلم في صقلية؟ ولا مسلم، كم مسلم أصيل وليس مسلماً مُهاجِراً مثلنا في إسبانيا؟ ولا واحد، لكن قبل ذلك عبر ثمانمائة سنة كان  المسلم والمسيحي – بكل طوائف المسيحية – واليهودي يعيشون في تسالم وفي أمان وفي اندماج إلى حدٍ ما في هذا المُجتمَع تحت ظل الإسلام، فنحن عندنا النظرية الأمريكية من قديم بمعنى أننا لا ننتظر أن يُعلِّمنا الأمريكان هذا، هم يقولون Majority Rules and Minority Rights، أي حكم الأغلبية وحقوق الأقلية، وبالضبط هذا ما فعلنا، فطبعاً من حق الأغلبية أن تحكم، غير مُتصوَّر أن تأتي هنا في النمسا وتقول لكي تكون هناك مُساواة حقيقية من حقنا كجالية إسلامية أن نحكم، هذا لا يُمكِن لأنك أقلية – Minderheit أو Minority – طبعاً، كيف هذا وأين؟ هذه لعبة ديمقراطية، مَن الذي سوف ينتخبك؟ أخوك فقط، وماذا عن المُجتمَع الثاني؟ يجب أن نكون واقعيين، وعلى كل حال شعار الديمقراطية الأمريكية هو حكم الأغلبية وحقوق الأقلية Majority Rules and Minority Rights، وهذا في الإسلام من أول يوم بفضل الله تبارك وتعالى، فنحن نحكم كأغلبية لأن هذا من حقنا وهذا هو الاعدل، لكن الأقليات كلها لها حقوقها.

أختم نقاشي لهذه النقطة بكلمة ثم أمضي إلى المسألة الثانية: يأتيك أعداء الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي ويقولون ماذا تحت تأثير القصف الإعلامي والتغريب الفكري وتزييف وعي الأمة الديني والملي لو أن الأمة في يوم من الأيام – قريب أو بعيد – تحللت من دينها وصارت تُطالِب بتغيير هذه المادة في الدستور ولا تُريد أن تعتمد شرع الله – تبارك وتعالى – كمصدر رئيس للتشريع وتُريد أن تجري كما تجري الأمور في الغرب هنا بمعنى أن نُشرِّع كل ما أردنا بنسبة خمسين في المائة زائد واحد؟ ماذا يحدث إذن؟ لذلك نُحذِّركم من الديمقراطية، لكن جوابي بكلمة واحدة هو بالله عليكم هل الديمقراطية هى التي بعثت وحفزت أو أرغمت وأكرهت الشعب على أن ينتهي إلى هذه النتيجة؟ مُستحيل، ما دور الديمقراطية هنا؟ أنا أقول لكم أن دورها تماماً مثل دور الاستطلاع – استطلاع الرأي والاستبيانات وما إلى ذلك – فقط، أي دور كاشف فقط، يكشف عبر صناديق الانتخابات – كما تشكف الاستطلاعات والاستبيانات – عن تحول ثقافي وتحول أيدولوجي عقدي في الأمة، فالأمة تحللت من دينها والأمة كفرت بهذا الدين ومجموع الأمة كفر بهذا الدين ولا يُريد هذا الدين لكن هذه ليست مُشكِلة الديمقراطية ولا الاستبيان ولا الصناديق، بالعكس شكر الله لهذه الصناديق أنها فتحت أعيننا على الحقيقة المرة طبعاً والصعبة علينا، لكن هل هذه الحقيقة تستدعي اليأس والتخاذل أم تستدعي الجد في إعادة النظر في المسألة لكي نعرف لماذا تحللت الأمة من دينها؟ هذا الموضوع طويل جداً جداً جداً، لكن طبعاً يبدو إذا حصل – لا قدر الله – هذا سندفع الثمن، لأن هذا الدين أثبت في آخر عشرين سنة أنه أداة للمذبحة وأداة للتفريق وأداة لتقسم الأوطان وأداة للكراهية، فالناس كفرت بهذا الدين، ولذا أنا قلت غير مرة – وأنا آسف جداً وأعتذر من إخواني وشعبي الجزائري العظيم – أن عدد المُرتَدين في الجزائر يتنامى يوم بعد يوم فانتبهوا، ولذلك العمل الصحيح إزاء هذه الحقيقة المرة المُخيفة أن نُضاعِف الجهود في إعادة بلورة وصياغة فهم جديد حقيقي جوهراني أو جوهري للإسلام يتماشى مع العصرويعكس أعلى درجات الأفضلية الأخلاقية والتفوق الأخلاقي بحيث أن الشاب المسلم لا يجد حتى خارج الإسلام ما يُمكِن أن يُوازيه في هذا التفوق الأخلاقي وفي التفوق الإنساني – إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩ – أيضاً، ومن هنا  أبناؤنا وغير أبنائنا وليس أبناءنا وحدهم سينعطفون مرةً أخرى إلى الإسلام من خلال الهجرة المُعاكِسة، سيهجرون تلك المُعسكَرات العدمية والتي لا تُعطي معنىً حقيقياً للحياة إلى هذا المُعسكَر الجديد إن وُجِد، وإن شاء الله هو موجود ويشتغل أيضاً، يُوجَد في الإسلاميين أُناس مُتنوِّرون وعقول كبيرة وقلوب نظيفة وأرواح طاهرة تُبلوِّر خطاباً جديداً يُمكِن أن يُشكِّل إنقاذاً حقيقياً للأمة ولغير الأمة بإذن الله تبارك وتعالى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

_____________________________________________________________________________

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

قبل سنوات غير مرة حذرَّنا من سطحية الخطاب الإسلامي المُسمى بالدعوي وبالخطاب الفضائي، وحينها كان يُقال لماذا؟ على الأقل هو يدعم الخير ويدعم الفضيلة ويدعم الحجاب ويدعم الانتماء إلى الدين ويدعم الصلاة وما إلى ذلك، لكن نحن قلنا لهم هذا لا يكفي، نحن أمة تعيش مرحلة تحولات ومرحلة ولادات عسيرة وأحمال مُجهَّضة باستمرار، فالأمة تحتاج إلى خطاب تنظيري قوي يتسم بالشفافية وبالوضوح وبالعمق أيضاً، لأن هؤلاء يُمكِن أن يستمعوا إلى هذا الداعية لمدة عشرين سنة ثم يخرج أحدهم وهو ليس مُحصَّنا ضد تسميم والتكفير والتفجير، في يوم واحد يُوافِق أن يُكفِّر وغداً يقتل، إذن ماذا استفدت؟ أنا لم استفد إذن من هذه التربية الدعوية المُسطَّحة الساذجة ذات البعد الواحد، هذه التربية لا تخلق عقلاً مُركَّباً يقرأ الأمور من كل زواياها وإنما تخلق دائماً عقلاً واحدياً بسيطاً، فمثلاً لكي أربط المسألة السابقة بالمسألة اللاحقة الآن وأختم فيها في دقائق – بإذن الله تبارك وتعالى – هناك الآن من الدعاة ومن أبناء الإسلام مَن يقول ولو، وإن ارتَد معظم الشعب عن الإسلام ما دامت السلطة في أيدينا سنُرغِمهم على حكم الله، وهذا غير صحيح، حاشا لله أن يحدث هذا، الله لن يدخل الانتخابات فانتبهوا، الله لا يحتاج إلى أصوات ناس تعبده نفاقاً وتعبده كرهاً –  لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ – أبداً، من أين أتيت بهذا يا شيخ ويا مولانا ويا أخي ويا حبيبي؟ من أين أتيت بهذا؟ يقول لك ألم يُحطِّم النبي الأصنام يوم فتح مكة؟ حطَّمها مع أن أهل مكة أكثرية ولم يقل هذا خيار الأكثرية، لكن هذا هو العقل الـ Einbahn، أي العقل الذي له اتجاه واحد، فهو عقل تسطيحي بسيط، هل هذا عقل عالم؟ هل هذا عقل مُفكِّر؟ هذا شيئ مُضحِك، لكنك قد تقول لي ما هو جوابك يا عدنان؟ هذا سهل جداً، أولاً هو نظر إلى هذه الحيثية البسيطة – والجواب حاضر عنها عتيد بفضل الله والآن سنتلوه عليكم – ولكنه أغفل ما هو أهم منها ألف مرة، وهو أن النبي فيما صح وثبت واستقر لم يُرغِم كفار مكة على الإسلام ولم يُخيِّرهم بين الإسلام وبين القتل كما كنا نُعلَّم، فهذا خطأ وباطل وكذب على رسول الله وعلى سُنته وسيرته، بل تركهم أحراراً فأسلموا خياراً وطواعيةً وسماحة، ومنهم مَن بقيَ على كفره وأسلم بعد حين يسير مثل سهيل بن عمرو الذي لم يُسلِم يوم فتح مكة فانتبهوا إلى هذا، ومثل صفوان الذي لم يُسلِم حينها وأسلم بعد حنين، وهذا لأن النبي تركهم، قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، فما الفائدة من الإكراه؟ لكن هم تركوا هذا ولم يلتفتوا إليه رغم أنه مُهِم جداً جداً جداً، هو لم يُرغِمهم أصلاً، كيف يُرغَم الناس على دين لا يعتقدونه ولا يُؤمِنون به؟ هذا غير معقول وغيرمُتصوَّر أصلاً ولا يأتي به الإسلام، لكن ماذا عن مسألة الأصنام؟  أنا أقول لكم أن مسألة الأصنام يُمكِن أن نتعاطى معها من أكثر من زاوية، والزاوية التي تُرجِّح  الحكم الصحيح المُفترَض والمُقترَح فيها هى هذه، فما الذي حصل؟ وما هى القضية؟ القضية أن هذا البيت المعمور – الكعبة – شاده ورفع بناءه إبراهيم وإسماعيل شهادةً لله بالوحدانية وإفراداً له بالعبودية، أي لكي يُعبَد وحده لا إله إلا هو، وسارت الأمة – أمة العرب – على هذا حيناً طويلاً من الدهر، إلى أن جاء عمرو بن لُحي – أو لَحي –  الخزاعي فزار بلاد الشام ورأى فيها الأصنام فأعجبه هذا الشيئ، ونقل صنماً يُدعى هُبل إلى الكعبة، ثم تتابع الأمر بعد ذلك، الآن ما الذي فعله محمد؟ أعاد الأمر إلى شاكلته الأولى، ليس فقط لأنه يُحِب هذا ولكن لأن هذه هى الحقيقة ولابد أن يُنصَّف هذا البيت وأن نُعيده إلى الأساس الأول، بمعنى أن الوثنية اغتصبت هوية البيت وزيفت هوية البيت، أليس كذلك؟ ولذلك ماذا سمى الله الشرك في القرآن الكريم؟ قول الزور، تقول الآية الكريمة  فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ۩، وتقريباً بإجماع المُفسِّرين قول الزور هو الشرك، فالشرك هو الزور لأنه تزوير، وهذا تزوير لهوية البيت، ومحمد أعاد الأمور إلى نصابها، لكنه في المُقابِل لم يُرغِم أحداً على الإسلام، إذا أردت أن تُسلِم  فمِن عند نفسك، وهذا كان أولاً والآن سنذكر ثانياً وثالثاً بشكل سريع.

ثانياً النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهو يُوحى إليه من فوق سبع سماوات لم يجعل الله له حرية ولم يُخوِّله صلاحية أو صلوحية أن يُبلِّغ الحق والنور والهدى والضياء الذي أُوحِى إليه على أي نحوٍ شاء وأحب من مُخاشَنة ومَحاسَنة أو مُلاينة ومُغالَظة أبداً، وإنما قال له وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۩، ومن هنا قد تقول لي هذا أمر عجيب، ما هذا الاستنباط؟ لكن هذا كتاب الله وليس استنباطاً، الله يقول أن النبي – وهو نبي ويُبلِّغ الهدى والرسالة – ليس عنده صلاحية أن يُبلِّغ الحق بأي طريقة شاء كأن يُبلِّغ بعنف وبقسوة، فهذا ممنوع، إذن هل سيكون عنده صلوحية أن يُرغِم الناس على الحق؟ نحن قلنا أن ليس عنده صلوحية في الأسلوب فهل سيكون عنده صلوحية فيما هو أكثر من هذا؟ هذا ممنوع طبعاً، ولذلك الله  تبارك وتعالى –  لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ۩ –  لم يُبهِظ ولم يُثقِل كواهل المسلمين في مكة المُكرَّمة بتشريعات، تقريباً لا يُوجَد تشريع في مكة خلا حالات يسيرة جداً جداً جداً جداً وفي تعدادها تكلف من بعض الأئمة، لماذا؟ لأن الظروف المُجتمَعية لا تعين على ذلك مع أن المسلمين حتماً كانوا يتشوقون إلى هذا ويُحِبون هذا، أي أن الله يُكلِّفهم ويُعطيهم الآن هوية مُحدَّدة تشريعياً، ولكن الله لم يفعل لأن الظروف لا تعين، ومن هنا قد يقول لي أحدكم  إذن من باب أولى لا ينبغي أن نُكلِّف الناس وأن نُلزِمهم بما لا يلتزمونه ولا يُريدونه أصلاً، وهذا صحيح طبعاً، فمن المُؤكَّد أن هذا لا ينبغي، ليس لأن الظروف لا تعين ولكن لأن هم لا يُريدون، فهذه حقيقة الإسلام وهذه حقيقة الحرية التي يُتيحها الإسلام.

ثالثاً وأخيراً كيف الجواب عن أخينا هذا الشيخ الأزهري – عفا الله عني وعنه – الذي قال جبهة الإنقاذ حكمهم القتل وتأبط كتاب الإمام النووي على مسلم – رضيَ الله عن النووي وعن مسلم – وهو يقول أن النبي قال هذا والنبي أفتى، فهل النبي أفتى يا إخواني؟ قال لك لدينا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه قال صلى الله عليه وسلم ومَن بايع إماماً فأعطاه صفقة يمينه وثمرة فؤاده فليطعه إن استطاع، فإن جاء رجلٌ يُنازِعه فاضربوا عنقه أو رأسه بالسيف كائناً مَن كان، ثم قال هذا الذي يحدث الآن، هؤلاء الذين ينازعون الرئيس مرسي على الرئاسة يجب أن يُقتَلوا، هذا حكم رسول الله، ثم استشهد بالحديث الآخر الذي يقول مَن أتاكم وأمركم جميعٌ على رجلٍ واحد  يُريد أن يشق عصاكم فاضربوا عنقه كائناً مَن كان، وقال هذا هو إذن، فأنا ما أفتيت بشيئ، لكن نحن لدينا تعليقات سريعة، أولاً هذا خلطٌ معيب وكارثي – هو كارثي وليس فقط معيباً فحسب – بين مقام الإفتاء ومقام القضاء، فانتبهوا إلى أن هذا قضاء وليس إفتاءاً، لو قال شارحاً هكذا – مُجرَّد شرح – أن الأحاديث تقول كذا كذا كذا وأن الشراح يقولون كذا كذا كذا وفصَّلوا في معنى النزاع والمُنازَعة لقلنا له هذا أمر مُختلِف، علماً بأن هناك أقاويل كثيرة هو لم يتعرض لها، لكن نحن نقول لهذا الذي جلس لكي يُفتي ويُعلِّم ويُدرِّس حين تقول لي ما هو حكم جبهة الإنقاذ فهذا تنزيل لفتوى أنت فهمتها على واقع مُعين، وهذا نشاط قضائي واشتغال قضائي، وأنت لست قاضياً فلماذا تُمارِس دور القاضي؟

أنا حذرت من على هذا المنبر – أعتقد هذا كان قبل أشهر – من هذا، أليس كذلك؟ فأنا حذَّرت من الخلط بين مُمارَسة الفتوى المُدعاة ومُمارَسة القضاء، لكن بعض الناس من المُمكِن أن يُفتى ويقضي ويأخذ مُسدَّساً ويذهب لكي يُنفِّذ – ما شاء الله عليه – أيضاً، فإذن تذهب الدولة إلى حيث ألقت، نحن لا نحتاج دولة، نحن نُشرِّع ونحن نقضي ونحن نُنفِّذ ومن ثم الدولة لا دور لها، وهذه كارثة يا إخواني، لكنكم قد تقولون لي بغض النظر عن هذا ما مدى صحة هذه الفتوى؟ غير صحيحة بالمرة لا من قريب ولا من بعيد، هل تعرفون لماذا؟ كيف يُمكِن أن نُفسِّر النزاع في الحديث الذي يقول فإن جاء رجل يُنازِعه؟ ما معنى النزاع هنا؟ النزاع هنا هو النزوع المُسلَّح أو النزاع المُسلَّح، أي أن تأتي فرق وميلشيات وجيش لكي يقتلوا الناس ويقتلوا الحكومة وما إلى ذلك، فهذه لابد أن نتصدى لها تصدياً مادياً عسكرياً، إذن هذا هو النزاع المقصود وعليه دليلان، لكن حتى لا أُطوِّل عليكم –  هذا يحتاج إلى خُطبة – سأقول سريعاً أن هذا هو النزاع المقصود بدليل أن سيدنا عثمان بن عفان – الخليفة الشهيد المظلوم  رضوان الله عليه – قبل أن يُقتَل ظلماً وعدواناً لأشهر طويلة – كان يعلم والصحابة يعلمون أن هناك مَن يطلب رأسه ويُحرِّض عليه ويُجمِّع لقتله، ومع ذلك لم تصدر فتوى لا من عثمان ولا من أي صحابي بمُلاحَقة هؤلاء وقتلهم، لكن متى كان ينبغي  أن يُتصدى لهم؟ حين رفعوا السيف حقيقةً وحوَّلوا المُطالَبة السياسية والمُشاغَبة السياسية إلى عمل إجرامي مُسلَّح، فهنا يُتصدى لهم إذن، وهذا هو معنى المُنازَعة، لكن من حق الإنسان أن يعترض سياسياً ومَن حق الإنسان أن يقول لست مُعجَباً بهذا النظام وأُطالِب برحيله، لكن بعد ذلك هذا كيف يُعالَج؟ يُعالَج أيضاً دستورياً، إذا الدستور يُخوِّل هذا الشيئ وهناك مُطالَبة يسمح بها الدستور والتشريع فأهلاً وسهلاً، أي أن الموضوع لا يخضع لهواك أنت الآخر أيضاً، ليس لأنك من المُعارِضين الكبار ومدعوم من الشرق أو الغرب تفعل ما تُريد، هذه مسائل دستورية أيضاً ومعروفة حتى في الدستور القديم فنرجع للدساتير إذن، لكن لا مجال للقتل، وهذا كان الدليل الأول، أماالدليل الثاني –  وهذا سيصدم مَن يستمع إليه – هو أن الإمام عليّ – عليه السلام – وهو رواي شطر كبير من أحاديث الخوارج  وأنهم كلاب النار وأن أولى الطائفتين بالحق هى التي تقتلهم وقال أن النبي هدَّد بأشياء يتضح من كلامه ومن ظاهر الأحاديث في الخوارج أنهم كالكفار، لكن عليّ لم يُكفِّرهم، هم كفَّروه ولم يقتصر الأمر على مُطالَبتهم بأن يعتزل بل سموه ولقَّبوه بأمير الشياطين، وقالوا له أنت لست أمير المُؤمِنين يا عليّ بن أبي طالب ويا زوج فاطمة بنت محمد – عليها السلام – بل أنت أمير الشياطين، وحاشاه وحاشاه وحاشاه إلى انقطاع الزمن وليس إلى انقطاع النفس عليه السلام، لكن هل قتلهم؟ لم يقتلهم أبداً، بل قال لهم علينا ثلاث، لكن ماذا عن أنهم يكفرونك يا أبا الحسن؟ قال هذا هبل فماذا نفعل لهم؟ هؤلاء مُشاغِبون سياسيون ولا يفهمون شيئاً، لكنهم يكفِّرونك ويُطالِبون برأسك ويجمعون الميلشيات عليك فماذا عن هذا؟ قال لا تُوجَد مُشكِلة لأن لم يحدث أي شيئ حتى الآن، فانظروا إذن إلى هذا المبدأ وإلى حرص الإسلام على الدماء وحرص الإسلام على الوحدة الوطنية وحرص الإسلام على كرامة الإنسان يا إخواني، هذا هو الإسلام، ولذلك قال لهم علينا ثلاث، لا نبدأهم بقتال – نحن لا نبدأ بالقتال، هم مَن طالبوا برأس الإمام عليّ، لكنه قال لا نبدأهم بقتال لأنهم لم يبدأوا، إذا بدأونا سوف نرد عليهم، لكن ليس عندنا مُشكِلة في أن يفتواو أن يكفِّروا وأن يطالبوا برأسي وبدمي، وهذا معنى لا نبدأهم بقتال، يا سلام على الإمام عليّ عليه السلام، تعلموا من عليّ وليس مما تفهمونه من شرح النووي على مسلم، ليس هكذا الفقه وليس هكذا الدين  وليس هكذا العقل وليس هكذا تُدار الأوطان في لحظة الأزمات، بهذا ستُفجِّر الوطن وتُفجِّر الأمة – ولا نمنعهم مساجد الله – اليوم يمنعونها، وقلت لكم في الخُطبة السابقة مئات المساجد في بلاد الثورات والربيع العربي لا يدخلها الآن إلا أبناء لون خاص من الإسلاميين، فإذا دخل أحد مثلي ومثلك يُدَقون رأسه، هذا ممنوع ومن ثم انشقت الأمة رأسياً، فماذا نحن عندهم؟ هل نحن أصبحنا أسوأ من الخوارج عندهم؟ عليّ قال لا نمنعهم مساجد الله – ونُعطيهم من الفيء ما كانت يدهم معنا – إذا قاتلوا أعداء الأمة نعطيهم من الغنائم والأفياء أيضاً – على عدونا وعدوهم، فيا سلام على الإنصاف، لكن أعظم ما في هذا أنه قال لا نبدأهم بقتال، فحتى وإن كفَّروني وإن طالبوا برأسي ودمي لن أبدأهم بقتال، فلا تقل يا مولانا – غفر الله لي ولكَ وعفا الله عني وعنكَ – أنهحكم جبهة الإنقاذ القتل، وهذا ليس دفاعاً عن جبهة الإنقاذ، جبهة الإنقاذ لا تُعجِبني ولا تُغريني، وأنا  أرى رأي العين أيضاً  للأسف – كما قلت – أنهم لا يُبَّدون مصلحة مصر على أشياء كثيرة، فالمُعارَضة في مصر ليست بريئة أيضاً وليست نظيفة ومُستقيمة، والحكومة أيضاً عليها انتقادات جمة وكثيرة، فعلينا أن نُبَّدي مصلحة الوطن ومصلحة الدين وعلينا أن نلتزم بالصدق، إذا كنا غير قادرين على أن نلتزم بالحقيقة فعلينا أن نلتزم بالصدق وأن نقول ما نعتقد وما نرى، فنسأل الله – تبارك وتعالى – أن يهدينا سبل الرشاد.

اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، اهدِنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مُستقيم، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأذهب سخائمها وشحناءها وبغضاءها برحمتك يا أرحم الراحمين، واهدِنا إلى أرشد أمرنا، واغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ومنَك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة

(8/2/2013)

http://www.facebook.com/Dr.Ibrahimadnan

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: