إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ۩ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۩ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ۩ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ۩ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۩ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ۩ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ۩ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

رجل زعيم جماعة من الناس يُتهم من أعدائه وأخصامه بأنه فاحش سبّاب عياّب فينبري نفر من أتباعه يدفعون عنه ويذبون عن عِرضه بسباب وفُحش وبذاء مقيت، فهل ترونهم ذبوا عنه أم أكَّدوا التُهمة؟!

وبالمثل نبي موصوف – صلى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً – بأنه رحمة للعالمين، بأنه السراج المُنير، البشير النذير، الرحمة المُهداة والنعمة المُسداة، ولكنه يُتهَم ظلماً لا ريب بأنه إرهابي وقتّال وجزّار وذبّاح، فينبري أنفار من أتباعه وأمته زعموا ليذبوا عنه، زعموا لُيدفعوا عنه فيقتلون ويذبحون ويخرِّبون، فهل ترونهم دفعوا عنه أم أثبتوا التُهمة عليه؟!

فهذا منطق بسيط وهو واضح جداً، نسأل الله أن يتم علينا عقولنا وأن يتم علينا إيماننا، حتى لا نُطوِّل بذكر مُقدَّمات – فنحن أمامنا المُقدَّمات النتائج، الأمة المسلمة أمامها في شتى الأسقاع والبقاع المُقدَّمات النتائج في آن واحد فلا نريد مُقدَّمات نُطوِّل بذكرها – ندخل في موضوعنا عمداّ مُباشَرةً إلى لُب الموضوع، كيف أرشد الكتاب العزيز – أي رب العالمين لا إله إلا هو – إلى التعاطي مع هذه الموضوعة الحسّاسة الحرجة وهى موضوعة سب النبي وإيذاؤه باللسان وبالهُزء وبالسخرية و بالتنقص وبالشنئان؟!
وهل هذا حصل؟!

كثيراً ما حصل، فالقرآن طافح بذكر نماذج من سباب المُشرِكين الوثنيين والمُنافِقين وأيضاً من عادى رسول الله من أهل الكتاب، ووُصِفَ – عليه الصلاة وأفضل السلام -بالكذّاب وحاشاه كما وُصِفَ الأنبياء جميعاً، والقرآن أكَّد هذا فما مِن رسول إلا كُذِّبَ ووُصِفَ بالكذب والنبي لم يكن بدعاً فوُصِفَ بالكذّاب، وُصِفَ بالساحر، وُصِفَ بالشاعر، بالكاهن، بالمُعلَّم، بالمُفتري، فقالوا في مواضع كثيرة أنه مفترٍ، وهذا شيئ أبعد من الكذب فهو يفتري على الله الكذب – والعياذ بالله تبارك وتعالى – فضلاً عن وصفه وبأوصاف أُخرى، إذن القرآن ملآن بهذا، فبماذا أرشد الله نبيه أن يفعل في مثل هذه الحالات؟!

ومعذرةً نحن لا نريد قول فقيه الآن، لا نريد قول هيان بن بيان وسفيان بن سعدان، بل نريد قول رب العالمين – لا إله إلا هو – فالقرآن طافح بالمُقابِل وبالإزاء بآيات كثيرة جداً تأمره بالصفح، بالإعراض فالله يقول خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ۩ فضلاً عن الآيات التي تأمر بالصبر وبالهجر الجميل كقول الله وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ۩، أي أن الله يقول له لابد أن تصبر كما صبر الأنبياء من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا وأُوذوا، ولكن وعده الله بالإزاء بأنه سيكفيه، فالله قال له “لن تنتقم أنت لنفسك إذا سُبِبتَ أو شُنِئتَ أو تُنقِصتَ لأن هذا لا يليق بالأنبياء فلا تنتقم لشرفك أو لكرامتك، ولكن الله هو الذي سيكفيك، فهذه مسألة تختلف عن مسألة أن يتمادى الأمر بأعدائك ومُبغِضيك إلى إعلان الحرب عليك ودهمك في دارك لأن هذه مسألة أخرى فلابد أن تدفع عن نفسك”، ولذلك علينا أن ننتبه إلى قول الله – تبارك وتعالى – في جماعة شآنؤه من أهل الكتاب، وحتى نكون واضحين علينا أن نقول أنهم من أهل الكتاب وبالأخص كانوا يهوداً فالقرآن هو الذي يقول هذا، علماً بأن الله – تبارك وتعالى – عمم أيضاً فقال هذا وقع ويقع من أهل الكتاب ومن المُشرِكين في حق النبي وفي حق أصحابه جميعا، قال الله وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا ۩، فالله أمرنا أيضاً بهذا، ومع ذلك تجد مَن يقول لك “هذه الآية في سورة آل عمران وهى آية منسوخة”ولكنها ليست منسوخة، عفواً – Sorry – ليست منسوخة، فهم سيأتون إلى كل آية مكية ويقولون لك منسوخة بآية السيف وعلم الله أنهم كذبوا، علم الله أنهم كذبوا على رحمة الإسلام وعلى خلق القرآن وعلى صاحب الخلق العظيم بسيف النسخ هذا فلا كان من سيف، أخزاه الله من سيف – سيف النسخ هذا – فكم ضاروا به وكم أضروا به بسمعة القرآن والنبي ورب العالمين لا إله إلا هو؟!

هذا في سورة آل عمران وهى مدنية، والله أمرنا بالصبر والتقوى على ماذا؟!

على الأذى الذي نسمعه في حق ربنا وفي نبينا وفي حق كتابنا وفي حقنا نحن كأمة، فلا يُوجَد لدينا مُشكِلة في هذا، فالله قال في أنفار من أهل الكتاب لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۩، والمقصود بكلمة الأذى أنهم يسبونكم ويطعنون في ربكم وفي كتابكم وفي محمدكم فلا بأسن فالله يقول هذا الأذى مُجرَّد كلام والكلام لا يقتل، ولكن هل تعرفون الكلام الذي ينبغي أن يُعاقب طبعاً في الدساتير الوضعية؟!

في العالم كله يُعاقب على الكلام الذي يؤدي إلى القتل والذبح، أي التحريض ومن هنا يقولون لك هذا مُحرِّض فهو يُحرِّض على القتل، يشعل نيران الحروب ومن ثم لابد أن يُعاقب، أما الذي يسبك فيقول لك أنت كذا وكذا فالله يقول هذا مُجرَّد أذى والكلام لا يقتل، قد يجرح نفسياً بلا شك ويُحزِن لكنه لن يقتل، لن يقطع الرقاب، لن يُفجِّر الناس، لن يحيق الهزيمة بنا أو بديننا، وهذا ما يدل على معقولية أو عقلانية القرآن الكريم ولكن للأسف كثيرٌ من المسلمين بعداء جداً من هذه المعقولية القرآنية، فالله يقول لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۩ ومن ثم فليسبوا ما وسعهم السب وسيعود عليهم شنآن سبهم، سيكونون سبّابين عيّابين شتّامين، فهذه صفاتكم وبالتالي سبوا وعيبوا واشتموا ما شاء لكم السباب والعياب والشتام، لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ – إذا انجر الأمر إلى مُواجَهة مسلحة وقتال واعتدوا عليكم – يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ۩، ولم يقل الله – تبارك وتعالى – أبداً فقاتلوهم وأن يقاتلوكم، فلا يمكن أن يؤمر بقتال من أجل ماذا؟!

السباب والعياب، من أجل الأذى، من أجل الرسوم .

ومع ذلك تجد مَن يُحدِّثك عن الرسوم الكاريكاتيرية التي رُسِمَت في حق النبي، فوالله ما أعطى هذه الرسوم مكانها ولا أشهرها في العالم إلا حماقة المسلمين – وأنا أقسم بالله على هذا – ولا معقولية المسلمين، فيا أخي كم نحن عاطفيون وبلا عقل ؟!

هناك عاطفة مُنفلِتة، عاطفة غير مُهذَّبة، غير مُقرّأنة، فلا تهتدي بهدي القرآن الذي يقول لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۩ فضلاً عن أن الله يقول أيضاً وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ۩ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ۩، أي أن الله يقول أنا الذي سيكفيك فمَن استهزأ بك أنا أكفيكه، لكن لا يليق ولا يجدر بك أن تذهب أنت يا نبيي يا خيرتي يا حبيبي وتُغري بقتله أو بقطع رأسه أو بتعذيبه أو بهدره لأنه سبك وأذاك، فهذا لا يليق ولم يلق هذا بنبي ولا يفعله نبي، فما رأيكم؟!

وسنثبت هذا على الرغم من أنهم سيقولون اسكت فيا لك من جاهل مُتملِق – نسأل الله ألا نكون كذلك فالله أعلم بحقائق البشر – فأين أنت من واقعة اغتيال النبي لكعب بن الأشرف اليهودي؟!

سنجيب عن هذا، فنحن جئنا اليوم هنا لنجيب، علماً بأنني تلقيت أكثر من رسالة من إخوة صحفيين وغير صحفيين يقولون لي بماذا نُجيب يا شيخنا عن ما يحدث حيث أنهم يقتلون ويذبحون ويرهبون – إرهاب – بإسم الله، بإسم محمد، بإسم القرآن، بإسم المُسلِمين؟!

هل قُضى على المسلمين أن ياتيهم زمان ولعله قريب – أسأل الله ألا يكون قريباً – لايجدون فيه مأوى يأمنون فيه على أنفسهم وأموالهم وأهليهم وأعراضهم؟!

هل تُدرِكون يا أحبتي حجم الكارثة التي نسارع إليها؟!

في بلاد العُرب والمسلمين يتسلَّط المسلمون بعضهم على بعض تقتيلاً وتهجيراً وترويعاً، وفي بلاد الله التي يختص بها غير المسلمين يأتي بعضٌ يسير جداً من المسلمين من الجرائم ووجوه الإرهاب الشنيعة الفظيعة ما لعله سيحيل حياة المسلمين هنا إلى جحيم، وأكيد لصبر هؤلاءالناس حدود ، لصبر الخلائق والأقوام حدود، وهذا أخشى ما نخشاه، وطبعاً هؤلاء الذين يذبحون ويقتلون ويروِّعون بعد أن اختطفوا الإسلام وشوهوا سُمعته يريدون هذه النتيجة، والله يحبونها ويعملون عليها، هل تعرفون كيف بنوا وعلى ماذا بنوا خُطتهم؟!

تأملوا وستعرفون الجواب، بنوا خُطتهم على أنك إن لم تكن قاتلاً فأنت مقتول، ولكن ما معنى الكلام هذا؟!

معنى هذا الكلام – وانظروا إلى بلد العرب والمسلمين – إن لم تكن معنا وإن لم تؤيدنا بقدك وقديدك فأنت ضدنا، أحد رؤوسهم من الكويت – لن أذكر أسماء – ذهب إليهم في الشام ينصحهم مُستنكِراً هذا القتل الذريع بإسم الدين وهذا التعجل بقتل المُوحِّدين، ولأنه يستنكر هذا جادلهم وناقشهم وهو منهم – هو أحد مُنظِّريهم وليس معارضاً لهم – ولكنهم قالوا له أنت ارتددت وكفرت بهذا الفقه وسجنوه، ثم قالوا له اعترف بالردة والكفر على نفسك وإلا قتلناك ولكنه لم يعترف فقتلوه، ويدّعون أن هذا إسلام وجهاد وأن هذا قرآن وأن هذه سنة محمد بن عبد الله!

عُوا أيها المسلمون، افتحوا أعينكم، استيقظوا قبل ألا تستيقظوا، جدوا فالأمر جد وليس بهزل، فإذن هم بنوا خُطتهم على أن تكون معهم بغير مثنوية، بغير تعليق، بغير استثناءات، تكون معهم بالقد والقديد حيث المُطابَقة المُطلَقة فأنت عبد ويجب أن تكون عبداً فكرياً لهم بالكامل وإلا قتلوك، فإن كنت معهم فأنت قاتل ومن ثم استحلت إلى مُجرِم وإلى إرهابي حقيقي فتقتل بغير سلطان من الله – والعياذ بالله – وترتكب أعظم جريمة بعد الشرك بالله وهى قتل النفوس المعصومة وإهدار النفوس المحرمة، وإن لم تكن معهم ضاق عليك الخناق حتى تُصبِح ضحية فتكون قتيلاً، فما هذه الخُطة الملعونة؟!

إما أن أُصبِح قاتلاً أو مقتولاً، فهل لا يُوجَد حل وسط؟!

هم يكفرون بهذه الحلول الوسط أصلاً، فأنت إما قاتل وإما مقتول، إما جزّار وإما ضحية، إما جزّار وإما خروف يُذبَح أو صرصار يداس حتى فالخروف له قيمة نقدية أما الإنسان فليس له قيمة عند هؤلاء البشر، وهذا شيئ مُخيف ومُرعِب، وسوف نرى بعض مُستنَدات هؤلاء فيما يتسع له مقام الخُطبة وبالذات فيما يتعلَّق بقصة كعب بن الأشرف، حيث أن هناك مَن يشغب بالقول أن النبي قتل كعب بن الأشرف اليهودي لأنه كان يسبه وأن النبي أهدر دم أم الولد التي قتلها سيدها الأعمى لأنها كانت تسب النبي فقال دمها هدر، أي النبي يقتل مَن سبه ولذلك هم يقولون نحن مشروع لنا أن نقتل مَن يسب النبي في كل مكان سواء في بلاد المسلمين أو في بلاد غير المسلمين فنقتل ونُفجِّر ونذبح ونفتح الرصاص على مَن يسب النبي.

أحسب أنه وضح لكم الآن على الأقل بضربة واحدة أن هذا الهدي ليس بهدي قرآني بل هذا ضلال، فهذا ليس هو الهدي القرآني لأن القرآن يقول “اصبر، اصفح، اعفو، إعرض، اجهر جهراً جميلاً، كِل الأمر إلينا”، الله يقول “أنا الذي سأنتصر لك يا خيرتي بطريقتي الخاصة، أنا سأكفيك المُستهزئين”، النبي ذهب إلى أن الأمل لا يزال موجوداً ليس في مَن سبه وعابه بل حتى في من آذاه بالفعال، ليس بالأقوال حتى في حق مَن أراده على أن يعود إلى الشرك والطغيان والوثنية، وتعرفون القصة (إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يشهد أن لا إله إلا الله) فرفض أن يُقتَلوا حتى وهم كفار وثنيون بعد أن أخرجوه وآذوه فلم يُرِد أن الموت لهم ولو بكارثة طبيعية مثل أن يُطبق عليهم جبلان كنوع من الزلزال، فالنبي لا يريد هذا وذهب إلى أبعد من هذا وأذكركم لربما للمرة العشرين أو الثلاثين – وكلكم على ذُكر إن شاء الله تبارك وتعالى – بماذا عامل النبي مَن سبه، وأيضاً لا أقول لكم أن مَن سبوه كانوا كفاراً خارج سلطانه بل هم مُنافِقون – طبعاً كفار وسجَّل عليهم القرآن الكفر – يعيشون في سلطانه وقبضته وشآنؤه أعظم شنئان وقالوا هُوَ أُذُنٌ ۩ فلا عقل له يُميِّز بين صحيح الكلام وغالطه، بين حقه وباطله، بين صفوه وزخرفه، فهو أُذن ولا يفعل شيئاً إلا أنه يسمع، فهو يسمع كل شيئ ويُصدِّق – أستغفر الله العظيم -، ومع ذلك لم يفعل لهم شيئاً، مع أن الذي أخبره بهذا ليس رجلاً من أصحاببه أو رجلين أو ثلاثة بل هو رب العالمين وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۩، وكان الرد قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ۩ فقط، الله يُذكِّرهم ويقول لهم هو أذن لا يسمع إلا الخير ويسمع لخيركم وهو رحمة وهدى للمؤمنين منكم، فقط هذا هو الرد، هذا هو أسلوب القرآن الكريم، فالنبي لم يأت لكي يحارب قضيته هو ولم يقل أنني أنا محمد بن عبد الله رسول الله فمَن نال مني أو مسني أو شآنئني سفكت دمه، لا والله الذي لا إله إلا هو لم يفعلها النبي مرة، إنما النبي جاء ليحارب قضية ماذا؟!

قضية الحق والباطل بأساليب الحق والجدال بالتي هى أحسن في الدعوة – قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۩– إلا أن ينجر الأمر – كما قلت لكم وأذكِّر مرة أخرى – إلى إعلان الحرب عليه وإرادة اجتثاثه ومَن معه، فلا يملك إلا أن يدفع عن نفسه، فقط هذا هو، أما فيما دون ذلك فهو يدفع السيئة بالحسنة، وهذه سيئة أن أُسب وأن أُلعن وأن أُشتم فكيف النبي يدفعها؟!

بالحسنة.

هل هناك اسوأ من سيئة عبد الله بن أبي رأس النفاق الذي طعن في عِرض رسول الله واتهم زوجه الصدّيقة بنت الصدّيق فضلاً عن أنه سب رسول الله بشخصه والقرآن سجَّل عليه بهذا فتباً له وتباب حيث قال لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ ۩؟!

أستغفر الله العظيم، اقشعر بدني من هذه الآية، فعل النبي يُوصف بهذا؟!

وقال أبعده الله وأخزاه – وقد فعل – لا أجد لنا ولهم – أي النبي وأصحابه من المهاجرين بالذات طبعاً – مثلاً إلا كقول الأول (سَـمِّـنْ كـَـلـْـبـكَ يَـأكـُـلـْـكَ)، أستغفر الله العظيم، أيُضرب بهذا مثل لرسول الله ويُقال (سَـمِّـنْ كـَـلـْـبـكَ)؟!

فماذا فعل النبي؟!

طبعاً ناهيكم عن الفعال، فماذا فعل مع النبي؟!
كيف انخذل بثلث الجيش؟!
كيف أراد الهزيمة لرسول الله؟!
وقطعاً أحد أسباب هزيمة أحد انخذال عبد الله بثلث الجيش أي بنحو ثلاثمائة، فلو كانوا موجودين ربما لم تقع الهزيمة ولم يمت اثنان وسبعون من خيرة أصحاب رسول الله، لكن هذا المنافق الملعون فعلها فهو خائن خيانة عظمى، فهذا هو ما يسمى الآن بالخيانة العظمى High treason، ومع ذلك النبي لا يريد أن يدخل الناس حتى في حرب شبه أهلية مُصغَّرة، لا يريد أن يحرج القلوب، لا يريد أن يثير حساسيات، لا يريد أن يُؤثَر عنه أنه يقتل أصحابه وأنه يقتل على الرأي وعلى حرية التعبير فضلاً على أن يقتل على حرية الضمير وعلى الدين،   النبي لا يفعل هذا فالله قال لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩ وقال أيضاً لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، ولكن هذه المسألة غير مسألة حرية الضمير، ولكن هذه المسألة تتعلَّق بسوء التعبير وقلة الأدب وهذه الأشياء يُعاقب عليها في كل القوانين الآن، اذهب أنت وأطِل لسانك في زعيم دولة أو في زعيم أمة أو في بابا الفاتيكان اليوم، لن تُترك بل ستُقاضى وستُجرجر إلى المحاكم بالقانون لأن كل شيئ له حدود، وهذا اللعين أطال لسانه في رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقال فيه بعض ما سمعتم وبعض ما قلته لكم فلن أتحدث عن سائر فعاله، ومع ذلك جاء ابنه – رضوان الله على ابنه – يستأذن الرسول الرحمة أن يقتله، فقال له النبي ( كلا، لا آذن لك ولا لغيرك بل نُحسِن صحابته)، أي نُحسِن صحبته، نُجامِله، نُحاسِنه ولا نخاشنه، نُواصِله ولا نُصارِمه، فالله أكبر يا رسول الله، فهل هذا هو رسول داعش اليوم ورسول الإرهابيين؟!

ما الذي يحصل لهذه الأمة؟!

حسبنا الله ونعم الوكيل، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ۩، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يُترك كل هذا الهدي الذي يعلمه وينبغي أن يعلمه أبناء الابتدائية من الأمة، فنحن نعرف هذه الحكايا والأقاصيص ونحن في الابتدائية، أليس كذلك؟!

فأين نحن منها؟!
لماذا نذهل عنها ونغفلها فنعمى عنها ونصم؟!

ما هذا الجنون الذي أصابنا؟!

أما بقيَ فينا بقية من عقلاء يحرسون هذه الأمة وينقذونها قبل أن تصير حطاماً ومواتاً؟!
ما الذي نفعله بنبينا، بكتابنا، بأنفسنا، بديننا؟!

فالرسول يقول في عبد الله بن أُبي(بل نحسن صحابته)، بل وأكثر من هذا حيث يموت رأس النفاق وينزع النبي الرحمة والنبي الحب والنبي المسامحة والعفو والصفح جبته الشريفة ويُكفِّنه فيها ويُصلي عليه ويدعوا له ويستغفر له الله حتى ينزل قول الله لينهاه عن ذلك فيقول له “هذا كافر لأنه عاش كافراً بك وبي ومات كافراً مُصِرّاً على ذلك، فلا تستغفر له”، وبعد أن نزل قول الحق تبارك وتعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ۩ قال النبي لو أعلم أني لو استغفرت له أكثر من سبعين غفر له لاستغفرت له، يا الله يا رسول الله!

أحبتي في الله هل نسيتم ما أوقفنا عليه كتاب الله بشكل واضح في آيات كثيرة من رد فعل النبي على من كفر به وعاداه وطرده وقاتله وشنئه وتنقَصه؟!
هل أُذكِّركم ما هو رد فعل النبي ولكن سيكون حديثي عن النبي القرآني وتباً لبعض المرويات وتباً لبعض الحكايا والأقاصيص التي ضربنا بها على كتاب الله المبين المعصوم المحفوظ فما عدنا نستهدي به؟!
أنا نعت كتاب الأمة اليوم في هذا العصر الأغبر بالهداية المردودة، نحن رددنا هداية الله فيا ويلنا من الله، والله لم نعد – إلا ما رحم ربي – مُقتنِعين حقاً بأن نقرأ القرآن ونمشي في ضوئه وهداه، بل يمكن أن نضرب على ثلاثمائة آية بحكاية هيان بن بيان حيث روى عبد الرزاق وروى البخاري وروى مسلم وروى فلان وتترك كتاب الله فيا ويلك، أين عقل الإيمان فيك؟!

ويقول لك “هذه سُنة فقطع الله لسانك”، سُنة ماذا يا أخي؟!

سُنة ماذا وأنت تُكذِّب بها كتاب الله يا رجل ؟!

شيئ لا يُصدَّق فأنا لا أستطيع أن أستوعب هذا، مئات الآيات – مئات – تُرَد وتُهدَر كأنها غير موجودة بحكاية وبرواية بسند فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن فلان بعد ثلاثمائة سنة من وفاة رسول الله ويُترك بها الكتاب المُتواتِر المعصوم يا أخي، هذا شيئ لا يُصدَّق، تخيَّل نفسك بين يدي الله الآن والله يُلقي عليك قولاً ثم يُردِّده ثم يُؤكِّده ثم يُعزِّزه ثم يُذكِّر به ولكنك تقول له: رب العالمين استأذن جلالتك وعظمتك يا رب العالمين، هل هناك ثمة حديث فلان عن فلان عن فلان عن فلان يًصدق كلامك هذا أم يا رب العالمين هل تأذن لي أن أشك وأرتاب في كلامك هذا الذي تُلقيه إلىّ مباشَرةً؟!
فما الفرق إذن؟!
إن كنت تُؤمِن بأن القرآن كلام الله فكأنه يُلقى إليك يا صاحب العقل مباشرةً – لا أحب الآن أن أسب أو أعيب، ولكن أقول يا من له عقل أنت مُوقِن بأن هذا كلام الله مباشرةً وليس كلام أحد سواه – فلماذا تتهوَّر وتتوقَّف فيه؟!
لماذا لا يُقنِعك؟!
لماذا ترجح ويرجح في عقلك الديني رواية واحدة أو روايتان بمئات الآيات؟!
أين عقلك وإيمانك ويقينك بكتاب الله؟!

وضحكوا عليك وخدعوك وقالوا “يريدون إهدار سُنة رسول الله”، لا والله كذبوا، بل نُريد أن نُعيد الاعتبار لكلام رب العالمين، نُفرِّق بين صدقية رب العالمين حين يتكلَّم وبين صدقية رجل عن رجل عن رجل، فأين عقولنا؟!

فلان عن فلان عن فلان وكأنهم سمعوا الرسول نفسه بآذانهم يقول هذا مع أنه حديث فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن فلان بخلاف كتاب الله، ولا أحد فينا يطلب لآية قرآنية سنداً فلا أحد يقول لا أُصدِّق هذه الآية حتى تأتيني بسندها وبإسم مَن رواها، أليس كذلك؟!
لأن القرآن مُتواتِر – متواتر طبقياً – فرواه ألوف عن ألوف، ملايين عن ملايين عن ملايين، لا أحد في هذه الأمة – بفضل الله – يشك في هذا، حفظ الله علىَ وعليكم إيمانكم ،على كل حال هل أُذكِّركم بردة فعل النبي تجاه من تسببوا في أذيته؟!

نعم سأفعل، فالنبي قابل ما ذكرت لكم من كفرهم واستهزائهم وتنقصهم وحربهم وإلبهم عليه بالحزن عليهم، كان يحزن وكان الله ينهاه عن أن يحزن عليهم ولم يقل له “اضبط أعصابك يا حبيبي لأن في سيفك رهق فأنت تقط وتقطع الرؤوس ممن يشنأونك ويُحاربِونك، ومن ثم هذا يُشيع عنك تُهمة بإنك إرهابي وبأنك كذا وكذا”، الله لم يفعل لأن محمداً لم يفعل، ولكن النبي كان يحزن وكان يبكي فقال الله له فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ۩ وقال له لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩ وقال له أيضاً فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۩

فهل قرأتم هذا؟!
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد، فهذا هو محمد القرآن!
حديث ابن حبان وغير ابن حبان في الحبر اليهودي زيد بن سعنة سأُلخِّصه لكم لأنه حديث طويل وجميل، هذا الرجل أقرض النبي قرضاً وجاءه قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة مُتعمِّداً ذلك فأجله بعد يومين ومع ذلك جاء قبل الميعاد بيومين أو بثلاثة أيام وأخذ بثوب النبي من مجامعه فلببه به – انظر إلى أين وصلت قلة الأدب والجرأة على قائد الأمة، فهو ليس فقط نبياً ورسولاً فهو على الأقل زعيم الأمة السياسي والعسكري والرأس الأول في الدولة، والآخر هذامن رعايا الدولة وعلي غير الدين ولكنه مُعزَّز مُكرَّم – وهزه، يقول زيد بن سعنة – رضوان الله عليه لانه سيُسلِم بعيد قليل – ونظرت إليه بوجه غليظ – أي بكشرة – وقلت له: يا محمد ألا تقضيني ديني؟!

ولكن ميعاد قضاء دينك بعد يومين فلماذا أنت مستعجل؟!

ولكن هو هكذا، قال: يا محمد ألا تقضيني ديني فإنكم بني عبد المطلب مُطل؟!

يُريد أن يقول له أنا أعرفك وأعرف أعمامك وآباءك وأجدادك فأنتم تُماطِلون ولا تُحِبون أن تعطوا الحق، أي أنه سبه وسب أصله ونسبه، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، فلو حدث مثل هذا اليوم كان ما شاء الله من غير استئذان فُتِحَ الرشاش عليه وعلى كل مَن معه، لفتحوا الرشاش وقالوا “الله أكبر انتصرنا لك يا رسول الله”، وهذا غير صحيح فلا ينبغي لك أن تنتصر له كما تريد بل انتصر له كما علَّمك هو أن تنتصر إن أردت حقاً وصدقاً أن تنتصر له، وقبل أن أتم حديث زيد بن سعنة أُريد أن أقول بين مُزدوَجين: سألتكم بالله هل انتصرنا له بهذه الطريقة؟!
سألتكم بالله الذي لا إله له إلا هو هل يبقى أحدٌ بعد ذلك من الأمم يرى ما نفعل انتصاراً زعمنا لرسول الله فيتعاطف معنا؟!
بالله عليكم هل تُقدِّرون أن بوذياً أو هندوسياً أو كونفوشيوسياً أو روسياً مُلحِداً أوغير ذلك حتى وإن كان بلا دين يبقى يتعاطف معنا بعد أن يرى ما نفعل من أجل نصرة نبينا ؟!

فإذا كتب أحدهم كلمة عنه أو استهزأ به أو سبه أو رسم كاريكاتير عنه فإننا نذبح ونُفجِّر ونقتل بالجُملة ونقول “الله أكبر انتصرنا لك “، ولكن نحن هكذا نقطع كل لسان يتعاطق معنا بهذه الطريقة، فما عاد أحد يتعاطف معنا والبقية عندكم، فماذا سيكون مصير أمة تكفر بها بقية الأمم وتُبغِضها وتلعنها الأمم من عند آخرها؟!
ماذا سيكون مُستقبَلها ومُستقبَل دينها وكتابها؟!
افتحوا عقولكم كما قلت لكم للمرة المائة وكونوا جادين فلا تلعبوا لأن الأمر ليس لعباً، إن أراد لكم قوم أن تفنوا وأن تضيق عليكم الأرض بما رحبت فهل تودون هذا لأنفسكم؟!
إذن عليكم أن تفهموا وأن تتصرَّفوا بالشكل الصحيح، والشكل الصحيح ليس فلسفةً أو عقلاً أو منطقاً وإنما قرآن وسُنة، فنحن أهل القرآن والسُنة.
ونعود إلى الحبر اليهودي زيد بن سعنة حيث قال:

ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران كالفُلك أو كالفَلك في رأسه، في صحن وجهه، فقال: يا عدو الله أتقول لرسول الله ما سمعت وتستقبله بما رأيت؟!
والله لولا خشية الفوت لضربت بسيفي هذا ما بين عينيك، أي لولا فوت ما أخشاه لأنك ذمي معاهد ولا يجوز قتلك ربما بهذه الكلمة فأقتلك فأدخل النار والنبي قال “من قتل ذمياً أو معاهداً لم يرح رائحة الجنة”، فلا يُمكِن أن تقول اذبح هذا اليهودي أو النصراني أو المجوسي وإلا لن ترح رائحة الجنة، فالنبي هو الذي قال هذا، وأنت تقول لي أنك تبحث عن السُنة فهذه هى السُنة الصحيحة، فإن قتلته لن تشم الجنة حتى وإن قلت لي أنه سب النبي بدليل أن زيد بن سعنة سب النبي أمام النبي ولم يقل النبي اقتلوه لأنه سبني وهذا حده، إذن كل هذا كذب فالنبي لم يفعل هذا ولا يفعل هذا، علماً بأننا سنُجيب عن أسطورة كعب بن الأشرف هذا حيث أنها ستكون الآن في النصف الثاني من الخُطبة إن شاء الله، ولكن للأسف الوقت يُدرِكنا وعلينا أن نعود إلى قصة زيد بن سعنة، فماذا فعل له رسول الرحمة؟!
ما زاد على أن تبسم – تبسم النبي بكل هدوء وحلم وسكينة، فهذا هو محمد – ونظر إلى عمر وقال “يا عمر كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا – أي أن كلامك هذا غير صحيح وفي غير موضعه – أن تأمرني بِحُسْنِ الأداء، وتأمره بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ”، فما أحلمك يا رسول الله؟!

وهل امتنعت أن تؤدي؟!
وهل يا حبيبي ويا روح قلبي ماطلت أن تؤدي دينك وهو الذي آتاك قبل يومين أو ثلاثة مُتعمِّداً؟!
كان يُمكِن للنبي أن يكون مضيِّقاً في الحجاج ومُستوعِباً لحقه فيقول: كنت أنت أحرى يا عمر أن تذكر هذا اليهودي قليل الأدب بأنه آتى قبل محل الأجل بيومين فتباً له، لماذا فعل هذا؟!
ولكن النبي لم يقل هذا بل تغاضى عن هذه المسألة، فالنبي واسع ورحيم جداً ومن ثم لا يدخل في كل التفاصيل أبداً، وهذه هى طبيعته بل يلتمس لليهودي العذر فلعله نسى أو لعل سبب دعاه – فلا ندري – أو لعله احتاج للمال قبل محله، إذن النبي غضَّ عن هذه النقظة تماماً وقال “يا عمر كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا”.
صلى الله عليك يا حبيبي، والله اشتقنا إليك يا رسول الله، والله إننا لفي شوق شديد إليك – أقسم بالله العظيم – ووالله إن القلوب والعيون لتدمع وتبكي حين ترى الإساءات تتوالى عليك باسم حبك ونصرتك – أقسم بالله العظيم -، علماً بأن لوسألني أحدهم عن ما يجري فلن أكذب ولن أُجامِل ولن أُداجِل أو أُداهِن لأنني مُتأكِّد من أنهم لو أحبوه صدقاً وحقاً لعرفوا كيف ينصرونه، أما وهم يسيئون إليه فبالنسبة لي – وقد أكون مبالغاً، قد أكون غلطاناً كما يُقال – أنا مملوء قناعة بأنهم لم يحبوه حقاً، فلو أحبوه لتلبستهم روحه بإذن الله – والله العظيم – ولمسهم شيئ من هديه، شيئ من روحانيته ومحبته ومن رحمته ومن تسامحه، فما رأيكم؟!

هو هذا، ولذلك لا نغتر بالكلمات التي تدور على أننا نُحِبه وننصره ولكننا في حقيقة الأمر نُسيء إليه، فهذه مسائل أخرى ولها تحليل نفسي آخر لسنا الآن بصدده.

قال النبي عن اليهودي “وكان هو أحق يا عمر أن تأمره بحسن التباعة” أي بحسن التقاضي فتقول له يا يهودي لا يكون هكذا الذي يتقاضى دينه، تقاض دينك بأدب وهدوء، فلماذا تتقاضاه بهذه الطريقة؟!
لماذا تُجلبِّب القائد الأول والنبي الرسول طبعاً لهذه الأمة فأنت هكذا أحرجتنا وأغضبتنا لأنك تفعل هذا بنبينا أمام أعيننا وهذا ما يُعَد استفزازاً ومن ثم أنت استفززتنا؟!

ولكن النبي قال “يا عمر اذهب معه واقض حقه، إعطه دينه وزده عشرين صاعاً مكان ما رُعْتَه”، والصاع أربعة أمداد، أي زهاء أربعين لتراً،ولكن لماذا يُزاد عشرين صاعاً يا رسول؟!

والسبب في هذا أن عمر أخاف الرجل ومن هنا قال له النبي حسبما قال النبي لعمر “وزده عشرين صاعاً مكان ما رُعْتَه”، فبما أن هذا الذمي خاف وارتبك هذا الذمي نحن سوف نُعوِّضه، وهذا التعويض ليس لأنه قطع رأسه أو سفك دمه أو قتله وقتل مَن معه وإنما فقط لأنه خاف، يا الله!

فذهب الرجل مع عمر وإذا بعمر يُفاجأ الآن بالنهاية السعيدة لهذه الحكاية حيث قال الرجل “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله”، ومن ثم عمر استغرب: هل أسلمت يا زيد؟!
قال: نعم، أسلمت.

ولكن لماذا فعلت ما فعلت؟!
قال: يا عمر ما من شيئ من علامات النبوة إلا اختبرته في وجه رسول الله ووجدته كما هو مذكور لدينا في التوراة – فهو نبي آخر الزمان الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ۩، والقرآن يقول هذاويتلوه على رؤسهم ومسامعهم ولا يملكون أن يكذبوه إلا أن يكونوا مُهاتِرين وكذّابين على كتابهم، ومذكور أنهم يكذبون على كتابهم – إلا شيئين لم أخبرهما فيه، فكنت ألطف له – أتلطف إليه – حتى أقترب منه، أتعامل معه من قرب فأختبر هاتين الصفتين فيه وقد فعلت.

فما هما هاتان الخصلتان؟!

(يغلب حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً) ، فلا مكان للجهل والغضب والنزق عنده لأنه حليم، فحلمه أكبر بكثير من كل هذا، ولكن هل أمة محمد على هذه الصفة المُحمَّدية؟!
هل يغلب حلمنا جهلنا؟!
هل لدينا عقلانية وسكينة وتؤدة ورحمة وتسامح ومحبة أيضاً وسعة صدر ومغفرة وإعراض وتكبير رأس؟!

والله الذي لا إله إلا هو الرجل فينا نحن الصعاليك الغلابة المساكين لا يكون كبيراً حتى يتغاضى عن أشياء كثيرة ويُكبِّر رأسه، فالسفيه هو الذي يرد على كل شيئ ويعاتب في كل شيئ ويفتح كل ملف ومن ثم لا يحبه الناس ولا يحبون قرباه لأنه سفيه، أليس كذلك؟!

عليكم أن تتعلَّموا أن تكونوا مُحمَّديين، تعلَّموا السُنن، فإذا أردتم السُنن فهذه هى السُنة الحقيقة وليس سُنة تطويل اللحية فقط وتقصير جلباب واستعمال السواك ثم تأتي وتقول لي هذه هى السُنة، فحقيقة السُنة أخلاق وروحانية، حقيقة السنة صفاء سريرة ووضاءة سلوك، فالمُؤمِن هو شخص واثق ومُوقِن ورحماني وإنساني، وهذه هى السُنة فهى ليست مظاهر وطقوسيات وزخارف كاذبة يشوَّه بها الدين والرسول الكريم. عليه الصلاة وأفضل السلام.

إذن الخصلتان هما (يغلب حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً)

على كل حال لقد أطلنا، وقد سمعتم بماذا واجه النبي زيد بن سعنة وبماذا رد عليه، فهل قتل النبي زيداً؟!
وتعلمون قصة ذلك الأعثر الخائب الذي آتاه وهو يقسم ذهباً وفضة عامة النهار بكميات هائلة ولم يعد منها بشيئ إلى بيته أو أهل بيته أو فاطمته الزهراء – عليها السلام – بل يعطيها في الناس ولكن ذاك الأعثر الخائب التاعس يقف على رأسه ويقول “يا محمد اعدل، ما هذه قسمة أُريد بها وجه الله فإنك لم تعدل منذ الغداة”، أي أنك تجلس من أول اليوم بأكمله وأنت تُقسِّم ولكنك لم تعدل، وهو ما يدل على قلة أدب هذا المُتحدِّث وعلى سفه، فهذا يقع في باب قلة الأدب والسفة بل والطعن في الدين، ولكن هل أمر النبي أو أذِنَ بقتله؟!
لم يحدث أبداً، وأنتم تعرفون بماذا أمر هذا النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – الذي لا يقتل من سبه وعابه وشنأه، ومع ذلك يُقال لنا إذن فلماذا أمر باغتيال وغدر – أستغفر الله، تباً لكم يا غُدر، أنتم الغُدر وأنتم مَن تدّعون أنه قتل فتكاً وقتل غيلة، وهذا لم يحدث – كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي؟!
فيما يتبقى من وقت الخطبة سأذكر لكم حكاية كعب بن الأشرف حتى لا يُضحك على لحاكم، حتى لا يُضحك على ذقونكم وعقولكم، لأن هناك مَن يقول أن النبي كان يقتل غيلة كنوع من الاغتيال السياسي ومن ثم يقولون لك هناك باب للاغتيال السياسي في الإسلام وهذا غير صحيح، بل وهناك مَن يتباكى على كعب بن الأشرف ويقولون عنه الجمال المغدور لأنه كان جميلاً وعنده شعر وعطور وما إلى هنالك ولكن النبي قتله غدراً وهذا لم يحدث، علماً بأن مَن يقول الجمال المغدور ويتباكى عليه أُناس من أمة محمد، فاللهم عظم البلاء وكثر الغثاء ولا حول ولا قوة إلا بالله، كم نُسيء إلى نبينا؟!
ما هذا الإصرار على أن نتنقصه كلٌ من جانبه وكلٌ بطريقته؟!

جماعة بالإرهاب والقتل والجريمة، وجماعة بقلة الأدب وتطويل اللسان وانتقاص النبي، فما هذا؟!
كأننا في الزمان الذي يصبح فيه الرجل مُؤمِناً ويُمسي كافراً ويُمسي مُؤمِناً ويُصبِح كافراً، يبيع دينه بعرض الدنيا، زمان الفتن والتقلّب والتحوّل، وهذا شيئ غريب جداً فنسأل الله أن يُثبِّت علينا إيماننا وديننا.
على كل حال وباختصار للأسف بعضهم تغلَّط كابن تيمية في الصارم وذكر أن كعب بن الأشرف القرزي من بني النضير – نضري – وهذا غير صحيح لأنه قرزي، نعم أمه من بني النضير بإجماع من ترجمه لكن الرجل كان حليفاً لبني قريزة ويُقال أصله من طيء ثم من بني نبهان كما قال ابن سلّام الجمحي، ولكن ما علينا من هذا فالمُهِم هو أن كعب بن الأشرف اليهودي كان معدوداً في سادات اليهود بين أخواله في بني النضير ومن هنا ربما الاشتباه أنه نضري وليس بنضري بل هو قرزي، وكان شاعراً مجيداً فيقول الشعر وهو من سادات اليهود، نشأ في النعمة وغُذى بالنعمة فأبوه ترك له مالاً طائلاً، ولكن باختصار علينا أن نقول أن مُحقِّقوا العلماء الذين جزم ابن تيمية أنه لا يعلم لرأيهم خلافاً يُعتَد به بل هذا من العلم المسمى بعلم العامة الذي لا يفتقر معه إلى رواية خاصة قالوا إن هذه حقيقة مؤكدة وهى أن كعب بن الأشرف كان مُعَاهداً موادعَاً، أي دخل في عهد الرسول فهو من أصحاب الصحيفة – من أصحاب صحيفة المدينة – ومن ثم إذن هو بلسان القانون المُعاصِر الآن من رعايا الدولة – كعب بن الأشرف من رعايا الدولة – ومُلزَم أن يحافظ على أمن الدولة والأمة والمُجتمَع لأنه من رعاياها وأخذ الأمان والمُوادَعة بمُقتضى الصحيفة، وهذا ما أكَّده ابن تيمية عازياً إياه إلى محمد بن إسحاق وأهل المغازي والسير والتفسير وذكر أنه لا يعلم فيه خلافاً وهذا هو الراجح – هذا هو الراجح البادي الظاهر – فقد دخلت كل قبائل اليهود في صحيفة النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – غداة وصوله إلى المدينة – على منورها ألف تحية ومليون سلام، عليه الصلاة وأفضل السلام – ولكن ماذا جرى يا إخواني؟!
باختصار حتى لا تُصدِّقوا مَن يقول لكم : كعب بن الأشرف هجى النبي وشبَّب بنسائه – وهو فعل هذا – وشبَّب بنساء المسلمين، فقد شبب بأم الفضل – مثلاً – زوج العباس عم النبي وأم عبد الله وإخوانه، شبَّب بها – قبَّحه الله وأخزاه بفعلته هذه – لكن النبي لم يقتله لأجل هذا كله مع أن التشبيب بالنساء المُزوَّجات يُوجِب عند العرب استحقاق القتل فتُسفَك عليه برك من الدماء لأن هذه عادات العرب وهكذا هو شرف العرب لكن المُعثَّر الخائب لم يكتف بهذا، ولكنه ليس لأجل هذا قُتِل وهذا ما قد يفهمه أحدكم من تلقاء نفسه وقد حسن فهمه – إي والله – فبارك الله في هذا الفهم، لأن محال أن النبي يقتله لأنه سبه وهجاه وقد ذكرت أنماطاً مِمَن سبه وهجاه ولكنه قابلهم بأحسن مُقابَلة، أليس كذلك؟!

هذا هو هدي النبي وهذه هى روح القرآن الذي تلوت عليكم نماذج من روحه فقط وهذه هى روح السُنة، فطبعاً النبي لم يقتله لأنه هجى وسب وشبَّب، وإنما قتله لأجل أمر آخر، فبعد أن صُرِع المُشرِكون الوثنيون في بدر جُنَّ جنون الرجل، فلماذا هذا وهو من الأمة؟!
هو ليس من الأمة الإسلامية ولكنه من أمة المواطنة، فالنبي يقول عنهم أنهم أمة مع المؤمنين، حيث قال أن يهود بني فلان وفلان وفلان أمة مع المؤمنين من دون الناس، ومن ثم أنت من الأمة لأنك من أهل الوطن والدولة وكان يجب عليك أن تفرح بانتصار قائد دولتك على الأعداء المُشرِكين، فضلاً عن أنك كتابياً لأنك من اليهود والقرآن اعتبر كتابكم وأعطاه مزيه واعتباراً وسماكم أهل الكتاب وأجاز مُناكَحتكم وأجاز أكل ذبائحكم وأمرنا ألا نجادلكم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩

فلماذا تفعلون هذا؟!
ورغم كل هذا غضب جداً وحزن وبكى بكاءً مُراً على قتلى المُشرِكين وقال حين بلغه الخبر أنهم صُرِعوا بعد هزيمة ماحقة نزلت بهم: أحقٌ هذا؟!

إن كان هذا حقاً فلبطن الأرض خير من ظاهرها، أولئك أشراف الناس وأولئك ملوك العرب، ثم جلس يبكي!
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ                           وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلُّ وَتَدْمَعُ

وهذا شيئٌ عجيب، حيث قال أنا أبكي وتستهل عيناي وتدمع من أجل ملوك الناس الذين صُرِعوا ببد !

قُتِلَتْ سَرَاةُ النَّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ                     لا تَبْعَدُوا إِنَّ الْمُلُوكَ تُصَرَّعُ

إلى أن يقول – وتباً له من قائل ومقول – في آخره:

صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا       ظَلّتْ تَسُوخُ -أي تسخ – بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ

يا سلام، أقول هذا لعلماني العرب وليبرالي العرب المُنافِقين الفكريين حيث أن هناك نفاق فكري وفلسفي علينا أن ننتبه إليه، وأنا يؤذيني هذا النفاق ولن أُجامِله – لن أُجامِل النفاق – فأنا أؤيّد الحريات، أؤمِن حتى الموت بالحريات كحرية الضمير والتعبير، ولكن أمقت وأكره النفاق – والله الذي لا إله إلا هو – على الأقل لأنني إنسان ولن أقول أكثر من هذا، فأنا إنسان – وأرجو أن أكون إنساناً طبيعياً -أمقت النفاق والملق، فكيف تأتي أنت وأنت عربي مسلم ولا تغمز فقط قناة نبيك بل وتسبه وتقول عنه قتّال غدّار لأنه قتل المسكين كعب بن الأشرف وعنوان الجمال وعنوان الضمير والكمال؟!
يا سلام، بالله عليكم الذي فعله كعب هذا – وأنا لم أكمل لكم ماذا فعل كعب بعد – أو بعضه ألا يدخل مباشرةً بخطوة واحدة في الخيانة العُظمى؟!

طبعاً يدخل في الخيانة العُظمى مُباشَرةً، جرِّب أنت الآن في كل أوروبا وليس فقط في فرنسا – مثلاً – وحدها بل في كل أوروبا – وحُقَّ لهم – أن تُؤيِّد داعش – Isis – داعش وأن تقول أن الذي فعلوه مُمتاز وهو جهاد عظيم وسلمت أيديهم، والله ستُجرجَر مباشرةً إلى المحكمة بإذن الله، فبالله العظيم هم لن يتركوك حتى ولو كان عندك ألف جنسية، وسيقولون لك هذه خيانة، هذا وطنك وبلدك فلماذا تخونه وتُؤيِّد قتلنا؟!
كعب بن الأشرف اليهودي فعل هذا وشعراً، وهل تعرفون ما معنى الشعر؟!
علماً بأنه لم يكتف بهذا، فيقول الرواة والعلماء المُحقِّقون – ذكرت لكم ابن إسحاق وسأذكر لكم الآن أبا محمد البغوي في شرح السُنة وأبا الفرج بن الجوزي وأبا سليمان الخطابي في معالم السُنن و شيخ الإسلام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وسأختم بالحافظ بن حجر، علماً بأن كل هؤلاء قالوا هذا وغيرهم كثير – أن الرجل كان مُعاهَداً مُوادعَاً ولكنه خزع ونقض وخفر بالعهد، وبعد بدر ترك المدينة – بعد أن نقض عهده – وأتى مكة يُؤلِّبهم ويُؤرِّث نيران الثأر والحقد في صدورهم فيقول لهم “اذهبوا إلى محمد واستئصلوا شئفته هو وقومه، ادهموهم واقتلوهم”، فقال له أبو سفيان “لا نأمن، فنحن منك في ريب يا كعب بن لأشرف اليهودي لأن محمداً صاحب كتاب وأنتم أهل كتاب”، أبو سفيان أعقل منه ومن هنا يقول له أنتم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ومن ثم في جوامع مُشترَكة كثيرة بين اليهود والنصاري وبين المسلمين المُحمَّدين، ونحن نعرف هذا – أبو سفيان يقول له – ومن ثم مُستحيل أن نكون أقرب إليك من محمد فلا نأمن أن يكون مكراً، أي أن يكون الكلام هذا كله مُجرَّد تمثيل ومكر منك يا كعب بن الأشرف، فإن كنت صادقاً وأردتنا أن نخرج معك – لقتال محمد وقوم محمد – فاسجد لهذين الصنمين، ففعل وباع دينه، لأن حقده على محمد وعلى قوم محمد بلغ الغاية ومن ثم سجد، وهذا هو التاريخ إن كنت تُريد التاريخ حقاً فلا ينبغي لك أن تأخذ رواية تتماشى مع ما تهوى، علماً بأنني أتحدَّث الآن عن الإرهابيين وعن المُنافِقين الذين يسمون أنفسهم بالليبراليين، أتحدَّث عن المُنافِقين الذين يشنأون نبيي ومن ثم لن أسكت لأن هذا نبيي حبيبي وهذا غضبي له، وهو غضب علمي معرفي تحقيقي، فرد عليه بالعلم والتحقيق إن كان عندك شيئ من العلم والتحقيق، فهذا ما أقوله – ونسأل الله أن يتقبَّله وأن يُبيض به نواصينا يوم القيامة – للمُنافِقين.

على كل حال قال له أبو سفيان بعد ذلك: يا كعب ابن الأشرف أيُنا أولى بالله، أيُنا أهدى، نحن المشرِكون الوثنيون عبّاد الأوثان والأحجار والأخشاب، أم محمد؟!
فنحن نصل الأرحام ونطوف بالبيت ونذبح الكوم – جمع كوماء وهى الناقة، فالكوم هى النوق العظيمة السنام، فيُريد أن يقول أنه يذبحها لإطعام الناس – ونسقي اللبن على الماء ونقري الضيف، ومحمد قطع أرحامه وترك بلده!
يا سلام، وهل ترك محمد مكة اختياراً لأنه يكرهها؟!
لعنة الله على الكذب دائماً في العالمين، وانظروا إلى الظلم والطغيان الفكري حيث قال بل أنتم أهدى من محمد وقومه، فأنزل الله – تبارك وتعالى من مُنزِل – قوله

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ – أي الذين كفروا – أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ۩

الله أكبر، فهل عبّاد الأوثان والأخشاب يا كعب بن الأشرف صاروا أهدى من المُوحِّدين ومن علم التوحيد محمد؟!
فما هذا الظلم؟!
هذا طغيان، ولمن ما علينا من هذا، فهذه حرية اعتقاد وهو حر في هذا مع أنه انقلب الآن ماذا؟!

انقلب حربياً، فهو الآن لا يشنأ الدين فقط بل هو مُحارِباً للدين والدولة ويُريد أن يُؤلِّب على المسلمين، ومن ثم جيَّشوا الجيوش لتقضي على محمد وعلى مدينة محمد، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، فبالله عليكم هل هذه خيانة عُظمي أم ليست خيانة عُظمى؟!

خيانة عُظمى.

وهل يستحق على هذه الخيانة العُظمى القتل أم لا يستحق؟!

يستحق.
وانظروا إلى تشبيبه حيث يقول محمد بن سلّام الجمحي في طبقات الشعراء أن كعب بن الأشرف هو شاعر يهودي قرزي وإلى آخره حتى قال “وشبَّب بنساء النبي ونساء المسلمين”، ولك أن تتخيَّل هذا، فالخزيان الملعون يشبِّب بنساء النبي وأمهات المؤمنين بل ويشبِّب بنساء المُسلِمين بشكل عام، ومن ذلك تشبيبه تصريحاً بأم الفضل زوجة عم الرسول المرأة العربية الحصان الرزان وأم النجوم الهوادي ابن عباس وإخوانه حيث قال:

أَرَاحِلٌ أَنْتَ لَمْ تَحْلُلْ بِمَنْقَبَةٍ                             وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ

صَفْرَاءَ رَادِعَةً لَوْ تُعْصَرُ انْعَصَرَتْ                 مِنْ ذِي الْقَوَارِيرِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ

لعنة الله عليك، المرأة العربية الحرة وزوجة عم النبي يشبِّب بها ويتحدَّث عن عشقه لها ورغبته في أن يصلها جنسياً، فلك أن تتخيَّل هذا، ومع ذلك محمد لم يقتله لهذا السبب رغم أنهم يدّعون هذا ولكنه قُتِلَ لأنه نقض العهد والذمة وألَّب على الدولة والأمة وهذا الذي انتهى إليه المحققون من ذكرت لكم.

ثم استتلى قائلاً:

يَرْتَجُّ مَا بَيْنَ كَعْبَيْهَا وَمِرْفَقِهَا                               إذا تاتت قِيَامًا ثُمَّ لَمْ تَقُمِ

أَشْبَاهُ أُمِّ حَكِيمٍ إِذْ تُوَاصِلُنَا                           وَالْحَبْلُ مِنْهَا مَتِينٌ غَيْرُ مُنْجَذِمٍ

إِحْدَى بَنِي عَامِرٍ جُنَّ الْفُؤَادُ بِهَا                     وَلَوْ تَشَاءُ شَفَتْ كَعْبًا مِنَ السَّقَمِ

أي أنه يصفها جنسياً، فلعنة الله على العُهر، لعنة الله على الفحش!
أدركني الوقت، فيا إخواني بالله عليكم انتبهوا إلى هذه الحقيقة، فكعب بن الأشرف لم يُقتل لأنه سب النبي أو آذاه باللسان أو بالشعر بل لأنه نقض العهد وخان خيانة عُظمى وألَّب على الدولة والوطن والأمة، فكيف يُقاس عليه غير مسلم يعيش في بلده ولا يعيش في ذمتك ولا في سلطانك وهو يتكلَّم في ربك وفي نبيك وفي قرآنك بما يهوى ويشتهي؟!
وبلا شك هو مُخطيءٌ، وكل مَن يتكلَّم في نبينا وفي قرآننا هو يُحزِننا فهو يُسيء إلينا ويُغضِبنا، ولكننا لن نواجهه إلا بما علَّمنا الرسول والقرآن الكريم، فندعو له بالهداية ونرد عليه بالعلم والحجة والمعرفة وفقط، وهو حر بعد ذلك، فهذا هو الإسلام وهذا هو هدي الإسلام، أما أن تقول لي أنا عندي حُجة من الله ورسوله بقتله لأن النبي قتل كعب بن الأشرف فهذا لا يستقيم من كل وجه، والبقية عندكم فقايسوا بين القياسين وسوف تعلمون أي القياسين أقومُ قيلا وأهدى سبيلا.

أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُحسِن رشدنا إلى أحسن مراشدنا وأن يهدينا ويهدي بنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّم تسليماً كثيراً.

اللّهم اهدِنا فيمَن هَديْت وعافِنا فيمَن عافيْت وتَوَلَّنا فيمَن تَوَلَّيْت، اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا.

عباد الله:

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩

وأقم الصلاة!

سأضيف إضافة مهمة، ولكن هذه الإضافة على لسان مَن؟!
على لسان الصحابي الذي قام بقتل كعب بن الأشرف، فما رأيكم؟!

ستكون الإضافة على لسان قائد الفرقة التي قامت بقتل كعب بن الأشرف وهو الصحابي الجليل محمد بن مسلمة، واسمعوا القصة – بالله عليكم – حتى تعرفوا كيف تُميِّزوا الحق من الزيف والصدق من الكذب والنور من الظلام، فيروي أبو داوود – رحمة الله عليه – في سُننه أن محمد بن مسلمة كان في مجلس مروان بن الحكم بن العاص أمير مُعاوية على المدينة – وبالمُناسَبة جميل جداً إنني تذكرت أن الحكم بن العاص أو الحكم بن العاصي كان أحد الصحابة ولكنه يسخر بالنبي ويتخلَّج في مشيته خلف رسول الله، فكان يُقلِّد مشية الرسول حتى غضب النبي وقال له كُن كذلك، فظل يتخلَّج إلى أن لقي الله، ولكن النبي لم يقتله، وهذا ليس مُجرَّد رسم كاريكاتيري، بل سخرية حركية من رسول الله في محضر الناس خلف ظهر النبي، ومع ذلك النبي لم يقل أبداً اقتلوه لأنه يسخر مني، ولكنه نفاه من المدينة ليس لأنه يتخلَّج ولكن لأنه كان يبصبص على بيوت رسول الله، والنبي هو الذي رآه النبي بنفسه ذات يضع عينه لينتهك حُرمة بيته فقال له لو أعلم أنك كنت تنظر لطعنت به في عينك، يقصد لطعنتك بمخيط في عينك لأن الذي فعله شيئ لا يكاد يُصدَّق، ثم نفاه عن المدينة ولم يقتله أويأمر بقتله – ويجلس رجل نضري – من بني النضير – إسمه ابن يمين – وهذا حمَّل اثنين من البكائين في سورة التوبة – فأُتي على قصة قتل كعب بن الأشرف وقال إن قتله كان غدراً – أي أن هذا غدر وفتك يقع تحت طائلة الاغتيال السياسي – فغضب رئيس الفرقة – محمد بن مسلمة – وقال: يا مروان أيُغدّر رسول الله في مجلسك أو في محضرك ولا تُنكِر؟!

فمحمد بن مسلمة طبعاً يعرف أن هذا ليس غدراً ومن هنا قال: يا مروان أيُغدّر رسول الله في مجلسك أو في محضرك ولا تُنكِر؟!

ثم قال “لا أظلني وإياك سقف إلا المسجد”، ثم خرج غاضباً، ويروي القصة بإسناد آخر الإمام الخطابي – أبو سليمان الخطابي – في معالم السُنن على أنها وقعت في مجلس مُعاوية نفسه، فالله أعلم أي ذلك كان ولكن المُهِم هو أن العبرة تدور حول أنه محمد بن مسلمة غضب وهو الذي قاد الفرقة التي قتلت كعب بن الأشرف لأنه يعلم أن كعباً لم يُقتل غدراً، ولكن لماذا نقول أنه لم يُقتَل غدراً؟؟!

الجواب يقع في جُملة واحدة وهى التي سننُهي بها، ولكن قبل أن أقوله هل تعرفون ما هو الغدر؟!

كل الفقهاء قالوا – كل الفقهاء ذكروا هذا وعودا إلى كتب الفقه – هذا ليس غدراً وليس فتكاً والنبي هو القائل في حديث أبي هريرة عند أبي داوود “قيد الإيمان الفتك، لا يفتك مُؤمِن”، ومعنى أن قيد الإيمان الفتك أنه لا اغتيال وفتك في الإسلام، فلا يُقتَل مَن له أمان، أما الكافر الحربي الذي حارب الإسلام وتألَّب عليه في حالة حرب فيُقتَل على أي وصف وننتهي منه لأنه مُشعِل حرب، وخاصة إذا كان من أمثال كعب بن الأشرف الذي كان يُشعل الحروب بالشعر، ولكن هل تعرفون ما معنى الشعر في المُجتمَع ذاك وفي العصر ذاك؟!
هناك مُؤرِّخة أمريكية كبيرة إسمها جويل كارمايكل Joel Carmichael عندها كتاب إسمه تشكيل العرب The Shaping of the Arabs تقول فيه بالنص (الشعراء في ذلكم الوقت والحقبة كانوا مُشعِلي نار الحروب بل كانت أشعارهم البدايات الفعلية لكل حرب)، فهل فهمتم؟!

والسلام عليكم ورحمة الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (9/1/2015)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: