الدكتور عدنان ابراهيم ضيف برنامج في العمق على قناة الجزيرة. موضوع اللقاء مفهوم الشريعة الاسلامية ومقاصدها وعلاقة الشريعة بالدولة المدنية وهل وجد في التاريخ الاسلامي دولة دينية ومن أين اتى مصطلح الدولة الدينية كما تطرق النقاش الى علاقة الدولة بالدين ومدى تعارض مفهوم الشريعه مع مفهوم الديمقراطية.
تقديم : علي الظفيري

– الأستاذ عليّ الظفيري: أيها السادة، يقول الشيخ محمد الغزّالي – رحمه الله – أنا لا أخشى على الإنسان الذي يُفكِّر وإن ضل، لأنه سيعود إلى الحق، لكني أخشى على الإنسان الذي لا يُفكِّر وإن اهتدى، لأنه سيكون كالقشة في مهب الريح.

مديدنا – أيها الإخوة والإخوات – عمر تخلفنا وتراجعنا وجهلنا، وبدا لقرون أن لا مخرج لهذه الأمة من هذا المُستنقَع الآسن، الأمة التي تُحارِب الفكر والرأي والاختلاف، وتُمجِّد كامل طاقم والاستبداد، من المُستبِد وعلمائه ومُفكِّريه وثقافته وإرثه ونتائجه الوخيمة، وقد جاءت الثورات العربية اليوم لا لتُزيح الظلم عن كاهل الأمة فحسب – وتحديداً الأمة العربية الواحدة من المُحيط إلى الخليج – بل لتُحارِب الجهل والسائد والسهل والدارج والشائع، وتُعلي من شأن الفكر والحقيقة والجدل والفلسفة والنقاش والاختلاف، ولتضع على الطاولة كل شيئ، لا لهدمه وتفتيته وإنهائه، بل لتنقيته وتصحيحه وتطويره وتحسينه، وكل شيئ هنا تعني كل شيئ، دون أن يشذ أمرٌ عن هذه القاعدة.

إن الدولة العربية الحديثة الديمقراطية المُسلِمة بالضرورة مشروع يستحق كل الجهد، وبما أنها تتشكَّل الآن أمام أعيننا فمن واجب الصحافة المسؤولة والنُخب المُثقَّفة أن تُمارِس دورها في هذا الشأن، دون أن تلجأ للتدليس والتزييف والانحياز الفاضح للباطل أو الإثارة العمياء، وهذا بكل بساطة ما تسعى له حلقة الليلة مع ضيفنا المُفكِّر الإسلامي الدكتور عدنان إبراهيم، فأهلاً ومرحباً به.

(فاصل)

– الأستاذ عليّ الظفيري: معنا الليلة في العمق الدكتور عدنان إبراهيم المُفكِّر الإسلامي، أهلاً بك دكتور.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أهلاً بك.

– الأستاذ عليّ الظفيري: سعداء بتلبية الدعوة وبقدومك من النمسا في رحلة طويلة اليوم عبر ميونخ، وصلت قبل ساعتين فقط، شكراً جزيلاً لك.

دكتور، تعرف ما بعد الثورات كل شيئ الآن يُعاد إنتاجه في عالمنا العربي، الدولة وتنظيم هذه العلاقات وأشياء كثيرة، ومن ذلك الأفكار أيضاً التي تُؤسِّس لهذه الدول الحديثة، لدينا موضوع اليوم مُهِم جداً حول المدنية، حول تطبيق الشريعة الإسلامية، حول الحدود وما إلى ذلك، وحول الشرعية السياسية، لكن لدينا استجواب مُصغَّر ومُبسَّط قبل ذلك، لأني لاحظت أن كثيراً من المُهتَمين طرحوا قضاياغ كنت تُثيرها، اسمح لي نبدأ بالقضايا التي أُثيرت حول شخص الدكتور عدنان وبعد ذلك نذهب إلى موضوعنا.

ما موقفك من الصحابة؟ لماذا تُمارِس القسوة المُفاجئة والصادمة على بعض الشخصيات الأسياسية مثل شخصية مُعاوية ومثل أيضاً أم المُؤمِنين سيدنا عائشة وغيرهما؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.

في البداية أود أن أتقدَّم بالشكر لقناة الجزيرة على هذه الدعوة الكريمة، ولأخي الأستاذ الإعلامي اللامع عليّ الظفيري في برنامجه المُميَّز واللامع أيضاً وربما الصادم.

بالنسبة للصحابة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وأبدأً بالترضي عليهم – مُلخَّص موقفي ببساطة – وهو موقف ثُلثة أيضاً من العلماء والمُفكِّرين في أعصار مُختلِفة – أن الصحابة ليسوا لفقاً واحداً، ليسوا شيئاً واحداً، ليسوا طبقة واحدة، طبقات مُتعدِّدة، أيضاً مواقف مُختلِفة، الأحكام تتفاوت أيضاً بإزاء هؤلاء الصحابة – رضوان الله عليهم – من وإلى، نحن لا ننتهج المنهجية النُقطية كما يُقال، بل منهجية مجالية، منهجية اتصالية، هناك صحابة لا يُمكِن لأحد أن يتكلَّم فيهم بطعن ولو من وجه خفي، لأنهم فعلاً جاوزوا كل طعن وكل إمكان للارتياب، وهناك…

– الأستاذ عليّ الظفيري: مثل مَن؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: مثل أبي بكر، مثل عمر – رضوان الله تعالى عليهما -، ومثل الإمام علي.

– الأستاذ عليّ الظفيري: والصنف الثاني…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: الصنف الثاني من الصحابة في الطرف الآخر، ومنهم مُعاوية بن أبي سُفيان، هؤلاء الذين نقسو عليهم، لا لأن لدينا معركة شخصية معهم أبداً، بالعكس! الهُوة الزمانية بيننا وبينهم ألف وأربعمائة سنة، وإنما…

– الأستاذ عليّ الظفيري: ما قيمة التركيز بهذا الشكل الكبير والمُستفِز لكثيرين على شخصية مثل شخصية مُعاوية دون أن يُحقِّق هذا الأمر فائدة اليوم؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: في الحقيقة نحن لم نفعل هذا – كما يُقال – اختياراً ولم نفعله قصداً، أنا تحدَّثت شخصياً عن مُعاوية في خُطبة أثناء الثورة المصرية بعنوان بداية كارثتنا، تقريباً في نصف ساعة، هناك قبيل من الناس حوَّل هذه الخُطبة أو هذه النصف الساعة إلى ملف طويل، وأرغمونا على أن نُدافِع عن وجهة نظرنا، هم الذين أرغمونا، نحن لم نكن نُعنى بهذه القضية كثيراً، نقسو على مُعاوية لأنه قسى على أمته، قسى على دينه، قسى علينا، نحن لا نزال إلى اليوم نعيش آثار هذه القسوة السُفيانية أو العبدشماية.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل تُخرِجه من دائرة الصحابة؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هذا ليس يعني كثيراً، حتى وإن كان صحابياً هو…

– الأستاذ عليّ الظفيري: حتى وإن كان بمعنى أنه ليس صحابياً؟ هل هو صحابي؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ليس لدي مُشكِلة، لن نخوض في هذا الآن والوقت لا يتسع، هو صحابي لكنه ليس صحابياً مُستقيماً، ليس صحابياً يبعث على الإعجاب، ليس صحابياً يُمكِن أن يُتخَذ قدوة، أنا أتحدى كل مَن يُدافِع عن مُعاوية – أتحدى – أن يقول مُعاوية قدوة لابني وأنا أُربي ابني على أخطاء مُعاوية، يستحيل!

– الأستاذ عليّ الظفيري: ما هي أبرز الأخطاء في شخصية مُعاوية سياسياً على الأقل؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أبرز الأخطاء السياسية أنه حوَّل الخلافة الراشدة القائمة على شرعية الشورى – الترشيح والانتخاب والبيعة والتعاقد – إلى مُلك عضوض، هذا المُلك كان ثمرته أن أتى ابنه يزيد – يزيد بن مُعاوية – الذي استُخلِف بالقوة طبعاً وبالسيف في قصة معروفة، وللأسف كابية وكئيبة جداً، في أقل من ثلاث سنوات الرجل بدأ بمقتلة أهل البيت، معروف! وختمها باستحلال المدينة المُنوَّرة ومكة المُكرَّمة، هذا هو يزيد بن مُعاوية، وهذه ثمار المُلك العضوض.

– الأستاذ عليّ الظفيري: اسمح لي أيضاً، انتقادك القاسي لشخصية مُعاوية وحديثك أيضاً النقدي عن أم المُؤمِنين السيدة عائشة وأمور كثيرة تم الاستفادة منها في الصراع وفي التأجيج المذهبي بين الشيعة والسُنة، أنا أعرف أنك من فلسطين، وفلسطين غالباً ليس فيها على الأقل من الشيعة…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: صحيح.

– الأستاذ عليّ الظفيري: وُصِفت أو تم الحديث عن أنك تنتمي إلى المذهب الشيعي، وبالتالي أنت تنتقم مِمَن عادةً ينُتقَدون من قِبل علماء الشيعة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: يُمكِن أن يُختلَف في أشياء كثيرة بصدد شخصيتي – العبد الفقير – ولكن لا ينبغي أن يُختلَف حول صراحتي وجسارتي، لو كنت شيعياً لقلت هذا بملء الفم وعلى منبري، أنا لست أتوسَّل أحداً ولا أخشى أحداً، بالذات هؤلاء الذين يُسارِعون إلى التصنيف، تصنيف الناس ورميهم بالعظائم وبالألقاب وما إلى ذلك، لا أخشى هؤلاء، لست شيعياً، لم أكن ولست شيعياً، ولا أنتوي أن أكون شيعياً بالطريقة المعروفة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: لماذا الخصومات الكبيرة والمُبالَغ فيها؟ بحيث أننا حتى حين طرحنا موضوع استضافتك في الشبكات الاجتماعية وجدنا أنه موضوع صراع، حقيقةً فاجأني بشكل كبير، هناك مَن يتفق معك بشكل كامل، وهناك مَن يختلف، هل تستهويك الخصومات؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أبداً…

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل تستثمر ذلك – مثلاً – في ظهورك وحضورك على الساعة اليوم؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا أبداً، بالعكس! أنا أخدم في حق الدعوة – الخطابة والتدريس والتعليم – من زُهاء عشرين سنة على الأقل، كل مَن يعرفني عن كثب – كما يُقال – لا عن بُعد يعرف أنني من أبعد الناس عن الخصومات، لا أُحِب الخصومات.

– الأستاذ عليّ الظفيري: كل هذا ولا تُحِب الخصومات يا دكتور؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، لا أُحِب الخصومات، هم الذين فرضوا هذا، هم الذين يُخاصِمون، ومع ذلك أنا لا أطعن فيهم، لا أُسميهم بأسماء أيضاً كما يفعلون، لست منهم في كثير أو قليل.

– الأستاذ عليّ الظفيري: سؤال مَن أنت؟ لماذا الدكتور عدنان إبراهيم في العام الأخير ظهر بقوة وبشكل مُفاجئ ودون مُقدِّمات كثيرة على الأقل لمَن عرفك في العام الأخير؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أنا رجل غير مُنظَّم، لا أتبع أي جهة، لا أتبع أي حزب، لا تدعمني أي مُؤسَّسة ولا أي دولة، أنا ابن نفسي، أنا شيخ نفسي، أنا رجل تعبت على نفسي مُنذ نعومة أظفاري، قضيت حياتي كلها في العلم والدرس…

– الأستاذ عليّ الظفيري: أين تعلَّمت؟ وماذا تعلَّمت؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: تعلَّمت أشياء كثيرة، كما قلت لك أنا شيخ نفسي في البداية، درست الطب في الأول، ثم درست الشريعة، حصَّلت شهادات عُليا في ذلك، لكن هذه كلها ليست هي مصدر علمي، مصدر علمي الحقيقي هو تعبي واجتهادي على نفسي، ولا أزال! لا أزال طالب عالم، وسأموت طالب علم، هذا هو، لكن ما سبب ربما هذا الظهور المُفاجئ؟ لا أدري، الشباب وجدوا قابلية لأن يتعاملوا…

– الأستاذ عليّ الظفيري: اليوتيوب YouTube …

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، الشباب! أنا وجدت مقبولية عند هؤلاء الشباب، وهذا أسعدني بفضل الله عز وجل، لأنني في نهاية المطاف لدي رسالة مُعيَّنة – أزعم – وأُريد أن أُوصِّلها إلى إخواني وأخواتي في العالمين.

– الأستاذ عليّ الظفيري: الإلحاح فقط هو ما اضطرني إلى هذه المُقدِّمة في إثارة على الأقل بعض القضايا المُهِمة.

سؤالنا اليوم: الدولة المدنية – هذا الهاجس الكبير – والدولة الدينية، ما مفهومك للدولة المدنية يا دكتور؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: باختصار الدولة المدنية – أستاذ عليّ والمُشاهِدين والمُشاهِدات الكرام – دولة تقوم على أساس التعاقد، باللُغة الشرعية القديمة الكلاسيكية المُبايعة أو البيعة، تقوم على أساس التعاقد، دولة القانون والديمقراطية –  Democracy – كما يُقال، دولة القانون لأن القانون فيها سائد، دولة العدالة، دولة المُساواة، دولة مُواطِنيها، تقوم على مبدأ المُواطِنة أو المُواطِنية، بمعنى أنها لا تُصنِّف الناس، لا تقف إزاء الناس موقفاً على أساس العرق أو اللُغة…

– الأستاذ عليّ الظفيري: أو الدين أو…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أو الدين أو العقيدة أو الأيديولوجيا أبداً، هذه الدولة المدنية أو الدولة الحديثة بالأحرى في أخص خصائصها وسماتها.

دولة أيضاً طبعاً لها – كيانياً وليس مفهومياً – تصنيفات كثيرة، ولها تمثلات وتمظهرات كثيرة جداً جداً، إحدى هذه التمظهرات أو التمثلات هناك الدولة الهامشية، الدولة المدنية يُمكِن أن تكون دولة هامشية، تعتني بما يُعرَف بالشأن العام فقط، وتترك بعد ذلك المجال واسعاً مُنداحاً….

– الأستاذ عليّ الظفيري: عفواً، حتى فقط نُوضِّح، هل تقصد أن السُلطة فيها أو النظام هامشي في القضايا؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم.

– الأستاذ عليّ الظفيري: قضايا الدين والهُوية وما إلى ذلك.
– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: التعليم والتربية والثقافة، يُترَك هذا للمُجتمَع المدني، أو ما يُعرَف بدولة الحد الأدنى، أي الــ Minimum state، أو الــ État minimal، أي دولة الحد الأدنى، هذه إحدى الصور، هناك طبعاً الآن دعوات في النيوليبرالية Neoliberalism أو الليبرالية الحديثة، فهي تدعو إلى أن تكون بقدر الإمكان دولة الحد الأدنى، تتقلَّص…

– الأستاذ عليّ الظفيري: ما موقع الدين في الدولة المدنية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: باختصار الدولة الدينية – سألتني عنها أستاذ عليّ – مفهومياً وعبر التاريخ  من خلال تجلياتها هي الدولة التي يحكم فيها شخص أو حتى أكثر من شخص – هيئة أو مُؤسَّسة مُعيَّنة – باسم الله، بتفويض من الله تبارك وتعالى، بتفويض من السماء، هذا أولاً، ثانياً هذا الحاكم بتفويض من السماء أيضاً يُشرِّع بإذن الله، له حق التشريع، ما يحله يُعتبَر محلولاً في السماء، ما يربطه يُعتبَر مربوطاً، ثالثاً له حق الطاعة والتقديس أيضاً بأمر الله، الله يأمر أن يُطاع هذا ويُقدَّس!

هذه الدولة الثيوقراطية أو الدولة الدينية لم تُعرَف في تاريخ المُسلِمين قط على الإطلاق…

– الأستاذ عليّ الظفيري: هذا كان سؤالي…
– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: على الإطلاق!

– الأستاذ عليّ الظفيري: في تاريخنا الإسلامي ما هو تصنيف الدولة من بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – حتى اليوم؟ على الأقل الدول الرئيسية ما تصنيفها؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هي دولة واضح أنها كانت أقرب إلى مفهوم الدولة المدنية، من جهات طبعاً، ليست تتطابَّق تماماً، ولكن بمرجعية إسلامية، لماذا؟ لأن الشرعية فيها – كما يُقال – ومصدر السُلطات هو البيعة، بيعة الجمهور! أي عقد رضائي بين الطرفين، بين الحاكم – ما كان يُعرَف بالإمام أو بالخليفة – وبين الجمهور، أيضاً هذا الحاكم ليس له حتى حق التشريع، ليس له حق التشريع! العجيب واللطيف أن الرسول – عليه السلام – وقد كان نبياً رسولاً في غير دائرة ما يُوحى إليه كانت تصرفاته الإمامية – أي تصرفات الحاكم، تصرفات الرسول كحاكم – غير مُلزِمة، غير مُلزِمة لنا إلى اليوم.

– الأستاذ عليّ الظفيري: مثال يا دكتور…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: تصرفاته – مثلاً – حين يقول – عليه السلام – مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له، بعض العلماء يقولون هنا لم يتكلَّم بصفته مُبلِّغاً أو رسولاً، إنما بصفته إماماً.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل هنا نستطيع القول في تاريخ الدولة الإسلامية إن الدولة الدينية كانت قصراً على دولة الرسول صلى الله عليه وسلم – فكانت استثناءً هنا لأنه وحي يُوحى وبالتالي هناك شخصية النبوة وحالة النبوة لكن بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – انتهت الدولة الدينية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لم تكن حتى دولة دينية وإلا نكون ظلمنا الحقيقة، دولة رسول الله – عليه السلام – لم تكن دولة دينية بالمعنى الذي حدَّدته…

– الأستاذ عليّ الظفيري: الشرعية فيها من رب العالمين.
– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لكن هناك تصرفات بالإمامة من رسول الله، هناك اجتهادات رسول الله الدنيوية كلها، اجتهادت الرسول الدنيوية هي اجتهادات عن غير مصدر وحي…

– الأستاذ عليّ الظفيري: لكن شرعية الرسول كحاكم لم تكن بالبيعة، وإنما شرعية…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بالبيعة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: كيف؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بالبيعة، بيعة العقبة الثانية! النبي طلب البيعة، بيعة العقبة الأولى تقريباً استندت إلى أساس عقدي، الآن يُعرَف بالأساس الأيديولوجي، بيعة العقبة الثانية النبي طلب منهم أن يُبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأسرهم.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل تقصد الشق الحاكم أو الدور الحاكم في البيعة الثانية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل هذا ما يدفعك إلى القول بإنها دولة مدنية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، هذا يُشابِه الدولة المدنية في هذه الحيثية، أما أن نقول هي دولة دينية بالمُطلَق ومن جميع جهاتها فليست دولة دينية بالمُطلَق ومن جميع جهاتها.

– الأستاذ عليّ الظفيري: دولة الخلافة الراشدة الآن ماذا تُصنِّفها والشرعية أيضاً فيها كانت دينية؟ الآلية عبر المُبايعة، لكن الحاكم يحكم باسم الله…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا، أبداً أبداً يا أستاذ عليّ…

– الأستاذ عليّ الظفيري: وباسم تطبيق الشريعة…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: باختصار الدولة الدينية مصدر السُلطة فيها السماء، في الدولة الإسلامية وإلى اليوم مصدر السُلطة فيها الجمهور، هناك بيعتان، بيعة صُغرى – كما يُقال – وهي الترشيح، نفترض – مثلاً – أن أبا بكر أوصى بالخلافة إلى عمر، هذا يُعتبَر ترشيحاً، ليس أكثر من ترشيح…

– الأستاذ عليّ الظفيري: لا تكتمل؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا تكتمل إلا بمُبايعة الناس، لابد أن يُبايع وجوه الناس، مُمثِّلو الجمهور كما يُقال! وهذا ما حدث مع كل الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله تعالى عليهم، كلهم!

هناك بيعتان، البيعة الثانية كانت هي العقد الرضائي مع الجمهور، إذن مصدر السُلطة ليس السماء، ليس الوحي، وإنما الجمهور، مصدر التشريع أصالةً هو الوحي، الكتاب والسُنة أصالةً! على أن دائرة الفراغ – كما يُقال – أو الدائرة التي يتحرَّك فيها العقل المُسلِم – العقل الاجتهادي – دائرة مُنداحة ووسيعة جداً جداً.

– الأستاذ عليّ الظفيري: السؤال الآن دكتور فيما يتعلَّق بقضية الدولة الدينية والمدنية، هل أوجد الإسلام نظاماً سياسياً؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لدينا سوابق تاريخية…

– الأستاذ عليّ الظفيري: أم أوجد مبادئ؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: مبادئ، نعم مبادئ، ولذلك الأئمة الكبار – سواء الجويني، سواء أبو حامد الغزّالي، وخاصة الجويني في الغياثي – قالوا بهذا، كل مَن أراد أن يزعم أو زعم – ذهب إلى الزعم – أن الإسلام أوجد نظاماً سياسياً بحياله أو برأسه مُحدَّد المعالم وواضح التقاسيم والتفاصيل يكون قد غالط الحقيقة، غير صحيح! الإسلام أتى بمبادئ عامة، وترك التفاصيل للاجتهاد البشري، وهذا ترك لنا نُدحَة أيضاً أن نتحرَّك بحرية وبمرونة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: لكننا دكتور الآن لا نتحرَّك بحرية، قضية الخلافة الراشدة ورمزيتها وهيمنتها…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: صحيح.

– الأستاذ عليّ الظفيري: ونموذجيتها! الآن كيف ترى نظام الخلافة الراشدة؟ بمعنى هل يُفترَض أن يحتل هذا الموقع النموذجي المثالي أم هو مُجرَّد تجربة بشرية خاضعة لظروفها؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: الجهة مُنفَكة هنا إذا قايسنا نظام تجربة الخلافة بغيرها، وبالذات خلافة أبي بكر وعمر، لأن عثمان يختلف وضعه، كما تعرف هناك مشاكل في خلافة عثمان في الست السنوات الأخيرة، ثم خلافة أمير المُؤمِنين عليّ عليه السلام، هذه قياساً إلى التجارب اللاحقة نموذجية، لكنها ليست نموذجية بالمُطلَق، سأختصر…

– الأستاذ عليّ الظفيري: لماذا؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: باختصار تجربة الخلافة الراشدة تركت ما يُعرَف بالفراغ الدستوري، في مسائل مُعيَّنة وُجِدَت ثُغرات واضحة، إلى اليوم واضح أنها ثُغرات دستورية، الثُغرة أو الفراغ الأول – مثلاً – مُدة الحاكم، مُدة الحاكم لم يُفصَل فيها، الثُغرة السابقة عليها الطريقة الدقيقة لتولية الحاكم، كيف يُبايع؟ أيضاً كان هناك اختلاف، في كل حالة بُويع الحاكم بطريقة مخصوصة، هذه ثُغرة دستورية، من ناحية الفقه الدستوري، أيضاً اختصاصات الحاكم – أو اختصاصات الإمام أو الخليفة – لم تكن واضحة تماماً، هذه أضعفها من ناحية كونها ثُغرةً، لماذا؟ لأن وضوح المبادئ والقيم الإسلامية الحاكمة في موضوع الحُكم ربما تسد، فهذه ثلاث ثُغرات دستورية على الأقل.

– الأستاذ عليّ الظفيري: ألا تُمثِّل هذه المسألة نُقطة ضعف في الإسلام؟ بمعنى أن هذا الدين الذي نتحدَّث عنه بأنه دين كامل وشامل لم يُوجِد نظاماً سياسياً لمُتابِعيه بحيث يحميهم لاحقاً مما جرى لاحقاً؟ وكلنا يعرف ما جرى لاحقاً!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ليست نُقطة ضعف في الإسلام أبداً، وإنما نُقطة ضعف في الاجتهاد الإسلامي، الاجتهاد البشري! خُطة التشريع الإسلامي باختصار أن التشريع الإسلامي في الأمور الثابتة التي لا تتغيَّر – لا تخضع للتطوير والتغيير – يُفصِّل، وفي الأمور المُجمَلة التي تخضع للتغير والتطور والترقي يأتي بالمُجمَلات والقواعد العامة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هذا سبب صرَّاعاً يا دكتور، وهو صراع تاريخي عن الثابت والمُتغيِّر، بمعنى ما هو الثابت؟ أنت اليوم ترى أشياء على أنها غير ثابتة، وكثير من المُتابِعين يرون أنها ثابتة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، المسألة نسبية، الثابت والمُتغيِّر بلا شك…

– الأستاذ عليّ الظفيري: طبعاً الابتسامة فقط من أجل تحريك الطاولة حتى لا يذهب بال الناس إلى ما هو خطأ.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، يبدو أنه مُتغيِّر.

– الأستاذ عليّ الظفيري: نعم.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لكن باختصار حتى مسار الدولة في السياق الأوروبي أثبت أنها مُتغيِّرة، في السياق الإسلامي مُتغيِّرة، فهناك دولة الرسول، وبلا شك طبعاً لها قسمات نوعية، هناك دولة الخلافة الراشدة، هناك دولة المُلك العضوض التي بدأت مع مُعاوية بن أبي سُفيان – الخصم التاريخي لي -، وهناك بعد ذلك دولة السُلطان أو دولة السلطنة التي بدأت مع ملوك بني بويه والديالمة وآخرين، هناك تطور!

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل الدولة المدنية بالضرورة علمانية دكتور عدنان؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: الدولة المدنية الحديثة كما عرفتها أوروبا في الفترة الأخيرة بلا شك علمانية، واضح أنها علمانية! لكن الدولة الإسلامية المدنية تختلف، وهذا تلفيق بالمُناسَبة، بعض الناس يقول هذا واضح أنه تلفيق، لماذا؟

– الأستاذ عليّ الظفيري: مُحاوَلة مزج الأمرين.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم.

– الأستاذ عليّ الظفيري: والإسلاميون يُمارِسون هذا الأمر بشكل واضح.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: صحيح.

– الأستاذ عليّ الظفيري: وأنت أحدهم طبعاً!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: يفعلون هذا، لكن…

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل أنت تفعل هذا الآن؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أنا عندي وجهة نظر، وجهة نظر بسيطة! ما هي؟ هنا ليس ثمة صيغة واحدة للمفهوم الديمقراطي ولا حتى للعلماني ولا حتى لمفهوم الدولة المدنية، صيغة واحدة ثابتة! وليس ثمة صيغة واحدة أيضاً للفهم الإسلامي في هذا الخصوص، أي النظام السياسي الإسلامي! هناك صيغ كثيرة وفهوم مُتعدِّدة، يُمكِن أن نوائم بين صيغة من هذه الصيغ وبين صيغة من هذه الصيغ مما يُلائم حاجاتنا.

– الأستاذ عليّ الظفيري: نبدأ بقضية الشريعة الإسلامية يا دكتور، اليوم الإسلاميون بدأوا بُحكم الدول العربية في أكثر من دولة ويتقدَّمون كجماعات سياسية بشكل كبير وواضح، التحدي الكبير أو النقد الذي يُوجَّه للشريعة الإسلامية، تعرف أن الإسلام السياسي لديه مُشكِلة أمام هذا الأمر، على الأقل جُزء أو قطاع كبير منه.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم.

– الأستاذ عليّ الظفيري: كيف يُمكِن تطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة المدنية؟ ونتحدَّث عن الحالة العربية.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، على كل حال أود أن أُشير ابتداءً إلى شيئ في الشريعة الإسلامية، هناك معيار اسمه معيار التبادر، حين نقول تطبيق الشريعة الإسلامية للأسف الذي يتبادر إلى مُعظَم الجمهور أنها النقاب أو الحجاب والحدود، هذه الحتة أو هذه النُقطة الجنائية! وهذا طبعاً تخيفض، هذا تصور تخفيضي بائس جداً جداً للشريعة الإسلامية، الشريعة الإسلامية أكبر بكثير من أن تكون محض القانون الجنائي، وحتى القانون الجنائي أكبر بكثير من أن يكون محض الحدود، جرائم التعزير وجرائم القصاص وجرائم الحدود! أكبر بكثير من هذا، الشريعة الإسلامية وعدها مُختلِف، بالمُناسَبة الآن هناك أُناس يخافون من هذا الوعد، يعتبرونه وعداً مُظلِماً أو وعداً قاسياً، بالعكس! الوعد الشرعي لو أحسنا فهم الشريع ووعدنا بتطبيقها – أنا أقول لك – سيسعد الجميع، لماذا؟

الشريعة أساساً إنما كانت لإقامة القسط والعدل، المعدلة كما يُقال! الله – عز وجل – يقول لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۩، اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۩، هذا هو! إذن المعدلة مثلاً، هذه أُس الشريعة، هذا أولاً.

ثانياً – أستاذ عليّ والمُشاهِدين والمُشاهِدات الكرام – لا يُمكِن الحديث حتى عن تطبيق القانون الجنائي في الإسلام إلا بعد أن نفرغ وبشكل حقيقي فعلي من توفير الضرورات للجمهور من عند آخره، بحيث بعد ذلك تُعتبَر الجريمة جريمة حقيقية، وإلا الضرورات تُبيح المحظورات، غير معقول أن نُنادي إلى تطبيق الحدود والناس لا تتوفَّر لهم الضرورات…

– الأستاذ عليّ الظفيري: لكن أنت تتحدَّث عن شرط لا يُمكِن تطبيقه، وبالتالي هذه مُحاوَلة للهروب على مسألة أنها في النهاية لن تُطبَّق، أن تكتمل الظروف وأن يكون الوضع مثالياً ونموذجياً أمر لن يتحقَّق وبالتالي لن نُطبِّق تلك الشريعة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا، أنا قلت على الأقل تتوفَّر الضرورات للناس، الإمام ابن حزم الظاهري يقول إذا جاع الناس فليس لأحد حق في مال، أي تفقد حقك في مالك أيضاً، لو تُسوِّر عليك وأُخِذ مالك لا بأس، لأن الناس تجوع! لكن لو وفَّرنا للناس حد الضرورات سيختلف الأمر.

يا أستاذ عليّ الآن في بعض البُلدان العربية مُتوسِّط سن الزواج أربعون سنة، غير معقول! غير معقول بالمرة، ثم نُطالِب بتطبيق الحدود على الناس، لا يُمكِن أبداً، الناس لا تجد ما تأكل، ثم نُطالِب بتطبيق الحدود.

سيدنا عمر بن الخطاب لماذا علَّق – هم يقولون الــ Suspension، أي التعليق – كثيراً من الحدود وأشهرها حد السرقة؟ لأن الناس جاعت، هذا هو!

– الأستاذ عليّ الظفيري: اسمح لي دكتور أن نُتابِع فقط بعض الآراء في هذا الخصوص، في مسألة تعارض الديمقراطية مع موضوع تطبيق الشريعة سؤال، هل تتعارض مع وجه الخلاف بينهما؟ ونستمع لرأي الأستاذ صالح الزغيدي، الكاتب العام لجمعية الدفاع عن اللائكية (العلمانية) في تونس.

– الأستاذ صالح الزغيدي: الدولة الديمقراطية هي التي تعود السُلطة فيها إلى الشعب،  عن طريق مُمثِّليه، ليس عن طريقنا – نحن عشرة ملايين مثلاً – فنجتمع ونُقرِّر أن نحكم، وإنما دائماً عن طريق مُمثِّليه المُنتخَبين الديمقراطيين والشفّافين، إلى آخره! لابد أن ترجع السُلطة إلى الشعب، وأول سُلطة في بلاد عصرية وحديثة كالتي تُوجَد اليوم ما هي؟ هي سُلطة وضع القوانين والتشاريع.

الدولة الديمقراطية هي التي تُعطي سُلطة القانون – أي وضع القوانين – للشعب، ينبغي أن يكون الوحيد الذي يُقرِّر ما هي التشاريع والقوانين التي تصلح له، وهو الوحيد الذي يستطيع تغييرها كما يشاء ومتى يشاء.

حين نقول هذا يأتي إلينا ناقد ويقول لا، القوانين حاضرة، التشاريع جاهزة يا أخي العزيز، هي موجودة في الشريعة، هي موجودة في القرآن، هي موجودة في الأحاديث، هي موجودة عند الفقهاء، كما تُحِب! هي موجودة.

الشريعة وقوانين الشيعة نُريد أن نضعها وأن نردها في قوانين، أي سننقل هذه القوانين و التشاريع من الشريعة كما وردت في القرآن أو في الأحاديث النبوية، سننقلها ونردها إلى مُستوى الجميع، هذا بأيديهم، الجوهر هو الشريعة، فالقوانين لا يقوم الشعب بعملها.

– الأستاذ عليّ الظفيري: أيضاً سؤال، كيف يرى بعض الإسلاميين الديمقراطية؟ وهل تتعارض هذه الديمقراطية مع الشريعة؟ نستمع لرأي الشيخ محمد صالح المُنجِد.

– الشيخ محمد صالح المُنجِد: الديمقراطية من ناحية الأساس ما هي؟ نحن نعرف أن الديمقراطية مُصطلَح يوناني مُركَّب من كلمتين: ديموس أي الشعب، وكراتوس أي الحُكم، الديمقراطية هي نظام الحُكم الذي تكون فيه سُلطة التشريع من حق الشعب، أي حُكم الشعب للشعب، وجه التعارض مع الشريعة هنا أن الشرع يقول الحُكم لله، إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ۩، أي ليس الحُكم إلا لله، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ۩، إذن الحُكم لله، لا للشعب ولا لغير الشعب، الحُكم لله، الشعب يُطبَّق عليه حُكم الله، السُلطة التنفيذية تُطبِّق هذا الحُكم، من الرئيس وأنت نازل، كلهم – القُضاة والنظام القانوني كله – يُطبِّقون الحُكم، الحُكم يُطبَّق، وهناك فقهاء وعلماء يُبيِّنون ما هو الحُكم ليُطبَّق، وليس أن الشعب يعمل لازمة دستورية تخترع قوانين وتُؤلِّف قوانين، لا! القوانين من الكتاب والسُنة، هذا وجه التعارض!

الآن ماذا نفعل في ظل هذا الوضع الحالي لأن لا تُوجَد إلا الديمقراطية؟ نقول الآتي ما دام نحن في الوضع الاضطراري، مَن يُرشِّح نفسه أو يُصوِّت لمُرشِّح – إلى آخره – إذا كان قصده أن يصل إلى تحكيم الشريح فالحمد لله ونحن نُشجِّعه ونُؤيِّده، وإذا قال أحدهم لا، أنا أُؤمِن بالديمقراطية كلها كما هي، فنقول له أنت دينك على خطر عظيم.

– الأستاذ عليّ الظفيري: دكتور عدنان، بالنسبة لضيفنا الأول المُشرِّع هو مَن سيضع القوانين، وبالتالي الإسلاميون الذين سينالون أو نالوا على الأقل الأغلبية – الأغلبية التشريعية في البرلمانات – هم مَن سيُشرِّعون، وبالتالي قد يحدث هذا التغيير، وبالتالي وصول الإسلاميين أو عدم الاتفاق بشكل قطعي ونهائي على هذه المسألة قبل ذلك قد يُشكِّل خطراً لاحقاً.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: على كل حال في هذه المسائل كلها التي تعرَّض لها الأستاذان الجليلان الكُرة دائماً في ملعب الجمهور، أنا أُؤمِن بالحرية، الحرية هي تأسيس لكل هاته المسائل على الإطلاق، والكرة في ملعب الجمهور، الجمهور إذا كان في أغلبيته جمهوراً مُسلِماً فمن الواضح جداً أنه لن يرضى بشريعة الله بدلاً، هو مُنحاز لشريعة الله! لماذا نأتي باسم أي شيئ آخر ونُريد أن نفرض عليه شيئاً لا يرضاه؟ هذا يُعتبَر إكراهاً وقسراً، لكن إذا رأوا أن ثقافة الجمهور وتوجهات الجمهور ستتغيَّر في يوم من الأيام ولو بعد مائة سنة فإذن الجمهور من حقه حينذاك أن يُشرِّع لنفسه ما يُريد، على أن التشريع ليس يقف فقط على موضوع تقرير بعض الأشياء الواردة في الوحيين، لا! هناك مندوحة كبيرة جداً جداً للعقل القانوني المُسلِم أن يُشرِّع، وبالطريقة أيضاً المُعاصِرة التي تلتئم بتشريعات مُعاصِرة كثيرة جداً، هذا واضح! الشريعة ليست ضد الحياة…

– الأستاذ عليّ الظفيري: إذن ألحقناها بالجمهور، وأنت ترى – مثلاً – أنه جمهور مُسلِم مُتدين، ماذا لو حدث العكس؟ الجمهور غير مُتدين، لا يُريد هذا الأمر ويُريد أن يُقصي تماماً هذه الأحكام!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ليس من صلاحية أحد أن يفرض عليه ما لا يُريده، أنا لا أُؤمِن بالدين الذي يأتي بالإكراه وبالقسر، هذا نفاق، هذا ليس ديناً، مُستحيل! والله – تبارك وتعالى – لا حاجة به إلى أن يعبده الناس عن إكراه منهم وقسر عليهم، لا يُريد هذا طبعاً! لذلك الكُرة في ملعب الجمهور.

هل يُعقَل يا أستاذ عليّ الآن – مثلاً – أن يأتي مُسلِمون يُشكِّلون عشرة في المائة في دولة أوروبية وأن يفرضوا الشريعة الإسلامية على الأوروبيين مثلاً؟ الجمهور لا يُريد هذا، انتهى! ولذلك المسألة هنا يجب أن يأخذها الإسلامي…

– الأستاذ عليّ الظفيري: هنا مس بالثابت، هناك بعض الإسلاميين أو تيارات واسعة ترى أن هناك ثوابت…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: في حق مَن؟

– الأستاذ عليّ الظفيري: لا تقبل أن تكون عُرضة لمسألة التصويت واختيار الناس…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ثوابت في حق من؟ في حق الجمهور، الجمهور هو الذي يُحدِّد ثوابته، تعرف إذا تغيَّرت ثقافة الجمهور وقال أنا لا أنتمي إلى الشريعة وهي ليست من ثوابتي فهنا أيضاً موضوع تعيير هذا الثابت سينتهي، الموضوع نفسه سينتهي، هذا جمهور آخر، الثوابت تكون ثوابت جمهور مُسلِم، إذا الجمهور أصبح لا يُريد الإسلام، غير مُشترِع، فماذا أفعل؟ هل أفرض عليه ثوابت الإسلام؟ غير معقول.

– الأستاذ عليّ الظفيري: إذا كان الجمهور مُسلِماً ولا يُريد تطبيق الشريعة الإسلامية…

الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هذا لا يُتصوَّر.

– الأستاذ عليّ الظفيري: على الأقل بشكل ما.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: في نظري هذا لا يُتصوَّر، هذا في نظري لا يُتصوَّر! جمهور مُسلِم ويعرف دينه لا يُتصوَّر أنه لا يُريد هذا الدين ولا يُريد هذه الشريعة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هناك تيارات ليبرالية، مدنية، وعلمانية موجودة اليوم في تونس، في مصر، وفي دول كثيرة، تتحدَّث عن تطبيق الشريعة، خاصة أن مسألة تطبيق الشريعة تُطرَح وفق رؤى مُعيَّنة…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، ضيقة!

– الأستاذ عليّ الظفيري: بمعنى الأحكام، وليس المبادئ العامة والمقاصد العامة للشريعة، وهنا هذا يُشكِّل خطراً على شريحة على الأقل، وربما تحظى هذه الشريحة بغالبية ما أو بتأثير ما.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هنا اتفق معك، اتفق معك فعلاً نسبياً، أن بعض الإسلاميين للأسف الشديد يطرح تطبيق الشريعة ومفهوم الشريعة في إطار نطاق ضيق جداً جداً يتبرَّر به خوف الآخرين، أنا أتفق معك في هذا!

– الأستاذ عليّ الظفيري: نتوقَّف مع فاصل، وأيضاً نأخذ تعليق الدكتور على حديث الشيخ المُنجِد في قضية تعارض أصلاً فكرة الديمقراطية بشكل عام مع فكرة الإسلام، تفضَّلوا بالبقاء معنا.

(فاصل)

– الأستاذ عليّ الظفيري: أهلاً بكم من جديد، حلقة في العمق الليلة تبحث موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية والدولة المدنية والتحديات التي تقف اليوم أمام التيارات الإسلامية السياسية التي حكمت أو تقترب من الحُكم في بعض الدول مع المُفكِّر الإسلامي الدكتور عدنان إبراهيم.

يا دكتور الشيخ المُنجِد طبعاً طرح التحفظ المعروف الدائم، الشرع يقول الحُكم لله، في الديمقراطية الحُكم للشعب، أي التناقض من حيث المبدأ، وهناك الجُزء الثاني الذي أشار إليه الشيخ، البعض طبعاً يتحفَّظ على الإسلاميين بشكل عام ومنهم أنت، بمعنى أن هناك نوعاً من الانتهازية، بمعنى نستغل آلية الانتخاب ونحن غالبية لأسباب كثيرة – بعضها موضوعي وبعضها غير موضوعي – وبعد ذلك تتغيَّر الأمور.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لو بدأنا بالنُقطة الأخيرة أستاذ علي سنقول هذه الذرائعية وهذه الانتهازية لُوحِظت من بعض تيارات عمل إسلامي مُحدَّد، لا أُحِب أن أُسيء إليهم فعلاً، كانوا يُكفِّرون المسار الديمقراطي والخيار الديمقراطي، وحين لاح لهم وجه الكرسي – كرسي السُلطة – صاروا يُمجِّدونه ويُحبِّونه ..

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل تقصد السلفيين؟ دعني أُمارِس على الأقل التسمية، هل تقصد السلفيين؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: في مصر نعم، وهذا واضح.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل تقصد السلفيين في مصر؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هذا واضح، نعم، مارسوا هذا بشكل واضح.

– الأستاذ عليّ الظفيري: لماذا لا يكون الأمر مُتعلِّقاً بالتطور؟ بمعنى السلفيون في الكويت كانوا أيضاً يرون إشكالية في الانتخاب والديمقراطية، بعد ذلك تم الإفتاء لهم، وكذلك الحال مع السلفيين في مصر، في البحرين، وفي أكثر من بلد، أي إنه تطور في فهم المسألة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: والله التطور عبر عشر أو عشرين سنة نعم مقبول، لكن عبر شهر أو شهرين هذه انتهازية وذرائعية واضحة جداً، التطور الفكري لا يتم في شهر أو في شهرين أو في أسابيع، يتم في زمانية مُمتَدة كما يُقال، أليس كذلك؟ وعلى كل حال هؤلاء طبعاً للأسف الشديد يُبرِّرون أيضاً مرة أُخرى تخوفات الآخرين، وأنا مع الآخرين، أن لهم أن يتخوَّفوا.

بالنسبة للديمقراطية أنا أختلف مع أخي الشيخ صالح بارك الله فيه، هو حصرها في أشياء مُحدَّدة، الديمقراطية أوسع بكثير، هي مجموعة مبادئ وقيم راسخة، هي حتى في التجربة العالمية أوسع مما ذكر، لكن بالنسبة لموضوع التشريع والحُكم أنا أود أن ألفت نظر المُشاهِدين والمُشاهِدات إلى أن الحُكم أو قضية الحُكم بالذات يكتنفها التباس عويص في النص القرآني وفي النص النبوي، كلمة الحُكم في نصوص كتاب الله وفي نصوص السُنة لا تعني بأي حال من الأحوال الحاكمية بالطريقة التي طرحها المودودي – رحمة الله عليه – وسيد قطب، أي الــ Governance، فيكون الشخص حاكماً – كما يُقال الآن – أو رئيساً أو ملكاً، لا تعني هذا أبداً، على الإطلاق! الحاكمية في القرآن بكلمة واحدة تعني – كما يُقال – السُلطة القضائية – ليس السُلطة التنفيذية أبداً – في كل آيات كتاب الله تبارك وتعالى، لكن هناك خلط، وبالمُناسَبة هذا الالتباس وهذا الخلط وقع فيه الخوارج الأوائل وكفَّروا بمُوجَبه الإمام عليّاً وأتباعه، نفس الخلط! وحين قالوا لا حكم إلا لله – إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ۩ – ماذا قال الإمام عليّ؟ أجابهم أحسن جواب، قال هؤلاء قالوا كلمة حق يُراد بها باطل، صحيح إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ۩ ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، كأن الله هو الأمير، غير صحيح! الأمير هو إنسان…
– الأستاذ عليّ الظفيري: أي ليس الجانب الإداري السياسي، تقصد الجانب القضائي فقط…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ليس الجانب التمثيلي، وإنما الجانب القضائي فقط، كلمة الحُكم في القرآن الكريم هنا يُقصَد بها الجانب القضائي.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هذا ينسف نظرية…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: كبيرة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: كبيرة جداً!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: صحيح.

– الأستاذ عليّ الظفيري: المسألة تحتاج إلى نقاش وحتى إلى ردود عليك وعلى مَن يقول بها.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، مسألة كبيرة جداً جداً، وعانينا…

– الأستاذ عليّ الظفيري: فقط القضاء…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: وعانينا منها كثيراً جداً وما زلنا نُعاني، فهناك فرق بين الحاكمية بالمعنى…

– الأستاذ عليّ الظفيري: إذا كان الحُكم يا دكتور…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: تفضَّل.

– الأستاذ عليّ الظفيري: أنا آسف لمُقاطَعتك، وأعرف أن هذه الأفكار تحتاج إلى شرح وإسهاب!

إذا كان الحُكم لله هو القضاء بالمعنى الذي تُشير له فإذن أيضاً القضاء في الدولة يجب أن يكون قضاءً شرعياً وليس قضاءً مدنياً.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نفترض وجود أقلية أو أغلبية في مسائل – نفترض – الأحوال الشخصية، حتى في كل الدول المُواطِنية الحديثة والقومية – وبعضها ذو طابع علماني – أخذوا بكثير من مواد الأحوال الشخصية الإسلامية، لأن الناس تُحِب أن تتزوَّج وأن تُطلِّق وأن تُورِّث وأن ترث وما إلى ذلك بأحكام الشريعة، لا تستطيع أن تتجاوز هذه المُحدِّدات الشرعية، هذا من حقنا يا أخي! حتى الأقليات الدينية داخل الدولة الإسلامية من حقهم أن يتحاكموا أيضاً إلى مُؤسَّساتهم الدينية، لذلك الوظائف الدينية في الدولة الحديثة المدنية والديمقراطية…

– الأستاذ عليّ الظفيري: الغربية حتى!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: حتى الغربية نعم.

– الأستاذ عليّ الظفيري:  القائمة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: تُسنَد إلى أتباع كل دين، أليس كذلك؟ هذا هو، فهذا من حقنا!

– الأستاذ عليّ الظفيري: إذا كان الحُكم لله حسب فهمك وحديثك فقط في الجانب القضائي فمَن يتولى الجانب التنفيذي وكيف يتولاه؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: البشر، ويُخطئون ويُصيبون، ولذلك الإمام عليّ قال….

– الأستاذ عليّ الظفيري: ويبتعدون عن الدين قدر ما يشاءون!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، وقد يشذون، ولذلك أنا أدعو أيضاً كما دعا من قبلي الألوف إلى تقنين هذه المواد، حتى الشرعية منها لابد أن تُقنَّن، لا نترك هامشاً يتلاعب عليه أو في خلاله القُضاة، هذا يُطيح برأس هذا تعزيراً، هذا يجلد هذا، وهذا كذا وكذا، فهم يلعبون على الاختلافات في الاجتهادات الفقهية، وهذا لا يجوز، لابد أن تُقنَّن بشكل دقيق.

– الأستاذ عليّ الظفيري: الآن فيما يتعلَّق بقضية المدنية وتطبيق الشريعة هذه الأفهام المُختلِفة – يُوجَد أكثر من فهم لهذه المسألة – كيف يُمكِن حسمها؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: حسمها بالحوار، بالحوار والنقاش المُستمِر والتجربة والخطأ، أنا الآن – مثلاً – أتفائل بتجربة بعض الإسلاميين في تونس – إن شاء الله – وربما في مصر، لكن كل رهان – كما يُقال – يُخفي ضمانات مُعيَّنة، فهم يُراهِنون على أشياء، وأنا أنصح بأن يُراهِنوا على مد بساط ورواق الحريات والحقوق والشرعية فيكون الشعب مصدر السُلطة، أنصح بأن يُراهِنوا على ذلك، هم سيستفيدون وستسفيد البلد والأمة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: قضايا الإبداع – الفن، السينما Cinema، الكتابة، الرقص، العُري، وكل هذه الأمور – تُمثِّل تحديات اليوم في كثير اليوم من المُجتمَعات العربية، وبالتالي كيف يُمكِن للإسلاميين أن يسمحوا بحرية عامة وشاملة في هذه القضايا التي تُناقِض ثوابت هذا الدين؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ليس مُتعاطِفاً مع رمي كلمة العُري في آخر السؤال، سأثتثني هذه الكلمة لأن حتى في الغرب عليها تحفظ، باستثناء هذه الكلمة التي لم أتعاطف معها كل ما ذكرت يا أستاذ عليّ – بارك الله فيك – محل اجتهاد، الفنون التشكيلية وغير التشكيلية والمسرحية والأدائية وما إلى ذلك، كل الفنون محل اجتهاد! وأنا أقول لك الموقف الإسلامي مرن ويتسع لاجتهادات زائدة أيضاً في هذا الباب.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل يسمح إلى أقصى مدى بحرية التفكير وحرية الإبداع؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، هذا رهن بما تتمخَّض عنه النقاشات العلمية والفقهية من المُختَصين…

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل لن تُمنَع الكُتب ولن تُمنَع الأفلام يا دكتور؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أنا لست مع المنع، لست مع المنع إلا – كما قلت لك – إذا قُنِّن، لكن التقنين يأتي بعد مُحاوَرات ونقاشات دقيقة جداً.

– الأستاذ عليّ الظفيري: مبدأ ومفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر أين تجلياته في الدولة الدينية؟ هل نُلغيه تماماً؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أبداً، بالعكس! أحد تجليات هذا المبدأ الرقابة والمُحاسَبة لشخص الحاكم نفسه، ثم بعد ذلك كل المُؤسَّسات العامة كما يُقال، لابد أن تخضع لمبدأ المُراقَبة والمُحاسَبة، هذا تجلٍ للأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، علماً بأن المُعتزِلة لم يفهموا هذا المبدأ على أنه – مثلاً – في أشياء جُزئية، وإنما أكثر شيئ دعَّموه في باب الحُكم والموقف من الحاكم وتجاوزات الحاكم والحكّام كما يُقال.

– الأستاذ عليّ الظفيري: حين ينص الدستور على أن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع هل هذا الأمر يُؤثِّر سلباً على الاتجاه نحو فكرة مفهوم الدولة المدنية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: للأسف هذا في الدولة المدنية كما يطرحها المُتحمِّسون لها، نعم يرون ذلك، يرون أن الدولة المدنية لابد أن تكون بعيدة عن ناحية الدين على الأقل ربما…

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل ترى هذا أنت؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا، أنا أرى أن هذا ظلم للشعب نفسه، ظلم لخيارات الشعب نفسه، هذا شعب مُسلِم، هذا الشعب ربما يكون بنسبة تسعين في المائة أو مائة في المائة شعباً مُسلِماً، من حقه أن يُعبِّر عن خياراته وعن تفضيلاته العقدية والأيديولوجية أيضاً دستورياً، بما يضمن…

– الأستاذ عليّ الظفيري: إذن لماذا الخوف؟ أقصد أن المسألة ليست شكلية، تضمين هذا في الدستور معناه أن يكون مصدراً للتشريع، أن يكون أساساً في تفسير وتوظيف وإدارة الدولة بشكل عام وتوظيف كل شيئ فيها.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: على كل حال إذا أردت أن تسألني لو أننا لم نُضمِّن هذا هل ستحدث كارثة؟ فلن تحدث كارثة، أصلاً فكرة تدوين الدستور ذاتها ليست ضرورية، الآن دولة من أعرق الدول على الإطلاق في التجرية الديمقراطية والدستورية دستورها غير مكتوب، بريطانيا! أليس كذلك؟ لماذا؟ لأن الضمانة الكُبرى والضمانة الأصلب هي الشعب نفسه وثقافة الشعب، وذلك حين تتجذَّر مفهومات مُعيَّنة ومبادئ وقيم مُحدَّدة في ثقافة الشعب، وأنا أقول لك هذه الضمانة الحقيقية، ولذلك أنا نصيحتي لإخواني من المُسلِمين والإسلاميين كالآتي، دائماً راهنوا على الشعب تثقيفاً وإيقاظاً وتوعيةً، لا تُراهِنوا على السُلطة، لا تُراهِنوا على الدولة بالمعنى الذي ينقدح في أذهان العامة، الدولة ليست هي الصنم الأكبر، للأسف نحن صنمناها، صنمنا الدولة وجعلناها الرهان الأكبر، وهي ليست كذلك أبداً، بالعكس! المُجتمَع هو الرهان الأكبر.

– الأستاذ عليّ الظفيري: دكتور، كلما طرحنا الديمقراطية في أي مكان من الأماكن للنقاش وجدنا الشورى أمامها ويُقال لنا سوء تطبيق مبدأ الشورى لا يعني أن هذا المفهوم غير قادر على أن يكون بديلاً، فلماذا أنتم مُغرَمون بقضية الديمقراطية وهي مُستورَدة؟ هل هي – مثلاً – فكرة سيطرة الغالب – كما قال ابن خالدون – أو سيطرة الأقوى وتأثيره عليك أنت كمُجتمَعات الآن عربية أو إسلامية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا، أبداً أبداً، ربما العلة في ذلك أو السبب وراء ذلك أن تجربة الشورى كانت تجربة مُجهَضة وقصيرة جداً، وُجِدت في الخلافة الراشدة ثم أُجهِضت بعد ذلك تقريباً باستثناء بقُعة مُضيئة قليلة جداً في تاريخنا، لكن تجربة الديمقراطية الآن امتدادها أوسع زمانياً وأوسع أيضاً فضائياً أو مكانياً، فهي تجربة مُطوَّرة، ولها فُرصة أن تُخصِّب نفسها وتُراجِع نفسها، ونحن أيضاً لا نرى مشاحة في الاصطلاحات، أي ليست المسألة شورى أو ديمقراطية…

– الأستاذ عليّ الظفيري: إذا كانت مُجهَضة فلماذا لا يتم إحياءها اليوم كجُزء أيضاً من الإيمان بهذا الدين؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: إذا أردت أن تُحييها فلابد أيضاً أن تستفيد من التجربة الديمقراطية، لأنها لا تتعارض معها أصالةً، كما قلنا ما معنى الشورى؟ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩، والمقصود بالأمر هنا الشأن العام، إن هذا الأمر في قريش! وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩، الشورى تعني أول ما تعني – كما قلت – أن الشعب هو مصدر الشرعية، وهذه هي الديمقراطية.

– الأستاذ عليّ الظفيري: في الدولة الإسلامية أو المُسلِمة يقترب الإنسان أكثر من حقوقه ارتباطاً بالدين، بمعنى المُسلِم له الأولوية في الحق على غيره، اليوم في الدولة المدنية يتساوى الناس…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ولابد أن يتساووا، أنا مع مُساواة الناس.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل هذا في كل شيئ؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ليس من حق الدولة حتى وإن كانت إسلامية مدنية أن تُعطي تفضيلات للمُسلِمين، هذا يُقوِّض مفهوم الدولة المدنية تماماً، هذا جوهر المدنية، لابد أن يتساوى المُسلِم مع غير المُسلِم في كل شيئ…

– الأستاذ عليّ الظفيري: في الولايات العامة…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: في الولايات العامة والخاصة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: في الرئاسة…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: حتى الرئاسة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: لكن هل هذا يُقوِّض فكرة الإسلام أصلاً؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا يُقوِّض.

– الأستاذ عليّ الظفيري: بمعنى هذا دين المُسلِمين والدولة للمُسلِمين…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هي ليست دولة دينية بالمعنى – كما قلنا – الثيوقراطي أبداً، هي دولة إسلامية، أي مرجعيتها الإسلام، وتُمثِّل الشعب الذي غالبيته من المُسلِمين، لكنها ليست دولة ثيوقراطية، بمعنى أن مُهِمتها نشر الدين وتعزيز الدين وحماية الدين، أنا لست مُتعاطِفاً مع هذا، هذا لابد أن يُترَك للمُجتمَع المدني، ليس من مُهِمة الدولة ولا حتى الحكومة والأجهزة التنفيذية أن تُعزِّز الدين وأن تُبشِّر بالدين، أنا لا أتعاطف مع هذا، يُترَك هذا للمُجتمَع المدني.

– الأستاذ عليّ الظفيري: وقتنا ضيق، ووعدت كثير من الأصدقاء في الشبكات الاجتماعية أن أُقدِّم أسئلتهم.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: تفضَّل.

– الأستاذ عليّ الظفيري: اسمح لي أن أسألك بشكل سريع وأن أتلقى إجابات سريعة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: تفضَّل.

– الأستاذ عليّ الظفيري: ما موقفك من الثورة السورية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أسأل الله لها أن تنتهي إلى نهاية تُشرِّف وتُفرِح العرب والمُسلِمين.

– الأستاذ عليّ الظفيري: ما هي النهاية المُشرِّفة والمُفرِحة للعرب والمُسلِمين؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أن يسقط هذا النظام الظالم المُجرِم المُتوحِّش.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل يجوز قتال هذا النظام؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: وجب قتاله، ليس فقط يجوز، وجب قتاله بعد أن خاض في دماء المُسلِمين بهذه الطريقة الوحشية.

– الأستاذ عليّ الظفيري: العلماء الذين وقفوا معه – المشايخ والدُعاة الذين يقفون اليوم مع النظام – ما تقديرك لموقفك؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أنا أتعجَّب من إصرارهم…

– الأستاذ عليّ الظفيري: الشيخ البوطي تحديداً!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أتعجَّب من إصرارهم إلى اللحظة على أن يقفوا هذا الموقف، ربما في البداية كان لهم بعض العذر، ربما ضُلِّلوا، قُدِّمت إليهم معلومات وتبريرات، لكن كيف يستمر هذا إلى اليوم بعد أن تخوَّض هذا النظام في كل ما تخوَّض فيه؟ أنا أتعجَّب من هذا.

– الأستاذ عليّ الظفيري: أحمد الحريتي من الكويت يسأل ما رأيك في الثورة الإيرانية – الثورة الإسلامية الإيرانية – وثورة الخُميني تحديداً؟ طبعاً كما سماها، أيهما أفضل عندك: شخص الخُميني أو مُعاوية؟ طبعاً هذا سؤال له ارتباط بموقفك وبالجدل وبالخصومة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هذه مُفاضَلة غريبة جداً، وربما حتى في نظري غير مفهومة، ما العلاقة بين الخُميني في القرن العشرين وبين مُعاوية في القرن الأول؟ وهذا ينتمي…

– الأستاذ عليّ الظفيري: كيف ترى الثورة الإسلامية؟ دعنا نُعيد إنتاج السؤال.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ثورة إسلامية، هي ثورة إسلامية، بلا شك ثورة إسلامية، غيَّرت وجه العالم،  الثورة الإسلامية في إيران…

– الأستاذ عليّ الظفيري: لكنها أنتجت الدولة الدينية والدولة اللا ديمقراطية.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا نستطيع أن نقول دولة دينية، في إيران هناك انتخابات…

– الأستاذ عليّ الظفيري: ولاية الفقيه…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هناك برلمان، وهناك كذا وكذا، ولكن أنا أقول لك للأسف هي دولة ديمقراطية ومدنية من بعض الجهات، ولكنها أيضاً للأسف مُعوَّقة، مُعوَّقة ومشلولة!

– الأستاذ عليّ الظفيري: في الدستور هناك نص يُحدِّد مذهب الحاكم يا دكتور.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، للأسف هذا من الأشياء التي تُؤخَذ على هذه…

– الأستاذ عليّ الظفيري: أنت تقول دولة مدنية…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هذا من الأشياء التي تُؤخَذ على هذه الدولة، هذه دولة في انتخابات، أليس كذلك؟

– الأستاذ عليّ الظفيري: آليات…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: فيها برلمان، وفيها…

– الأستاذ عليّ الظفيري: لكن هذه الآليات…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: هو هذا، والآليات حتى يُعوَّق عملها كما قلت لك، يُعوَّق عملها! هناك مجلس صيانة الدستور، هذا يُجهِض عمل البرلمان.

– الأستاذ عليّ الظفيري: أفكارك تسحر الناس، تعتمد على الإيهام والعرض الدرامي في الخُطب، هذا سؤال من اسم حركي وليس اسماً حقيقياً.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بالعكس! أنا مُحاضِر أكثر مني خطيباً، أستطيع أن أكون خطيباً وأن أتقيَّل طريقة الخُطباء.

– الأستاذ عليّ الظفيري: أنت خطيب جُمعة…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، ولكنني حين أخطب أُحاضِر أكثر مما أخطب، مَن تابعني وعرف طريقتي يعلم هذا، فهذا غير صحيح، أنا لا أعتمد الإيهام وما إلى ذلك كما يقول الأخ السائل.

– الأستاذ عليّ الظفيري: سؤال من فهد العليوي، إذا كان الدستور ينص على أن دين الدولة فإذن ألا يعني هذا أنها دولة دينية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أبداً أبداً.

– الأستاذ عليّ الظفيري: إذا تم النص…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: ولا بأي حال من الأحوال، ليس هذا معنى الدولة الدينية أصلاً.

– الأستاذ عليّ الظفيري: لماذا التطبيل المُتكرِّر لعلماء الشيعة والنقد المُتكرِّر لعلماء السُنة؟ هذا يرتبط بأول سؤال بدأنا به الحلقة.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم:  الذي يقول هذا لم يُتابِع شيئاً من أعمالي ولا من خُطبي ومُحاضَراتي ولا يعرف شيئاً أبداً، أين التطبيل لعلماء الشيعة؟ ربما اقتبسنا محمد باقر الصدر كفيلسوف وعالم منطق، اقتبسنا عليّ شريعتي كسوسيولوجي ومُؤرِّخ، وهو يقول لك يُطبِّل لعلماء الشيعة! كل خُطبي ومُحاضَراتي إحالة على علماء وأئمة السُنة باستمرار، فهذا الكلام غير صحيح.

– الأستاذ عليّ الظفيري: تأثير الخصام الديني والمذهبي اليوم والاحتقان الطائفي بشكل كبير على فكرة المُجتمَع المدني والدولة المدنية…

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: وعلى مُستقبَل الأمة أيضاً.

– الأستاذ عليّ الظفيري: كيف يُؤثِّر؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: يُؤثِّر تأثيراً سيئاً جداً جداً، قد يُقوِّض كل مشاريع التنمية والتحديث والعمل هذا الخصام الطائفي والمذهبي الذي قد يتفجَّر في أي لحظة ويأتي على الأخضر واليابس، ولذلك أنا طريقتي تسعى دائماً إلى تهدئة – كما يُقال – الأوضاع والعمل على التقريب.

– الأستاذ عليّ الظفيري: ما رأيك في مُصطلَح أسلمة العلمانية بمعنى مُحاوَلة مواءمتها على الأقل مع الحالة لدينا هنا في المنطقة أو أن تكون دولة إسلامية؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: جُزء من العلمانية إسلامي بلا شك، هناك جُزء في العلمانية إسلامي، مثلاً نستطيع أن نقول إحدى أهداف ومُنجَزات العلمانية أنها حدت من السُلطتين – السُلطة الرسمية كما يُقال، والسُلطة الدينية الكنسية – على المُجتمَع وعلى الناس، الإسلام يتعاطف مع هذه الأهداف ومع هذه الاتجاهات.

– الأستاذ عليّ الظفيري: ماذا عن فكرة الثورات والتأصيل الشرعي في الموقف من الثورات؟ الثورات التي حدثت في المنطقة!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أنا عندي تحفظ بسيط، وأنا أيضاً انخرطت في هذا الشيئ، بعد أن انخرطت وبعد أن حصل ما حصل أتمنى أن يُمارِس العلماء الاجتهاد والتأصيل الجماعي على اختلاف توجهاتهم أيضاً وعلى اختلاف خلفياتهم العلمية، هذا يكون أفضل لاعتبارات كثيرة.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل يُمكِن أن تذكر أهمها؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أهمها لكي لا يتورَّط عالم كبير أو عالم شهير أو عالم خطير ربما في خدمة أجندة مُعيَّنة هو لم يطلع عليها.

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل قدَّم الإسلام شكلاً واضحاً – سألت هذا السؤال – للنظام السياسي أم كل نظريات الإسلام السياسي اجتهادات تُحاوِل أسلمة الديمقراطية؟ أزمة أسلمة الديمقراطية!

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: كلها اجتهادات، ليس هناك صيغة مُحدَّدة للنظام الإسلامي وراء المبادئ والقيم…

– الأستاذ عليّ الظفيري: بمعنى هل يُمكِن أن نكتفي بأن الشريعة – ما ذكرته يا دكتور هنا هو سؤال أيضاً من فاضل المُراد – عدل وكرامة وحراية؟ بمعنى أن نكتفي بمفاهيم عامة، وأن نبتعد عن جوانب رئيسية في قضية الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: لا ليس كذلك، ليس كذلك! نحن قلنا بخصوص النظام السياسي بالذات نعم هناك مبادئ مُجمَلة وعامة، لكن بخصوص قضايا أُخرى كثيرة الشريعة جاءت فيها بتفصيلات لا نستطيع أن نجتزئ بالمُجمَل وبالعام، غير صحيح! لكن في النظام السياسي نعم، لدينا – كما قلت – هامش عريض للاجتهاد والتحرك، ولذلك أنا حتى لو أردت أن أضرب مثالاً…

– الأستاذ عليّ الظفيري: تفضَّل.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أشهر تعريف للخلافة ونظام الخلافة ليس تعريفاً إسلامياً، بل هو تعريف زرادشتي، هو تعريف ساساني، أنها نيابة عن صاحب الشرع – عليه السلام، أي النبي – في سياسة الدنيا وحراسة الدين، هذا ليس فهماً إسلامياً أصيلاً، ردَّده الماوردي وأبو يعلى وكل مَن أتى بعدهما على أن أصوله فارسية، أردشير بن بابك هو الذي قال هذا.

– الأستاذ عليّ الظفيري: دكتور، أنت من الواضح أنك تجتهد بشكل كبير في هذه المسألة وفي هذا الحقل، ماذا يُواجِه المُجتهِد اليوم في هذا الحقل الدقيق والحسّاس والصعب؟ ما هي أبرز العقبات والتحديات؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أبرز العقبات المواءمة بين المنهجية الاستنباطية للفقيه – إذا كان المُفكِّر الإسلامي فقيهاً ويعرف ما هو الفقه وما هو الأصول – وبين المنهجية الاستقرائية لفهم الواقع وللفكر، أن يعيش كمُفكِّر وليس فقط كفقيه، هذا تحدٍ كبير جداً جداً، ولذلك هناك هُوة لابد أن تُجسَّر بين الفقيه وبين المُفكِّر المُسلِم، وأن نمزج بين المنهجيتين الاستنباطية والاستقرائية، بمعنى لا نعتاض بالواقع عن النصوص ولا نكتفي بالنصوص عن معرفة تفاصيل الواقع وتحدياته واشترطاته وإكراهاته أحياناً، هو هذا!

– الأستاذ عليّ الظفيري: هل أنت مُتفائل بوجود عملية تحديث كبيرة جداً في هذا المجال خاصة أنك تتحدَّث عن السائد وغير السائد والدهماء والعوام وأن المُفكِّر يجب أن يتمتع بالغرابة وما إلى ذلك؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: مُتفائل جداً، لماذا؟ لأنني أُلاحِظ فعلاً – ولا أقول من خلال سجف الغيب أبداً أبداً، وإنما من خلال الواقع – جيلاً من الشباب والشابات أو الشواب الأيقاظ المُتحمِّس المُتعلِّم المُثقَّف الذي أسعده الحظ بأنه عاش في عصر العولمة والتواصل بل السيولة المعرفية، هؤلاء الشباب هم أمل هذه الأمة إن شاء الله.

– الأستاذ عليّ الظفيري: المُفكِّر الإسلامي الدكتور عدنان إبراهيم شكراً جزيلاً لك، وأعتذر أيضاً لأن نمط الحوار عادة يختلف عن نمط الخطابة الذي يمنح مُتسعاً كبيراً من الوقت، شكراً جزيلاً لك.
– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: شكراً لك أستاذ علي.

– الأستاذ عليّ الظفيري: الشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المُتابَعة، نُذكِّر طبعاً بصفحات البرنامج في موقع الجزيرة نت، www.aljazeera.net/portal، في قسم الفضائية وأيضاً بصفحة البرنامج على موقع تويتر Twitter، Twitter.com/ajindepthshow، وبصفحة البرنامج على الفيسبوك Facebook بالاسم العربي (في العمق)، Facebook.com/alomq، تحيات الزميل عماد بهجت، مُخرِج البرنامج، وداود سُليمان أيضاً، مُنتِج في العمق، شكراً لكم وإلى اللقاء.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: