استهل الدكتور أحمد العرفج الحلقة بمقولة جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau ثقافة المرء هي التي تُحدِّد سلوكه، فضلاً عن أنه طرح بعض الأسئلة.

قال الدكتور عدنان إبراهيم إن هامش الخطأ في تعريف المُصطلَحات المُترجَمة دائماً يأتي أكبر من هامش الخطأ للمُصطلَحات المُعرَّبة، فالمُعرَّبة تكون دقيقة لأن العلماء يُلزَمون بالتعريفات الأصلية في المصادر الأصلية.

أوضح أن الكلمة العربية في تطورها لا تعكس بالضرورة المسار التطوري الذي سلكته الكلمة الأجنبية وتنتمي إلى سياق آخر.

أشار إلى أن بعض المُثقَّفين يقولون عن كلمة الثقافة إنها من ثقف وما إلى ذلك لأنهم يعودون إلى مُعجَم اللُغة العربية وهذا غير صحيح.

أوضح أن تعريف الثقافة تعريفاً يُتسالَم عليه أمر مُستحيل، لذا ريموند ويليامز Raymond Henry Williams قال لا أدري كم مرة تمنيت أن هذه الكلمة اللعينة لم أُصادِفها في حياتي، فكلمة ثقافة واحدة من ثنتين أو ثلاث كلمات الأكثر تعقيداً.

تابع أنه سيُشير إلى الاتجاه العام وقال إن كلمة Culture التي تُترجَم إلى ثقافة بالعربية مأخوذة من كلمة لاتينية وهي Cultura التي تدور على جُملة من المعاني المُتقارِبة كالتهذيب والعناية والتربية والاستزراع والنمو ومن هنا أتت كلمة Agriculture التي تعني الزراعة وكلمة Horticulture التي تعني البستنة.

عاد إلى القديم مُتحدِّثاً عن شيشرون Cicero الذي عرَّف الفلسفة بإنها فلاحة العقل Cultura mentis، وذكر أن الفرنسيين كان لهم الإسهام الأكبر في تطوير هذه الكلمة، فهي دخلت المُعجَم الفرنسي قبل الإنجليزي.

تابع أن هذه الكلمة كانت تعني فقط ما يخص الأفراد وليس المجموع وكانت تعني تنمية الإنسان من وجوه التنمية المُختلِفة كالجمالية والمادية، مُشيراً إلى أنها لم تُذكَر بالمُطلَق، حتى أتى فولتير Voltaire الذي أطلقها وحدها.

أشار إلى أن في أواخر القرن الثامن عشر بدأت الكلمة تتحدَّد فيما يتعلَّق بالمجموع وليس الأفراد، أي كشأن مُجتمَعي، وهكذا ظلت إلى أن جاء إدوارد تايلور Edward Tylor وعرَّفها قائلاً هي ذلك المُركَّب المُعقَّد المُكوَّن من الاعتقاد – أي الدين – والأدب والفن والصناعة والتقاليد وما شئت من كل ما يطبع حياة القوم مادياً ومعنوياً.

أضاف أن ت.س.إليوت T. S. Eliot في كتابه مُلاحَظات نحو تعريف الثقافة رأى أن كل ثقافة مبنية على الدين، فالعامل الرئيسي للثقافة عنده هو الدين.

أكَّد على أن الدين العنصر الأساسي في الحضارة والثقافة، ثم ذكر أن بعض المدارس باستثناء المدرسة الأمريكية تُعرِّف الثقافة على أنها ما يتعلَّق بالمادي، مُشيراً إلى أن هذه المُقارَبة تصدر عنها بعض المدارس كالألمانية.

أوضح أن الدراسات التاريخية قالت الثقافة تختص بالشيئ الرمزي وليس المادي، ثم تحدَّث عن المدرسة الأمريكية التي تُعَد الأقوى تأثيراً – المدرسة الأمريكية تستطيع أن تُصدِّر نفسها لذا العولمة تُشبِه أن تكون أمركة – وتقول الثقافة تتعلَّق بالجانب غير المادي في حين أن الحضارة تتعلَّق بالجانب المادي.

ذكر أن أوزولد شبنجلر Oswald Spengler استخدم الثقافة كما استخدم أرنولد توينبي Arnold Toynbee الحضارة بمعنى الوحدة التي يُعنى بها كفيلسوف حضارة للدراسة، فشبنجلر Spengler قال إن هذه هي الثقافة ثم ميَّز بين الثقافة والحضارة فاتفق مع المدرسة الأمريكية مُتأثِّراً بما قاله ابن خلدون.

أوضح أن شبنجلر Spengler قال الثقافة هي المرحلة الأولى في التطور المديني وتدل على الضخ والإنتاج والإزدهار الروحي وما إلى ذلك، وحين يُوفي هذا التطور الثقافي تأتي الحضارة التي تتعلَّق بالصناعة والمعمار وكل الأشياء المادية، لكن حين يغلب منطق الحضارة على الثقافة تدخل الأمة في الانحطاط.

أكَّد على أن موقف شبنجلر Spengler فيه تأثر شديد بابن خلدون الذي كان ينظر إلى الحضارة على أنها نهاية للعُمران.

تساءل مَن هو المُثقَّف؟ وقال من حق كل أحد يعيش في مُجتمَع ما أن يُعتبَر مُثقَّفاً، لأنه يحمل ويُترجِم ويعكس المظاهر الثقافية في الأمة، وهذا ما وافق عليه غرامشي Gramsci وقال بهذه الطريقة كل الناس مُثقَّفون، لكن هناك المُثقَّف التقليدي الذي لا يُساهِم بدور اجتماعي في مُقابِل المُثقَّف العضوي الذي له دور في قضايا مُجتمَعه خاصة التي تتعلَّق بالمُستضعَفين وإن لم يحمل الشهادات العُليا، كعباس العقّاد الذي يحمل الشهادة الابتدائية.

أضاف أن غرامشي Gramsci يرى أن وظيفة المُثقَّف الحقيقية هي الدفاع عن المُستضعَفين، ولا يعترف به إذا لم يُؤدها مهما كان مُتعلِّماً ومُفكِّراً، فالمُثقَّف عنده دور أكثر منه كفاءة وقال من الخطأ الشائع جداً أن نبحث عن معيار التميز في المُثقَّف في جوهر معناه، فينبغي أن يُبحَث عنه في طبيعة العلاقة الناظمة له مع الآخرين، ويقصد بالآخرين المُهمَّشين والسُلطة.

عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة للفنان فهد الكبيسي، ومُلخَّصها أنه أشار إلى وجود فوضى هائلة في كمية المعلومات المُتداوَلة وتساءل عن عدة أشياء أهمها تعريف الثقافة ومقدار الثقافة التي يحتاجها الفرد لمُواجَهة المعلومات المُتداوَلة.

أثنى الدكتور عدنان إبراهيم على المُداخَلة وقال الجماهير العربية من خلال المنظور التقليدي كلها مُثقّفة أما من خلال المنظور العضوي ليست كذلك.

أوضح أن السؤال عن مقدار الثقافة من أصعب الصعب، مُشيراً إلى أننا في العالم العربي ينقصنا موضوع المرجعية، فنحن نحتاج إلى مرجعيات ذات ثقة حقيقية.

ذكر أن العرب في الواقع العملي يحترمون التخصص، فالواحد منهم يستعين بالمُتخصِّصين كالمُهندِسين والأطباء إذا أراد أحدهم أن يُنشئ بيته أو أن يتطبب ولا يستعين بالمشايخ مثلاً، لكن إذا تعلَّق الأمر بالكلام عن السياسة أو الدين أو الثقافة فكل مَن هب ودب يتكلَّم بلُغة وثوقية ولُغة خشبية بريئة من كل نقدية ومرونة فكرية، لذا يحدث شطط أثناء النقاش وربما يتطوَّر الأمر إلى التطاول بالأيدي، وهذا ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي وفي برنامج الاتجاه المُعاكَس بل وحتى في المجالس العادية.

أضاف أن عندنا ثقافة العبث بالفكر وثقافة التعالم التي يتحدَّث صاحبها وهو لا يعلم شيئاً، في حين أن الناس في الغرب لا يتكلَّمون في كل شيئ، فهذا كان مقبولاً إلى أيام جان بول سارتر Jean-Paul Sartre الذي تحدَّث عن الضمير الشقي المُهتَم بقضايا المُجتمَع وله مصداقية.

أشار إلى مُصطلَح ثقافة خيانة المُثقَّف وذكر أن جوليان بيندا Julien Benda عنده كتاب اسمه خيانة المُثقَّفين وقد صك به هذا المُصطلَح الذي يعني تخلي المُثقَّف عن دوره الرئيس.

توقَّع أن الذي أوحى بكتاب خيانة المُثقَّفين موقف إميل زولا Émile Zola حين نشر إني أتهم كرسالة مفتوحة للرئيس الفرنسي في قضية الضابط اليهودي الذي اتُهِم بالخيانة لأنه يهودي، فنصره المُثقَّفون ووقعوا بيان اسمه بيان المُثقَّفين، وهنا بدأ المُثقَّف يبرز كسُلطة في المُجتمَع ثم أتى برتراند راسل Bertrand Russell وأطلق مُبادَرة محكمة الضمير مع مجموعة من المُثقَّفين.

أوضح أن المُثقَّفين يأتون من خلفيات مُختلِفة، وأشار إلى أن كل مُناضِل ليس مُثقَّفاً بالضرورة لكن كل مُناضِل هو مُثقَّف مُحتمَل، في حين أن غرامشي Gramsci ينظر للمُثقَّف على أنه مُناضِل، وهذا الاتجاه موجود عند اليساريين.

استشهد بمقولة مونتسكيو Montesquieu لو اكتشفت شيئاً يُفيدني لكنه يضر بعائلتي لنبذته ولو وجدت شيئاً يُفيد عائلتي ويضر بوطني لتركته ولو وجدت شيئاً يُفيد وطني ويضر العالم لتخليت عنه، فهذه فكرة تنويرية تتعلَّق بالالتزام وتأثَّر بها سارتر Sartre الذي كان يُنادي بفكرة المُثقَّف الكوني أو العالمي، لكن هذه الفكرة لها لوازم لم يعد العصر يسمح بها، لأن هذا المُثقَّف الكوني يُمارِس نوع من الوصاية في الإرشاد وتحديد الطريق، لذا ميشال فوكو Foucault رفض هذا الكلام الذي يرى أن الحقيقة ليست لُقية ومن هنا كان يُؤمِن بالمُثقَّف الخصوصي.

عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة الذي ظهر فيه الدكتور طارق السويدان وعرَّف من خلاله الثقافة بأنها مجموع المعلومات والقيم الحاكمة للسلوك، فكلما زادت المعلومات والقيم كان الإنسان مُثقَّفاً أكثر بشرط أن تحكم هذه المعلومات والقيم سلوكه.

علَّق الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً ليس بالضرورة أن تكون الثقافة معلومات أو قيم بمعناها الدقيق، فالعادات التي يصدر عنها الإنسان ثقافة أيضاً، وكذلك الحال مع المواريث وما إلى ذلك، فالثقافة شأن مُجتمَعي، لأن الإنسان شاء أو أبى محكوم بثقافة المُجتمَع.

رفض تعريف المُثقَّف بأنه مَن يقرأ أشعار المُتنبي ويسمع فيروز، ثم ألمع إلى أن الجاحظ قال الأدب هو أن تأخذ من كل شيئ بطرف وأدركته صنعة الأدب، لكن هذا لا يصح الآن، فلا يُمكِن أن يعرف أحد كل شيئ عن شيئ.

أحال مَن أراد تعريفه للثقافة على مُحاضَرة له ألقاها في عُمان فرَّق فيها بين الثقافة والحضارة، مُشيراً إلى أنه يتعامل مع الحضارة على أنها المدنية، فالاستجابة المُباشَرة للحاجات الفطرية والمادية والغرزية تُنتِج حضارة، وإن خلع الإنسان رؤيته وتصوره الكُلي على هذه الأشياء تنتج الثقافة، فالملبس كملبس حضارة، لكن الدلالة الرمزية له تختلف، فهناك اللباس الديني وهناك لباس الراقصات وما إلى ذلك، لأن أي استجابة غير الاستجابة للحاجة تُعتبَر ثقافة.

ذكر أن جون ديوي John Dewey عرَّف الثقافة بأنها حصيلة تفاعل الإنسان مع البيئة، وهذا التعريف نفسه اعتمده أرنولد توينبي Arnold Toynbee للحضارة.

بارك وجود الهيئات الثقافية وتمنى عليها ولها أن تُتقِن عملها بطريقة أكثر، لأن الثقافة ليست عبثاً.

أوضح أن الثقافة الإسلامية بالمعنى المعروف شيئ مُستحدَث من زُهاء سبعين سنة خاصة مع الجماعات الإسلامية، لكن قديماً كُتِبت بعض الكتب في الثقافة العربية مثل كتاب المُحاضَرات للراغب الأصفهاني.

تحدَّث عن وجود خلط خطير بين الثقافة الإسلامية وثقافة الشعوب المُسلِمة، فالشعوب لها ثقافات لكن الإسلام ليس له ثقافة كدين، لأن الدين نفسه مُكوِّن من مُكوِّنات الثقافة ولذا يُعاد تأويله لأنه لا يأتي بحتاً، ومن هنا النقد لابد أن يكون بحذر.

ألمح إلى غلبة المعيارية علينا، وقال إن هذه المعيارية أضرت بنا وبرسالة الإسلام، لأن المعيارية تُعامَل البشر كأنهم يعيشون في عالم من المُجرَّدات، وهذا ما نلمسه في اللُغة الوعظية، لذا نحن في حاجة إلى اللُغة الوقائعية الوضعية، لأن الإنسان يندك في مُجتمَعه ويُحكَم ببعض الشروط، فعوض أن يُقال له بطريقة وعظية كُن فاضلاً ينبغي أن يُساهَم في خلق ظروف تجعله فاضلاً.

استدل بحديث لأتصدقن بصدقة للتأكيد على فكرته، فعوض أن يُقال للسارق – مثلاً – لا تسرق ينبغي أن تُخلَق له الظروف التي تعفه عن السرقة، فلا ينبغي أن نعظ الناس بالاستقامة فقط بل يجب أن نخلق لهم الظروف التي تجعلهم مُستقيمين.

خاطب كل مُثقَّق مهوم بالشأن العام قائلاً إذا أردت أن تتحدَّث عن ثقافة التسامح – مثلاً – فلا تعظ بالتسامح، أرني تسامحك مع خصومك ومع مَن يسبك، فنحن لا نُريد المُعيارية والحُكم على الناس من أعلى.

أشار إلى أنه رغب في إيصال الكثير من الأشياء لكن الوقت لم يُسعِفه، خاصة أن بلادنا العربية تحتاج إلى أمور عديدة مثل ثقافة السلم، ثقافة التعايش، ثقافة قبول الآخر، ثقافة العمل، ثقافة اتقان العمل، وثقافة المسئولية.

ختم الحلقة بتغريدة قال فيها: ابحثوا عن إصاباتنا الثقافية وحاولوا أن تُعالِجوها بطريقة تخرج من المواعظ إلى الإجراءات.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: