إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۩ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ۩ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ۩ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۩ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ۩ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

في معرض استفصال الملائكة في مسألة استخلاف الله أو إعرابه عن مُراده – سبحانه وتعالى – أو إرادته في استخلافِ هذه الخليقة وفي رأسها أبو آدم – عليه السلام – ورد أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ۩، فيبدو أن هذا أظهر ما وقعت عليه الملائكة من طبيعة هذا الكائن ومن طبيعة هذا الخلق، إنه كائن نزَّاع إلى الإجرام وإلى إحداث المصائب والمرائر والكوارث لذا قالوا يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ۩، والظاهر أن الله – تبارك وتعالى – سلَّم هذا لهم مبدئياً، والدليل على صحةِ هذا الفهم ما ذكرناه غير مرة أننا لا نعثر – ولا أقول لا نكاد بل لا نعثر بالقطع والجزم واليقين – على موضعٍ يُذكَر فيه الإنسان إلا ذُكِرَ فيه بالذم في كتاب الله تبارك وتعالى، قال الله قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۩ وقال أيضاً يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ۩ فضلاً عن أنه قال وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ۩ وقال إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ۩ وقال إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۩ وإلى آخر الآيات، فكل الآيات لا تذكر الإنسان إلا وسمته ووصمته بهذا العار الذي يُجلِّله، كالكفران والجحود والجريمة والظلم والجهل والنسيان وإلى آخره، ولكن هناك دائماً مُراهَنة إلهية ومُراهَنة قرآنية على شيئٍ واحد وهو الإيمان، أي الاشتراع، وذلك بأن يتبع منهج الله تبارك وتعالى، فالإيمان يُشكِّل استثناءً فقط وهو الاستثناء الوحيد بحسب المنظور القرآني، وعموماً أنا مُتأكِّد من أن هذا الطرح سيفجأ كل إنسانٍ لا يفهم الخُطة القرآنية والنظرية القرآنية في تصوير جوهر الإنسان وكيفية إصلاحه والإصلاحُ مُمكِن وخاصة من غير المسلمين الذين سيقولون “بداية مُتشائمة جداً، بداية كافرة بالإنسان، نحن نتنكر لهذه البداية ونرفضها”، لكن ليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا ولذلك هذا لا يُقلقني، فليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا وهى في شطر عظيم جداً منها طبيعة مُنحطَّة تماماً وطبيعة مُتوحِّشة وطبيعة دموية مُفسِدة ومُخيفة تماماً ولا يزال هذا يتبرّهَن عبر التاريخ الإنساني كله بدايةً من ذلكم الذي قتل أخاه ظلماً وحسداً وبغياً وعدواناً فلايزال يُصيبه كفلٌ من كل جريمة تُحتقَب إلى يوم يرث الله الأرضَ ومَن عليها، وبالتالي ليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا لأن هذه طبيعتنا، والآن سأذكر بعض الحقائق والتجارب العلمية التي تُؤكِد تجذر هذه الطبيعة، إنها طبيعة البشر، طبيعة المُتعلِّمين كما هى طبيعة البدائيين والهمج وطبيعة الشعوب الأوروبية في القرن العشرين والحادي والعشرين – سجن أبو غريب – كما هى طبيعة المُتوحِّش الأول البدائي، نفس الطبيعة لا تزال موجودة، فهناك كائن تقوده غرائز مُتوحِّشة ومُخيفة، ولكن علينا أن نقلق – لا أقول لنا وإنما علينا – حيال ثقافتنا وحيال الأفكار التي نتغذَّى عليها والتي نُمد بها، علينا أن نقلق على المصفوفات الثقافية – إن جاز التعبير – وكل بيئة فيها مصفوفات ثقافية حاكمة على أبنائها وعلى مَن ينتمون إليها، فيجب علينا أن نقلق حيال الثقافة لا حيال الطبيعة، لكن لماذا؟!

لأسباب كثيرة، أولاً لأن هذه الطبيعة مهما بدت دموية قانية ومُتوحِّشة وشرسة وعنيفة ومُندفِعة وهيجانية ونزوية فتتبع النزوات والرغائب بطريقة بهيمية إلا أنها ليست بتلكم القوة التي تُوجَد – مثلاً – في الحيوان أبداً، إنها طبيعة ضعيفة، بدليل أن الإنسان – وهذه حقيقة مُقرَّرة في البيولوجي Biology أو علم الأحياء – هو أقل الحيوانات الرئيسية غرائز، فكل الحيوانات غرائزها أكثر من غرائز الإنسان، بمعنى أنه لو دُفِعَ الإنسان إلى الحياة وحده هكذا يهلك، ولكن لو دفعت قرداً أو حصاناً أو نمراً أو قطاً إنه يستطيع أن ينجو بنفسه لأنه مُتسلِّح بقدر أكبر من الغرائز فيستطيع أن يُجابِه وأن يُواجِه وبنجاح تكيفي تلائمي مصاعب الحياة والبيئة، لكن الإنسان يفشل هنا لأن الطبيعة ضعيفة ولأنه مُتسلِّح بعدد أقل وهو الأقل من بين الرئيسيات من الغرائز لأن غرائزه قليلة، فلماذا إذن؟!

الله خلقه هكذا وصاغه هكذا وأبدعه هكذا لكي يظل يُراهِن دائماً على الثقافة على الغريزة، فأنت لم تُخلَق حيواناً لتبقى حيواناً، أنت فيك نفخة من روح الله – تبارك وتعالى – مُؤهَّلة أن تجعلك خلقاً آخراً، فعليك أن تتعاطى مع الثقافة ومع الفكر، ولذا في تعريفي الشخصي للحضارة قلت هى ضبط الغرزي، يُوجَد مليون تعريف للحضارة لكن الذي أتبناه وأرتاح إليه هو ضبط الغرزي فينا، فحين ينضبط الغرزي تبزغ الحضارة ولكنها لا تذهب أشواطاً بعيدة إلا بمُجاوَزة هذا الغرزي، أي مُجاوَزة الغريزة وتجاوز الغريزة والتعالي عليها، فهنا يبزغ الإنسان الحقيقي، وبه ومعه تبزغ الحضارة الآدمية البشرية الإنسانية الحقيقية، فيما عدا ذلك وبدون ذلك نظل قابعين في الأفق الحيواني وفي المهد الحيواني، ولذلك ليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا لكن علينا أن نقلق حيال ثقافتنا وحيال أفكارنا وحيال مُتنبياتنا ومفروضاتنا وقبلياتنا ومُسبَقاتنا ومُسلَّماتنا وحيال مثل هذه الأشياء التي نُغذِّي بها أنفسنا وأولادنا والآخرين ونُبشِّر بها صباح مساء، فهذا ما ينبغي أن نُطيل الوقوف عنده جداً!

علماً بأن الخُطبة اليوم سيذهب ثلثها على الأقل في شكل مُقدِّمات حتى نستطيع أن نستوعب رسالة خُطبة اليوم.

ثانياً لا يستطيع أحد أن يزعم – أنا يعنيني كمُشتغِل في هذا الحقل الثقافة الإسلامية بالذات في الحقل الإسلامي بين المسلمين عرباً كانوا أم غير عرب – ويُزيِّف الوقائع ويتنكَّر للحقائق أن هذه الثقافة الإسلامية السائدة بخير وهى مُعافاة وصحية، هذا غير صحيح فهى ليست بخير وليست مُعافاة وليست صحية، فالثقافة  تُعاني من إصابات وأعطاب كثيرة جداً في مفاصلها وفي بُناها، ودائماً يُمكِن – لا أقول يُزعَم – أن يُقرَّر أن أبشع درجة يُمكِن أن يتمثَّل بها التعصب السُني تُناظِرها تماماً وتُعادِلها أبشع درجة يتظهَّر فيها التعصب الشيعي، وهذا شيئ عجيب، يعني أكثر السُنيين تعصباً – لا أُحِب أن أذكر الاتجاهات حتى لا أُسيء لأحد – يُساوي ويُعادِل تماماً – وجهان لعملة واحدة  – أكثر المُتشيعين تعصباً، بمعنى أننا نقول له هذا قريبك مثلاً فيستنكر هذا ويقول هو أعدى أعدائي حتى وإن قلنا له هو أقرب أقربائك، فالمشمولات مُختلِفة والمُتضمَّنات والموضوعات مُختلِفة ولكن البنية واحدة، والعقلية والمزاج واحد، ولذلك ليتحوَّل هذا الشيغي المُحترِق بقدرة قادر – وهذا صعب جداً إن لم يكن مُستحيلاً – إلى سُني مُحترِق سيظل مُحترِقاً بنفس الكيفية وسوف يُعادي الشيعة بنفس الكيفية الشرسة مع أنه بالأمس كان شيعياً، ورأينا هذا في بعض المُتعصِّبين من السُنة الذين صاروا شيعة أو العكس، وهذا شيئ عجيب، فهو لم يتوسَّط ولم يُصبِح مُقرِّباً أبداً لأن البنية واحدة!

بذكاء لاحظ الفيلسوف الأمريكي المُعاصِر رالف بارتون برى  Ralph Barton Perry  في كتابه إنسانية الإنسانية The Humanity Of Manعرضية أن الذين كانوا قائمين على محاكم التفتيش في إسبانيا كانوا كاثوليكاً – المسألة عرضية وليست جوهرية – وأن ضحاياهم كانوا من الكاثوليك الموسومين بالهرطقة Heresy، وهذه مسألة عرضية جداً، لأن هذا العُصاب الجماعية –  Social Neurosis – الذي تمثَّل في شكل شيئ إسمه محكمة تفتيش تُفتِّش عن عقائد الناس وعن ضمائرهم وتجعلهم طُعمةً للنيران وسط حشود تتهلَّل وتصطرخ فرحاً وانتشاءً بحرق الكفرة الزنادقة الملاعين الذين يُريدون إفساد الحياة ومنظومة العقائد والأعراف والتقاليد، وكل هذه الأشياء عرضية بدليل أن البروتستانت بعد ذلك لم يكونوا أحسن، فهناك عرضية الضحية حيث صار من ضحايا محاكم التفتيش حين انتقلت بعد ذلك إلى أوروبا ومناطق في أوروبا البروتستانت في القرن السادس عشر مثلاً والصوفيون في القرن السادس عشر والسابع عشر، وفي القرن الثامن عشر صار من ضحاياها الفولتاريون “أتباع فولتير Voltaire” والهوبسيون “أتباع توماس هوبس Thomas Hobbes” وأيضاً الملاحدة والربوبيون الذين يقولون بالدين الطبيعي ويُؤمِنون بوجود الله ويُنِكرون الوحي والشرائع السماوية فصاروا ضحايا لها، وفي القرن التاسع عشر الجمهوريون والتحرريون صاروا ضحايا لمحاكم التفتيش، فضلاً عن المسلمين واليهود في إسبانيا والمارانوس  Marranos والموريسكوس Moriscos الذين أصبحوا رغماً عنهم يهوداً مُتحوِّلين، وأيضاً خضع هؤلاء المارانوس Marranos لمحاكم التفتيش لأنهم كانوا موضع ارتياب، وخضع الموريسكوس  Moriscos  لمحاكم التفتيش لأنهم كانوا موضع ارتياب رغم تعمدهم وتحويلهم لأديانهم، فكل هؤلاء ضحايا، إذن كون الضحية كان كاثوليكياً مسألة عرضية وكون الجلَّاد كان كاثوليكياً مسألة عرضية، إنها بنية واحدة، فالبروتستانت مارسوا بعد ذلك دور الجلَّاد، والفاشيون مارسوه والاشتراكيون مارسوه والشيوعيون مارسوه والنازيون مارسوه والمُتعصِّبون العرقيون مارسوه، واليوم المسلم السُني يُمارِسه والمسلم الشيعي يُمارِسه كلٌ في حق أخيه وهذا شيئ غريب، وغداً وفي الغد القريب ربما سيُمارِسه في حق ابن طائفته أيضاً لأن البنية واحدة، ومن ثم علينا أن ننتبه وعلينا أن نكون أذكياء هنا وعلميين، كفى كل هذا.

المُقدِّمة التي أُحِب أن أُدلي إليها بعد هذا الاستهلال أنني قلق جداً – وينبغي علينا جميعاً أن نكون قلقين – حيال تلكم القسوة والجفاف والمسلك اللاإنساني الذي يصدر عنه العلماء والدعاة والقادة الروحيون هنا وهناك، إذ لايزالون مُصِّرين – وهم يزعمون التعاطي العلاجي مع المُشكِلة وأنهم يُحِبون أن يُعالِجوا المُشكِلة -على تناولها من ذات أو من الزوايا ذاتها التي أشعلت نيرانها وأرَّثت أحقادها، أي من زوايا ماذا يقولون وماذا نقول وهم كفار وهم تجاوزوا وهم كذبوا ونحن على حق وهكذا، فيتناولونها باستمرار من نفس الزوايا، لكن ما الذي أشعل هذه النيران؟ هذه الطريقة ومن ثم يقع ضحايا، فهناك مجازر وهناك مذابح وهناك تفجير وهناك خوزقة ودرملة، لكن لا يتحرَّك هؤلاء ولا يعنيهم، ليقع مزيد من الضحايا، علماً بأن طريقة العلاج تُؤهِّل لمزيد من جرائم الكراهية وهذا واضح جداً، وهذا المزيد ينتظرنا فضلاً عن الأسوأ لم يأت، وهذا يُعرِب عن قدر من موت الضمير ومن لا إنسانية هؤلاء القادة الروحانيين الذين يتنكَّرون للحقائق من كلا الطرفين، فليس لديهم أبداً شجاعة وجرأة أن يُقِّروا بالحقيقة كما هى بغض النظر ينزعج مَن ينزعج ويرضى مَن يرضى، وذلك من غير دغدغة لعواطف حتى الجماهير، فلا يُقال جماهيري وطائفتي لأن هذا يعنيني، وهذه هى وظيفة القائد الروحاني ووظيفة المُفكِّر ووظيفة العالم ووظيفة الباحث والدارس ولكنهم لا يفعلون، ولذلك قلت مرة بجسارة وسأعيدها وسيعدّونها جريمةً لكن هذا ما أشعر به وهذا ما أتلمَّحه أحياناً وليس دائماً طبعاً وهو أن في إلحاد بعض المُلحِدين من حيث بواعثه والأسباب الحاملة عليه قدراً من الإنسانية وقدراً من الآدمية لا أجده في إيمان مُعظم هؤلاء المُؤمِنين، لكن ستقول لي كيف؟!

وأنا سأقول لكم – هذا كما أفهمه – أن بعض هؤلاء الملاحدة في الشرق والغرب مثار إلحاده ومبعث إلحاده هو ما يراه في الحياة من مصائب ومن ويلات ومن أشياء تبدو لأول وهلة وحتى لعاشر وهلة بالنسبة لعقله غير معقولة وغير رحيمة، فلماذا تُعاني الشعوب المُستضعَفة من الاستعمار؟ لماذا تُطحَن عبر ستين وسبعين سنة وتُقتَل كل يوم بالجُملة وبالتفصيل ولا أحد يتحرَّك تقريباً ولا يتغيِّر الوضع؟ لماذا؟ يقول المُلحِد لماذا يسمح الله بهذا؟ إن كان موجوداً لماذا يسمح بهذا؟ أين عدالته؟ أين رحمته؟

وطبعاً أنا لا أطرح السؤال لكي أقول لكم إنه سؤال في موضعه – والسؤال مطروح على كل حال – وإنه بلا جواب – هناك جوابات – وإنما لكي نُساهِم في إعطاء شيئ من الجواب، وعلى كل حال غيرنا يُساهِم ولا يزال، فأنا لا أتحدَّث عن سؤال وجواب وإنما أتحدَّث عن مسألة الإنسانية فقط وهو القدر الذي يبدو في إلحاد المُلحِد من إنسانية يفتقر إليها من يزعم الإيمان، وهذه داهية ما لها من واهية، فلماذا يُولَد الصغار مُشوَّهين ومُعاقين بأطراف زائدة أو ناقصة أو بأعضاء زائدة أو ناقصة أو بوظائف فاشلة؟ لماذا؟ لماذا يُعاني هذا الطفل الذي لم يحتقب ذنباً ولم يفعل شيئاً؟ وطبعاً ما شاء الله يبزغ مثل هذا المُلحِد وللأسف – الحمد الله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه – هذا المد الإلحادي – ونُكرِّر للمرة المائة – يزداد في العالم العربي، وسأقول لكم للمرة الألف كلما ازداد شبابنا وشوابنا ثقافةً وقراءةً وانفتاحاً سيعلو المد الإلحادي واللاديني لأن الخطاب الإسلامي بائس والخطاب المشائخي المسكين العاطفي الدوجماطيقي بائس، فهو خطاب غير مُثقَّف وغير مُتسلِّح بسلاح حقيقي لذلك هو ضعيف جداً ولا يُمكِن أن يُقنِع هذه العقول الطلعة المُتعطِّشة للمعرفة وللحق والحقيقة، لا يُمكِن لهذا الخطاب البائس المسكين – في مُعظمه طبعاً ولا أُعمِّم، ففي مُعظمه هو بائس ومسكين ويستحق الرثاء حقاً – أن يفعل هذا، ولذلك يتساءل المُلحِد ويألم، فهذا المُلحِد ليس أنانياً وليس وحشاً، إنه يألم لغيره ويألم للمُستضعَفين والمُذَلّين والمُهانين وللمكروثين والمُصابين والمحزونين، يألم ويتساءل أين الرحمة الإلهية؟ أين دور الله؟ أين تدخله؟ لم يحدث كل هذا؟ هل هو حقاً موجود؟ وبعد ذلك حين للأسف تُعييه الحيل ويعجز هؤلاء المشائخ بالخطاب البائس عن إقناعه يُفضي به الأمر إلى الإلحاد.

أنا التقيت في بلد عربي بفتاة – وهى الآن ربما ستسمعني – من العبقريات، فمقياسها على الآي كيو IQ مقياس مُرتفِع جداً ويُؤهِّلها أن تكون عبقرية وهى من العبقريات فعلاً، وطرح علىّ أسئلة  من هذا القبيل تماماً فقالت لي أنها التقت بالمشائخ الفلانيين – ثلاثة مشائخ، اثنان منهم من أكبر مشائخنا اليوم على الإطلاق – ولكن هى أزرت بجوابهم في أقل من ثانية، فما معنى أن أطرح عليك يا مولانا ويا علَّامة العصر هذه الأسئلة ثم تقول لي يا بُنيتي هذه الأسئلة تعدَّت حدود العقل الإنساني؟ قالت فقلت له من فوري العقل هو الذي يسأل والعقل يتكلَّم، فما هذا الكلام الفارغ؟ كلام مَن هذا؟ هذا كلام مشائخ للأسف وهذه طريقة مشائخية، فهو يقول لها يا بُنيتي هذه الأسئلة تخطَّت حدود العقل وكأن الذي يسأل  من عالم الإليانز Aliens والغرائب أو الحور العين، والصحيح أن الذي يسأل هو بشر، فالعقل هو الذي يتساءل، لذلك كان عليك أن تقول يا بُنيتي هذه الأسئلة لم أخبرها من قبل لذلك أنا عاجز عن الجواب عنها، أعتذر – Sorry – لأن ليس عندي الجواب، كُن مُتواضِعاً!

ولكنها أزرت بجوابه في أقل من ثانية وقالت له العقل هو الذي يمثل هنا ويتساءل، هذا عقلي أنا كفلانة، فهل تراني إليان Alien أو تعتقد أنني جئت إليك من المريخ؟ ما هذا الكلام؟ فطبعاً قُطِعَ به، قالت لي قُطِع به.

والشيخ الثاني أو العلَّامة الثاني قال لها يا بُنيتي هذا ليس سؤال عبد لرب إنما هو سؤال رب لرب، فقالت له المُتسائل هو العبد، وأنا عبد ولذلك أطلب الحقيقة، ثم قالت له أنا أحترق بالنيران من سبع سنين، أبكي وحدي في ليلي مُسهَدة لأن لا جواباً حقيقياً عن هذه المُعضِلات.
على كل حال أنا جلست معها من أجل أن أُساهِم في الجواب ولن أقول لكم ما النتيجة، وعلى كل حال هذا هو وهذه هى الطريقة، فإذن هذا المُلحِد حين يُلحِد يكون ذلك على قاعدة إنسانية، فالمبعث إنساني والمثار إنساني، فهو عنده قدر من الرحمة زقدر من التحسّس بخلاف المُؤمِن الذي يزعم الإيمان ويدّعيه ولا يُستثار ولا يتحسَّس ولا يألم للآخرين ولذلك مثل هذه المُعضِلات العقدية والفكرية لا تخطر على باله فيقول لك “أنا مُؤمِن وبالتالي وضعي مُختلِف أما هو فمُلحِد ولذلك يُشكِّك”، وبالتالي نحن نتساءل ما معنى مُؤمِن؟ هل أنت مُؤمِن إيمان الفلاسفة ومُؤمِن إيمان أبي بكر الصديق وعمر وعليّ؟ هل أنت مُؤمِن إيماناً عميقاً جداً؟ سيقول “نعم أنا مُؤمِن وأُسلِّم” ومن ثم سوف تقول له هذا ليس يقين الإيمان بمقدار ما هو بلادة إنسان خلو من الإنسانية، بدليل أنك لم تتساءل حيال هذه المصائب يوماً، أنت لم تتساءل ولو تساءلت على الأقل ستُعطينا جوابات، فما هو الجواب يا حبيبي؟ هل تساءلت يوماً؟ لم تفعل، والدليل أيضاً أن العقل الذي يتساءل لا يزال يتساءل، فالعقل الذي يشتغل يشتغل دائماً، فهو لا  يشتغل في نطاق ثم يموت، فهل أنت أيضاً مِمَن ساهموا في إثراء الفكر الإنساني والديني؟ لم تفعل أبداً، فلست من طلَّاب العلم ولست من العلماء ولست من الذين يتساءلون ولست من الذين يبحثون، أنت في أحسن أحوالك أنت من الذين يبتلعون ويُلقَّنون الأشياء ثم تقيؤها علينا، وهذا في أحسن أحوالك، لذلك أنت لست الكائن المُتسائل يا حبيبي وإنما أنت الكائن الذي تُحشى بالمعلومات والمُقرَّرات والعقائد، فأنت لست مُتسائلاً ولذلك أنت خلوٌ من الإنسانية لأنك لا تشعر بالآخرين!

إلى هذه الدرجة الوضع قد يكون بائساً، وأنا صادق مع نفسي ومعكم، فبعض هؤلاء لديهم من الإنسانية ما ليس لدى الكثيرين منا مِمَن لا يتساءلون أصلاً حيال هاته الموضوعات أبداً، لأن إيمانهم هو إيمان التقليد والاجترار والتكرار والتلقّن فقط وليس إيمان الفكر والتبرّر والتسويغ العقلي والضمائري والتجريبي عبر تجربته الروحية.

هذه المُقدِّمة أيضاً مُهِمة، ونعود إلى موضوعنا وهو موضوع هذه البنية الثقافية المعطوبة، ولا أُحِب أن أقول اللعينة ومثل هذه المُصطلَحات وإنما سأقول المعطوبة والخطيرة، لأن هذه الطريقة في التفكير تتهدَّد مُستقبَلنا وتتهدَّد حياتنا، إنها بنية التحيز الذي يُترّجِمه العرب بالتعصب Prejudice، فيقولون التعصب وهذا خطأ، التعصب شيئ مُختلِف إلى حدٍ ما ولكن لا بأس إن فهمت أنك تتكلَّم عن التعصب بالمعنى الذي يعنيه الدارسون في الشرق والغرب بالـ Prejudice وهو الانحياز والتحيز والأحكام المسبقة Prejudgments فيا حياهلاً، ولكن نحن لا نتحدَّث عن التعصب بالمعنى الضيق كما يُعطيه المُعجَم بل بمعنى أوسع من هذا بكثير.

إذن سنتحدَّث عن هذا مجموعاً حتى لا تُضلِّلنا الترجمات واختلاف الاصطلاحات، فسوف نتحدَّث عن الأحكام المُسبَقة وسوف نتحدَّث عن التحيزات بأنواعها، وهذا ما يُشكِّل جوهر هذه البنية ومعالم هذه البنية التعصبية التحيزية، وطبعاً هى تتظاهر بالكره والغضب والانتقام، وهذه كلها أعراض لهذا المرض اللعين، وطبعاً في رأس الأسباب الكسل، وأنا سأُفضي بهذا بالتفصيل لأنقد يستغرب البعض من أن الكسل في رأس الأسباب، فهذا الكسل يقع حتى في حق العلماء والدارسين، وهو الكسل الذي يتبرم بمُقتضيات البحث العلمي المُرهِقة، فأي مسألة مهما بدت للناس بسيطة وواضحة ومُقرَّرة لدى بحثها تحتاج إلى ألوف الساعات إذا لم يكن الأيام فعلاً لمعرفة حقيقة القول أو لمُقارَبة الحقيقة فيها لأن الحقيقة المُطلَقة عند الله تبارك وتعالى، ومن ثم علينا أن ننتبه إلى أن هؤلاء لديهم قدرٌ عظيم جداً من الكسل، فهم لا يُحِبون لا أن يبحثوا ولا أن يُقارِنوا ولا أن يُحاكِموا ولا أن يُقايسوا، وإنما يُحِبون أن يحفظوا وأن يُقرِّروا وينتهي كل شيئ وإن كانت النتيجة أن أُكفِّر الآخرين وأن أذبحهم، وهذا هو الحاصل من قديم، كما قال محمد بن شجاع الثلجي الحنفي – وكان عدواً مُبيناً للحنابلة – في يوم من الأيام “هؤلاء الحنابلة يستحقون أن يُذبَحوا”، أي أنه يدعو إلى ذبحهم، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، ويقولون لك أنه إمام وعالم ومُؤلِّف كتب،  وأما الحنابلة فلم يبرأوا طبعاً من جريمة أنهم ذبحوا الآخرين أيضاً، فهناك جرائم كثيرة جداً جداً جداً على خلفيات عقدية ودينية وكلامية طبعاً، وهكذا هو التعصب، وفي نهاية المطاف مَن كان صادقاً سيقول لك هذا، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن هذا هو الطريق السهل أو الطريق السهلة، فالتسامح ضد الطبيعة الإنسانية، أما التعصب يتماشى مع الطبيعة الإنسانية لأنه الأسهل، وهناك نظرية إسمها النزوع إلى الأسهل تُفسَّر بها أشياء كثيرة في العلم، مثل بعض الأشياء في علم الاجتماع وفي علم النفس وخاصة في علم النفس الاجتماعي، فأسهل علىّ مليون مرة أن أكم فمك وأن أُودِعك غيابات السجن أو أقطع لسانك أو رأسك – لا قدر الله – من أن أقضي معك الأيام والليالي والسنين أُناقِشك وأُناظِرك وأُحاوِل أن أُغريك بتبني الجميل الذي عندي والحق الذي عندي أو العكس فلا ندري، وهذا إسمه النزوع إلى الأسهل، ولذلك السُلطة على وجه الخصوص تفعل هذا لأنه الأسهل، فكل سُلطة سواء معرفية أو سُلطة تنفذية أو غيرها تفعل هذا بسرعة لأن هذا أسهل عليها من النقاش والدرس والبحث، فمُصيبة المصائب أن مَن يدّعي العلم والبحث والدرس يحشد ويحشر إلى ميدان المسألة العامة ويستنجد بهم، فهذه كارثة مُنذ البداية، فأن يستغيث بالجمهور ويُدغدِغ عواطفهم ويُدخِلهم في النقاش بطريقة أو بأخرى تُعَد مُصيبة، فهذه هى الغوغائية، لذلك عالمٌ مُحترَم لا يفعل هذا، مُفكِّر مُحترَم لا يستنجد بالعامة ولا يعمل تصويتاً، فعلى ماذا تُجري تصويتاً؟ ما علاقة هؤلاء بهذا؟

هل رأيتم مرة بالله عليكم جماعة مُهنّدِسين مدنيين ومعماريين وغيرهم يُصوِّتون بصدد وضع المعالم الرئيسة للخُطة التي سيترتب عليها المُستقبَل الآمن للبناء؟

لا يُصوِّتون على هذا، من المُستحيل أن يحدث هذا لأن هذا لا يُصوَّت عليه، وإنما يُصوَّت في أشياء لها علاقة بالفضائية وبالجمالية وبالزخرفة وليس على ما له علاقة بمُستقبَل العمارة، فلا يُصوَّت في هذه الجُزئية، لكن لماذا نُصوِّت في قضايا الدين والاعتقاد ونأخذ رأي الجماعات ورأي مَن لا علاقة لهم مِمَن لا يُحسِن أحدهم حتى قراءة كتاب الله على وجهه؟ كيف يُصوِّت مثل هذا الشخص على المسائل التي ظلت الأمة تتطاحن فيها ألف وأربعمائة سنة؟ هذا غير معقول، هذه غوغائية وهذه دهمائية، هذه مسلك الغوغائيين في كل زمان ومكان حيث أنهم يستنجدون بالعامة ويحشدونهم ويحشرونهم إلى الميدان.

سأكون واضحاً معكم وسوف أقول لكم أنني من صغري ومنذ نعومة أظفاري كنت أكره – وأنا ابن المساجد – ما أراه في المساجد وفي الأحفال الدينية، ووالله إلى اليوم أكرهه، حيث يقوم أحدهم ويقول بأعلى صوته “الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر” وهكذا، أكره هذا لأن مثل هذا لا ينبغي أن يحدث إلا في ميدان المعركة فقط، فلماذا تصرخون؟ لماذا تتصايحون؟

نعم هذا يُنمِّي شيئاً من عواطف وانفعالات الانتماء والتعصب ولكن في نهاية المطاف هذا يغتال العقل، لذلك هذا يحدث في الحرب، والحرب يجوز فيها الكذب والخدعة، ولكن لا ينبغي أن يكون في السلم.
مُناظَرة فرج فودة مع الشيخ المرحوم الغزالي وعمارة وهؤلاء الجماعة حدث نفس الشيئ، حيث بدأ الشباب المسلم في الصياح “الله أكبر”، فلماذا؟ لماذا هذا الإرهاب؟ هذا إرهاب يا أخي، لماذا تأتي بالرجل لكي تُناقشه ثم تُرهِبهه بأنك الجمهور معك وأن جمهورك مِمَن يحتكمون إلى القرآن والسيف؟ هذه غوغائية وبالتالي من العيب أن تحدث، ولذلك كنت أشعر بالعار مذ كنت صغيراً من هذا، ولذلك أيضاً في حياتي كلها ربما لم أمش إلا مرات معدودات في التظاهرات، فحتى التظاهرات لا أُحِبها، أشعر أن هويتي الفردية تضيع في التظاهرة، لأن التظاهرة في العموم لا تكون عقلائية وإنما تكون غوغائية، ومَن يرفع شعاراً أكثر غوغائيةً يُردِّد معه الجمهور، لذلك أنا أكره هذا دائماً، فنحن في الغالب نكره في المُظاهَرات ثم نُكسِّر مدارسنا ونُكسِّر مشافينا ونرجم السيارات، ومن ثم كنت أكره هذا وكنت لا أُحِب حتى أن أنطلق في التظاهرات ضد الاحتلال، فأنا أحتج على الاحتلال بطرقي الخاصة لأن هذا الأسلوب لا أُحِبه، لو التظاهرات حضارية لرحبت بها ولقلت أهلاً وسهلاً، ولكن هذه غوغائية لا ينبغي أن نفعلها بل ويجب أن نبرأ منها، وطبعاً أنا أعلم أن كلامي هذا في نهاية المطاف لن يستفيد منه إلا نسبة مئوية ضئيلة وهى التي أُريدها بالخطاب، فأنا أعرف أن العامة ستبقى عامة وسيبقى لها أنماطها وبُناها في التفكير، ومن الصعب بل من المُستحيل تغيير هذا، فحماقة مني إن ظننت أني أُغيِّرهم بخُطبة أو حتى بألف خُطبة، ولذلك هذا الخطاب لمَن يُحسِن أن يستفيد منه ولمَن يُحسِن أن يُفكِّكه وأن يفهمه، فمن غير تبجح يُمكِن أن يستفيد منه وبالتالي لابد أن يُقال فلا يُمكِن أن نساير الحشود، ولذلك لابد أن نقوله حتى لن نقع فيما يُعرَف بتجاهل الأغلبية  Pluralistic Ignorance، علماً بأن مُصطلَح تجاهل الأغلبية ثابت في علم النفس الاجتماعي، فإذا تجاهلت الأغلبية عليك أن تتجاهل وإلا ستُتهَم في وطنيتك وفي ولائك وفي دينك، وهناك تجربة لطيفة جداً جداً جداً قام بها العلماء – علماء النفس الاجتماعي – في هذا الصدد، حيث أحضروا مجموعة من الطلَّاب المبحوثين، وكان من بين هؤلاء الطلَّاب مَن يجلسون في مقاعدهم ينتظرون بدء التجربة، ومنهم مَن هو مُتواطيء مع مع العالم المُجرِّب، وبدأ بعد قليل قبل أن تبدأ التجربة دخان يتصاعد من إحدى النوافذ، المُتواطئون أظهروا عدم الاكتراث – وهم عدد لا بأس بهم – وكأن شيئاً لم يحدث، أما الآخرون نظروا  بقلق ثم بعد ذلك أظهروا عدم الاكتراث رغم وجود هذا الدخان الذي قد يكون بداية حريق ما.

 لكن هؤلاء – وهم أُناس مُحترَمون ونسبتهم كبيرة – لم يكترثوا، إذن علىّ ألا أكترث أيضاً، فانظروا إلى الإنسان وإلى هذه الطريقة، هذا هو الإنسان، لكن أين عقلي؟ أين ضميري؟أين  التزامي – Commitment – الشخصي؟ يجب أن ألتزم فحتى لو كلهم سكتوا لن أسكت ولو كلهم تجاهلوا لن أتجاهل، هذا حريق يا جماعة!

هذا المُصطلَح العلمي إسمه تجاهل الأغلبية، فما دام تجاهلوا عليك أن تتجاهل  أيضاً، وهذا ينطبق بعد ذلك عليك حينما تكون ضمن أغلبية، فمهما أجرمت هذه الأغلبية سوف يضعف تحسسك للمعايير الأخلاقية ولاتجاه الخير والشر ولاتجاه استنكار الجريمة، لأنه الكثرة تفعل هذا وبالتالي سيُصبِح هذا عادياً، فماذا نفعل؟ وخاصة إذا كانت تفعل هذا بأوامر من رموز السُلطة، فسوف يتراجع التحسس لانتهاك المعايير الأخلاقية بشكل يُزري بإنسانية الإنسان!

إذن هذه كانت التجربة الأشهر – تجربة العالم الشهير ستانلي ميلغرام Stanley Milgram – في سنة ألف وتسعمائة وثلاث وسبعين، فهذه التجربة مشهورة جداً ولكن لا يُوجَد وقت لذكر تفاصيل هذه التجارب، فعلى كل حال يتراجع التحسس لانتهاك المعايير وسط الأغلبية بنسبة مُقلِقة جداً، ومَن شاهد فيلم الإذعان لستانلي ميلغرام Stanley Milgram  سوف يفهم حقيقة هذا الشيئ، ولذلك قال ميلغرام Milgram  “المسألة يبدو أنها مسألة في الطبيعة، أي في طبيعة البشر”، ومن هنا قلت لكم علينا ألا نقلق حيال طبيعتنا، فهذه طبيعتنا المعطوبة والسيئة للأسف، قال الله وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  ۩ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۩ فالله ذكر الفجور قبل التقوى لأن هذا الأغلب، ومن ثم علينا أن ننتبه إلى أن فجورها يأتي أولاً ثم يأتي بعد ذلك تقواها وهذا شيئ مُخيف لكن هذه هى الطبيعة، ولذلك علينا أن نستنجد بالثقافة، علماً بأن الإلهام الثاني في قوله فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۩ هو الذي يهيّئ البشر أيضاً أن يُقاوِموا الإكراه وأن يُقاوِموا الظلم وأن يُقاوِموا الاستعباد بفضل الله، ولكن الطبيعة لا تُعادِل الطبيعة دائماً وخاصة إذا وقفت السُلطة مع الطبيعة الفاسدة، ولذلك علينا أن نُراهِن على الثقافة وأن نُراهِن أيضاً على بلورة نظام سياسي عادل لا يسمح بالانتهاكات للمعايير الأخلاقية بل يرزح لها وإلا نفقد المعركة، فالقضايا خطيرة وحسَّاسة، وهى أكبر من قضية الصراع بين هؤلاء وهؤلاء لأنها تتعلَّق بطبيعة الإنسان كإنسان، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، وسواء كان في الشرق أو في الغرب،  وسواء كان في القديم أو في الحديث.

هذا هو الإنسان إذن، وعلينا أن نفهم هذه المُقدِّمات من زاوية علمية وبطريقة علمية حتى يُمكِن أن نتعاطى معها أيضاً بشكل ناجع وناجح بإذن الله تبارك وتعالى، ونعود الآن إلى موضوعنا: إذن كلما كنت في الجماعة وكلما كنت في الحشد غلب عليك التنميط لسبب أو لآخر بل وأدمنته، وأعتقد أن كل شاب مسلم نشأ في الحقل الإسلامي أدمن أن يخبر هذه الخبرة، فإذا وُجِدَ رجلٌ ما مجهول إلى الآن – إكس X – ولا يُعرَف ما هو انتماؤه الحزبي التنظيمي لكنه يُدلي بقول يبدو – لأن الكلام مع العامة ومع العاديين Standard – أنه خارج عن المألوف فيما يبدو فإننا دأبنا على أن نحيا وأن نخبر الخبرة التالية وهى أن أحدهم سوف يبرز ويتساءل عن ما هو و ليس عن مَن هو، فلا يعنينا أنه فلان – محمد أو حسين أو أحمديني – ولكن يعنينا هل هو منا أم ليس منا وهل هو داخل الإطار أو ليس داخل الإطار، وهذا التساؤل قد يبدو بريئاً ولكنه ليس بريئاً بالمرة، فما معنى هذا التساؤل؟ ما معنى أنك تعمل تعليقاً – Suspension – للحكم؟ كأنك تقول أنا لن أحكم على ما يقول والذي فيما يبدو أنه يُعارِض المألوف لأن أقواله غريبة حتى وإن لم يكن لدي دليل على أنها خارجة تماماً ولكنني سأُعلِّق الحكم ولن أحكم عليها ولن أقول هل هى حق أم هل هى باطل لأن هذه ليست قضيتي، فقضيتي الآن هى معرفة هويته التنظيمية الحزبية الانتمائية، فأنا أُريد أن أعرف هل هو سُني أم شيعي، هل هو تحريري إم إخواني، هل هو صوفي أم وهابي، وإلى آخر هذه التنويعات الكثيرة.

إذن سنسأل عن ما هو وليس عن مَن هو، وهذا يتضمَّن شيئاً له دلالة، وهو أنك لو سألت هذا المُعلِّق للحكم هل ما يقوله هذا الرجل حق أو باطل؟ سوف يكون الجواب مُتوقِّفاً على ما هو، فإن بان ووضح أنه منا سوف يبدو ما يقوله على أنه حق، وفي أسوأ الظروف سننتحل له الأعذار إذا بدا أنه ليس حقاً تماماً بقول الآخرين من الحشد والقطيع، فنحن سننتحل له الأعذار لأنه منا – إشكالية النحن والهُم – أما إذا بدا أنه ليس منا فقطعاً ما يقوله باطل وسيُرمى بجريمة كذا وكذا وكذا وسيُطعَن في دينه وعقله وملته وإلى آخره، وهذا شيئ عجيب، فهل يُمكِن لقولٍ واحدٍ أن يكون حقاً ويُمكِن له أيضاً أن يكون باطلاً؟ نعم لأن هذا يتوقَّف على ما هو، فما هو هذا الشخص؟ هل هو أخ أم ليس بأخ؟ هل هو معنا أم ضدنا؟ هل هو من جماعتنا أم ليس من جماعتنا؟ ومن ثم سوف نُصدِر الحكم، وهذه مسألة خطيرة جداً!

يتسلَّح هؤلاء أيضاً بحيلة بائسة أخرى، وهى حيلة فقيرة مُتهافِتة بل مُترَعة بالتهافت فيقولون: مِن أجل مَن يُقال هذا الكلام؟ لمصلحة مَن يُقال هذا الكلام؟ لم يُقال في هذا الوقت بالذات؟لم تُط رَح هذه القضايا في هذا الوقت بالذات؟

ولنا تعليقات على هذا التساؤل البسيط المُترَع بالتهافت، فأولاً هل فعلاً الحقيقة لها أوقات تُقال فيها ولا تُقال فيها؟ هل الحقيقة تُقال – مثلاً – يوم السبت والاثنين ثم تُخفى يوم الأحد والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة؟ هل نحن نقول الحقيقة  في أيام ونُخفيها في أيام؟ هذا سؤال مُهِم، فلابد أن نتساءل هذا التساؤل حيال الحقائق.

 ثانياً هذا التساؤل المُترَع بالتهافت يبدو أنه يعتمد منظوراً مصلحياً براجماتياً ميكافيلياً حتى في النظر إلى الحقائق والآراء والأفكار والعقائد لأنه يقول لمصلحة مَن؟ ولكن مَن قال لك أن الحقائق ينبغي أن تُوزَن يا ويليام جيمس William James أو يا جون ديوي John Dewey بمقياس المنفعة والمصلحة؟ الحقيقة مُقدَّسة لذاتها، قال الله  وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۩، والنبي حدَّثنا عن نبيٍ يُبعَث يوم القيامة ومعه رجل، ولكم أن تتخيَّلوا أن نبياً وليس مُفكِّراً أو مُصلِحاً بُعِث في أمة من مائة ألف أو يزيدون – ربما تكون الأمة مُكوَّنة من عشرة مليون – ولم يُسلِم معه إلا رجلٌ واحدٌ، لذلك النبي حدَّثنا عن النبي يُبعَث وليس معه أحد، لكن ما معنى هذا الكلام؟ في ضوء ما أقول أعتقد أن الأمر أصبح واضحاً، فالحقيقة ينبغي أن تُقال وأن يُصدَع بها وأن يُرفَع لواؤها حتى ولو لم يتبناها واحد، وبالتالي علينا أن ننتبه إلى أن الحقائق لا يُصوَّت عليها، ولكن هؤلاء يتحدَّثون بمنظور مصلحي ويقولون لمصلحة مَن يُقال هذا؟ وأنا سأكشف النقاب عن ما هو أخطر وما هو مُضمَّن في هذا التساؤل البريء المُتهافِت الذي هو أخطر بكثير مِما أعربت عنه؟ فما هو؟ هذا يكشف عن منظور آخر في مُنتهى السقوط والضعف والرعونة، وهذا المنظور يقضي بأن تُبدي مُخالَفةً لكل مَن ليس مِن النحن، أي لكل الهُم هؤلاء من الآخرين في كل ما يُمكِن أن يُظَن مِن مُختصاتهم بغض النظر كان حقاً أو كان باطلاً لأن هذا لا يعنينا، فكل ما يُمكِن أن يُوصَف بأنه من مُختصات الهُم لابد أن نكون رافضين له، لكن لماذا إذن؟ لأنك إن أبديت مُوافَقةً ولو في مسألة واحدة فأنت سوف تُغري باتباعهم في كل مسائلهم، علماً بأن هذا المنظور مُعظم الناس للأسف الشديد يخضعون له، ولذلك الدعاة الخطيرون – دعاة الفكر في الشرق والغرب سواء كانوا مسلمين وغير مسلمين – والملاحدة حتى الذين درسوا علم النفس وعلم النفس الاجتماعي يعرفون هذه الحيلة، فيأتي الواحد منهم ويتكلَّم لينتصر لمُعتقَده ولأيدولوجيته ولمذهبيته في مسألة هو قوي جداً فيها ويُطيب النفس ويجعلها أم المسائل، وطبعاً يُحدِث انطباعاً لدى الآخرين مادام أصبت هنا إذن أنا مُصيب في سائر المسائل، ولكن هذا يحدث للغوغاء وللعامة، فيظنون بما أن هذا الرجل أفحم فلاناً في هذه المسألة فإذن كل ما عند المُفحَم هو باطل وكل ما عند المُفحِم هو حق، ولذلك – مثلاً – السُني يخاف ويقول “لماذا تتكلَّم عن يزيد وقتل الحسين؟ لماذا تنتقد مُعاوية؟ لصالح مَن يا رجل؟ اتق الله فينا”، ولكن لماذا يُقال هذا؟ لأن إن ثبت أن الشيعة موقفهم في هذه المسألة هو الحق وأن يزيد يُعَد ملعوناً وأن مُعاوية كان مُخطئاً ومُتجاوِزاً على الشريعة وعلى المسلمين فهذا معناه أنك ستُغري الناس أن يُصبِحوا شيعة ولذلك يقولون اتق الله، فما هذا المنظور؟ هذا المنظور لا يُمكِن أن يتبناه مُفكِّر واعٍ أبداً، فالغوغاء تُفكِّر بهذه الطريقة أما الباحث الدارس فلا يُفكِّر بهذه الطريقة، ومن ثم لو نجحت مع المُفكِّر الأصيل والمُتسِم بالأصالة في برهنة  تسعة وتسعين في المائة من أفكارك لن يُعطيك شيكاً على بياض بأنم مُحِق في كل شيئ اعتماداً للفكرة المائة المُتبقية أو النسبة الواحد في المائة المُتبقية بناءً على رصيدك الملآن المُترَع، وسوف يقول لك حتى هذه الواحد في المائة أُريد أن تُبرّهِنها لأنني قد لا أقتنع بها، وفعلاً قد لا يقتنع، وهكذا هو المُفكِّر لا يقول لأنك أصبت في خمسة في المائة فإنني سوف أتبعك في كل ما ذهبت إليه، نعم الغوغاء تفعل هذا ولكن المُفكِّر لا يفعل هذا لأنه يطلب تبريراً لكل مُتبنياته، فكل ما يتبناه لابد أن يكون مُبرَّراً وبالدليل، وهذا هو معنى الفكر الحقيقي، فإن لم تكن كذلك فأنت لم تشم رائحة الفكر أصلاً.

إذن مثل هؤلاء – كما قلنا – يتذرَّعون بشيئ خطير جداً وهو أنهم يدأبون على مُناقَشة المسألة من الزاوية التي أرَّثت نيرانها وزكَّتها، وهذا المسلك لا إنساني، لكنهم في نفس الوقت يتنكَّرون للمُحاوَرة الحقيقية والمُناظَرة ولا يُحِبون هذا في الجُملة، بل ويتساءلون نُناظِر مَن؟ وذلك طبعاً لأن  الواحد منهم لابد أن يأخذ أيضاً شيكاً على بياض وضمانة تُفيد بأنه قبل أن يُناظِر أحداً لابد أن يترجَّح لديه بشكل يقيني يصل إلى نسبة تتجاوز الثمانين والتسعين في المائة أنه سوف يغلبه وسوف يصرعه، أما  إذا كان قوياً وعبقرياً فيستحيل أن يُناظِره، لكن لماذا؟ قال بعضهم “لأن إبليس ناظر الله أيضاً”، وانظر الآن إلى هذا المنطق الغريب جداً، فالواحد منهم يقول إبليس ناقش الله، فلماذا أُناقِش إذن؟ لكن هذا يعني أنه لا يُؤمِن أصلاً بالمُناظَرة، فالمُناظَرة مثل المُغامَرة Adventure – – بل هى مُغامَرة فعلاً، فكل مُناظَرة هى مُغامَرة لأنك قد تربح وقد تخسر  وقد تربح وتخسر معاً ثم نحسب لك في نهاية المطاف مقدار الخسارة والربح بشكل عام لنعرف هل نجحت في المُناظَرة ككل أم خسرت، وعلى كل حال هذه هى المُناظَرة، والمفروض أن الذي يُناظِر يفعل هذا على قاعدة أن الحق لا تحتازه طائفة مُعيَّنة ولا شخص بحياله، فلا ينبغي أن تقول على شخصٍ ما أنه عدو لك وبالتالي ترفض كلامه، فهو يُمكِن أن يُصيب في مسائل مُعيَّنة وبالتالي ينبغي أن تعترف له.

ذات مرة قال معمر بن راشد  – رحمة الله عليه –  لحمَّاد بن أبي سليمان أستاذ أبي حنيفة رضيَ الله عنهم وأرضاهم “يا حمَّاد كنت رأساً في أصحابك وكنت إماماً فخالفتهم فصرت تابعاً بعد أن كنت متبوعاً”، أي أنه لو كان بقيَ كما كان في البداية لكان أفضل، فما هذا المنطق؟ فقال حمَّاد رضوان الله عليه “والله لأن أكون تابعاً في الحقِ أحبُ إلىّ مِن أن أكون متبوعاً في الباطل”، يُريد أن يقول هذا لا يعنيني، فأنا كنت إمام في مسائل ولكنني كنت فيها مُبطِلاً والآن لست إماماً لأنني أصبحت تابعاً لغيري في مسائل لكن أصبت فيها الحق. 

الله أكبر، هذا الذي يخشى الله، هذا الذي يُقدِّر نفسه موقفاً مهيباً وفظيعاً بين يدي الله غداً يوم القيامة، فهو لا يلعب بالحقائق وبالأشياء من أجل مصالح دنيوية تافهةوصغيرة محقورة منكورة أبداً، ومثله أعتقد عُبيد الله العنبري قاضي البصري الذي رُوجِعَ في مسألة وخُطّيء فيها فقال أمام الناس “إذن أرجع وأنا صاغر، ولأن أكون ذنباً في الحق خير من أن أكون رأساً في الباطل”، الله أكبر، هؤلاء هم الرجال، ومن هنا أنا أقول لكم لا يُمكِن أن تقعوا على أحد لديه الاستعداد للإقرار بضعفه وبخطئه وبتجاوزه بل ويُعرِب عن هذا إلا أن يكون شخصية عظيمة بمعنى من معاني العظمة وشخصية ناضجة، وللتبسيط وللتوضيح أقول أن هذه شخصية رصيدها مُترَع وملآن، فمهما فقد منها شيئاً يبقى الكثير الذي يُعوِّل عليه، وذلك بخلاف الفاشلين، كل أولئكم العنيدون الدوجماطيقيون ومُغلقو الرؤوس والأدمغة هم فارغون وغير ناضجين، هم ليسوا ناضجين في تجربة الحياة، ولذلك هم يكذبون على أنفسهم وعلى حقائقهم وبالتالي علينا أن ننتبه إلى هذا!

الرسَّام الفرنسي الانطباعي  بيير رينوار Pierre Renoir كتب مرةً يقول “أنا شخصٌ ضعيف، فيَّ القليل من الخير والكثير من الشر، أنا أعرفُ هذا ولا أكذبُ بصدده”، وهذه عظمة، لذلك هذا الإنسان ناجح، فهذا الرسَّام معروف على مُستوى العالم وعنده ما يُمكِن أن يعتمد عليه، فهو يقول أشياء في شخصيته خاطئة ويقول أنه فشل في أشياء ولا بأس في هذا لأن عنده أشياء تُعزّيه، أما الفارغ الرأس والمُغلَق الدماغ ليس عنده هذه الأشياء، فما عنده هو اللحظي الآني، ولذلك تجدونهم يتناقشون في برنامج “الاتجاه المُعاكِس” وغيره بطريقة الديكة، وهذه الطريقة مُزرية بأي إنسان ينتمي إلى الفكر، فهم يتحدَّثون بطريقة عُصابية Neurotic، فالواحد منهم يكون معصوباً وهذا غير صحيح، لماذا هذا؟سواء ربحت أو خسرت لن يتغيِّر الكون بنقاشك يا سيدي ويا أستاذي، وسواء ربحت أو خسرت لن تُدمَّر أنت بهذه الحلقة كلها التي لا تتجاوز الساعة إلا ربع، فما قصتك إذن؟ لماذا أنت معصوب هكذا؟ لماذا أنت مُضطرِب وتتحدَّث بطريقة عصابية؟
لأن هذه المعركة الأولى والأخيرة بالنسبة له دائماً، فليس عنده رصيد حقيقي، وهذا هو الفارق بين الناضج وبين الفارغ غير الناضج، ولذلك هؤلاء لا يُؤمِنون بالمُناظَرة، والصحيح هو أن المُناظَرة مُغامَرة، فقد أربح وقد أخسر وهذا لا يعنيني، بالعكس حين أربح معرفة حقيقة لم أكن أعرفها وكنت جاهلاً بها سوف يكون هذا فضلاً عظيماً من الله تبارك وتعالى.

حدَّثتكم مرة بالقصة التي قصَّها أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن – للأسف مرة أخطأت وظننت أنها اتفقت لابن العربي وبالمُراجَعة تبين أنها اتفقت لأحد معارف، فأحد العلماء كان من معارف أبي بكر بن العربي ووقعت له، ومن ثم نستغفر الله بسبب هذا الخطأ – حيث جاء أحدهم مرة في فسطاط مصر في مجلس العلَّامة الإمام أبي الفضل الجوهري – وأبو الفضل الجوهري قد قال على رؤوس الناس النبي طلَّق وآل من نسائه وظاهر منهن، وصحيح أن النبي طلَّق النبي وصحيح أنه آل ولكنه لم يُظاهَر – فتركه حتى انفض عنه الناس واقترب منه، فقال له “لعلك لك شيئاً تقوله”، يقول هذا العالم: فقلت نعم، فأخذني إلى بيته ثم قال لمَن معه افرجوا له عن كلامي وعن منطقي، أي اذهبوا الآن بعيداً، فقلت له يا مولانا لقد قلت في مجلسك كذا وكذا وكذا، أما أنه طلَّق وآل فهذا حق، أما أنه ظاهر فالنبي لم يُظاهِر وما ينبغي له لأن الظهار مُنكَرٌ من القول وزور، وقد عصم الله نبيه من المُنكَر والزور.

قال هذا العالم مُستتلياً: فاعتنقني وقبَّل رأسي وقال نعشك الله بالحق كما نعشتني، أنا راجع، فلما كان من الغد وامتلأ المسجد – لأنه علَّامة وإمام كبير – بالناس رآني ورمقني فقال إلىّ، إلىّ، أفسحوا له، هل تعلمون مَن هذا؟ حتى إذا صرت عنده أجلسني على كرسييه ورفعني، وأنا أغرق في خجلي وحيائي – يُريد أن يقول أنا إنسان غريب وطالب علم، وهذا إمام كبير ومعروف بتلاميذه، وهذا يدل على حب أبي الفضل للحق، فلم يكن حالهم مثل صعاليك اليوم مِمَن يُنكِرون الحق لأن لا علاقة لهم بالعلم أصلاً ومع ذلك يُنكِر الواحد منهم الحق على أهله، وهذا شيئ عجيب لا يُفهَم، لكن هذا عالم وإمام كبير ويتقبَّل الحق من تلميذ مجهول لا يعرفه أحد لأنه كان زائراً لمصر – وهو يقول هل تعلمون مَن هذا؟ فقالوا لا نعلم ، فقال أنا مُعلِّمكم وهذا مُعلِّمي، هذا شيخي الذي فتح علىّ به الله في مسألة أخطأت فيها بحق رسول الله، ثم حكى لهم ما حصل وأنا لا أكاد أُصدِّق.

علَّق ابن العربي بمعنى الكلام قائلاً هذا هو الدين المتين، وهذا صحيح، فهذه هى الإمامة وهذه هى محبة الحق، وليس كما يحدث الآن من تدليس وإخفاء للحق فيقول لك الواحد منهم أبليس ناقش ربه ولذلك نحن لا نُناقِش لأننا نُريد شيئاً مضموناً وهو أن ننتصر ولو في الباطل، هذا غير معقول، لذلك نسأل الله أن يشفينا من هذا الداء العياء، هذا داءٌ عياء حقاً.

يتساءل بعضهم أيضاً بهذا الصدد ويقولون كيف نسمح بمثل هذا الانفتاح وبمثل هذا التحاور وبمثل هذا الاطلاع المرن على الآراء والعقائد والمذاهب والأفكار وهذا قد يُعرِّض الإنسان للوقوع والتهور في الخطأ؟!

فمن أعظم ما يُنكَر عليك أن تقول للناس اقرأوا كل شيئ وتعلَّموا كل شيئ وانفتحوا، فهؤلاء يُجَّن جنونهم ويقولون أنت تُعرِّض الناس للخطر، أنت كذا وكذا، كيف تقول هذا؟ وكأنهم لم يقرأوا كلام النبي “وإن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد”، إنه أجر البحث عن الحقيقة، ولذلك المثل الإنجليزي الرائع يقول “Nothing ventured, nothing gained”، أي إذا لم تُغامِر بشيئاً لن تكسب شيئاً، والبحث عن الحقيقة مُغامَرة والمُناظَرة – كما قلت – أيضاً مُغامَرة والمُحاوَرة مُغامَرة والقراءة مُغامَرة، فأنا سأُغامِر وسأخسر قطعاً أشياء ثم سأكسب أشياء أهم منها، وبعد ذلك القراءة والاطلاع والمرونة تُصحِّح نفسها، فأنا سأُصحِّح نفسي بنفسي، لأن الآراء التي أبتلعها ثم أُردِّدها ليست آرائي، إنها تُشعِرني بنوع من الغربة – Alienation – ومن ثم تجعلني أغترب عن نفسي – هل تسمعون بالاغتراب؟ هذا مُصطلَح له علاقة بهيجل Hegel وماركس Marx وهؤلاء الجماعة، وعلى كل حال هذا هو الاغتراب – ولكن الآراء التي أقبلها حتى لو كانت في غيري ولكنني أقبلها عن تبرير وعن تسويغ وعن فهم وإدراك مُنير – إن جاز التعبير – سوف تُصبِح آرائي وإن كانت لغيري.

هل تعرفون هذا مثل ماذا؟ مثل النحلة، فالنحلة تحط على هذه الزهرة وعلى تلك وعلى تلك وتلك وتلك ثم تُخرِج عسلاً هو عسلها هى وليس رحيق الأزهار مع أنه من رحيق الأزهار.

 هناك كلمة رائعة للإغريقي إبيخارموس Epicharmos – هو أول كاتب كوميدي في القرن الخامس قبل الميلادي- حيث كتب مرةً يقول “الإدراك وحده هو المُبصِر السميع وبدونه كل شيئ أعمى أصم وبلا روح”، فهذا هو الإدراك، وبالتالي يجب أن تتبنّى الشيئ عن فهم وعن إدراك وإلا سوف تكون أعمى وسوف تكون أصماً ولن ترى ولن تسمع، ولذلك قلت لكم إنه مُنير.
إذن هذا هو الإدراك المُنير البصير السميع، فإذا لم تُغامِر بشيئ لن تكسب أي شيئ، وهذا ما نلمسه الآن، لذلك يُصدَم أي مُثقَّف وأي مُثقَّفة مسلم أو مسلمة حين يتعاطى مع التراث الإنساني بما فيه التراث الغربي الذي فيه أشياء أكثر من رائعة وحين يقرأ هذا التراث ولأعلام هذا التراث ثم يخبر أمثال هؤلاء أصحاب العقليات المُغلَقة وأصحاب الدوجماطيات أو الدوجمات وأصحاب الغوغائيات والخطاب العاطفي الجماهير الذي يُؤسِّس للعقل الشعبوي الجماهيري – Mass Mind – وهو عقل مُتحكَّم فيه – ControlledMind  – وعقل مُحاصَر وأسير ومسجون كما يقولون، فيُصدَم حين يقرأ لهؤلاء ويقرأ لهؤلاء وحين يسمع ما تلوته عليكم الآن، حيث يقول أحدهم إبليس ناقش الله وبالتالي أنا لن أُناقِش أحداً، لماذا أُناقِش؟!

إذن ماذا تُريد؟ يقول الواحد منهم نُريد أن نُقاتِل عن ما نعتقد حتى سفك الدماء، وليُقاتِلوا هم ولتقع المذابح لا بأس ولا مُشكِلة في هذا، ولكن لن تتناقش ولن ندخل في هذه المُغامَرة غير المأمونة لأن ليس لدينا شيكاً على بياض يُضمن لنا  أننا سننتصر وسنرفع رؤوسنا فتظل مكاسبنا المادية والمعنوية مُحرَزة لنا.

بالله عليكم حين يقرأ أي مُثقَّف فيكم أو فيكن هذا الكلام ويخبره في حياته اليومية في المساجد وفي الشوارع وفي المُنتديات وفي كل شيئ ماذا سيكون شعوره؟ وهذا المُثقَّف يقرأ مثلاً لليسنج  Lessing صاحب اللأوكون Laocoon، وليسنج   له عبارة ذكرتها أكثر من مرة، وكلما ذكرتها تهزني – والله العظيم – وأشعر بفضل الله وأحمد الله على أني وصلت إلى هذه الدرجة، فأشعر – اُقسِم بالله على هذا – أن هذا الإنسان هو الذي يُريده الله، لا الإنسان الذي يقول يا رب أنا سلَّمت بكلامك وكلام رسولك وكلام طائفتي كله من غير تفكير وأغلقت دماغي وقاتلت عنه لأنني أنا عبدك، فالله سوف يقول له أنا لم أخلق لك هذه  الدماغ لكي تشتغل كطنجرة أو كبطيخة، فماذا فعلت بهذا العقل يا أيها الأحمق ويا صاحب الأمانة التي كعَّت عنها السماوات والأرض والجبال يا فارغ؟

فالإنسان الذي يُحِبه الله ويُريده هو الذي يكون من أمثال عقلية ليسنج  Lessing، صاحب ال Laocoon، فليسنج  Lessing كتب مرة يقول “لو كان بيد الرب – لا إله إلا هو – اليُمنى الحقيقة الكاملة الناجزة كلها وبيُسراه البحث الدؤوب عنها المُترافِق  مع السعي الدائم والخطأ واكتنان الحقيقة التي تبقى مُختفية ولا تُعرِب عن نفسها ولكن إن هو إلا البحث – البحث مُستمِر الذي قد يُؤدي بك إلى وقوعك في خطأ مُستمِر – حتى ولو لم تُطالِع وجه الحقيقة – هكذا قال، وطبعاً هذا ليس هذا الذي يحصل بفضل الله – ثم قال لي الرب Wählen – أي اختر – لجثوت على ركبتي عند يُسراه وقلت له إلهي أعطني ما في اليُسرى، أما الحقيقة كلها هى التي تليق بمجدك وجلالك”، أي أن الحقيقة لك أنت، فالذي يعرف الحقيقة الناجزة كلها وبضربة واحدة هو رب العالمين، وليس أنا أو أنت أو ابن تيمية أو ابن المُطهَّر أو الشافعي أو أبي حنيفة أو الصادق أو أي أحد، فالنبي نفسه لا يعرف الحقيقة كاملةً، ولذلك تقول الآية الكريمة وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ۩، فكلمة زِدْنِي ۩ تُؤكِّد على أن العلم كله لله والحق كله لله، أما نحن فنُحاوِل أن نقترب وأن نُقارِب فقط، لذلك في قصة موسى والخضر قال  أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ۩، أي حتى ولو سافرت آلاف السنين لابد أن أُصيب هذا الرجل الذي عنده من العلم ما ليس عندي لكي أتعلَّم، فهذا هو موسى، جعل الله نفوسنا موسوية ورفعها بشيئ من المُحمَّدية، هذا هو عشق العلم والمعرفة والحقيقة، والآن تخيَّل نفسك قرأت هذه المأثرة العظيمة لليسنج  Lessing ثم قرأت لبعض مشائخنا وكتّابنا وعلمائنا وقل لي ماذا سوف تقول، فطبعاً وبلا شك سوف تقول أنا بريء من هذه الدعاوى والمزاعم ومن هذه الانغلاقية ومن هذه الشوفينية، أنا بريء من قصور هذه العصبية الكئيبة وبالتالي أنا سأنتمي إلى أحرار الفكر.

المُستقبَل للنابهين، المُستقبَل للأحرار، المُستقبَل ليس للحمقى ولا  للعبيد.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

كلمتان قبل أن نُغادِر هذا المقام الكريم:

الفيلسوف الذي ذكرته لكم اليوم  بارتون برى Barton Perry أيضاً له عبارة في كتابه ذاته – كتاب إنسانية الإنسانية The Humanity Of Man – أعجبتني جداً حيث قال “يبقى في القرصان وقاطع الطريق والسارق المُتوحِّش والمُغتصِب الناهب شيئٌ بريءٌ وبسيط ينتمي إلى الإنسانية بخلاف المُتعصِّب”، أي أن هؤلاء أقرب إلى الإنسانية من المُتعصِّب، لكن لماذا؟!

هؤلاء جميعاً يعترفون بأنهم يرتكبون جرائم وأنهم خارجون على المعايير الأخلاقية وعلى القانون وأنهم إنما يفعلون هذا لمصالحهم الشخصية، ويقولون نحن مُجرِمون ونحن دنيئون ونحن نعرف هذا، ولذلك مثل هذا الشخص هو إنساني، فأن أن تُقِرّ بالحقيقة – حتى بحقيقة العار الذي يُجلِّلك – هذا من الإنسانية، قال رسول الله “وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”، وقال أيضاً “لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم ولأتى بقومٍ آخرين يُذنِبون فيستغفرون فيغفر لهم”، لكن المُتعصِّب لا يُؤمِن بهذا، هو يرى أنه لا يُذنِب ولا يُخطيء وأن كل ما عنده هو حق بل هو الحق المُطلَق، ولذلك يقود الناس إلى المذبحة إن لم يُتابِعوه على كل ما يقول ويُقرِّر، ومن ثم علينا أن ننتبه إلى هذا لأن هذا يُعَد شيئاً مُخيفاً، فالمُتعصِّب بارِئ من أدنى معاني الإنسانية لأنه دائماً في الوقت الذي يعمل فيه لمصالح شخصية دنيئة أو فئوية ضيقة يزعم أنه يعمل لله وللوطن، ولذلك هذا أبعد من الإنسانية بدرجات وبمراحل من بعض المُجرِمين، فالسارق خيرٌ منه مثلاً، وسلوا الذين جرَّبوا، فالذين جرَّبوا يقولون ” هذا صحيح بالضبط – والله – يا أخي، صحيح بنسبة مائة في المائة، لأن السرّاق كم أضروا بنا وكم سرقوا؟ لكن هؤلاء أوقعوا بنا المذابح، فذُبِحَ منا الألوف بسببهم، ولا تزال الناس تُذبَح وتُسلَخ وتُخوزَّق وتُخردَّق، وهذه مُصيبة لكنها تقع بسبب هؤلاء المُجرِمين الذين يتكلَّمون بإسم الدين وبإسم الآخرة”.

يا إلهي كم ذبحنا أنفسنا بإسمك!
لا إله إلا الله، كم ذبحنا ولا نزال نذبح أنفسنا بإسم الله وفي وجه الله ولوجه الله، ومن هنا نسأل الله أن يُبرأنا من أمراض التعصب وأن يجعلنا مِن مَن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اهدنا واهد بنا وأصلِحنا وأصلِح بنا.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، ما قدَّمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنَّا وما أسرفنا وما أنت أعلمُ به منا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلمِات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك وفضلك وتابع بيننا وبينهم بالخيرات يا سميع الدعوات يا رب العالمين.
اللهم انصر الإسلام وأعزّ المسلمين وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم انصر عبادك المقهورين في كل مكانٍ يا رب العالمين، انصرهم على مَن عاداهم وائذن بحريتهم وتحررهم إنك ولي ذلك والقادر عليه.

عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقم الصلاة.

(9/9/2011)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 4

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: