بدأ الدكتور أحمد العرفج حلقته بالمثل الذي يقول مُجتمَع بدون تطوع هو مُجتمَع بلا حضارة فضلاً عن عدد من الأسئلة التي تتعلَّق بموضوع الحلقة.

أوضح الدكتور عدنان إبراهيم أن التطوع لُغةً هو تفعّل من الطاعة، ويُراد به التبرع بشيئ لا يكون واجباً، فهذا الشيئ ليس مُلزَماً به الإنسان وليس مفروضاً عليه، لذا يُقال تطوع به.

قال التطوع من حيث الاصطلاح هو أن يبذل الفرد من جُهده أو ماله أو وقته أو خبرته في سبيل تنمية مُجتمَعه دون انتظار عائد مادي، لأن العائد المعنوي قطعاً يحصل في كل الصور، لكن إن كان بعائد مادي لا يُعتبَر تطوعاً.

ذكر أن الدين أسَّس للتطوع في عشرات الآيات، وقال مُعظَم أعمال الخير تطوعية مُقارَنة بالأعمال المفروضة، فالمفروض قليل جداً في كل الأبواب، لذا يقول الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ۩، أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ۩، فضلاً عن الكثير من الآيات الأُخرى في المُسارَعة في عمل الخيرات.

أوضح أن العمل الصالح يدخل فيه هذا كله، فالقرآن طافح بالآيات التي تُشيع وتُؤشِّر إلى أعمال التطوع على اختلافها، مثل وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ۩.

أشار إلى وجود أحاديث كثيرة تحث على العمل الصالح مثل الإيمان بضع وستون شُعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعبة من الإيمان، فكثير جداً من شُعب الإيمان هي أعمال تطوعية.

أوضح أن هناك صدقة على كل مفصل، ولذا في الحديث المُخرَّج في الصحيحين قال النبي على كل سلامى – يقصد المفصل – من الناس كل يوم تطلع فيه الشمس صدقة، وقال إن هذا قد يهول بعض الناس، فمن أين له أن يُسدِّد هذه الصدقات؟ لكن النبي قال أن تعدل بين اثنين صدقة، أن تُعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو تحمل له متاعه عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة إلى المسجد لكي تُصلي مع الجماعة صدقة، إلى آخر ما ذكر عليه الصلاة وأفضل السلام.

قال هناك الكثير من النصوص في هذا الباب مثل أحب العباد إلى الله أنفعهم للناس – هذا يدخل فيه التطوع من أوسع الأبواب – وأحب الأعمال سرور تُدخِله على مُسلِم، تستر له عورة أو تُشبِع له جوعة أو تقضي له حاجة، إلى آخر الحديث.

أكَّد على أن التبسم صدقة، وكذلك السلام على مَن عرفت ومَن لم تعرف، وقال إن الصدقات الجارية كلها أعمال تطوعية، ولذا قال النبي إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، أولها صدقة جارية.

ذكر قول النبي ما من مُسلِم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به أجر، وقال إن من الصعب جداً أن تجد ديناً يحث على التطوع كالدين الإسلامي.

قال كل ما لست مُلزَماً به هو تطوع، وهذه حقيقة عُرفية وشرعية، لأن كلمة التطوع تعني التبرع.

أشار إلى أن التطوع يدل على نضج في الشخصية ونضج اجتماعي، ولذا في أدبيات التنمية يُسمون أعمال التطوع رأس المال الاجتماعي، لأن بغير هذه الأعمال التطوعية الأمم تزحف.

ضرب مثالاً بالحالة الألمانية المُسماة بالمُعجِزة الاقتصادية الألمانية Deutsche wirtschaftswunder، وقال ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية مُدمَّرة، فمدن ألمانيا كانت مُجرَّد خرابات، لكن في سنة ألف وتسعمائة وثماني وأربعين شاركت في معرض عالمي للصناعات وأذهلت العالم.

أوضح أن من أهم أسباب المُعجِزة الاقتصادية الألمانية الحس بالمسؤولية لدى الألمان، فكانوا يتطوَّعون يومياً بزُهاء أربع ساعات بعد العمل الواجب.

قال إن ألكسيس دو توكفيل Alexis de Tocqueville لاحظ استبحار الجمعيات الخيرية في العالم الجديد، فأعجبه هذا وكتب في كتابه الضخم تاريخ الديمقراطية أمريكا يقول هذه الخصلة سوف تُهيئ للعالم الجديد تقدماً لن تتوفَّر عليه أوروبا.

أوضح أن حدس دو توكفيل De Tocqueville تحقَّق وتفوَّقت أمريكا على أوروبا التي كانت تمسك بزمام التقدم بسبب العمل التطوعي، مُشيراً إلى وجود أكثر من أربعين ألف جمعية خيرية وتطوعية في أمريكا، يعمل فيها أكثر من مائة مليون.

أوضح أن العمل التطوعي أعم من العمل لوجه الله، فمَن يتطوَّع قد لا يكون مُؤمِناً بالله، مُشيراً إلى أن الإنسان لا يعمل عبثاً، وإنما يترقَّب جزاءً أو مُكأفاة مُعيَّنة، فجزاء هذا المُلحِد المُتطوِّع هو نمو مُجتمَعه الذي عمل من أجله.

قال المُسلِم يلحظ غاية نمو مُجتمَعه، وهذه الغاية لا تقع في عرض غاية إرضاء الله، وإنما تقع في طولها، بمعنى أنها طريق لإرضاء الله.

أوضح أن إرضاء الله ليس بالصلاة فقط وإن كانت الصلاة مطلوبة، قال الله لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ۩.

أوضح أن البر هو التوسع في وجوه الخير، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۩ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا ۩.

أكَّد على أن العمل لوجه الله يكون فيه الباعث أقوى، فهو يحث المُؤمِن على اتقان العمل التطوعي وإنجازه فضلاً عن أنه يكون حريصاً على ألا يستذل بها الآخرين وألا يكون مُرائياً بها وألا يكسر بها خواطر الآخرين.

أوضح أن الآية التي في مطلعها وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۩ تُشير إلى مسألة النمو الروحي والنضج النفسي، فالمُؤمِن لا يفعل الخير لكي يُمتدَح أو يُعطى نيشاناً، وإنما يفعل هذا ليتجاوز ضعفه ويتغلَّب على حرصه وأنانيته، لذا قال الله وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۩، وقال فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۩، فهذه عقبة كؤود تحتاج إلى تثبيت النفس والتدرب والتمرس بأعمال الخير، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۩ فَكُّ رَقَبَةٍ ۩، وفك الرقاب لا يكون دائماً واجباً، فهو واجب إذا كان كفّارة أو نذراً، لذا بعض الصحابة افتك عشرات ألوف الرقاب، فعبد الله بن عمر افتك زُهاء ألف وأربعمائة رقبة.

أكَّد على أن الإسلام عنده خُطة مُختلِفة في تحرير الرق، لكن الذين أجهضوا هذه الخُطة المُسلِمون أنفسهم الذين تابعوا أهواءهم من بني أُمية وبني العباس، على عكس بعض الصحابة مثل ابن عوف وابن عمر.

قال إن العبادة المفروضة كصلاة الظهر تُقدَّم على العمل التطوعي الذي يُمكِن تأجيله، لكن لو وقع لإنسان حادث سير تُؤجَّل الصلاة لإنقاذه، وكذلك الحال مع الغريق أو الحريق، فلابد من إغاثته أولاً.

قال إن الله شكر لبغي – والعياذ بالله – فغفر لها فأدخلها الجنة لأنها رأفت بكلب رأته في الصحراء يلهث من العطش فسقته، فكيف الحال إذا كان إنساناً؟ وليكن هذا الإنسان ما يكون، سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً أو مُلحِداً يظل إنساناً، ولذا النبي قال في كل ذات كبد رطبة أجر، أي في كل كائن حي أجر.

ذكر أن النبي ذبح ذبيحة مرة فسأل هل أهديتم لجارنا اليهودي؟ وأوضح أنه قال هذا ثلاث مرات رُغم أنه يهودي يكفر به، وقال لا زال جبريل يُوصيني بالجار، وأشار إلى حديث آخر قال فيه النبي إن الجار المُشرِك له حق على المُسلِم.

عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة للدكتور خالد المنيف، قال إنه لن ينسى المقولة التي قرأها ذات يوم والتي تقول إن آنية السعادة لا تعود فارغة، ولذا كاد أن يُجزِم بالحكم على أن التطوع يكاد يكون عملاً أنانياً، لأن جُل المكاسب تناحز للمُتطوِع.

تساءل عن طبيعة العلاقة بين التنمية وبين ثقافة التطوع ومن ثم أراد أن يعرف أثر التطوع في تسريع عجلة التنمية، فضلاً عن أنه رغب في تسليط الضوء على أهمية العمل المُؤسَّسي خاصة أن العمل التطوعي الفردي لا يكاد يستمر كثيراً، وختم مُداخَلته قائلاً من أدب الزمان العناية بمجال مُعيَّن من التطوع، فأي المجالات أولى بالأهمية الآن من باب الوعي الموقفي؟

أثنى الدكتور عدنان إبراهيم على المُداخَلة، وقال إن مقولة آنية السعادة لا تعود فارغة أعجبته كثيراً، وهي صحيحة على المُستوى العصبي.

قال إن العلماء اكتشفوا خلايا في الفص الجبهي Frontal lobe تُسمى الخلايا المرآوية Mirror neurons، فحين تُقدِّم خيراً لإنسان ويسعد به تنعكس حالته عليك مُباشَرةً وتشعر بالسعادة على المُستوى العصبي والنفسي، فأعمال الخير جزاؤها فيها فضلاً عن الجزاء الأُخروي طبعاً.

تحدَّث عن العلاقة بين التنمية والتطوع وقال إنها أكثر من واضحة وأكثر من مُقرَّرة، وذكر تعريف التنمية الذي وضعته الأمم في سنة ألف وتسعمائة وست وخمسين، فالتنمية هي كل الجهود التي تبذلها الحكومات والأهالي في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والفكرية، من أجل تحسين كل هذه الميادين والنُطق، وهذا يُؤكِّد أهمية الجهود الحكومية والجهود الأهلية.

أكَّد على أهمية مأسسة العمل التطوعي وإلا أصبح قليل الجدوى، ولذا كان يقول عبد الحميد بن باديس المُؤسَّسات في الزمن القصير يتهيأ لها ما لا يتهيأ للأفراد في العمر الطويل، فالجهود تنمي فيها بطريقة أُسية.

قال إن الخبراء في هذا المجال يُميِّزون بين نمطين، النمط الأول هو الاستجابة التطوعية، والنمط الثاني هو الفعل التطوعي.

أوضح أن الاستجابة التطوعية يُمارِسها مُعظَم الناس وتدل على الجانب الخيري في الإنسان، مُشيراً إلى أنها غير مُحبَّبة في أوروبا ولذا تُسمى باستجابة إطفائية الحرائق، فبعض الناس لا يتحرَّك إلا إذا وقعت مُشكِلة.

أضاف أن الفعل التطوعي أهم من الاستجابة التطوعية، فلابد من وجود برنامج تطوعي للإنسان، وضرب مثالين من الحارة التي يعيش فيها في النمسا.

تعلَّق المثل الأول بمجموعة من المُتطوِّعين يُساعِدون العجزة وكبار السن، فيُحضِرون لهم الطعام ويدفعون لهم الفواتير ويكوون لهم الملابس وما إلى ذلك، وهذا ما يفعلونه مع جارته العجوز، أما المثل الثاني فتعلَّق بجاره المُهندِس الذي يقضي عطلته الصيفية في بلد من بلاد العالم الثالث سنوياً لكي يُساعِدهم بالمال والغذاء والدواء، ولذا قال نحن أولى بهذه الأخلاق.

ذكر الدكتور أحمد العرفج أن الشيخ عبد الرحمن السميط كان يدعو إلى الأعمال التطوعية في إفريقيا مثل حفر الآبار ودعوة الناس وعلاج المرض، وأشار إلى إمكانية مُساعَدة الأطفال لتجاوز الشارع كعمل تطوعي أيضاً، فأي الأعمال له الأولوية؟

أجاب الدكتور عدنان إبراهيم بأن الأولوية قضية نسبية وضرب مثالاً بدولة الإمارات، فالناس من الناحية المادية مُرتاحون ولذا لن تكون الأولوية اقتصادية، لكن تُوجَد بعض الاتجاهات المُنحرِفة الشاذة هناك، ولذا قد تكون الأولوية لبث التعليم الديني المُرشَّد.

أشار إلى أنه يشجع المُؤسَّسات التي تأخذ أجوراً رمزية كالمُستشفيات التي تُعالِج مُقابِل القليل من المال لأن هذا يحفظ كرامة الإنسان، فلابد من توفير كرامة المُواطِن.

أشار إلى أن الدكتور مصطفى محمود الذي قال إنه يعشقه من كل قلبه بنى مُستشفيات ومُؤسَّسات خيرية كثيرة، وفعلاً كانت تُقدِّم العلاج بأسعار رمزية حفظاً لكرامة الناس.

تساءل الدكتور أحمد العرفج عن السبب وراء انتعاش العمل التطوعي في الغرب على عكس الشرق رغم وجود النصوص الدينية الكثيرة، فأجاب الدكتور عدنان إبراهيم بأن هذا لا يقتصر فقط على التطوع، فهناك أمور كثيرة أُخرى مثل النظافة، الانضباط، واحترام المواعيد، وأشار إلى أن السبب هو عدم استحالة النصوص الدينية إلى ثقافة، ولذا لابد من تحويل المعرفة إلى ثقافة عن طريق الإجراءات، وإلا لن يبقى لدينا إلا المواعظ.

أكَّد على أن الفضائل لا تتجزأ وهذا مفهوم ثقافي كبير، فالقيم والأنشطة المُختلِفة بعضها مُرتبِط ببعض ويجتذب بعضها بعضاً.

عرض الدكتور أحمد العرفج بفيديو يُوضِّح أهمية الرفق بالحيوان وتساءل أيهما أولى بالتطوع: الإنسان أم الحيوان؟

قال الدكتور عدنان إبراهيم إن هذا السؤال فيه لُغم، فسؤال الأولوية ينبغي أن يُطرَح فقط في حالة التدافع، فأنا كشخص أُقدِّم ما لدي من خدمة للإنسان قبل الحيوان، لكن على مُستوى المُجتمَع سؤال الأولوية غير وارد، لأن العمل سيكون بالتوازي.

أوضح أن مجالات التطوع كثيرة جداً، وضرب مثالاً بالشفاء بنت عبد الله العدوية التي كانت تتبرَّع بتعليم أمهات المُؤمِنين الكتابة والقراءة، وهذا مُهِم الآن لمحو أُمية الناس، وبالإزاء نحتاج لمَن يتطوَّع لمحو أمية المُتعلِّمين ثقافياً.

تمنى أن يتطوَّع بعض العلماء والمُفكِّرين ولو عن طريق اليوتيوب YouTube برفع مُستوى الوعي الديني لكي نُعالِج حالة التدين المغشوش، وأكَّد على أهمية التطوع بوجه التمديني مثل الحفاظ على البيئة.

قال يُمكِن للإنسان أن يتطوَّع بخبرته، مثل المُحامي الذي يتطوَّع باستشارة مجانية ومثل عالم الدين الذي يتطوَّع بالفتوى المجانية، وأوضح أنه يُتقِن خُطبه الجُمعية أكثر من البرامج التلفزيونية وهي نوع من العلم التطوعي أيضاً.

أكَّد على أهمية المُمارَسة، لذا قال العلماء الصالحون حال رجل في ألف رجل أبلغ من مقال ألف رجل في رجل، فالتربية تكون بالقدوة.

ذكر أن أبا بكر الصديق كان يحلب لنساء الحي المنائح قبل خلافته، وقال المنائح باب من أبواب التطوع، فيُمكِن للإنسان أن يُعطي جاره بقرة من بقراته لسنة أو أكثر لينتفع بلبنها ثم يُعيدها إليه، فهذه تُسمى منيحة، لذا قال النبي ألا رجل يمنح ناقة تغدو بعس وتروح بعس، إن أجرها لعظيم.

أضاف أن فتاة قالت بعد استخلاف أبي بكر لا تُحلَب لنا منائحنا بعد اليوم، لأنه صار خليفة، فقال لها بلى والله لتُحلبَن، فكان يحلبها ويقول هل أُرغي لك أو أُصرِّح؟ فأي ذلك قالت فعل، وهذا يُؤكِّد على أهمية القدوة.

قال إن كل أموال الأمة كانت تحت يدي عمر بن عبد العزيز، لكنه كان على المنابر يتأثَّر خبر رسول الله: أي إمام مات يوم يموت وهو غاش لرعيته حرَّم الله عليه الجنة، وحوَّل هذا إلى سلوك عملي، ولذا ذات مرة حين صافح بناته وضعن أيديهن على أفواههن، ولما سأل عن السبب قالت له الحاضنة لم يكن لديهن شيئ يتعشينه إلا بصل وعدس فكرهن أن تشم منهمن ما تكره، فبكى وقال ما عليكن يا بُنياتي لو تعشيتن بالألوان ثم يُمَر بأبيكن إلى النار، فجعلن يبكين.

قال إن هذه القصة تُؤثِّر في الإنسان على مسافة ألف وأربعمائة سنة تقريباً، فكيف لو عاشها؟ لذا ينبغي أن يرى المُوظَّف هذا في مُديره ومَن يختلف المسجد في إمامه والتَلميذ في أستاذه، لأن الثقافة لا تُخلَق بالمواعظ والكلام، لكن نحن أمة غلبت عليها شهوة الكلام.

ختم حديثه بتغريدة الحلقة وهي: ليكن لدينا مُتطوِّعون كما لدينا مطاوعة.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: