برنامج آفاق

الإعجاز العلمي في القرآن

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

إخواني وأخواتي:

أُحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، ما حكاية الإعجاز العلمي في القرآن؟ وهل هناك فرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي؟ 

علماء مُتحمِّسون جداً لقضية الإعجاز العلمي في القرآن، ويخرجون علينا بين الفينة والأُخرى بأبحاث ماتعة جديدة تُؤكِّد أن الحقيقة العلمية الفلانية أو النظرية العلمية الكذائية في هذا العلم أو في ذاك قد سبق إلى تقريرها وكشف مستورها القرآن الكريم، في قوله الله كذا وكذا، من سورة كذا وكذا.

وفي المُقابِل علماء كثيرون وعبر العصور يُعارِضون هذا المنزع، يُعارِضون هذا التوجه وهذا المشرب، إلى مُحاوَلة – أي المنزع إلى مُحاوَلة – التوفيق بين الآيات القرآنية المُقدَّسة المحفوظة الكريمة، وبين الحقائق العلمية التي تُوصَف عادةً على لسان هؤلاء بأنها مُتغيِّرة، مُتناسِخة، التخمين قد يصير إلى يقين، لكن أحياناً اليقين يهتز، فيعود إلى لا شيئ، يتكشَّف عن لا شيئ، ويأتي قول جديد ونظريات جديدة، لتشق طريقاً غير مسلوكة في تفسير الظواهر ذات العلاقة، فمن رأي هؤلاء وجوب أن يُنزَّه جناب القرآن الكريم عن مثل هذه المُحاوَلات، التي وصفها بعضهم بأنها مُحاوَلات وإن حسنت فيها النية وصلح فيها القصد، إلا أنها تجعل أصحابها من باب الصديق الجاهل، وتعرفون الصديق الجاهل، الذي يُريد أن ينفعك فيضرك، هكذا وصف عباس العقاد مثلاً – رحمه الله – أصحاب هذه المُحاوَلات، فما هي قضية الإعجاز العلمي والتفسير العلمي لآيات القرآن الكريم؟

المُسلِم العادي، والمُسلِمة البسيطة العادية، غير المُتعلِّمة والمُثقَّفة، قطعاً سيقول وستقول وهل القرآن أُنزِل ليكون كتاباً في الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك أو الطب أو الجيولوجيا Geology أو… أو… أو… إلى آخره؟ إنما هو كتاب هداية، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۩، القرآن أُنزِل وأُوحيَ إلى محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – من أجل أن يهدينا في شؤون ديننا، من أجل أن يدلنا على صراط الله المُستقيم، الذي إن سلكناه فُزنا بسعادة الدنيا والنجاة والظفر والفلاح في الآخرة.

لم يُوح ولم يتنزَّل لكي يكون كتاباً في علم من العلوم التي يستقل العقل الإنساني والدرس الإنساني والبحث الإنساني في تعمقها وكشف مستورها والوصول إلى أسرارها وذخائرها، البشر يستطيعون هذا، وطبعاً واضح أن مسيرة العلم تُؤكِّد صدق هذه النظرة، أن البشر يستقلون بمعرفة جُمل وتفاصيل العلوم، ويُراكِمون المعرفة يوماً فيوماً وعصراً فعصراً وحقبةً فحقبةً، التاريخ العلمي يُؤكِّد هذه النظرية، فهل في كتاب الله – تبارك وتعالى – ما يُشير صراحةً أو من طرف خفي تعريضاً بأن القرآن الكريم ربما يحتوي على مسائل علمية أو ينطوي على إشارات إلى حقائق علمية في شؤون العلم المُختلِفة؟

حرّاس الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وروّاده في القديم والحديث يُؤكِّدون أن نعم، القرآن على الأقل فيه آيتان تُؤسِّسان لهذا المنهج، الآية الأولى من سورة الأنعام، وهي قوله – عز من قائل – وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ۩، إذن مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، قالوا هذه آية واضحة، الله يقول نحن لم نترك نبأ شيئ إلا ذكرناه في هذا الكتاب الأجل الأعز، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، وأيضاً قوله – تبارك وتعالى – في سورة النحل وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ۩، قال تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، فالقرآن هو الذي يُؤكِّد أنه تبيان لكل شيئ، فإذن أين موضع الشاهد؟ أين موضع الشاهد في هاتين الآيتين الجليلتين؟

موضع الشاهد أن قوله – تبارك وتعالى – مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩ صيغة من صيغ العموم، والعموم هو الشمول، أي الاشتمال والاستحواذ على كل أطراف الشيئ، العموم! هذا يعم، لماذا؟ لأن النكرة في سياق النفي تعم، الله يقول مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، قال فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، فهذه نكرة أتت في سياق النفي فتعم، إذن كل شيئ موجود، مذكور، مومأ إليه، مُشار إليه، ومرموز إليه في كتاب الله – تبارك وتعالى -.

وسوف ترون أن هناك مَن بالغ وهناك مَن اقتصد وتخفَّف وتوسَّط، فمَن اقتصد وتوسَّط قال القرآن يحتوي على رموز وإيماءات وإشارات إلى بعض المسائل العلمية أو إلى جُمل العلوم، ومنهم مَن أغرق وبالغ وغالى فادّعى أن القرآن العظيم يشتمل على أفراد الحوادث، فهذه الحلقة – مثلاً – مذكورة في كتاب الله، هكذا يُقرِّرون وهكذا يعتقدون! هذه الحلقة بنفس كيفيتها وبنفس صفتها موجودة في كتاب الله، لو وقع لأحدهم حادث في الطريق – عثر مثلاً فوقع، فكُسِرت رجله – لقال هذا مذكور في كتاب الله، وسوف يأتيكم شيئ من هذا القبيل، يأثرونه أو يحكونه عن بعض الأولياء وبعض الصالحين، وينسبونه إلى أصحاب رسول الله – رضيَ الله تعالى عنهم، وصلى الله على رسول الله -، قالوا هذا هو.

قوله – تبارك وتعالى – وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، واضح! كل من ألفاظ العموم، لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، لم يقل لكل شيئ من أمور الدين، إنما قال لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، فعمت كل شيئ، فالقرآن يحتوي إذن على كل شيئ، على نبأ كل شيئ، ولكن على الجهة التي ذكرنا، إما على نبئه مُفرَداً مُستقِلاً بخصوصه، وإما بشكل الرمز أو الإشارة أو الجُملة، الإجمال! أي جُمل الأمور، هناك منازع مُختلِفة للسادة العلماء، لكن المسألة فيها أنظار مُتشاكِسة مُتعارِضة، فيها مجال وسيع وعريض للنظر، لماذا؟

أولاً قوله – تبارك وتعالى – مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، ما المقصود بــ الْكِتَابِ ۩ هنا؟ هل اتفق السادة العلماء بدءاً من الصحابة – رضوان الله عليهم – على أن المقصود بالكتاب القرآن الكريم؟ قد يُقصَد بالكتاب شيئ آخر، وبالفعل هذا ما وقع، هذا ما حصل، فلنستعرض جُملة يسيرة من آراء السادة المُفسِّرين حول هذه أو بصدد هذه الآية الجليلة، أي مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ ۩، ونبدأ بلفظة الْكِتَابِ ۩، ما المقصود بــ الْكِتَابِ ۩؟

رووا عن عبد الله بن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – وعن عبد الله بن مسعود أيضاً – رضيَ الله تعالى عنه – أنهما قالا مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ ۩ أي القرآن، فالكتاب هنا القرآن الكريم، واختار هذا القول من المُعتزِلة أبو عليّ الجبائي، وأبو القاسم البلخي، ورجَّحه الإمام المُفسِّر عبد الحق بن عطية الأندلسي في تفسيره الماتع المُهِم المُحرَّر الوجيز، نعم! من حيث ماذا؟ من حيث أن المعنى يدل عليه، نظام المعنى في الآية يدل على أن المُراد بالكتاب القرآن الكريم، هذا ما قاله عبد الحق بن عطية.

كما جنح إليه أيضاً الإمام الفخر الرازي، الإمام المُفسِّر المُتكلِّم الكبير الفخر الرازي – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه تفسير مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، على أساس ماذا؟ على أساس أن الألف واللام في كلمة الْكِتَابِ ۩ للعهد، الألف واللام للعهد، أي الكتاب المعهود، والمعهود عند المُسلِمين إذا سمعوا الكتاب أنه القرآن الكريم، فقال القرآن هو المقصود هنا، إذن الفخر الرازي أيضاً يقول بهذا القول.

لكن في المُقابِل رووا أيضاً من طريق أقوى عن عليّ بن أبي طلحة – وهذا من أقوى الطرق عن ابن عباس – عن ابن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – أنه قال مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، الْكِتَابِ ۩ – قال – أم الكتاب، كأن الله يقول ما فرطنا في أم الكتاب من شيئ، وبه قال قتادة بن دعامة السدوسي، وعبد الرحمن بن زيد – أي ابن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم -، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي، هؤلاء قالوا بهذا القول.

ولكن مرة أُخرى مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ ۩ أي ما فرطنا في أم الكتاب، ما هو أم الكتاب؟ ما المقصود بأم الكتاب؟ المشهور أن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ، هكذا قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي، صاحب زاد المسير في علم التفسير، قال أم الكتاب المُراد بها هنا اللوح المحفوظ، الإمام الآلوسي – من مُتأخِّري المُفسِّرين، البغدادي! الشهاب محمود بن عمر الآلوسي، رحمة الله عليه، مُتوفى سنة ألف ومائتين وسبعين للهجرة، في القرن الثالث عشر الهجري – في روح المعاني قال أم الكتاب الفاتحة، النبي لقَّبها بأم الكتاب، أم الكتاب هي الفاتحة.

إذن أم الكتاب إما أن يكون اللوح المحفوظ، وإما أن تكون الفاتحة، إن كانت الفاتحة وصدق هذا الفهم أو التأويل فالمسألة تُصبِح أكثر استعصاءً، لماذا؟ لأن يكون المقصود حتى الفاتحة ذاتها احتوت على كل شيئ، أكثر السادة الصوفية وأكثر المُتصوِّفة يعتقدون بهذا، أن القرآن الكرين حوى نبأ وسر كل شيئ في الوجود، ثم جُمِعت هذه الأشياء كلها فاحتوتها أو اشتملت عليها سورة البقرة، ثم ما اشتملت عليه سورة البقرة اشتملت عليه سورة الفاتحة، وبعضهم يسير إلى أبعد، فيُبالِغ ويقول وما اشتملت عليه سورة الفاتحة شُمِل وضُمِّن في البسملة، بل بعضهم يذهب إلى ما هو أغرب، أعرق في الغرابة، يقول وما اشتملت عليه البسملة مشمول في الباء، في حرف الباء! بل ذهبهم بعضهم إلى شيئ يُشبِه الهذيان، شيئ لا يكاد يُفهَم ولا يكاد يُقبَل، فقال وما اشتملت عليه الباء مشمول في النُقطة، لكن النُقطة هل لها معنى؟ النُقطة! النُقطة هذه هل لها أصلاً أي معنى؟ شيئ غريب جداً، كلام عجيب، مُبالَغات!

إذن أم الكتاب إما أن يُراد بها اللوح المحفوظ، وإما أن يُراد بها الفاتحة، الإمام الحسن البِصري – أبو سعيد، تقي الدين الحسن البِصري، رحمة الله تعالى عليه – ماذا قال؟ قال إن الكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، ثم قال – رحمة الله تعالى عليه – اللوح المحفوظ الذي دوَّن الله فيه – تبارك وتعالى – آجال الحيوان وأرزاقه وآثاره، لماذا؟ لأن الآية في الحيوان، الآية تقول وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، فالحسن البِصري يفهم ويقول الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، دوَّن الله فيه – تبارك وتعالى – كل ما يتعلَّق بالحيوان، أرزاقه وآجاله وآثاره، كل شيئ مُدوَّن فيه، قال الحسن البِصري ليعلم ابن آدم أن عمله أولى بالإحصاء والاستقصاء، إذا كانت شؤون الحيوان مُدوَّنة محصية مزبورة في اللوح المحفوظ فكيف بشؤون وأعمال وأفعال الإنسان؟! من باب أولى أن تكون مُدوَّنة، أي هكذا يكون الله – تبارك وتعالى – كأنه بالغ في إفهامنا هذا المعنى.

واكتفى به الزمخشري، الإمام المُعتزِلي الحنفي الزمخشري، صاحب الكشّاف، من أهم كُتب التفسير البلاغي والبياني، اكتفى بأن المقصود بــ الْكِتَابِ ۩ أم الكتاب، أي اللوح المحفوظ، قال اللوح المحفوظ، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ ۩ أي في اللوح المحفوظ، وليس في القرآن الكريم، إذن هذا قول مُختلِف – أيها الإخوة والأخوات -.

ومن العلماء كما ذكر العلّامة الإمام محمد رشيد رضا في المنار – في تفسير المنار – مَن فسَّر الكتاب في آية النحل وفي آية الأنعام بماذا؟ بالعلم الإلهي، قالوا مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ ۩ أي في العلم الإلهي، وهذا ضعيف، أن يقول مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ ۩ ويقصد به ما فرطنا في العلم الإلهي، لأن كان يُمكِن التعبير عن هذا المعنى بطريقة أبلغ بكثير، هذا يُفقِد الآية رواءها ورونقها البلاغي، ليس في هذا بلاغة، بعيد من البلاغة، هذا بعيد من بلاغة القرآن الكريم، أن يُفسَّر الكتاب بالعلم الإلهي، قالوا لأن العلم الإلهي مُحيط بكل شيئ، فأشبه بالكتاب الذي يكون ثابتاً محفوظاً، لا يتطرَّق إليه نسيان، وهذا ضعيف، هذا القول فيه ضعف واضح يا إخواني.

إذن انتهينا من تفسير كلمة الكتاب في الآيتين، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا ۩، وطبعاً في هذه الآية بالذات أكثر ما ذُكِر لا يصح، لماذا؟ لأن الكتاب مذكور في النحل مُنزَّل، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ۩، كيف يُقال الْكِتَابَ ۩ مُمكِن يكون أم الكتاب أو اللوح المحفوظ؟ غير صحيح بالمرة، فهذا إن صح في آية الأنعام فلا يصح في ماذا؟ فلا يصح في آية النحل، ولذلك آية النحل لابد أن تُؤخَذ بالاعتبار عند تفسير آية الأنعام، في الأنعام الله يقول مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، في النحل يقول وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، فهذه قريبة من هذه، هذه شبيهة بهذه، ولابد أن يُؤخَذ فهم هذه بالاعتبار عند تأويل تلك، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

نأتي الآن إلى كلمة شَيْءٍ ۩، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، كما قلت لكم النكرة في سياق النفي تعم، إذن هي تعم في آية الأنعام، وأما العموم فهو ظاهر من لفظة كل في قوله تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، واضح أنه يعم الأشياء، لمكان لفظة كل، ابن مسعود – الصحابي الجليل، وهو من كبار علماء الصحابة في التفسير في القرآن الكريم، كان بحراً ذاخراً عُباباً من بحور العلم، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ماذا قال؟ قال لقد حوى هذا القرآن علوم الآولين والآخرين، فيه علم كل شيئ، وقال مَن أراد علم الأولين والآخرين فليُثِر القرآن، أو إن أردتم علم الأولين والآخرين أو إن أردتم العلم فأثيروا القرآن، كما يُثار الصيد، أي يُحرَّك، كأنه يقول تدبَّروا، تأمَّلوا، شغِّلوا عقولكم وأفهامكم في كتاب الله – تبارك وتعالى -، إن أردتم العلم فأثيروا القرآن، فإن فيه علوم الأولين والآخرين.

إذن هذا يدل على أن المُراد على الأقل في فهم ابن مسعود بكلمة شَيْءٍ ۩ هنا وكلمة لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩ هناك فعلاً أنها على ظاهرها، لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩ بمعنى لكل شيئ من الشؤون السماوية والأرضية، الروحية والبدنية، الآفاقية والأنفسية، والدنيوية والأخروية، كل شيئ موجود في كتاب الله – تبارك وتعالى -.

ورووا أو أسندوا إلى ابن عباس – وفي الحقيقة أنا لم أقع على إسناده، أنا قرأته لبعضهم كالفخر الرازي، ولم يذكر له إسناداً، هكذا يُنسَب ويُعزى فقط لابن عباس، من غير أن يستند – أنه قال لو ضاع لي عقال بعير – أي الحبل الذي يُربَط به البعير، الجمل أو الناقة – لوجدته في كتاب الله، شيئ غريب! وهذا يعني أن لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩ – كما قلت لكم – بمعنى لكل شيئ، أي حدث يُمكِن أن يخطر على بالك مذكور في كتاب الله، هكذا عزوا إلى ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -.

أيضاً الإمام الطبري في المُقابِل – فيما يُعارِض هذا – في تفسيره روى عن تَلميذ ابن عباس وهو مُجاهِد بن جبر – شيخ مُفسِّري التابعين – أنه قال في تفسير آية النحل تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، قال تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩ مما أُحِل وحُرِّم، إذن هو يعتبر أن شَيْءٍ ۩  هنا لفظة عامة، لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩ لفظة عامة مخصوصة، ليست على عمومها، لم يتركها على عمومها، هذا العموم دخله التخصيص، إذن مخصوص بماذا؟ مخصوص بأنه يُراد به فقط الحلال والحرام، التشريعات! ليس على عمومه، مخصوص بما ذُكِر إذن، مخصوص بما ذكره مُجاهِد بن جبر.

ومثله أيضاً ابن جريج، الإمام ابن جريج – عبد الملك بن عبد العزيز – قال الشيئ نفسه، هذا في شؤون الحلال والحرم، وليس في كل الشؤون، إنما هو عموم مخصوص، عموم مخصوص! ونصره الإمام الفخر الرازي – رحمة الله تعالى عليه -، الفخر الرازي نصر هذا القول، إذن الفخر الرازي الآن تحصَّل لدينا أنه فسَّر الكتاب بالقرآن، الألف واللام للعهد، ثم تحدَّث عن لفظة شَيْءٍ ۩ في آية الأنعام، وفي آية النحل بعد ذلك، لكن هو الآن يتكلَّم في آية الأنعام، قال المقصود هنا في مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩ أي من شؤون التشريع، من شؤون الدين، الإسلام! ليس من كل شيئ على عمومه، لماذا؟ أتى بشيئ جميل، أتى بوجهين – رحمة الله تعالى عليه -.

قال لأنه لا يُقال فرَّط – في اللُغة العربية لا يُقال فرَّط هكذا – نفياً وإثباتاً في شيئ يجب على المُتحدِّث بيانه أو إتيانه، صحيح! فمثلاً نقول فلان لم يُفرِّط في رعاية ولده، لأن رعاية ولده واجبة عليه، لكن لا يُقال فلان لم يُفرِّط في رعاية – نفترض مثلاً – أولاد الناس في الدولة الفلانية، ما هذا؟ ليس واجباً عليه أن يرعى أولاد الآخرين في دولة أُخرى، كلام غير معقول، لا يُقال لم يُفرِّط هنا، وإنما التفريط عبارة أو لفظة تُستخدَم وتُستعمَل في ماذا؟ في خصوص هذا المعنى، ما هو هذا المعنى؟ هو أنه يجب عليك أن تفعل شيئاً، فإن فعلته فأنت لم تُفرِّط، إن فعلته واستقصيت يُقال إنك لم تُفرِّط، أما شيئ لا يجب عليك فلا تُنسَب فيه إلى التفريط، لا تُنسَب فيه إلى التفريط! أي هذه طريقة جميلة وحقيقةً هذا وجه عميق جداً من الفهم، رحمة الله على الفخر الرازي، فالرجل يقول مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩ هذا بحد ذاته يدل على أن هذا الشيئ مما ينبغي، مما ينبغي ومما تدعو الحاجة إلى بيانه، والذي تدعو الحاجة إلى بيانه في كتاب الله هو ما نحتاجه نحن من شؤون التشريع، ليس من شأن كتاب الله أن نذهب إليه نستشيره ونطلب رأيه وفتواه في شؤون دنيوية محض، في شؤون علمية بحت أو بحتة، هذا القول الأول.

نأتي إلى الشيئ الثاني، الفخر الرازي قال لو تأمَّلنا في كتاب الله – تبارك وتعالى – في مواضع كثيرة نجد أن الآيات الكثيرة في كتاب الله – تبارك وتعالى – تدل بطريق المُطابَقة والتضمن واللزوم – هذه ثلاثة أنواع من الدلالات اللفظية في علم المنطق، المُهِم أنه يقول تدل بطرق الدلالة المُختلِفة – على أن المقصود من إنزال القرآن الكريم – آيات كثيرة تُصرِّح بهذا، وتدل عليه بطرق الدلالات المُختلِفة – ما هو؟ تفهيم شؤون الدين، تفهيم مسائل الإيمان والاعتقاد ومسائل الشريعة، أي الحلال والحرام، فإذا عُلِم هذا كان كالقيد، فحملنا المُطلَق في الآية على هذا القيد، قيَّدناه! فيُصبِح المُطلَق مُقيَّداً، إذن لابد أن نقول مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، أي مما يتعلَّق بشؤون الدين، لا نتركه على إطلاقه، ونقول مِن شَيْءٍ ۩ مما يتعلَّق بشؤون الدين، هذا دلت عليه الآيات الكثيرة في كتاب الله – تبارك وتعالى -، هذا الإمام الفخر الرازي!

إلى مثل هذا القول وإلى مثل هذا الفهم ذهب الإمام أبو حيان الأندلسي – المُفسِّر النحوي الكبير، المُتوفى سنة سبعمائة وخمس وأربعين، في سنة سبعمائة وخمس وأربعين تُوفي، والفخر الرازي تُوفيَ في ستمائة وست، أي بينهما تقريباً مائة وأربعون سنة، أو قُرابة مائة وأربعين سنة -، ذهب إلى هذا القول، واعتبر أن ما في الآية – أي مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩ – من باب العام الذي يُراد به الخاص، وليس العام المخصوص، يُوجَد فرق بين العام المخصوص وبين هذا، العام المخصوص أي دخله التخصيص، أما العام الذي يُراد به الخصوص فهو مثل قوله الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ۩، كلمة النَّاسُ ۩ الأولى هذه لفظة عامة، النَّاسُ ۩ أي كل الناس، لا! وأُريد بها رجل واحد، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ۩ أُريد بها نُعيم بن مسعود، إِنَّ النَّاسَ ۩ أُريد بها أبا سُفيان والأحزاب، فهذا عام يُراد به خاص من أصله، عام يُراد به خاص! هذا رأي الإمام أبي حيان.

لكن أكثر عالم رفع لواء مُعارَضة التفسير العلمي للقرآن الكريم ودعوى أن القرآن الكريم احتوى على مسائل علمية في شؤون مُختلِفة الإمام أبو إسحاق الشاطبي – رحمة الله تعالى عليه -، وأعتقد أنكم سمعتم به أكثر من مرة، هذا الإمام الفقيه الأصولي الذي لا يُشَق له غُبار، صاحب كتاب المُوافَقات.

الإمام الشاطبي له رأي مُختلِف تماماً، يُعارِض هذا الاتجاه وهذا المنزع، سنعود إليه – إن شاء الله – وإلى آخرين، لكن بعد هذا الفاصل، فكونوا معنا، بارك الله فيكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواتي من جديد.

إذن هناك مَن يُعارِض، وبُعيد قليل ربما نخوض خوضاً أوسع في ذكر أسماء جُملة من العلماء الذين عارضوا التفسير العلمي ودعاوى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

منهم أيضاً الإمام الآلوسي – رحمة الله تعالى عليه -، هذا الإمام قال القرآن العظيم اشتمل على مسائل الدين الأصلية، قال على مسائل الدين الأصلية! ثم قال فليكن ذلك أو هذا هو المُراد من قوله – تبارك وتعالى – مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، أي من مسائل الدين الأصلية، أي كأن الآلوسي يقول هناك حتى من مسائل الدين مسائل فرعية أو تفريعية كثيرة ليست مذكورة في كتاب الله، تكفَّلت السُنة المُشرَّفة – على صاحبها الصلاة والسلام – بتبيانها، فكيف يقول القرآن إذن تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩؟ قال هو مسائل الدين الأصلية.

إذن نأتي الآن إلى نوع من الجولة السريعة – تطواف سريع بحسب ما يسمح به المقام – لنرى أصول القول بالتفسير العلمي أو الإعجاز العلمي، وطبعاً هناك مَن فرَّق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي، فكلمة إعجاز قل أن ترددت في كلام مَن تكلَّم في هذا الباب مِن العلماء المُتقدِّمين، وبعضهم تكلَّم مرة، لكن بطريق لم يزعم أن هذا يدل على إعجاز علمي في كتاب الله – تبارك وتعالى -، ولكن جعله من وجوه إعجاز القرآن، وربما نتطرَّق بُعيد قليل إلى الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي، هناك فرق دقيق بين هاتين المسألتين.

منهم رجل اسمه ابن سراقة أو المشهور بابن سراقة، وهو محمد بن يحيى، هذا في القرن الخامس الهجري، تُوفيَ سنة أربعمائة وعشر، كتابه في إعجاز القرآن الكريم لم يصلنا، لكن الإمام الحافظ السيوطي في مُعترَك الأقران أشار إليه، وأحال عليه، وذكر أن ابن سراقة هذا – رحمة الله تعالى عليه – زعم أن القرآن الكريم احتوى على ما لا يُحاط بعلمه من أفانين العلوم المُختلِفة، إذن كان عنده قناعة بهذا الشيئ، أن القرآن الكريم احتوى على كل العلوم، بل على ما لا يُحاط بعلمه من أفانين العلوم.

وأكثر منه طبعاً – لأنه شخص أشهر وأنبل كما يُقال – الإمام أبو حامد الغزّالي، المُتوفى سنة خمسمائة وخمس للهجرة – رحمة الله تعالى عليه -، ذكر الآتي في كتابه إحياء علوم الدين – في مواضع منه – وفي كتابه جواهر القرآن، والكتابان مطبوعان وموجودان، الإمام الغزّالي ذكر أن القرآن أيضاً احتوى على علوم وفنون كثيرة جداً، بلغ بها – أي الإمام الغزّالي – سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم، هناك سبعة وسبعين ألف ومائتا علم، يقول القرآن الكريم فيه من العلوم سبعة وسبعين ألف ومائتا علم، فيه سبعة وسبعون ألف ومائتا علم، وهذا عدد مهول جداً، هكذا زعم الإمام الغزّالي – رحمة الله تعالى عليه -.

وتابعه في هذا الفقيه والقاضي والإمام أبو بكر بن العربي – رحمة الله تعالى عليه -، ليس ابن عربي الصوفي، وإنما الإمام المالكي، أبو بكر بن العرب زعم أن القرآن فيه سبعة وسبعون ألف وأربعمائة وخمسون علماً، أي زاد مائتي وخمسين علماً على الإمام الغزّالي، الغزّالي قال سبعة وسبعون ألف ومائتا علم، هو قال سبعة وسبعون ألف وأربعمائة وخمسون علماً، تخيَّل! سبعة وسبعون ألف وأربعمائة وخمسون علماً شيئ لا يكاد يُتصوَّر، هكذا زعما – رضيَ الله تعالى عنهما -.

لكن في المُقابِل الإمام الفخر الرازي يزعم أن القرآن لا يُبالي إلا بالعلوم الدينية، الإمام الفخر الرازي رفض هذا الكلام، الإمام الفخر الرازي رفض أن القرآن يحتوي على العلوم الدنيوية الطبيعية والكونية وعلوم الحيوان والنبات والأنواع والأشياء، قال لا، القرآن لا يُبالي إلا بالعلوم الدينية، لماذا ذكرت الفخر الرازي الآن؟ لأن موقفه تقريباً كالمُتناقِض، اطلعنا على أجزاء ونُتف من موقفه، وأيضاً رُغم أنه يزعم أن القرآن لا يُبالي إلا بالعلوم الدينية إلا أنه حشر إلى تفسيره وملأه في عشرات المواضع بالعلوم الكونية، وبالذات علم الفلك، بخاصة علم الفلك! وكان يُسمى علم الهيئة، علم الهيئة أي علم هيئة الكون، علم هيئة العالم، أي الأسترونوميا Astronomy، وهو علم الفلك، فتقريباً تناقض، وجر على نفسه نقوداً كثيرةً.

في موضع من تفسيره يُجيب عن نقد جماعة من العلماء تعرَّضوا له بالنقد، نقدوه وقالوا لماذا تحشر القرآن الكريم هذه العلوم وليست من سنخ ولا صنف العلوم الدينية؟ ما علاقة القرآن الكريم بعلم الهيئة أو بعلم الفلك؟ فرد الإمام الجليل عليهم بوجوه خمسة، ذكر على ما أذكر وجوهاً خمسةً، ذكر منها أن القرآن الكريم يُثني على الذين يتفكَّرون في خلق السماوات والأرض، وقال ليس لعلم الهيئة أو علم الفلك من غاية ومن مقصد إلا معرفة كيف خُلِقت السماوات والأرضون أو السماء والأرض، قال هذا علم الهيئة!

أيضاً القرآن الكريم يقول أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ۩، القرآن يحث ويُلهِب الهمة ويدعو إلى النظر في كيفية خلق السماء، فقال وهذا علم الهيئة، هذا علم الهيئة! القرآن فيه إشارات كثيرة.

أيضاً في سورة غافر أو مُؤمِن الله يقول لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ۩، فبيَّنت هذه الآية أن في السماوات من عجائب الخلقة ومن بدائع الصنعة والفطرة ما ليس حتى في خلق الإنسان المقول له وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ۩، وهذا يعني أن هذا حث على الاهتمام بعلم الفلك وبعلم الهيئة.

القرآن الكريم – يقول الفخر الرازي – في مواضع كثيرة يُكثِر من الاستدلال على العلم الإلهي والقدرة الإلهية والحكمة الإلهية بذكر ماذا؟ بذكر مظاهر كونية، بذكر مظاهر كونية مما يختص علم الهيئة أو علم الفلك بتفصيل القول فيه، وهكذا!

إذن فالفخر الرازي يرى أن الاهتمام بهذا العلم ليس شيئاً مذموماً، وليس شيئاً منكوراً، لا بأس أن يقول هذا، لكن هو في موضع آخر يرى أن القرآن لا يُبالي إلا بالعلم الديني، ثم هو هنا – كما قلنا – يُكثِر من الاستشهاد بقضايا علم الهيئة وعلم الفلك ويُوفِّق بينها وبين القرآن الكريم، فعلاً يُوجَد نوع من التعارض ويُوجَد نوع من التناقض في موقف الفخر الرازي – رحمة الله تعالى عليه -، لكن كان لابد أن نذكر هذا ونُشير إليه.

المُعارِضون – وعدتكم بأن نذكر بعض الذين رفضوا التفسير العلمي للقرآن الكريم – منهم رجل من أئمة الزيدية، اسمه يحيى بن حمزة العلوي، عنده كتاب اسمه الطراز، وهو كتاب في الحقيقة في علم البلاغة، لكن الجميل فيه – أي ميزة هذا الكتاب – أنه يستشهد دائماً ويُمثِّل أكثر ما يُمثِّل بآيات القرآن الكريم، فهو تعليمي، كتاب تعليمي لعلم البلاغة، ويُبرِز طبعاً – بلا شك يُبرِز هذا – الوجوه الماتعة العجيبة في كتاب الله، من وجوده البلاغة والبيان.

سبقه إليه ابن الجوزية، وهما مُتعاصِران في الحقيقة، لأن ابن قيم الجوزية مُتوفى سنة سبعمائة وإحدى وخمسين، والإمام العلوي هذا مُتوفى سبعمائة وخمس وأربعين، مُتعاصِران! لا أظن أن أحدهما عوَّل على الآخر أو أخذ من الآخر، ابن القيم عنده كتاب اسمه الفوائد المُشوِّق إلى علوم القرآن والبيان، مُجلَّد لطيف – وفعلاً لطيف – وكبير الفائد، يذكر فيه مسائل بيانية، ويُمثِّل لها من كتاب الله، ففيه فائدة مُزدوَجة، فائدة من حيث تعليم البلاغة، وفائدة أُخرى من حيث الكشف عن بلاغيات القرآن الكريم، وهذا شيئ طيب.

فالإمام يحيى بن حمزة العلوي يرى أن العموم في قوله – تبارك وتعالى – مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩ عموم مخصوص، قال ولا شيئ في هذا، أكثر عمومات القرآن الكريم دخلها التخصيص، فهذا يجري تقريباً على القاعدة، قل أن وُجِد عموم في كتاب الله لم يطرقه التخصيص، مثلاً هناك عموماً مثل إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩، نعم! هذه طبعاً لا يدخلها تخصيص مُطلَقاً، لكن فيما عدا هذا وهي مواضع يسيرة ما من عموم إلا خُص.

وبعد ذلك ذهب يحيى بن حمزة العلوي واستند على حُجة عقلية أو واستند إلى حُجة عقلية، قال هذا الذي يذكرونه من كون القرآن اشتمل على دقائق العلوم والمعارف وأفانينها التي لا يُحاط بها بحيث أنه يأخذ منه ويمتح كل أهل عصر وكل جيل بمقدار وسعهم لا يتميَّز به القرآن وحده، قال هذا الذي ذكروه لا يتميَّز به القرآن وحده، والمفروض أننا إذا ذكرنا من ميز القرآن الكريم ميزة إعجازية أن تكون فعلاً ميزة فارقة، بحيث لا تُوجَد إلا في القرآن، لا يشركه فيها غيره، ثم مثَّل فقال – أي الإمام العلوي قال – كأين من أي عالم من علماء المُسلِمين يكتب كتاباً ويعتني في جمعه وتدبيجه وتحريره وتدقيقه، ثم لا يزال العلماء بعد ذلك جيلاً إثر جيل يأخذون منه ويرون فيه ما لم يره السابقون بمقدار وسعهم! هل هذا إعجاز؟ هذا ليس إعجازاً، ما من أحد يقول إن هذا إعجاز، فقال هذه ليست ميزة للقرآن الكريم، أن فيه أشياء علمية وفيه بعض الإشارات والرموز إلى الأفانين المُختلِفة، قال هذا مُمكِن أن تتميَّز به كُتب البشر أيضاً.

ابن القيم أنا ذكرته قُبيل قليل، في كتابه المذكور هذا وهو الفوئد المُشوِّق إلى علوم القرآن والبيان نقل عن بعض العلماء الآتي، ذكر أن بعضهم لم يجعل هذا من وجوه إعجاز القرآن الكريم، فما المقصود بهذا؟ أي لم يجعل اشتمال القرآن على بعض الحقائق العلمية وبعض الرموز العلمية من باب إعجاز القرآن، لماذا؟ قال لأن مثله وُجِد حتى في كلام المُشرِكين، في كلام الجاهليين، وهذا الكلام صحيح إلى حد ما، إلى حد ما! فمثلاً نجد في كلام بعض شعراء الجاهلية وصف دحو الأرض، أن الله – تبارك وتعالى – دحى الأرض، وبعد ذلك يكتشفون ويقولون لك نعم، دحى! ما معنى دحى؟ وبعضهم للأسف تكلَّف وقال دحى من الدحية، والدحية هي بيضة النعام، وهذا لا يُعرَف في اللُغة العربية للأسف أبداً، وإنما الدحية هي الفراغ الذي تُحدِثه النعامة لكي تضع بيضها فيه، فهذا هو! والدحو في اللُغة هو البسط والمد، كما قال ابن الرومي يَدْحُو الرُّقَاقَةَ وَشْكَ اللَّمْحِ بالْبَصَرِ، أي بسرعة، يدحوها بسرعة، تكون مُكوَّمة هكذا قطعة العجين، ثم يدحوها، يبسطها، فإذا هي رقاقة.

فإذا ذكر بعض الجاهليين أن الله دحى الأرض وبعد ذلك رأى بعضهم من رأي بعضهم أن دحو الأرض يدل على هيئتها البيضية – مثل البيضة، وليست حتى الكورية – وإذا كان هذا إعجازاً فهذا وارد أيضاً في كلام شعر جاهلي، فهذا الذي أراد ابن القيم عمَن نقل عنهم أن يُوصِله إلينا، وهذه حُجة الذين يُعارِضون، نعم!

كما قلت لكم أبو إسحاق الشاطبي – رحمة الله تعالى عليه، إبراهيم بن موسى اللخمي – هو أكثر عالم رفع لواء مُعارَضة التفسير العلمي للقرآن الكريم، هذا الإمام الجليل المُتوفى سنة تسعين وسبعمائة للهجرة في كتابه المُوافَقات يُعتبَر تقريباً هو أكبر حامل للواء مُعارَضة هذه الدعوى، دعوى ماذا؟ أن القرآن فيه حقائق علمية من العلوم والفنون المُختلِفة، وأتى بوجوه كثيرة، وصفها العلّامة الشهيد الدكتور محمد حسين الذهبي في رسالته أو أطروحته التفسير والمُفسِّرون بأنها أدلة وأجوبة قوية، أقوى بكثير من حُجج المُؤيِّدين، حُجج المُؤيِّدين – يقول الدكتور الذهبي – لا تقوم لكلام الشاطبي، وطبعاً كثيرون من العلماء المُعاصِرين خالفوا أيضاً الشاطبي، وخالفوا الدكتور الذهبي.

من رأي الشاطبي أن ما حواه القرآن من إشارات ورموز وإيماءات إلى قضايا ومسائل علمية هو من جنس علوم العرب، هكذا قال! من جنس علوم العرب، والله لم يُنزِّل كتابه لكي يُفصِّل في العلوم والفنون المُختلِفة أبداً، والعرب أمة أُمية، والنبي بُعِث في أمة أُمية، وإنما خوطبوا بما يعرفون وما يعقلون، لا بدقائق العلوم وعويصات الفنون، وكلام على هذا النمط كثير، أتى به الإمام أبو إسحاق الشاطبي – رحمة الله تعالى عليه -.

من المُعاصِرين الشيخ الإمام محمد رشيد رضا، صاحب تفسير المنار، أيضاً له موقف إلى حد ما نستطيع أن نقول إنه موقف مُلتبِس، مثل الالتباس الموجود في موقف الفخر الرازي، فهو من جهة يُعارِض الإيغال في قضية التفسير العلمي للقرآن الكريم، الإمام رشيد رضا يُعارِض ويقول الآتي، وطبعاً هو يُعلِّق على حكاية أوردها الإمام الآلوسي في تفسيره عن مُحي الدين بن عربي، يُقال إن مُحي الدين بن عربي – الشيخ الصوفي، صاحب الفتوحات المكية والفصوص وغيرهما – كان ذات مرة راكباً على حماره، فوقع من على حماره، فهُرِع الناس إليه لكي يحملوه، فاستمهلهم لحظة، قال أمهلوني، أمهلوني، فأملهوه! فلم يمكث طويلاً حتى أذن لهم بأن يحملوه، فحملوه ثم سألوه لماذا استمهلتنا؟ قال بحثت عن نبأ هذه الحادثة في كتاب الله، لأن من مذهبه أن كتاب الله فيه نبأ كل شيئ، حتى وقوع مُحي الدين عن حماره مذكور في كتاب الله، قال بحثت عن نبأ هذه الحادثة في كتاب الله، لم أكن أعلم أنها في كتاب الله، فبحثت عنها، فوجدتها في الفاتحة، بطريقة فهم مُعيَّنة هكذا هو وجدها في سورة الفاتحة، والله أعلم هل وقعت أصلاً هذه الحكاية؟ هل حقيقةً حصلت أم إنها من تأليف بعض المُتأخِّرين؟

فالشيخ رشيد رضا يسخر منها طبعاً، ويُعارِضها تماماً على طول الخط، ويقول تصديق مثل هذه الخُرافات والحكايا الخُرافية هو الذي جرأ مُتنبئ الهند – يعني ميرزا غُلام أحمد القادياني، ميرزا غُلام أحمد القادياني المُتوفى سنة ألف وتسعمائة وثماني، مُؤسِّس فرق القاديانية – على تفسير سورة الفاتحة على النحو الذي فسَّرها به وعليه، وأورد فيه من هذيانه الأشياء الكثيرة ومن لغوه أيضاً، لغو وهذيان! حتى أنه ذهب – أي ميرزا غُلام أحمد القادياني – في تفسير سورة الفاتحة إلى أن اسم الرحمن – بسم الله الرحمن الرحيم – يدل على نبوة محمد، اسم الرحمن يدل على نبوة محمد – صلى الله على محمد وآل محمد -، واسم الرحيم يدل على نبوة ميرزا غُلام كما قال، قال على نبوتي، أستغفر الله! الرجل يرى نفسه نبياً، وطبعاً هو كان من مذهبه وطريقته الفاسدة الكاسدة أن محمداً هو خاتم النبيين بمعنى زينة النبيين، كالخاتم في اليد، هو زينتهم، ليس بمعنى ختامهم بحيث لا يُبعَث نبي بعدهم، شيئ غريب! وهذا مذهب فاسد طبعاً بلا شك، ونحن ما رأينا نبياً بعد محمد إلا وكان مُتنبئاً كاذباً، لا يُوجَد نبي بعد محمد، ولماذا؟ القرآن هذا كتاب العالمين، وكتاب الأزمان، والشريعة هذه شريعة خالدة، لماذا نحتاج إلى نبي جديد؟ أي من أجل ماذا هذا؟ كلام فارغ للأسف الشديد.

فرشيد رضا من رأيه أن مثل الحكايات الخُرافية هي التي جرأت غُلام القادياني هذا – أي ميرزا غُلام أحمد القادياني – على أن يقول ما يقول ويدّعي ما يدّعي، وأن نبوته مذكورة في كتاب الله أيضاً، تحت اسم الرحيم!

على كل حال لكن – كما قلت لكم – يُوجَد التباس في موقف رشيد رضا، رشيد رضا نفسه يُورِد من وجوه إعجاز القرآن الكريم الوجه السادس والوجه السابع، الوجه السادس من وجوه إعجاز القرآن الكريم يقول إن الزمان كله عجز عن إبطال شيئ في كتاب الله، وفي الوجه السابع ذكر أن القرآن اشتمل على حقائق علمية أو إشارات إلى مسائل علمية شتى، ثم على تمادي الأزمان لم يصح أن أحداً استطاع أن يُبطِل شيئاً مما ورد في كتاب الله، مع أن كل ما في كتاب الله محفوظ من التغيير، بالزيادة أو النقصان أو التحريف، ومع ذلك لم يحدث هذا.

ثم قال – رحمة الله تعالى عليه – ولكن قد يُقال إن بعض الطاعنين في القرآن والإسلام يزعم أن العلم المُعاصِر أو العلم الحديث نقض بعد ما ورد في القرآن الكريم من مسائل أو إشارات علمية، وأجاب رشيد رضا عن هذا بالقول إن هذا – أي إن هذا القول، قول هذا الطاعن – من سوء فهمه، من سوء فهم الطاعن، أو من سوء فهم المُفسِّر، فلا يُقال إن العلم يتعارض مع القرآن الكريم، ثم بعد ذلك يأتون إلى تفسير للآية، وليس إلى الآية بذاتها، والآية تحتمل أكثر من وجه وأكثر من فهم، وهذا مُجرَّد فهم ليس لأحد المُفسِّرين، ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً، ليس بالضرورة!

فمثلاً نفترض أن بعضهم قال ذو القرنين المذكور في سورة الكهف هو الإسكندر المقدوني Alexander of Macedon، ابن فيليبوس المقدوني Philip of Macedon، وبعد ذلك يأتي إليك مُؤرِّخ لكي يقول لك حسنٌ، ذو القرنين في كتاب الله واضح أنه عبد صالح، ومُؤيَّد ومُمكَّن له من الله – تبارك وتعالى -، هو مُؤيَّد من الله – تبارك وتعالى -، وهو إنسان عادل، ولا يأخذ خرجاً على خدمة الشعوب المُستضعَفة، ولكن الإسكندر المقدوني Alexander of Macedon في الحقيقة لم يكن كذلك، فالقرآن غير دقيق، الإسكندر Alexander كان وثنياً، وكان عاشقاً للرجال، كان مُصاباً بالشذوذ الجنسي، والرجل مُتهَم تُهمة قوية جداً بقتل أبيه، والرجل كان ذبّاحاً سفّاكاً، إذا حاصر مدينة أو بلدة فإنه مُباشَرةً يدعوها إلى الاستسلام، فإن استسلمت فبها، وإلا! إن ظهر عليها حرَّقها وقتل ذكورها وسبى نساءها، فالرجل مُجرِم طاغية، ليس رجلاً صالحاً ربانياً، فالقرآن إذن فيه غلط! مَن قال لك القرآن فيه غلط؟! القرآن لم يذكر الإسكندر المقدوني Alexander of Macedon، ولم يقل إن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني Alexander of Macedon، فهذا من سوء فهم المُفسِّرين، سواء كان المُفسِّر هو ابن جرير أو غير ابن جرير، هذا من سوء فهم المُفسِّرين، وهذه طريقتهم في التفكير، وهي طريقة خاطئة، لم يُصيبوا شاكلة الصواب، لم يُصيبوها! هكذا على هذا النمط، هذا معنى كلام رشيد رضا، وهو كلام سديد وصحيح.

إذن هذا الذي قاله الشيخ رشيد رضا، ومنهم أيضاً العلّامة الكبير أمين الخولي، أمين الخولي في المادة التي كتبها حول هذا الموضوع في دائرة المعارف الإسلامية المُترجَمة طبعاً ذكر أن هذا القول فيه إسراف في الدعوى على القرآن الكريم، وهو قول يُرَد من وجوه كثيرة، منها الوجه اللُغوي، كيف؟ الوجه اللُغوي أننا لو تتبعنا حياة الكلمات وتطور استعمال الكلمات في المعاني المُستحدَثة الجديدة لها لعلمنا أنه لا يجوز أن يُنسَب إلى كتاب الله – تبارك وتعالى – في بعض ألفاظه معانٍ مُستحدَثة بعد ذلك، لم تكن مأنوسة ولا معروفة ولا مقصودة مُرادة لله – تبارك وتعالى – عند إنزاله، ولا كانت مما يُفهَم أو يُقصَد من هذا اللفظ لدى العرب الذين خوطبوا به، فكأنه يُشير – رحمة الله تعالى عليه – إلى مُحاوَلات بعضهم – مثلاً – تفسير كلمة ذرة – مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ ۩ – بالذرة العلمية، بالذرة المادية، أي بالـ Atom، يقول أحدهم لك حتى الذرة مذكورة في كتاب الله، ومَن قال لك إن هذا هو المعنى؟ صحيح الآن – في اللُغة العربية الآن – نحن نستخدم الذرة كترجمة للفظة Atom، لكن أيام القرآن الكريم هل هذه هي الذرة؟ أبداً، إنما الذرة مُفرَد الذر وهو صغار النمل، الصغير من النمل يُقال له الذر، وأيضاً ذُريرات الغُبار التي يُمكِن أن تراها حين يدخل شعاع الشمس من كوة – مثلاً -، فترى هذه الذُريرات، هذه تُسمى ذرة، أو صغار النمل، ولكن الذرة بمعنى Atom هذا شيئ مُستحدَث، فلا يجوز أن يُقال الذرة مذكورة في كتاب الله، وهذا صحيح، نحن نُؤيِّده، وهذا نوع من التعسف والمُغالاة أيضاً في الدعوى على كتاب الله – تبارك وتعالى – في هذا الباب.

وهناك الناحية البلاغية – يقول أمين الخولي -، الناحية البلاغية ما هي؟ البلاغة ما هي؟ هي مُطابَقة القول أو الكلام لمُقتضى الحال، فهل كان العرب المُخاطَبون بالقرآن الكريم يفهمون هذه الأشياء ليُخاطَبوا بها أصلاً؟ ولو فهموها في الحقيقة – لو افترضنا أنهم فهموها – لماذا لم يُعرِبوا عنها؟ لماذا لم يُؤسِّسوا نهضتهم العلمية على أساس منها؟ وهذا لم يحصل، بل تأخَّرت نهضتهم العلمية، أي في الفلك والطب والرياضيات والميكانيكا – أي الحيل – إلى زمن بعد ذلك، حين تم ترجمة العلوم الأجنبية المُختلِفة، اليونانية بالذات وغير اليونانية، فمن ناحية بلاغية يرى أن الأمر أيضاً مُستحيل أو غير وارد.

ثم يقول هناك ناحية دينية، من ناحية دينية ما هو الغرض وما هو الهدف من إنزال القرآن الكريم؟ قطعاً ليس الإشارة إلى حقائق العلوم وتفاصيلها، والموضوع طويل، وبدأ الوقت يتضيَّق للأسف الشديد، لابد أن أختم بشيئ مُهِم في هذا الباب.

يا إخواني حين نتكلَّم عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم نُريد الآتي، لكن قبل أن أذكر ما عندي أُحِب فقط أن أُعرِب عما أنا مُقتنِع به، أنا مُقتنِع أن القرآن الكريم بلا شك – ومن الصعب تقريباً إن لم يكن من المُحال أن يُنكَر هذا الشيئ – فيه إشارات وفيه رموز وإيماءات وأحياناً إشارات واضحة إلى مسائل علمية دقيقة، فمثلاً – حتى لا نُطوِّل، وهذا الموضع طويل – هو يتحدَّث القرآن الكريم عن مراحل خلقة الإنسان وعن مراحل تكون الجنين، نُطفة، علقة، مُضغة، مُخلّقة أو غير مُخلَّقة، بعد ذلك العظم، كسو العظم لحماً، ثم النشأة خلقاً آخر، أشياء دقيقة جداً وبتفصيل عجيب ومُدهِش – أيها الإخوة والأخوات -، لا يُقال هذه مسألة لا علاقة لها بالعلم، بل لها كل علاقة! 

وبهذا الترتيب هي مُتوافِقة أو توافق معها تماماً علم الأجنة، من غير أي مُشاكَسة ومن غير أي مُعارَضة، فهذه إشارة واضحة، القرآن حين يقول – مثلاً – يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۩ أليس في هذا إشارة شبه واضحة إلى أن الأرض كرة؟ في شكل كرة، لأن الليل والنهار إنما يدوران على الأرض، والله يقول يكور، تكوير! إذن هي كرة، حتى يتكوَّر عليها الليل والنهار، واضحة! إشارة أكثر من واضحة إلى كورية الأرض.

الله حين يقول وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ۩ تكون هذه إشارة واضحة إلى أن السماء تتسع، أي هذا Expansion of the universe كما يُقال، اتساع الكون! فهذه إشارات واضحة، وللأسف أدركني الوقت، ولم أستطع أن أُفضي بما أُريد أن أقول، لكن فقط بكلمة واحدة أقول – إخواني وأخواتي – التفسير العلمي لمثل هذه الآيات الواضحة في أبوابها شيئ مُستحسَن ومطلوب، بل لا مناص منه، أنت لابد أن تُضطَر إليه اضطراراً، فتُفسِّر هذه الآيات المُنطوية على إشارات وتصريحات في شؤون علمية واضحة على الأقل بمعارف عصرك وعلوم عصرك، أما الادعاء أن هذا إعجاز علمي فهذا الذي أردت أن أقول لكم إنه ادعاء غير دقيق من ناحية علمية، من ناحية علم العقيدة وعلم الكلام، لكن بدل أن نقول فيه إعجاز علمي نقول فيه دليل – فيه دليل واضح – على ربانية القرآن الكريم، على ربانية القرآن الكريم أي كونه من عند الله – تبارك وتعالى -.

وَاللَّهُ – تبارك وتعالى – يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ۩، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: