إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ۩ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ۩ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ۩ رَّسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ۩ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
أيها الإخوةُ والأخوات:

آيةٌ عجب التي يقول فيها الله اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ۩،فهذه آيةٌ عجيبة بل هى من أعجب ما في كتاب الله من آي، وحتماً هذه الآية لا تزالُ مطويةً على أسرارها وكظائمها إلى أن يأذن االله – تبارك وتعالى – وربما يأذن في هذا العصر وربما في أعصارٍ لاحقة فيتمكَّن المُوحِّدون من مُقارَبة هذه الآية مُقارَباتٍ جديدة على أن أسلافنا الصالحين – رضوان الله عليهم أجمعين – لم يخلو من كلامٍ يستلفت النظر في هذه الآية المُعجِبة فقد روى التابعي والإمام الشهيد سعيد بن جُبير – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – عن حبر الأمة ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – أن رجلاً جاءه يسأله عن هذه الآية الكريمة – هؤلاء طبعاً كانوا يتساءلون كثيراً على عكسنا اليوم فقد يقرأ المسلم المُصحَف مائة مرة في حياته ولا يقف عند هذه الآية ولا عند غيرها لأننا فقدنا الفضول المعرفي – التي تقول اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ۩،فقال له ابن عباس رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه: وما يُؤمِنك أني إذا أخبرتك تكفر؟!

أي أن الجواب لا تُطيقه العقول، فعقول ذلكم العصر الوسيط وهو عصر السلف الصالحين بالنسبة لسياقنا التاريخي لم يكن ليسمح بأن ينفتح على المعنى الذي لاح لحبر الأمة وعالمها ومُفسِّرها في هذه الآية الجليلة لذا قال له: وما يُؤمِنك أني إذا أخبرتك تكفر؟!

أي أنك قد تكفر، ولذلك يُروى عنه – رضيَ الله عنه وأرضاه – أنه كان يقول “لو أخبرتكم بما أعلم من هذه الآية لكفرتم”، كأنه يقول “ولذلك لن أُخبِر، سأكف ولن أتكلَّم”، فهذه آية عجيبة جداً، لكن طبعاً الأمور واضحة لدى المسلم الذي فقد الفضول المعرفي وفقد الرغبة في التساؤل أو القدرة بالأحرى على الاندهاش، أي القدرة على أن يندهش ويرى الأشياء لا على أنها طبيعية ومفهومة وواضحة بل على أنها ألغاز أو على أنها عالم من الألغاز والطلاسم، فهو يرى أن الأمور واضحة، فالله خلق سبع سماوات وسبع أراضين.
إذن الله خلق سبع سماوات، ولكن ما معنى السماء؟!

ما مفهوم السماء؟!

ما علاقة السماء بالسماوات؟!

هل من فارق بين السماء والسماوات أم مُجرَّد مُفرَد وجمع؟!

ما علاقة مفهوم السماء أو السماوات بمفهوم الكون اليوم، بمفهوم الكوزموس Cosmos مثلاً؟!

هل هذه السماوات السبع ضمن هذا الكوزموس Cosmos أم هذا الكوزموس Cosmos نفسه ربما يكون السماء الأولى أو حتى جُزء أو ضاحية ربما مُتجنِّبة فيها؟!

لا ندري، ومع ذلك لا يتساءل المسلم، فحتى بعض المُتعلِّمين للأسف وبعض ذوي الاختصاص لا يتساءلون للأسف الشديد، لأننا أمة همدت فيها الروح، أمة لم تعد تحرص على المعرفة، وطبعاً يُلاحَظ أن المسلمين عبر الأعصار المُختلِفة أولوا الجانب التشريعي من كتاب الله – تبارك وتعالى – عنايةً لا أقول تفوق وحسب بل هى عنايةً كاسحة ليس من العدل مُقارَنتها أو أن نُقارِن بها بالأحرى ما أولوه للجانب العلمي والكوني والفلسفي في كتاب الله، وطبعاً هذا تعبيرٌ يحتاج إلى تحرير، فالقرآن ليس كتاب علم والقرآن ليس كتاب فلسفة والقرآن ليس كتاب أنطولوجيا Anthology، ولكن القرآن يتقاطع مع اهتمامات علمية وفلسفية وأنطولوجية بشكل واضح وهذا أمرمُهِم جداً يجب أن ننتبه إليه، ولذلك لا يُمكِن لفيلسوف أو عالم كوني أو باحث في قضايا الوجود – هذا الفرع من الفلسفة بالذات الذي اختص به بعض الناس عبر العصور المُختلِفة – أن يقرأ كتاب الله – تبارك وتعالى – ثم لا يقف عند آيات تستلفت نظره في تخصصه، فالقرآن – وهذا حقٌ وصحيح – وإن لم يكن كتاب علمٍ أو كتاب فلسفة أو مباحث في الوجود بالمعنى الفلسفي العميق الأنطولوجي إلا أنه يتقاطع مع هذه الاهتمامات، ويحدث هذا التقاطع بطريقة التأشير، فالقرآن يُؤشِّر إلى هذا، ومن طبيعة الإشارة – إن جاز التعبير – أنها لا تُؤشِّر إلى مُحدَّد في أغلب الحالات وخاصة إذا تعلَّق الأمر بأمور من هذا الحجم مثل الكونيات والقضايا الفلسفية العُظمى والوجوديات وإنما يكون التأشير إلى جهة، ويُمكِن ضمن الجهة الواحدة بعد ذلك أن ننتزع وأن نشتق آلاف الإشارات التي تُشير إلى أشياء بأعيانها وإلى معانٍ دقاق بذواتها، يُمكِن هذا لأن هذا من طبيعة الإشارة، ونحن نستقبل القبلة على هذا النحو ونستقبل الجهة ولا نستقبل العين، ولكن لماذا أقول هذا؟!

هذا يُمكِن أن يُشكِّل بعض مُقدِّمات تأصيلية لهذه المباحث المُتعلِّقة بما يُعرَف بالإعجاز العلمي في القرآن، ونحن نتوجَّس خيفةً من هذه الطريقة ومن هذه المباحث، لكن لماذا؟!

على علماء العصر أن يُدرِكوا أن التفسير العلمي بالذات في هذا العصر أخذ طابعاً مُتسارِعاً جداً كما لم يحدث من قبل، فاليوم يُمكِن أن تشهد في عقد واحد بصدد موضوع دراسة واحد ثلاث أو أربع أو خمس نظريات مُختلِفة، فأنت لا تكاد تُنجِز كتاباً حول نظرية من هاته النظريات وتزعم أنها النظرية الأوفى حظاً والأجدر بأن تكون مُقنِعة حتى تصدر نظرية أُخرى وربما تنقضها أو تُعارِضها بالمرة، وهكذا هو هذا الطابع العصري السريع جداً جداً جداً، فعلى العلماء وعلى الباحثين أن يتراجعوا وأن يُحاوِلوا الاعتصام بمباديء وقواعد في التفسير والتطبيق، كمُحاوَلة تطبيق العلم على القرآن وإلى آخره، وهذه القواعد تضمن دائماً لنا خط رجعة، فمَن ذا الذي يُمكِن أن يزعم أنه يتكلَّم بإسم الله – تبارك وتعالى – وأنه فهم ماذا أراد الله؟!

هذا غرور وعُنجهية، ولأوضِّح هذا الأمر لابد أن أقول أننا لا زلنا بشراً ولا زلنا أُناساً عاديين لم نتخذ صفةً إلهية، فالبشر بشر وسيظل دائماً محدوداً ومُنسَّباً ومشروطاً بظروفه دائماً، وستبقى خبرته العقلية والوجدانية و العلمية والحياتة خبرة محدودة أيضاً ومشروطة دائماً، بلا شك تخضع للصيرورة وتخضع للتقدّم وللتطوّر وتتعمَّق وتتسع ولكنها في نهاية المطاف ستبقى مُنسَّبةً ومشروطة ومظروفة، ستبقى هكذا لأنها ليست خبرة إلهية، إنها خبرة بشرية إنسانية.

بلا شك واضح هذا جداً

وأُحِب أن أقول إذن يوم نزل القرآن الكريم وأشَّر وتقاطع مع أسئلة وجودية وفلسفية وعلمية تحدَّث – مثلاً – عن الأرض وتحدَّث عن ما في الأرض وتحدَّث عن خلق السماوات وخلق الأرض ومُدة هذا الخلق وعن النجوم وعن الكواكب وعن القمر وإلى آخره، فهو تحدَّث عن أشياء كثيرة وكان هذا واضحاً بلا شك، لكن كيف فهم المسلمون هذا؟!
كيف فهم الصحابة أنفسهم بدءاً من الصدّيق وانتهاءاً بأصغر صحابي هذا؟!

قطعاً فهموا هذه الآيات فهما مشروطاً بحجم المعرفة الكونية المُتاحة لهم طبعاً، مُستحيل أنهم انتزعوا معرفة خارج سياق العصر وأكبر من سياق العصر يلتقون بها – مثلاً – مع أفكار أينشتاين Einstein في القرن العشرين أو أفكار هوكينج Hawking أو العلماء الكبار في الكونيات والفيزياء والرياضيات، يستحيل هذا فلا يُمكِن حرق المراحل، فهكذا كانت معرفة مُنسَّبة مشروطة بظروف عصرهم، وبلا شك في نظر علماء العصر وفي نظرنا نحن الآن كمسلمين هى معرفة مُغرِقة في البساطة وفي البراءة الطفولية، وتبدو لنا بأثر رجعي سخيفة جداً، فهى معرفة سخيفة ومُضحِكة، وطبعاً لم يبرأ تراثنا من آثار وأخبار تُنسَب إلى المعصوم وهى كذب الحمد لله لأن النبي لم يتورَّط في هذا لكن نحن الذين تورَّطنا، هذا النبي معصوم – صلى الله عليه وسلم – يتبع خُطة القرآن الحكيمة في التأشير وليس في التعيين كما نتورَّط نحن اليوم العلماء والباحثين بإسم الإعجاز وغيره وهذا شيئ لابد أن ننتبه إليه، فهناك آثار وأخبار تُنسَب إلى رسول الله عن الثور بقرنين وبثلاث قوائم وكيف أنه يحمل الكون وعن الأفيال والوعول أيضاً وأشياء كثيرة، وهذه كلها خُرافات وحكايا وأساطير وكلام فارغ ولكن هذه الأشياء تسرَّبت إلى تراثنا الإسلامي في كتب الأئمة من أئمة الحديث وتخاريج الأحاديث، وبعضها أحظى طبعاً ككتاب العظمة لأبي الشيخ الملآن بالخُرافات والأساطير، وهناك قدر غير قليل ولا يُستهان به في معاجم الطبراني وغيرهم، وكذلك الحال في كتب البيهقي وفي كتب المُفسِّرين وأحياناً في علم الكلام، فيُوجَد خُرافات وأساطير عن الكون كثيرة، ولا بأس فكل الشعوب لديها أساطيرها، وهنا في الغرب إلى ما قبل بضع سنين كان يعتقد بعض العلماء أن القمر نوع من المُهلبية أو نوع من الجيلي Jelly، فهو شيئ لا يعرفون حقيقته الكونية ولا يعرفون أنه جرمٌ ضخم مُتحجِّر بل يظنونه شيئاً أشبه بالمهلبية ويظنون أن بعض البقاع التي فيه حبات من الزبيب، وهكذا شاع لدى بعض الناس ولدى بعض الباحثين البُسطاء، تفكير مُغرِق في البساطة، فالبشرية في طفولتها كوَّنت واشتقت تصوّراً للكون كما يفعل تماماً الطفل اليوم والطفل بعد مليون سنة، فكيف ينظر الطفل إلى الكون؟!

البشرية في طفولتها كانت تنظر نفس النظرة، نظرة طفل بسيط خالٍ من المعارف العلمية والفلسفية والأبحاث والتجريب والنظريات المُعقَّدة المُركَّبة، فالبشر كانوا خالين ومن ثم فكَّروا كطفل صغير، وهذا شيئ طبيعي وبالتالي لا يعيب تراثنا، ولكن الذي يعيب أننا نعيش في هذا القرن ونُصِر على هذه الخُطة الخطرة جداً التي لا يستفيد منها لا العلمُ ولا الدين.
هذه المُقدِّمات في الحقيقة تمس الموضوع الذي أحببت أن أُحادِثكم فيه مساً بعيداً أو حتى ربما أقرب من ذلك، على كل حال الآية تقول اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ۩ فلماذا لم يكتف الله تبارك وتعالى بأن يُنزِّل علينا آيات تشريعية وآيات تتعلَّق بالمُعامَلات وبالأخلاقيات؟!

لماذا هذا التأشير وهذا التقاطع مع مسائل كونية وفلسفية ووجودية مُعقَّدة؟!

هل الله فعل هذا ليُحيِّرنا وليُذهِلنا ولكي نتهوَّك؟!

قطعاً لأ، ولكن الحكمة الأولى – والله تبارك وتعالى أعلم – من باب الإشارة ولفت النظر إلى الدلائل، فهذه دلائل على عظمته وعلى صنعته – لا إله إلا هو – وعلى إبداعه وعلى اقتداره وعلى سعته، فالآية التي تقول اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۩ تُفهِم أنها ليست سماءً واحدة وإنما سبع سماوات – والسماء تُذكَّر وتُؤنَّث والأفصح تأنثيها ولكن كلاهما صحيح، فنقول ليست سماءً واحدة أو ليس سماءً واحداً – وفي ذلك إشارة إلى سعة الله، فأول شيئ يُشار إليه هو هذه السعة، حيث يُوجَد سعة في الخلق، فإذا صح أن كل هذا الكون الذي يتناوله علم الفلك وعلم الكونيات – الكوزمولوجي Cosmology – هو السماء الدُنيا فقط – سماء واحدة – فمعنى هذا أن هذه الـ “سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۩” لا يعلم سُحق وعُمق امتدادها وتراميها إلا الله تبارك وتعالى، فيُوجّد عوالم يُريد الله أن تكون، قال الله أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ۩، والله يصف السماء أيضاً قائلاً وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ۩، فليس فيها تشققات وإنما فيها تماثلية عجيبة جداً جداً حيَّرت علماء الكونيات وعندهم نظريات في هذا الصدد عن تماثلية البنية – Structure – السماوية، فعهى تماثلية غير عادية، مثل نظريات جولدين Golden وغيره وهى نظريات مُعقَّدة ولطيفة جداً أيضاً.

النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن جابر بن عبد الله يقول عليه الصلاة وأفضل السلام: إِذَنْ لِيَ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ – الله أذِنَ له بذلك وقال له افعل هذا لأنني أُريد هذا، فلابد أن تفتح أعين هؤلاء الذين لا يكادون يهتمون بشيئ خارج نطاقهم المحدود جداً – ما بين شحمة أُذنه وعاتقه مسيرةُ سبعمائة عام”، فالإنسان قد يُولَد وقد يعيش ويموت ويُدفَن في قرية لم يُغادِرها إلى غيرها، فتكون حدود الكون عند هذا المسكين هى حدود قريته طبعاً، فهذا لو نقلناه على طائرة كونكورد Concorde إلى إحدى عواصم العالم المُتقدِّم قد يُصاب بصدمة حضارية ولا يعود إليه عقله بعد ذلك، قد يُجَّن حقيقة وقد حدث هذا مع طلّاب كانوا الأوائل على بلادهم وأُصيبوا بصدمة حضارية وجُنّوا فعلاً، لأن الواحد من هؤلاء يعيش في قرية مسكينة بسيطة وهو يتخيَّل أن الكون كله مُجرَّد شيئ أكبر من حجم هذه القرية ببضع مرات فقط وليس أكثر من هذا، ولكن اليوم علماء الفلك أخرجونا إلى عالم وسيع جداً جداً جداً تُشكِّل فيه الأرض ذرة أو حبة تُراب أو أقل من حبة تُراب في المُحيط الكوني العجيب!

فالنبي إذن يقول في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود وهو صحيح كما سأتلو عليكم “أُذِنَ لي أن أُحدِّث عن مَلَك – قال هذا مَلك، الله وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۩،فهذه الأملاك لا يعلم أعدادها إلا الله تبارك وتعالى – ما بين شحمة أُذنه – الشحمة هى هذا الجزء الطري المُتواجِد عند الأذن – وعاتقه مسيرةُ سبعمائة عام”، وهذا في زمانهم كان شيئاً مهولاً جداً، ولو حدَّثت أحد علماء الفلك ربما قبل خمسائة سنة كان سيقول لك هذا كذب على نبيكم – إذا صدَّقت بنبوته – وكلام فارغ، فالكون أصغر من هذا بكثير، لكن اليوم لو حدَّثت عالماً في الفلك والكوزمولوجي Cosmology سوف يقول لك هذا الشيئ بسيط جداً جداً جداً بل هو لا شيئ، فمسيرة خمسمائة بالضوء وليس بالفرس المُضمَّر هى ولا شيئ، فهذا الشيئ بسيط جداً جداً جداً، فالعلماء يتحدَّثون عن مسافات تصل إلى أربعة عشر ألف مليون سنة ضوئية، قال الله أَفَلَمْ يَنْظُرُوا ۩، فهذا هو اللفت وهذا هو الذي يُريده الله، قال ابن كثير عن حديث أُذِنَ لي أن أُحدِّث “إسناده ثقات”، وقال ابن حجر الفتح “على شرط الصحيح”، فهذا حديث صحيح والنبي قال به، وهذا هو حال مَلك واحد.
وقد أخرج ابن المُنذر وابن جرير وغيرهم كثيرون عن أبي ذر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أنه قال سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الكرسي، فهناك كرسي لأن الله قال وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ ۩، فإذا كان هذا شأن الكرسي فما هو شأن العرش؟!
العرش أعظم كثيراً من الكرسي بكثير، قال أبو ذر “فقال لي ما السماوات السبعُ ولا الأراضون السبعُ إلى الكرسي إلا كحلقة مُلقاة بأرضٍ فلاة”، أي مثل خاتم في صحراء، والصحراء هى الكرسي، أما السماوات السبع والأراضون السبع فهى الخاتم، ثم قال صلى الله عليه وسلم “وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة”، فالعرش أكبر من هذا كثيراً، وهذا يُحاوِل أن يفهمنا معنى اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩، فما دلالة أنه اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩؟!

هذا العرش يُعَد شيئاً كبيراً فهو ليس شيئاً بسيطاً، هو ليس قلب إنسان أو ناصية دابة أو إنسان، فالعرش شيئ مُخيف وقد يكون أعظم الأجرام المخلوقة لله، أي قد يكون أعظم جرم خلقه الله – تبارك وتعالى – هو العرش والله أعلم!

إذن الرسول قال له “وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة”، أي أن الكرسي في العرشمثل خاتم في صحراء أيضاً، فالصحراء هى العرش والخاتم هو الكرسي، والسماوات السبع والأراضون السبع في الكرسي مثل خاتم في صحراء، ولك أن تتخيَّل هذا، هذا شيئ عجيب، لا إله إلا الله، وهذه الأشياء دينية لأنها نصوص دينية نبوية معصومة، وهذا تقشعر منه الأبدان، فلماذا كل هذا إذن؟!

هذه نصوص تقشعر – والله العظيم – منها القلوب والأرواح أمام عظمة الله وجلال الله وقدرة الله وسعة الله لا إله إلا هو، فما هذه السعة والقدرة والتدبير التي عند الله لا إله إلا هو؟!

إذن القرآن صريح وواضح هنا وكذلك الأحاديث النبوية صريحة ومُباشِرة هنا، فهى تُريد أن تكسر الشرنقة وأن تُمزِّق هذه الشرنقة التي تُشرّنِقنا ومن ثم جعلتنا نُفكِّر بطريقة محدودة وسخيفة دائماً ، فهى سخيفة جداً وبسيطة وطفولية صبيانية غريرة لا علاقة لها بالفكر العميق ولا علاقة لها لا أقول بالتطابق مع حقيقة الواقع وإنما بمُقارَبة شيئ من عظمة هذا الواقع المخلوق لله، فهذا تفكير سخيف إذن، ومن هنا مثل هذا التفكير السخيف لا يُنتِج إيماناً عميقاً جداً بالله وإنما يُنتِج إيماناً بسيطاً جداً وسطحياً وسخيفاً أيضاً طبعاً، فإيمان الإنسان يكون على قدر تصوّراته وعلى قدر معارفه، ولذلك إله كل واحد منا يختلف عن إله الآخر – كما قلت غير مرة – طبعاً، فمُستحيل أن محمداً- صلى الله عليه وسلم – كان يُؤمِن بالله بالكيفية التي يُؤمِن بها واحد من الناس العوام من المسلمين، فهذا مُستحيل.

الله في ذاته واحد – لا إله إلا هو – ولكن الله بالنسبة إلينا مُختلِف طبعاً، ولكي نكون دقيقين لابد أن نقول أن عند كل أحد من الناس صورة عن الله تتناسب مع معارفه ومع حالته المعرفية والإيمانية، ولذلك بعض الناس له مقام عجيب عند الله – تبارك وتعالى – ومن هنا أنت تستاءل: لماذا أُوتيَ هذا المقام؟!

هذا مقام عجيب جداً جداً جداً وعزيز على الله وغالٍ ونفيس، فإن دعاه المرء فيه لبّاه وإن استنصر به نصره، فمَن آذاه دخل في حرب مع الله، وغيرها من الأشياء العجيبة حيث يفتح عليه ويُؤتيه أو يكلأه ، لأنه عارف بالله بل هو مُستغرِق في عظمة الله ويعيش من أجل هذا ويعيش بهذا، فهو ليس مُستغرِقاً في الفرش والبطن والمنزلة والمنصب والحيثية والفلوس والكونتو Conto وهذا وهذاك وتلك وهذه والكلام الفارغ الخاص بأطفال الناس، فلا زال مُعظَمنا أطفال.

العارف بالله يعيش في مُستوى مُختلِف تماماً وبالتالي هو في واد والناسُ والعالمُ في واد وذلك بحسب المعرفة، فنسأل الله أن يفتح مسامع قلوبنا لذكره وأن ينفحنا من أسرار قُدسه ما يُلحِقنا ببعض هؤلاء العارفين ولو بأدنى درجاتهم وإلا فيا حسرةً على العمر يمضي سبهللة.

مُقارَبة الآيات القرآنية بطريقة علمية لنعرف ماذا يقول العلم هى مُقارَبة من حيثُ الأصل مشروعة بل لابد منها، فهى ليست مشروعة فقط بل لابد منها ولا فرار منها وبالتالي يجب علينا أن ننتبه إلى هذا، فالصحابة أنفسهم وغير الصحابة مِمَن هم دونهم بلا شك لم يجدوا مناصاً مِن أن يُقارِبوا هذه الآيات المُتقاطِعة مع اهتمامات علمية وفلسفية بحسب شروطهم المعرفية وبحسب معارف عصرهم، فهم سيُلزَون إلى هذا لزاً وسيُضطَرون إليه، وأنت تنشر المُصحَف أمامك وتقرأ آيات عن السماوات والأرض فمُباشَرةً ستنعكس ترجمة تأويلية أو تفسيرية لها في دماغك بحسب قاعدتك المعرفية وبحسب معلوماتك في علم الفلك وفي علم الجيولوجيا Geology وتاريخ الأرض، شئت أم أبيت هذا يحدث مع كل أحد صحابياً كان أم غير صحابي!

إذن هذه المُقارَبة المشروطة بالمُستوى الذي بلغه وحقَّقه العلم في مُقارَبة الحقيقة الكونية لا أقول فقط مشروعة بل لابد منها، ولكن غير المشروع هو أن نقول أنها آخر مُقارَبة ونُقطة وينتهى التأويل وينتهى التفسير، هذا غير صحيح، فهذه مُقارَبة زمنية عصرية موقوتة ونسبية، فمن المُمكِن أن نقول بعد خمس سنوات أو ثلاث سنوات أو مُمكِن حتى بعد شهرين أن نقول “هذه المُقارَبة غير صحيحة وخاطئة، فهيا نُقارِب الآية إذن من المنظور الجديد”، إذن هى مُجَّرد مُقارَبات، فحين نتخلّى عن المُقارَبات لا نتخلّى عن الآية وإنما نتخلّى عن فهمنا للآية، وهذا هو التواضع العلمي، علماً بأن العلماء في العلوم البحتة والتطبيقية يتميِّزون بمثل هذا التواضع، ليس العلميين العلمويين وإنما العلماء، فالعلموي هذا شيئ آخر وهو مُتبجِّح على عكس العالم الذي عنده هذا التواضع، فعلى العالم المسلم والباحث والمُفكِّر المسلم أن يتميَّز بهذا الحذر وهذا الحرص وهذا التواضع العلمي والمعرفي لكي نتخلّى عن مُقارَباتنا ونتخلّى عن فهمنا.

وفي الحقيقة مَن قرأ النظريات العلمية المُختلِفة يعلم أن مُعظَم إن لم يكن كل هذه النظريات ما أوحى بها هو الخيال، الخيال أو الحدس وقوة الحدس وقوة الخيال أوحوا بهذا، علماً بأن العلماء يعترفون بهذا، ومن هنا أحياناً يُصرِّح العالم بالأُسس الخيالية لنظريته ويقول “كنتُ جالساً على شاطيء بُحيرة ورأيت بعض الأصداف تدحوها الأمواج فخطر لي كذا كذا كذا”، ثم ويعطيك بعد ذلك معالم نظرية كاملة لتفسير نشأة الكون مُنتزَعة مِن هذه الحادثة غير الخاصة Non Special Event، فهى حادثة عادية جداً جداً جداً،وملايين البشر يُمكِن أن تتفق لهم ولكن لا تُوحي لهم بشيئ في حين أنها أوحت إلى هذا الشخص بشيئ مُختلِف، فكيف تدحو الأمواج؟!
شيئ قريب من هذا حصل مع أحد عمد ميكانيكا الكم وهو هايزنبرج Heisenberg علماً بأنه تكلَّم عن هذا في كتابه العظيم الجُزء والكل، حيث أنه كان يجلس على شاطيء بُحيرة واتفق له شيئ كهذا، فهذا هو ما سأُحدِّثكم عنه اليوم، وإن شاء الله يبقى بقية وقت لهذا، إذن يُوجَد خيالات واضحة جداً وهذه الخيالات ليس من شأنها أن تكون حقيقة أو حقٌاً مُطلَقاً أبداً بل هى مُجرَّد مُقارَبات ومُحاوَلات قد تصح وقد لا تصح وقد تُقرِّبنا من الحقيقة خُطوة واحدة إلى الأمام بلايين الخُطى وهذا جيد ومُمتاز جداً، والله – تبارك وتعالى – يُريد هذا، وأعتقد أن هذا بعض معنى قوله إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩، إذن ما الذي يعلمه الله؟!

نحن نقرأ من آلاف السنين التاريخ المكتوب للبشر، والبشر ليسوا جنساً طيباً كريماً عابداً مُتألِّهاً بل هم جنس وحشي مُتوحِّش ومسعر حروب وقتّال وفتّاك ومُستعمِر وظالم، فهذا الجنس مُخيف حقيقةً، أكثر الأجناس على وجه الأرض عدوانيةً وفتكاً هو الإنسان، والملائكة صدقت حين قالت أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ۩لأن عنده هذه الخاصية، ولكن علينا أن ننتبه إلى أنه ها هنا اليوم يُشعِل الحروب ويسفك الدماء ويظلم الأبرياء ويهضمهم حقوقهم إلا أنه يتطوَّر تطوّراً غير مسبوق في فهم الوجود وفي فهم الكون، ويتكشَّف عن نظريات غير مُتخيَّلة – أي تفوق الخيال – فهى أكثر من تصوّفية أو أكثر من مُجرَّد تصوّف وإنما هى نظريات عجيبة جداً، فإذن الله يُريد هذا، وسوف نرى ما حكمة هذا، وكل هذا في نهاية المطاف يُساعِد على مُقارَبة العظمة الإلهية زعلى مُقارَبة الجلال الإلهي، فلا يُمكِن أن يُوحي كون القرن الأول الهجري بما يتعلَّق بعظمة الله وجلاله وقدرته وبداعته وبداعة صنعته بمثل ما يوحي كون القرن الخامس عشر الهجري، فهذا يُوحي أكثر من ذلك الكون بليون مرة بعظمة الله، فكون اليوم هو بمثابة شيئ مُذهِل ومُحيِّر اليوم، ومازال الأمر مفتوحاً، فمَن يدري ماذا يحدث بعد ذلك؟!

ربما يأتي يوم بعد مائة سنة أو بعد ألف سنة ينظر فيه العلماءُ إلى كوننا اليوم في القرن الحادي والعشرين على أنه كون كان صغيراً جداً جداً جداً وبسيطاً ومُتواضِعاً، فإذا بالكون شيئ أعظم مِن هذا بكثير، الله أعلم!

إذن الله يُريد هذا، الآية الكريمة تقول قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩، فالإنسان مع كفره وظلمه لا يزال يُحرِّكه ويدفعه الفضول المعرفي – هذا شيئ غريب – والحس الجمالي، فهو عنده هذا الشيئ لأن الله يُريد عبر المعرفة وعبر الجمال أن نُقارِب عظمة الله، ونحن نرى سيء الذكر المُجرِم القتّال المُغتال إيهود باراك Ehud Barak وهو يُمارِس دور الموسيقار الكبير وهو يلعب على البيانو Piano، فهو عنده هذا، هو قتّال وعنده حس موسيقي، وهذا موجود هذا في البشر بشكل عام، فتجد الواحد منهم وهو قتّال ومُجرِم وسكّير وخمّير ولكن عنده فضول معرفي غير عادي، فضول استثنائي لمعرفة الحقيقة الكونية، إيفرت Everett مثلاً – أشرت إليه مرة إشارة واحدة – مات ولم يُكمِل الثانية والخمسين من عمره تقريباً، علماً بأنه كان من مواليد ثلاثة وثلاثين ومات ثمانية وثمانين، وكان رجلاً سكّيراً فتخلّى عن ولديه، ومن هنا ابنه حين وجده مُلقاً ميتاً قال “لم ينتابني شعورٌ خاص أو شعور غير عادي تجاه هذه الجثة الباردة”، فالذي مات هو مَن يُقال أنه أبي، فلا علاقة لي به لأنه لم يضمني مرة”، لكن إيفرت Everett عنده عقل ضخم غير عادي وعنده نظرية لم يستوعبها علماء عصره ولكنهم استوعبوها بعد أربعين سنة أو ثلاثين سنة تقريباً وهى نظرية الأكوان المُتعدِّدة، وهذه النظرية هى بعض ما أحببت أن أتكلَّم فيه اليوم، قال الله خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ۩،فما هى قضية السبع سماوات؟!
ما هى قضية الأكوان فعلاً المُتعدِّدة؟!

سنختصر وسنُحاوِل أن نُبسِّط قدر الإمكان إن شاء الله تبارك وتعالى، فباختصار سنقول أن الآن في ثورة الثمانينيات في الفيزياء نشأت أو انبثقت نظرية تُسمى نظريةالأوتار الفائقة Superstring Theory، لكن ما هى نظرية الأوتار الفائقة ؟!

عبر عقود طويلة كانت البداية مع المدرسة الملطية والطالسية قبل الميلاد ببضع مئات السنين، فكان البشر يعتقدون أن كل شيئ مُكوَّن من دقائق صغيرة جداً جداً أسموها الذرات، فإذا بالذرات تنفجر عن عالم من الجُسيمات الدقيقة، وعددها الآن تقريباً بلغ مائتين، جاءت نظرية الأوتار في الثمانينيات لكي تقول “هذا خطأ كبير، فلا يُوجَد ذرات ولا دُقيقات صغيرة ولا جُسيمات مثل الإلكترون Electron والبروتون Proton والميزون Meson وإلى آخره، فهذا غير صحيح ولكن يُوجَد أوتار فائقة، ويُوجَد وطبعاً حجوم لا مُتناهية في الصغر – فلا يُوجَد أي عرض أصلاً ، ولكن يُوجَد طول هائل غير مُتناهٍ للوتر”، ولكن ما هى نظرية الأوتار هذه؟!

علينا أن ننتبه إلى أن هذا خيال هنا وأن هذه ليست فقط نظرية كبيرة بل هى خمس نظريات، فالأوتار خمس نظريات وليست نظرية واحدة، علماً بأن الذي أوحى بها هو العمل الموسيقي، وفحوى هذه النظرية أن الكون كله عبارة عن سيمفونية Symphony ويُوجَد طبعاً ألحان Harmonies وتواقيع، وهذه تنتج بالضرب على أوتار هذا الوجو ، فهذا هو فقط التقريب الأدبي للنظرية العلمية الرياضية المُعقَّدة، وأُنشئت فروع خاصة من الرياضيات لمُقارَبة فكرة الوتر الفائف، فهذا شيئ مُعقَّد جداً جداً جداً جداً، ولكن هذا هو التقريب الأدبي البسيط للأوتار، وهكذا هو الكون كله، وبعد ذلك دغدّغ العلماء أو خيالهم أملٌ كبير وهو أن تتفق نظرية الأوتار مع نظرية الانفجار الكبير البيج بانج Big Bang التي حدَّثتكم عنها غير مرة، ومن هنا هم قالوا “إذا اتفقت هذه مع هذه سنصل إلى حلم أينشتاين Einstein”.

العالم الكبير الضخم أينشتاين Einstein اشتغل ثلاثين سنة مُتواصِلة، فهو قضى آخر ثلاثين سنة من حياته وهو يعمل ليل نهار وفشل لكنه فشل، مات وترك مخطوطةً تُنادي عليه بالفشل لأنه لم يستطع ولم ينجح وإن أحب أن يصل إلى نظرية واحدة تُفسِّر كل شيئ في الكون، أراد أن يبحث عن نظرية واحدة وربما تُختزَل في مُعادَلة واحدة بسيطة مثل مُعادَلته الشهيرة E = mc2 ولكنه لم ينجح في هذا، والعلماء ظل يُراوِضهم هذا الأمل المُتعلِّق بالنظرية المُوحِّدة العظيمة أو نظرية كل شيئ Theory of Everything فقالوا “إذا اشتغلت هذه مع هذه جيداً بشكلمثالي Perfectly فسوف نصل إلى تفسير كل شيئ”، وعملوا على ذلك زُهاء عشر سنوات بسبب محبة العلم، وبعد عشر سنوات كانت الكارثة حيث أنهم وصلوا إلى طريقٍ مسدود، فنظرية الانفجار الكبير أو الـ Urknall أو البيج بانج Big Bang أو الفرقعة العُظمى أو الرجة الكُبرى عانت من لُغز كبير جداً جداًلم تستطع أن تحله، فهى إسمها الانفجار الكبير ولكنها لا تُخبِرنا شيئاً عن تلك الرجة، فلم تقل كي حدثت ولماذا حدثت وما هو السبب الذي أحدثها، وذلكم أن العقل العلمي – كما قلت أكثر من مرة – يقف عند حدود مُعيَّنة في الزمان وفي الفضاء لا يستطيع أن يتعداها، فيُوجَد – مثلاً – جدار بلانك Planck Wall وزمان بلانك Planck time، فالعقل العلمي هو عقل جبّار ومن ثم يستطيع أن يتحرَّك في حدود عشرة أُس ناقص خمسة وثلاثين من الثانية بعد الفرقعة .

بعد ما حصلت الفرقعة احسب خمسة وثلاثين من مائة تريليون – التريليون هو عشرة أُس اثني عشر – تريليون تريليون بليون من الثانية مثلاً وإلى آخره، احسبها لأنها سهلة وسوف تجد أن العقل بدأ يشتغل الآن وبالتالي من المُمكِن أن نعرف ما الذي حصل، لكن ماذا عن ما كان يحصل قبل ذلك؟!

فهؤلاء العلماء لا يعرفون ماذا كان يحدث قبل ذلك ولا ما كان يحصل لحظة الانفجار نفسه، ولذلك هذه اللحظة وهذه النُقطة التي انفجرت تُسمى النُقطة ذات القيم غير المُعرَّفة أو غير المُعرَّفة Singularity، وإلا كيف تُعرِّفها؟!

بأي رياضيات يُمكِن أن تُعرِّفها؟!

هذا مأزق كبير جداً جداً هنا، ومن ثم نظريات الوتر أو نظرية الأوتار عانت من مأزق آخر، فكلما حاولت أن تُقارِب هذا المُشكِل وأن تحله تعدَّدت النظرية، فإذا لدينا نظريتا أوتار فائقة ثم ثلاث نظريات ثم أربع نظريات ثم خمس نظريات، وهذه كانت الكارثة بالنسبة للفيزيائيين، هذه كارثة كُبرى لأننا كنا نُريد أن ندمج البيج بانج Big Bang مع الأوتار الفائقة Superstring ونخرج بنظرية واحدة، لكن نظرية الأوتار أتت وأصبحتخمس نظريات، وهذا هو الشيئ الذي لم يكن يحلم به العلماء فأصابهم شيئ كاليأس .

ودخل على الخط هنا نظرية الجاذبية الفائقة Supergravity Theory، وهذه منحة علمية غربية، والآن سوف ترون النتيجة المُذهِلة بخصوص الآيات والأحاديث، فهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق ولكن تبقى مُحاوَلة نسبية لمُقارَبة النص الإلهي، إذن ما حدث أن نظرية الجاذبية الفائقة Supergravity Theory دخلت على الخط، علماً بأن هذه النظريات كانت في خصام مع نظريات الأوتار مع أنهما تقريباً مُتطابِقتان، ولكن هناك نُقطة واحدة يفترقان عندها في خصومة كُبرى، فنظرية الأوتار الفائقة تقول بأن الكون يحتوي على عشرة أبعاد – Ten DimensionsأوZehn Dimensionen – حسبما قال العلماء، لكن نظرية الجاذبية الفائقة Supergravity تقول ” أحد عشر بُعداً”، إذن نُقطة الخلاف في البعد الحادي عشر، فهم يتفقون من الأول إلى العاشر لكن في الحادي عشر تقف أو تنتصب نظرية الجاذبية فتقول “أنا أقول بالبُعد الحادي عشر”، نظرية الوتر الفائق تقول “هذا كلام فارغ، لا يُوجَد بُعد حادي عشر”.

بعد عشر سنوات بعد أن خامرهم اليأس اقترح بعض أصحاب نظريات الأوتار الفائقة شيئاً فقال: لم لا نتواضع ونُحاوِل التسليم افتراض صحة البُعد الحادي عشر .

فعلوا ذلك وبمن ثم بدأت المُعادَلات تشتغل وكانت النتيجة أكثر من مُسعِدة أو سعيدة وأكثر من مُفاجئة، فالخمس نظريات في الوتر الفائق أصبجت نظرية واحدة وبالتالي انحلت المُشكِلة، وكل شيئ أصبح مُتسِقاً، إذن يُوجَد خمسة وجوه مُختلِفة لنظرية واحدة وبإطار عمل – Framework حسبما يُسمونه في الفيزياء – واحد وهو الوتر المُتذبذِب Graviting String وهذا شيئ عجيب وجميل جداً، والآن يُوجَد اختبار جديد لهذا الشيئ، فلابد أن نختبر صحة هذه التوليفة الجديدة الآن، فأولاً هذا الاختبار له علاقة بالجاذبية، علماً بأن قوة الجاذبية من بين القوى الأربعة – الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة والضعيفة الـ Weak Force وقوة الجاذبية – المُسيّطِرة على الكون هى الأضعف، إذن قوة الجاذبية هى أضعف قوة على الإطلاق فواضح طبعاً أنها ضعيفة جداً جداً جداً، صحيح هى تُمسِك الأرض في مدارها حول الشمس وتُمسِك الشمس في موضعها من المجرة وتُمسِك كل الأجرام فتكون مُتموّضِعَة في مواضعها وتُمسِكني على الأرض وتُمسِك كل شيئ على هذا الكوكب ولكنها تسمح لي بأن أنحني إلى أسفل لألتقط الخاتم مثلاً، وهذا يدل على أنها ضعيفة جداً لأنني أُمارِس قوة جذب على الأرض، والأرض تُمارِس قوة جذب – مثل نيوتن Newton – علىّ ، ومع ذلك لا تستطيع أن تمنعني أن أركع وأسجد وأن ألتقط الخاتم، فهي ضعيفة جداً جداً جداً بل هى أضعف مما نتخيَّل، وهذا بُرهان علمي ومن هنا اقترح بعض العلماء أن سبب الضعف يعود إلى أنها مُوزَّعة على كل الكون أو كل أرجاء الكوزموس Cosmos، وبالتالي هذا هو سبب الضعف، لكن لم يكن هذا مُقنِعاً حتى النهاية، والآن خطر لعلماء التوليفة الجديدة أن يقولوا ماذا حدث للوتر في النظرية الجديدة المُولَّفة من ست نظريات – خمس نظريات أوتار فائقة ونظرية الجاذبية الفائقة Supergravity – حيث أنه كفَّ عن أن يكون الوتر الهزّاز Vibrator المعروف لنا، فهو ليس وتراً وإنما غشاء A Membrane، فلا يُوجَد عرض تقريباً أما الطول فلا مُتناهٍ، وهذا الغشاء هو عبارة عن كوننا، فكوننا كله غشاء ولذلك سُميت نظرية نظرية الغشاء M-theory، وتندَّر بعض العلماء على نظرية الإم M وقال “ليس شرطاً أن تكون M بمعنى غشاء Membrane، من المُمكِن أن M تعني Magic بمعنى النظرية السحرية أو نظرية السحر، ومُمكِن M تعني Majesty بمعنى نظرية العظمة والجلال الكبير، ومُمكِن M تعني Madness بمعنى نظرية الجنون لأن هذا شيئ يفوق الخيال، ومُمكِن أشياء كثيرة، ولكن هذا ما تُعطيه الرياضيات وأكثر”، علماً بأن هؤلاء علماء كبار جداً جداً جداً في بريطانيا وأمريكا وأوروبا، فأضخم علماء في العصر يشتغلون على الـ M-theory، ودخلت على الخُط هنا دكتورة في العقد الخامس من عمرها في الفيزياء تُحِب تسلق الجبال وهى عالمة من هارفارد Harvard تُدعى ليزا راندال Lisa Randall، هذه العالمة تُحِب تسلّق الجبال وترى أن أكثر من بديع أن الأرض بجاذبيتها مع جرمها الضخم جداً تُمكِّننا أن نتسلَّق أيضاً الجبال، فالجاذبية ضعيفة جداً، وعادت إلى سؤال الجاذبية وتساءلت بفضول علمي: لماذا الجاذبية مهضمومة الحظ وضعيفة بل هى أضعف؟!

بدأت تدرس هذه الدكتورة وخطر لها أن السبب في ضعفها قد يكون ربما لأن الجاذبية تتسرَّب في الكون وتتسرَّب من الأجرام، فهذا مُمكِن إذن، والآن هى وقعت على نظرية نظرية الغشاء M-theory، وبحسب نظرية الغشاء في طرف هذا الغشاء يُوجَد كوننا Unser Kosmos وفي الطرف الآخر احتمال كبير أن يكون موجوداً كونٌ آخر موازٍ Parallel حسبما تقول النظرية، فمن المُمكِم أن يُوجَد كون آخر في الطرف الآخر لهذا الغشاء اللامُتناهي الطول، فهى قرأت هذا ومن ثم خطرت لها فكرة أُخرى أدق وهى فكرة عجيبة جداً جعلتها تتساءل قائلة: لماذا لا تأتينا الجاذبية من الكون الآخر في طرف الغشاء الوجودي الكوني العظيم هذا وبالتالي حين تأتينا في الطرف الأقصى الأخير تصل ضعيفةً جداً جداً جداً؟!

هذه كلها أفكار وخيالات ولكنها وبرهَنت على هذا ومن ثم كانت هذه صاعقة علمية لأول مرة فبدأت فكرة الأكوان المُتوازية تعود من جديد، فهذه الفكرة قديماً كان يحتكرها الرُهبان وعلماء الدين والصوفيون، وفعلاً كانوا يتكلَّمون عن أكوان مُتوازية وحيوات مُتعدِّدة وأكثر من على عكس العلم الذي كان آخر شيئ يود أن يتورَّط فيه هو أن يتكلَّم عن أكوان مُتوازية، فهذا أكثر شيئ كان يكرهه ولكنه الآن اضطُر بالحسابات أن يتكلَّم عن أكوان مُتوازية، فإذا بهذه الأكوان ليست كونين فقط ولكنهم قالوا “نظرياً يُوجَد عدد لا نهائي من الأكوان المُتوازية”، والآة لو جاء عالم كونيات Cosmologist مسلم وأحب أن يُدلي بشيئ فهل يُمكِن أن يخدمه القرآن هنا بشكل واضح؟!
القرآن سيقترح عليه قائلاً “لا تتحدَّث عن عدد لا نهائي من الأكوان المُتوازية، تحدَّث كحد أعلى عن سبعة أكوان وقطعاً ستنجح”، فهذه تأشيرات ومن المُمكِن أن نستفيد منها دون أن تقول لي أن هذه النظرية تتفق مع القرآن بالكامل، فهذه مُجرَّد تأشيرات يُعطيك إياها القرآن، فالله يقول سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ۩،ومن ثم التزم في حدود هذه الإشارة وسوف تخرج بشيئ صاعق، فأنا مُتأكِّد لو وُجِد عقل نشيط لديه القدرة على أن يعمل فإنه سوف يخرج بشيئ صاعق وسوف يتبرّهن هذا رياضياً بطريقة أو بأُخرى.

إذن هم يتحدَّثون عن أكوان مُتوازية بلا عدد، وليس هذا العجيب ، العجيب الآن أنهم يقولون شيئاً مُحيِّراً جداً وهو أن كل ما كان يُمكِن أن يحصل في كوننا يحصل في هذه الأكوان، مثل العالم المشهور جداً جداً جداً آلان جوث Alan Guth الذي قال أن كل ما كان يُمكِن أن يحصل هنا فإنه يحصل فيها، فمثلاً محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه هُزِموا في أُحد لكنهم في كون موازٍ آخر سوف ينتصرون وسوف تُهزَم قريش، في الكون هذا – مثلاً – مات ضياء الحق في الباكستان مغدوراً بالهليكوبتر Helicopter لكن في كون موازٍ آخر لا يزال ضياء الحق وربما يكون على رأس الحكم شيخاً هرِماً كبيراً في السن في الكون الآخر، في هذا الكون سقط ابنك في الامتحان وطلَّقت أمه من وراء جريرته لكن في الكون الآخر حصل على المركز الأول على مُستوى المدرسة وتوطَّدت العلاقات، وهذا شيئ عجيب ولكنه يصدر عن عالم كبير وفيزيائي ورياضياتي ضخم، فهذا ليس مُتصوِّفاً وليس إنساناً مهبولاً أو شاعراً، وإنما هو عالم ويتكلَّم بلغة الفيزياء والرياضيات ويقول “هذا ما تقوله النظرية، فكل شيئ مُحتمَل وكل شيئ مُمكِن”، والآن لا نملك فعلاً إلا أن نُسبِّح بعظمة الله وبحمد الله – تبارك وتعالى – حين نقرأ الحديث الذي ضاق عنه – مثلاً – أُفق الإمام البيهقي وكل علماء الإسلام حيث أنني لم أجد عالماً قبله والحديث إسناده صحيح ومُمتاز ولا يُوجَد فيه – والله – أي مُشكِلة، فهو حديث بإسناد عن أبي الضُّحَى – علماً بأنني حدَّثتكم عنه مرة – الذي يروي عن شيخه وأستاذه عبد الله بن عباس – رضيَ الله تعالى عنهم أجمعين – قائلاً أن ابن عباس في آية سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ۩ قال “سبعُ أراضين، في كلٍ نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وموسى كموسى وعيسى كعيسى”،وفي رواية “وابن عباس كابن عباسكم”، فما هذا؟!

كيف اتسع عقل الحبر العظيم وعقل العلّامة الكبير لهذا الكلام؟!

هذه دعوة رسول الله، فماذا عن رسول الله نفسه الذي قال لك “أُذِنَ لي أن أُحدِّث”؟!
هذا شيئ كبير ومُستوى مُختلِف تماماً لا يخطر على بال بشر، وهذا هو ابن عباس ووضع ابن عباس وعقله العرفاني الرباني الذي يتسع لهذه الأشياء فلا يراها أشياء تفوق الخيال أبداً ولكنه يقول لك أن هذه وقائع، وهكذا هو الخلق الإلهي، وهذه هى الأكوان المُتعدِّدة، ولكن بحسب العلم تتكامل الأحداث ومن هنا قال لك جوث Alan Guth “وكل ما كان يُمكِن أن يحدث يحدث في أكوان أُخرى”، فلا إله إلا الله، إذن كم مصير لي كعدنان ولك كمحمد ولها كسلوى مثلاً؟!

لا يعلم هذا إلا الله، فبحسب القرآن من المُفترَض أن يُوجَد – مثلاً – سبع مصائر أو سبعة وجوه للمصير، وبحسب النظرية عدد لا نهائي، ومن هنا قد يقفز أحدكم ويقول أن هذا يُؤشِّر إلى آية أُخرى مُباشَرةً تتقاطع مع موضوعنا فالله يقول يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ۩، فجميل جداً أن نفهم هذا، والرسول أكَّد لنا أن أقدار الله تبارك وتعالى – تتغيَّر، وهذا شيئ عجيب وهو عكس ما نعتقد وما عُلِّمنا عبر حياتنا كلها، فالرسول يُؤكِّد أن كل شيئ يتبدَّل بما فيه العمر والشقاوة والسعادة، وأنا أُوافِق على هذا تماماً ولا أستطيع إلا أن أُوافِق على هذا حقيقةً، فأنا أرفض بمدى فهمي الضيق أن أحتفظ بتصوّر لله – تبارك وتعالى – يحد من قدرة الله المُطلَقة ومن كُلية قدرته ومن كُلية مشيئته، أرفض هذا لأن الله ليس كائناً على نحوٍ قريب منا ويعمل بصيغة ميكانيكية أو بصيغة حتمية رهن الأسباب والقوانين فإذا بدأت الخُطوة لابد أن تتلوها الثانية فالثالثة، هذا غير صحيح فهو عالم الطلاقة المُطلَقة – لا إله إلا هو – فضلاً عن أن الأكوان التي خلقها تُعَد شيئاً مُحيراً جداً جداً جداً وخطير، وسوف يتضح هذا إذا قرأت الأكوان المُتعدِّدة لإيفرت Everett، وطبعاً كلها لها علاقة بالفيزياء الكمومية.

خطر لي مرة وأنا في مكة المُكرَّمة – شرَّفها الله وصانها – خاطر عجيب -وأنا أُفكِّر في آية يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ۩، وهذا الخاطر يقول: أنت الآن هنا أمامك عشرة سُبل أو ألف سبيل أو عشرة آلاف سبيل أو عشرة آلاف احتمال إزاء شيئ واحد، فمن المُمكِن أن تفعل هذا أو هذا أو هذا أو هذا أو هذا لكن أنت اخترت بسر الإرادة فيك – وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۩ – أن تسلك هذا السبيل، علماً بأن كل شيئ في الكون مربوط بكل شيئ، فأي شيئ يتخذه أي واحد منا يتوقَّف عليه كل شيئ في الوجود كله علمياً وفلسفياً،فما الذي يحدث إذن؟!

الله هنا يُعيد توزيع الأدوار والأشياء والمصائر والأقدار وفق هذا الاختيار، والمُشكِلة أن هذا الاختيار لا يكون بمُفرَده، فكل واحد منا عنده اختيار، وهكذا باستمرار يُعاد توزيع وخلق وإعادة إنتاج الكون والمصائر بشكل مُستمِر، قال الله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ   ۩فهذا كان بعض ما فهمته فخشع قلبي وكادت روحي أن تُزايلني بسبب هذا المعنى، فهذا المعنى طفح في دماغي – والله العظيم – في لحظة وهذا شيئ عجيب، والعلم الآن يقول شيئاً على هذا النحو تماماً، فالعلم يقول “هكذا تتكامل الأشياء كلها وتتعدَّد في أكوان مُتوازية Parallel Universes لا نهائية، وهى موجودة ويُمكِن أن تتكامل فيها هذه الأشياء”، وطبعاً يُوجَد أشياء فوق التصوّر وفوق الخيال، ولكن هذا أنا أعتقد أن هذا بمثابة خُطوة إيجابية نحو كسر جليد الجمود والتقليد والترداد والتكرار بحيث نقول ما قال الأولون ونُفكِّر كما يُفكِّر الآخرون، وأيضاً هذا الجليد وهذا الجمود وهذه التكرارية المُمِلة المُبتذَلة هى التي تجعلنا دائماً للأسف الشديد نحتفظ بصورة عن الله أو بتصوّر عن الله مُغرِق في التجسيم ومُغرِق في المحدودية ومُغرِق في الأنسنة عن طريق تشبيه الله بالإنسان، وهذا غير مقبول فأنت تتحدَّث عن الله – لا إله إلا هو – الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩، إذن يجب أن نُطوِّر هذا التصوّر وهذا الإدراك دائماً بقدر ما يسمح لنا الخيال وبقدر ما يُعطيه العلم والحقائق أيضاً والأفكار والنظريات والأُطر المعرفية، فنحن دائماً نُقارِب فقط، فهذه مُجرَّد مُقارَبات ومن ثم لم ينته أحد ولن ينتهي أحد!

الذي سيحدث – والله تبارك وتعالى أعلم – ساعة يأذن الله بطي بساط هذه الدُنيا وهذا النوع الإنساني هو أن الإنسان سيكون قد بلغ – كما في علم الله وبتقدير الله تبارك وتعالى – الأمد الأقصى والحد الأعلى الأعظم لمعرفته بنفسه وبالوجود، ولكن السؤال سيبقى مطروحاً: هل سيكون الإنسان ساعتها قد تجاوز نفسه؟!

هذا يستحيل، فلن نتجاوز أنفسنا وسنظل إلى نهاية المطاف خاضعين لخبراتنا ولأُطرنا ولمداركنا ولمحدودياتنا ولكن سنكون تجاوزنا معلومات اليوم طبعاً بمراحل سحيقة وسنكون تجاوزنا أُطر تفكير اليوم طبعاً بمراحل مُتفاوِتة جداً، فسوف نتجاوز الأُطر والأفكار والمناهج والتقنيات والفنيات والعادات والأمزجة العقلية وكل هاته الأشياء ولكن في نهاية المطاف سنظل حبيسين وأسيرين لمحدوديتنا كبشر، فنحن تُراب إزاء رب الأرباب ونحن مخلوقون ولسنا آلهة، وعند تلكم النُقطة سنكون مُقتدِرين على بلوغ أعلى نُقطة يُمكِن للنوع الإنساني أو للبشر أو للإنسان أو لابن آدم أن يبلغها في مُقارَبة الله – تبارك وتعالى – ولكن ما سيحدث للأسف الشديد رغم أن الحُجة ستكون قد قامت تقريباً والأمور شبه تعرَّت هو أن الإنسان سيبقى مُصِراً بغرور وعُنجهية على الكفر والإلحاد والإنكار، لكن الله سيقول قامت الحُجة وانتهى كل شيئ وبالتالي لابد أن يُطوى البساط فيُطوى البساط وبالتالي سيكون هذا مُبرِّراً لأن تقوم القيامة!
أرجو أن نكون خرجنا من هذه الخُطبة فقط بهذا المبدأ الذي أرجو الله أن يكون صحيحاً، وهو أن مثل هذه المُقارَبات تُدغدِغ الخيال وتحفز الحدس وتُحرِّك الفضول المعرفي فينا وتُعطينا فرصة أكثر نُبلاً وأكثر كرامة وسبيلاً أكثر سعةً واندياحاً لقراءة قول مولانا الكريم – لا إله إلا هو – من زوايا جديدة وبإضاءات جديدة وربما بمِزاجٍ عقلي أو علمي ومعرفي مُختلِف عن ما ألفناه، فهذا مطلوب وضروري جداً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (19/3/2010)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليقات 4

اترك رد

  • لسلام عليكم ورحمة الله
    أحيي الدكتور على هذا التحليل الراقي ، أول مرة أجد من علماء الدين من يفكر بهذه الطريقة ، رجعت أحب هذا الدين من جديد ، الحمد لله
    ولكن سؤال
    في يوم القيامة ، هل سوف يكون هناك أكثر من دكتور عدنان ، واكثر من محمد صلى الله وعليه وسلم ،،
    من سيحصل سوف على المقام المحمود ، هل محمد صلى الله عليه وسلم في طرف هذا الكون أم في الطرف الاخر ،،

  • هناك ابحاث لعلماء فلك مسلمين و عرب انتهت الى ان السماوات السبع هى بالترتيب السماء الاولي المجموعة الشمسية و السماء الثانية هى نطاق مجرتناثم السماء الثالثة هى نطاق العنقود الذى يتضمن مجرتنا و هكذا حتى السماء السابعة و التى تبدا من حافة الكون على بعد 17 مليار سنة ضوئية , لا يوجد ما يمنع ان يكون لدينا اكواننا اخري و ازمانا اخرى و عوالم اخرى الله عز وجل القادر على خلق كوننا هذا قادر سبحانه على خلق كونا اواكوانا اخرى غير كوننا المعروف , كما ان المسافات الشاسعة بالكون المعروف لدينا لا تمنع اطلاقا وجود 7 اراضين مثل ارضنا كما انه بنص القران الكريم نحن لسنا الذكى و لا الافضل بل نحن الافضل من كثر اى انه يوجد من هوه افضل منا و لكن ليس كثير و يوجد من هو اقل منا و هم كثيرين , تبارك الله جل جلاله , من يدرس العلوم الطبيعية و الرياضيات لا يملك الا ان يؤمن بالله الخالق القادر القاهر فوق عباده و لا يملك الا ان يتواضع و ان يسبح ليل نهار و يقول لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الضالمين

%d مدونون معجبون بهذه: