إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ۩ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ۩ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

المُؤمِن إنسان نبيل وإنسان كريم وعظيم، المُؤمِن كائن رحيم وكائن أمين عفيف صادق نزيه عادل ومُقتصِد غير مُغالٍ، ضابط لشهوات نفسه ومالك لزمامها فلا يندفع اندفاع الحيوان أو الوحش الكاسر وراء غرائزه الغضبية أو الشهوية، ومن هنا منبع التحضر الإنساني الذي ينتمي إلى كل ما هو إنساني، قد يقول قائل دعاوى عريضة لا نرى لها ترجمةً في واقع مَن يُدعَون مُؤمِنين، ولكن هذا هو المُؤمِن القرآني، هذا هو القرآن، اتركوا حتى كل كلام الفقهاء – ليس كلام المُلتاثين الإرهابيين السفّاكين السفّاحين وإنما اتركوا حتى كلام الفاقهين والعلماء الراسخين – واقرأوا كتاب الله وحده، تالله لو قرأه كافر غير مُؤمِن به وغير مُؤمِن بمصدره وينبوعه لأقر بأن هذا الكتاب يعمل على صياغة وبناء إنسان بهذه الصفات التي ذكرتها وبأمثالها وأمثالها وأمثالها، هذا المُؤمِن قرآنياً، لكن أن يأتي أنفارٌ من الناس ويختطفوا الإسلام ويُصِرون على أنهم صورة المُؤمِن ومثال المُؤمِن فهذا لا يفرح به ولا ينخدع به إلا مُلتاث مثلهم، حتى من أعداء هذه الأمة مُلتاثون، لأن كل أولئكم الذين يتساعدون ويتآزرون ويتصادقون في سبيل تعزيز الحقائق واحترام الوقائع الصلبة الثابتة هم خدموا البشرية، هم البشر، أما أولئك الذين يعملون على تزييف الحقائق وتشويه الوقائع وبالتالي تشويه إدراك البشر وفهم البشر للحقيقة ومُتفرَعاتها فهؤلاء شياطين في مساليخ بشر أو مُلتاثون، بشرٌ يُعانون من اعتلال نفسي واختلال عقلي بمعنى ما من معاني الاعتلال والاختلال، فلسنا من هؤلاء ولا هؤلاء منا.

هذه الآيات إذا ضممناها إلى نظائر كثيرة لها في كتاب الله كالآيات التي صدَّرنا بها الخُطبة السابقة من سورة الشورى وكالآيات الأوائل من سورة المؤمنون – على الحكاية مرفوعة – وآيات أخرى كثيرة سنعرف أن كتاب الله طافح غاص ومملوء بهذه الآي الجليلة الكريمة التي تُحدِّد وتُعرِّف ما هو الإيمان؟ مَن هو المُؤمِن؟ ما هو الإسلام؟ مَن هو المُسلِم؟ القرآن مملوء من أوله إلى أخره بهذا، إذا ألقينا ضوءاً أو تضوّأنا بالأحرى بأضواء وأنوار هذه الآيات الكريمة علمنا أن القرآن لا يُمكِن أن يتصادق وأن يتصالح مع العقليات الأصولية، وأنا لا أتحدَّث فقط عن الأصولية الإسلامية وإن كانت تعنينا في المقام الأول ولكن عن سائر الأصوليات، هناك أصوليات سياسية، الفاشية أصولية والنازية أصولية والصهيونية أصولية، وهناك أصوليات دينية كثيرة، الأصولية اليهودية والأصولية النصرانية والأصولية الإسلامية وحتى الأصولية البوذية والأصولية الهندوسية والأصولية الكونفوشيوسية، أصوليات كثيرة انفجرت في الثلث الأخير من القرن العشرين بشكل لم يكن مُتوقَّعاً، وبَعُدت الشُقة واتسعت الهوة جداً إلى الأمد الأقصى بين المُتدينين أو ذوي العقليات والمزاج الديني وبين العلمانيين أو الدنيويين الذين ظنوا أنهم سيطروا على فضاء التاريخ وفضاء الواقع، خرج لهم هؤلاء الأصوليون بشكل انفجاري، وفي البداية لم يكد هؤلاء الدنيويون يُصدِّقون ما يرون، ظنوا أنهم شئ عابر سريع وسينقضي كعود ثقاب أو كشهاب التمع في ليلة حندس ظلماء ثم اختفى، لكن الأمر تمادى ولا يزال يتمادى.

الذي أُحِب أن أُدير عليه حديثي وأن أجعله محور حديثي في هذه الخُطبة التي أسأل الله أن يُبارِكها وأن ينفع بها هو أن العقلية الأصولية تُفقِدك إنسانيتك، حين تعرف معنى أن تكون إنساناً ستعرف مُباشَرةً أنك لا يُمكِن أن تقبل على نفسك أن تكون أصولياً، ونحن لا نلقي بالكلمات أو بالمُصطلَحات جزافاً كيفما اتفق أبداً، ولذلك سنبدأ من حيث انتهينا في الخُطبة السابقة لنُذكِّر بتعريف الأصولية وبمُحدِّدات الأصولية، عن أي أصولية نتحدَّث؟ طبعاً ليس هناك تعريفٌ واحدٌ مُتفَق عليه، هناك تعريفات كثيرة جداً مُتنازِعة للأصولية، لكن في السنوات الأخيرة صار هناك نوع من التوافق تقريباً بين معظم الدارسين على هذين على المُحدِّدين اللذين بدونها لا يُمكِن أن يُعَد الشخص أياً كان أصولياً، سواء انتمى إلى أصولية كما قلت سياسية أو دينية أو إلى أي أصولية من الأصوليات الكثيرة، المُحدِّد الأول إطلاق النسبي، الأصولي يلعب – كما قلت – في آخر الخُطبة السابقة دور الإله، لذلك هو سخيف جداً، الأصولي كائن سخيف طبعاً، أعتقد أن أي إنسان سوي فينا – أي إنسان سوي بسيط عادي وليس شرطاً أن يكون مُتعلِّماً – حين يتصل حبله بحبل أصولي ما – مسيحياً كان هذا الأصولي ، أو يهودياً أو مسلماً أو غير ذلك – يشعر دائماً وبعمق بشيئ غير إنساني في هذا الشخص، يُوجَد شيئ غير إنسانيي، شئ غير مُحبَّب، يُوجَد شيئ كريه، مهمها حاول أن يُموّه عليك ويدّعي التقوى والورع وخدمة الدين ومحبة الدين تشعر بوجود شيئ كريه، شيئ لا ترتاح إليه، وتستعجب من نفسك وربما اتهمت نفسك هنا بسبب الغلط، لن أقول بسبب الجهل وإن كان يُوجَد الجهل هنا طبعاً لكن سأقول بسبب الغلط وبسبب عدم المعرفة الدقيقة، لا تُوجَد معرفة مُنقِذة كما أقول، المعرفة مُنقِذة لأنها تُسهم بدور إنقاذي دائماً، فربما تتهم نفسك بالنفاق، تقول كيف لا أرتاح لهذا المُتدين بهذا السمت الديني وأرتاح أحياناً لشخص علماني أو ليبرالي أو يساري وأشعر أن فيه شيئاً مُحبَباً؟ أنت غير قادر على أن تُفكِّك هذا وأن تعرف لماذا وما في هذا وما في ذاك، أنا أقول لك ببساطة إذا ارتاحت إلى هذا فهذا لا يزال إنساناً، هو يكون إنساناً إلى الآن، لم يفقد إنسانيته إلى الآن، لم يأت لكي يلعب عليك دور إله، هو إنسان فقط، نعم هو يساري أو ماركسي أو علماني أو ليبرالي أو عدمي أو لا أدري أو أياً كان لكن هو إنسان، يقول لك أنا إنسان ومن المُمكِن أن أكون مُخطئاً، من المُمكِن أن تكون أنت على صح وأنا على خطأ، في يوم من الأيام من المُمكن أن أنقلب وألعب دورك، هذا مُمكِن، وأنت تشعر بشيئ يُحبِّبك في هذا الشخص، لكن هذا الأصولي تشعر أن فيه شيئاً بغيضاً، أنا أشعر بهذا دائماً، طيلة حياتي وأنا أشعر بهذا، من صغري وأنا ابن المساجد أشعر أن في الأصوليين شيئاً كريهاً جداً لا تقبله روحي ولا تقبله نفسي، ما هو هذا الشيئ؟ قلنا إنه محاولة لعب دور الإله الكامل – Perfect – المُطلَق، وكما قلنا هذا سُخف وتفاهة، أن يلعب الأحمق دور فيلسوف تفاهة وسخافة، أن يلعب إنسان دور الله – عز وجل – جنون، ليس سخافة فقط وإنما جنون، لأن الفاصلة – كما قلت لكم – والمسافة بين أحمق وبين فيلسوف تبقى إنسانية، هذا أمر محدود، في نهاية المطاف الأحمق إنسان والفيلسوف إنسان، أليس كذلك؟ بينهما مُشترَكات كثيرة، هناك مسافة بلا شك بين أحمق وبين فيلسوف لكنها مسافة محسوبة أيضاً، هذه ليست كالمسافة بين الله وبين إنسان وهذا الإنسان سيثبت بعد قليل أنه مجنون فقد عقله وبالتالي فقد أعظم مُقوِّم للإنسانية، الإنسان كائن عاقل، أرسطو يقول حيوان ناطق Aristotle، بمعنى عاقل، ناطق هنا معناها عاقل، ناطق لا تعني أنه يتتكلَّم وإنما تعني أنه عاقل، يُؤلِّف المعقولات ويُدرِك المعقولات الأولى والثانية وقادر على التعاطي مع هذه المعقولات، هذا معنى الإنسان كائن عاقل، لكنه صار وراد وعاد ورجع مجنوناً، يُريد أن يلعب هذا المجنون دور الله تبارك وتعالى، ما هى المسافة بين هذا المجنون وبين الله؟ لا نهائية، المسافة بين الإنسان العاقل أصلاً وبين الله لا نهائية، كيف مع مَن جُن يُريد أن يلعب دور إله؟ وهنا قد يقول لي أحدكم هذا كلام كبير ومُبالَغات وغلو، كيف؟ لا أحد يلعب دور الله، لا والله، بالعكس – والله – يلعبون لكن دائماً هم يتورطون في لعب دور إله زائف، لا يُمكِن لإنسان أصلاً – كما قلت لكم -من حيث أتى أن يلعب دور الله لا إله إلا هو، ولذلك هذا الإله الذي يلعب هذا الأصولي وهذا المجنون المُلتاث الوثني دوره هو إله زائف، إله ألعوبة، قال تبارك وتعالى أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ۩، يُوجَد مَن هو هكذا، هو ربه هواه، ويقول لك هذا هو الله والله يُريد هذا والله يأمر بهذا والله يُحِب هذا، يا أخي الله لا يُحِب هذا، تكذب على مَن أنت؟ كلام الله – لا إله إلا هو – بين أيدينا محفوظ مسطور، أنت لا تفقه كلام الله، لا تستطيع حتى أن تفهمه فهماً جيداً وفق قواعده، كيف تتكلَّم بلسان الله؟ هل أنت تغتصب هذا؟ وتجعل تفسيرك هو كلام الله تبارك وتعالى أو مُعادِلاً تماماً لكلام الله، مَن يُصدِّقك إلا المجانين من أمثالك؟ وهؤلاء موجودون فعلاً، من المُؤكَّد المجنون يجتذب المجانين، والعباقرة يغرون العباقرة أمثالهم وعشاق العبقرية، مُستحيل أن ينضوي وأن ينزوي وأن ينحاز إلى مجنون إلا مجانين من أمثاله، ولذلك فعلاً تُنادي عليهم أفعالهم بأنهم مجانين، قطعاً هذه أفعال مجانين، هؤلاء مُصابون بلوثة، إذن المُحدِّد الأول إطلاق النسبي، وكما قلت لكم أيها الأحباب – إخواني وأخواتي – عن إطلاق النسبي أن كل شيئ ينتمي إلى الإنسان نسبي، نحن لسنا آلهة، نحن بشر، بنو آدم، مخلوقات مُحدَثة صاغتها القدرة الإلهية، قال الله وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ۩، أليس كذلك؟ الإنسان ينسى، الإنسان يسهو، الإنسان يغلط، الإنسان يضعف، الإنسان يضمحل، الإنسان يموت، الإنسان يُغدى، يأكل ويشرب ويخرج، هو كائن ضعيف، فيه مميزات رائعة بلا شك جعلته الكائن الأروع في هذا العالم ولكنه في نهاية المطاف كائن ضعيف، كائن مخلوق لله تبارك وتعالى، وهو محدود ونسبي، ليس مُطلَقاً وليس إلهاً، إذا غامر أن يلعب دور إله – ودائماً إله زائف كما أقول لكم – في النهاية هو لن يكون إلهاً – لن يصير إلهاً – ولن يبقى إنساناً، يا للمُفارَقة، سيعود إلينا مجنوناً، دائماً كل مَن يلعب هذا الدور هو مجنون فانتبهوا، مهما موّه عليكم بألفاظ طنانة وعبارات رنانة من مثل الطموح والزعامة والقيادة والمُهِمة والرسالة وتغيير العالم وصياغة العالم وإعادة سبك العالم فهذا كله جنون، هذا كله جنون يغتر به أمثاله من المجانين، وكل هذا لا يعنينا، فأقول لكم كيف يقوم الأصوليون بإطلاق النسبي وهل فعلاً يقومون بهذا؟ نعم يقومون بهذا تماماً، متى وكيف؟ حين يُصدِّرون إلينا فهومهم في النص المُقدَّس على أنها نصوص مُقدَّسة، هل يفعلون؟ يفعلون هذا بشكل واضح، لأن الواحد منهم يقول لك هذا هو الفهم، لا يقول لك هذا هو الراجح أو الأرجح، وإنما يقول هذا هو الفهم، هذا هو الفهم ومَن خالفنا ضربنا عنقه، أي قتلناه، هذا مُراد الله، هذا ما قال الله، يقول قال الله ويأتي بكلامه ثم يأتي بالآية، فهو يزعم بنسبة مائة في المائة أن الله يريد هذا المعنى، مَن قال لك هذا؟ في نهاية المطاف أنت إنسان ولا يُمكِن أن يُتاح لك أن تفهم أي شيئ في الكون إلا وفق حصيلتك المعرفية، ما مقدار المعرفة التي عندك؟ ما مقدار الفهم الذي عندك؟ ما مقدار المعلومات التي عندك؟ ما مقدار سداد المنهج الذي عندك؟ كيف الحال عندما تكون ابن ثانوية عامة؟ حتى الدراسة الجامعية ليست عندك، وأحياناً لا تُوجَد دراسة ثانوية، وحتى لو هناك دراسة جامعية مَن أنت؟ في نهاية المطاف أنت إنسان بسيط ومحدود، كما قال أبو نواس:

فقل لمن يدّعي في العلمِ فلسفةٍ                   حَفِظْتَ شيئاً وَغابَتْ عَنْكَ أشيَاءُ.

هذا الشاعر أحكم منك، لكن هؤلاء يعادلون بين فهمهم وبين النص، كما قلت لكم الرسول – والله – لم يكن أصولياً بهذا المعنى أبداً، كم مرة القرآن راجع الرسول؟ اقرأوا كتاب الله، هذا الرسول وليس الشيخ فلان أو المُرشِد فلان أو القائد فلان أو مولانا فلان أو أبا فلان أو أبا فلانة وعلانة، ما هذا؟ هذا الرسول، قال الله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ۩، وقال أيضاً مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ ۩، فضلاً عن أنه قال يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ ۩ وقال وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ ۩، هذا شيئ مُخيف، آيات تُدمدم كالرعود، على مَن؟ في حق مَن؟ خير البرية – صلى الله عليه وآله وسلم تسلمياً كثيراً – محمد، الله يقول له انتبه تبقى بشراً، نعم أنت رسول لكن قد تُخطيء في اجتهاداتك ويأتي الوحي يُصوب مُباشَرةً، أليس كذلك؟ إذن كيف الحال مع مَن ليس رسول وليس نبياً؟ كيف الحال مع الصحابة؟ أبو بكر – رضوان الله عليه – في أول خُطبة قال أيها الناس أَطِيعُوني ما أَطَعْتُ اللَّهَ ورسولَه فإِذا عَصَيْت اللَّهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم، يا سلام يا أبا بكر، يا سلام يا صديق الأمة، لم يقل أطيعوني على الإطلاق، والله الذي لا إله إلا هو أقرأ لواحد من علماء ودعاة العصر وهو كبير ومُؤسِّس لحركة كبيرة إسلامية أنه – والله – يقول لتلاميذه من أبناء تنظيمه ودعوته هذه مرحلة التكوين – نحن نُكوِّنكم الآن – وشعار المرحلة هو أمرٌ وطاعة بلا تردد وبلا مُناقَشة وبلا مُراجَعة وبلا شك وبلا حرج، إذن أنت إله،أنت تلعب دور الله، لمَن هذا؟ قال الله فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ۩، النبي يقضي بالكتاب وهو نبي، وهو – كما قلت لكم – إذا أخطأ في اجتهاد بسيط يُصحِّحه الوحي، هو أخطأ مرة، وكأين من مرة قصصت عليكم هذه الحكاية المُعجِبة التي تهز الأعطاف، في مرة أخطأ في حق يهودي اتُهِمَ ظلماً فجاءت الآيات تُدمدِم على الذين اتهموا اليهودي ظُلماً، لكن أول الدمدمة كانت على مَن؟ على سيد الخلق، قال الله إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ۩، الله قال له لمحمد أنت دافعت عن الخونة، يا الله، مَن الخونة؟ جماعة من الصحابة الأنصار من أهل المدينة، قال له   هؤلاء خونة، خانوك وخانوا الحقيقة، اتهموا مَن؟ هل اتهموا أبا بكر أو عمر أو علياً أو عثمان أو مُعاذاً؟ اتهموا مَن؟ يهودياً كافراً بمحمد وبرسالة محمد، لكن هذا العدل، قال الله وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ۩، هذا ديننا، هذا إسلامنا، ليس من إسلامنا إذا لم تكن معي قطعت رأسك ثم تقول هذا إسلام فتُضلِّل أبناءنا وبناتنا وتُشوِّه ديننا ونبينا وكتابنا، أي إسلام هذا؟ إنا برءاء منكم ومن هذا الإسلام، هذا يهودي، لا يُوجَد في الإسلام يهودي ومسيحي وكافر ومجوسي، يُوجَد عدل، اليوم ترى من هؤلاء الأصوليين الذين أكلت الأصولية عقولهم ودمَّرت تقواهم إن كان لديهم شيئ من تقوى أن بعضهم – أُقسِم بالله – يكذب على بعض، تركيب صور وفيديوهات ويوتيوبات – نسبةً إلى موقع اليوتيوب Youtube – وما إلى ذلك، شيئ لا يُصدَّق يا أخي، القلب يذوب – والله العظيم – كالملح في الماء، أقول أين أين تقوى الله؟ أين الخشية من الله يا أخي؟ لا تُوجَد خشية ولا تُوجَد تقوى، الذي يُوجَد هو أن أكسرك وأن أُحطِّمك وأن أُشوِّهك بأي ثمن، يا أخي تباً لك إذن، تباً لهذا الدين الذي تزعمه، لست من دين الله في شيء، أنت كذّاب، أنت مُخادِع، أنت صاحب ورع أعمى مُقنَّع زائف، أنت مُمثِّل مسرحي، أنت تكذب على الناس، ووالله الذي لا إله إلا هو ليس لك هدف إلا الهيمنة على الناس أو سرقة أموال الناس، لو كان هدفك رضا الله – تبارك وتعالى – لالتزمت خُطة القرآن في العدل والصدق والتقوى والورع، قال الله وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ – الله يقول لمحمد أنت أخطأت، وقعت في ذنب وفي مأثمة فاستغفر – إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ۩ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ – مرة أخرى يقول هؤلاء خونة – إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ۩، إلى آخر الآيات، آيات عجيبة وهى – والله العظيم – تهز أعطاف كل مَن عرف الله، فلا أدري كم في هذه الأمة مَن يعرف الله اليوم؟ مِن كل طوائفها ومذاهبها كم فيها؟ فيها بلا شك، لكن كم فيها؟ كم من الخيبات وكم من الهزائم وكم من الدمار يجب أن يحيق بنا حتى نعود إلى الله حقاً ونكتفي بهذا التمثيل؟ كفى تمثيلاً يا أخي، هذا تمثيل ديني مُقزِّز، عقود من السنوات ونحن نُمثِّل بإسم الدين وبإسم المشيخة وبإسم العلم، هذا كله تمثيل، لا يُوجَد صدق، ولذلك هؤلاء – كما قلت لكم – يلعبون دور الله الزائف، يُزيِّفون كل شيئ، حين يجعلون فهمهم مُعادِلاً للنص، وتُقتَل عليه بعد ذلك، تُقتَل على فهمهم، يا رجل أنا مسلم مُوحِّد مثلك، أنا من أهل “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، أنا أؤمِن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر، وأستقبل هذه القبلة خمس مرات في اليوم والليلة وأصوم شهرك وأخرج زكاة مالي وأحج البيت، ونحن الآن على مشارف حج هذا البيت زاده الله تشريفاً وتكريماً ومهابةً وبراً، يقول لك لا، في النهاية أنت وهابي وسوف أقتلك، أنت شيعي وسوف أقتلك، أنت أشعري كافر وما إلى ذلك، ما هذا يا رجل؟ هل كل هذا لا يكفي؟ لا يكفي لأنك تختلف معي، عندي اجتهادات مُعيَّنة لي أو لأئمتي أقبلها وأُريدها لكن أنت لا تقول بها ومن ثم سأقطع رأسك، انظروا إلى الظلم.

يا أحبابي أنا مُنفعِل فاعذروني، الله – تبارك وتعالى – يستجيب للمُشرِكين حين يدعونه، هؤلاء مُشرِكون، وما معنى أنهم مُشرِكون؟ آمنوا به، قالوا هو خالق وهو رازق وهو يُحيي وهو يميت وهو مُجيب دعوة المُضطَرين ولكن نحن عبدنا إليه – عبدنا معه وإلى جانبه – آلهةً أخرى تُقرِّبنا إليه، نزدلف بعبادتهم إليه درجات، تقربنا اليه زُلْفَى، هؤلاء مُشرِكون ومن ثم هم في الآخرة خاسرون، مَن قامت عليه منهم الحُجة ولزم شركه خاسر من أهل جهنم، ودعاؤه في النهاية في ضلال، ولن يُخفَف عنه يومٌ واحد من العذاب، لكن بالعقل انتبهوا وانظروا إلى العدل، وهنا قد يقول لي أحدكم هل أنت تتحدَّث عن العدل؟ نعم، هذا عدل إلهي، هذا العدل ليس هو عدل محمد أو عدل الصحابة الراشدين أو عدل العلماء والفقهاء والصوفية والعارفين، هذا عدل رب العالمين، وهنا قد يأتيني شخص مُلحِد – Atheist – ويقول لي أنت تقول أنه هو رب العالمين وأنه الحكم العدل فأليس ثمة فرق بين هذا الوثني المُشرِك وبين المُلحِد بالكلية الذي أنكر حتى وجود الله وقال الله غير موجود ولا يُحيي ولا يُميت؟ تقول الآية الكريمة نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ ۩، هؤلاء هم الدهريون الطبائعيون، كانوا موجودين في العرب على قلة لكنهم كانوا موجودين، ويُوجَد مُشرِك يقول الله موجود والله خالق ورازق ومُحيي ومُميت وكل هذا نُؤمِن به لكن نحن نعبد إله الهُبل واللات والعزى ومناة وهذه الأشياء لأننا تلقيناها عن آبائنا، القرآن بعدله يُفرِّق بين هذا وهذا، ما رأيكم؟ على الأقل تفرقة دنيوية، أي في الدنيا، كيف؟ تحدَّث عن هذا المُشرِك، هذا الذي آمن بك لكنه كان وثنياً ولم يُوحِّدك في العبادة، عبدك وعبد معك سواك، قال لكنه آمن بي وبأنني خلقته وبأنني أحييه وأميته وبأنني أرزقه وبأنني أستجيب دعوته، ولذا حين يدعوني أستجيب له، يا الله، لكن اليوم أبو فلان وأبو علان وأبو تلتان لا يستجيب لك، أنت مُؤمِن ومُوحِّد وتُؤمِن القرآن والسُنة والنبي وما إلى ذلك لكنه يقطع رأسك، لأنك تختلف معه في واحد من عشرة في الألف، في جُزئية صغيرة غير واضحة لك وما إلى ذلك فتختلف معه ومن ثم يُريد أن يقطع رأسك، حين تختلف معه في فهمه يُريد أن يقطع رأسك ولن يرحمك، أنت عنده والكافر المُلحِد سواء، هو يُقتَل وأنت تُقتَل، علماً بان القرآن قال لا هذا يُقتَل ولا هذا يُقتَل، فما رأيك؟ قال الله لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ۩، الله قال لمحمد لا تظن أنك مُكلَف بأن تهدي الناس، لا تقل سوف أهديكم وإلا سوف أذبحكم، انتبهوا ولذلك يُوجَد حد دون الفاجعة ودون المجزرة، لا تُوجَد مجزرة بإسم الدين يقوم بها محمد، لأن الله من أول يوم قال له الهداية ليس لك وإنما لي، قال الله إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ۩، أنت تدل وتُبلِّغ، هدايتك فقط تقتصر وتقف عند حد البلاغ، أي تُبلِّغ فقط، يقبَل أو لا يقبَل وينشرح صدره أو يحرج صدره – يحرج عكس ينشرح – هو حر، حسابه علىّ وإلىّ يوم القيامة وليس في الدنيا، في الدنيا سوف أُعطيه فرصة مفتوحة قبل أن يُغَرغِر، لو تاب في آخر لحظة قبلته، يا الله، يا عدل الله، يا رحمة الله، ومع ذلك يُريدون منا أن نكفر بهذا الإله، هذا لا يُمكِن، أنا لا أفهم حتى معنى لإنسانيتي خارج الإيمان بهذا الرب الكريم العظيم لا إله إلا هو، أنا أستمد منه أعلى وأدق تفاصيل العدالة، أقدر على أن أُعيد صياغة نفسي إنساناً عظيماً كريماً بهذا الإيمان بالرب الجليل لا إلا هو، هذا هو إذن، هذا الفهم في الدين، هذا الفهم القرآني، قال الله له إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ۩، ونحن أيضاً ينبطق علينا هذا، انتبهوا يا أمة محمد – من أصحابه إلى آخر شخص قبل أن يُطوى بساط هذه الأمة وبساط الدنيا – ولا تظنوا أن مُهِمتكم تغيير العالم، لا تقولوا مُهِمتنا أن نغير العالم، هذا كذب، هذا – والله – كذب على القرآن، قال الله يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۩، أنت بلَّغت ودعيت وهو لا يُريد أن يهتدي فإذن هو حر، الله يهديه وسوف أدعي له، لن أقول في ستين جهنم، سوف أقول الله يهديه فقط، هو حر، ومن المُمكِن أن يهتدي قبل أن يموت أو غداً أو بعد غد، ومن المُمكِن أن تضل أيضاً، فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة، نسأل الله التثبيت على سواء الصراط، الله قال أنتم أيضاً ينطبق عليكم هذا، لأن هذا لا يسوغ لمحمد وهو نبيكم ورسولكم فمن باب أولى ألا يسوغ لكم، إياكم أن تظنوا أن من مهامكم تغيير العالم وتحطيم العالم كما قال محمد إقبال وأخطأ وإن أُعجِبت به يوماً واكتشفت خطأه وخطئي، قال قال الله لي في مُحاوَرة ربانية يتخيَّلها – هذا المنطق أصولي مُخيف، منطق محمد إقبال هنا أخالفه تماماً، لقد بالغ وخرج وكسر القيد هنا الإلهي الشرعي – هل يعجبك هذا العالم؟ فقلت لا، قال حطِّمه إذن ولا تبالي، وهذه أصولية طبعاً، هذا منطق أصولي خطير كارثي وفواجعي، سيُنهي العالم وسيُنهي كل شيئ جميل في العالم هذا المنطق، هذا غير صحيح، ليس من وظيفة الأنبياء ولا الرسل ولا المُؤمِنين طبعاً من باب أولى أن يُغيِّروا العالم، الوظيفة أن يُبلِّغوا وأن يُشهِدوا وأن يقولوا وأن يُحاوِروا وأن يُجادِلوا فقط، وهنا قد تقول لي أين الجهاد والقتال؟ لرد العدوان، أنا أُبلِّغ وأقول فقط، تنتهي مُهِمتي هنا مثل الأنبياء، أنا وارث نبوة إن كان عندي شيئ أرِثه، إن اعتدى علىّ أحد وبغى علىّ فأنا عندي الحق في البقاء، كما أعطيته أنا الحق في البقاء، أليس كذلك؟ أنا قلت له أنا أكفر بما أنت مُؤمِن به كما أنت تكفر بما أؤمِن به أنا فلا بأس، لكن أنا شرعي أمرني أن أُعطيك الحق في البقاء، أنت تعيش وأنا أعيش، لكن هو و قال لي أنت لن تعيش، إذن أقول له اسمح لي الآن سأدافع عن نفسي، أنا سأقاتل مَن اعتدى عليّ، هل هذا عدل أم ليس عدلاً؟ هذا عدل، ولا يقدر أي أحد من البشر في العالم على أن يرده، إلا أن يكون ظالماً وباغياً أيضاً، لا يُمكِن لأحد من البشر أن يرده، أنا أرد العدوان، ومعنى رد العدوان الحق في البقاء، أنا عندي الحق في البقاء، أنصفتك وأريد أن أُنصِف نفسي منك ومن ظلمك، هذا هو الإسلام، هذه عظمة الإسلام، فإذن قال الله يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۩، هل تظنون أن الله يحسب الأشياء بالعدد؟ علماً بأنني قلت هذا مائة مرة في الخُطب واسمحوا لي لأنني أُكرر أحياناً من أجل أن أُرسِّخ هذه المعاني، هل تظنون أن الله يحسب الأشياء بالعدد؟ هل الله يفرح إذا زاد عدد المسلمين عشرة أو مائة أو مليون؟ هل هو يفرح كثيراً بهذا؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ الله لا يهمه هذا، الله قال إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً ۩، الله قال لا مُشكِلة في هذا، من المُمكِن أن تكون أمة من مليار شخص لكنها لا تُساوي عند الله واحداً، ومن المُمكِن أن يعدل الواحد في الميزان عند الله المليار، لماذا إذن؟ هؤلاء مليار لكنهم همج جهلة وثنيون ولا يفهمون شيئاً، لكن هذا الواحد واعٍ صاحٍ مُدرِك مُوحِّد نظيف نقي نزيه مُستقيم وعظيم، هو خليفة الله في الأرض، الخليفة الحق يَعدِل ملياراً ويمكن أن يَعدِل أكثر من مليار أيضاً، ما المُشكِلة؟ نحن البشر عندنا عصبيات وعندنا عدوات وعندنا حروب وهى وحروب دائماً تُعبيء الشعوب والشباب من أجلها، فنحن نُراهِن على الأعداد، نُريد أن نُجيِّش وأن نُعبيء وأن نلم الناس، نحن عندنا هذا المنطق التبشيري والذي نتوَّسل من أجله ومن أجل تحقيق التبشير بديننا وما إلى ذلك بالكذب والنفاق والقتل وتشويه الآخر والكذب عليه واستباحته وانتهاكه، أليس كذلك؟ هذا كله لا يُرضي الله تبارك وتعالى، كل هذا لا يُرضي الله، ما رأيك؟ كل هذا لا يُرضي الله على الإطلاق، أنت إن عملت على أن تدعوا إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة لخمسين سنة أو سبعين سنة أو مائة سنة وأدخلت في دين الله عشرة ملايين، وبعد ذلك عن وعي وعن إدراك دافعه العصبية والحمية الجاهلية والطائفية والمذهبية والأقوامية تسبَّبت في قتل إنسان بريء فإنك سوف تهلك عند الله، ولن ينفع كل هذا، طبعاً هو موجود، الله لن يبطل عملك، الشرك فقط يُبطِل العمل، لن يُبطِل دعوتك إليه في مائة سنة، هى – والله- موجودة في الميزان كلها، لكن هو فهَّمنا وقال لنا يرجح بها كلها قتل نفس واحدة بلا وجه حق ومن ثم سوف تدخل جهنم، ما رأيك؟ بسبب قتل نفس واحدة تدخل جهنم، الدم شيئ خطير جداً جداً، أرخص شيئ اليوم – في عالم اليوم – في نظر المسلمين وعلى سكاكين المسلمين هو الدم، أرخص شيئ وأهون شيئ عندهم الدماء، وليس الذين يذبحون فقط، هناك مَن هو أخطر مِن الذي بيذبح، الذي يذبح عنده قدرة محدودة على أن يذبح، قد يذبح مائة أو مائتين أو ألف أو ألفين، لا يُوجَد شخص قام بذبح ألفاً، لكن الذي يُفتي يذبح ملايين، كل الذين يذبحون هم يذبحون بفتواه، وكل الذين سوف يذبحون سيفعلون هذابفتواه فيا ويله، ذبح نفسه بغير سكين، ذهب في ستين مليار داهية عند الله، أنا أقول له أبشر يا شيخنا، أبشر يا شيخهم بجهنم وبئس المصير، يا مَن تُحرِّض على الدماء وتُحرِّض على هدم المُقدَّسات، أقدس المُقدَّسات البشر، هذه هى النفس المعصومة.

نعود إلى موضوعنا، هؤلاء أعطوا أنفسهم ما لم يُعطه الله لرسوله ولأصحاب رسوله، بل أعطوا أنفسهم ما لم يُعطه الله لذاته المُقدَّسة لا إله إلا هو، الله لم يُعط لنفسه أن يُحاسِب الناس على خياراتهم الدينية والملية في الدنيا، قال لهم الدنيا دار ابتلاء فلن أُحاسِبكم، بل بالعكس أنا أمتعكم قليلاً أيضاً وأُعطيكم الأموال والأولاد، ونعود إلى الآية التي تقول أن الله يستجيب للمُشرِكين؟ أين هى؟ أين هذا في كتاب الله؟ قد يقول أحدكم قال الله وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ۩، لكن هذا في الأخرة، قال الله اُدْعُوَا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنْ الْعَذَاب ۩ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ۩ هذا في الآخرة، في الآخرة الجهنميون يدعون وهم بين أطباقها والعياذ بالله، يتلظون ويصلونها ناراً حامية ويريدون أن يُخفَف عنهم يوم واحد من العذاب، لكن هذا لن يحدث، لن يُخفَف عنهم، انتهى الأمر لأن هذه دار جزاء ودار العقاب، قال الله دعاؤكم في ضلال، أي إلى بطلان وخسار فلن يُقبَل، وفي الدنيا دعاؤهم في ضلال بأي معنى؟ وفي سورة الرعد قال الله وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ۩، فهذا أتى فقط في موضعين من كتاب الله، لكن للأسف بعض العلماء – هذا اجتهادهم فنحترمه وإن أخطأوا فيه في نظرنا – قالوا دعاء الكافر لا يُستجاب، كيف لا يُستجاب؟ القرآن فيه آيات كثيرة تُؤكِّد أن الله يستجيب دعاء الكافرين، ومن المُؤكَّد أن كلكم تعرفون آية يونس وآية الإسراء وآية العنكبوت وآية النمل، هناك آيات كثيرة تدل على أن الله يستجيب للكافرين إذا كانوا في البحر وركبوا الفلك ويخشون الغرق، قال الله فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ۩، فهذا موجود إذن، وهى آيات كثيرة في يونس وفي الإسراء وفي العنكبوت وهكذا، في النمل قال الله أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ ۩، فالله يُخاطب المُشرِكين ويستجيب لهم، وفي الحديث الصحيح – والكافة على علمٍ به – قال النبي إياكم ودعوة المظلوم، يقول النبي اتقوا دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، في رواية اتقوا دعوة المظلوم ولو من كان كافراً فإذن الله – تبارك وتعالى – يرفعها فوق الغمام ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، وهذه دعوة مَن؟ كافر، كافر ظلمته لكن الله سوف ينصره عليك، سوف نرى الآية المفتاحية في موضوعنا، أي في أن الله يستجيب دعاء المُشرِكين الوثنيين الذين أشركوا به، لماذا يستجيب؟ لأنهم عرفوه ويدعونه ويقولون يا رب ويا الله، أنتم تعرفونني فإذن سوف أستجيب لكم، وشرككم هذا سوف تُعاقَبون عليه في الآخرة، ودعاؤكم هناك سيصير إلى ضلال ولن يُقبَل، لكن في الدنيا سوف أستجيب لكم، يا الله، قال – تبارك وتعالى – في ختام سورة الفرقان العظيمة الجميلة قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ۩، الله لا يباليكم، الله لا يهتم بكم، ماذا تظنون أنفسكم؟ أنتم بشر، أنتم لا شيئ عند الله، هم يتحدَّون الله وينفخون صدورهم ولذلك الله يُحطِّم كبريائهم، يقولون نحن ونحن ونحن دائماً، يستكبرون على الله بأموالهم وبعتادهم وبرجالهم وبأولادهم، تقول الآية الكريمة وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ۩، قال الله قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ – كذَّبتم رسولي وكذَّبتم بكتابي وبوحيي – فَسَوْفَ يَكُونُ – أي العذاب والجزاء – لِزَامًا ۩، قطعاً سوف يأتي، هذا لازم لازب لا مناص منه ولا محيد عنه، لكن ما معنى قوله لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۩؟ذكر فيها السادة المُفسِّرون ثلاثة أقوال، أنا أرجِّح ثالثها، قال الله لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۩، هذا مصدر مُضاف إلى الضمير، هذا جمع يُفيد العموم، من قواعد الأصول أن المصدر المُضاف إلى جمع يُفيد العموم، قال الله قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۩، الإضافة قد تكون على الفاعلية وقد تكون على المفعولية، سوف نرى هذا، قد تكون على الفاعلية بمعنى أن قوله لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۩ يعني لو دعاؤكم الله، والدعاء قد يكون بمعنى العبادة، أي لولا عبادتكم الله، فأنتم تعبدونه، وهو يعلم أنهم يُشرِكون معه آخرين في العبادة، ومع ذلك يقول هذه العبادة لها نصيب من الاعتبار عند الله في الدنيا فقط وليس في الآخرة، ولذلك أنا ما زلت أُمهِّد لكم وأُعطيكم وأمد لكم في الحبل لعلكم تعودون من قريب، فالدعاء بمعنى العبادة، هناك إضافة على الفاعلية أيضاً بمعنى آخر، إذا أخذنا الدعاء على ظاهره فالدعاء هو السؤال، المسألة والرغب إلى الله والرهب باللسان كأن تقول يا الله ويا الله، قال الله يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ۩، الكل مُفتاق إلى الله، مُفتقِر إلى عطايا الله وإلى أرزاق الله وإلى رحمة الله وإلى لطف الله لا إله إلا هو، إذن في قوله لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۩ أيضاً إضافة فاعلية، أي لولا أنكم تدعون الله وتسألونه، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، قال هذا مُعتبَر، هذا القول أنا جعلته الثاني من أجل الإضافة الفاعلية ونحن نُرجِّحه، لماذا؟ القرآن يدل عليه، القرآن في آيات كثيرة كما أشرنا إليها في مواضعها يدل أن الله يستجيب دعاء المُشرِكين خاصة إذا دعوه وهم في حال الاضطرار والافتقار وأقام الحُجة بهذا عليهم، قال الله أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ۩، كأنه يقول مُلزِماً لهم إذن لماذا تشركون معه غيره؟ هو وحده الذي يُلبيكم ويُنجيكم، أليس كذلك؟ فلماذا تشركون معه غيره في العبادة؟ هذا معنى قرآني، ومن المُمكِن أن تكون إضافة على المفعولية فيكون معنى قوله قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۩ أي لولا دعاؤه هو لكم، فتكونون أنتم المدعوين وليس هو المدعو منكم، كيف هذا؟ هو يدعوكم إلى الحق وإلى الهُدى المُستقيم على ألسنة رسله بما أنزل عليهم من شرائعه، قال أن أمد لكم وأُعطيكم مُهلة على أمل وعلى طمع أن تهتدوا بالدعوة، أي بدعوة النبي إياكم، نحن نُريد أن نمهلكم من أجل أن ندعوكم إلينا، فالإضافة هنا مفعولية وليست إضافة فاعلية، لكن على كل حال إذا كانت الإضافة فاعلية وبالمعنى الثاني فهذا شيئ عجب، الله – تبارك وتعالى – لم يعط فقط المُشرِكين الوثنيين الكافرين طبعاً – هذا كفر الشرك وكفر الوثنية – الحق فقط في الحياة وأن نكف عنهم ما كفوا عنا بل قال وأنا أستجيب دعاءهم إذا اضُطروا إلىّ ودعوني، يا الله،يا عدل الله، يا رحمة الله، فما بال أبو فلان – أبو عوسجة وأبو قتادة وأبو سيف وأبو ذبح – لا يستجيب لكل المُشترَكات ولكل الجوامع بيننا؟ يذبح إخوانه في الملة والدين ويأمر بالذبح يسمي قبائل من الناس ويقول لك الجيش الكذا، مثل جيش المُرتَدين، قبل أيام رأينا عملية جبانة عميلة حقيرة، نُقسِم بعزة الله أنها لا تخدم إلا العدو إن لم تكن مُخطَطة من العدو نفسه، ونحن رأينا في بلاد عربية كيف يتم تفجير مقار مُعيَّنة في الحكومات وفي الدول العربية بأسلحة إسرائيلية، قنابل اسرائيلية رآها الناس ورآتها الصحافة، شظايا منها مصنوعة في إسرائيل، ويُقال الله أكبر، يُكبِّرون بسبب هذا، ناقلة جند فيها شباب مصري – عشرة أو أحد عشر جُندياً وضابط – مكتوب عليها جيش المُرتَدين ويُكبِّرون، كيف يُقال مُرتَدون؟ هل الحكم بالردة يكون بالإجماع؟ أهل العراق مُرتدَون فاقتلوهم كلهم من عند آخرهم، أهل مصر مُرتَدون فاقتلوهم، أهل كذا مُرتَدون فاقتلوهم، هل الردة تكون كذلك؟ يُقال الجيش المصري مُرتَد، أين هذا الكلام؟ ما هذا الجنون؟ أين حصل هذا الجنون؟ الردة حكم قضائي، أمام القاضي يُتهَم شخص بأنه مُرتَد فيأتون به، وهناك إقرار وبينات وشهود ومُحاجّة وكلام وقصة طويلة عريضة، أليس كذلك؟ هذا كله لكي نعرفهل هو مُرتَد أم غير مُرتَد، لكن بالجُملة وبدون تفصيل يُقال الآن مُرتَدون واقتل وفجِّر ودمِّر والله أكبر والحمد لله واللهم صل على محمد والحمد لله، لا حمد الله لكم عاقبة، أراح الله الأمة منكم، حسبنا الله ونعم الوكيل عليكم وعلى مَن خرَّج هذه العقول وركَّبها في أدمغتكم الناتنة العفنة، أنتم مُجرَّد عفن في هذه الأمة، سرطان يسبح في جسد هذه الأمة، دمِّرتمونا، دمِّرتم كل شيئ فينا، دمَّرتم ديننا وإسلامنا، قالوا هؤلاء مُرتَدون وهذا جيش مُرتَد، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، لا يُوجَد اعتبار – كما قلت لكم – لكل الجوامع، تماماً كما قتلوا الجند المصريين أيضاً وهم يتهيَّأون لتناول طعام إفطارهم، إذن هذا جندي مسلم، هذا المسكين مُفطِر في حر سيناء وجُمار قيظها، وقد توضأوا لكي يتهيأوا لصلاة المغرب، لم يمهلوهم حتى يكسروا كما يُقال صومهم بتمرات فقتلوهم قتلاً جباناً مُجرِماً فاحشاً من عند آخرهم ويُكبِّرون عليهم أيضاً، الله أكبر عليكم، الله أكبر على كل مَن شايعكم، الله أكبر على كل مَن برَّر لكم.

أيها الإخوة:

الأصولية تتسم بسمات كثيرة وبصفات كثيرة، أنا إلى الآن ما زلت في الصفة الأولى، كان من مقصودي أن أُحدِّثكم عنها واحدة واحدة فلابد أن نُسرِع، من ضمن هذه الصفات العقل الأصولي الذي – كما قلنا – يغتصب دور الله ظلماً وزيفاً وجنوناً طبعاً وانفلاتاً، العقل الأصولي عقل تسويغي، لماذا؟ لأنه اجتزائي وانتقائي، ينتقي من النصوص دائماً ما يُساعِد هواه، العقل الأصولي سفسطائي إذن لأن السفسطة انتقائية فانتبهوا، في الفلسفة كل سفسطائي هو اجتزائي انتقائي، السفسطائي عقله ليس مثل عقل أرسطو Aristotle وسقراط Socrates، عقل سقراط Socrates وأرسطو Aristotle وحتى أفلاطون Plato عقول مُركَبة، أرسطو Aristotle حدَّثنا عن الوجوه السبع للحقيقة، وقال وربما هى سبعون، ونحن نقول وربما هى حتى سبعمائة أو سبعة آلاف، ما أدرانا؟ الحقيقة لها وجوه كثيرة، اليوم لو تسأل أي عالم في الفيزياء – أكثر علم طبيعي مُحترَم هو علم الطبيعة ذاتها بل وحتى في العلوم الأخرى المُحترَمة الصلبة كما يُقال – ما هى المعرفة؟ ماهى الحقيقة؟ فإنه سوف يقول لك لا تُوجَد حقيقة ناجزة، لا تُوجَد معرفة ناجزة يُكشَف عنها، أي تكشف الغطاء وتأخذها، لا يُوجَد هذا الكلام أبداً، المعرفة يُعاد بناؤها باستمرار، هناك إعادة بناء – Reconstruction – باستمرار، فمعرفة نيوتن Newton الطبيعية ليست هى معرفة ألبرت أينشتاين Albert Einstein، معرفة أينشتاين Einstein تضمَّنت معرفة نيوتن Newton وأعادت صياغتها وفق مُعطيات جديدة وأحياناً مُفترَضات جديدة وتجاوزتها، لذلك هى أكثر ترقباً وأكثر تعقيداً من معرفة نيوتن Newton وجاليليو Galileo، وهكذا يعاد بناؤها باستمرار، المعرفة البشرية دالة – Function – كما يقول علماء الرياضة، دالة لماذا؟ دالة لتراكم فرضيات ونظريات وتقنيات جديدة، هى دالة لذا نحن نعرف أين وصلنا نحن، هذه هى المعرفة الحقيقية، فعلاً المعرفة تُبنى ويُعاد اكتشافها ويُعاد صياغتها وبناؤها باستمرار، ليست هى موجودة وانتهى الأمر، وهنا قد يقول لي هذه المعرفة الطبيعية فقط، لكن هذا غير صحيح، حتى المعرفة الدينية كذلك، فما رأيك؟ لأن القرآن لم ينزل فقط لجيل الصحابة وإنما نزل لكل الأمم، قال الله وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ ۩، فمثلاً هو بلغنا اليوم لكن ماذا بعد أربعة عشر أو خمسة عشر قرن؟ وربما تعيش هذه الأمة خمسين قرناً أيضاً، بعد خمسين قرن – خمسائة آلاف سنة – سوف يختلف كل شيئ، فلسفات الناس وعقولهم سوف تختلف، لابد أن يُقرأ القرآن دائماً قراءة تُلبي أحدث ما وصل إليه المشوار البشري والمسيرة الإنسانية، لذلك القرآن حمّال وجوه، كما قلت لكم لا الرسول ولا أي أحد من الصحابة الكرام كان أصولياً يُطابِق بين نفسه وبين الحقيقة، الإمام عليّ – عليه السلام – ماذا قال لابن عباس حين بعثه ليناقش الخوارج؟قال له لا تخاصمهم بالقرآن، لا تقل القرآن يقول والقرآن يحكم والقرآن يقضي، هل تعرفون لماذا؟ لأن القرآن كما قال الإمام عليّ – عليه السلام – إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق، القرآن لا ينطق، ياليت كان القرآن ينطق، كانت ستنتهي مشاكل أمة محمد تماماً، كان بين مُعاوية وبين عليّ ينطق القرآن فيقول هذا مُبطِل وهذا مُحِق وينتهي الأمر، أليس كذلك؟ ويا ليته كان ينطق بين الصادق وأبي حنيفة وبين أبي حنيفة والشافعي وبين فلان وعلان، أليس كذلك؟ لكن القرآن لا ينطق، قال خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما ينطق به الرجال، هذا يقول قال القرآن كذا وهذا يقول لا لأن قال القرآن كذا وكذا، كل أحد يتحدَّث عن ماذا؟ عن فهم نسبي وعن وجه من الوجوه، وقد يكون وجهاً خاطئاً أو زاوية خاطئة، يُمكِن أن يُصاب بالحول مَن ينظر، ويُمكِن أن يكون مُصاباً بالحول أصلاً، ويُمكِن أن يكون مُصاباً بالعمى، ويُمكِن أن يكون مُصاباً بعمى الألوان، أليس كذلك؟ ويُمكِن أن يكون مُصاباً بغبش في بصره ولا يرى جيداً، فبصره ليس حديداً وإنما هو بلاستيك – Plastic – وبوظة، فقال الإمام عليّ – عليه السلام – لابن عباس لا تخاصمهم بالقرآن فان القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون، تماماً هنا الإمام عليّ – عليه السلام – بريء من كل الأصولية، لم يكن يوماً أصولياً بهذه الطريقة، فما رأيك؟ لم يكن أصولياً في حياته، الإمام عليّ لم يقل يوماً للآخرين تنزلون على ما أقول وإلا عرضتكم على السيف، ماذا كان يعرض دائماً؟ كان يقول إذا لم تكن لديكم رغبة في الحوار فكفوا أيديكم عنا ونحن سوف نكف عنكم، إذا كان عندكم رغبة في الحوار سوف نُحاوِركم، لم يقل أنا الحق المُطلَق ولا مجال للنقاش، هناك مجال للنقاش فهيا نتناقش، إذا رفضتم الحوار وقلتم أنا كافر وما إلى ذلك فأنتم أحرار أيضاً وليس عندي مُشكِلة معكم، لكن كفوا عنيّ فقط، حين تكفون عنيّ وعن جماعتي سوف أكف عنكم، ولا أمنعكم مساجد الله، وإذا كنتم تُحِبون أن تُجاهِدوا معنا سوف نُعطيكم نصيبكم من الفيءولا نبدأكم بقتال، انظروا إلى هذا العدل، هو ليس أصولياً، هو غير مسكون وغير مهجوس بهاجس المجانين الأصوليين الذين يقول الواحد منهم أنا أُريد أن أُغيِّر العالم، هو يُريد إعادة سبك العالم، فمن باب أولى يعيد سبك أمته، يقول لنا هل أنا مُتفرِّغ لكم؟ أنا مخي فيه نغمة كبيرة ومشوار كبير ومُخطَط كبير، أُريد أن أمحي بيزنطة وفارس والهند والسند وكونفوشيوس، العالم كله أُريد أن أجعله تحت راية لا إله إلا الله، أريد أن يُصبِح كل العالم محمدياً، إذا خرج له مجموعة أُناس من العراق يقول لهم سوف أُبيدكم كلكم، لكن الإمام عليّ لم يكن كذلك أبداً، هو يفهم أن ليس هذا دوره وليس هذه مُهِمته ولا مُهِمة محمد، فما رأيكم؟ لكن نقول لكم الأصولي اجتزائي انتقائي ومن ثم يلعب، هذه الاجتزائية والانتقائية تعمل على تشويه الحقائق الإلهية القدرية و الشرعية، فما رأيكم؟ شرعت في الخُطبة الماضية في تحديثكم عن قصة رجل من أتباع جماعة (ابن لكن)، لعلكم لم تسمعوا من قبل عن جماعة(ابن لكن) لكنهم يُوجَدون في علماء وفي مشائخ وفي منُظّرين هم أتباع لابن لكن، يُحدِّثني أحد أحبابي قائلاً آتاني أحد هؤلاء – شاب مسلم متدين ومن عائلة فاضلة ومُلتحٍ – يقول لي والله هذا الذي يحصل من ذبح المسلمين وذبح المسيحيين أو طرد المسيحيين وذبح الزيديين وغيرهم طبعاً الإسلام لا يقره، فقال له أحسنت، بارك الله فيك، هذا صحيح، هذه رحمة الإسلام، فقال له ولكن – إذن هو من أتباع (ابن لكن)، تحت (ولكن) دخلنا في المصائب وفي الفواجع – ألا تُوافِق معي أن الله بحكمته وعدله وقدرته سخَّر هؤلاء الدواعش لذبح هؤلاء الكفار وتخليص الأرض منهم؟ فالحمد لله، ما هذا؟ أي عقلية هذه؟ هذا أصولي مسكين مفصوم Schizophrenic، هو أصولي مفصوم الشخصية ومن ثم يلعب، ما الذي أتاح له هذا اللعب؟ أنا أقول لكم أن هذا المنطق لو عُرِضَ على كثير من أميي أمة محمد يقبلونه سوف يقولون هذا – والله – صحيح، الدين لا يسمح بهذا ولكن في نهاية المطاف الله يُريد هذا وقد سخَّر هؤلاء لتنظيف الأرض من هؤلاء وسخَّر هؤلاء لتنظيف الأرض من هؤلاء وهكذا فالحمد لله، يا سلام، هؤلاء جماعة (ابن لكن)، لديهم تشويش في الفكر وانتقائية واجتزائية، لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ سأشرح هذا الآن بالمُصطلَحات الشرعية، عظمة العطاء القرآني وعظمة العطاء الإلهي الشرعي أنه أخذ في اعتباره – مأخوذٌ في اعتباره – الوضع القدري، على أي نحو؟ بمعنى ماذا؟ انتبهوا إلى أن عقيدة معظم المسلمين وخاصة أهل السنة والجماعة تقول لا يقع شيئ في الكون خارج إرادة الله، هل يقع هذا مثلما ما كان المُعتزِلة يعتقدون؟ هذا غلط، هذا نوع أيضاً الخطأ في حق الله، كيف يكون مالك الملك ويقع شيئ في ملكه وهو لا يُريده؟ هل هو مغلوب على أمره؟ حاشا لله، لا يُوجَد شيئ يقع في كونه إلا بإذنه، هل الله أذن – مثلاً لليهود – أن يقتلوا زهاء خمسمائة طفل فلسطيني؟ أذِن، لكن أذِن شرعاً أم قدراً؟ قدراً، لم يأذن شرعاً، لعن مَن يفعل هذا، لعن مَن يقتل نفساً ظُلماً، فكيف الحال مع نفس بريئة مسلمة؟ كيف الحال مع طفل صغير على الفطرة، كيف؟ لكن قدراً أذِن أم لم يأذِن؟ طبعاً أذِن، لو لم يأذن ما وقع هذا، في حرب غزة الملعونة ألف ومائتان صاروخ وقع على غزة ولم ينفجر، وهذا عدد هائل، ألف ومائتان صاروخ لم ينفجر، والصاروخ في المُتوسط يصل إلى مائتين وخمسين كيلو، هذه كمية هائلة لكنها لم تنفجر، الله لم يأذن، لا يُريد هذا ومن ثم لن ينفع الأمر، لو ضربوا قنبلة ذرية والله لا يُريد أن تنفجر لن تنفجر، فلا يقع شيئ في الكون إلا بإذنه، فهو يأذن لكن انتبهوا إلى ما سأقوله الآن، كما يأذن بقتل الضحية وانتصار المُجرِم إلى وقت وإلى ساعة يأذن أيضاً بانتصار المظلوم، كما يأذن بكفر الكافر، فالكافر يكفر ويُجدِّف ويُؤلِّف كتباً ضد الله، ومع ذلك الله يتركه ويرزقه وهو قادر على أن يأخذ السر منه في لحظة فلا يقدر على أن يكتب كلمة واحدة، لكنه يتركه، الله أذِن بقتل الأنبياء، أليس كذلك؟ هل قُتِل بعض الأنبياء أم لا؟ بعض الأنبياء قُتِلوا، لكن الرسل لم تُقتَل، لا يُوجَد رسول واحد قُتِل، افهموا هذا فالقرآن دقيق، لا يُوجَد رسول قُتِل، الرسول لا يُقتَل لكن النبي يُقتَل، وهذه مسألة كبيرة مُركَبة وعجيبة في كتاب الله، ولذلك قال الله وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ ۩ وقال أيضاً إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا ۩ فضلاً عن أنه قال إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ۩، عيسى رسول فلم يقدروا عليه، فعلوا ما فعلوا دون أي فائدة، قال الله وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۩، لم يقدروا على هذا، موسى كان صغيراً وكان يُمكِن أن يُذبَح لكن هذا لم يحصل،
ربّاه الله في حجر فرعون ودُمِّر على يديه فلم يقدر عليه، نوح نجا أيضاً، قال الله وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ۩، فأغرق الله جميع الأعداء ونجَّاه، قال الله وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ۩، محمد ينطبق عليه نفس الشيئ، انتبه إلى أن الرسل لا يُقتَلون لكن الأنبياء يُقتَلون، القرآن دقيق وعنده فلسفة خاصة، فهذه نظريات قرآنية دقيقة، إذن الله أَذِن بقتل الأنبياء قدرياً ولعن مَن فعل هذا، السؤال هو نحن كمسلمين مُتعبَّدون بالقدر أم بالشرع؟ بالشرع طبعاً، لا يُمكِن لأحد أن يقول لي أنا مُتعبَّد بالقدر، لو كنت مُتعبَّداً بالقدر أنت ستُمرِّر وتُبرِّر وتُسوِّغ المظالم والعصيان والطغيان والفواحش والبهتان، سوف تقول الله يُريد هذا، وأكثرنا للأسف عن جهل يقع في هذا ويقول يا أخي الله كتب هذا فلعله خير، خير ماذا؟ والله لن تجد الخير وأنت بهذه العقلية المُتعَبة، لا يا رجل هذا قدر ونحن لا نحتج بالقدر وإنما نحتج بالشرع، ماذا يُريد الله وماذا لا يُريد، فقط الذين احتجوا بالقدر هم المُشرِكون، تقول الآية الكريمة وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ ۩، أليس كذلك؟ الله قال هؤلاء كذّابون، نفس الشيئ في الآية الكريمة التي تقول وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ – أي بالفحشاء – قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، إذن هم يحتجون بماذا؟ بالقدر، قالوا الله هو الذي جعلنا نفعل هذا، إذا لم يُرد هذا ما فعلنا، لكن هذا قدر، نعم الله أَذِن لك، لكن شرعاً هل رخص لك أم منعك؟ منعك، ولعن وكره وسخط مَن فعل هذا، أليس كذلك؟ جماعة (ابن لكن) – مثل هذا الأخ المسكين – يلعبون على ماذا؟ على الخلط، أي خلط الأوراق، خلط القدري بالشرعي والشرعي بالقدري، يقولون صحيح أنه بحسب النصوص والأحاديث واللآيات لا يجوز أن نفعل هذا ولكن يا أخي الله يُريد هذا فالحمد لله عليه، ومن ثم ضعنا وضيَّعنا كل حاجة وصرنا قتلة وصرنا مُجرِمين بهذا الهبل، هذا ليس فكراً وليس علماً وليس ديناً، هذا إسمه استهبال وكذب على الله، الله سماه الكذب، والقول على الله بغير علم هو قرين الشرك، أنت تتكلَّم عن الله بغير علم، الله لم يقل هذا.

انتبهوا الآن لوجود جزئية فلسفية عميقة قليلاً ونحن نُريد أن نُبرِز العلاقة بين الشرعي والقدري، قد تقولون أنت قلت يا عدنان أن الشرعي مأخوذ فيه القدري لكن بأي معنى؟ كيف هذا؟ سوف نختم بهذا ونحن للأسف ما زلنا في صفة واحدة من صفات الأصوليين، الشرعي مأخوذ فيه القدري بمعنى يسمح بحرية الإنسان ويسمح أن يشتغل ويعمل منطق الابتلاء، قال الله لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ۩، ما معنى هذا؟ سوف أقول لك كيف، الله – تبارك وتعالى – ماذا يقول؟ يقول الله وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ ۩، لأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، أليس كذلك؟ قال الله وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ۩، الله يقدر على أن يتصرَّف كما يشاء بدون أي مُشكِلة، الله بأمر واحد يقول لك كُن مؤمناً فتُحِب الإيمان ومحمداً والقرآن وتُصبِح – ما شاء الله – من كبار العارفين، هو يقدر على هذا لكنه لا يُريد أنه يفعل هذا، لماذا؟ قال أنا بنيت أمر الإيمان على الإذعان القلبي وعلى الطاعة وعلى الحرية وعلى الحب، أنت الذي تختار، قال الله فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ۩ وقال أيضاً لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ فضلاً عن أنه قال وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ۩ وقال إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ۩، قال أنا خلقت خلقاً كالملائكة ليس عندهم هذه الحرية، أليس كذلك؟ المَلَك لا يستطيع أن يعصي مع أنه فرض احتمال أنه يُمكِن أن يعصي، لكن طبعاً فرض المُحال ليس بمحال، هذا مُحال ومن ثم المَلَك لا يعصي، وعلى ذكر المَلَك خطر ليّ الآن شيئ لطيف، ما هو؟ أعتقد أن من آثار تلوث وتسمم عقولنا بالأصولية وببعض مباديء الأصولية اعتقادنا ضمنياَ وبطريقة غير واضحة لنا أن قول الشارح وقول الفاهم وقول المُفسِّر يُعادِل بمعنى ما قول الله، كيف تلمست هذه النُقطة؟ في الفترة الأخيرة بعض الإخوة – بارك الله فيهم – من أحبابي ومن مُتابِعي في الشبكة بعثوا إلىّ رسائل مُرتاعة – فيها نوع من الرَوع – وهم يبعثونها وهم مُرتاعون، يقولون الحق يا دكتور، الحق يا شيخ العملية مُهِمة وصعبة، وألسنة الناس حادة، ماذا حدث؟ بعض الناس انتقدك أنك قلت مرة في خُطبة أنه لا تُوجَد آية في كتاب الله تنص على إيمان الملائكة، لكن اتضح بعد ذلك وجود آية تقول هذا، طبعاً في الحقيقة بعد الخُطبة بساعات – أي في ثاني يوم – قال أحد الإخوة على الفيسبوك Facebook يا دكتور تُوجَد آية في غافر، فقلت له هذا صحيح، لقد أصبت، فهذه الآية موجودة، قال هذا في نفس الأسبوع – والله- وذلك في ثاني يوم، قال لي أنت أخطأت لوجود هذه الآية، ف قلت له صحيح ولكن هذه الآية أيضاً تدعم موقفي الذي يقول أن الإيمان اختصاص إنساني، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر اختصاص إنساني يقوم على المُعاناة وعلى التساؤل وعلى البحث وعلى طي المراحل، ولذلك قلت لهم في كتاب الله لا تُوجَد آية تقول الملائكة تُؤمِن بمعنى الإيمان الشرعي بهذه الأركان الستة، غير معقول أن المَلَك يُؤمِن بالملائكة، هو مَلَك ويعرف نفسه، هذا بالنسبة له ليس غيباً، غير معقول أن المَلَك يُؤمن بالكتب والرسل، بعض الملائكة هى تنزل أصلاً وتُنبيء الأنبياء، تنزل عليهم بالوحي مثل جبريل والملائكة ترى هذا وتنزل بكلام الله وتنزل بنصرة الأنبياء، فهذا أمر عادي، ليس عندها أي تساؤل بحق الأنبياء والكتب والرسل، أليس كذلك؟ فقط الملائكة يجب أن تُسلِّم وتُؤمِن بوجود الله لأنها لا تراه، الله غيب، الله غيب الغيوب، لذلك آية غافر لم تقل تُؤمِن وإنما قالت وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ۩، فقط إيمان بالله وليس الإيمان الشرعي، إذا قلنا الإيمان فإن المُطلَق يُراد به الكامل، أي الإيمان الشرعي بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، قال الله في سورة النساء وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ۩، هذا هو الإيمان، وعلى كل حال أنا الأمر عندي بسيط جداً جداً وقلت له بارك الله فيك وأحسنت لكن هذه الآية تدعم موقفي أيضاً، لماذا يرتاع الإخوة إن عدنان أيه سها عن آية في كتاب الله وكأنه العالم والمُفكِر لا يسهو؟ هو يسهو عن عشرات الآيات وأحياناً عن مئات الآيات، النبي كان في الصلاة يُسقِط آيات ويُفتَح عليه، أليس كذلك؟ يقول رحم الله فلانا – هذا في البخاري ومسلم – لقد أذكَرني آية كذا كنت أُنسيتها، ما المُشكِلة إذن؟ وأنا عندي استعداد ليس فقط لأن أقول أنني فعلاً سهوت عن الآية وأسقطتها وإنما عندي استعداد – هذا عادي وسهل جداً وأقوله بكل راحة والله – أن أُخطيء نفسي في اجتهادي في المسألة من أصلها، يُمكِن أن أقول كل اجتهادي غلط، كله اتضح أنه تخبيص وأستغفر الله فلا تُتابِعوا هذا، لماذا ارتاع أحبابي وإخواني لأنني قلت لا تُوجَد آية تقول هذا؟ هم يظنون إذا عدنان قال لا تُوجَد آية سوف تذهب الآية وتسقط وكأن القرآن حُرِّف، لا يا رجل، كلامي لا يُعادِل كلام الله، لا من قريب ولا من بعيد، مُجرَّد فهم في كلام الله، أصاب أو أخطأ كله لي وعلىّ، وأسأل الله أن يكون دائماً لي وأن يغفر لي خطأ اجتهادي، ولذلك عمر بن الخطاب عندما اجتهد مرة قال أحدهم هذا ما قضى الله وقضى عمر، فقال له لا تقول هذا, بئس ما قلت، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة، قال لهم أنا بشر ومن ثم أغلط، افرض أن اجتهادي كان غلطاً، كيف تجعل كلامي مثل كلام الله وتقول قضى الله وقضى عمر؟ هذا رأي وهو يُصيب ويُخطيء، انظروا إلى هذا التواضع، هذا الشيئ اللائق بالإنسان، هذا هو الجمال الإنساني، لابد من التواضع، الإنسان لا يليق به الكبر والعجرفة وادّعاء المُطلَق وأنه أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ۩، فهذا للأسف من باب مُعادَلة ماذا؟ قول المُتكلِّم على كلام الله بكلام الله، هذه لوثة أصولية، فلا ترتاعوا ولا تخافوا، الأمر ليس مُزلزِلاً وليس مُقلِقاً وليس مُخيفاً يا إخواني.

على كل حال نعود لكي نختم هذه النقطة، كما قلت لكم الله – تبارك وتعالى – أخذ في تشريعه الوضع القدري، قدرياً الله – تبارك وتعالى – سمح بالتنوع الملي والعقدي الديني، يُوجَد يهود ونصارى ومُسلِمون مُوحِّدون وكونفوشيوسون وبوذيون وهندوسيون وملاحدة ودهريون طبيعيون وغيرهم، الكل موجود إذن، وهناك آيات كثيرة تقول الفصل بينهم يكون يوم القيامة، هذا عند الله، لا يُمكِن لأحد أن يفصل في الدنيا، قال الله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ۩، للاختلاف خلقهم، هذه وضعية قدرية، الآن الوضعية الشرعية كيف أخذت هذه الوضعية القدرية في اعتبارها؟ أنا أقول لك التفسير، هذا إسمه مبدأ الاتساق في الفهم، الذي يهتك ويُهدِر هذا المبدأ اجتهاده يكون فيه نوع من الغلط، كيف يكون الاتساق؟ يُوجَد اتساق دقيق هنا، الله أراد هذا وقال وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩ أي إلى يوم القيامة، ثم قال إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ – فبعضهم يتفق – وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ ۩ ، لكن القاعدة العامة في قوله وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩، الله قال أنا أُريد هذا، هذا مُرادي لأن الأمر مبني على الحرية، وقضية الإيمان كلها قضية حرية، انتبه إلى هذا، لو جاء الشرع وقال لك ممنوع أن يبقى على وجه الأرض إلا المُسلِم مُوحِّد وأنت مُكلِّف يا مسلم بساعدك وسيفك بإنفاذ هذا المُهِم – لا تجعل على وجه الأرض إلا المُسلِم المُوحِّد على طريقتك – ماذا سوف يحدث هنا؟ سوف يحدث هتك وشطب وإلغاء لمبدأ الحرية، سوف يكون مبدأ التدين غير مبني على الحرية وإنما سوف يكون على الإكراه، سوف يُقال إن الدين إكراهٌ، إن الدين بالإكراه، لكن الله قال لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، وقال أيضاً فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۩، لم يقل مَن شاء فليُؤمِن وإلا فهو معروض على السيف وسوف نقط رأسه، الله لم يقل هذا أبداً، وطبعاً بهذه الطريقة يفسد مفهوم الابتلاء تماماً، لن يكون هناك أي ابتلاء، أي ابتلاء؟ أي ابتلاء وأنت لا تجعل لي حرية أن أختار ما أريد؟ هذه يُسمونها حرية الضمير، هناك حرية الفكر وحرية الدين ، فهذا المبدأ – بفضل الله – في شرع الله محفوظ، الله قال في شرعه لهم الحق جميعاً أن يبقوا وأن يظلوا وممنوع أن تُكرِههم على الإيمان، قال الله لمحمد أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، الله يستنكر هذا ويقو له هل تُريد أن تُكرِههم؟ هذا الكلام غير موجود، أمر الإيمان ليس مبنياً على الإكراه وإنما هو مبني على الحرية والطواعية والإذعان القلبي الباطني، فهذا الأمر مأخوذ في التشريع الإلهي، فماذا يبقى إذن؟ ماذا يبقى لنا إحنا كمُوحِّدين نعتقد أننا على الدين الحق وعندنا الكتاب الحق؟ يبقى لنا البلاغ والحوار والمُجادَلة بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، وبعد ذلك لا يضرنا من ضل إذا اعتصمنا بحبل الهداية، هذا شيئ جميل إنساني وهو من أعظم ما يكون، أليس كذلك؟ لكن للأسف أصحاب العقليات الأصولية الحصرية الإقصائية والواحدية لا يُؤمِنون بهذا، فهتكوا القدري أم الشرعي؟ أنا أقول لكم هتكوا الاثنين، هتكوا الشرعي من أجل أن يُفسِدوا منطق الله أيضاً القدري، فأفسدوا هذا وهذا، فكأنهم ألحدوا بشرع الله وكفروا أيضاً بقدر الله الحاكي حكمة الله، أي في قدره وفي خلقه، ويا له من إثمٍ بل يا له من إثمٍ فاحشٍ غليظٍ عظيمٍ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسلمياً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اهدنا واهد بنا، وأصلِحنا وأصلِح بنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وأحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحب المساكين وأن تغفر لنا ورحمتنا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا خزايا ولا نادمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا، اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (5/9/2014)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: