إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – عز من قائلٍ   -في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  :

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى  ۩ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى  ۩  أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ۩  وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى ۩ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ۩  أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ۩  وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى  ۩ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩   وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى  ۩ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى  ۩ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى ۩  وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩   وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ۩  وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ۩  وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى  ۩ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ۩  وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى ۩   وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ۩  وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى  ۩ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى  ۩  وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ۩  وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ۩   وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ۩   فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى  ۩ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى ۩  هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى  ۩  أَزِفَتِ الآزِفَةُ  ۩ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ۩   أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ  ۩ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ  ۩ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ۩  فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩

 

صدق الله العظيم وبلّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين .

إخواني وأخواتي :

وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩  آية من أعجب ما أنزل الله – تبارك وتعالى – في كتابه، مُحالٌ أن ينتهي فيها الفكرُ إلى غاية فضلاً عن أن يبلغ فيه البيانُ نهاية، وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩  بكل معنىً من المعاني التي تضبطُ طبيعةَ وجود المخلوق بإزاء الوجود الحق الأعلى المُطلَق الكُلي، بكل معنىً يضبطُ العلاقة بين الخالق والمخلوق، طبيعة ومعنى ومدى وعمق هذه العلاقة، صحيحٌ أن لفيفاً من المُفسِّرين – رحمهم الله جميعاً وإيانا – ذهبوا إلى أن معنى الآية –  وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩ –  أي المرجع والمآب، وهذا المعنى بلا شك مشمولٌ في الآية الكريمة، وذهب بعضهم إلى ما رواه الإمام أبو محمد البغوي بإسناده عن أُبي بن كعب – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – عن مولانا رسول الله – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – أنه قال في قوله عز من قائل “ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩ ” لا فكرةَ في الخالق، ينتهي الفكر، ينقطع الفكر والنظر بل الخيال – أيها الإخوة – إذا وصل إلى جناب الحمى الأحمى، إلى العليّ الأعلى – لا إله إلا هو- ، لا فكرة في الخالق، وهذا مفهوم ومعقول تماماً لأنه لا مثيل له، والفكرُ كله ليس العلم وحده كما قال أينشتاين Einstein  ، الفكر كله يُوشِك أن يكون في النهاية لُعبة مُقارَنة، فكيف الحديثُ عن مَن لا ضريب له، لا ضريع له، لا شبيه له؟!

كيف الحديثُ وكيف بالحديثِ عن الواحد – لا إله إلا هو – في ذاته وصفاته وأسمائه؟!

واحد مُتوحِّد في الجلال بكمال العز وصنوف الكمال التي تقصر العبارةُ عن إحصائها أو الذهن عن الإشارة إليها، فكيف؟!

ولذلك وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩، فثمة معنىً عجيب – أيها الإخوة – لفت إليه غير مرة ولا سيما في الخُطبة الأخيرة تقريباً، وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩ فالله – تبارك وتعالى – هو سقف المعنى – كل معنى – فإن تحدَّثت عن الأخلاق هو ضمانة الأخلاق، لأنه سقف المعنى الأخلاقي والنهاية إليه – وسأشرح هذا بُعيد قليل -، إن تحدَّثنا عن تحري وتقصي العالم الموضوعي الطبيعي الخارجي – العلوم الطبيعية الصلبة – هو سقف التفسير وسقف الفهم، إن تحدَّثنا عن البناء المنطقي للذهن الإنساني – للعقل أيها الإخوة – هو السقف أيضاً، لذلك ليس هو – لا إله إلا هو – ضمانة وجود الموجودات ونحن من ضمنها فقط بل هو ضمانة كل ما ذُكِر وما لا يُذكَر ولم يُذكَر وهو كثيرٌ جداً، أكثر بكثير مما ذُكِر ويُذكَر أيها الإخوة والأخوات .

في حوار قصير بيني وبين أحد أحبابي قلت له “لا معنى أصلاً لشيء بغير الله” فقال “لم أفهم “فعسى أن تكون هذه الخُطبة ومثيلاتها مُساهَمة في الإفهام كامتداد – أيها الإخوة – واستمرار لمثل هذه المُحاوَرات إذن فكيف لا معنى؟!

لأننا سنسقط – أيها الإخوة – تماماً في العدمية – في نزعة العدمية – أو ما يُعرَف بنزعة الـ Nihilism أو النيهلية. كما يقول العرب فكلمة   Nihilism  تعني العدمية، والعدميون ملاحدة ومتسقون تماماً مع مبادئهم التي انطلقوا منها أي مع أساس وجذر الرؤية الكونية أو ما يُعرَف بالـ World of View لديهم فإذن هؤلاء مُتسِقون ولكن الذين يتحدَّثون عن نظام للعالم، وقوانين حاكمة على هذا العالم – العالم الموضوعي الطبيعي – وأن العقل الإنساني مُهيّأ ولائق للتعاطي مع هذا النظام وهذه القوانين ثم يُنكِرون وجود الله – تبارك وتعالى – هم مُتناقِضون ومُنتحِرون  – مُتناقِضون تماماً – لأنهم غير مُتسِقين مع مبادئهم ومُنطلَقاتهم وهم لا يشعرون بهذا، ومن ثم علينا أن نلفتهم إلى هذا، وقد فعل هذا كثيرون طبعاً من أصحاب الرؤية الإلهية في القديم والحديث ولكن لابد أن يلتفت هؤلاء جيداً لأنهم يمضون بضع خُطوات   ثم لا يبلغون إلى تمام الشوط، يقفون لأنهم مُقصِّرون في التفكير، تفكيرهم فيه قصور وفيه عجز وفيه كسل، ومن ثم عليهم أن يكونوا أكثر جرأة وأكثر تيقظاً وأن يذهبوا إلى آخر لوازم وتوالي ومُعِّقبات تفكيرهم، والعدميون فعلوا هذا وقالوا “لا غرض – لا هدف – في الوجود كله وبالتالي لا معنى، فلا معنى في الوجود المادي ولا معنى في الوجود المعنوي، لا معنى للحياة الإنسانية، لا معنى لأي شيئ ” هؤلاء هم العدميون تماماً، وطبعاً لكم أن تشتقوا وأن تتصوَّروا وعود هذه العدمية على المُستوى الأخلاقي، على المُستوى الاجتماعي، على المُستوى السياسي، على مُستوى العلاقات الفردية والعلاقات بين الأمم والجماعات والدول، شيئ مُخيف مُرعِب، والإلحاد يمشي في هذا الطريق والسبيل حتماً رغماً عنه وإن لم يكن واعياً – أيها الإخوة – بهذا المشي، بهذا المسلك، بهذا النهج، فهو يفعل هذا شاء أم أبى .

 حوارات أفلاطون
حوارات أفلاطون

نبدأ بمسألة وهى من أعقد ما يُسمى بالمُعضِلات الفلسفية، وفي الحقيقة كل شيء له حل – يجد له حلاً – لا يُعتبَر مُعضِلة، يُعتبَر مُشكِلة ولكنه ليس مُعضِلة، ولكن هم يسمون هذا مُعضِلة وطبعاً بعضهم يُسميها مُفارَقة – مُعضِلة تعني Dilemma بالإنجليزية وكذلك بالإلمانية -، إذن لدينا  مُعضِلة – Dilemma – أخلاقية، وهذه المُعضِلة كان مِن أول ومِن أحسن مَن صوَّرها الفيلسوف المثالي الكبير أفلاطون Plato في المُحاوَرة المشهورة بمُحاوَرة أوطيفرون Euthyphro أو يوثيفرو Euthyphro علماً بأن العرب يسمونه أوطيفرون Euthyphro  وهو أحد تلاميذ وزملاء سقراط Socrates، مُحاوَرة يوثيفرو Euthyphro  أو أوطيفرون Euthyphro تُعرَف أيضاً بمُحاوَرة التقوى، ومُختصَر هذه المُفارَقة أنه جرى حوار بين الاثنين وسُئل أوطيفرون Euthyphro عن الخير، فلم كان الخير خيراً؟!

أي عن مصدر خيرية الخير، كيف نحكم على شيئ بأنه خير؟!

ما هو المصدر؟!

ما هو الاستناد الأول؟!

ما هو المعيار في الحكم؟!
باختصار – أيها الإخوة – هناك مذهب يقول لأن الله – تبارك وتعالى – هو الذي جعله كذلك، وهذه المسألة المعروفة في اللاهوت المسيحي ولدى علم الكلام الإسلامي بمسألة التحسين والتقبيح وهل هما شرعيان أم عقليان، وطبعاً مذهب الأشاعرة، أهل السُنة والجماعة أنهما شرعيان، فالشيء الحسن أو الشيء الخيِّر يستمد حُسنه وخيريته مِن حقيقة أن الله أمر به وأراده، فإذا أمر الله به وأراده ورضيه فهو خير!

وطبعاً هنا يلتفت سقراط Socrates ليقول ” إذن هذا المسلك يدل على الاعتباطية فهذا المسلك مسلك اعتباطي – Arbitrary -، مسلك تعسفي”، فالله شاء أن يجعله خيراً لأن الله فقط أمر به، أي أنك لو سألت أي لاهوتي من هؤلاء أو أي عالم كلام في السياق الإسلامي وقلت له ” هل لو أمر الله – تبارك وتعالى – ورضيَ بقتل الصغار – أن يُقتَل الصغار في المهد – الرُضّع بغير ذنب أسلفوا لهم طبعاً ولا كبارهم أيوالدوهم – مثلاً – سيكون هذا خيراً ؟! ” فسيقول لك هذا المُتكلِّم “سيكون هذا خيراً، فإذا رضيَ الله بهذا وأحبه وأمر به سيكون خيراً”، وهذا ما يكشف عن الاعتسافية لأن العقل يحكم هنا بالاعتسافية، بالاعتباطية، فهل هذا الشيء خيِّر لأن الله فقط أمر به ؟!

فماذا لو أمر بضده هل سيُصبِح هو الآخر خيراً ؟!

يقول لك ” نعم، سيُصبِح خيراً”، إذن هذا مسلك اعتباطي، ومن هنا نحن سنُناقِش هذه المسألة بالذات، ثم يعود يوثيفرو Euthyphro  ليقول “لا لا لا لا لا، إذن الله – تبارك وتعالى – يبدو أنه اختار الشيء الخيِّر- الشيء الحسن – لأنه في ذاته خيِّر” فطبعاً يلتفت سقراط Socrates  ليلفته إلى الجانب الآخر من المُفارَقة قائلاً” إذن الله محكومٌ “، الله محكومٌ بماذا؟!

بقواعد مبدئية، بمعايير يُعيَّر بها الخير والشر كما نحن محكومون بها، فما الحاجة إلى الله أصلاً في هذه المسألة إذن ؟!
إذا كان ثمة معايير أصلية أساسية يُميَّز بها بين الخير والشر والله احتكم إليها، إذن هى سابقة على ماذا ؟!

على فعل الله، سابقة على جعل الله، تقرير الله، نص الله على أن هذا الشيء خيِّر أو شر أو شرير، فإذن ما الحاجة إلى الله؟!

لا نحتاج إلى الله في هذا، وُجِد الله أم لم يُوجَد هذه المعايير ثابتة أزلية وموجودة !

إذن فعلاً يُوجَد Dilemma ، يُوجَد مُفارَقة لوجود شيئ يتحدّى العقل، حيث يُوجَد شيئ يُحيِّر هنا، ولكن وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩ يحل هذه المُفارَقة ولا مُفارَقة في الحقيقة، فلن أُصدَّع رؤوسنا – أيها الإخوة – بالحديث عن الاعتباطية وما هى بالضبط – أي فلسفياً بالذات -، ولكن هناك اعتباطية طبعاً في علم اللغة، في علم الدلالات حيث أن فردينان دي سوسير Ferdinand de Saussure  كان تقريباً مِن أوائل – إن لم يكن الأول – مَن لفتنا بشكل فاقع ونافذ إلى اعتباطية اللغة الإنسانية، جوهر اللغة – أيها الإخوة – الدوال ، يعني الكلمات والعبارات  دال، الكلمة، الملفوظة بإزائها المدلول، حين نقول ” منبر “، المنبر في وجودي الخارجي هو هذا الشيء الذي يُعتلى دون حتى أن نُسميه فالدال كلمة منبر أو Beacon  منارة، وإلى آخره، والدليل على أن اللغات اعتباطية اختلاف اللغات، فالمنبر هذا كل أهل اللغة يُشيرون إليه بكلمة مُختلِفة، بدال مُختلِفة فإذن اختلفت الدوال واتحد المدلول، وهكذا الأمر في كل الأشياء، إذن هذه المسألة اعتباطية فضلاً عن أنه كان يُمكِن للعرب ألا يُسمونه منبراً ، ويُسمونه – مثلاً – ماذا رنبراً أو أي شيء آخر، فإذن المسألة اعتباطية لأن ليس هناك ضرورة لتسمية هذا الشيء بالمنبر، أي ليس هناك ضرورة واضحة يستطيع فيلسوف العربية أن يقول لك على أساساها ” نعم، لم يكن ثمة خيار لنا إلا أن نُسميه بما أسميناه به “، ومن ثم لا يُوجَد ضرورة – أيها الإخوة – ، لا يُوجَد لزوم عقلي بين الدال ” منبر ” وبين المدلول وهو هذا الشيء ، هذا الجسم ، هذا المُركَّب وهو ما يُعَد اعتباطية في اللغة، ولكننا في هذا السياق نُريد الاعتباطية بالذات في الفلسفة، في المسألة العقلية، يُعتبَر صفة Quality ، صفة أو خاصة لشيء ، لذات ، أو لمعنىً يتم تعيينه وتحديده لا بناءً على ضرورة – إذن ما في مُلازَمة عقلية – ولا بناءً – أيها الإخوة – على معنىً معقول منطقي – Reason يعني – ، إنما بناءً على النزوة، على الهوى، على الاندفاع أو على أي شيئ آخر، ولكن لو تأمّلنا بعمق – أيها الإخوة – سنجد أمرين وهما أن في قلب كل ما يُمكِن أن يُدّعى اعتباطاً وتعسفاً هناك شكل خفي مِن المُقارَنة، وأوضح مِن هذا هناك شكل مِن التعيير، فحين تقول لي ” هذا المسلك اعتباطي ” أنت قلت هذا لأنه غير مُلتزِم بمبدأ ولا بسبب منطقي وعقلي ولم تُمله الضرورة ، إذن أنت تُعيِّر بالضرورة، بالمباديء، بال Reasons، بأشياء أُخرى، ومن ثم الحكم على شيئ بأنه اعتباطي أو معقول دائماً يكون ويأتي محكوماً بمعايير مُستقِّرة، والسؤال الآن :

ما هى المعايير الحاكمة على الله تبارك وتعالى؟!

ما هى المعايير التي تفترض أنت أن الله ينبغي أن يحتكم إليها ويُساق إليها؟!

علماً بأن السؤال نفسه ليس له معنىً، لأن الله بداية كل شيء، خالق كل شيء ومُسبِّب كل سبب بما في ذلك المعايير التي هى أسباب للحكم، فهى أسباب للإدراك والتمييز وبالتالي الحكم، حيث البداية المُطلَقة وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩، أما مَن يُعرَفون اليوم بما بعد الحداثيين هؤلاء لم يكونوا أغبياء على الرغم من أنهم عدميون طبعاً بمعنى كبير، ولكن على كل حال لم يكونوا حمقى ولا أغبياء حين رأوا أننا ننتهي دائماً إلى دائرة مُغلَقة ندور فيها باستمرار، مسار شيطاني لعين لأن كل شيء يُحيل إلى شيء إلى شيء والمسألة مفتوحة لا تنتهي، وبالتالي كل ما نظنه معنىً وهدفاً وغاية في حقيقته لا معنى له، وههذا فهم عميق ودقيق وصحيح بعيداً عن الإقرار بالله – لا إله إلا هو – ، ولكن ما إن نُقِر به –  لا إله إلا هو – ونستعلن بالإيمان به حتى يتخذ الأمر سويةً أُخرى تماماً ونُزايل هذه العدمية ، ولذلك – كما قلت لكم – أساس وسقف كل معنى هو الله – لا إله إلا هو – وبغيره لا يُمكِن إلا أن تبقى المسألة مفتوحة على هذه العدمية وباستمرار، فهى مُتناسِلة بطريقة شيطانية باستمرار فهى لن تُغلَق – لن تُغلَق بمعنىً مفهوم – ولذلك الله – تبارك وتعالى – أساس كل سبب وأساس كل معيار وأساس كل تفسير وأساس كل فهم – لا إله إلا هو -، ومن هنا لا يُمكِن أن تصف خيار الله أو فعل الله أو حكم الله على شيء بأنه اعتباطي فهذا غير صحيح لأن هذا يصح في حق البشر لكن بالذات في حق الله لا يصح لأنه البداية والنهاية فهو البداية المُطلَقة تماماً كما نُفسِّر الوجود بهذه البداية المُطلَقة ولا يتسلسَل الأمر ولكن بغير الله يتسلسَل الأمر إلى ما لا نهاية ونقع في شيء أيضاً أشبه بالعدمية وبالتالي ينتحر العقل هنا، ولذلك هو بداية كل بداية. لا إله إلا هو.
وطبعاً هذا الموضوع – أيها الإخوة – مُكثَّف جداً، ويحتاج فيما أعتقد إلى أكثر مِن خُطبة وأكثر مِن مُحاضَرة لكي ندفع الشُبهات التي يُمكِن أن تورد – وهى واردة بلا شك – على مثل هذا الجواب، ولكن هذا الحديث تحت الحساب كما يُقال!

وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩ أيضاً لتفسير كل تفسير، علماً بأن هناك مُصطلَح معروف جداً وخاصة في هذه العقود الأخيرة يُعرَف بإله الفجوات ، إله الثغورات، وفحوى هذا المُصطلَح أو التعبير أنه كلما تقدَّم العلم أكثر كلما قلَّت الحاجة إلى الله، أي بعبارة أُخرى – نسأل الله أن يغفر لنا قولها ولفظها – وهى ” علمٌ أكثر يُساوي إله أقل، أضعف وأعجز وأبعد” – أستغفر الله العظيم، سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ۩فما معنى إله الفجوات إذن ؟!

إله الفجوات مُصطلَح يعني أن إذا كان هناك شيء لم يُفسِّره العلم- لما نفهمه بطريقة علمية بعدُ – إذن الله أوجده، فيكون التفسير الله، وهذا هو إله الفجوات.

إله الفجوات مُصطلَح يعني أن إذا كان هناك شيء لم يُفسِّره العلم- لما نفهمه بطريقة علمية بعدُ – إذن الله أوجده، فيكون التفسير الله، وهذا هو إله الفجوات باختصار شديد جداً جداً جداً، شيئ لم يُفسِّره العلم إذن التفسير هو الله فالإيمان بالله هو الذي يُفسِّره، ثم غداً أوبعد غد العلم سينجح في تفسيره ومن ثم يتراجع الله، فعندما ينجح العلم في سد مُعظَم هذه الفجوات يتراجع الله باستمرار حتى تختفي الحاجة إليه ، ومنها استعلان عدد كبير بلا شك حقيقةً من العلماء وبالذات علماء الأحياء بدرجة أولى بالإلحاد لأن أكبر نسبة إلحاد في العصر الحديث هى بين علماء الأحياء – البيولوجي Biology – بسبب طبعاً نظرية التطوّر – وهذه المسألة معروفة – ثم بعد ذلك بين علماء الطبيعة فهم يقولون ” لا حاجة بنا إلى الله ، إلى فرضية الإله، لأن العلم فسَّر أشياء كثيرة كانت دائماً تُعزى إلى الله، أما الأشياء التي لم ينجح العلم بعد في تفسيرها نحن واثقون تماماً وبشكل يقيني بأنه سيفعل يوماً ما، غداً أوبعد غد أو بعد ألف سنة، بعد مائة ألف سنة، في أوقت فالمُهِم أنه سيفعل، وبالتالي لا حاجة بنا إلى هذه الفرضية “، وهنا – أيها الإخوة – مُغالَطة رهيبة ومن ثم أنا أُصدِّع الرؤوس بمثل هذه الموضوعات التي وبلا شك فيها نوع من الغموض، نوع من الصعوبة، نوع من العمق ولكنني أفعل هذا استنقاذاً لفلذات أكبادنا، لأولادنا، لأحبتنا، إخواننا وأخواتنا، خاصة من الذين لم يتلقوا بلا شك تدريباً عميقاً ومُحترَماً في العلوم العقلية فضلاً عن فلسفة العلوم وبالذات العلوم الحديثة والمُعاصِرة للأسف الشديد بحكم السن وبحكم أشياء كثيرة ولذلك يُضحَك عليهم في المُنتديات وفي غير المُنتديات ويُجَرون إلى الإلحاد وإلى إنكار وجود الله وبالتالي الأديان وما أتت به هذه الأديان وصولاً إلى سب هذه الأديان والرُسل والأنبياء والمُتدينين ، فهذا أمر فظيع، مُخيف وكارثي بل – والله – أكثر من كارثي لأنه يُقوِّض كل شيء في النهاية، يُقوِّض كل شيء له معنى في حياتنا، ولذلك نحن مُضطَرون إلى طرح مثل هذه الموضوعات على ما فيها من غموض ربما وصعوبة فتحمَّلونا وشكر الله لكم جميعاً.

أيها الإخوة :

هذه الطريقة في التفكير أنا أعتقد أن أي إنسان مسلم قرأ مُلخَّصاً معقولاً في علم العقيدة، في علم الكلام سوف يسخر منها حتى وإن قلت له أن العالم الطبيعي فلاناً – وهو من أكبر العلماء مثلاً في العصر الحديث – يُفكِّر على هذا النحو لأنه سيقول لك ” هذا لا يعنيني”، كما قال البروفيسور Professor / جون لينكس John Lennox ” الهراء يبقى هراءً وإن قال به وفاه به أكبر عالم”، فهو في نهاية المطاف هراء وانتحار عقلي منطقي، فماذا نفعل إذن ؟!

كان بودنا أن نحترم هذا الهراء، ولكنه لا يُحترَم – هذا الهراء لا يُحترَم – ويبقى هراءً،  وعلى كل حال حتى لا نُطوِّل فقط بالتشقيقات لابد أن نقول مَن قرأ متناً بسيطاً  مُتواضِعاً إلى حدٍ ما في علم الكلام، في علم العقيدة ، بل مَن قراءة معقولة لكتاب الله – تبارك وتعالى – فضلاً عن الأحاديث النبوية الصحيحة المُستقيمة – أيها الإخوة – سيخرج من هذه القراءة ويخلص منها إلى أن الله – تبارك وتعالى – صرَّح في مئات الآيات والنبي في ألوف الأحاديث أن الكون محكوم بالأسباب، والإمام ابن قيم الجوزية يدّعي – وهو أكيد صادق فيما يدّعي – أن النصوص في الكتاب والسُنة التي تُثبِت فاعلية الأسباب وتأثير الأسباب تنوف وتزيد على عشرة آلاف نص، وعليكم أن تحفظوا هذا الرقم، فلديكم أكثر من عشرة آلاف نص في الكتاب والسُنة بمثابة تصريح من الله ورسوله بأن الكون محكوم بالأسباب ، بشبكة أو بمظلة من الأسباب فالله لم يخش أن يقول هذا، فما المُشكِلة في هذا؟!

ولذلك لا يهتز المسلم الدارس لعقيدته على بصيرة وعلى نور وهُدىً من ربه ومن دينه ومن نبيه ومن كتابه، لا يهتز البتة حين يسمع بالقوانين  والنظريات العلمية التي تُفسِّر ويقول لك:

لا بأس فهذا عادي جداً، وما المُشكِلة في هذا ؟!

هذه القوانين ليست شريكاً مع الله – تبارك وتعالى – ولا تتعارض مع وجود الله لأن تفسير الأشياء بالله لا يتعارض مع تفسيرها بالقوانين وبالأسباب مُطلَقاً!

وسنضرب لكم الأمثال على الرغم من أن المسألة طويلة جداً جداً جداً، ولكن القرآن مليء بأمثال هذه الأمثلة فالقرآن يُسنِد إلى الأسباب المادية الفاعلية والتأثير كقول الله جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ۩، إذن الريح تجيء، وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ۩، ومثل هذه الآية مئات من الآيات تُسنِد كقوله كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ۩، فإذن الريح اشتدت به، فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ۩، إذن الريح تهوي والطير تخطف، كما أن الرياح تلقح السحاب بدليل قوله وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ۩، فإذن الرياح تلقح، والآيات كثيرة في كتاب الله كقوله الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ۩،إذن ما المُشكِلة في هذا ؟!

هذه الأسباب ليست آلهة إلى جانب الله، والله يُصرِّح بهذا تماماً، فالله يُصرِّح في آيات أنه يُنزِل الغيث أي يُنزِل الماء من السماء ويُخرِج به – سببية واضحة، Causality واضحة – ثمر الأرض، نبت الأرض، زهر الأرض، خيرات الأرض، الله يفعل هذا بالماء، بهذا الغيث، وهناك مئات الآيات تقول هذا دون وجود أي مُشكِلة في هذا، ومن عليكم أن تنتبهوا لأنني أُريد أن يكون الأمر أكثر وضوحاً  بقدر المُستطاع فالخلط بين فاعلية الله وفاعلية الأسباب وبين فاعلية الأسباب وتفسير الوجود على أنه مُبدَع مخلوق لله خلط سخيف جداً جداً جداً جداً ولا يقع فيهأي دارس لمتن بسيط في الفلسفة أو المنطق الصوري، فما رأيكم؟!

وهو خلطٌ يُعرَفُ في هذا المنطق بالخلط المقولاتي Category Mistake. بالخطأ المقولاتي، وسأُوضِّح هذا الخلط المقولاتي – Category Mistake – لكم وسوف تشتد دهشتكم طبعاً من هذه الحماقات التي يتورَّط فيها بعض كبار العلماء في الفيزياء والاسترونومي Astronomy والأحياء لأنهم ليسوا فلاسفة ولا مناطقة – يتورَّطون طبعاً – فلا تغتروا بهم وحكِّموا عقولكم، لأنك ستُحاسَب يوم القيامة وفق ما أُوتيت مِن عقل، وإياك أن تنقاد في مسائل الإلهيات والإيمان والأخلاق إلى عقول الآخرين لأنك ستكون وقعت في مُغالَطة السُلطة فلا تقل ” كيف لا أقتنع والقائل هو فلان الفلاني ؟! ” لأنك يا سيدي أنت مُكلَّف بعقلك وليس بعقل فلان الفلاني، وكما أقول دائماً مثلما أن فلان الفلاني عالم كبير ومُلحِد يُوجَد هناك علان العلاني وهو عالم كبير – بل وأكبر ربما – ولكنه مُؤمِن، فلماذا لم تتبع هذا ؟!

فإذن هى مسألة الهوى واللجاجة، ولكن الأحسن مِن هذا ومِن هذا أن تُحكِّم عقلك، فما معنى الوقوع والتورّط في الغلط المقولاتي ؟!

مثل ماذا مثلاً ؟!

مثل ماذا ؟!

أرسطو
أرسطو

المقولات كثيرة علماً بأن أرسطو Aristotle طبعاً فهم الوجود كله على أنه محكوم بالمقولات العشر وفي رأسها الجوهر، ومِن هذه المقولات مقولة أن يفعل ومقولة أن ينفعل – أي مقولة الفاعلية ومقولة الانفعالية – ،فمثلاً لو جرى حوارٌ بين اثنين :

هل هذا الشيء سواءٌ أكان إنساناً أم حيواناً أم آلة لائق ومُقتدِر ومُتمكِّن مِن أن يتألَّم؟!

هل هو مُهيَّأ لأن يشعر بالألم؟!

ستقول لي ” ما هذا السؤال؟! “على الرغم من أن هذا السؤال مطروح، ودائماً ما يتساءلون :

الكمبيوتر Computer – مثلاً – هل يشعر بالألم؟!
الحيوانات هذه هل تشعر بالألم؟!

ديكارت
ديكارت

وهذا السؤال طبعاً قطع فيه ديكارت  Descartes – رينيه ديكارت René Descartes العالم والفيلسوف الكبير – بالنفي قائلاً “الحيوانات لا تشعر بالألم ” وهذا غلط وواضح أنه هذا غلط كبير، لأنه وقال “الحيوانات لا تشعر بالألم فالإنسان فقط يشعر بالألم”، وعلى كل حال لو جرى مثل هذا الحديث – هل تشعر الحيوانات بالألم ؟! – ثم اتخذ الحديث وجهة أُخرى بإثبات أحد المُتجادِلين أن الحيوانات قادرة على أن تُؤلِمنا، كحمار يرفسنا – مثلاً – أوحية تنهشنا أو عقرب تلدغنا، فهذه الأمور بلا شك تُسبِّب لنا الألم، ثم سلَّم له مُحاوِره بذلك ولكنه انتهى مِن هذا إلى القول “بما أنها قادرة على أن تُؤلِم إذن هى قادرة ولائقة على أن تتألَّم “وهذا كلام فارغ ولا يُمكِن أن يقع ، لأن هذا خطأ مقولاتي Category Mistake، فماعلاقة هذا بهذا؟!

صحيح ثبت وسلَّمنا لك أنها قادرة على أن تُؤلِم ولكنه هذا لا يعني أنها قادرة على أن تتألم، فما علاقة أن يفعل بعلاقة أن ينفعل ؟!

أي ما علاقة أن تُؤلِم بأن تتألَّم؟!

هذا خطأ مقولاتي، وقس على هذا مقولة الوضع، مقولة الأين، ومقولة المتى!

سيقول لي أحدهم:

كيف يُمكِن تطبيق هذا على المسألة التي ذكرتها قُبيل قليل وهى العلاقة بين الله وبين الأسباب؟َ!

سأُوضِّحها بمثال آخر لتُصبِح أكثر من واضحة، فأنا مُتأكِّد من أن كل إنسان لم ينتحر عقلياً ويحترم عقله سيقول “لله در الحق ومَن قال به، فعلاً كنا مخمومين، كنا مخدوعين، كنا مُضلَّلين، فالمسألة واضحة جداً” ، فلو أخذنا – مثلاً – نظام التلغراف – التلجراف Telegraph – الذي اخترعه صمويل مورس Samuel Morse أو – مثلاً – الطائرة التي يعود الفضل فيها الأخوان رايت Wright Brothers أو الراديو  Radio الذي ساهم فيه غولييلمو ماركوني Guglielmo Marconi الإيطالي كمثال ثم جاء أحدهم وقال لك”أنا الآن سأشرح لك تماماً – وأنا مُتخصِّص – كيف يعمل الراديو Radio ” وفعلاً أخذ يشرح لك كما شُرِح لنا في المدارس هذا الأمر في مادة الفيزياء ومن ثم فهمنا تماماً كيف يعمل الراديو Radio وآليات عمل الراديو Radio، ثم قفز لك أحدهم هكذا قائلاً” هذا الأمر مُمتاز جداً، إذن الراديو Radio ليس له مُوجِد، ليس له صانع، ليس له مُصمِّم”، فسنسألة:

لماذا له صانع يا رجل ؟!

سيرد مُجيباً:

لأننا فهمنا القوانين، الآلية، الكيفية التي يعمل بها، إذن ليس له صانع.

وهذا ما يحدث الآن في موضوع الكون بالضبط، لأننا فهمنا كيف تدور الأجرام، لماذا لا تنهار السماء – وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ ۩ – والجاذبية كونية، ولدينا نظريات طبعاً كنظرية نيوتن Newton – مثلاً – ونظرية أينشتاين Einstein في الجاذبية الكونية، ومن ثم قلنا:

بما أننا نجحنا في فهمنا هذا فما حاجتنا إلى الله إذن؟!

وتماماً هذا ما يقوله كل ملاحدة العلماء اليوم، فهل يا رجل إذا فهمنا كيف يعمل الراديو Radio يعني أنه لا حاجة إلى الإيمان بأن ماركوني  Marconi  صنعه أوغير ماركوني  Marconi؁ل وبه مليارات النُدف وتقريباً كل واحدة طارز خاص في الجمال”.

ما هذا؟!
كل هذا – أيها الإخوة كما قلت لكم – لا يُوجَد مجال له بأن يُفسَّر بالضرورة، هذا كذب لأنه واضح عدم وجود أي ض

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 9

اترك رد

  • أكثر ما يثير العجب أن نسمع بعلماء لا يتعرفون على الله و لا يخشونه لأن الله تعالى قال { إنما يخشى الله من عباده العلماء } لما يرون من دلائل كثيرة على قدرة الله و عظمته لا كباقي البشر الذين لا يجربون تجاربهم و لا يدرسون دراستهم و حساباتهم و لا يمكن بحال أن ينكروا إلا أن يريدوا هم التعامي و الإصرار عليه أو ربما لأن التوحيد درجات و لذلك الجنة درجات و لذلك قال النبي عن فئة من الموحدين سماهم ( المفردون ـ سبق المفردون ـ ) فالتفريد أعلى مراتب التوحيد و ربما يرتبط علوّ التوحيد و ازدياده بعدد المواقف و المرات التي يشهد بها الإنسان دلائل عظمة الله و قدرته و كيفية انفعال المتلقي لتلك الرسائل المبيّنة لقدرة الله ووجوده فالمتلقي الجيد يعرف أن { فوق كل ذي علمٍ عليم } فتكبُر شهادتهُ و تزداد أكثر مما كانت عليه و مهما كبرت شهادة العبد بوحدانية الله و عظمته يبقى يعتقد أن هناك من هو أكبر منه شهادة بذلك { شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } { قل أي شيءٍ أكبر شهادة قل الله شهيدٌ بيني و بينكم } … ما أروع أن يجتمع العلم مع التوحيد . و الأجمل منه أن يعرف العالم ودّ ربه لعباده من خلال أن يُريهم آياته فشعورياً بماذا تفسَّر كل مشاهد آثار رحمته و دلائله بارعة الصنع و الحبكة سبحانه غير كأن صوتاً حبيباً يقول لمن ظل تائهاً دهراً يبحث عن مكانٍ يأوي إليه و يرتاح : ها أنا ذا راحتك و رجاؤك و سرورك { هذا ما كنتَ منه تحيد } و تهرب من الإذعان إليه و الإخبات له و الخضوع بين يديه … أنا النعيم و السعد الذي طالما كنتَ تحيد عنه بعنادك و طول أملك و إقبالك على كل شيء سواه ……

  • نعم بنى الله كونه بالأسباب، أضيف هنا ملمحآ أن الله اختار بناء كونه بالأسباب و هذا سر من أسرار عظمته، هنا تأتي ميزة الإيمان، الذي يتخطى الأسباب، مَن عَلق في هذه المرحلة و أصر أنها المُنتهى، فاتته المراحل التي بعدها، هنا يأتي الإيمان، و نفسه رب الأسباب، جعل المعجزات و الخوارق التي لا تخضع للقوانين.
    الملمح الثاني الذي أريد ذكره هنا هو الخير و الشر الذي ذكره معلمنا الدكتور عدنان إبراهيم في بداية الخطبة، فأقول كل أفعال الله خير، كل أقدار الله خير، فمثلآ لو أراد الله لطفل الموت في طفولته لحكمة يعلمها، فذلك خير بعلمه و حكمته و قدرته، مع ذلك خاطبنا بفهمنا للموت و بمستوانا و محدوديتنا فقال (إذا أصابتكم مصيبة الموت)، إنها مصيبة بمقاييسنا و ليسى على الحقيقة، كما أن الله من رحمته بنا أجرى قَدَرَه بطرق خفية فلم يكلفنا بتنفيذها، حين أوحى الله لسيدنا إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل، لم يأمره صراحة، لقد أوحى له بحُلُم، و هذا ما ميز إبراهيم خليل الله، لم يكن الله ليأمر بشرآ صراحة بأمر كهذا لأنه لو لم يكن مميزآ كإبراهيم، لربما عصى الله و لم يقدر على فعل ذلك، ما أرحم الله بنا و لا ندرك مدى هذه الرحمة، و حتى حين أراد إبراهيم تنفيذ الأمر كفاه الله العظيم ذلك، لم يكلفنا الله سوى القليل و البسيط و السهل من التكاليف، و مكافأتنا الجنة، ما أعظمه من خالق، و ما أضعفنا من خَلق، فحين يكون هنالك قَدَر أكبر من قدراتنا و فهمنا، أو بحسب فهمنا هو (شر)، لم يأمرنا به، بل إنه حققه سبحانه بطرق خفية، حقيقة الخير و الشر لا يعلمها إلا الله، نحن قاصرون عن الإحاطة بذلك، لذا أناط الله الموت لمَلَك، و أناط خزانة جهنم لمالك، أنظر إلى العبد الصالح في سورة الكهف مع موسى عليه السلام، لم يستوعب سيدنا موسى فكرة قتل غلام صغير على يد عبد من عباد الله، لو أن الغلام مات من مرض ألَم به أو حادثة أو بلا سبب واضح، لتقبل موسى ذلك، لربما فكر أن لا بد من حكمة وراء موته، إذن لقد كفانا الله تدبير كونه سبحانه جل في علاه، الذي يعلم الخير و الشر، الذي لا يَحُد علمه و قدرته شيء لا إله إلا هو سبحانه المتعالي عن المشابهة و المشاكلة لخلقه.
    هذا و الله أعلم.

%d مدونون معجبون بهذه: