أين الحصان؟ جدل المعراج والمعجزة – الجزء الأول

video

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، ونجيبه من عباده، وأمينه على وحيه. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.

ثم أما بعد/

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/

يقول الله جل مجده في كتابه العزيز، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى *

صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.

إخوتي وأخواتي/

فيما يحكيه لنا التاريخ، أنه لما أُدخلت أول سيارة أو عربة، إلى النمسا، قبل أكثر من قرن من الزمان، كان الذي تقدم إلى شرائها رجل من العائلة المالكة، أمير من آل هابسبورغ Habsburg، أرشيدوق Archduke كما يقول العرب. وقد صحب هذه العربة الأولى مُهندس خبير في ميكانيك السيارات، وجعل هذا المُهندس على مدى ساعتين بطولهما، يشرح للأرشيدوق Archduke النمساوي، كيف تعمل هذه العربة الغريبة الجديدة، بطريقة علمية مُبسطة. وما كان من الأرشيدوق Archduke بعد مُضي ساعتين، إلا أن قال نعم، نعم، لقد فهمت كل ما قلته، لكن أين الحصان؟ أين الحصان؟

ماذا أردت من تقديمي بهذه القصة الطريفة؟ أردت من وراء تقديمها وقصدت إلى أن أُشير إلى أنه ليس كما يتصور مُعظمنا، ليس من اليسير وليس من السهل، علي الإنسان عموما، أو على عموم الناس بالأحرى؛ لأنه يسير بلا شك على فئة محدودة من الناس، أولئك الذين أدمنوا التفكير، أولئك الذين أيقظوا ملكات النقد، أولئك الذين يعشقون القراءة والاطلاع على كل جديد، يسير على هؤلاء! يسير على هؤلاء، ما ليس بيسير على عموم الناس، من تغيير مواقفنا، من قضايا كثيرة، لمُجرد قيام الدليل، لمُجرد حضور الدليل.

أنت يُمكن أن تشرح عن الدليل على نحو ما شرح هذا المُهندس للأرشيدوق Archduke ساعات طويلة، ثم تُواجه بسؤال أين الحصان؟ ولكل حصانه! ولكل حصانه، ولكل قضية حصانها أو حمارها – أكرمكم الله -! أين الحصان؟ لا يزال تحت تأثير ما يُمكن أن أُسميه القصور الذاتي المعنوي، القصور الذاتي الروحي! فيبدو أن البشر لا يخضعون للقصور الذاتي المادي فقط، كما تخضع كل طبعا المواد والأجسام، بل يخضعون لنوع آخر أكثر إرهاقا وأكثر ثقلا من القصور الذاتي الفيزيقي أو المادي، إنه القصور الذاتي الروحي والمعنوي! من الصعب أن نُغيره!

لماذا أقول هذا؟ أقول هذا؛ لأن للأسف الشديد المشهد الآن الثقافي في العالم العربي والعالم الإسلامي ربما عموما، يعج بأشياء أشبه بالعبثية، أشبه بالعبثيات! كلام – أيها الإخوة – بالذات في الشؤون الدينية، وليس حتى في الشؤون الدينية على المُستوى التشريعي؛ حلال وحرام، في الشؤون الدينية على المُستوى الأكثر عُمقا وأصالة وخطورة وحراجة، أعني المُستوى العقدي الثيولوجي! يتكلمون حتى في هذا المُستوى! طبعا من حق، ومما يُسعدنا، من حق كل أحد أن يتكلم، لكن القانون الساري هنا – وثمة أكيد قانون -، هو كسائر القوانين؛ أن تتكلم عن علم، وأن تتكلم عن تحقيق، وأن تتكلم عن دراية، أن تتكلم فيما تُحسن.

الحاصل في الساحة العربية للأسف الشديد أن هناك كثيرين يتكلمون في مثل هذه الشؤون العقدية الحرجة والزلقة، لكن دون أن يتسلحوا حتى بمبادئ المعرفة في هذه الأبواب! ولن أُفصّل؛ لأن هذا معلوم لمَن يعلمه، معلوم لمَن يعلمه! وأما الذين لا يعلمونه، مرة أُخرى للأسف الشديد، هم عوام الناس، الذين قد يصطنعون مقاييس عجيبة وغريبة في تقييم الحقائق والمعارف، في الشأن الديني، كطول اللحية، أو لفات العمامة، أو هيئة اللباس، أو نبرة الحديث، أو شُهرة القائل، أو طبيعة المنبر الذي يُطل منه هذا القائل على الناس؛ منبر تلفزيون Television، منبر إذاعة، منبر كتاب ومؤلفات ومطبوعات، أم منبر خشبي مثل هذا، لا ندري! على أن الذين يدرون حقا، لا يُقيمون أدنى وزن لكل هذه الاعتبارات. كل هذه الاعتبارات، لا علاقة لها بحقانية أو بُطلان ما يُقال أبدا! والحكيم والعاقل، وبقدر أكثر تواضعا والذي يدري، هو الذي يعرف كيف يُمكن أن تُعيّر الحقائق، وكيف يُمكن أن يُحكم على الكلام، مقولا أو مكتوبا! لكن ضمن أيضا شرط المعرفة والدراية.

هناك كلمة يُطيب لي أن أقتبسها في هذا المقام، وهي مُناسبة بشكل كبير جدا، لعالم نفس المعنى، الناجي من المحرقة؛ فيكتور فرانكل Viktor Frankl، الذي قال ليست الخطورة في المشهد الحالي؛ العلمي والثقافي والفكري، تراجع شمولية العالم! لأنه كان يُلاحظ أن العصر كلما تقدمنا، تزداد فيه وطأة التخصص، وتخصص ضمن التخصص، وتخصص ضمن التخصص الثاني، وهكذا! حتى أصبحت هناك مجالات للتخصص عجيبة غريبة، في مُنتهى العُمق والغموض والدقة. يقول ليس هذا الخطر، بل الخطر الادعاء؛ ادعاء الكمالية، أي ادعاء المعرفة.

ثم يُوضح بعبارة أكثر وضوحا وبيانا، فيقول ليس الخطر أن العلماء يتخصصون – هذا مطلوب، أصبح من لوازم العصر ولوازم التقدم -، ولكن الخطر – والخطأ، نحن لا زمناه – أن المُتخصصين يُعممون. يُعممون! كما يجري التنبيه دائما يا أحبتي، أن هناك عالما لا يُمكن أن تُغمز قناة عالميته في حقله؛ فيزياء، كيمياء، فلك، رياضيات، أحياء، أحياء تطورية، ليس عندنا كلام! لكن يُمكن أن يُوخذ عليه الكثير، حين يبدأ ويتطرق إلى الحديث فيما لا يُحسنه البتة! في قضايا الفلسفة واللاهوت مثلا! على أنه لا يكون أنجز أي دراسة نظامية أو مُحترمة، يُشهد له بها من المُتخصصين في هذه الحقول، على أنه يُعطي نفسه الحق أن يتكلم! لكن كيف – البلية أعظم والمُصاب أفدح – بمَن يتكلمون، وليسوا حتى في أي فن هم مُتخصصون؟ ليسوا مُتخصصين في أي فن، لا ديني ولا دنيوي! مُتخصصون في ماذا؟ واضح أنكم ستُصبحون رُغما عنكم، وإن حسنت نواياكم، مُتخصصين في الهدم. أنتم ستهدمون، ستكونون بمثابة الفيل الذي يدخل قُن الدجاج.

تخيل بالله عليك فيلا يدخل قُن دجاج! سيحطم كل شيء، ويُنهي كل شيء، حقيقة! لأن التخصص والدراية، تُكسب المرء ماذا؟ رهافة. معروف طبعا! حتى كلمة تخصص، تُعطي هذا، أي معيار التبادر في اللُغة! حين تسمع كلمة تخصص، أول ما يتبادر إليك بسماع هذا المُصطلح؛ الدقة. والدقة تُساوق الرهافة، أليس كذلك؟ اسمها دقة! أصلا لُغة الشيء الدقيق هو الشيء الرهيف.

ولذلك الدارس، والواعي، والذي يتكلم في فنه، والذي يعرف متى يتكلم وكيف يتكلم، ويحترم تخصصه، دائما تكون مُقارباته، ماذا؟ أكثر رهافة ودقة من غيره. لا يُمكن أن يكون كالفيل الذي يحطم قُن الدجاج. بالأحرى، سيكون كالجراح الذي يُعمل مبضعه المحمولة بأنامله، والآن بأنامل الروبوتات Robots، تخيل! في موضع جراحته! يعرف تماما، يُميز بين مقامات الأمور والأشياء. إن تكلم، قد يُنمذج لك ما يتكلم فيه، في عناصر سبعة أو ثمانية أو حتى سبعين، Typology! يُنمذج لك! لأنه يعرف ماذا يتكلم، يُميز بين هذا وهذا وهذا. يعلم متى يُستخدم هذا المفهوم وهذا المُصطلح، وبأي قيد أو بأي قيود وبأي شروط وفي أي سياق، ما الذي يتميز به هذا المُصطلح من ذاك المُصطلح، على أنهما فيما يبدو للناس مُتماثلين أو مُترادفين، في ذهن المُتخصص، بالعكس! هما ليسا كذلك بالمرة، أو إلى حد بعيد أو قريب، وهلم جرا!

أُقدم هذا بين يدي حديثي عن اللغط، الذي زحم وسائل التواصل الاجتماعي، وزحم حتى الرائي أو التلفزيون Television كما يُقال، في الأسابيع الأخيرة، وهو للأسف لغط يتجدد في السنوات الأخيرة! المعراج، ومعراج رسول الله، وإنكار المعراج، ووصم المعراج! وبعضهم تهوك وتجاسر وتجرأ وتواقح على ضم الإسراء إلى المعراج، ووصف الجميع بالخُرافة! وهذا شيء غريب جدا! هذا شيء غريب! ولا بُد أن يكون القول أكثر وضوحا، أكثر وضوحا! إن كنت أيها القائل مُلحدا، لا تؤمن بالله، أو لا تؤمن بنبوة محمدة، وبالتالي لا تؤمن بقرآنية أو القرآن أو ربانية القرآن، إلهية مصدر القرآن! فقل هذا. لكن أما أن تأتي وأن تقول بالأدلة وبالعقلية وبكذا، هذه خرفة، فلا. أدلة ماذا؟ أنت تحتكم إلى ماذا؟

لكي يكون نقاشنا مضبوطا ومُمنهجا لهذه المسألة، التي ليست في الحقيقة بشائكة، صحيح ربما تتقاضني أن أتكلم فيها أربع ساعات اليوم، ربما! إن شاء الله أقل من ذلك، لكن ما أُقدره أن هذه المسألة بحد ذاتها ليست شائكة، إذا ضبطنا خُطة النقاش والجدال والسجال حولها. كيف؟

حين تتكلم عن قضية الإسراء والمعراج، أو المعراج وحده، ستتكلم من زاويتين؛ إما من زاوية دينية، أو زاوية غير دينية. هذه الزاوية غير الدينية، ستكون إما علمية وإما عقلية، أليس كذلك؟ حتى تحكم بأن هذا الشيء مُمكن أو غير مُمكن، خُرافي أو غير خُرافي. وطبعا لن أخوض حتى في التفريق بين الخُرافة والأسطورة، وبعضهم لا يُفرق، على أن هناك فرقا كبيرا بين الخُرافة والأسطورة! لكن بعضهم هكذا كما قلت لكم لا يُفرق؛ خُرافة، أسطورة، أكذوبة، أزعومة! أي شيء! كله ماش!

فإن تكلمت من ناحية دينية، نعم الأمر فيه منادح للنظر. كيف؟ أنا لن أتكلم الآن لأُفرغ عن منطق العامة. منطق العامة أن الإسراء والمعراج حقيقتان عقديتان، تصفان واقعتين قطعيتين، حصلتا لرسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله -، في الليلة ذاتها، في الليلة نفسها، وهذا كان قُبيل الهجرة بنحو سنة، إلى آخره! لا، هذا منطق العوام، ليس بالضرورة أن يكون الأمر على هذه الشاكلة، أو على هذا النحو.

إذا ذهبت تستشير المراجع الدينية المُعتمدة والمُحترمة، فسيهولك، بل سيُصدعك حجم الاختلاف، في مسائل كثيرة، في مسائل كثيرة! أنا لن أُفيض فيها هنا؛ لأن هذا متروك أيضا للنظر فيه في مظانه، تطلبه من مظانه! لكن سأُعطيكم نبذة بسيطة جدا.

هذا من العهود الأولى، يوم كتب محمد بن إسحاق – رحمة الله عليه – صاحب السيرة، التي جاء العلّامة ابن هشام ولخصها، وأصبحت تُعرف بسيرة ابن هشام، على أنها سيرة مَن؟ ابن سحاق! التي لم يصلنا منها إلا جُزء يسير، والباقي فُقد للأسف مع الزمان، أو سقط من يد الزمان كما يُقال! ابن إسحاق – رحمة الله عليه – عرض لرأى أمنا الصديقة عائشة – رضوان الله عليها -، التي كانت ترى أن الإسراء لم يكن بالروح والجسد، كان فقط بالروح، وتقول ما فُقد جسد رسول الله – صلى الله عليه وآله -، وإنما أُسريَ بروحه. مُعاوية بن أبي سُفيان نفس الشيء؛ يرى أن الإسراء كان بروح رسول الله.

ثم يُورد العلّامة ابن إسحاق – رحمة الله عليه -، عن الحسن البِصري، الإمام الشهير الحسن بن أبي الحسن البِصري، أبي سعيد، أنه قال كان رؤيا في المنام. واستشهد بقوله تبارك وتعالى وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ *، في سورة الإسراء. ابن إسحاق يُعلق أن كل ذلك حق وصدق. يقول لك الأمر فيه سعة. تُحب أن تجري في مهيع وفي أثر جماهير الأمة؟ وحتى نكون صادقين مع النقول – هذه مسألة نقلية الآن – نقول إذا أردنا أن نكون صادقين مع النقول، جماهير الأمة المُحمدية يا إخواني، على أن الإسراء والمعراج تما بالروح والجسد، تما بالروح والجسد! وعندهم أدلة كثير، عندهم أدلة كثيرة! لكن ها هي عائشة يُنسب إليها أنها تقول بالروح.

وعلى فكرة، العلّامة ابن قيم الجوزية – رحمة الله عليه -، وهو من أكثر ما يُرجع إلى كتابه زاد المعاد في هدي أو هُدى خير العباد – صلى الله عليه وسلم -، كتاب في فقه السيرة على فكرة! هو كتب في فقه السيرة، لكن بطريقة لم يُنسج على منوالها – سُبحان الله – من قبل! وكل مَن أتى بعده، إلى يوم الناس هذا، عالة عليه، ويقيلون إليه! يعقلون إليه؛ لكثرة ما فيه من تحقيقات مُستجادة وبالغة النفاسة، فجزاه الله جزاء شاكر. العلّامة ابن القيم حين تحدث بالذات عن الإسراء والمعراج، ماذا قال؟

قف على حديثه هناك! أي كما قلت لك سوف يُدهشك ويُثير استغرابك، هذا الحجم من الخلاف في الموضوع! لكن من أجود ما تقدم به العلّامة ابن القيم أن ثمة فرقا كبيرا ببن دعوى أن ذلك تم بروحه، أو أنه تم مناما. فرق كبير! ليس معنى أنه أُسريَ وعُرجَ بروحه، أن هذا تم في المنام أبدا! المنام شيء مُختلف، المنام يتفق لكل واحد منا، أي ليس مُستحيلا أن يرى أحدنا نفسه ربما على القمر، وربما اتفقت لبعض الناس، لا يُوجد أي شيء يُحيل هذا! يحضر فيلما عن القمر والذين نزلوا عليه، فربما يتقمص الحالة، ويرى هذا في المنام. أو يرى نفسه على كوكب آخر، في المنام! رؤيا، ضرب أمثال كما يقول العلماء! ملك الرؤيا يضرب مثلا للرائي.

أما بالروح، فهذه رحلة حقيقية، بل ربما أكثر حقيقية في مُستوى نفس الأمر، من أن تكون بالروح والجسد. تعرف لماذا؟ هذا الآن – سُبحان الله – خطر لي أن أقوله، لا أدري هل قاله أحد من قبل، لا أدري! لكن من المعروف أن النفس أو الروح، إذا تجردت من بدنها، عادت أكثر بصرا وأكثر وعيا وأكثر دراكية، هذا معروف! تتجرد! الذي يُحدد مداركها ويُحدد قُدرها، ما هو؟ مُخالطتها للبدن. واضح؟ فإذن قضية أن يُسرى ويُعرج بروح رسول الله، أي مُجردة من بدنه، شيء عجيب جدا! وطبعا ستكون رحلة غريبة وعجيبة! وحقانية تماما. ولعل الأشياء التي تأدت إليه وإلى إدراكه على هذا النحو، تكون أكثر ثباتا وأشرف وأقوى وأشد مما لو تأدت إليه، لو عُرج به روحا وبدنا. هذه مُلاحظة فلسفية ومُلاحظة عرفانية على كل حال، لكن ثبت العرش، ثم انقش.

أثر عائشة – رضوان الله عليها – لم يصح عنها أصلا. وأما أثر معاوية، فمُنقطع، يرويه رجل بينه وبين مُعاوية زُهاء مئة سنة، ويروي عن مُعاوية! عند ابن إسحاق! فواضح أن بينهما مفاوز، أي هذا حتى لا يُمكن تثبيته لا على مُعاوية ولا على أمنا عائشة – رضوان الله عليها -، لكن هكذا أورده ابن إسحاق، وتساهل معه، وقال لك كل ذلك حق وصدق. قلت بهذا، قلت بهذا، الأمر واسع!

النُقطة الثانية التي أُريد أن أُشير إليها وأعطف عليها، هي أن من كبار أئمة المسلمين، بل هو إمام جليل إلى الغاية، وهو إمام الهُدى أبو منصور الماتريدي – رحمة الله تعالى عليه -، مَن قال الآتي. ستقول لي نعم، هذا إمام مَن يُعرفون بالماتريدية؟ نعم. وهم الأحناف، أشقاء الأشاعرة. المالكية والشافعية من عند آخرهم أشاعرة، الأحناف طرا، قاطبة، ماتريدية. والفروق بينهما؛ بين الأشاعرة والماتريدية، في مسائل يسيرة، بعضهم ألف فيها كُتيبا، على كل حال أبو عزبة.

فهذا إمام الحنفية في العقائد، في الأصول! والحنفية من أكثر من سبعمائة سنة تقريبا هم أكثر أمة محمد، أي أكثر مذهب دين به الله – مذهب فرعي – هو المذهب الحنفي. وكل هؤلاء ماتريدية، كل هؤلاء ماتريدية إلا ما ندر، هم ما تريدية! أبو منصور الماتريدي – رحمة الله عليه – وكان مُعاصرا لشيخنا الإمام أبي الحسن الأشعري – رضوان الله عنهما، وعن سائر أئمتنا وعلمائنا -، في تفسيره المطبوع – الحمد لله – من سنين، المعروف بتأويلات القرآن، في سورة الإسراء، لما تكلم عن هذه القضية، ماذا قال؟

طبعا هو بلا شك، مثل كل المسلمين، لا يتردد لُحيظة في ماذا؟ في تثبيت الإسراء. لماذا؟ لأنه قطعي ووارد في كتاب الله؛ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ *…الآية! أما المعراج، فشأنه مُختلف، شأنه مُختلف! يقول أبو منصور – رحمة الله عليه – في تأويلات القرآن نقول فيه – في المعراج – كما قال الصدّيق في قضية الإسراء؛ إن كان قال ذلك، فقد صدق. إن كان! فأبو منصور – انظر، عبارة علمية دقيقة – يقول إن كان في علم الله، أن الله فعلا عرج بنبيه، وحصل ما ترويه الروايات، فسنُصدّق بهذا. وسيسأل بعضكم لماذا؟ أبو منصور كيف يُصبح إمام المسلمين، وهو لا يعلم بالروايات؟ ومَن قال لك إنه لا يعلمها؟ هو يعلم. يعلم بالروايات، ووقف عليها، ويعرفها! لكنه يعرف أيضا أنها روايات آحاد، وإن زُعم فيها التواتر.

قضية زعم التواتر في أربعمائة حديث أو أكثر أو أقل وهذا مُتواتر والمعراج مُتواتر، قضية كادت تكون مثل قضية زعم الأجاميع أو الإجماعات! هذا أجمعت عليه الأمة، وهذا أجمعت، وهذا أجمعت! قضية عجيبة غريبة! وقد ذكرت غير مرة أن من نُبلاء وكبار أئمة الحديث، ليس أئمة الفقه وأئمة العقيدة، وهو الإمام ابن حبان؛ أبو حاتم بن حبان، صاحب الصحيح؛ الأنواع والتقاسيم، في أنواعه وتقاسيمه، بوّب بابا أن الأخبار كلها آحاد. لم يُقر أن في الأخبار ما تواتر، قال لك غير صحيح. القرآن مُتواتر كله، من الفاتحة إلى الناس. أما الأخبار – يقول ابن حبان -، فكلها آحاد. في صحيحه! وهناك مَن يتعاطف مع هذا الرأي، وهناك مَن يُعيد بناء مفهموم التواتر، ويُشكل عليه بإشكالات، لكن ليس هذا موضع الحديث في الموضوع، ليس هذا موضع الحديث في هذا الموضوع الحرج!

على كل حال، فأبو منصور لا شك ولا ريب يعلم، ووقف على أحاديث المعراج، لكنه يدري أنها أحاديث آحاد! فكان ماذا؟ كان ماذا؟ هو قال لكن الأخبار هذه الواردة آحاد، ومثله لا تسع الشهادة عليه. لا نبني إيماننا – يقول! هذا معنى الكلام -، لا نبني العقيدة، على أخبار آحاد! روى فلان، وروى فلان، وأخرج البخاري، وأخرج مُسلم! آحاد لا. العقيدة لا بُد أن يكون فيها النص مُتواترا، مُتواتر الورود. بغير هذا لا نقبل أبدا!

ستقول لي ربما هذا مذهب شاذ! مذهب شاذ لعموم أمة محمد تقريبا – أي لأكثر ربما من نصف أمة محمد، الأحناف -؟ هذا تسرع، ليس مذهبا شاذا. الشاذ يا أحبتي هو عكسه وضده، وإن أكثر وهوّل المُعاصرون. هناك علماء وأفاضل وطلاب علم مُعاصرون يُهوّلون؛ وأن الآحاد كما يُقبل في الفروع، يُقبل في العقائد، وهذا مذهب السلف، وهذا ما عليه الدليل والبُرهان! غير صحيح، جماهير أمة محمد! المُعتزلة قاطبة، والزيدية، والإباضية، ثم من أهل السُنة؛ جماهير الشافعية، وجماهير المالكية، وجماهير الحنفية، ومَن لا يُستهان به من مُحققي الحنابلة، ما رأيكم؟ كل هؤلاء على أن أحاديث الآحاد لا تُفيد العلم، أي لا تُفيد القطع، وبالتالي ومن ثم لا تؤسس عليها عقيدة، ولا يُبنى عليها كل كفر ولا إيمان.

لذلك إذا ذهبت إلى متون عقائد المسلمين، مثل النسفية، للإمام النسفي – رحمة الله تعالى عليه -، وشروحها، وأشهر شروحها وأنبلها هو شرح السعد التفتازاني – رحمة الله عليه أيضا -، فستجد أنهم يذكرون أن مَن أنكر المعراج، لم يُكفر. لماذا؟ لأنهم يعلمون أنه لم يؤسس على قطعي، على مُتواتر. لم يُكفر! نعم يُضلل، يُفسق، لكن لا يُكفر. والعجيب أن بعضهم فصل، وقال لك الإسراء قطعي – وهذا قطعي بكتاب الله -، أما المعراج، فالمعراج به من المسجد الأقصى، إلى السماء الدُنيا – وبعضهم قال إلى الجنة -، فثابت بالمشهور. وأما ما جاوز الجنة من المُستوى وما بعد ذلك، فهذا ثابت بالآحاد. وعلى كل حال، مَن أنكر الثابت بالمشهور، ومَن أنكر الثابت بالآحاد، يُفسق ويُضلل، لكن لا يُكفر. هذا ما ذكره شراح النسفية **، وفي رأسهم السعد التفتازاني.

جوهرة التوحيد، التي شرحها شيخ الإسلام! جوهرة التوحيد للناصر اللقاني – رحمة الله عليه -، وشرحها شيخ الإسلام البيجوري أو الباجوري، الشيخ إبراهيم، العلّامة! جامع العلوم في عصره، الأزهري، شيخ الإسلام في مصر، نفس الشيء؛ فصل قريبا جدا من هذا التفصيل، وقال لك لا يُكفر. فلماذا. نُسارع إلى تكفير الناس؟

على كل حال، مَن أراد أن يتحقق من كلامي هذا – وليس كلامي، هذا كلام العلماء، والمراجع العلمية المُعتمدة – فليعد إلي الآتي؛ تستطيع أن تعود مثلا إلى كُتب ابن عبد البر، التمهيد مثلا؛ لكي ترى أن ابن عبد البر يُقرر مذهب الجماهير؛ الآحاد لا تُعتمد في العقائد. تستطيع أن تعود إلى الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي، إمام الإسلام، إمام المُحدثين، مؤسس علوم كثيرة في الحديث، ما شاء الله عليه! في الدراية، في علوم الدراية! يُقرر مذاهب الجماهير؛ الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد. الحُجة الإمام الغزّالي – قدس الله سره – في المُستصفى وغير المُستصفى، يُقرر مذهب الجماهير. في أثره يسير مَن؟ مُختصر المُستصفى. مَن هو؟ ابن قدامة المقدسي، صاحب المُغني. ابن قدامة الحنبلي، في روضة الناظر وجنة المُناظر، يُقرر المذهب نفسه، ويؤيده! أن الآحاد لا تُفيد القطع، ولا يؤخذ منها العلم، وبالتالي لا تُعتمد في العقائد. ابن قدامة الحنبلي، صاحب المُغني! حتى لا نُسارع إلى تكفير الناس، وإخراج الناس من مِلة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

الإمام الباقلاني، فعل هذا. الإمام القرافي، فعل هذا. العز بن عبد السلام، فعل هذا. الإمام النووي، فعل هذا. يا سيدي حتى ابن تيمية، فعل هذا. ما رأيكم؟ الذي يُعوّل عليه كثيرا هؤلاء المُعاصرون! شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله عليه – يُعوّل عليه هؤلاء المُعاصرون كثيرا جدا! له عبارات واضحة، أنه لا يعتمد الآحاد في العقيدة.

في منهاج السُنة النبوية، الذي رد فيه على الشيعة والقدرية، وخاصة على ابن مُطهر الحلي، صاحب منهاج السلامة، ابن تيمية حين أتى إلى خبر ابن عمر، عن المهدي، رده بأولا، وثانيا. ماذا كان ثانيا؟ قال وثانيا إنه ليس من المُتواتر! فمثله لا يؤخذ به في أصول الدين. ابن تيمية! تصريح منه، في منهاج السُنة، أن الآحاد لا يُعتمد في ماذا؟ في أصول الدين.

وكذلك في نقد مراتب الإجماع! مراتب الإجماع لمَن؟ للعلّامة أبي محمد بن حزم – رحمة الله عليه -. العلّامة الشهير الظاهري ابن حزم، عنده كتاب صغير، كُتيب، اسمه مراتب الإجماع. ابن تيمية علّق عليه نقودا، حقيقة بالنظر، مُهمة، وسماها نقد مراتب الإجماع. حين أتى إلى قول العلّامة أبي محمد بن حزم إنهم أجمعوا على أن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء معه، رده. رده ابن تيمية، قال لك هذا حديث؛ حديث عمران بن حُصين، اقبلوا البُشرى. قال هذا حديث صحيح، وثابت في الصحيح، ولكن رُويَ بألفاظ، منها لا شيء معه، ومنها لا شيء قبله. قال أنا أُرجح أن الثابت لا شيء قبله.

طبعا لو تعرفون لماذا شيخ الإسلام قال هذا، تقشعر أبدانكم كمُوحدين على العقائد الإسلامية المعروفة، وليس الفلسفية، لكن لن أقول هذا؛ حتى لا أوغر ولا أوحش صدور بعض الناس. على كل حال، عودوا، واقرأوا، المسألة مُحققة في مظانها، فرحمة الله عليه، شيخ الإسلام! وأنا دائما أشيّخه؛ لأنه شيخ الإسلام، شئت أنا أم أبيت، وأترحم عليه بكل…أي ماذا أقول لكم؟ بكل صدق – بفضل الله تبارك وتعالى -. لا بُد أن تتسع صدورنا، ولا بُد أن نعرف مقاماتنا كما أقول دائما. اللهم ارزقنا التواضع، وارزقنا الإنصاف.

فابن تيمية يرد على ابن حزم، ثم – يقول من بين الوجوه التي يرد – هو ليس بمُتواتر. إذن كيف تدّعي أن الأمة أجمعت وما إلى ذلك والحديث ليس مُتواترا؟ كيف تعتمده في العقيدة؟ أي عنده كلام، على أن له كلاما آخر قد يُعارض هذا الشيء، لكن على الأقل هما موضعان؛ في منهاج السُنة، ونقد مراتب الإجماع. مُصرحان بأن الآحادي لا يُعتمد في شؤون أصول الدين والمِلة. يُعتمد في الفروع، في الفقهيات، في الحلال والحرام، وليس في الخبر، لا يُفيد العلم. هذه قضية معروفة، وكما قلت لكم موجودة في مظانها.

أختم قبل أن ألج إلى الزاوية الأُخرى التي أُريد أن نُناقش منها موضوع المعراج؛ لأن الذين يُنكرون ويصمون المعراج بأنه خُرافة وأنه أزعومة وأنه أبطولة وأنه أسطورة وأنه…وأنه…وأنه…بعضهم يحتج بالعقل، أنه غير مُمكن وغير معقول! ونحن نقول لهم ونسألهم ابتداءً هل هو غير معقول ماذا؛ عقليا، أم غير معقول علميا؟ هذا ما سوف نُناقشه الحساب – بإذن الله تعالى -، ربما في أكثر من ساعة أو ساعتين أو ثلاث، فيما نستقبل، في خُطبة اليوم وفي درس بعد العصر – إن شاء الله تبارك وتعالى -.

قبل أن أُفضي إلى الزاوية الثانية، أُريد فقط أن أقول لكم سوف تجدون في كلام ابن القيم، وكلام غير ابن القيم، ذكراً لأشياء، بعضكم ربما يصطدم بها لأول مرة! أن الإسراء تعدد، وأن المعراج تعدد، وأن الإسراء والمعراج لم يكونا في نفس الليلة! بل بعضهم يقول لك تم ذلك قبل البعثة. وبعضهم يقول في أول البعثة. وبعضهم يقول قبل الهجرة بسنة، أو بثمانية أشهر، أو بأقل، أو بأكثر. وبعضهم يقول تعددت الإسراءات، ولم يتعدد المعراج. وبعضهم عكس! وبعضهم يقول المعراج، والإسراء بعضهم، كالشاه ولي الله الدهلوي – رحمة الله تعالى عليه -، كانا روحا وبدنا، لكن لا ببدن رسول الله الذي كان يعيش به بين الناس. عجيب! ما النظرية هذه؟ شاه ولي الله الدهلوي، الذي هو مَن؟ أحمد بن عبد الرحيم، مُجدد الإسلام في القرن الثالث عشر الهجري. مدار الأحاديث والأسانيد الآن في القارة الهندية كلها تقريبا، على الشاه الدهلوي – رحمة الله تعالى عليه -.

في كتابه حُجة البالغة، حين تحدث عن الإسراء والمعراج، تحدث أن رسول الله فُعل به ذلك وأُكرم هذه الكرامة الجليلة، بجسد ليس هذا الجسد، وإنما جسد برزخي، بين عالم المادة، هذا الذي نحن فيه، وبين عالم المثال، برزخ بين المثال وبين المادة. وفي ذلك العالم البرزخي، تأخذ الروح بعض أحكام البدن، ويأخذ البدن بعض أحكام الروح. نظرية أشبه بالفلسفية، أشبه! على أنه قالها.

الطائفة الكشفية، فيما حكى عنها الشهاب الآلوسي، أبو الثناء – رحمة الله عليه -، في روح المعاني، تكلمت كلاما قريبا من هذا، قريبا من هذا وليس به! واعتبرها الآلوسي بعد ذلك خُرافة! حديث خُرافة. الأقوال على فكرة مُتعددة، أي بضعة عشر قولا على الأقل، سوف تصطدم ببضعة عشر قولا في حقيقة ما جرى؟ ما الذي جرى؟ وكما يُقال في علم المناهج سؤال ماذا جرى؟ هو مُفتتح البحث التحليلي. إذا أردت أن تُنجز أي دراسة تحليلية، الدراسة التحليلية لا تهتم بالغائي، لا تهتم بسؤال لماذا الغائي، ليس سؤال لماذا الميكانيكي أو السببي؛ لأن لماذا يُسأل بها عن السبب، وعن الغاية. لا تهتم بسؤال لماذا الغائي، التيليلوجي Teleology ! لكن الدراسات التحليلية تهتم بماذا حدث؟ كيف حدث؟ أين حدث؟ متى حدث؟ وأول سؤال، وأهم سؤال؛ ماذا حدث؟ فهذا مُهم جدا.

أي لو لم نخرج من هذ التقدمة، إلا بهذه الفكرة؛ أن علينا أن تتسع صدورنا، ولا نُسارع إلى التكفير، الذي قال فيه حُجة الإسلام الإمام الغزّالي لا يُسارع إلى التكفير، إلا الجهلة. لا نُسارع إلى تكفير المُسلمين، وتكفير الناس، لمُجرد أنهم خالفوا في أمر قر في أذهاننا أنه قطعي وثابت وعلى نحو واحد! فإذا ما بحثنا وفتشنا، وجدنا أنه ليس بالضرورة كذلك، ورأينا الإمام الماتريدي يقول هذا ليس قطعيا، ولا تسع الشهادة عليه. يقول هكذا في تفسيره لكتاب الله، وهو إمام أهل السُنة والجماعة! لا تسع الشهادة عليه. لا نستطيع أن نقول لك عليك أن تعتقد بالمعراج، وهذه عقيدة، ومُنكرها كافر. قال لا، لا تسع الشهادة على ذلك! لكن إن كان حدث فعلا، والله فعل هذا برسول الله، فيا حيهلا، وسمعنا وأطعنا، ولا نستطيع أن نتردد! لكن من أين لنا، والأخبار آحاد؟

على كل حال، أنا لا أُريد أن أُطوّل في تحقيق هذه النُقطة بالذات. هذه النُقطة موجودة في الكتابات الشرعية، ومُتاحة للجميع. النُقطة التي أُريد أن أُخصّص لها باقي الخُطبة ودرس ما بعد العصر – إن شاء الله تبارك وتعالى، إن سمح الله بذلك – عن المعراج، على فرض ثبوته، والراجح بحسب جماهير الأمة أنه ثابت، وأكرم الله به نبيه، وأكرم الله به! ستقول لي أكرم؟ هو مُعجزة ولا كرامة؟ انتبهوا، الأنبياء تحصل لهم ثلاثة أنواع من الخوارق. هنا انظر؛ علم العقيدة الإسلامي، يُسمونه علم الكلام، دقيق جدا ومُفصّل وعلمي وعميق. ليس كل خارقة مُعجزة، لا! الخوارق أنواع كثيرة. ما يحصل أو يتفق للأنبياء منها – بفضل الله – ثلاثة أنواع؛ الإرهاصات، والمعاجز أو المُعجزات، والكرامات.

والفرق بينها أن الإرهاصات هي خوارق العادات التي تظهر للنبي أو الرسول قبل بعثته، قُبيل بعثته، إرهاصا، إرهاصا ببعثته، إرهاصا أنه اقترب الأمر، أوشك الأمر – بإذن الله -، تنبيها. طبعا النبي لا يفهم هذا، لكن بعد أن يُنبّأ يقول نعم. كما قال نبينا – صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله – إني لأعرف حجرا بمكة، كان يُسلّم علي، قُبيل البعثة. تخيل! كان يُسلّم عليه. هذا إرهاص، من الإرهاص. تُحدّثه بعض الجمادات مثلا، من الإرهاصات!

ثم ما يحصل له من غير أن يكون مقرونا بالتحدي للكفرة والمُشركين والمُعارضين، يُعتبر كرامة. هل موضوع أن يُعرج به إلى السماء، وإلى مُنقطع الأين، أو يُسرى به مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى *، هل أتى استجابة لتحد؟ لا. إذن هو كرامة، اصطلاحيا، بشكل دقيق اصطلاحي، هذا كرامة وليس مُعجزة بالمعنى الكلامي، بالمعنى العقدي اللاهوتي للمُعجزة.

أما المُعجزة، ما هي؟ المُعجزة أمر يُجريه الله – تبارك وتعالى – لنبيه، أو على يدي نبيه، أو رسوله، خارق للعادة – وهذه المسألة مُهمة، سنُفصل فيها -، ليس خارقا للعقل، ليس خارقا لبدائه العقول، لقوانين العقول، أبدا! خارقة للعادة. قوانين الطبيعة في نهاية المطاف، هي قوانين عادية، ليست قوانين عقلية، انتبهوا! هذا مُهم جدا جدا، هذا يجهله كثير من الغربيين الملاحدة، والذين يُناقشون في القضايا هذه، بصراحة! هذه قوانين عادية، وسوف نرى لماذا، فلسفيا نُبرهن هذا.

إذن خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مُوافق للدعوى، سالم من المُعارضة. شروط! تدقيق، تماما! ما هي الدعوى؟ الدعوى؛ يقول النبي إنني نبي من عند الله، الله نبّأني، الله تبارك وتعالى أرسلني إليكم؛ لأُبشركم وأُنذركم. واضح؟ هذه هي الدعوى، جميل! إذن ما دليلك؟ يطلبون ماذا؟ الدليل، الدليل المُفحم، الدليل المُقنع. ما دليلك؟ يقول لهم دليلي هو هذا. يأتي بما يُسمى مُعجزة؛ لأن هناك تحديا الآن.

ولا بُد أن تأتي المُعجزة على وفاق الدعوى. أي مُسيلِمة الكذاب – لعائن الله عليه مُتتابعة – ادّعى النبوة، وسُبحان الله! ووقع تحد؛ يقولون له ما أدرانا؟ هل لديك من دليل؟ أي مُعجزة، آية، بُرهان؟ يقول نعم. فأتى إلى بئر! سمع أن رسول الله تفل في بئر، ففارت ماء عذبا، سُبحان الله! باركها الله. الناس يتداولون هذا عن رسول الله. على فكرة، مُعجزات رسول الله الحسية ثابتة، ثابتة! لكنها لم تكن مُعجزات أيضا بالمعنى الكلامي، كانت كرامات، انتبهوا! لم تأت مُتوفرة على هذه الشروط. كانت كرامات، على أنها خوارق في ذاتها. ومنها نبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام والشراب، أشياء كثيرة جدا! هذه ليست مُعجزات، إنما كرامات، بالاصطلاح الكلامي الدقيق. بعضهم توسع، وسماها مُعجزات. على كل حال، لا، التفصيل أفضل.

فقالوا له محمد فعل كذا. فقال نعم، أنا أفعل أيضا. فأتى إلى بئر، شح ماؤها، فبصق فيها، فغار الماء بالكُلية. إذن حصل شيء خارق، غير طبيعي! أن إنسانا يتفل في بئر، ويغور الماء، هذا شيء غريب! في نفس الوقت! حصل شيء خارق، لكن هذا مُوافق للدعوى أو على نقيض الدعوى؟ على نقيض الدعوى. أبطل دعواه! هذا الخارق أبطل دعواه، أي نادى عليه بالكذب، ما حدث نادى عليه بأنك الأبعد – أعزكم الله – كذاب. وفعلا كذاب مُفتر – عليه من الله ما يستحق -.

ومرة أُخرى، أتاه رجل في عينيه رمد، يشكو من ضعف في البصر وما إلى ذلك، فقال له لا بأس. سمع أن الرسول كان يتفل في عيون أصحابه، فتعود سليمة وما إلى ذلك، النبي عنده عشرات من هذه الأشياء، إن لم يكن بالمئات حقيقة، أُلفت فيها مُجلدات! أبو بكر البيهقي، شيخ الإسلام، وإمام الشافعية في وقته، المُحدث الجليل! عنده كتاب في أدلة النبوة، وطُبع مُحققا في زُهاء ثماني مُجلدات! أبو نُعيم الأصفهاني، له مُجلد كبير عن الموضوع هذا. ابن كثير، جُرد من البداية والنهاية له كتاب ضخم، في مُعجزات رسول الله، وكراماته – الآن بالاصطلاح الخاص بنا -. موجود هذا، مُجلدات عن مُعجزات رسول الله الحسية، معاجزه أو كراماته الحسية.

المُهم، المُسيلِمة هذا تفل في عيني الرجل. وعلى فكرة، لا تقولوا مُسيلَمة. قال علماؤنا مَن قال مُسيلَمة، فهو أكذب منه. اسمه مُسيلِمة، وليس مُسيلَمة. فمُسيلِمة هذا أيضا تفل في عيني الرجل، فعمي. انعمى بالكامل! لا، لا بُد أن تأتي الخارقة أو المُعجزة مُوافقة للدعوى، وليس ضدا على الدعوى، ليس ضدا على الدعوى أو من الدعوى! ومقرونة بالتحدي كما رأينا، سالمة من المُعارضة! تكون المُعجزة سالمة من المُعارضة. ما معنى هذا؟ بحيث أن الطرف الآخر؛ المُشرك، الجاحد، الكافر، لا يستطيع أن يأتي بمثلها. اذهب، ومعك الوقت كله، واستظهر بالإنس والجن، لا تستطيع! ورأينا ماذا حصل مع سيدنا الكليم موسى – عليه الصلاة وأفضل السلام -. سحرة مصر، أكبر الخُبراء في هذا الفن وفي هذه الصناعة، أسلموا مُباشرة! وفي نهاية المطاف السحر صناعة طبعا حقيقة، سُبحان الله! هو ألقى عصاه هكذا، والتقفت، لقمت كل شيء. أسلموا مُباشرة، أسلموا لله، علموا أن هذا ليس سحرا، هذا لا يقدر عليه أحد، لا بتعلم ولا بصناعة ولا بشعبذة ولا بخفة يد، أدركوا أن هناك تدخلا فوق طبيعي، أن هناك تدخلا غير عادي، ما نُسميه ماذا؟ إعجازيا. نصفه بالإعجازي! هو هذا.

رسول الله، نفس الشيء؛ ما هي مُعجزته؟ ليست نبع الماء من بين أصابعه، ولا تكثير الطعام، ولا وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى *، وتفسير هذه الآية في معركة بدر، على أنها ثابتة! إنما القرآن العظيم. قال هذا هو، قرآني هذا. أدعو الله لي ولكم، أن يرزقنا الله قلوبا نظيفة طاهرة، كالتي وصفها عثمان الشهيد، ابن عفان – رضوان الله عليه -؛ لو طهرت هذه القلوب، ما شبعت من كلام الله. والله الذي لا إله إلا هو، يتفق لي كثيرا جدا، واليوم اتفق لي هذا، حين أسمع القرآن، أقول لو أردت أن أحمل نفسي، وأنا الذي أقرأ تقريبا في كل شيء، وباستمرار أقرأ، قطعت حياتي في القراءة، في كل شيء أقرأ، أي ما تركت ولا أترك شُبهة لكافر أو مُلحد أو مُشكك، إلا قرأتها، أُريد أن أكون على بيّنة من كل شيء. وأُريد أن أحمل نفسي على الشك فيه، فلا تُطاوعني. مُستحيل! هذا ليس كلام بشر. لو عندك ذائقة أدبية وبلاغية، وعندك عقل ومُستنير، أو نفس طهور، لأدركت أنه مُستحيل! هذا ليس كلام بشر يا أخي. القرآن شيء عجيب! العرب أدركت هذا. لذلك قهرهم، وألجمهم، وما آمنوا إلا بتأثيره. هو ليس كلام بشر! وطبعا من خمسين ألف جهة ليس كلام بشر، وهذا موضوع ثان على كل حال.

قال هذه مُعجزتي. مُعجزتى هذا! وهي منظومة مؤلفة مُركبة من ألفاظكم، المُركبة بدورها من حروفكم، فائتوا بمثلها. تفضلوا، هيا، كلام! هو كلام. قولوا مثل هذا الكلام، وأنتم أرباب الكلام، أنتم أساتيذ الكلام. العرب – ما شاء الله عليهم – عندهم الفصاحة وما إلى ذلك. فتفضلوا، قولوا مثله، سورة من مثله، سورة! لم يقل آية، لم يقع التحدي بآية، بسورة، ولو الكوثر، سورة! لأن السورة لها من الاعتبار ما ليس لآية مُفردة. انتبهوا! هذا موضوع أيضا آخر.

فأعجزهم، لم يستطيعوا، حاولوا وحاولوا، وحاول بعدهم مُحاولون؛ ابن المُقفع، والمعري، أبو العلاء، وأبو العلاء هذا! ولم يستطيعوا، مُستحيل! لم يُفلحوا. وإلى اليوم التحدي مفتوح! لكن على فكرة، قبله ألوف الآن (من هؤلاء الموهومين، الذين لا يعرفون أكواعهم من أبواعهم، كما قلت لا يعرفون إعراب آية! لكنهم يقولون ما هذا؟ ليس مُعجزا هذا)!

وواضح من كلامك – ما شاء الله عليك -، من طريقتك في الكلام والبيان والنقاش، أنك من أرباب البلاغة! لست هناك، لست هناك، غُر أمثالك، لن تُغر مَن يحترم عقله ويحترم اللسان ويحترم المُعجم ويحترم البيان، لست هناك! العلة فيك، لا في هذا الكلام. لست هناك؛ لكي حتى تُدرك ما فيه من جمالية ومن جلالية ومن إعجازية! لا تستطيع، أنت أعمى عن ذلك، أعمى بالكُلية، ليس عندك الوسائل. وكلامي هذا كله ليس بُرهانيا، ولا حتى جدليا، كلامي هذا خطابي، أعلم أنه خطابي، لكن له قيمته من باب آخر.

نعود إلى ما كنا فيه، قال لهم هذه مُعجزتي. فالنبي أتاهم بالقرآن، وفعلا أعجزهم. الآن للأسف الشديد بعض أبنائنا وبناتنا يُلحدون، وينسلون من هذا الدين العظيم الرحيم؛ بسبب ما وقر في أخلادهم، أو أذهانهم، أن النبي لم تكن له مُعجزة حسية مادية! وزعم أن مُعجزته فقط هي القرآن. ونحن بيّنا أن هذا غير صحيح، له معاجز حسية، لكن بسبيل الكرامات، ولم يكن يتكثر بها، ولم يكن يُعوّل عليها، وسوف تعلمون لماذا. يُلحدون، ويخرجون من الإسلام، والقرآن بين أيدينا! لأنه لا تُوجد مُعجزة حسية. ما شاء الله! أي لو كانت له مُعجزات حسية، كنت ستُسلم؟ إذن هل أسلم، هل آمن الناس الذين شهدوا معاجز عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ومنها إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، وإبراء البُرص، وإقامة المُقعدين، وتكثير الطعام والأرغفة والسمك، و…و…و…؟ معاجز كثيرة لعيسى! صنفوها في ستة أبواب، في ست فئات. هل أسلموا؟ هل آمنوا؟

العجيب أن المُؤرخين للكنيسة، وللديانة المسيحية بشكل عام، يقولون – ولست أنا، المؤرخون الغربيون المتخصصون يقولون – لم يثبت حتى في مطلع المسيحية، أن المعاجز اليسوعية، أثرت وأجدت قناعة، قناعة وجذبا إلى الإيمان، في الجنتايلز Gentiles. أي في الأقوام، في الشعوب الأُخرى، في الأقواميين، يقولون هكذا! الجنتايلز Gentiles، الشعوب الأخرى، غير بني إسرائيل وكذا. لم تؤثر فيهم، بالعكس! كان العالم الروماني، الذي سيعترف بعد ثلاثة قرون تقريبا ونيف، بالمسيحية دينا له، ويؤثر عليها، ويرومنها كما قال مَن؟ جيبون Gibbon، وعبد الجبار لدينا. هذا العالم كان مليئا بمَن يُعرفون صناعي المُعجزات، وهم وثنيون.

أبولونيوس Apollonius من تيرانا Tyana مثلا – أبولونيوس Apollonius من تيرانا Tyana، مُتوفى سنة سبع وتسعين للميلاد، وثني، وثني هذا، لا يؤمن بالله عز وجل، الروماني هذا – له معاجز كثيرة، حتى أن فيلوستراطوس Philostratus بعده بنحو قرن كامل، حوالي مئتين وشيء وسبعين، ألف كتابا كاملا، عن أبولونيوس Apollonius من تيرانا Tyana ومعاجزه العجيبة! لماذا؟ لأن فيلوستراطوس Philostratus أيضا كان شكوكيا ريبيا، وكان ضد الأديان، وضد التوحيد! أراد أن يُقيم منه بما شاع عنه من معاجز وخوارق ضدا للمسيح، أو ندا للمسيح، لكن ندا وثنيا! هذا توحيدي، وهذا وثني. فالقضية ليست بهذه الطريقة!

أكثر من هذا؛ لكي لا يُتهم القرآن! يقولون لك النبي لم يأت بمُعجزة حسية، واعتل بأن القرآن مُعجزته، وبأن الناس لا يؤمنون بسبب المعاجز. والله اقشعر بدني! هذا لم يقله الله فقط! قبل أن يُنزل على قلب محمد، قاله التاريخ والوقائع، بل قاله يسوع – عليه السلام -، بل قاله الكتاب المُقدس. كيف؟ في إنجيل لوقا – وعودا إليه، في إنجيل لوقا – يُحدثنا المسيح – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وما أجمل أمثاله التي كان يضربها! حدثنا عن رجل غني مُتمول ثري، يأكل من أطايب الطعام وأحسن المشروبات، وكان يقف ببابه، لا يريم، رجل فقير مجذوم، بدنه ملآن بالقروح، مُتقرح! اسمه لعازر. اسمه لعازر! وهذا الاسم يتكرر كثيرا في الكتاب المُقدس، على كل حال! والذي أحياه المسيح واحد آخر، اسمه لعازر أيضا، وأخ مريم المجدلية لعازر. اسمه لعازر! كان يؤمل – المسكين لعازر الفقير جدا، المُعدم – في فُتات ما يُلقى من الطعام، الذي كانت تناله الكلاب حتى قبله، ولا يُلتفت إليه!

يقول المسيح مات الغني الثري، ومات لعازر الفقير. ثم يعرض لنا السيد المسيح مشهدا للغني الثري في هاديس Hades/ ᾅδης. ما هي هاديس Hades/ ᾅδης؟ الجحيم، جهنم! هذا تعبير يوناني، اسم يوناني؛ لأن الكتاب المُقدس كُتب باليونانية بعد ذلك. المُهم، في هاديس Hades/ ᾅδης. هاديس Hades/ ᾅδης هي الجحيم. الغني الآن يجلس، يتلظى في نار هاديس Hades/ ᾅδης، وينظر إلى أبينا إبراهيم الخليل – عليه السلام -. أما لعازر المُتقرح المسكين الفقير، فهو يجلس في حِضن إبراهيم؛ لأن الملائكة ألقته إلى حِضن إبراهيم. وهناك أخذ هيئة، وصار بدنه أحسن بدن، ويأكل ويشرب مُتنعما مُتلذذا. ينظر إليه الغني البخيل الجحود، وهو في هاديس Hades/ ᾅδης، يقول له يا أبت إبراهيم، ارحمني، واسمح لأخي لعازر – الآن صار أخاك، صار أخاك – أن يأتيني، وأن يضع أُصبعه في الماء، ثم يضعه في فمي؛ ليُبرد ما بي من حُرقة. جهنم! ليس عنده طماعية في شربة ماء! ليس له! مثل القرآن الكريم، مذكور في سورة الأعراف هذا؛ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ *.

فإبراهيم قال له لا، لقد نلت واستوفيت خيراتك كاملة في الدنيا، ولعازر نال ما أصابه من المحنة والبلاء كاملا في الدنيا. والآن حُق – أي بمعنى الكلام، هذا من عندي – للرب العادل – لا إله إلا هو – أن ينصب ماذا؟ ميزان العدل. وكل إنسان يأخذ ماذا؟ جزاءه الذي يستحقه. أنت لا تستحق إلا هاديس Hades/ ᾅδης، وهو المسكين يستحق هذا النعيم.

ثم – يقول الخليل إبراهيم عليه السلام – لو أردت ذلك ما أنا بمُستطيع. لماذا؟ قال لأن بينك وبيننا هوة، لا نحن نستطيع أن نعبرها إليك، ولا أنت تستطيع أن تعبرها. فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ *، لا إله إلا الله! وحي واحد! لذلك النجاشي – رضوان الله عليه، وعليه السلام – أسلم. النجاشي حين سمع القرآن الكريم، اخضلت لحيته بدموعه، جعل يبكي! وأدرك كلاما عجيبا جميلا إلهيا، ذا روح إلهية! قال هذا والذي جاء به المسيح ينبعان، يصدران، يفيضان، من مشكاة واحدة. مصدر إلهي! والقرآن أكد هذا في بضعة عشر موضعا! أن القرآن جاء مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ *. القرآن يُصدق التوراة والإنجيل، لا ينفيهما، لا يشطب عليهما، يُصدق! وهذا نفس الشيء؛ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ *! لكن انظر إلى التعبير طبعا ب؛ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ *، وإلى التعبير ببينك وبيننا هوة، لا نحن نستطيع أن نعبرها إليك، ولا أنت تستطيع أن تعبرها! تعبير عادي هذا، ذاك تعبير إلهي عجيب!

على كل حال، قال له إذن يا أبت – الغني في الجحيم. نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. يا رب، اللهم لا تجعل هذا مصيرنا ولا النار مثوانا ومأوانا، بحق لا إله الله، محمد رسول الله – يا إبراهيم، أرسله – أرسل لعازر – إلى بيت أبي في الدنيا. اطلب من الله، أن يُعيده إلى الدنيا. لماذا؟ لأن في بيت أبي خمسة من الإخوة لي – يبدو أنهم كلهم جحدة فسقة لؤماء بُخلاء كزازون، لا يحضون على طعام المسكين -؛ لئلا يصير مصيرهم مثل مصيري. قال لا، هذا لا يكون؛ لأن عندهم الأنبياء وموسى. عندكم كلام موسى وكلام أنبياء إسرائيل، ماذا يحتاجون من أن يعود لهم لعازر. وهذا – أي لعازر – فقير (غلبان)، ليس نبيا! قال يا أبت، إنهم لا يسمعون كلام موسى وكلام الأنبياء، فلو بعثت لهم لعازر! قال إذن – إبراهيم قال إذن – مَن لم يسمع كلام موسى والأنبياء، لن يسمع ولن يُفيده حتى لو عاد إليه الميت. الله!

الآن أصبح واضحا لدينا هذا؟ مع الخلفية التاريخية، أن هذه المعاجز لم تُجد إيمانا، ولم تُقنع الجنتايلز Gentiles، ولا غيرهم حتى، ولم تُقنع مُعظم بني إسرائيل الذين تألبوا على المسيح، ونعرف ماذا أرادوا به، ومع ذلك اعترضوا! نعود إلى القرآن الكريم وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ *، ما هي الآيات؟ المعاجز، ال Miracles، الآيات. وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا *، سُبحان مَن هذا كلامه! وجل مَن هذا نظامه! لا إله إلا الله!

صدق مَن قال العلم نور. انظر، حين تفهم هذه الخلفية، ثم تُقبل على هذه الآية، ستنظر إليها بعين أُخرى، غير التي نظرت إليها، غير العين التي جعلت بعض الناس يُلحدون ويكفرون. قال لك هذه تعلة، محمد يعتل؛ لأنه عاجز. كأن محمدا يأتي بالمُعجزة من لدنه! لا محمد، ولا غير محمد، ولا أحد أصلا، يستطيع أن يأتي بمُعجزة. الذي يأتي بالمُعجزة، ويصنع المُعجزة، رب الأنبياء، رب البشر، لا إله إلا هو! الله تبارك وتعالى. ولذلك كم من مرة الله يُذكّر ويلفت إلى أنه لا يستطيع محمد أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ  *! إذا الله أذن! على أن محمدا لو جعل التحدي هي المعاجز الحسية، واستجاب لهم، وأفحمهم، لن يكون حالهم خيرا من حال مَن؟ من حال الأقواميين، وبني إسرائيل، الذين كفروا بعيسى، واعتبروه – أستغفر الله – حتى ابن الشيطان! عيسى – عليه السلام – ابن الشيطان؟ عليه الصلاة وأفضل السلام، حاشاه وكلا.

ولذلك سأختم خُطبة اليوم والكلام الآن في هذه الجُمعة المُباركة، بتأكيد هذه المسألة؛ يُحدّثنا المُفكر الأيرلندي، الذي لا أستطيع أن أصفه إلا بالكبير والرائع؛ لأنه حقيقة فيلسوف وعقل كبير ومُحترم، وسوف أعود إليه أيضا، أستمد منه في درس ما بعد العصر، بخصوص قضية ماذا؟ الخوارق والمُعجزات! لأن له تحقيقا في مُنتهى القوة، في مُنتهى القوة والمتانة! سي إس لويس C. S. Lewis. سي إس لويس C. S. Lewis يقول ماذا؟ يقول في حياتي اتفق لي مرة واحدة أن التقيت بشخص يدّعي أنه رأى شبحا Ghost. الناس يسمعون عن الأشباح والأرواح، لكن هل رأيت أنت بنفسك؟ قال أنا في حياتي رأيت شخصا واحدا رآها. وكان هذا الشخص امرأة، أكدت لي؛ نعم، أنه اتفق لها مرة أن رأت شبحا. هذا طبيعي، يحدث! يُوجد غيرها مَن رأى هذا، وهناك مَن يكونون مرضى عقليين وما إلى ذلك، وهناك ضلالات بصرية، موجود! وهناك أوهام واستيهامات، موجود! قال العجيب أن هذه المرأة لم تكن تؤمن بعالم الأرواح، ولا بخلود الروح. أي مُلحدة تقريبا. فسألتها مُباشرة وبعد أن رأيت الشبح، هل آمنت؟ قالت لا، لا أزال على عدم إيماني. لا إله إلا الله! قال لك المُعجزات والمُعجزات الحسية! لا أزال على عدم إيماني.

قال ولذلك سألتها كيف وقد رأيت الشبح؟ شيء ينتمي إلى ما وراء الطبيعة، على الأقل بالمعنى وبالأُفق الذي نتعاطى وفقه مع الطبيعة! قالت أنا أُفسره أنه خداع بصري. هناك مُشكلة عندي في البصر، مُشكلة في الجهاز العصبي. أي فسرته تفسيرا مرضيا اختلاليا. وبقيت على ماذا؟ على إلحادها. ولذلك قضايا الإيمان والإلحاد، لا تحسمها المعاجز الحسية، هذا مُهم جدا، مُهم أن نفهم هذا بعُمق! ما الذي يُمكن أن يحسمها؟ الجدل العقلي المُتزن، جواب السؤال الفلسفي. هناك سؤال! أسئلة من طبيعة فلسفية، لا بُد أن نستقر على جواب مُحدد لها. ولذلك قد تكون التجربة واحدة، الواقعة! die Tatsache يُسمونها بالألمانية، die Tatsachen وقائع، التي قال فيها جوته Goethe، إنها شائنة! قال الوقائع شائنة. فظيعة – قال – الوقائع. ولذلك لا فائدة من المُحاججة. هناك واقعة، تُريد أن تُحاجج لتنفي الواقعة؟ أنت – قال – في عقلك؟ قال جوته Goethe هذا! قال الوقائع الشائنة. أي حتى قدرتها في تحطيم وتغوير الجدل، قوية جدا. وفعلا هي كذلك! وهذا سوف نستفيد منه أيضا في ما بعد العصر. قال الوقائع شائنة. ولذلك لا فائدة من السجال، من المُحاججة! بل بالحري الوقائع أقوى من ال Wahrheiten، أو أقوى من الحقائق. وهذا كلام إلى حد بعيد صحيح، لكن ليس بالمُطلق فلسفيا، لكن إلى حد بعيد صحيح.

فيما بعد العصر، سوف أُحدثكم عن واقعة، ربما مُعظمكم على الأقل، شهد الفيلم الذي وثقها دراميا؛ فاتيما Fatima، أي فاطمة، أكيد هذا اسم إسلامي، من أيام المورسكيين. فاتيما Fatima. يقولون باللُغة الأجنبية! فاتيما Fatima البرتغال، فاتيما Fatima في البرتغال. كيف أبرزت للناس مُعجزة أو خارقة أو كرامة لها – خارقة على كل حال -، في الميعاد الذي حدثتها به السيدة الكريمة، التي كانت تبرز لها، وهي العذراء على هذا الأساس – عليها السلام -. قالت لها في الثالث عشر من سبتمبر أخبري الناس أن في الثالث عشر من أكتوبر سوف أُريهم مُعجزة. وكانت الحرب العالمية لم تنته بعد! في ألف وتسعمائة وسبعة عشر!

تعرفون، في فاطمة، هذا السهل الجميل، كم حضر من الناس؟ سبعون ألفا، سبعون ألفا! طبعا منهم كهنة، وكانت أيديهم على قلوبهم! لماذا؟ إن لم تقع المُعجزة، زاد وضعنا سوءا ورداءة. لماذا؟ كان هناك تيار إلحادي، وتيار ضد كهنوتي، ضد الكهنوت تماما! وكانت أكبر صحيفة ضد الكهنوت، صحيفة اسمها O Século، بالبرتغالية معناها ماذا؟ القرن. أي صحيفة القرن، ربما القرن من الزمان، أي The century، O Século! وكان رئيس تحرير هذه الصحيفة، اسمه أفلينو دي ألميدا Avelino de Almeida، وكان مُلحدا، وضد الكهنوت. خصص العدد الصباحي من صحيفته، لماذا؟ للمُعجزة المزعومة. لماذا؟ لكي يؤلب الناس؛ أن تعالوا، تعالوا أيها الناس، ليأت أكبر عدد، ولكي تشهدوا فضيحة الكنيسة. ستكون هناك Scandal، أي Skandal، ستكون هناك فضيحة كبيرة، ولن يقع شيء.

وحضر لا أدريون، وشكوكيون، وأطباء، ورجال شرطة، ورجال قضاء، وعوام، سبعون ألفا! في السهل الذي اتسع لهم! وقالت الفتاة السيدة أخبرتني أنها ستكون عند الظهر. دخل وقت الظهر، زالت الشمس عن كبد السماء قليلا، ولا يُوجد شيء! وطبعا كان يوما مطيرا، ورُغم أنه كان مطيرا أو ماطرا، اجتمع واحتشد سبعون ألفا، شيء غريب!

وفي لحظة مُعينة، بعد الظهر بقليل، انزاحت وانساقت الغيوم جانبا، من هنا ومن هنا، كل شيء! وأصبحت الشمس في رائعة النهار، واضحة تماما، لكن صفراء صُفرة مُريبة، صفراء! صفراء بشكل واضح! والكل يراها، ثم البنت ترى العذراء، والناس لا يرونها. قالت هي تقول لي انظروا إلى الشمس. وهم كانوا لا يعرفون أن المُعجزة لها علاقة بالشمس، ينتظرون مُعجزة من نوع آخر، أن يروا هم العذراء مثلا، أو ينزل ملاك من السماء، أو البنت الصغيرة هذه؛ لوسيا Lúcia، تطير في الهواء مثلا، كما كان يطير هنا في القرن السابع عشر جوزيف Joseph الإيطالي، موضوع ثان هذا! تُوجد معاجز وتُوجد خوارق مُوثقة.

لم يعرفوا، ولا حتى لوسيا Lúcia كانت تعرف، البنت الصغيرة، بنت العشر سنوات، لم تعرف! لوسيا Lúcia ذا العشر سنوات! لكن فجأة قالت لهم العذراء تقول انظروا إلى الشمس. نظروا إلى الشمس المُصفرة، الواضحة في رائعة النهار، وإذا بالشمس تتحرك حركة لولبية، وتهوي اتجاه الأرض. كان منظرا فظيعا مُفزعا! الناس فزعوا فزعا مُخيفا، الشمس كأنها تنزل على الأرض! ما هذا؟ وصراخ وفزع رهيب. أفلينو دي ألميدا Avelino de Almeida كتب، وهو المُلحد، وضد الكهنوت، وضد الكنيسة، قال كان منظرا مُفزعا، رأيته بعيني رأسي. يُوجد أيضا شكوكيون آخرون، على بعد عشرين ميلا، حوالي خمسة وعشرين كيلومترا، رأوا هذا تماما؛ كيف الشمس تتحرك حركة لولبية، وتهوي كأنها تهوي نحو الأرض! واستمر المشهد لثماني دقائق.

انتبهوا، أنا لا أحدثكم عن حادثة قبل ألف سنة، وشهدها خمسة أو ستة أو سبعة! سبعون ألفا، ومنهم مَن أتوا بقصد التكذيب وقصد إظهار الفضيحة، واضح؟ لم يستطع أحد أن يُكذب ما رآه؛ لأن هذا المشهد العلني المُخيف المُفزع، استمر ثماني دقائق. الحركة هذه طبعا قُدمت تفسيرات بشأنها، سأعرض بعضها من غير الدخول في التفاصيل بعد ذلك، عشرة تفسيرات! سأشوقكم بعدم ذكرها الآن، لكن أعجبني أن الكاتب الذي عرض لهذه العشرة التفسيرات، التي سماها علمية وجدلية مرحة، صدّر مقالته سنة ألفين وتسع بقوله أعجب، أعجب أو لا أزال، لا أزال أعجب مما يؤمن به الناس؛ تجنبا للإيمان بالله. أي ما شاء الله، مُمكن يؤمن بأي شيء، بأي خُرافة، على ألا يُقر بوجود الله. إذن فهمنا نحن، المكتوب يُفهم من عنوانه، أن العشرة التفسيرات الأقوى والتي طرحها العلماء والمُفكرون، كلها تالفة، وليس لديها قدرة نقضية، لتنقض هذه المشهدية العلنية المُخيفة، التي حصلت في فاتيما Fatima، في الثالث عشر من أكتوبر، قبل انتهاء الحرب العالمية بسنة.

اقرأوا عن فاطمة، واقرأوا الدراسات حولها والتفسيرات، ومَن لم يُشاهد الفيلم، فليُشاهده؛ لكي تأخذوا هذه الفكرة. ثم يسألونك ولماذا المُعجزات لم تعد تحدث؟ أنت تُصدق نفسك؟ لم تعد تحدث؟ أنت مُتأكد أنها لم تحدث؟ تحدث، وتحدث باستمرار على فكرة، لكن ليس بالتواتر الذي تُريده، وليس ضمن الشروط التي تُريدها، وليس تلبية لاقتراحاتك؛ لأن النبوة انتهت، النبوة انتهت!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

 

الحمد لله، الحمد لله ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِۦ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ *، وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. اللهم ربنا، يا ربنا، يا ربنا، حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، برحمتك يا أرحم الراحمين. يا حي، يا قيوم، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا، طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك، برحمتك يا أرحم الراحمين. علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وفقها ورشدا.

اللهم اجعل تجمعنا هذا تجمعا مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا شقيا ولا مطرودا ولا بائسا ولا يائسا ولا محروما، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أحل الأمن والسلام والاستقرار على ربوع العالمين، يا رب العالمين. اللهم جنبنا والبشرية كلها معنا أي حرب ناشبة جديدة، بقدرتك يا مَن لا يُعجزه شيء، إلهنا ومولانا، رب العالمين.

عباد الله/

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ *، وأقم الصلاة.

 

فيينا (18/1/2022)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: