يقول الدكتور جابر قميحة صاحب كتاب المُعارَضة في الإسلام إن المُعارَضة كان لها مكان وصوت مسموع في صدر الإسلام، حسناً! ما هي المُعارَضة؟ هل تتنافى مع أحاديث السمع والطاعة لولي الأمر؟ وأخيراً ألا تُعتبَر وسائل الإعلام مُختلِفة وسيلة من وسائل المُعارَضة إذا مارست دورها كسُلطة رابعة؟ هذا ما استهل به الدكتور أحمد العرفج حلقته.

قال الدكتور عدنان إبراهيم المُعارَضة لُغةً تدور على معانٍ مُتقارِبة، إجماع هذه المعاني المُقابَلة أو المُواجَهة أو المُباراة، مِن قولهم عارضه إذا باراه وقابله.

أوضح أن المُعارَضة الشعرية تكون حين يأتي شاعر إلى قصيدة فينظم أُخرى بنفس الروي والقافية والوزن ليُعارِض بها، أما إذا كانت على سبيل الإعجاب وليس التحدي فتُسمى مُتابَعة وليس مُعارَضة.

ذكر أن جبريل كان يُعَارِض النبي بالقرآن كل عام مرة وأنه عَارَضه به في العام مرتين، فكان يُقابِل ما عند رسول الله بما عنده.

عرض لمعنى المُعارَضة في الاصطلاح، فحين نقول مُعارَضة ينصرف الذهن إلى المُعارَضة السياسية Political opposition، وهذا مُصطلَح حديث نسبياً، لذا قال ماكس فيبر Max Weber بتطور نظام الاقتراع تطوَّرت الأحزاب ومن ثم مفهوم المُعارَضة.

أوضح أن من غير أحزاب لا تُوجَد مُعارَضة سياسية حقيقية، ومن غير أحزاب لا تُوجَد حرية سياسية، لذا قال العالم السياسي كارسون Carson كل الذين يُظهِرون مُعاداةً للأحزاب إنما يُخفون مُعارَضةً باطنية للديمقراطية.

أكَّد على أن الشأن الديمقراطي يقوم على المُعارَضة، مُشيراً إلى أنها ظاهرة طبيعية وقديمة، ففي كل اجتماع سياسي لابد أن تبرز المُعارَضة التي قد تكون فردية.

أضاف أن المُعارَضة الفردية قد تكون موقفية طارئفة، وذلك حين يقول الحاكم شيئاً فيعرض له أحد الرعية بالنقد وهذا حدث مع الرسول ومع الخلفاء مرات عديدة.

أوضح أن هذه المُعارَضة الموقفية تزول، لكن قد يتخذ بعضهم وهو فرد مُعارَضة مُمتَدة مبدئية، كما حدث مع سيدنا سعد بن عُبادة الذي رفض بيعة أبي بكر الصديق وكان يرى أن الأحق بالخلافة هم الأنصار.

أشار إلى أن الأنصار بايعوا أبي بكر لكن سعد بن عُبادة لم يُبايع وهذا ما حدث مع عمر أيضاً، ثم انتقل إلى الشام وانقطع من جماعة الناس، فهذا مُعارِض فرد لكن مُعارَضته مبدئية امتدت معه لآخر عمره.

قال الجميل في قصة سعد أن الرجل لم يعرض له أحد بسوء، مُشيراً إلى وجود تظنيات باطلة حول قصة موته، فهناك مَن قال إن عمر كان وراء اغتياله لكن واضح أنه مات بجلطة أو بذبحة.

أكَّد على ضرورة فهم طبائع الشخصيات، فليس عمر الذي يطعن في الظهر، لأنه جهير وواضح.

قال يستحيل أن يلتقي الناس كل الناس على شخص واحد حتى وإن كان هذا الشخص نبياً، مُشيراً إلى أن هذا حصل مع رسول الله، فهناك – مثلاً – حزب عبد الله بن أُبي بن سلول.

أوضح أن الفئة التي لا ترضى عن حاكم ما لا تُلجَم أو تُقهَر وإنما تُعارِض، بل أن موقفهم يُستخدَم في بلورة موقف سياسي قد يكون إيجابياً وقد يحث الحزب الذي وصل إلى السُلطة على تجويد عمله، ومن هنا أهمية التنافس.

أضاف أن المُعارَضة السياسية قد تكون حزبية وقد تكون قانونية في البرلمان وهذا شكل راقٍ جداً في العصر الحديث خاصة في النظم الديمقراطية التمثيليلة النيابية، مُشيراً إلى وجود أشكال لهذه المُعارَضة مثل شكل التساؤل الذي يُستدَعى فيه وزير ما لكي تُطرَح عليه أسئلة من غير تجريح، وهو لابد أن يُجيب.

أوضح أن من أشكال السؤال ما يُعرَف بطلب الإحاطة، مُشيراً إلى إمكانية تشكل لجنة برلمانية لمُساءلة وزير أو وزارة برمتها لمعرفة حقيقة الأمر.

قال النظم الفاشية والنازية وحتى الشيوعية التي تُؤمِن بالوحدة المُطلَقة لا مكان فيها للمُعارَضة، والمُعارَضة تُوصَم بأنها أعداء الشعب، ولذا يُقال في حقهم لا حرية لأعداء الشعب لأن لهم آراء أُخرى.

أوضح أنه يُمكِن تعريف المُعارَضة للإنسان العامي بأنها ما يتعلَّق بالشأن العام وهي عبارة عن الرأي الآخر أو الصوت الآخر.

أشار إلى أن النظم الليبرالية أعلت من مبدأ الحرية الفردية لذا بالغت وأيَّدت كثيراً المُعارَضة.

تحدَّث عن مُعارَضة على مُستوى الرأي العام Public opinion، مُشيراً إلى دور وسائل الاتصال وخاصة وسائل الإعلام الاجتماعية Social media التي قد تُساهِم في تشكيل الرأي العام، لأن المُعارَضة السياسية هي صراع على السُلطة عبر الجماهير، ولذلك الرهان دائماً على الجمهور.

أشار إلى أهمية الرأي العام في بعض القضايا مثل تغيير الدستور، تغيير الرئيس، وحل الوزارات.

ألمع إلى أن الأُطر العامة للنشاط الفكري والمسلكيات السياسية تتغيَّر من حقبة إلى حقبة، ففي العصور الوسطى كان النموذج Paradigm هو نموذج الواجبات، عكس الآن يُتحدَّث بكثرة عن الحقوق لذا صعدت فكرة المُعارَضة.

أوضح أن النظم الشمولية لا تُعلي مبدأ الفرد، هي تسحقه لأجل الجماعة وفي نهاية المطاف لأجل الحزب الحاكم، بخلاف النظم الليبرالية التي تجور على الجماعة من أجل الفرد.

أوضح أن الليبرالية السياسية في جوهرها تسعى لتقييد سُلطات الدولة، فمع الليبرالية الدولة انكشمت وحُصِر نشاطها في مهام سيادية إضافة إلى توفير ضرورات المعاش.

ذكر أن مع نيكولو مكيافيلي Niccolò Machiavelli نشأ علم السياسة العلمي، مُشيراً إلى أنه في الأمير لم يُتِح أي هامش للمُعارِضين، وقال الأمير لا يُراجَع في شيئ ويمضي في كل الأمر بما يُريد هو وله أن يتوسَّل بكل الوسائل القذرة في تحقيق غايته.

أضاف أن جان بودان Jean Bodin في الجمهورية قال الملك يُخضِع ولا يخضع، لكنه ترك هامشاً ضئيلاً لهيئة استشارية يختارها الملك على أن تنصح له لكنها غير مُلزِمة.

أكَّد على أن الإسلام كان سابقاً على هؤلاء، وقال إن الإسلام ليس نظرية لذا نجح أن يكون دولة امتدت حتى أصبحت إمبراطورية.

قال إن عباس العقاد كان يرى أن النبي لم يُقِم دولة وأن الذي أقامها هو عمر بن الخطاب، وهذا غير صحيح، فالنبي أقام دولة الإسلام باعتراف كل المُنصِفين.

أشار إلى كتابي التراتيب الإدارية لعبد الحي الكتاني وتخريج الدلالات السمعية لأبي الحسن الخزاعي لإثبات أن النبي أقام دولة، أما عمر بن الخطاب فبسطها وأصبحت إمبراطورية.

قال عمر كان يُغري الناس بمُعارَضته ومن قبله أبو بكر خاصة في خُطبة التولية الشهيرة، مُشيراً إلى أن هذا الوعي استُمِد من رسول الله والقرآن الكريم الذي حدَّثنا عن فرعون، فوُجِدت حصانة ضد التغول والاستبداد، ولذا سلمان الفارسي قام لعمر وقال له لو رأينا فيك إعوجاجاً لقوَّمناك بحد سيوفنا.

عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة للكاتب جميل فارسي الذي تحدَّث عن وجود فرق بين مرحلة الخلفاء الراشدين ومَن تلاهم مِن الحكّام، مُشيراً إلى وجود مُشارَكة في مرحلة الخلفاء الراشدين وليس مُعارَضة.

تكلَّم عن موضوع نصيحة الحكّام التي قال البعض فيها بأنها يجب أن تكون سرية وأتى بشواهد تاريخية تدل على أنها لم تكن سرية مثل المرأة التي ردت على عمر في مسألة المهور، ومن هنا تساءل كيف تكون النصيحة سراً وهناك قصص رُويت لنا ولو كانت سراً لما سمعنا بها؟

أكَّد على أن الإسلام هو دين العدل ودين الحرية، لكنه تساءل لماذا دول العالم الإسلامي هي الأكثر كبتاً للرأي المُخالِف على عكس الدول الغربية؟

أشاد الدكتور عدنان إبراهيم بالمُداخَلة لكنه قال إن حقبة الخلفاء الراشدين شهدت ألواناً من المُعارَضة.

ذكر أن الإمام عليّاً لم يُبايع أبا بكر إلا بعد أن تُوفيت فاطمة، فأمسك عنها ستة أشهر لأنه رأى أن البيعة تمت افتئاتاً عليه لكنه كان يرى أن أبا بكر حقيق بهذا المنصب، فعليّ كان مشغولاً بتجهيز رسول الله ودفنه والبيعة تمت في السقيفة من غير أخذ رأيه.

أوضح أن أيام سيدنا عثمان بن عفان أخذت المُعارَضة صورة دموية عنيفة جداً انتهت بقتل الخليفة، مُشيراً إلى أن الإمام عليّاً كان أحد المُعارِضين لبعض سياسات عثمان لكن مُعارَضته كان نزيهة وصادقة، فكان دائماً ينصح له ولا يُؤلِّب عليه، لذا حين حُوصِر بعث ابنيه الحسن والحُسين لحراسته والذب عنه من أجل تبدية المصلحة العُليا للأمة.

قال إذا لم يخرج الحاكم من ربقة الإسلام بحيث يُخالِف دين الأمة بالكامل لا ينبغي المُسارَعة إلى الخروج عليه، فكل شيئ دون هذا يُمكِن أن يُناقَش ولا ينبغي أن يكون لدينا هذا التشوف المذموم لاقتناص السُلطة.

استشهد بحديث بايعنا رسول الله على السمع والطاعة لعُبيد بن الصامت، وأشار إلى أن النبي في أكثر من مرة قرَّر أن الإمارة لا تُعطى لمَن طلبها، لأن مَن طلبها يحكي حاجة نفسية ولذا يُخاف منه التسلط والاستبداد.

أوضح أن المُعارَضة ينبغي ألا تُفضي إلى فتنة، وأعظم الفتنة أن تتخوَّض الأمة في دماء بعضها البعض وأن تصل إلى الحرب الأهلية.

أضاف أن النصح من قبل أي أحد للحاكم الأعلى أو لأي مُتنفِّذ هو حق مكفول حتى وإن ساء الناصح الأدب، لذا قال الإمام السرخسي إن أساء الأدب في حق الإمام لا يُعزَّر، وهذا ما حدث أيام الإمام عليّ لأن الخوارج أساءوا الأدب في حقه وسبوه، لكنه قال عن مَن يسبه اتركوه إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب وقد عفوت.

أشار إلى أن الأمر اختلف كثيراً بعد الخلفاء الراشدين، وذكر نموذجاً من مُعارَضة الصحابة لرسول الله غداة بدر.

أكَّد على أن مُعارَضة الرسول كانت شديدة في بعض الأحيان ومع ذلك كان يبسط العذر لمُعارِضيه ولا يقول اقتلوهم أو خذوهم وما إلى ذلك، فكان يُوجَد هامش عريض للمُعارَضة وإبداء الرأي من غير أي إخافة.

أوضح أن أكثر الصحابة لم يكونوا راضين بصُلح الحُديبية وليس عمر فقط، لكن عمر لما وضح له الحق عاد وندم، فظل يستغفر ويُعتِق رجاء أن يغفر الله له.

تحدَّث عن الإنكسار الذي حدث فيما بعد، فمُعاوية بن أبي سُفيان حوَّل الشورى إلى مُلك عضوض لكنه لم يستطع قلب الأوضاع مرة واحدة فقال لن نحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين أمرنا هذا، ومع ذلك عاقب بل قتل أُناساً لأنهم تكلَّموا، مُشيراً إلى أن الإنكسار أخذ مداه الأبعد مع عبد الله بن مروان.

تحدَّث عن أبي ذر الغفاري الذي كان مُعارِضاً جهير الصوت وكان يتحدَّث بصوت عالٍ في الأسواق والشوارع أثناء إمرة مُعاوية وخلافة سيدنا عثمان، فأنكر مظاهر البذخ والمُخالَفات الشرعية مثل بناء القصور من أموال المُسلِمين، لذا قال إن كنت بنيت هذا من مالك فهذا إسراف والله لا يُحِب المُسرِفين وإن بنيته من مال الأمة فهذه خيانة.

أضاف أن مُعاوية حين ادّعى أن المال هو مال الله وهو مُخوَّل في توزيعه وقف له أبو ذر الغفاري وقال هذا مال الأمة وإن كان بلا شك هو مال الله لكنه لا يُريد أن تكون المسائل مُلتبِسة.

أوضح أن مُعاوية ضاق ذرعاً بأبي ذر فأرسل إلى عثمان وأمره بالذهاب إلى الربذة، مُشيراً إلى أن عظمته تكمن في أنه أطاع عثمان وذهب إلى هناك فضلاً عن أنه رفض تكوين أي جماعات لتأليب الأوضاع لأنه مُلزَم بالسمع والطاعة ولا يُمكِن أن يكون مفتاحاً لباب فتنة.

عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة الذي كان مُلخَّصه ضرورة عدم التحدث عن حسنات الحاكم والاكتفاء فقط بالنقد، علماً بأن المُتحدِّث هو ثروت الخرباوي وقد استشهد بقول عمر إن رأيتم في إعوجاجاً فقوِّموني.

اختلف الدكتور عدنان إبراهيم مع ما جاء في فيديو الحلقة، مُشيراً إلى أن ليس في واقعة عمر أي دلالة على هذه المسألة، بل أن بمنطق الإسلام مَن أحسن نقول له أحسنت ومَن أساء ندله على إساءته وننصح له مُخلِصين، فلا يُمكِن أن نسكت إن أحسن وكأنه لم يفعل شيئاً وإن أتى بواحدة ثورنا عليه أو أشعنا هذه الواحدة، لأن هذا نوع من الجحود، والمنطق القرآني يقول الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها أو يغفر.

أكَّد على ضرورة تشجيع مَن يُحسِن ومُضاعَفة فعله، أما الجانب السلبي فيُؤخَذ بقدره فقط دون مُبالَغة، وهذه خُطة هامة في المُعارَضة السياسية وفي التربية وفي غيرهما.

أوضح أن مُعظَم الأحزاب تفعل العكس تماماً – وهذا ضد هدي الإسلام وآدابه – فتُشوِّه الحسنات وتجعلها سيئات وأما المثالب فتُكبِّرها لإسقاط الحكومة أو المُتنفِّذ والحلول مكانه، وهذه خيانة حقيقية لا يسمح بها الإسلام ولا يتسع لها الضمير.

أوضح أن المُعارَضة لا تتنافى مع أحاديث السمع والطاعة لولي الأمر إلا إذا أُخِذت بمفردها فقط بعيداً عن الكثير من الأحاديث التي تُساهِم في بناء صورة مُتكامِلة، واستشهد بحديث الدين النصيحة.

قال ليس شرطاً أن تكون المُناصَحة بالسر خاصة في الدول العظيمة التي فيها الملايين من الناس، فمَن يصل إلى الحاكم أصلاً؟

أكَّد على أن لُب وجوهر المُعارَضة الإسلامية المُناصَحة وليس المُنازَعة لاقتناص السُلطة.

أوضح أن وسائل التواصل الإجتماعي لا يُمكِن أن تحل محل الأحزاب التي هي مفرخة لإخراج الكوادر السياسية، ولذا يُوجَد في العالم المُتقدِّم ما يُعرَف بحكومة الظل.

أكَّد أن المُعارَضة ليست للمُعارَضة، فهي ليست دوراً مثلما جعلها روبرت دال Robert Dahl، واستشهد بعدد من النصوص الدينية.

أوضح أن للأحزاب مثالب مثلما لها حسنات، ومن مثالبها تقييد النواب، فالنواب الحزبيون دائماً ما يلتزمون بأجندة الحزب، مُشيراً إلى إمكانية تلافي هذا بما يخدم مصلحة الأمة بعيداً عن رغبة اقتناص السُلطة بأي ثمن.

ذكَّر بموقف الإمام عليّ من المُعارَضة المُسلَّحة الدموية “الخوارج”، مُشيراً إلى أن الإمام الشافعي قال نحن أخذنا أحكام قتال الكفّار من القرآن ومن رسول الله، وأخذنا أحكام قتال البُغاة من سير عليّ بن أبي طالب.

أضاف أن عليّاً قال للخوارج لكم علينا ثلاث: ألا نبدأكم بقتال وألا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا اسمه فيها وألا نمنعكم من الفئ ما دامت أيديكم معنا على عدونا، وهذا مُستوى راقٍ في التعامل.

غرّد قائلاً إذا انفسح صدر الأوطان للمُعارَضة أمنت الأوطان واستقرت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: