يقول مالكوم إكس Malcolm X وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض لأن لديها القدرة على جعل الأبرياء مُذنِبين وجعل المُذنِبين أبرياء، وهذه هي القوة الحقيقية لأنها تتحكَّم في عقول الجماهير، هذا ما استهل به الدكتور أحمد العرفج حلقته فضلاً عن عدد من الأسئلة.

قال الدكتور عدنان إبراهيم إن الإعلام اليوم هو الجامع المُشترَك بين قطاعات وبين نشاطات مُتعدِّدة في المُجتمَع الحديث فضلاً عن أنه الجامع المُشترَك في العلاقة بين الشعوب والحكومات.

أوضح أن قصة الإعلام طويلة وقديمة، فبدايات الإعلام كانت في اليونان القديمة، حيث كان الحكّام والمسؤولون إذا أرادوا أن يُنهوا إلى علم الناس أخباراً مُعيَّنة فإنهم كانوا يكتبونها على رقاع وتُعلَّق على حوائط مُخصَّصة.

أضاف أن قديماً كان يُوجَد الإعلام المُصوَّت وقد وُجِد في الحضارة الإسلامية، حيث يمشي أحد العسس ويظل يُردِّد الإعلان نفسه.

أكَّد على أن العرب عرفوا هذه الطريقة من الإعلام، فالكعبة كان يُعلَّق في جوفها المُعاهَدات والمُعلَّقات ولذا سُميت المُعلَّقات بهذا الإسلام، وأشار إلى أن صحيفة قريش الظالمة عُلِّقت في جوفها.

أوضح أن في أوروبا في مطلع العصور الحديثة – خاصة في النهضة Renaissance – عرفوا شيئاً مُتطوِّراً أكثر والأخبار في مُعظَمها كانت سياسية، وأحياناً كانت تتطرَّق إلى بعض الأشياء الاقتصادية، وكانت تُكتَب باليد لعدم بروز الطباعة.

أضاف أن جوتنبرج Gutenberg اخترع أول مطبعة بالحروف المُتحرِّكة، وهذا اختراع خطير جداً له أصول صينية ويُمثِّل خُطوة مُتقدِّمة جداً في سبيل توصيل المُجتمَع الواحد ببعضه البعض وإتاحة وعاء جديد للمعرفة.

أوضح أن بعد ذلك عُرِفت صحف أمستردام التي كانت تصدر في عدة دول وكانت نُسخة مُتطوِّرة مهدت للصحافة بالمعنى المُعاصِر.

أشار إلى شدة الرقابة الحكومية في ذلك الوقت ولم يُسمَح بتعميم الصحف أو صدورها إلا بعد أذونات ومُطالَعة.

انتقل إلى الحديث عن الصحافة الورقية التي بلغت ذروتها في الحرب العالمية الأولى والثانية مع المُراسِلين، وقال في خمسينيات القرن العشرين بدأت تتراجع أهمية الصحافة المكتوبة لصالح التلفاز – Television – لأنه وسيلة سمعية بصرية جديدة، في حين أن المذياع – Radio – انتشر في الثلاثنيات لكنه لم يستطع أن يُنافِس الصحافة.

ذكر أن في عام ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين صدر أول عدد لصحيفة الوقائع المصرية في مصر ثم صدرت صحيفة الأهرام بغير فاصل زمني كبير ثم في مطلع القرن العشرين انتشرت خمسمائة صحيفة في مصر.

ألمع إلى أن ألفين توفلر Alvin Toffler تنبأ بالحالة التي نعيشها اليوم، فهو تحدَّث عن الموجة الأولى التي مرت بها البشرية وهي موجة الزراعة، ومع الزراعة والاستقرار نشأت الحضارات والمدنيات، ثم ذكر أن في القرن الثامن عشر أتت الموجة الثانية مع الثورة الصناعية التي أحدثت تغيراً جذرياً، ثم تنبأ بالموجة الثالثة وهي الموجة المعرفية.

أكَّد على أن كل وسائل الإعلام الجماهيري Mass media لها دور عظيم الأثر، مُشيراً إلى أن أكثر الخيالات جنوناً لم تتخيَّل ما نحن فيه الآن، فمع مطلع القرن العشرين كانت المعرفة الإنسانية تتضاعف كل مائة سنة، وبعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها أصبحت تتضاعف كل ربع قرن، وقبل سنة من الآن بحسب شركة آي بي إم IBM أصبحت تتضاعف كل اثنتي عشرة ساعة.

أوضح أن هذه الوسائل تُسمى في العادة بالسُلطة الرابعة، مُشيراً إلى أن السُلطات الثلاث ليست سُلطات مونتسكيو Montesquieu وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، فهذا من أخطاء الترجمة لأنهم قالوا Fourth Estate وليس Fourth Power.

أضاف أن توماس كارليل Thomas Carlyle – العنصري الذي أنصف النبي – في كتابه الأبطال وعبادة البطولة اقتبس السياسي والمُفكِّر الأيرلندي إدموند بيرك Edmund Burke الذي قال مُخاطِباً رجال الدين والنبلاء والعامة تجتمع تحت قُبة البرلمان سُلطات ثلاث – هذه هي السُلطات الثلاثة الحقيقية، علماً بأنه لم يقل Power وإنما قال Estate – لكن هناك سُلطة رابعة أهم من ثلاثتكم، إنها سُلطة المُراسِلين، أي الصحفيين.

أشار إلى أن الإعلام إلى حقبة قريبة كان يُترجِم عن تطلعات وسخط ورضا الشعب للسُلطة من خلال مُمثِّليه، فضلاً عن نقله ما عند هذه السُلطة إلى الشعب، لكن الآن الوضع انقلب.

تحدَّث عن مُصطلَح Mediacracy، أي حكومة الإعلام، وقال الآن حدث تغول إعلامي، فالإعلام لم يعد دوره مُتواضِعاً مُقتصِراً على النقل وإنما خلق فضاءً خاصاً به لتداول الشأن العام مثل الحلقات التلفزيونية التي يُجرى فيها النقاشات وقد يتدخل الجمهور فيها، وهذا وضع جديد يُؤثِّر على الأحزاب وعلى السُلطة العُليا وعلى كل شيئ.

أشار إلى أن مُصطلَح السُلطة الرابعة دائماً ما يُوحي بالصحافة التي تُلقَّب بصاحبة الجلالة، لكن هذا المُصطلَح يُستخدَم بشكل عام عن كل وسائل الإعلام.

قال السُلطة الرابعة ألجأت توني بلير Tony Blair إلى تقديم استقالته بعدما ثبت عليه التزوير والكذب في المعلومات المُتعلِّقة بأسلحة الدمار الشامل العراقية، فضلاً عن أن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون Richard Nixon اضطر إلى تقديم استقالته أيضاً بسببها.

عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة لرئيس تحرير جريدة عكاظ جميل الذيابي الذي طرح فيها عدة أسئلة وهي لو لم يكن الدكتور عدنان إبراهيم داعية وعاشقاً للإعلام أين كان سيجد نفسه؟ هل يعتقد أنه يُؤجج الشارع خاصة المُخالِف له بطروحاته أم يستفزه؟ لو لم يكن هناك عدنان إبراهيم عن مَن سيكتب الزميل عليّ العميم في عكاظ ومَن سيُحاوِر أحمد العرفج؟ ما هي أبعاد علاقته بالسُلطة الرابعة؟ وهل هو قريب حد الاحتراق أم بعيد حد الافتراق؟

شكر الدكتور عدنان إبراهيم الإعلامي المُخضرَم على مُداخَلته وأخبره بأنه ليس عاشقاً للإعلام وإن لم يكن له أي موقف منه، لكنه مُقِل جداً ويكتفي بالبرنامج الرمضاني وخُطبة الجُمعة.

أوضح أنه لم يُغرِّد مرة واحدة على تويتر Twitter ولا يعرف كيف يدخل عليه، مُشيراً إلى أن مَن يُدير صفحاته بعض طلابه وأحبابه، أما بالنسبة إلى الفيسبوك Facebook فإنه يدخل قليلاً عليه ولم يكتب من خلاله إلا في مرات معدودة، والسبب هو ضيق الوقت وهوس القراءة.

أوضح أنه لو لم يكن داعية لكان كاتباً، فالذي لديه شيئ لابد أن يضعه مثل الحامل وإلا قُتِل، مُستشهِداً بقول أندريه مالرو André Malraux إن العبقري كان سيُصبِح مجنوناً لو لم يُترجِم عبقريته، أي أن العبقرية أنقذته.

رغب في أن يكون مُساهِماً في تطييب حياتنا العربية والإسلامية بتقديم شيئ إيجابي يخدم الأمة، مُؤكِّداً على فضل الإعلام عليه وعلى الثقافة، وقال حتى الثقافة العالمة أو النخبوية تستفيد من وسائل الإعلام.

أوضح أن العالم الغربي يغار جداً على وسائل الإعلام لأنه يُؤمِن بأن هذه الوسائل لابد أن تكون بمثابة مرآة نظيفة مُستوية لعكس الحقائق ولتكون وسيطاً نزيهاً بين الحكومة والشعب ومن هنا يُطالِب بهامش عريض لها.

بيَّن أن الصحفي الصحفي الكبير بوب ودورد Bob Woodward الذي عمل في الواشنطن بوست Washington Post هو الذي اضطر نيكسون Nixon إلى تقديم استقالته وهو مُفجِّر فضيحة ووترجيت Watergate scandal وأثبت كيف تجسس الجمهوريون على الديمقراطيين.

أشار إلى أن أمريكا أنهت حرب فايتنام من خلال ضغط الشعب ووسائل الإعلام التي صوَّرت الجُثث وضغطت عليها.

قال الرسالة الإعلامية في العالم العربي منقوصة لوجود بعض الحسابات والإكراهات فضلاً عن عدم وجود مناخ ديمقراطي تام من كل وجه، ومع ذلك لها دور كبير.

تساءل هل الآن تُوجَد صحف عربية عالمية بوزن يو إس إيه توداي USA Today مثلاً؟ ثم ذكر عدداً من الصحف العابرة للقارات والقوميات والتي يهتم بها العالم مثل الفايننشال تايمز Financial Times والنيويورك تايمزThe New York Times وغيرهما.

تحدَّث عن عدم وجود كوادر على المُستوى المطلوب والعدد المطلوب كأبرز المُعوِّقات لإفراز خطاباً يهتم به العالم، وذكر أن صحافة الرأي العالمية لها افتتاحيات لابد أن تُقرأ كل صباح وتهتم بها القيادات السياسية، أما نحن فينقصنا الكثير في كل شيئ وليس فقط في الإعلام.

أوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي سُلطة تنويرية يستخدمها كل صاحب فكر، مُشيراً إلى وجود بعض المحاذير بخصوص استعمال المُتدينين لها، ففي الفترة الأخيرة انتشرت أحاديث مُؤثِّرة لا خطام لها ولا تُوجَد حتى في كُتب الموضوعات، فهذه الأحاديث يتم تصنيعها الآن ولا يُدرى مَن يقف خلفها، والمُسلِمون بطيبتهم يُرسِلونها لغيرهم، لأن في الرسالة يُقال أرسلها ولا تجعلها تقف عندك، في حين أن النبي قال مَن روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين.

أضاف أن النبي قال مَن كذب عليَّ مُتعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار، لأن باسم الكذب على رسول الله قد تُصَك أحاديث تُنتهَك بها الحُرمات والفروج وتُسال بها الدماء وقد تخلق فرقاً وجماعاتٍ جديدة، ومن هنا يجب ألا نُعمِّم ونُشيع أحاديث ليس لها أصل.

عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو للشاب عمر حسين الذي تحدَّث فيه عن التدليس في المواد الإعلانية التي تُعرَض وكأنها ليست مادة إعلانية، وقد أشاد الدكتور عدنان إبراهيم بالفيديو وأكَّد على أن هذا غش وتدليس، لأن الإنسان حين يعلم أن هذا إعلان يتماسك أكثر وحين لا يعلم هذا يُخدَع.

أكَّد على أهمية ميثاق الشرف Code of honor، واقترح أن يُوجَد ميثاق شرف لوسائل التواصل الاجتماعي Social media.

أشار إلى أن المال الذي يستخدمه البعض في شراء المُتابِعين لكي يبيع أكثر هو مال سُحت، وأكَّد على أن أكل أموال الناس بالباطل لا يجوز.

تساءل كم انتفعت هذه الأمة بدينها؟ ثم أكَّد على أهمية النصح لكل مُسلِم، كأن يُريد أحدهم مثلاً عشرة دراهم فتقول له ينبغي أن تأخذ مائة لأنك تستحق، فهذا هو معنى الدين النصيحة، لذا نهى النبي عن أن يبيع حاضر لباد، لأن البدوي لا يعرف أسعار السوق فقد يُخَم.

أشار إلى أن وسائل التواصل غرَّبت الإنسان عن نفسه وأثَّرت على العلاقات الأُسرية، لذا ينبغي أن تتفق الأسرة على تفادي هذا بالاجتماع ولو قليلاً دون إحضار الهواتف وما إلى ذلك.

أوضح أن العلاقة بين الجمهور والإعلام جدلية تآثرية، فالإعلام يستمزج رأي الجماهير، والجمهور حين يتلقى المادة الإعلامية يتأثَّر ولو نسبياً.

تحدَّث عن وضع الصور على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة من قبل البنات، وقال إن الوضع غير مأمون، فأحياناً تُخترَق الحسابات وتُؤخَذ الصور ويتم تركيبها على أُخرى فتحدث فضائح وفظائع، لذا وهو رجل لا يُحِب أن ينشر خصوصياته التي تتعلَّق به وبزوجته وأولاده، ومن ثم يجب ألا نُقلِّد الغربيين وأن نحذر من هذه الأشياء.

ذكر حديث مَن كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار وذكر قول الله وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ۩ ثم قال عن المُفكِّرين والعلماء ومَن مثلهم أنهم أنانيون، فهم يأكلون الشهد والعسل من خلال اللسان دون بذل أي عمل عضلي، في حين أن هناك مَن يتعب ويبذل أعمالاً عضلية ويأخذ مُرتَبات قليلة جداً، وهذه الأموال في النهاية هي مال الأمة، فإذن حق هذه الأمة عليك أن تكون وفياً معها للحقيقة، لذا لا ينبغي أن يكتم رجال الدين بدرجة أولى الحق خشية جماهيرهم، وتساءل ألا يخشون الله؟

استدل بحديثين للتأكيد على خشية الله وإرضائه، فلا ينبغي لأحد أن يُرضي الناس في سخط الله.

استشهد بعبارة “Comment is free, but facts are sacred” للتأكيد على أهمية الحقائق التي لا تمتلكها وسائل الإعلام والتي هي ملك لنفسها وبالتالي حق مُقدَّس للجماهير.

أكَّد على أنه عبد بسيط له أخطاء كثيرة وعلى أنه لا يزال تَلميذاً يتعلَّم، لكنه يُحاوِل الالتزام بالصدق.

ذكر عبارة الساكت عن الحق شيطان أخرس وقال هذه نصف مُصيبة لأن الناطق بالباطل شيطان مُتكلِّم.

وجَّه حديثه لكل مَن يستمع إليه قائلاً لا تلتزموا بالحقيقة لأن الحقيقة لا يعلمها إلا الله لكن التزموا بالصدق، وأشار إلى أن هذا جوهر كل ميثاق شرف، لأن اسمه Code of honor وفي قلب كل شرف النزاهة، ومن هنا أتت تغريدة الحلقة: التزموا مع الناس بالصدق.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: