طليعة التبيان (طليعة مُفصَّل البيان في حال ابن أبي سُفيان)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.

إذن أيها الإخوة لا زلنا مع حكاية الإمام أبي عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام رضوان الله عليه، يقول ما أخذنا العطاء حتى شهدنا على عليّ بالنفاق وتبرّأنا منه وأُخِذ علينا بذلك الطلاق والعتاق وأيمان البيعة، الله أكبر، قال فلما عقلت أمري – رجع إلى عقلي جيداً وفهمت وما إلى ذلك – سألت مكحولاً – يبدو أنه أُخِذ عليه هذا في أول طلبه العلم، في أول شبوبيته، قال كبرت فيما بعد ورسخت في العلم فقلت ما هذه القضية؟ هذا عليّ يا أخي، عليّ عليه السلام الذي قال له النبي فيه كذا وكذا، طبعاً كثير من الإخوة وربما ليسوا طلّاباً للعلم يسألون لماذا أنت يا شيخ عدنان تُسلِّم على عليّ؟ لست أنا، اسألوا البخاري لماذا تُسلِّم على عليّ، البخاري سلَّم عليه بشكل واضح في أربعة مواضع، كان يقول عليه السلام، وسلَّم على فاطمة أكثر من ذلك، والإمام أحمد سلَّم والإمام الطبري يُسلِّم كثيراً جداً والإمام الطحاوي لا يكاد يذكر عليّاً إلا بالتسليم، الطحاوي إذا قال عليّاً يقول عليه السلام، عليه السلام، عليه السلام، عليه السلام باستمرار، سلَّم عليه الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد والإمام أبو الفرج بن الجوزي والإمام ابن الكثير والذهبي في مرات، أكثر العلماء بفضل الله يُسلِّمون على عليّ، نحن نترضه عنه ونُكرِّمه وجهه في الجنة وفي الدنيا إن شاء الله ونُسلِّم عليه، نحن في الصلاة نُصلي على أهل البيت، نقول صل على محمد وآل محمد، فلا يذهبن بكم الوهم يا إخواني، السلام على أهل البيت بعض حقوقهم، هذا من خصائصهم، انتبهوا إلى أن هذا من خصائصهم، أي من خصائص أهل البيت عليهم السلام، فهو قال فلما عقلت أمري سألت مكحولاً الإمام الشامي الشهير أيضاً – ويحيى بن أبي كثير وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عُبيد بن عُمير فقال – هكذا فقال، لا ندري مَن الذي قال منهم، لعله الآخر أو لعله غير هذا، لا ندري، ولعلها فقالوا لكن حدث فيها تصحيف، لكن هكذا مطبوع هنا فقال – ليس عليك شيئ، إنما أنت مُكرَه – أعطوه رخصة – فلم تقر عيني حتى فارقت نسائي – فارق نساءه وأعتقت رقيقي وخرجت من مالي وكفَّرت أيماني، فأخبرني: سفيان كان يفعل ذلك؟ وهنا قد يقول لي أحدكم هذا – والله – إمام عظيم، وطبعاً هو عظيم، هذا الإمام الأوزاعي رضوان الله عليه، هذا إمام عظيم، لأنه يعلم أن سبه لعليّ وبراءته من عليّ عين الكذب، إذن زوجته طالق، هو قال أُخِذ علينا الطلاق والعتاق وأيمان البيعة، كل هذا باطل، قال هو فعلاً باطل، ليس مثل عليّ مَن يُتبرّأ منه وليس مثل عليّ مَن يُسَب يا أخي، هذا عليّ، يقول والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأُمي إليّ أن لا يُحبَني إلا مُؤمِن ولا يُبغِضني إلا مُنافِق، أخرجه مُسلِم والترمذي أيضاً وغيرهما، هكذا مُسلِم أخرجه، أخرجه مُسلِم بن الحجاج في صحيحه، عليّ أيها الإخوة حُبه علامة الإيمان وبُغضه علامة النفاق، فتسبوا عليّاً يا بني أُمية؟ تُريدون من الإمام الأوزاعي أن يسب عليّاً ومن كل أحد ويتبرّأ منه، قال فطلَّقت نسائي وأعتقت عبيدي وخرجت من كل مالي من أجل أن تطيب نفسي، رضوان الله عليه، ثم قال وكفَّرت أيماني – وهنا قد يقول لي أحدكم مَن أعظم: سُفيان الثوري أم الأوزاعي؟ ليس الأوزاعي وإنما سُفيان، الذي يحكي هذه القصة عراقي، قال له هل أنت تُماثِل الأوزاعي بسُفيان؟ قال له لا، هذه قصة الأوزاعي -. فأخبرني: سُفيان كان يفعل ذلك؟ مُستحيل ولو قُطِعَت رأسه، سُفيان الثوري لا يفعل، من الأول لا يفعل، لا يُريد عطاء ولا يُريد أي شيئ، وفعلاً سُفيان لقيَ من بني العباس ومن قبلهم بني أُمية الأمرين، رضيَ الله عن سُفيان وأرضاه، أرأيتم؟ هذا يعني أنه قال له سُفيان أفضل، ليس لأنه عراقي وأنا عراقي لكن سُفيان أفضل، سُفيان لم تأت عليه ساعة سبَّ فيها عليّاً وتبرّأ منه، ولو تحت ضغط الإكراه لا يفعلها، حُجر بن عدي الذي قتله مُعاوية شر قتلة – قتله صبراً، كان مُكتَّفاً وقُطِعَت رأسه المسكين، ليس قتلاً في معركة وإنما قتله صبراً فهو كان ممسوكاً، أُمسِكَ للقتل، وهكذا قُطِعَت رأس الصحابي الناسك، وسنتحدَّث عن حُجر بالتفصيل في الحلقات المُقبِلة إن شاء الله – عُرِض عليه البراءة من عليّ، قالوا له تبرّأ منه ونعفو عنك، قال لا، حاشا لله، أتبرّأ من عليّ؟ لن أفعل، فقُتِل هذا الصحابي الجليل شهيداً، مَن الذي قتله؟ ليس بني أُمية وإنما مُعاوية بن أبي سُفيان، هذه لن يُشكِّكوا فيها، لم يملك أحد أن يُشكِّك في أن قاتل حُجر هو مُعاوية، هذا ثابت عند الجميع، قد تقول لي هذا عجيب، ما هذا الصحابي الذي يُقال عنه رضيَ الله عنه وأرضاه؟ هل لو تبرّأ حُجر من عليّ تتركه يا مُعاوية؟ إلى هذه الدرجة تُبغِض عليّاً؟ نعم، وأكثر منها، قالوا لا يا أخي هم إخوة، رضي الله عنهم، يُحِب بعضهم بعضاً، مُعاوية بكى لما وُصِف له كذا، تكذبون على مَن؟ هذه قصة سخيفة، سوف نأتي – بإذن الله – على كل الآثار السخيفة الباردة – أبرد من الثلج – التي انتحلوها لمُعاوية، قالوا بكى لما وُصِف له كذا وكذا، ما هذا الكلام الفارغ؟ بكى! هو قتل صحابة، قتل نفوساً كريمة أبية من أجل أنها لم تُظهِر البراء من عليّ، يُبغِض عليّاً بُغضاً عظيماً، أن لا يُحِبني إلا مُؤمِن ولا يُبغِضني إلا مُنافِق، هذه هي.

الآن أيها الإخوة فهمنا الجو العام إذن، ولذلك لن تجدوا علماء كثيرين بالعشرات فضلاً عن أن يكونوا بالمئات تكلَّموا في مُعاوية وانتقدوه، وظني أنهم كانوا بالمئات إن لم يكونوا بالألوف ولكن يبتلعون ألسنتهم، في فمي ماءٌ، وله ينطق مَن في فيه ماءُ؟ المساكين لم يقدروا على أن يتكلَّموا، لكن بعض هؤلاء العلماء في الأعصار اللاحقة أو السابقة تكلَّموا، سوف نرى بعض هؤلاء!
عُبيد الله بن موسى العبسي الكوفي أحد مشائخ البخاري، هذا إمام جليل رضيَ الله عنه وأرضاه، سوف نرى ما هي قصة عُبيد الله بن موسى، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء، المُجلَّد التاسع، طبعة الرسالة: (عُبيد الله بن موسى) ابن أبي المُختار، باذام، الإمام، الحافظ العابد، أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي، أول مَن صنَّف المُسنَد على ترتيب الصحابة بالكوفة – عالم كبير – كما أن أبا داود الطيالسي أول مَن صنَّف المُسنَد من البَصريين – أو البِصريين وهي أفصح – على ما نقله الخليلي في إرشاده، وحدَّث عنه أحمد بن حنبل قليلاً، كان يكرهه لبدعةٍ ما فيه – سوف نرى ما هذه البدعة، يُريد التشيع، يُحِب عليّاً وآل البيت ومُنحرِف عن مُعاوية، أنا أقول هنيئاً له، مُنحرِف لا يُحِب مُعاوية ويُظهِر البراءة منه – وإسحاق – إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بإسحاق بن رَاهُويَهْ عصري أحمد – وابن معين – حدَّثوا عنه، لم يقل قليلاً، أحمد قليلاً لكم هؤلاء حدَّثوا عنه بشكل عادي – وعبد بن حُميد – المشهور – وأبو حاتم والحارث بن أبي أسامة – أنا أقرأ الأئمة المشهورين الذين ربما لكم تأنس بسماع أسمائهم وأُسقِط الأسماء غير المعروفة للناس – وروى عنه البخاري في “صحيحه” ويعقوب الفسوي – يعقوب بن سُفيان طبعاً – في “مشيخته”. وثَّقه ابن معين وجماعة. وحديثه في الكتب الستة، أي أخرجه البخاري ومُسلِم وأصحاب السُنن الأربعة، إذن هذا عُبيد بن موسى العبسي الكوفي، قال ابن منده كان أحمد بن حنبل يدل الناس على عُبيد الله – يقول لهم اذهبوا وخُذوا العلم منه، هو عالم كبير فتعلَّموا منه – وكان معروفاً بالرفض، لم يدع أحداً اسمه مُعاوية يدخل داره، إذا كان اسمك مُعاوية لا تدخل بيتي، وهنا قد يقول لي أحدكم لقد حيَّرتنا الآن، أنت تقول أن حديثه في الكتب الستة، هل هم وثَّقوه؟ طبعاً وثَّقوه لأنه عالم يا أخي، ليس عندهم حق إذا تكلَّم أحد في مُعاوية أن يجعلوه كذا وكذا وينتهي الأمر وكأنه أجرم، على الأقل عند علمائنا الأقدمين يُوجَد كثير من الإنصاف، هؤلاء المُعاصِرون اليوم لا إنصاف لديهم، لا إنصاف ولا ورع ولا تُقى في هذه المسائل على الأقل، دخل عليه مُعاوية بن أبي صالح الأشعري فقال ما اسمك؟ عُبيد بن موسى يقول لمُعاوية بن صالح ما اسمك؟ قال مُعاوية، قال والله لا حدَّثتك ولا حدَّثت قوماً أنت فيهم، كأنه يقول له اذهب بعيداً، هذا هو، إذن موجود من أهل السُنة ومن رجال الكتب الستة ومن شيوخ البخاري وشيوخ أحمد وشيوخ فلان وعلان مَن كان مُنحرِفاً جداً عن مُعاوية، لم يتحمَّل اسم مُعاوية، هذا موجود، ليس عدنان إبراهيم وحسن فرحان المالكي وحسن السقاف ومحمد بن عقيل العلوي وأبا بكر بن شهاب العلوي وفلان وعلان أول ناس تكلَّموا، لا ليس الأمر كذلك وسوف نرى.

نأتي إلى رجلٍ آخر وهو جرير الضبي، الإمام جرير الضبي حديثه أيضاً في الكتب الستة، أي أخرج له مَن؟ الستة، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب، المُجلَّد الثاني: جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الرازي القاضي … وبدأ يتكلَّم عنه، آخر شيئ الذي يهمني – حديثه في الكتب الستة لكي تعرفوا قيمته، لا تقولوا ضعيف وما إلى ذلك، هذا في الكتب الستة، أي من رجال البخاري ومُسلِم والسنن الأربعة – أنه قال وقال الخليلي – الإمام الخليلي صاحب الإرشاد – في الإرشاد ثقةٌ مُتفَقٌ عليه، وقال قُتيبة حدَّثنا جرير الحافظ المُقدَّم لكني سمعته يشتم مُعاوية علانيةً، إذن جرير الضبي كان يشتم مُعاوية علانيةً، كان يشتم وليس ينتقد، نحن ننتقد ولا نشتم، لسنا من الشتم ولا الشتم منا إن شاء الله، لكن هذا كان يشتم، يشتم وتحت الشتم الله أعلم، هذا ابن حجر في تهذيب التهذيب، وجرير من رجال الكتب الستة، وهذا مُهِم لأنهم يقولون أنت أجرمت، أتيت بما لم تأت به الأول، تزندقت حين انتقدت مُعاوية وقلت هو بداية كارثتنا، إي والله، إي والله أدين بها إلى الله، إلى اليوم أعتقد، وسوف ترون مَن قال هذا من المُعاصِرين الذين نُحِبهم ونحترمهم ونُجِل عقلهم وفهمم وفضلهم.

لدينا أبو غسان النهدي، نأتي أيضاً إلى الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: (أبو غسان) مالك بن إسماعيل بن درهم، الحافظ الحُجة الإمام – انتبهوا إلى هذا، هذا ليس مُجرَّد كلام، هذا كلام رجال الجرح والتحديل، يقول لك الحافظ الحُجة الإمام، هذه أعلى الدرجات – أبو غسان النهدي مولاهم الكوفي. مَن حدَّث عنه من تلاميذه؟ البخاري وشيخ البخاري وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن يحيى الذُهلي – قصته مشهورة مع البخاري – وأبو زُرعة وأبو حاتم الرازيان عصريا البُخاري، قال محمد بن عليّ بن داود البغدادي سمعت ابن معين يقول لأحمد بن حنبل إن سرَّك – مَن هذا؟ ابن معين يقول للإمام أحمد رضيَ الله عنهما – أن تكتب عن رجل ليس في قلبك منه شيئ – رجل مُمتاز جداً وثقة مائة في المائة، أي أنه فوق كل الشُبهات – فاكتب عن أبي غسان – أي عن أبي غسان النهدي -. وقال أبو حاتم قال يحيى بن معين ليس بالكوفة أتقن من أبي غسان، وقال يعقوب بن شيبة ثقة صحيح الكتاب، من العابدين، وقال أيضاً كان ثقة مُتثبِّتاً، نأتي الآن إلى موضع الشاهد، يقول الذهبي – رحمة الله عليه ورضوانه – قلت حديثه في كل الأصول – مِمَن أخرج له – وفيه أدنى تشيع، فيه تشيع قليل، أبو أحمد الحاكم – ليس أبا عبد الله الحاكم، هذا سابق عليه بقليل -: حدَّثنا الحُسين الغازي، قال سألت البخاري عن أبي غسان – أبو غازي سأل البخاري عن أبي غسان – قال وعماذا تسأل؟ البخاري يعرف أن السؤال عن التشيع الذي فيه، يُوجَد تشيع وانحراف عني بني أُمية، قلت التشيع، قال – أي البخاري – هو على مذهب أهل بلده – هو كوفي – ولو رأيتم عُبيد الله بن موسى – مر معنا، هذا لا يُدخِل أحد اسمه مُعاوية ولا يُحدِّثه، وهذا أيضاً شيخ البخاري، قال أبو غسان أهون بكثير مِمَن؟ مِن عُبيد الله بن موسى – وأبا نُعيم – مَن أبو نُعيم؟ ليس الأصفهاني، أبو نُعيم الفضل بن دُكين الرجل الصالح العلّامة الحافظ المُوعِب المعروف، اسمه أبو نُعيم الفضل بن دُكين رضيَ الله عنه وأرضاه – وجماعة مشايخنا الكوفيين لما سألتمونا عن أبي غسان، كما يقول الليبيون أبو غسان يندق في الخشم، أبو غسان ولا شيئ وشأنه سهل جداً بالنسبة إلى الآخرين، وهؤلاء مَن؟ مشائخ البخاري وسُنيون ومن رجال الكتب الستة، لكن لا يُحِبون مُعاوية ولا بني الحكم ولا هذا النسل، قلت – يقول الذهبي – وقد كان أبو نُعيم وعُبيد الله مُعظِّمين لأبي بكرٍ وعمر، وإنما ينالان من مُعاوية وذويه، وهذا ما نُريده، هذا هو الشاهد، قال هما لم يتبرّأ من الشيخين وما إلى ذلك لكنهم يسبان مُعاوية وجماعة مُعاوية، وهذا يعني ماذا الآن؟ يعني أن ليس أبا غسان النهدي وحده لأن عندنا أيضاً أبو نُعيم الفضل بن دُكين، وفي الأول أخذنا مَن؟ عُبيد الله بن موسى العبسي الكوفي، تفضَّل هذا، رضيَ الله عن جميع الصحابة يقول الذهبي، قال أنا أُخالِفهم، لكنهما لا ينالان من هذا أو هذا.

نأتي الآن إلى الحِماني/ يحيى بن عبد الحميد، العُقيلي – الإمام الجليل أبو جعفر – هو صاحب الضعفاء، وهذا – أشار الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إلى كتاب أمامه – الضعفاء الكبير للإمام أبي جعفر العُقيلي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، في المُجلَّد الرابع يتحدَّث طبعاً في الترجمة رقم ألفين وتسع وثلاثين ويقول يحيى بن عبد الحميد أبو زكريا الحِماني، هذا ليس في رُتبة مَن ذكرنا، بالعكس هذا ضعَّفه جماعة ووثَّقه بعض الناس، ابن معين وثَّقه، لكن – مثلاً – الإمام أحمد ضعَّفه، النسائي ضعَّفه، مُسلِم أخرج له حديثاً واحداً، لكن مُسلِم أخرج له، اسمه يحيى بن عبد الحميد الحِماني، هكذا يُضبَط بالكسر، يقول أبو جعفر العُقيلي حدَّثني أحمد بن محمد، قال سمعت زياد بن أيوب دلويه، سمعت يحيى بن عبد الحميد – وهو مَن؟ الحِماني – يقول مات مُعاوية على غير الإسلام، كان يقطع بأن مُعاوية لم يمت مُسلِماً، قال مات مُعاوية على غير الإسلام، هذا الحِماني، الإمام النسائي له موقف من مُعاوية، وهنا قد تقول لي النسائي! نعم النسائي صاحب السُنن، سوف نرى موقف النسائي من مُعاوية، الإمام النسائي وهو واحد من أصحاب الكتب الستة؟ نعم النسائي، سوف نرى موقف الإمام النسائي من مُعاوية بن أبي سُفيان.

نعود إلى الذهبي، المُجلَّد الرابع عشر، وطبعاً لسنا بحاجة أن نتكلَّم عن النسائي ونقول مَن هو، معروف وأشهر من نار على علم، روى أبو عبد الله بن منده عن حمزة العقبي المصري وغيره أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسُئل بها عن مُعاوية وما جاء في فضائله – أي ما رأيك في مُعاوية وفضائل مُعاوية؟ – فقال لا يرضى رأساً برأس حتى يُفضَّل؟ معنى الكلام المفروض أنك تسكت عن مُعاوية، نحن نسكت عنه والأمر مُنتهٍ، هل تُريدون أفضليات له؟ تسأل عن فضائل مُعاوية؟ هل له فضائل؟ قال فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أُخرِج من المسجد ثم حُمِل إلى مكة فتُوفيَ – تسبَّبوا في مقتله – بها. كذا قال، وصوابه إلى الرملة. قال الدارقطني – أبو الحسن صاحب السُنن والإمام الجليل – خرج حاجاً فامتُحِن بدمشق – هذه محنة وفتنة، الله امتحنه على أيدي هؤلاء النواصب – وأدرك الشهادة – الدارقطني يعتبره شهيداً، قتله حُب عليّ وقول الحق في مُعاوية، قال لهم فضائل ماذا؟ قال لهم لا تُوجَد فضائل، قال لهم هل لمُعاوية فضائل؟ وهنا قد يقول لي أحدكم عجيب يا عدنان، ما بال هؤلاء اليوم يتصايحون ويصرخون قائلين فضائل مُعاوية ومناقب مُعاوية؟ هل يعرفون له من الفضائل ما لا يعرفه النسائي؟ الإمام النسائي لا يعرفون ما لا يعرف، وإلا لو كان النسائي المسكين يعرف فضائل لحدَّث بها وأنقذ مُهجته، أليس كذلك؟ لا تُوجَد فضائل يا أخي، هل لمُعاوية فضائل؟ لا أشبع الله بطنه، في رواية قال لهم وهل له من فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه؟ هذه صحَّت عن رسول الله بلا مثنوية، النبي دعا عليه، علماً بأن الدعوة أصابته، أصابته الدعوة كما سيأتيكم – فقال احملوني إلى مكة، فحُمِلَ وتُوفيَ بها وهو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاثٍ وثلاثمائة، قال وكان أفقه مشائخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه وتقبَّله الله في الشهداء والصالحين، الإمام النسائي قتله أهل الشام من أجل أنه قال لهم مُعاوية ليس له فضائل، فضائل ماذا؟ هذا النسائي إمامنا رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

لدينا الإمام الحاكم رضوان الله تعالى عليه، مَن الحاكم؟ أبو عبد الله النيسابوري بن البيع صاحب المُستدرَك على الصحيحين وصاحب كتاب تاريخ نيسابور الذي قال فيه ابن السُبكي في الطبقات لم أر كتاباً في التاريخ أعود بالفائدة منه، كتاب عظيم تستفيد منه فوائد عجيبة، أعني تاريخ نياسبور، وصاحب الكتاب الشهير في علوم الحديث، وله كتب كثيرة جداً جداً الإمام الحاكم رضوان الله تعالى عليه، سوف نرى قصة الحاكم، هذا الجزء السابع عشر، طبعاً يقول الذهبي – رحمة الله عليه – محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، الإمام الحافظ، الناقد العلّامة، شيخ المُحدِّثين – الحاكم معروف وكان معروفاً أيضاً بالصلاح والتُقى والورع – أبو عبد الله بن البيع الضبي الطهماني النيسابوري الشافعي صاحب التصانيف، إلى أن يقول في صفحة مائة وأربع وسبعين انبأني أحمد بن سلامة عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي عن ابن طاهر أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد بن الهروي عن أبي عبد الله الحاكم فقال ثقة في الحديث – الهروي يقول ثقة في الحديث – رافضيٌ خبيث. رافضي وهو من عيون أئمة أهل السُنة! كيف يُقال رافضي؟ لماذا رافضي؟ هل ثبت أنه مرة واحدة سب أبا بكر وعمر؟ حتى لم يثبت عليه تفضيل عليّ على أبي بكر وعمر، من أجل أنه مُنحرِف عن مُعاوية، لا يُحِب مُعاوية، لا يُحدِّث بفضائله، قال ابن طاهر كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، ما شاء الله نعرف البواطن، هذا الذي قيل في العبد الفقير قبل أيام، أليس كذلك؟ قالوا في باطنه كذا وكذا، والله ضحكت، والله الذي لا إله إلا هو جعلت أضحك، مِن ماذا؟ من السفه ومن الجرأة على الله، كيف تحكم على الباطن؟ هل تعرف باطني أنت؟ سل نفسك عن باطنك، شيئ لا يُصدَّق يا أخي، أنت أعرف بباطنك يا مَن تفتري على عباد الله، يتحدَّث عن باطني وهذا يتحدَّث عن باطن الحاكم، كيف عرفت الباطن يا أخي؟ الله أكبر يا أخي، ما هذه الجرأة؟ قال كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يُظهِر التسنن في التقديم والخلافة – أي يُقدِّم أبا بكر وعمر – وكان مُنحرِفاً غالياً عن مُعاوية رضيَ الله عنه – عن مُعاوية – وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك – قال في الباطن ليس كما في الظاهر، يتظاهر أنه لا يُحِب مُعاوية ولا أهل بيته، الحاكم يُظهِر هذا، هذا من مناقبه في نظرنا – ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، سمعت عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبد الرحمن السُلمي – السُلمي الصوفي صاحب طبقات الصوفية المشهور وله تفسير طبعاً – يقول دخلت على الحاكم وهو في داره لا يُمكِنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرّام – المُجسِّم الكرّامي – وذلك لأنهم كسروا منبره – الكرّامية كسروا منبر الحاكم – ومنعوه من الخروج – من أجل مُعاوية وبني أُمية ما شاء الله، إلى اليوم تجد في مَن يجمعون الانحراف عن أهل البيت والعشق والوله في آل مُعاوية وآل أبي سُفيان أنهم يجمعون التجسيم، يبتعدون عن تنزيه الله الواجب له، شيئ غريب يا أخي وعجيب، هذا نفس الشيئ، مزاج ومواريث، هذه مواريث – فقلت له لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثاً – مَن هذا الرجل؟ مُعاوية، ترض عليه، حديث واحد في فضائل مُعاوية يكفون عنك، لعلهم يكفون عنك – لاسترحت من المحنة، قال لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي، قال – رضي الله عنه وأرضاه – لا، الرجل عنده صدقية، قال لهم هذا ليس من قلبي، هذا الدين صدق، أنا لا أعتقد حُب هذا الرجل، أي مُعاوية، لا أُحِبه، المفروض عليك يا حاكم أن تُحِبه، كيف تجهل السُنة يا حاكم؟ يا أبا عبد الله يا صاحب المُستدرَك على الصحيحين كيف تجهل السُنة؟ لابد أن نُجهِّله وأن نتهم باطنه، لابد لكي يكمل إيمانك أن تُحِب مُعاوية على الرغم من قلبك، قلبك لا يُحِبه ولا يعتقده لكن لابد أن تُحِبه وأن تعتقده رُغماً عنك، هذا إرهاب، ونفس الإرهاب موجود إلى اليوم، كسروا منبره وألزموه البيت، إرهاب رهيب يا أخي، يا ليتهم استخدموا مثل هذا الإرهاب في حق عليّ عليه السلام، نحن رضينا وقد قيل رضينا بالهم والهم لم يرض بنا، إذا كان ذلك كذلك وأنتم تقولون الذي يسب أحداً من الصحابة – أبا بكر أو عمر أو طلحة أو غيرهم، رضيَ الله عنهم – دجّال ليس أهلاً أن يُروى عنه – جميل جداً ورضينا بهذا، حتى بمُعاوية، الذي يسب مُعاوية دجّال وليس أهلاً – فلماذا تروون عن مَن كان دينه سب عليّ وأهل بيته؟ أنتم تروون عنهم برضا، هذا عادي دون أي مُشكِلة، سب عليّ عادي، وقد ذكرت نماذج من هذا وسآتي على نماذج أُخرى في الدروس المُقبِلة إن شاء الله، رجال مُوثَّقون وما شاء الله ليس فيهم جُرحة، وأحياناً يقول لك ثقة وكذا وكذا ثم يقول غير أنه كان مُنحرِفاً عن عليّ، أي أن هذه لا تضر، هذا عادي وليس عندنا مُشكِلة، لكن عن مُعاوية لا، إذا انحرفت عن مُعاوية ينتهي الأمر والمُصيبة تحل على رأسك، لكن إذا انحرفت عن عليّ سوف تكون مسألة عادية ولن تُوجَد مُشكِلة، وهذا عجيب، لماذا؟ هذا هو، ولذلك الخليفة العباسي المُعتضِد بالله في سنة أربع وثمانين ومائتين فاض به، قال لا، لابد أن تفهم الناس الحقيقة، المأمون أحب أن يُفهِم الناس الحقيقة ولم يقدر، نحن اليوم سنكتب كتاباً ننشره على الناس ونُفهِم الناس مَن هو مُعاوية، هذا أحد السابقين في المسألة، هذا خليفة، وطبعاً هؤلاء ما شاء الله عليهم بالفقه العظيم الذي عندهم والذكاء مُنقطِع النظير يقولون إياك أن تنال من الأمويين، فتحوا الإسلام وفتحوا قبرص وفتحوا قنسرين وعملوا وفعلوا، وبنو العباس بنوا الحضارة الإسلامية، كلهم مُمتازون، كل تاريخنا – ما شاء الله – مُمتاز، كلهم مُمتازون، سنأخذ بعض هؤلاء المُمتازين، سنأخذ هذا المُعتضِد بالله العباسي، هذا تاريخ الإمام ابن جرير الطبري – أبو جعفر رحمة الله عليه -، المُجلَّد الخامس، دار الكتب العلمية، يقول فذُكِرَ أن المُعتضِد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن مُعاوية فأُخرِج له من الديوان، فأُخِذ من جوامعه نُسخة هذا الكتاب وذُكِرَ أنها نُسخة الكتاب الذي أُنشيء للمُعتضِد بالله – لكن هذا أُنشيء جديداً، أنشأه أحد العلماء وأعتقد كُتِبَ اسمه في آخر الكتاب – وكتب أبو القاسم عُبيد الله بن سُليمان في سنة أربع وثمانين ومائتين، أرأيتم؟ أربع صفحات ونصف – كتاب طويل – في لعن مُعاوية وذكر أحاديث رسول الله فيه وجرائمه وبوائقه، هذا خليفة عظيم، طبعاً هذا لو في العصر اليوم أو لو كان هؤلاء في عصر المُعتضِد كلهم سيُصفِّقون له طبعاً، كيف يا أمير المُؤمِنين؟ أنت حاكم الزمان، وسيُظهِرون البراهين والأدلة والآثار على صحة توجه السُلطان، أليس كذلك؟ هكذا هم، هم مع كل سُلطان في دولته، هذا المُعتضِد، ضمن الكتاب هذا يقول وقد انتهى إلى أمير المُؤمِنين ما عليه جماعةٌ من العامة من شُبهةٍ قد دخلتهم في أديانهم وفسادٍ قد لحقهم في مُعتقَدهم وعصبيةٍ غلبت عليها أهواؤهم ونطقت بها ألسنتهم على غير معرفةٍ ولا رويةٍ وقلَّدوا فيها قادة الضلالة بلا بينةٍ ولا بصيرةٍ وخالفوا السنن المُتبَعة إلى الأهواء المُبتدَعة، قال الله – عز وجل – وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۩، خروجاً على الجامعة ومُسارَعة إلى الفتنة وإيثاراً للفُرقة وتشتيتاً للكلمة وإظهاراً لمُوالاة مَن قطع الله عنه المُوالاة – يعني مُعاوية – وبتر منه العصبة وأخرجه من المِلة وأوجب عليه اللعنة وتعظيماً لمَن صغَّر الله حقه وأوهن أمره وأضعف ركنه من بني أُمية الشجرة الملعونة ومُخالَفةً لمَن استنقذهم الله به من الهلكة – أي أهل البيت، قال أتنحرف عن أهل البيت؟ أتنحرف عن عليّ وأولاده من أجل مُعاوية وذريته وعمومته؟ ما شاء الله عليك، كلام واضح – وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة – الذين قُتِّلوا تقتيلاً وذُبِّحوا تذبيحاً وإن لله -، قال الله – عز وجل – يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۩، فأعظم أمير المُؤمِنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى في ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين وفساداً لمَن قلَّده الله أمره من المُسلِمين وإهمالاً لما أوجبه الله عليه من تقويم المُخالِفين وتبصير الجاهلين وإقامة الحُجة على الشاكين وبسط اليد على العاندين، إلى أن يقول – الكتاب طويل – وكان مِمَن عانده وكذَّبه – عن النبي عليه السلام، يتحدَّث عن النبي وكيف أرسله الله ليهدي به الناس وإلى آخره – وحاربه من عشيرته العدد الأكثر والسواد الأعظم يتلَّقونه بالتكذيب والتثريب ويقصدونه بالأذية والتخويف ويُبادونه – أي يُبادئونه – بالعدواة وينصبون له المُحارَبة ويصدون عنه مَن قصد وينالون بالتعذيب مَن اتبع، وأشدهم في ذلك عداوةً وأعظمهم له مُخالَفةً وأولهم في كل حربٍ ومُناصَبة، لا يُرفَع على الإسلام رايةً – أي في حرب – إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كل مواطن الحرب – أبو سُفيان طبعاً، هذا سيأتي – من بدر وأُحد والخندق والفتح أبو سُفيان بن حرب وأشياعه من بني أُمية.

طبعاً أنا أفتح مُزدوَجين وأقول “يا جماعة بالله عليكم فكِّروا بنوع من البصيرة،ألا يلفت النظر أن أكثر مَن قام لرسول الله وأطول مُدة قُضيَت في مُناصَبة رسول الله العداء أن الذي باء بإثم هذا أبو سُفيان بن حرب؟ ثلاث وعشرون سنة لم يُسلِم إلا يوم الفتح وعلى شك، لقد صار مُلك ابن أخيك يا عباس عظيماً، قال له ويحك يا أبا سُفيان، إنها النبوة، فهو لم يُصدِّق، أبو سُفيان في ثلاث وعشرين سنة ضد الإسلام ثم أسلم مع الطُلقاء وهذا عجيب، بعد الرسول مَن يأتي؟ لأن هذا مُخطَّط، هذه خُطة، يأتي أخوه وصهره وابن عمه الإمام عليّ عليه السلام، مَن الذي يقف له مِن بين كل هؤلاء حتى الرمق الأخير؟ مُعاوية بن أبي سُفيان، فهذا غير عجيب، بالنسبة لي غير عجيب بالمرة، هذا طبيعي جداً كقال الإمام القزويني، قال أبو سُفيان للنبي ومُعاوية لعليّ ويزيد للحُسين، عداء مُستمِر مُتأشِّب مُتأثِّر يا جماعة، أليس كذلك؟ الحكاية لم تأت بالتوافيق والتباديل وبالصُدف وبالالتفاقات، لا ليست كذلك، حقد مُتأصِّل، أبو سُفيان ثلاث وعشرون سنة لرسول الله، مُعاوية لعليّ طيلة خلافة عليّ حتى ذهب شهيداً سعيداً حميداً، ويزيد اللعين – لعنة الله عليه إلى يوم الدين – للحُسين، حتى فعل به وبأهل بيته الأفاعيل، وليس الحُسين فقط بل وأهل مكة وأهل المدينة أيضاً، ما شاء الله هذا يُحِب الإسلام، من أين خرج يزيد؟ من أين؟ من بيت مُعاوية، من أين أتى مُعاوية؟ من بيت أبي سُفيان، المسائل واضحة يا جماعة، لكن لا نُحِب أن نُفكِّر، لا نُحِب أن نُقدِّر”.

قال أبو سُفيان بن حرب وأشياعه من بني أُمية الملعونين – المفروض أن يُقال هنا الملعونون، قال أبو سُفيان والمفروض أن يقول الملعونون، يُوجَد خطأ، وأكيد هذا ليس من الطبري، أكيد هذا تصحيف، أو يُوجَد خطأ من أصل الكتاب، أعني من المُنشيء – في كتاب الله ثم الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم فحارب مُجاهِداً ودافع مُكابَداً وأقام مُنابِذاً حتى قهره السيف وعلا أمر الله وهم كارهون فتقوَّل بالإسلام غير مُنطوٍ عليه وأسر الكفر غير مُقلِعٍ عنه فعرفه بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمُسلِمون، لذلك الإمام عليّ – عليه السلام – لما تُوفيَ رسول الله وحصل ما حصل في سقيفة بني ساعدة جاء أبو سُفيان يُعيِّر الإمام عليّ، يقول له:
ولا يُقيم على ضيمٍ يُراد به إلَّا الأذلانِ عَيْرُ الحيِّ والوَتَدُ.
هذا على الخَسْفِ مربوطٌ برُمَّتِه وذا يُشَجُّ فلا يَرثِي له أحدُ.

قال للإمام عليّ – عليه السلام – لو شئت ملأتها عليم خيلاً ورجلاً، فقال له اسكت، انظر إلى الإمام عليّ، قال له أنا معك يا عليّ، معك يا أبا الحسن، على مَن يتألَّب ويُؤلِّب؟ على أبي بكر وعمر وأبي عُبيدة، قال له هؤلاء أخذوا كذا وكذا وأنا معك، نحن أقرب، مَن هذا؟ هذا من بني تيم وهذا من بني عدي وهذا أبو عُبيدة الجرّاح، لكن أنا معك، لو شئت ملأتها عليم خيلاً ورجلاً، سوف نأخذها منهم غصباً عنهم، فقال له اسكت، انظر إلى عليّ، عليّ يُريد الحق، وهو يعرف أنه لا يُريد الحق بهذا، يُريد تمزيق الأمة وتفجير الأرض الإسلامية، قال له اسكت فلطالما بغيت الإسلام وأهله شراً، قال له هل تُريد أنت تخدعني؟ أنا أقول لكم والله الذي لا إله إلا هو عليّ يعشق الحق، عليّ والحق شيئٌ واحد، والنبي قال هذا، عليّ مع الحق يدور حيث دار، لا يُوجَد كلام، أنا أقول لكم هذا من خلال تجربتي البسيطة الشخصية، علماً بأنك من خلال تجاربك تستطيع أن تفهم ما لا يُفهَم بالكتب وما إلى ذلك، وتفهمه على قد ما عندك، على قد طوقك، الآن – مثلاً – يتألَّبون علىّ وإلى آخره، لا يُمكِن يخطر على بالي – مثلاً – أنني أنتحل عقيدة أو أتخذ موقفاً لا أُؤمِن به كياداً لهم، هذا مُستحيل، لا يُمكِن أن يحدث هذا أبداً، لا أفعل هذا، وأخر كل شيئ ولا أفعل هذا، لا أقدر على أن أفعل هذا، لا أقدر على أن أُضحي بالحق الذي أعتمده من أجل أن أكيدهم، لا أقدر على هذا، لا أفعلها وعليّ لا يفعلها، قال لا أُريد خلافة ولا أُريد نُصرة منك يا أبا سُفيان، لكن أنت لا تُريد الحق، أنت مُبطِل، ولطالما بغيت الإسلام وأهله شراً، قال له عليّ هل اليوم صرت الناصح الأمين يا أبا سُفيان؟ انظر إلى عليّ، شيئ عجيب الرجل هذا، اليوم بعض الناس مُستعِد أن يضع يده في يد الشيوعيين وفي يد الملاحدة وفي يد أعداء الأمة من أجل الكياد لك كمُسلِم، وهذا عجيب وغير معقول، هذا عليّ!

المُهِم فعرفه بذلك رسول الله والمُسلِمون وميَّز لهم المُؤلَّفة قلوبهم فقبله وولده على علمٍ منه – النبي يعرف مَن هو مُعاوية ومَن هو أبو سُفيان – فمما لعنهم الله به على لسان نبيه – صلى الله عليه وسلم – وأنزل به كتاباً قوله وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ۩ ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني أُمية. وهذا الكلام طبعاً فيه نظر.

ومنه قول الرسول – عليه السلام – وقد رآه مُقبِلاً على حمار ومُعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به لعن الله القائد والراكب والسائق، ومنه ما يرويه الرواة من قوله يا بني عبد مناف – مَن هذا؟ أبو سُفيان، أي قول أبي سُفيان – تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار – قال لهم لا وحيٌ نزل ولا أمرٌ أتى – وهذا كفرٌ صُراح يُلحِق به اللعنة من الله كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دواد وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ومنه ما يروون، ومنه ما يروون من وقوفه على ثنية أُحد بعد ذهاب بصره وقوله لقائده ها هنا ذببنا محمداً وأصحابه – الله أكبر -، ومنه الرؤيا التي رآها النبي – صلى الله عليه وسلم – فوجم لها، فما رُئيَ ضاحكاً بعدها، فأنزل الله وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ۩ فذكروا أنه رأى نفراً من بني أُمية ينزون على منبره – أي نزو القردة -، ومنه طرد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه …. ما معنى لحكايته إياه؟ الحكم حكى النبي، ما معنى حكى النبي؟ قلَّده في مشيته، التفت النبي فرآه يمشي كما يمشي النبي، النبي كان يمشي كأنما يتقلَّع، فهو كان يمشي مثله، فالنبي قال له كُن كذلك فظل يختلج في مشيته إلى أن لقيَ الله، لعنة الله عليه البعيد، ولذلك حسان بن ثابت قال له:
إن اللعين أبوك فارم عظامه إن ترم ترم مخلجًا مجنونًا.

قال له المُخلَّج أبوك يا مروان بن الحكم، عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، صحَّ عنه – عليه السلام – أنه قال إن آل أبي فلان ليسوا أوليائي، إن أوليائي المُتقون، مَن هم؟ بالذات آل العاص هؤلاء.

ومنه طرد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه وألحقه الله بدعوة رسوله آيةً باقيةً – أتى بها – حين رآه يتخلَّج فقال له كُن كما أنت فبقيَ على ذلك سائر عمره – يتخلَّج اللعين – إلى ما كان من مروان في افتتاحه أول فتنة كانت في الإسلام – مروان هو سبب الفتنة على سيدنا عثمان، هوم الذي قضى عليه، أعني مروان الخبيث، وهو الذي قتل طلحة بن عُبيد الله أحد العشرة المُبشَّرين، قتله وقال لا أطلب اليوم بدم عثمان أحداً، أي اشتفيت، لماذا تسكتون عن مروان وتروون عنه الأحاديث وقد قتل أحد الصحابة العشرة المُبشَّرين، لعنة الله على مروان وعلى أبيه يا أخي، سوف يقولون أرأيتم عدنان؟ بذيء اللسان، مروان هذا عاش ومات وهو يلعن عليّاً على المنابر ويأمر بلعنه، وهو الذي قتل سيدنا طلحة بن عُبيد الله أحد العشرة، لكنهم لا يغضبون لطلحة، لا تُوجَد عندهم مُشكِلة، ولا يغضبون للزُبير ولا لعليّ ولا لفاطمة ولا لعمر حتى ولأبي بكر، يغضبون لمُعاوية غضباً شديداً، قد تقول لي ما هذا الكلام؟ أنت تُجازِف، أنت مُجازِف يا عدنان، لكن هذا غير صحيح، أنا أقول لكم والله لا يغضبون حتى لعمر من أجل مُعاوية، مُعاوية مُقدَّم في النهاية، ما هذا الكذب؟ الكذب! في صحيح البخاري حين قال مُعاوية في المدينة وهو يأخذ البيعة لابنه يزيد بالحيل والخديعة والمكر وينظر إلى عبد الله بن عمر يقول ومَن كان يرى أنه أحق بهذا الأمر منا فليُطلِع لنا رأسه أو قال قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه، يُعرِّض بن مَن؟ بعمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليه، فابن مسلمة جالس إلى جنب عبد الله بن عمر فقال له أجبه، يعنيك هذا، يتحدَّث عن أبيك، مُعاوية يستخف بعمر، والحديث في صحيح البخاري، ليس في كتاب أدب وما إلى ذلك، قالوا يا عدنان حين تتكلَّم لا تأت لنا بشيئ من كتب الأدب، بالله عليكم ائتوني بدرس واحد أنا استشهدت فيه بالثعالبي أو بالثعلبي أو بابن عبد ربه وما إلى ذلك، نحن كل نصوصنا يا حبيبي من كتب الرجال والحديث، هذا في صحيح البخاري، قال فليُطلِع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه، قال عبد الله بن عمر فحللت حَبوتي أو حُبْوتي وهممت أن أقول له أحق به منك مَن قاتلك وأباك على الإسلام، هل صدَّقت نفسك يا مُعاوية أنت الآن؟ هل أنت أصبحت شيئاً كبيراً؟ أنت طيلة حياتك كُنت تُحارب أنت وأبيك على الإسلام، ونحن حاربناكم على الإسلام، ولعلهم دخلوا فيه وهم كارهون أيها الإخوة، قيس بن سعد بن عُبادة قال له هذا، قال له أنت دخلت في الإسلام كرهاً وخرجت منه طوعاً، سوف نرى في الدرس القادم ماذا قال الصحابة في مُعاوية، أبوه الآن ليس لنا معه مُشكِلة، الكلام عن مُعاوية، سوف نرى ماذا قال الصحابة في الآثار القوية إن شاء الله في مُعاوية، قال له دخلت في الإسلام كرهاً وخرجت منه طوعاً، قال قال عبد الله بن عمر فحللت حَبوتي أو حُبْوتي وهممت أن أقول له أحق به منك مَن قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول تسفك الدم وتُفرِّق الجمع ويُحمَل عني غير ما قلت فذكرت ما أعد الله للصالحين فجلست، في البخاري هذا، لماذا لا يغضبون ولا يثورون حميةً لعمر رضيَ الله عن عمر؟ يستخف به، يتحدَّث عنه باستخفاف مُعاوية، يقول له منك ومن أبيك، ولك أن تتخيَّل هذا، لأن عمر استشهد وانتهى الأمر وعثمان استُشهِد، عمر شهيد من مُدة، قال له أنت وأبوك، هذا يعني أن عمر ليس كبيراً في قلبك، كيف يكون كبيراً؟ ليس كبيراً، ليس عنده كبير، حتى الرسول، وسوف ترى الأحاديث الصحيحة، يسخر من أوامر الرسول، وهم سوف يُجَنون، انتظروا فقط إن شاء الله، كل شيئ بالتخريج وبالكتب، يسخر من أوامر الرسول، هل محمد قال هذا؟ دعه يقول، ليس عندي مُشكِلة، سوف تسمعون أشياء مُخيفة عن مُعاوية – واحتقابه لكل دم حرام سُفِك فيها أو أُريق بعدها، ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۩ من مُلك بني أُمية، ومنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دعا بمُعاوية ليكتب بأمره بين يديه – حديث ابن عباس في صحيح مُسلِم، قال له ادع لي مُعاوية، اذهب وابعثه لي، قال أحدهم ابن عباس ذهب ونظر من خزق الباب، انظر إلى هذا، ابن عباس غلامٌ لقن فطن زكن، قال ادع، وهو فهم أن يذهب ويطرق الباب ويقول له يا مُعاوية رسول الله أرسل في أثرك يدعوك، يتمحلون الأعذار التي هي أبرد من الثلج والله العظيم وأسخف من السخف، يقولون لعله ذهب، لعله رآه، لعله رآه من خزق الباب، لعله رجع، ما هذا الهبل؟ ولذلك النبي كان نزقاً ومُتقلِّب المزاج فذهب ودعا عليه الدعوة التي قال فيها لا أشبع الله بطنه وأصابته! هذا غير صحيح، ذهب ابن عباس وقال له أنا آكل، أنا آكل ولست مُتفرِّغاً له، هذا في صحيح مُسلِم، ولذلك النسائي استُشهِد بسبب هذا الحديث، في رواية قال لهم هل له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه؟ النبي دعا عليه، النبي دعا على هذا الرجل، مَن؟ قال الله اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۩، وأنت تقول له آكل! قال آكل، وهذه ذكرها المُعتضِد في كتابه – فدافع بأمره واعتل بطعامه – تعلَّل بأنه يأكل، وهذا في ثلاث مرات، هنا لم يذكرها، لكن هذا حدث في ثلاث مرات، النبي صبر عليه ثلاث مرات وفي الثالثة دعا عليه – فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – لا أشبع الله بطنه فبقيَ لا يشبع – نعم لم يشبع مُعاوية، مُعاوية لم يشبع طيلة حياته – ويقول والله ما أترك الطعام شبعا ولكن إعياء. يأكل في اليوم سبع مرات ويعرق ويتعب ثم يقول عييت ولم أشبع، لقد تعبت ولم أشبع، السيوطي على ما أذكر – هذه قرأتها أكثر من عشرين سنة أو ربع قرن – وسمن وتشوَّه جسمه، جسمه صار شكله قبيح جداً جداً من السمن، وأول مَن سن الخُطبة على المنبر يوم الجُمعة وحتى في الأعياد جالساً، يقول السيوطي وتشوَّه بدنه، جسمه تشوَّه، النبي دعا عليه، قال لا أشبع الله بطنه.

نُكمِل – إن شاء الله – أيها الإخوة والأخوات بعد هذ الفاصل القصير.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: