إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيدنَا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وعَظيمَنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على ونجيبهُ من عبادهِ، أدَّى الرسالة وبلَّغ الأمانة ونَصَح الأمَّةَ وجاهد في الله حقَّ جهاده حتَّى أتاهُ مِن ربِه اليقين، صلوات الله وتسليماته وتبريكاته وتشريفاته عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه سبحانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ۩ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ۩ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ۩ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ۩ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

سؤالٌ على سبيل الفرض على أنه مطروح  سنتصدَّى – بعون الله وحوله – للجواب عنه: محمدٌ – صلى الله على محمد وآل محمد وأصحابه أجمعين  – أنبياً كان أم مَلِكاً جبَّاراً من الجبابرة؟أما سؤال أنبياً كان أم قاطع طريق؟ فلغوٌ مقبوح نتنزَّه أن نخوض في الكلامِ عليه، قاطع الطريق لا يُخرِج أمة ولا يُشيِّد دولة ولا يبني حضارة، هكذا لاحظ الفيلسوف والمُؤرِّخ الإنجليزي الكبير على طريقته توماس كارليل Thomas Carlyle في فصله الذي عقده عن البطل رسولاً، وكان الذي حظِى بهذه الرُتبة لديه هو محمد بن عبد الله، فالبطل مُتجسِداً في شكل رسول هو محمد بن عبد الله وليس موسى وليس عيسى وليس إبراهيم وليس نوح ولا إدريس. صلوات الله وتسليماته على أنبياء الله جميعاً ورسله وآل كلٍ وأصحابه. 

قاطع الطريق يكون طريد العدالة ويكون خارجاً عن القانون – Outlaw – ومطلوباً للسُلطة الشرعية – إن كان ثمة شرعية لمثل تلك السُلط – ومن ثم يعيش حياته طريداً للعدالة، لكن محمداً – صلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين – محا قانون الغاب والغلب وأثبت مكانه قانوناً دولياً جديداً يقوم على السلم والصفح وعلى الرحمةِ والتسامح وعلى العدل والإنصاف، وربما – إن يسَّر الله تبارك وتعالى – نعرض لكم وعليكم بالأدلة والوثائق في الخُطبة المُقبِلة – بإذن الله – تأثير محمد بن عبد الله ودين محمد في القانون الدولي  International Law، فهذا من المصادر المُعتمَدة في الغرب قبل الشرق باعترافهم، لقد كان العالم على نحوٍ وعلى شاكلة قبل محمد، وبعد محمد استحال العالم شيئاً آخراً، بدأ يأخذ طريقاً أسرع وأقصر نحو الإنسانية ونحو الرقي ونحو العدالة، فكيف يُقال قاطع طريق؟ لغوٌ مقبوح وهذر لا معنى له، لا ينم إلا عن حقد يُريد أن يتنفَّس بغباوة، فهو  حقدٌ لا يتنفَّس حتى بذكاء وإنما يتنفَّس بغباوة، وهو يصم الذي ينفثه نفث الثعابين ولا يصم رجل التاريخ ولا يصم سيد البشرية، إنه سيد البشرية. صلى الله عليه وآله وأصحابه إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.

عظماء الغرب –  أعني عظمة الفكر والنظر والدرس والفهم والتأمل –  لا السفهاء قطعوا بأن محمداً إن لم يكن أعظم العظماء فهو من أعظم عظماء البشرية، فهكذا راوحوا بين كونه الأعظم وبين كونه من أعظم، مايكل هارت Michael Hart رآه الأعظم، جوستاف لوبون Gustave Le Bon  رآه من الأعظم، ويل ديورانت  Will  Durant من أعظم عظماء البشرية، إتش جي ويلز H. G. Wells من أعظم عظماء البشرية، أما هذا اللغو وهذا الهذر وهذه السخافات إياكم – كما قلت في الخُطبة السابقة – أن تُلقوا إليها بالاً، فإنكم تسفهون أحلامكم وتحقرون رُتبة نبيكم ولن تُحقر، وإنما يُحقَر الناظر الجاهل كيف يُورِد الأمور مواردها.

الحمد لله الآن بدأت الأمة مُمثَّلةً في أصوات بعض الراشدين من علمائها ودعاتها تعي الدرس وتعلم أننا أساءنا ونُسيء إلى نبينا حين نتفاعل مع هذا الهذر المقبوح، فما كان ينبغي أن نتفاعل وما كان ينبغي أن نُهدي إليهم أعظم هدية ينتظرونها وهى أن نجعل التفاهة شُغل العالم وحديث العالم وأن نخرج تسيل بنا الشوارع وأن نرتكب الحماقات والجرائم من قتل الأبرياء، لماذا؟ ما كان ينبغي هذا، والآن بدأنا نفهم هذا الدرس، فيجب أن نكون أثقل وزناً وأن نُعطي انطباعاً عن نبينا أنه في روعنا وفي أخلادنا وفي نفوسنا أعظم وزناً من أن يُنال، فمَن الذي يُمكِن أن ينال منه؟ هل يُمكِن لبعوضة تطن حول جبلٍ أصم أن تنال منه وأن تقول له تماسك فإنني سأطن حولك لعلك تشقق؟ لغوٌ مقبوح وسخيف، ثم نحن كمسلمين الذي يهمنا بدرجة أولى نحن، فنحن مَن يهمنا، أي يهمنا أبناءنا وبناتنا، فنرثي ونحزن ونأسى حين يبدأ بعض أبنائنا وبعض بناتنا وبعض إخواننا وبعض أخواتنا يطرحون مثل هاته السخافات، فيقولون هل فعلاً النبي فعل؟ هل كان كذا وكذا؟ وهذا أمر عجيب، فهذا السؤال يُؤشِّر إلى أنكَ لم تبذل شيئاً من عرق في فهم تاريخك وفي فهم دُرة تاج هذا التاريخ وفي فهم سيرة نبيك، فيا للأسف، قضيت أوقاتك في الأفلام وفي السينمات – Cinemas – وفي التسكع، والآن تأتي تتساءل وتستفسر مُتشكِّكاً حول صدقية نبيك، هل هذا يليق بك كمسلم؟ هذا لا يليق بالإنسان، محمد هو الذي علَّمنا أن نسير في درب الإنصاف، أنا كمسلم أجد عاراً علىّ أن أحكم على أيٍ كان –  على يهودي أو نصراني أو بوذي أو هندوسي أو شيوعي أو لا ديني أو أي أحد – بجهل أو أن أتجرأ على أن أصمه أو أتهمه أو أُلصِق به إفكاً مُبيناً بجهل، فهذا عار علىّ، فكيف أفعل هذا إزاء نبيي بجهلي وبكسلي؟ إسفنجة تتشرَّب هذه التشكيكات السخيفة  ثم لا تُكلِّف نفسها أن تبذل عناءاً في الدرس والبحث والفهم، فيا للأسف ويا للعار، إنه عار فقولوا لأولادكم هذا عار، عار عليكم أن تفعلوه وعار عليكم أن تُلقوا إليه أذن صاغية، اذهبوا فادرسوا واتعبوا وتعلَّموا الاحترام والإنصاف، أنصفوا الحقيقة قبل أن تُنصِفوا نبيكم، لأن هذه الإضافة فيها شك الآن، مَن يتشكَّك في نبيه يُوجَد بصدده شكٌ أصلاً في انتسابه إلى هذا النبي، أي  شكٌ في دينه، فعار أن تُثير اللغط والتساؤلات والتشبيهات والتشغيبات دون أن تدرس، أنصف نفسك وأنصف الحقيقة في الأول قبل أن تكون مسلماً وقبل أن تنتمي إلى هذا النبي العظيم الذي يُشرِّفك في الدنيا والآخرة – والله – أن تنتسب إليه.

الذي نشأ منذ نعومة الأظفار في الإسلام وذهب إلى المساجد – انتبهوا إلى أنه لم ينشأ نشأة العامة وإنما نشأ نشأة طالب العلم – وقضى ليله ونهاره في حله وترحاله بين الطروس والأوراق والصحائف والمراجع والمصادر والكتب لا يطلب برهاناً على صدقية محمد ولا يُمكِن أن يتزعزع أو يتقلقل إيمانه وحبه المشبوب وعشقه الشغف بسيد البرية، فهل تعلمون لماذا؟ لأنه يجد البرهان في نفسه، حين أنظر إلى نفسي كمسلم وأجدني مُلزَماً بالتزام خُطة العدل والإنصاف مع العدو قبل الصديق وأنظر إلى نفسي كمسلم تعلَّم دينه جيداً وفقه في هذا الدين وفقه في مبادئه أجدني أرحم حتى  الجرذ وحتى النملة أن أقتلها هكذا هدراً ثم أعود فأجد أن محمداً هو الذي علَّمني أن أكون كذلك، أجد محمداً هو الذي صاغ شخصيتي على هذا النحو المُعجِب، فكيف أتشكَّك فيه؟ أنا أدين بإنسانيتي لمحمد إذن، فلسنا ملائكة ولسنا أملاكاً ولسنا حيواناتٍ ولسنا وحوش غاب ولسنا أملاك سماوات عليات ولكننا بشر أُلهِمنا فجورنا وتقوانا، والآن يُمكِن أن تُختبَر أي أيدولوجية أو أي عقيدة أو أي دين بهذا المعيار البسيط جداً جداً جداً، فهذا الدين أو هذه العقيدة أو هذه الأيدولوجية ماذا تصنع منك؟ ماذا تستخرج منك؟ إن أفلحت أن تستخرج مني أنبل وأكرم وأجمل ما في فَحَيَّهَلاً هى عقيدةٌ حقاً وهى دينٌ جميل، وأما إن أفلحت أن تستخرج أسوأ ما في وتُقرِّبني دركات إلى أفق الحيوان فحتماً هى عقيدةٌ سيئة أو فهمي لها سيء وترجمتي وتوظيفي لها سيء.

تاريخنا ليس بالأبيض، بالأمس كنت أُحدِّث أحد إخواني قائلاً تاريخنا ليس بالأبيض الناصع، ولكنه بعد اللات والّلتيّا وعلى كل الاحتمالات وفي كل وجوه المُقارَنات أشرف من تاريخ أي أمة سوانا، وبالذات من تاريخ الغرب الذي ندين له الآن بأشياء كثيرة ونتعلَّم منه ونتلمَّذ عليه في أشياء كثيرة، ولكن تاريخ الغرب في التسامح – وبالذات التسامح الديني والاضطهاد الديني – غير مُشرِّف بالمرة، تاريخ فرنسا الثورة وتاريخ فرنسا حقوق الإنسان غير مُشرِّف بالمرة، فقبل الثورة وبعد الثورة وإلى أيام ثورة الجزائريين كان غير مُشرِّف، واليوم إخواننا في الجزائر يُطالِبون بضرسٍ قاطع وبوجهٍ صليب فرنسا أن تُفرِج عن الملفات والحقائق، ويقولون لهاافتحي الأرشيف Archive واصنعي كما يصنع الآخرون، ولكن فرنسا تتردَّد ولا تُريد لأن تاريخها غير مُشرِّف، وهذا أمر مُخيف، تاريخ إبادات بمئات الألوف، عشرات الألوف في ساعة واحدة كانوا يُبادون، ثم يتحدَّثون الآن عن عكس هذا، وتاريخنا – كما قلت لكم – ليس ثوباً أبيضاً ناصع البياض لكنه أبيض من كل ثوب ومُشرِّف إلى حد عجيب، وهذه الجُملة تحتاج في تفصيلها إلى ألوف الصفحات، فقرأوا تاريخنا  في الشرق والغرب واقرأوا تاريخ التسامح وفصول التسامح الإسلامي في الأندلس وفي شبه الجزيرة الإيبيرية، وانظروا مبُاشَرةً بعد أن كُنِسَ المسلمون من هناك كيف استحال تاريخ التسامح هنا، ثم يتحدَّثون الآن، فهذا عيب، نقول للشرق وللغرب عيب عليكم هذا!

أنا رجل أكثر ما يهديني تطلاب الحقائق وأكثر ما يُغريني الصدع بالحقيقة، والموضوع بعد ذلك لابد أن يُطرَح على بساط النقاش، ليس بالمُهاتَرات ولا بالتظاهرات، وليسمع العالمون الحقائق.

المُقدِّمة طالت واستطالت ولكن ربما كان لابد منها، نعود إلى موضوعنا الرئيس: أنبياً كان محمدٌ – صلى الله على محمد وآله وصحبه – أم مَلِكاً جبَّاراً من الملوك؟ أما أن يكون قاطع طريق – كما قلنا – فهذا نتنزَّه عنه، لن نُسِف أصلاً ونُناقِش هذه الفرضية السخيفة التي تحكي سفه مُفترِضها، ولكن من المُمكِن أن يكون مَلِكاً هذا الرجل، ولا نقول أنه إمبراطور لأنه لم يخرج في حياته عن حدود جزيرة العرب حتى يُصبِح إمبراطوراً، ولكن من المُمكِن أن يكون مَلِكاً من الملوك، كملوك الغساسنة وملوك المناذرة اللاخميين في الحيرة وهؤلاء في الشام وما إلى ذلك، فهذا مُمكِن كفرضية تاريخية، فلننظر إذن!

الملوك يرون أنه لا يليق بهم إلا الكبر والخيلاء، فهم يرون هذا، وما من مَلِك يرى مزيةً له في أن يتواضع، فهذا مُستحيل، المُلك قرين الكبرياء والخيلاء والتعظيم والإدهاش والإبهار، ومحمدٌ – صلى الله على محمد وآل محمد – كان حرباً ضروساً وحرباً لا تعرف هوادة على الكبر والخيلاء، فإذن محمد ليس مَلِكاً، بهذا المعيار مُستحيل أن يكون مَلِكاً، محمد هو الذي علَّم المُسلِمين التواضع، ونحن تعلَّمنا إلى اليوم عبر خمس عشرة قرن أن نستلهم محمداً، فوالله الذي لا إله إلا هو البشرية بالأمس واليوم كانت وستظل – إن وعت خيرها وهداها وأبصرت هداها – مُفتاقة أن تتعلَّم في مدرسة محمد وبين يدي محمد، لكن هذا لو أبصرت هداها ولو أبصرت رشدها، وعلى كل حال هو الذي علَّمنا، وائتوني بتعليم يُنسَب حتى إلى أيٍ كان بمثل هذه الوجازة وبمثل هذه الصرامة في هذه الموضوعة!

قرأت لمُستشرِق مُنصِف قضى سنين مُتطاوِلة في دراسة التراث الشرق أقصوي جملة رائعة، فهو درس الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية والجينية وإلى آخره ثم بعد ذلك انعطف إلى دراسة الإسلام فشعر براحة غامرة، وقال هذا المُستشرِق في ستينيات القرن العشرين المُنصرِم حين نفرغ من دراسة هذا التراث الشرق أقصوي ونأتي إلى الإسلام نكون تماماً كمَن خرج من كهفٍ رطب مُعتِم مُوحِش إلى ضياء ليسبح في ضياء الشمس الغامر، فهذا المُستشرِق يقول أنت مع الإسلام إزاء مباديء أخلاقية مُحدَّدة تحديداً واضحاً ومُلزِماً، ولذا الله عدالة، فهو يقول هكذا أن الله في الإسلام عدالة، وأنت مسئول عن كل ما تأتي وتذر ولن تفر ولن تهرب، وهذا يُنشيء ضميراً صاحياً، لكنك ستقول لي وماذا عن المسلمين اليوم؟ وأنا أقول لك المسلمون اليوم يتلاعبون إلا ما رحم ربي، فهذه الأمة تتلاعب، ولن أكتفي بأن أُنشيكم وأُنشي نفسي بأنني أنتقد الغرب بل أنا سأنتقد أمتي قبل أن أنتقد الآخرين، وقلبي يدمى من أمتي قبل أن يدمى من الآخرين، فهذه الأمة اليوم تتلاعب ولا تُريد أن تأخذها دينها بجد – قال الله خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ  ۩ وقال أيضاً خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ۩ – أبداً، فهى تتلاعب وحتى علماؤها يتلاعبون، مشائخها – إلا ما رحم ربي – يتلاعبون، والدين هو الضحية والحقيقة هى الضحية، لكن هذا الدين لا يُمكِن أن يسمح بالعبط والعبث الذي نعيشه كأمة، فنحن لدينا ازدواجية قيمية وازدواجية أخلاقية وازدواجيات مسلكية، نُبرِّر شيئ ونقيضه بالدين وبإسم الدين وبإسم قال الله وقال الرسول، والله ورسوله بريئان من هذا العبث، ونفعل هذا مرة بإسم السُنة ومرة بإسم الشيعة وهذا كله عبث، فالدين الذي هو رحمة للعالمين نحن بعيدون من فهمه فضلاً عن أن نكون بعيدين جداً عن ترجمته، نحن بعيدون عنه بعد المشرق من المغرب أن نُترجِمه، ولسنا مُعجِبين ولسنا نُغري أحداً بأن ينظر حتى في ديننا من خلال ما يراه من مسالكنا، للأسف هذا ما يحصل ومن ثم لابد أن أنفث هذه النفثة، فلا أُريد أن أُجامِل نفسي كمسلم ولا أُريد أن أُجامِل إخواني وأمتي وأُحِب أن أقول لهم استيقظوا وكونوا جادين واحملوا أمانة هذا الدين بحق، فهو دين مُشرِّف ودين هدى ورحمة، لكننا جعلناه نقمة ولعنة وجعلناه مسخرة للذي يُساوي شيئاً وللذي لا يُساوي أي شيئ، فيسخر من هذا الدين ومن نبي هذا الدين ومن كتاب هذا الدين ويُقال هذا الدين للمسخرة، لكن هذا دين يُشرِّف – كما قلت لكم – العالمين – والله – لمَن فهمه، والنبي يقول بهذا التحديد الصارم الواضح الذي يُنشيء ضميراً صادقاً صاحياً يقظاً لن يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من كبر، فهل هذا مَلِك؟ ليست هذه رطانة الملوك وليست هذه أخلاق ولا قيم ولا أمزجة الملوك، الملوك هم أهل الكبر والعجرفة والسطوة والهيبة والحشمة بالكذب، لكن انتبهوا إلى أن النبي يقول لا ويُعلِّم أصحابه هذا، ومن رواء القرون نتعلَّم – إن تعلَّمنا – هذا، فنسأل الله أن نتعلَّم ونسأل الله أن يُخلِق لنا آذاناً تسمع وأعيناً تُبصِر وقلوباً تعقل، قال النبي بين رجلٌ مِمَن كان قبلكم يمشي يتخايل في ثوبه – أي يرى نفسه شيئاً عظيماً – إذ خُسِفَ به – النبي يقول هذا يُثير غضب الرب لا إله إلا هو – فلا يزال يتجلجل في الأرض، إذن لا كبر ولا خيلاء، لكن قد يقول لي أحدهم هذه رطانة، رطانة المُصلِحين والمُتفلسِفين، فالكل يقولها، وهذا غير صحيح، محمد ما كان ليكون مُعلِّماً ناجحاً وما كان ليكون بنياً مُلهِماً لو كان يرطن، وانتبهوا إلى أن محمداً كان يُعلِّم بمسلكه وبسلوكه قبل أن يُعلِّم بكلامه، فكلامه قليلٌ جداً لكن نحن كثَّرنا عليه ونسبنا له أشياء كثيرة، أما هو فكلامه كان قليلاً جداً جداً يعده العاد إن شاء أن يعده، ولا يتكلَّم إلا في أوقات ينتهزها ويتخوَّل أصحابه، لكنه كله كان درساً لأمته!

النبي كان يجلس كما نقول على رجل ونصف، أي لا يتربع ولا يجلس على خوان، ويأكل على رجل ونصف، وكأن هذا كبر على أحد الصحابة فقال يا رسول الله ما هذه الجلسة؟ هذه جلسة العبيد، العبيد والخدم يجلسون كذلك، فقال إنما أنا عبد، أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد، أي شرفي أنني عبد لله، فلست عبداً لأحد ولست عبداً لشهوتي ولست عبداً لنفسي ولست عبداً لحب المنصب وحب المال وحب الجاه وحب الفخفخة والفخامة والحشمة الكاذبة، أنا عبدٌ لله فقط، ومن هنا قال أنا خيركم لكم وأنا أعدلكم فيكم وأنا أرحمكم بكم وأنا أشفق عليكم منكم بأنفسكم لأنني حقَّقت العبودية لله، وهكذا كان – إي وربي والذي بعثه بالحق هكذا كان – صلوات ربي وتسليماته عليه، فماذا تُنكِرون؟ هو يقول  إنما أنا عبد، وهذا أمر عجيب!
الملوك يتكرَّمون ويكرمون ويُعطون، والنبي كان يُعطي، لكن يُوجَد فرقٌ كبير، إنهم يُعطون ويكرمون على الناس ولكن بفارقين اثنين، فعلى مَن يتكرَّم الملوك؟ على مَن يشترون لسانه، إما ليقطعوه عن تذمامهم وإما ليُطلِقوه بمدحتمهم، وعلى مَن يرجون أن يكون بيده بل بأياديه أو بيديه معهم، أي بسيوفه معهم على عدوهم وعلى شانئهم، فهؤلاء فقط مَن كان ولايزال الملوك والسلاطين يُعطونهم، ولكن لا يُعطون أمثالكم من الضعفاء الرحماء المُستضعَفين الغلابة المُذَلين والمُهانين، فهؤلاء لا يُعطون وإنما يُحرَمون ويُداسون بالنعال، لكن النبي كان على العكس من هذا، كان يُعطي أكثر ما يُعطي وليس من مال الأمة فقط – مال الأمة للأمة – وإنما من ماله هو ومن خمسه هو، فالنبي كان له خمس المغنم، وكان يُمكِن أن يعيش عيشة ملك، ملك صغير على الأقل بهذا الخمس، ولكنه كان لا يُبقي من خمسه هذا شيئاً.

واشنطن إيرفنج Washington Irving المُستشرِق الأمريكي الكبير المُنصِف في كتابه حياة محمد قال هذا النبي عجيب، كان يُعطي حتى آخر درهم في بيت المال – لم يكن هناك بيت المال وقتها لكنه يقصد من بيت الأمة – والعجيب أنه يُعطي ماله هو الشخصي ولا يُبقي لنفسه شيئاً، وهذا صحيح، فهذا المُستشرِق الكبير والمُؤرِّخ الذي أرَّخ لحضارتنا في الأندلس وضع إصبعه على الحقيقة، النبي مات وكم التركة التي خلَّفها هذا النبي المَلِك؟  بالله عليكم قولوا لي كم؟ خلَّف بضعة دراهم أو ستة دنانير،
وكان كلما أُغشي عليه قبل وفاته – ليلة وفاته الشخصية – يقول ما فعلت الدنانير الست؟ يا رسول الله نحن مشغولون بك، وتقول أم المُؤمِنين سنتصَّدق بها، وهو يقول ما فعلت الدنانير؟ ما ظن محمدٍ بربه إن لقيه وفي بيته هذه الدنانير؟ الله أكبر، على ماذا أنت مُصِر يا رسول الله؟ على ماذا أنت مُصِر يا أشرف البشر ويا أعظم الخلق؟ يا أحسن الناس وأجملهم وأكملهم وأجلهم ويا مُعلِّم الهدى على ماذا مُصِر؟ على أن يلقى الله وليس في بيته الدرهم ولا الدينار، فما هذا الشخص؟  أُقسِم بالله هذا لا يستطيعه أي إنسان، وأنا أقول لكم اليوم بتحدٍ وأنا أول الناس ائتوني بعالم أو بشيخ  يستطيع أن يحيا هذه الحياة، هذا لا يُمكِن، وأنا أكذب الناس إن قلت أستطيع، هذا مُستحيل حتى في حقنا نحن المشائخ والعلماء، هذا كذب لكن هل تعرفون لماذا؟ أنا فكَّرت في هذا طويلاً ووجدت الجواب في حديثٍ صحيح – مروي في الصحيح – يُبكي العين المُؤمِنة، فهو سوف يُعطيكم الجواب، وذلك  لأنه كان ينظر إلى الأمور ويزنها ويعتبرها بالمنطق الذي حمله على القول لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلىّ مما طلعت عليه الشمس، الله أكبر يا رسول الله، هل فهمتم لماذا؟ فكِّروا في هذا الحديث طويلاً وردِّدوه في ضمائركم طويلاً في الخلوات وحاولوا أن تفهموا، فأنا أكذب الناس – لن أتكلَّم عنكم – إن قلت لكم أن لدينا شيئ من هذا الميراث، هذا كذب كذب كذب، نحن نضحي بالتسبيح وبالذكر وما إلى ذلك في مُقابِل قليل من المال، لكن  النبي كان يرى أن يقول هذه الكلمات وأن يُيسَّر لقول هذه الكلمات أحب إليه مما طلعت عليه الشمس من الأرض وما عليها من كنوز وثروات، فهو يقول هذا، لكن كيف هذا يا رسول الله؟ ما هذه الرغبة في الآخرة؟ ما هذا اليقين؟ ما هذه العظمة؟ ماهذا الإزراء والاحتقار لمباهج الدنيا وزينتها؟ صلى الله عليك يا رسول الله، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا.

هذا شيئ عجيب، لكن هكذا عاش النبي، ومع ذلك يقولون قاطع طريق، وأنا أقول لهم أنتم قطّاع عقول، لا عقل لكم ولا أدب ولا تستحيون، أنتم كالمرأة الوقاح التي خلعت العذار ولا تخشى العار، فتباً لكل قليل الأدب، احترموا الحقائق وكونوا كالعظماء الكبار الذين أسرتهم حقيقة محمد والحقيقة المحمدية وخضعوا لها وإن كرهوا، ومع ذلك يقولون أنه مَلِك، مَلِك وتوسَّع في المآكِل والمشارب والمناكح، فكيف هذا؟

في صحيح البخاري يقول عروة بن الزبير قالت لي خالتي أم المُؤمِنين عائشة – رضيَ الله تعالى عنهما – يا ابن أختي إن كنا – أهل رسول الله – لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله نار، أي لا يُوجَد أي طبيخ يُطبَخ، لا ملوخية ولا لحم ولا شحم ولا أي شيئ، قال فقلت يا خالتي فما كان طعامُ أهل بيت رسول الله؟ أي ما هو طعامكم يا أمهات المُؤمِنين وطعام رسول الله؟قالت الأسودان – الأسودان كان هما الطعام – التمر والماء، لكن كيف يحدث هذا لمدة شهرين يا رسول الله؟ أين النقود؟ مائتان ألف كيلو فضة غنائم حنين أين ذهبوا؟ وانتبهوا إلى أن هذه الفضة فقط، لكن من البُعران يُوجَد عشرات الألوف ومن الشياه عشرات الألوف وإلى آخره، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، لكن أنا أقول لكم قولوا لي بماذا رجع محمد؟ لم يرجع بشيئ،  محمد وزَّع كل شيئ وعاد كما هو يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويرى نفسه أغنى الناس وأسعد الناس وأعظم الناس كفاية، وكيف لا يكون وهو رجل الله؟ يكفي أن الله له لا إله إلا هو، فكيف لا يصطفيه الله؟ وعلى ذكر حنين وغنائم حنين أذكر أنه آتاه أعرابي وقح – وما أكثر هؤلاء الوقحين في كل زمان ومكان – غليظ، أي صفته على عكس صفة رسول الله، فهو غليظ سخَّاب قاسي القلب صليب الوجه وغليظ القول، فأتاه من بين يديه والنبي يُوزِّع مائتي ألف كيلو – يُوزِّع أربعين ألف أوقية فضة – فضة، وقد وزَّع هذا كله في ساعة على المسلمين وقال لهم خُذوه لأنني لا أريد شيئاً، ويحظر على ابنته فاطمة – عليها السلام – الزهراء البتول أن تلبس قلادة بسيطة، فيغضب ويحمر وجهه قائلاً أتريدون يا آل محمد أن تُذهِبوا طيباتكم في حياتكم الدنيا؟ فهو يرفض هذا ويقول ليس لنا هذا وإنما للناس، فنحن لا نُريد هذا، يا حبيبي يا رسول الله، يا حبيب قلبي ويا مُلهِم روحي وعقلي ما هذه العظمة؟ وعلى كل حال يأتيه من بين يديه هذا الأعرابي ويقول له أعطني، رغم أن النبي لن يحرمه ولن يحرم غيره فهو لن يعود بشيئ، النبي دائماً ما  يُعطي، فيأتيه عن يمينه والنبي يُعطي الآخرين ويأتيه من خلفه ثم يستخفه الغضب الأحمق الأرعن – استخفه الغضب – ويقول له يا محمد اعدل فما عدلت منذ اليوم، وكأن هذا اليوم من أوله ليس في أي عدل لأنه لم يُعط إلى الآن هذا الأحمق، ومن ثم قال له يا محمد اعدل فما عدلت منذ اليوم، وفي رواية ما هذه قسمة أُريد بها وجه الله، أي أنه ظلم وليس لوجه الله، فإذن هذا لوجه مَن يا سلف الحمقى؟ وعلى كل حال قال النبي خبت وخسرت إن لم أعدل، والذي نفسي بيده لا تجدون فيكم من هو أعدل مني، وقد يقول لي أحدكم أين المَلِك هنا؟ مَن يستطيع أن يجرأ على ربع كلمة بين يدي ملك مُسلَّط؟ ولكنهم يعلمون أن محمداً لم يكن مَلكِاً أبداً وهو لم يتصرَّف ساعة على أنه مَلِك، والله أحياناً البواب – بواب في مدرسة أو في جامعة أو في مسجد – يتصرَّف كمَلِك في مرات عديدة، إذا آنس من إنسان ذلةً وانكساراً وكان من طبقة أنزل منه شمخ عليه وتصرَّف كمَلِك واستذله، فهذه نفوس عفنة رثة بالية، ومحمد العجب فيه أنه في قمة مجده لم يكن كذلك بل كان مُتواضِعاً،وهذه شهادة سجَّلها أكثر من مُستشرِق، فهذا الذي يلفتهم ويلفت المُنصِفين ومن ثم يقولون الرجل لم يتغيَّر من أول يوم، وفي ذروة المجد وفي ذؤابة المجد زاد تواضعاً وزاد إقبالاً وزاد تبسطاً مع الناس، وهذا أمر عجيب، فما هذه الشخصية؟ هذا نبي يا حبيبي وليس مَلِكاً وليس قائداً مُظفَّراً انتصر أو حالفه الحظ فجرى النصر في ركابه، كلا إنه نبي يأتيه الوحي من السماء وحبله معقودٌ بحبل الله، وهذا هو السر في هذه العظمة الآخذة، فأرجو من إخواننا هنا في الغرب وغير الغرب أن يفهموا سر حبنا لمحمد، نحن نشأنا على هذا وقرأناه وتعودنا هذا منه ولذلك نعشقه عشقاً فعلاً دونه كل شيئ، الصادق منا – والله العظيم – لا يُحِب نفسه ولا ولده ولا أحداً حباً يُداني حبه لمحمد، لا والله لا يفعل هذا، ومع ذلك يقولون من أجل ماذا؟ هل أنتم مخدوعون به؟ لكن لا تُوجَد خديعة تستمر ألف وخمسمائة عام على هذا النحو، هذا مُستحيل ومن ثم هذه ليست خُدعة، فهذه ليست انخداعاً ولا اختداعاً، إنها الحقيقة التي كل مَن عرفها وواجهها وواجه وجهاً من أوجهها أسرته وجذبته وسطت به فهوى أيضاً وهوي، هوى ليهوى وليُحِب وليعشق، فهذا هو فقط، لكن ألم يقتله؟ لم يقتله ولم يُعاقِبه أبداً وإنما أعرض عنه، ويُقال هو ذو الخويصرة التميمي، فتباً له لأنه قال ما عدلت منذ اليوم، والأكثر من هذا أن عبد الله بن عباس يقول فُقِدَت في معركة بدر قطيفة – شملة تعيسة – حمراء، لكن ما قيمة قطيفة حمراء؟ لا قيمة لها، كلام فارغ، لا تسوى خمس دراهم لكنها فُقِدَت، أي أخذها أحدهم، فقال بعض الناس – بعض مَن في قلبه جذر النفاق ومرض النفاق والارتياب – لقد أخذها، فتباً لكم، تباً لكم يا مرضى ويا مأفونون، كيف يُقال أخذها؟ أما وجدتم إلا رسول الله لتتهموه بهذه التُهمة الحقيرة التي هى على شاكلتكم؟ قال عبد الله بن عباس – رضوان الله عليهما – حتى أكثروا في ذلك، أي قالوا أنه أخذها وما إلى ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ۚ ۩، فالنبي لا يخون، النبي لا يختص نفسه بشيئ من وراء الناس خيانةً من المغنم، حاشاه أن يفعل هذا، لكن هل يحتاج إلى براءة؟ هذا أتى تعليماً لنا، فانتبهوا لأن هنا يُوجَد درس علينا أن نتعلَّمه، لو حذق الدارسون كيف يكون الدرس لعلموا أن محمداً لا يُمكِن أن يكون أقل من نبي، بل هو نبي عظيم، فهذا هو إذن، لكن لماذا؟ لأن القرآن العظيم قد سجَّل وبتفصيلٍ مُدهِش معالم حياة محمد الدعوية ومعالم السيرة النبوية في كلتا حالتيها من حربٍ وسلم، فالقرآن سجَّل أشياء كثيرة جداً جداً جداً وقال ماذا قالوا وماذا قلنا وماذا حدث وما إلى ذلك، فكل هذا يُسجَّل، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن القرآن ليس من وضع محمد ولأن ليس في حياة محمد ولا هدي محمد ولا سيرة محمد ما ينبغي أن يُخفى ويُدَس، فكله مُشرِّف ومُعجِب بفضل الله، حتى الأخبار اليسيرة البسيطة التي اجتهد النبي فيها طلباً للخير والبر  وجاء القرآن وعتب عليه فيها تشهد – والله – لعظمة محمد، قسماً بالله إنها كذلك، المُنافِقون يأتونه وبعضهم لم يكونوا مُنافِقين ولكن كانوا – والعياذ بالله – مُتخاذِلين ويُقدِّمون الأعذار في تبوك العُسرة في السنة التاسعة والنبي يأذن لهم لأن النبي يستحي، كان أشد حياءاً من العذراء في خدرها، ولو كان مَلِكاً لقط رؤوسهم ولقال لهم كيف تتراجعون وتعتذورن بين يدي معركة فاصلة كهذه والروم حشدوا لنا مع مُتنصِرة العرب في مائة ألف؟ كانوا سيُعرَضون على السيف مُباشَرةً لو كان مَلِكاً وكل مَن طلب إذن كان سيُقتَل، لكن النبي يأذن لهم والله سيُغنيه عنهم، ثم يأتي الله ويعتب عليه ويقول له هذا خطأ، فهو قال أن النبي أخطأ، لكن الخطأ هنا؟ تقول الآية الكريمة عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ۩، عفا لأنه رجل مُتبسِّط سهل سمح يسر ميسور – عليه الصلاة وأفضل السلام – رؤوفٌ رحيم يخجل ويستحي، والله يقول له لا تفعل هذا مرة أخرى، فهؤلاء كذبة ومنهم مُنافِقون، وهذا عجيب يا رسول، لكن هذا هو رسول الله، وهذا القرآن سجَّل المعالم بالتفصيل، لأن ليس فيها ما يُدَس وليس فيها ما يعيب ولا يُعاب، وهذا يُعطي محمد مصداقية زائدة على مر التاريخ، وطبعاً لا يوجد أي نبي سُجِّلَت حياته بمثل هذا التفصيل،هل تعرفون الأناجيل الأربعة؟ كل الأناجيل أرَّخت فقط لكم؟ يُقال لآخر ثلاث سنوات – وبعضهم يجعل أقل من هذا بكثير – من حياة المسيح، فقط من يوم استعلن بالنبوة إلى يوم اختفى، أما محمد فعلى مدى ثلاث وعشرين سنة كل شيئ يُسجَّل ويُدوَّن إن لم يكن في الكتاب فعلى شفاه الرواة من أصحابه وعبر أمته، فهذه سيرة محفوظة وتُعلي الرؤوس بفضل الله تبارك وتعالى.

 إذن النبي كان يُعطي، لكن انتبهوا إلى أنه لا يُعطي للملوك ولا لأصحاب الذوات العليات وإنما يُعطي الجميع ويخص الفقراء والمحرومين بالذات، وحين يعترض بعض الناس ويقول كيف تُعطي هؤلاء – أمثال عبد الله بن مسعود وكذا – وتتجاوزنا نكبةً عنا؟ أي تتنكبنا نحن؟ يقو النبي فلم بعثني الله إذن؟ أي أنهم يقول لأصحابه هل لا زلتم لا تفهمون الدرس؟ أنا مبعوث نصرةً للضعفاء، أنا من أجل هؤلاء لأنني لست مَلِكاً، فلست مَلِكاً لأزيد الأثرياء ثراءاً والأغنياء غنىً والمُنتفِخين انتفاخاً، كلا أنا لهؤلاء الضعفاء وأنا للمُهانين المساكين، ولذا يقول أبغوني في ضعفائكم، وفي رواية أبغوني ضعفاءكم – هو يطلبهم – وهل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم؟ الله أكبر، أي بصلواتهم واستغفارهم، فهو قال هؤلاء هم عامل النصر – بإذن الله تعالى – وهم موضع نظر الله فيكم يا أمة محمد، لكن أمة محمد إلى اليوم لا تفهم هذا، وانظروا إلى  الغرب الآن الذي عنده موقف مُشرِّف في حين أن موقفنا غير مُشرِّف، فإلى اليوم أمة محمد لم تتعلَّم كيف تُمأسِس نشاطها وجهدها لكي تكفي وتكفل هؤلاء الضعفاء والمساكين، ويتحدَّثون عن إحسانات وصدقات ويُقال اعملوا لهم جمعية – مثلاً – وما إلى ذلك، فما هذا؟ هذا لا ينفع في شيئ، لكن في الغرب هنا الفقير والمسكين يأخذ بشرف دون أن يدري، ولا يمد يده إلى أحد، الدولة تُعطيه ورغماً عنك ورغماً عنا من مالك ومالي، فهذا ابن المُجتمَ، ظروفه ناءت به ومن ثم المُجتمَع يتكفَّله، لكن أمة محمد إلى اليوم تتحدَّث عن الصدقات والإحسانات وتقول اجمعوا له تبرعات، وهذا غلط، فلم نتعلَّم الدرس من محمد ولم نستفد من أحسن ما وصل إليه هدي غيرنا التنظيمي والإداري والمؤسساتي، لكن علينا أن نتعلَّم هذه الأشياء لكي نكون جديرين بمحمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – الذي كان يُعطي الفقراء ويُعطي المساكين ولا يُبقي لنفسه – كما قلت لكم – شيئاً.

كان غالب قوته خبز الشعير، فهو يأكل الشعير وليس حتى قمح النقي Pure، وهذا معنى أن غالب قوت رسول الله كان الشعير، وفي الحديث المُخرَّج في الصحيحين -حديث تطليق رسول الله لأزواجه في البخاري ومسلم – يأتي سيدنا عمر الفاروق – رضوان الله تعالى عليه – ويدخل على رسول الله، ورسول الله عليه إزار – ليس عليه إلا الإزار فحتى أثوابه قليلة زهيدة – وينظر عمر هكذا وهكذا – أي  يميناً وشمالاً – ويصف عمر هذا قائلاً فابتدرت عيناي، أي غلبته عيناه وجعل يبكي، فقال النبي ما يُبكيك يا ابن الخطاب؟ قال  يا رسول الله دخلت عليك فلم أر في خزانتك إلا ما رأيت،  نحو صاعٍ من شعير، فكل ما في بيت رسول الله زُهاء صاع من شعير، والصاع – كما تعرفون – أربعة أمداد، والمد نصف لتر، أي لديه أقل من لترين – حوالي لتر وثمانمائة ملليلتر – من الشعير، فهل هذا كل ما في بيت رسول الله؟ نعم هذا ما في بيت رسول الله، فغالب قوته الشعير، ولديه قرض جلد – قطعة جلد – في طرف الحجرة وحصير وضع جنبه الشريف عليه فأثَّر في جنبه، ومن هنا كان في جنبه حزوز كثيرة،  فبكى عمر وقال قد أثَّر هذا الحصير في جنبك، وكسرى وقيصر في الثمار والأنهار، فقال يا ابن الخطاب أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ وهذا هو يقين نبي، فانتبهوا إلى أن هذا يقين رسول، لذا لو كان مَلِكاً لماذا يفعل هذا؟ كان سيقول سأعيش مَلِكاً وأموت مَلِكاً، فلو كان يطلب المُلك وكان مَلِكاً من الملوك  وقائداً مُظفَّراً لاهتبل الفرصة حين جاء أحد زعماء قريش وذواتهم مثل عتبة بن ربيعة  في البداية وفي أول الطور المكي وقال  له يا ابن أخي – بكل احترام يقول لرسول الله يا ابن أخي – وإن كنت وإن كنت، وإن كنت تطلب مُلكاً ملَّكناك علينا، لكن لماذا يتنازلون؟ لأن محمداً كان جديراً بهذا، فمعروف محمد مَن هو، ومعروف مَن هو نسباً، أي مَن أبوه ومَن أمه ومَن أعمامه ومَن أجداده، فمعروف أنه أشرف قريش وأنه في الذؤابة من قريش، وهو معروف في الصدق والأمانة والاستقامة وشرف الشخصية، ولذا هو شخصية عظيمة، اتركوا النبوة والرسالة ومع ذلك سوف تجدوا أنه حري به أن يكون مَلكاً، ومن هنا قالوا له هل تُريد المُلك؟ سوف نجعلك أحسن مَن فينا وسوف تكون ملكاً على قريش، أي على أبي سفيان وأبي جهل وعلى عُتبة وعلى كل هؤلاء طبعاً، فهم يعلمون أنه أعظم منهم شخصيةً واستقامةً ورزانةً ورصانةً ومحلاً ومنزلةً ولذلك يقولون له ملَّكناك علينا، لكن النبي رفض هذا، وفي هذا الوقت لم يكن النبي انتصر أبداً بل كان حوله العشرات فقط، وكانوا يُستضعَفون ويُسامون الخسف والعذاب والهوان والاضطهاد كل يوم، ولكنه قال لا أُريد المُلك، مُلك ماذا؟ أنا رسول وعندي رسالة وإلا خونت ربي وخونت نفسي وأهلكت آخرتي، فهذا مُستحيل أن يُقبَل، وبعد أن انتصر أيضاً عاش نبياً رسولاً، فلم يعش مَلِكاً – كما قلت لكم – ولم يُعامِل الناس لحظة – عليه الصلاة وأفضل السلام  – على أنه مَلِك، وفي المدينة المُنوَّرة – على مُنوِّرها ألف مليون تحية وسلام – يأتيه جبريل مرة ويجلس إليه – أي يُجالِسه وتخيَّلوا رجلاً جليسه جبريل، فصلى الله على محمد وآل محمد – وفجأة ينزل مَلِك ويُعلِّق جبريل قائلاً يا أخي يا محمد هذا ملكٌ لم ينزل من السماء مُذ خلقه الله قبل هذه الساعة، أي أن هذه أول مرة يُؤذَن له فينزل إلى الأرض، لكنه جاء يُقابِل صفوة خلق الله، فجاء الملك وأرسل التحية وقال يا رسول الله لقد أرسلني ربك إليك يُخيِّرك إما جعلك نبياً مَلِكاً – أي تُصبِح ملك من الملوك، وهذا نبي أيضاً ولكنه مَلِك مثل سليمان ومثل داود – أو رسولاً عبداً؟ فأومأ إليه جبريل أن تواضع لربك يا محمد، أي أنك لا تُريد الدنيا وهى لا تستأهل هذا، فوالله العظيم الدنيا ليس فيها أي شيئ يستأهل – أُقسِم بالله – أبداً، والله العظيم هذه الدنيا لا تستأهل شيئاً وأُقسِم بالله على هذا، والله العظيم إنها أقصر من أن نُتعِب أنفسنا فيها وفي جمعها ومنعها، هى أحقر وأقصر من هذا، لكن لا بأس أن نكون فيها الأوائل ولكن من غير أن نُتعِب أنفسنا جداً فنُجَن ويُصيبنا ضغط الدم والسكر وما إلى ذلك، فمن أجل ماذا تفعل هذا؟ من أجل أن تجمع الأموال أوالمركز أو السُلطة لكن هذا كله كلام فارغ وهذه كلها حقارة، أعظم ما في الدنيا أن تجعلها عظيمة مُبارَكة بسعيك وبأخلاقك وبعلمك وبهديك وبتسامحك وبدعواتك الطيبة المُبارَكة، طيِّب الحياة وأضف إليها لكي تُصبِح أكثر بركة وأكثر إثماراً وإعماراً، فهذا هو الجمال، لا تكنز الذهب والفضة ثم تظن أنك نجحت، كيف يُقال أنك نجحت؟ أنت أكبر فاشل بهذه الطريقة، والنبي كان يعرف هذا تماماً فقال بل أختارُ أن أكون رسولاً عبداً، وجاء حُجة الدين المكي أبو عبد الله محمد بن محمد بن ظفر – رحمة الله تعالى عليه كما في الخريدة والجريدة للعماد – خريدة القصر وجريدة العصر لعماد الدين الأصفهاني – فأخذه ونظمه:

قال له جبريل عن ربه                                    خيرت فاختر يا دليل الهدى. 

 نبوة في حال عبدية                                     تحوي بها القدح المعلى غدا.

أو حال تمليك تخر العدى                                        بين يديه صعقا سجداً.

فاختار ما يحظى به آجلا                                       لله ما أهدى وما أسعدا.

فهو يقول ما أهداه بهذا، هذا عقل تام، وهذا معنى قوله فاختار ما يحظى به آجلا  – ليس عاجلاً –  لله ما أهدى وما أسعدا، فصلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم أجمعين.

يأتيه حرملة أحد الصاحبة المُنافِقين – كان مُنافِقاً – ويقول يا رسول الله الإيمان ها هنا – أي في اللسان – والنفاق ها هنا – أي في القلب –  ولا يذكر الله إلا قليلا، فهو قال له أنا مُنافِق ويئست من نفسي، فدعا النبي له أن يرزقه صدق الإيمان وصدق اللهجة، واستبشر الرجل وقال يا رسول إن من ورائي إخواناً لي حالهم كحالي – أي نحن جماعة Group من المُنافِقين وأنت لا تعرفنا لكننا نعرف بعضنا البعض – فهل أدلك عليهم؟ هل آتي بهم؟ لو كان مَلِكاً أو رجل استخبارات لقال له كيف تسكت إلى اليوم؟ فلابد من قائمة تامة بالأسماء ولابد من التقارير، لكن النبي قال لا يا حرملة، مَن جاءنا كما جئتنا استغفرنا له كما استغفرنا لك ودعونا له كما دعونا لك ولا نهتك على أحدٍ سترا، يا الله يا رسول الله، فهو قال لا ينبغي أن نُفتِّش عن أحوال الناس أو نتجسَّس عليهم، ليس لنا أي عيون أو وسائط على الشعب وعلى الجمهور لكي نفضح الناس، والأكثر من هذا هو أن مِن المُنافِقين  مَن ائتمروا به لقتله مُنصرَفه من تبوك العُسرة في السنة التاسعة – عند عقبة تبوك وليس العقبة المكية – وجاء جبريل وأطلعه على أسمائهم وكانوا اثني عشر وقيل أربعة عشر وربما خمسة عشر، لكنه ذكرهم له بالأسماء وقال له المُنافِقون الذين أرادوا أن يقحموك في العقبة فتتردى فتموت هم فلان وفلان وفلان، فهو ذكرهم كلهم لكن النبي ستر عليهم وأبى أن يفضحهم، ولو فضحهم لذبحتهم الأمة ولذبحهم الصحابة مُهاجِرين وأنصاراً، لكنه لم يفعل هذا، فهو لا يُحِب أن الناس تقول محمد يقتل أصحابه وسبَّب حرباً أهليه وسبَّب فتنة، فهو لا يُريد هذا لأنه رحيم، هو أصلاً رحيم ويتمنى لهم الهداية ويدعو لهم بظهر الغيب.

أنتم تعرفون رأس المُنافِقين عبد الله بن أُبي بن سلول – قبَّحه الله – وتعرفون ماذا فعل، فهذا تكلَّم في عِرض أم المُؤمِنين عائشة رضوان الله عليها، وبالمناسَبة – أي بين ظفرين كما يقول التوانسة – إلى اليوم يُوجَد بعض أذناب هؤلاء المُنافِقين الذين يأبون إلا أن يقدحوا في عِرض أم المُؤمِنين ويقولون لنا أنتم لا تفهمون شيئاً وهى غير بريئة فقد أخطأت وعملت الفاحشة، ونحن نقول لهم تباً لكم إلى آخر الدهر يا أغبياء ويا حمقى، الله يقول  يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ۩، فهل تُريدون تبرئة لعائشة أكثر من هذه التبرئة؟ الله يقول أَبَداً ۩، لأن الله يعلم أن مِمَن ستلد القرون والدهور مِن هذه الأمة مَن سيأتي ويُعيدها جذعة ويقدح في عِرض أم المُؤمِنين ويُؤلِّف الكتب، فهناك مَن ألف صفحة عن هذا وقد قرأناها ووجدنا أنها زبالة، لكن هذا يحتاج إلى خطبة – إن شاء الله – بحيالها، وعلى كل حال هذه زبالة وقمامة، فهذا ليس فكراً، لكن صاحبه يعتقد أنه من المُفكِّرين وأنه –  ما شاء الله – أتى بتحقيقات، ونحن نقول له لقد قرأنا تحقيقاتك ووجدنا أنها زبالة وقمامة – Rubbish – فكرية، فهى ليست أكثر من هذا، الله يقول  يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ۩، فاسكت، قطع الله لسانك، كيف تطعن في عرض نبيك وعبر خمسة عشر قرناً؟ هل أنت مُحقِّق شرطة – ما شاء الله -وعندك أدلة؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ ولصالح مَن يُقال هذا؟ هذا أمر عجيب، لكن عبد الله بن أُبي فعل هذا فتباً له، والنبي شهد وقال أيها الناس مَن يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي وأبَن أهلي – أي تكلَّم في عِرض أهلي – فلا والله ما علمت إلا خيراً، أي أنه قال بالنسبة لي وأنا نبي تُنادِمه السماء ويُخاطِبه الوحي ما علمت على أهلي إلا خيراً، والنبي لم يكن – أستغفر الله – شخصاً … لا أستطيع أن أقدر على قولها، لكن النبي أذكى منك ومني ومن الدنيا كلها، فهو يعلم أهله ويعرف هذا، عنده نظرة في الرجال وعنده نظرة في النساء وعنده نظرة في أهله، فلو لم تكن مُستقيمة لعرف، ثم أن عصمة الأنبياء أصلاً ثابتة عند الشيعة والسُنة وهى تمنع وقوع مثل هذا الشيئ قولاً واحداً، فما هذا العبث بالدين؟ ثم يقول النبي ولقد أبنوها برجلٍ لا والله ما علمت عنه إلا خيراً، وذلك عن صفوان بن المُعطَّل المسكين، فهو قال لهم حتى هذا الرجل بريء وما علمنا عنه إلا كل خير، فما هذه التهمة؟ ومع ذلك اتسع إلى هذا الذي أذاه في أهله وهذا الذي سبه وسب أصحابه وقال أوقد فعلوها؟  لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ ۩ – تباً لك يا عبد الله بن أُبي إلى سائر الدهر، مَن الأعز ومَن الأذل يا جاهل؟ – ولا أجد لنا ولهم مثلاً إلا كما قال الأول سمِّن كلبك يأكلك، فاخس عليك  واخسأ كلباً، فعلاً هذا هو الكلب، كيف تتحدَّث عن نبيك هكذا – يا سيدي ليس نبيك لكنه زعيم الأمة وزعيم المدينة في وقتك – بهذا الأسلوب الحقير؟ لأن حلمه كان يسعك، فهو يعلم أن حلم محمد يسعه ويسع أمثاله من الأذناب الأوغاد، ويأتي عبد الله ابنه بعد المُريسيع – بعد المُصطلق – ويقول يا رسول الله لقد بلغني أنك تُريد أن تقتل عبد الله أبي، فيا رسول الله إن كنت عازماً على قتله فلا تدع أحداً يقتله فأرى قاتل أبي فتحتملني الحمية فأقتله فأقتل مُؤمِناً بكافر، أي أنه كفَّر أباه لأنه يعرف أنه مُنافِق وأنه كافر، ثم قال فدعني أنا أقتله يا رسول الله، أي أنا سأقتل أبي، فانظروا إلى هذا الحب لأنهم الآن يتكلَّمون عن حبنا لمحمد، هذا يقتل أباه لأنه أذى رسول الله ولكنه فقط يُريد الإذن من رسول الله ويقول له سأقتله،  فيك وفي حبك سأقتله وأقتل ألفاً مثله، والنبي بكل حلم وصفح وعظمة يقول لا،  كلا بل نُحسِن صحابته – وفي رواية صحبته –  مادام معنا، أي مادام أنه معنا ولم يلتحق بالكفار ولم يُحارِب يُحارِب لكنه معنا حتى ولو كان مُنافِقاً فإننا سنُحسِن إليه ونُحسِن صحبته، يا الله، وبعد ذلك يتكرَّر يُتوفى ويهلك هذا الخبيث المُعثَّر التاعس البائس عبد الله بن أُبي ويأتي ابنه – انظروا إلى  البنوة لأن النبي علَّمهم هذا، فهذا ابن وذاك أبوه، والآن ذهب إلى جهنم لكن ربما ينفع شيئ، فماذا يفعل؟ – قائلاً يا رسول الله لو أعطيتني بُردك الشريف لأُكفِّن أبي به لعله يشفع له، فيخلع بُرده ويقول له خُذه وكفِّن أباك به، فهل تعرفون هذا؟ عبد الله بن أُبي مات وكفنه بُرد رسول الله، هل سمعتم بمثل هذا الصفح وبمثل هذه العظمة وبمثل هذا التسماح؟  فكفنه بُرد رسول الله، وليس هذا فحسب بل قال سأُصلي عليه، فالنبي قال أنا سأُصلي عليه وسأدعو له الله بالمغفرة، يا حبيي يا رسول الله، ما أعظم هذا القلب وما أصفى هذا القلب وما أنقاه وما أوسعه، والله أوسع من محيطات الأرض كلها،أوسع من المحيط الأوقيانوس، وعمر يقول له يا رسول الله تُصلي عليه بعد الذي فعل وبعد الذي قال؟ أخِّر عنه يا رسول الله، ويجذب النبي فيقول الرسول أخِّر عني  يا عمر – أي تركني – لقد خُيرت فاخترت، ولو أعلم أني لو أستغفرت له فوق السبعين غفر الله له لفعلت، لكنه يعرف أن الله لن يغفر له ومع ذلك يُحاوِل، يا حبيبي يا رسول الله، والآن يقولون لماذا يُحَب؟ فانظروا إلى العظمة وانظروا التسامح الذي عند رسول الله، ثم بعد ذلك انظروا إلى التواضع، وقد تحدَّثنا عن الكبر لكننا نُريد أن الترجمة العملية للضديد  النوعي للكبر وهو التواضع، فالنبي كان يركب حماراً، هل سمعتم بمَلِك من الملوك يركب حماراً؟ النبي ركب الحمار وعيسى من قبله ركب الحمار – عليه السلام – أيضاً، فهؤلاء هم الأنبياء وهذا تواضع الأنبياء، ولذلك يكتب أحد المُستشرِقين وهو جورج سارتون  George Sarton مُؤرِّخ العلم الأول في القرن العشرين والأمريكي المجري الأصل قائلاً وكان محمدٌ كسائر إخوانه النبيين والمُرسَلين إلا أنه من بينهم كان الأعظم، فجورج سارتون  George Sarton وهو مسيحي يقول أنا قرأت تاريخ الأمم والحضارات لكن يبقى محمد هو الأعظم، فهو أعظم من المسيح ومن موسى ومن إبراهيم كما يقول جورج سارتون  George Sarton، فانتبهوا لأن هذا الرجل ليس كمُنتِجي الأفلام غير المفهومة وليس رجلاً عادياً لكن لعنة الله على الجهل، جورج سارتون يقول  George Sartond يبقى الأعظم، لكن قد يقولون لي ائت لنا بمصدرك يا عدنان إبراهيم، وهو موجود طبعاً ومكتوب بالإنجليزية وعندي رقم الصفحة، فلا يُوجَد لعب هنا لكنهم يقولون ائت لنا بمصدرك لأنهم يعتقدون أننا نكذب أو نُؤلِّف شيئاً، لكن هذا موجود وبالصفحة أيضاً كما فعلناها قبل ذلك، فهذه الأشياء لدينا بالصفحة وبالإنجليزية وفي طبعات قديمة، أي لم تلعب بها أيدي الحدثان، وعلى كل حال هو قال يبقى الأعظم عليه الصلاة وأفضل السلام.

النبي كان يركب الحمار ورأيتم كيف يجلس ويأكل، وكان يخصف نعله حين يتخرَّق النعل، فهل يُوجَد مَلِك يلبس نعلاً مخصوفة؟ النبي كان يلبَس نعلاً مخصوفاً – أي مُرقَّع، لأن ترقيع النعل إسمه الخصف – أيضاً، وكان يرقع ثوبه، هل يُوجَد مَلِك يلبس ثوباً مُرقَّعة؟ وهل هذا من قلة ذات اليد؟ ليس من قلة ذات اليد طبعاً، ونحن رأينا أطنان الذهب والفضة والبعران والشياه وهى تُوزَّع على الأمة، لأنها للأمة وليست له، فهو لا يُريد هذا ومن ثم يلبس ثوباً مرقوعاً، فكان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويفليه ويكون في خدمة أهله –  في مهنة أهله – أيضاً، أي عندما يكون في البيت يُنظِّف ويُقشِّر ويُساعِد أهله، وهذا أمر عجيب، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.

تأتيه خادمة – خادمة عند ناس في المدينة – لأنها تُريد أن ترى رسول الله لأول مرة،  وربما هذا مقدمها إلى المدينة، فتقول أين الرسول؟ قالوا هذا الرسول، وكان جالساً بعظمته، فأول ما رأته رعدت، ودون أن ينظر إليها أذِن بها وبيده من وراء قال لها يا مسكينة عليكِ السكينة فثبتت بإذن الله، لأن هذا هو الرسول، هذا ليس مَلكِاً فلا تخافي، هذا الرسول ولذلك كله رحمة، وهذه الرحمة حتى جبريل نال حظه منها، وأنتم تعلمون هذا طبعاً، قال الله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩، فقال له عليه السلام يا أخي يا جبريل وهل أصابك من هذه الرحمة شيئٌ؟ أي أن الله يقول بالقرآن الذي جئت به من عند الله عني إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩ وأنت من هؤلاء العالمين فهل أصابك شيئ من هذه الرحمة؟ فقال نعم يا أخي يا محمد، قال – لأن النبي يُحِب أن يتعلَّم وأن يعرف من جبريل الذي هو سفير رب العالمين – كيف؟ فقال يا أخي يا محمد كنت أخشى العاقبة – أي لا أعرف ماذا سيحدث لي بعد ذلك وماذا سيفعل الله معي – فلما أثنى الله علىّ فقال مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ۩ – الله يقول أَمِينٍ ۩ ولذلك قال جبريل أثنى علىّ – أمنت، علمت أنه لا يُعذِبني بعد أن أمنني بمدحه إياي فأصابتني الرحمة، الله أكبر، انظروا إلى هذه الرحمة العظيمة!

جاءه رسول  من طرف أحد الكبراء – من ملوك النواحي – وقال أين محمد بن عبد الله؟ أي المَلكِ، فقالوا هذا محمد، فأول ما رأى النبي أُرعِد المسكين أيضاً، فقال النبي  هوِّن على نفسك – أي خفِّف على نفسك، لماذا ترتعد؟ – فلست مَلكِاً ولا ابن مَلِك – أنت تخاف من الملوك لكن أنا لست مَلِكاً – إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد، أي أنا إنسان مُتواضِع، فأمي كانت تأكل لحماً مُجفَّفاً ولا تأكل لحماً طازجاً لأننا لا نذبح كل يوم مثلاً، نحن ناس بسيطة الحال وأنا إنسان بسيط ومُتواضِع، يا الله، هل يُوجَد مَلِك يحكي هذا عن نفسه؟ لا يُوجَد أبداً، فالملوك يكذبون والملوك يتألهون ويسرقون حتى صلاحيات الله ويجعلون أنفسهم أبناء الآلهة، لكن الرسول قال أمي كانت تأكل لحماً مُجفَّفاً،وهذا لا يأكله إلا فقراء الناس، فلا يأكله الأغنياء لأن الأغنياء كانوا يحقرونه وكانوا يأكلون لحماً طازجاً كما نقول، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، لكن هذا هو محمد – عليه السلام – الذي كان يمر على الصبيان فينزل إليهم ويُسلِّم عليهم ويُصافِحهم ربما وأحياناً يمسح على رؤوسهم، هل يُوجَد رجل كبير يفعل هذا؟ النبي كان يفعل هذا! 

يقول أحد أصحابه جاءته امرأة في عقلها شيئ – امرأة مهبولة مسكينة، فنسأل الله العفو والمُعافاة، أي في عقلها شيئ مثل الهبل أو الجنون – وهى تقول يا محمد أُريدك أن تقضي لي حاجة – أي عندي حاجة مُهِمة أُريد منك أن تعملها لي – وتأخذ بيده ويُعطيها يده بكل تواضع – لا يقول لها لا أُصافِح النساء فهذه امرأة غلبانة – ويقول لها يا أمة الله انظري في أي طرق المدينة تُريدن أن أجلس إليك أسمع منكِ لأقضي حاجتك فعلت، أي في مكان تُريدين سوف اذهب معكِ، فهل ستذهب معها؟ نعم سأفعل، وليس هذا فحسب فهو يُلبي دعوة الغني – ونحن بنلبيها طبعاً – ودعوة الفقير، أي يُلبي دعوة كل الناس، فهو يُعلِّم الناس ويقول لهم أنا مُتواضِع وطيب فلا تخافوا مني أبداً، ومَن يُحِب أن  يتبرَّك بي سوف أُلبي دعوته – إن شاء الله – حتى ولو على شعير أو على كراع، فهو قال لو أُهديَ إلىّ كراع لقبلته ولو دُعيت إليه لأجبته، يا حبيبي يا رسول الله، لكن ما هو الكراع؟ الكراع من الدواب ما دون الكعب ومن الإنسان ما دون الركبة، أي السيقان – سيقان الحيوانات – وإسمها الكوارع بالمصري، وهى من أتعس الأكل على الإطلاق، لم أقدر على أكلها  في حياتي – أقسم بالله – ولو لمرة واحدة، لكن النبي قال هذا الكراع – هذا الأكل المحقور جداً – لو أُهديَ إلىّ لقبلته – أي لو آتاني كراع سوف أقبله كهدية، لم لا؟ وسوف أقول بارك الله فيك وأدعو لك – ولو دُعيت إليه – كأن يُقال تعال إلى مأدبة كوارع – لأجبته، ويقول أنس بن مالك النبي كان يُلبي الدعوة على طعام الشعير – حين يدعوه أحدهم على خبز الشعير فقط  يُلبي الدعوة -وعلى الإهالة السنخة، لكن هل تعرفون ما هو الإهالة السنخة؟ الدهن الجامد، فهو دهن جامد تغيَّر ريحه من طول مكثه، وهو من أتعس صنوف الطعام، لكن النبي يُلبي الدعوة عليه، فهل هذا مَلِك؟ هذا ليس مَلِك أبداً، هذا نبي وهذا رحمة – بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۩ – أيضاً، قال الحسن البصري في قول الله  تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً أي فظ القول وغليظ القول، فالفظاظة هى الغِلظ في القول، ولكن لأنه وصف القلب بالغِلظ ناسب أن يقول هنا  فَظّاً ۩ من أجل التنويع، فقوله فَظّاً ۩ يُراد به غليظ القول – غَلِيظَ الْقَلْبِأي قاسيه – لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۩ مُعلِّقاً: وهو خُلق رسول الله بعثه الله به، فهل تُريد أن تعرف خلق الرسول؟ هذه الآية أجملته وكثَّفته.

أقول قولي هذا وأُصلي وصلوا معي على سيد البريات وشرف الموجودات سيدنا حبيبنا وقرة عيوننا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ثم اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ۩.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

والملوك لا يبكون على أحد، ربما قتل المَلِك ابنه ولا يبكي عليه، لكن محمد كان يبكي على أصحابه ويبكي على الناس، فهو يبكي رحمةً بكل أحد، وقد سمع أن سعداً بن عُبادة مرض فهُرِعَ إليه يزوره مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فوجده في غاشية أهله فقال قضى؟ قالوا لا، لم يقض يا رسول الله، فبكى رحمةً وفرحاً، فاستغربوا لأنه يبكى، فلما بكى بكاءاً مُراً جعلوا يبكون، فقال لهم ألا تسمعون؟ إن الله لا يُعذِّبك بدمع العين ولا بحزن القلب، وأشار إلى لسانه وقال ولكن يُعذِّب بهذا، وفي رواية أو يرحم، أي حين تتكلَّم كلاماً خاطئاً أو تتسخَّط القدر أو العكس، ثم أتاه رسول يقول يا رسول الله مات عثمان بن مظعون، فهُرِعَ مُباشَرةً إلى البيت الذي كان فيه الأنصار فوجده مُسجاً ميتاً فجعل يبكي، يقول الراوي بكاءاً كثيراً حتى بكوا من عند آخرهم، أي أنه كان يبكي، وقد بكى على ابنه إبراهيم، وكان رحيماً حتى بالحيوان وحتى بالطير، وقد رأى رجلاً يقود شاةً إلى الموت بعنف – أخذها من أذنها لكي يقودها – فغضب النبي وقال قُدها إلى الموت قوداً رفيقاً، أي ما هذا القود؟ كيف تأخذها لكي تذبحها هكذا؟ ومن هنا قال له قدها إلى الموت قوداً رفيقاً، أضجعها الرجل ثم وضع رجله عليها وبدأ يسن ويحد السكين فقال له هلا حددت سكينك قبل أن تُضجعها؟ أتريد أن تميتها ميتتين؟ 

انظروا إلى حجم الرحمة بشاة، واليوم الرؤوس تُقطَع وبإسم الدين، فهم يقطعونها أمام التلفزيون Television ويُكبِّرون – يقولون الله أكبر – على هذا، فتباً لهذه الحماقات وتباً لهذه القسوة.

اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تُعذِّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا فيما جرت به المقادير، اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، اللهم إنا نسألك أن ترحم أمة محمد وأن تهديها إلى أرشد أمرها، اللهم جنِّبها الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعل السُفهاء منا، اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المُفترَجة الكريمة من هذا اليوم الكريم الأغر الأزهر أن ترفع البلاء عن أهلنا وإخواننا في سوريا الشام برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع عنهم هذا البلاء، اللهم ارحمهم، اللهم تأذَّن برحمتهم يا رب العالمين واجعل عاقبة أمرهم إلى خيرٍ وسلام، اللهم ارحم أهلنا في غزة وفي فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(21/9/2012)

http://www.facebook.com/Dr.Ibrahimadnan

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: