إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ۩ إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ۩ وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ۩ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ ۩ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۩ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ۩ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۩ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ۩ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

طرحتُ من سنين بعيدة سؤالاً وهو: ماذا لو عاد رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام؟!
ومثل هذا السؤال حريٌ بأن يحظى بألوف بل وربما حتى بعشرات ألوف الأجوبة من هذه الأمة المُحمَّدية التي توزعتها وتفرقتها المذاهب والنحل والطوائف، كلٌ سيسأله عن مسألة ما، ويترجَّح أن يكون مُعظَم هذه السؤالات أو المسائل عن قضايا مخصوصة بل وشديدة الخصوصية، في نهاية المطاف لو قدَّروا أنهم سمعوا الجواب مِن فيه المصطفى – عليه الصلاة وأفضل السلام – فإن ذلك لن يُقدِّم كثيراً ولن يُؤخِّر كثيراً.

سؤالٌ واحد أحسب أنه جدير بأن يُطرح عليه – عليه الصلاة وأفضل السلام – ولكن ليس بالضرورة، ومن هنا لسنا بحاجة أن يظهر لنا محمد من جديد وأن يعود من جديد، بل استشعار الحاجة إلى عودته يُعَد شيئاً تخيلياً، فهذا الكلام تخيلي وافتراضي كعودة المسيح المُتخيَّلة أيضاً بل المُفتراة، استشعار الحاجة تعني أن مَن يستشعر الحاجة الحاقة والماسة إلى عودته وظهوره من جديد هو امرؤٌ ورجلٌ أو أمةٌ أيضاً من إماء الله أقل ما يُقال فيه لم يُحسِن تدبر كتاب الله، فكتاب الله – تبارك وتعالى – يُتعاطى معه بالنظر وبالتدبر وبالاستبصار، وهذا الكتاب كان صريحاً وعامداً ومُباشِراً حين قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا  ۩ مع قوله : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۩، فويح هذه الأمة التي يبدو أنها ذهلت وأغفلت مُلاحَظة هذه الحقيقة وتتنازع وتتشاجر وتتناحر كأن ديناً واحداً لا يكفيها وكأن ديناً كاملاً ونعمةً تامة لا تُشبِع حاجتها ونهمتها إلى تدين مغشوش ومنقوص ومرائيٍ ومُفترَض ومطلوب للتكيف مع حاجات وأهواء نفسانية بعيدة عن مقاصد الدين الحق، لكن بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي – كما يُقال – لو ظهر لنا – عليه الصلاة وأفضل السلام – وكنا سنسأله سؤالاً واحداً فسنقول له يا سيد الخلق، يا حبيب الحق، يا مَن على قلبك أُنزِلَ هذا الكتاب وبلغته من عند آخره ولم تكتم ولم تخبأ منه حرفاً واحداً – يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ۩ وقد أشهد على نفسه واستشهد وشهد ونحن مِن ورائهم ومن بعدهم نشهد اللهم هل بلغت، اللهم اشهد، ونحن نشهد أنه عليه الصلاة وأفضل السلام بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة كاملةً تامة غير منقوصة ولا مُتحيَفاً عليها – ما موقفك، ما مُهِمتك بإزاء القرآن الكريم؟!
هل تزيد عليه؟!
هل تبطل شيئاً ورد فيه؟!
هل تشطب على أحكام أحكمها الله وفصلها فيه؟!

هل تُشرِّع إلى جانبه؟!

هل أنت مُشرِّع مع الله – تبارك وتعالى – وهذا معناه أنك تزيد على ما في الكتاب؟!

فهذا شيئ مهم جداً، وحريٌ به – عليه الصلاة وأفضل السلام  – أن يستاء – فيما نُقدِّر ولا نقول تحسيناً للظن بل إيجاباً كالظن المأخوذ من كتاب الله – بل وربما غضب غضباً شديداً لسؤالٍ كهذا على أنه لدينا أهم الأسئلة، لأن هذه الأمة حين تذهبون وتُفتِّشون في الذي فرَّقها وتوزَّعها وشعَّعها – أزعم أكثر من تسعين في المائة – هو الحديث والسنة المنسوبة إلى رسول الله، أي الأحاديث والروايات، فهناك روايات للشيعة، روايات للسُنة، روايات للمُعتزِلة، روايات للخوارج، فكل عنده روايات وكلٌ يعزو ذلك إلى رسول الله وكلٌ يرمي الآخر بالكذب وعدم المنهجية وعدم الدقة وبركوب مركب ومتن الأهواء في تخير الروايات وتظهيرها والاعتماد عليها والاستناد، أما القرآن فمُحال أن يفعل هذا لأن هذا الكتاب من شأنه أن يُوحِّد ولا يُفرِّق وهو لم يفعل – بفضل الله – بدليل أن هذا الكتاب لم يُفرِّقنا فهو العصمة الواضحة التي تجمعنا، قال الله وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ۩، فما حبله إن لم يكن كتابه؟!

حبله هو كلامه الذي هو هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ۩، الذي هو بيانٌ لكل شيئ وتبيانٌ لكل شيئ، وكما قلت غير مرة أنه يكفي المُشرِكين والمُلحِدين – أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ۩ -، فكيف لا يكفي أمة تزعم أنها آمنت به وبخعت له؟!

النبي سيغضب ويستاء من هذا السؤال وسيقول: عجبٌ لكم يا أمتي، عجبٌ لكم، أما تقرأون كلام الله -تبارك وتعالى- في كتاب ربكم؟!

ولكن أين نجد الجواب يا رسول الله؟!

سيقول”قريباً دانياً أقرب إليكم من ظل أحدكم إليه، فهو قريب جداً”، ولكن كيف؟!

لو تأمَّلنا كتاب الله – تبارك وتعالى – سنجد أولاً – للتذكير – أن هذا الكتاب الأعز يصف نفسه بأنه مُبين، إذن هو قرآن مُبين ، فهو كتاب مُبين وليس غامضاً، ليس مُلتبِساً، ليس مُعقَّداً فيحتاج إلى فلسفات وأدوات معرفية هائلة لا يتوفَّر عليها إلا قلة منزورة من البشر، ولكنه يقول مُبين –  الكتابُ المُبينُ ۩- فضلاً عن أن هذا الكتاب آياته في عشرات الآيات منعوت وموصوف بأن آياته بيّنات – آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ  ۩- ومُبيِنات – آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ۩ -، كما أن هذا الكتاب أيضاً منعوت وموصوف بأنه  تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ۩ – عجيب – فضلاً عن أن الله قال مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۩، ولكن طبعاً مستحيل أن تجد فيه تركيب – مثلاً الأدوية – فى يُمكِن أن تجد فيه صيدلية – مستحيل – أو أن تجد فيه علم النبات أو علم الحيوان أو علم الرياضيات أو علم الجغرافيا أو علم التاريخ، إذن بالحري تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ۩ في أضعف الإيمان من أمور الدين والتشريع، فلا يُتهم بعد ذلك أنه قصَّر ولم يبلغ الغاية في بيان أمور الدين، فلا يُمكِن أن تقول لي أنه في أمور الدين غير كافٍ فنحتاج معه إلى السُنة وإلى الأحاديث وإلى الروايات، فيتسع الباب بل الأبواب التي تُفتح ليضيف كل ما شاء، وقد فعلنا – الحمد لله – ولم نُقصِّر شيعةً وسُنة وخوارج ومُعتزِلة، فكل أتى وكل يزعم أن أخباره وأحاديثه تستند إلى رسول الله – كما قلت لكم – ويرمي الآخرين ويغمزهم، ولكن نحن أمة واحدة، نحن مسلمون، فما القضية؟!
ما الحكاية؟!
أين الحق؟!

إلى أين نذهب؟!

ماذا نفعل أم نبقى هكذا مُتفرِّقين أوزاعاً ومُتباغِضين للأسف الشديد؟!

إذن واضح أنه كامل وهذا هو معنى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۩ وانظر إلى الإعجاز القرآني فالله كان يُخاطِب صفوته من خلقه – عليه الصلاة وأفضل السلام – قائلاً وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ۩ومن ثم كان يُمكِن أن يقول جل مجده “اليوم أكملت لك دينك وأتممت عليك نعمتي ورضيت لك الإسلام ديناً”، ولكنه واجه بهذا الخطاب مَن؟!

الأمة، فقال  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ۩، كأنه يقول لو عدتم إلى هذا الكتاب لكفاكم، لأن هذا الكتاب كافٍ، علماً بأن النبي أكَّد هذا المعنى، ولكن كيف؟!

حين كان شديد العنو وعظيم الحرص والرعاية  لمُهِمة كتب القرآن العظيم، فالنبي كتّابه كانوا زُهاء ستين كاتباً، ليس واحد أو اثنين أوثلاثة أو أربعة بل كانوا زُهاء ستين كاتباً، فلا تسوغ ولا تجوز ولا تنطلي أخدوعة بعض الزائدين الذين قالوا “ربما بعض الكاتبين زوَّر على محمد فمحمد لم يكتب له كذا أو كذا” لأن هناك عشرات الكتّاب كانوا يكتبون ويتسابقون إلى هذا الشرف العظيم الباذخ فلا يستطيع أحد أن يكذب على القرآن، ثم إن القرآن أصالةً حُفِظ في الصدور وعلى ظهور القلوب قبل أن يُحفظ في السطور ولذلك أعظم أسمائه وأشهر أسمائه هو القرآن، فالقرآن هو الأسم الأول العمدة وسُميَ قرآناً لأنه يُقرأ، قال الله فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ۩ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ۩، فحتى البيان على الله وهذا شيئ عجيب علينا أن نتنبه له، وثاني الأسماء شهرةً هو إسم الكتاب وفي هذا إشارة إلى حفظه في الصدور ثم من بعد إلى حفظه في السطور، إذن أشهر الإسماء القرآن ثم الكتاب من بين عشرات الأسماء والألقاب للكتاب التي أحصاها القاضي شيذلة وغير شيذلة لكن شيذلة كان أوعبهم، على كل حال القرآن يقول الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ۩ والنبي يُؤكِّد هذا المعنى بحرصه على كتب – أي كتابة – القرآن الشريف مع نهيه المُؤكَّد والوارد في الأحادث الصحيحة الكثيرة عن كتابة حديثه وسُنته، فهذا ممنوع ومن هنا قال “لا تكتبوا عني شيئاً، ومَن كتب عني شيئاً فليمحه” وهذا في أحاديث صحيحة كثيرة  حتى وإن قالوا أن هناك استثناءات فإن هذه الاستثناءات يسيرة وللعلماء فيها كلام، فلو كان النبي يريد أن تُحفظ أحاديثه وأقواله وأخباره وسُنته كما حُفِظ الكتاب لحرص من أول يوم على أن يستكتبهم سُنته ولقال لهم لا تذروا شيئاً أفوه به أو تنفرج عنه شفتاي أو تروني أفعله أو أتجنبه أو أقره إلا دوَّنتموه وقيَّدتموه، لأنه أخ الكتاب وثاني الوحيين كما زعموا، فجعلوا السُنة وحياً وثاني الوحيين، لكن النبي لم يفعل بل نهى عن ذلك، وحين رخَّص ما رخَّص – والله عليم بحقيقة الأمر – جاء الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر – رضيَ الله عنهما – ونهوا عن الكتابة بل وحرَّق عمر الصحائف التي كتب فيها بعضهم شيئاً من الحديث، حرَّقها بعد أن استخار الله شهراً كاملاً، فلماذا يفعل هذا عمر؟!

وبالمُناسَبة الآن عمر يُسب من بعض الطوائف ويقال جزى الله شراً من منع كتابة السُنة، لكن يا أخي الذي منع كتابة الحديث الرسول نفسه وليس عمر، فلماذا هذا الحقد وهذا الإفتراء؟!

الرسول  نفسه هو الذي منع كتابة السُنة، فهل ترون لو أن الرسول أمر بالكتابة لضاع منها شيئ؟!

لحُفِظَت من عند آخرها، لحُفِظَ أولها على آخرها كما حُفظ  الكتاب، لكنه نهى عن هذا، فلماذا؟!

هذا شيئ عجيب، فلو كان الدين لا يكمل ألا بالسُنة – إلا بالأحاديث والأقوال والأخبار والسير والأفعال – لما نهى النبي عن كتابة السُنة، والنبي ينهى عن الكتابة ويعلم أن الذهن غير مُؤتمَن لأنه ينسى ويُضيِّع، ولو كان الذهن مُؤتمَناً تماماً وحُجة فلماذا يحفظ القرآن ويُستكتَب في صحف؟!

إذن لو كان الذهن مُؤتمَناً لأمر النبي بحفظ القرآن على ظهر القلب دون كتابته، لكن هذا لم يحدث، والله قال وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩،وكان من أهم هذا أن يُكتب أيضاً حتى يعتضد ما في الأذهان وما على ظهور القلوب بما في المهارق والسطور إن حدث اختلاف فنرجع إلى الصحف وهى صحف كثيرة ويسهل استنساخها، فمِن الصعب على واحدٍ أن يحفظ كتاب الله الذي يحوي على ستين حزباً، بعض الناس يحتاج إلى سنين ليفعل هذا ولعله بعد ذلك يتغلَّط، ولكن من السهل عليه أن يستنسخ هذا في أيام وأسابيع فهذا يُكثِّر بلا شك تواتره، فالآن القرآن المحفوظ في صحائف أكثر بكثير من عدد الحفظة في العالم، فلو كان في العالم الآن عشرة آلاف حافظ  أو أكثر فإن عدد المصاحف بمئات الملايين، والآن في عصر الثورة الرقمية تستطيع أن تقول عدد المصاحف يصل إلى ملايير النُسخ، فيُمكِن أن تنسخ في لحظة المُصحف في ملف PDF، إذن الأمور أصبحت أسهل كثيراً طبعاً، فالحفظ في الكتابة أسهل كثيراً وأوثق بلا شك فيعتضد به حفظ الصدور، فلماذا لم يفعل النبي هذا مع السُنة؟!

لماذا لم يتخذ النبي هذه الخطوة في حفظ السُنة؟!

علماً بأن النبي يعرف ماذا يفعل فهو ليس مُجتهِداً كأبي بكر وعمر، النبي رسول ويعلم تماماً موقفه وموقف السُنة والحديث من الكتاب ومن التشريع ومن الدين أصلاً وفرعاً، هو يعلم هذا تماماً ويعرف ماذا يريد فوهو أفهم وأعرف وأفقه وأدرى الخلق بكتاب الله وبأغواره ومطاويه ومغازيه ومداخله ومخارجه بلا شك  لأنه على قلبه أُنزِل، فهو كتابه  – عليه الصلاة وأفضل السلام – فلو كان النبي يعلم أن حفظ السُنة هام بحيث لا يُختلف عليها كحفظ الكتاب الآن لفعل، والحمد لله الآن لا يُوجَد شيعي أو سُني أو إباضي أو مُعتزِلي أو زيدي يختلف مع أخيه المسلم في تواتر آيات القرآن فيقول – مثلاً – هيا نذهب نبحث في مدى صحة هذه الآية وصحة ورودها، فهذا الكلام – الحمد لله – لا يقع، ولكن الخلاف يقع فقط في الدلالة، أي ما يُفهم من الآية وعلى ماذا تدل، أما ورود الآية وثبوت الآية مسألة بساطها مطوي ولا يُبحث فيها، فهذا الملف لا يُفتح ومن ثم كان يمُكِن أن يكون هذا الحال أيضاً مع السُنة بحيث يكون بساطها مطوياً وتكون محفوظة من أيام رسول الله في صحف ومهارق وينتهي كل شيئ، ولكن النبي لم يشأ هذا، فلو كان كمال الدين وتمام النعمة لا يكون إلا بالسُنة لكان الرسول هو أحرص الخلق على كتبها وحفظها لكنه لم يفعل، فلماذا؟!

قد يقول لي أحدهم: أين أنت من كتاب الله الذي اتلوت علينا منه الآن قول الله – تبارك وتعالى – في سورة النحل وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ۩؟!

الذي بيني وبين الله والذي أدين الله به إلى الآن – وقد أكون مُخطئاً علماً بأنني ذكرت هذا ذات مرة على المنبر – هو أن هذه الآية لو ذهبتم تقرأونها وتفهمون معناها ودلالتها في ضوء آيات أخرى كثيرة ستجدون أنها لا تفيد أكثر من أن المراد بها هو لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ۩ بتلاوته، أي أن معنى بيانه تلاوته، لماذا؟!

بيان النبي للقرآن لا يعني أبداً أنه يأتي ويجلس كما يجلس الشرّاح والمُفسِّرون ليشرح الآيات والمقصود بها، ولكن بيان النبي للقرآن هو تلاوة القرآن، فمن أين أتيت بهذا المعنى الذي خالفت فيه تقريباً كل العلماء والمُفسرِّين ولكنني وافقت كل الآيات حيث أن لدي عشرات الآيات تُؤكِّد هذا المعنى؟!

ماذا قال الله – تبارك وتعالى – في سورة القيامة؟!

فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ۩ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ۩، إذن الذي بحسب هذه الآية الذي يُبيِّن القرآن مَن: الرسول أم الله؟!

واضح هنا أن الذي يُبيِّن القرآن هو الله، ومع ذلك قد تجد مَن يقول لك “أنت تضحك وتمزح  فأنت لست جاداً في العلم، لأن عَلَيْنَا بَيَانَهُ  ۩،يكون من خلال الرسول، أي أن الله هو الذي يُبيِّن ولكن عبر رسوله”، وهذا المعنى يسوغ فيكون البيان على الله أصالةً وعلى الرسول وسيلة وتوسط،ولكن ظاهر الآية يُفيد بأن الله هو الذي يتكفَّل ببيانه، فأين أنتم ونحن من عشرات الآيات التي تؤكد – وبدأت حديثي بها – أن القرآن مُبين وأن آيات القرآن بيّنات ومُبيِّنات حيث قال الله بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ۩؟!

فهل البيِّن يحتاج إلى بيان؟!
لا يحتاج إلى بيان فهو أصلاً بيِّن، فضلاً عن أن الله قال عنه أنه تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩وقال أيضاً مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ۩ وقال في سياق آخر وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ۩إذن ما معنى البيان هنا؟!
علماً بأن الكلام الآن ليس عن موسى أو عيسى بل عن الذين أوتوا الكتاب، أي عن شخص كتابي من الأحبار والرهبان والقسس والرابيين والحاخامات، فكيف يبيّنون الكتاب؟!

الله قال لهم  وَلَا تَكْتُمُونَهُ ۩، أي أنهم يُبيِّنونه بإظهاره، فيقول الله لهم “عليكم أن تُظهِروه، عليكم أن تتلوه كما هو دون أن تخبأوا – أي تُخبِّئوا – منه شيئاً”، فهذا هو المعنى إذن، ومحمد ينطبق عليه نفس الشيئ فهو مأمور أن يبيّن ولكن بمعنى ماذا؟!
أن يُبلِّغ بأن يتلو القرآن، فبيانه تلاوته وذلك وفقاً للقرآن ولفقه القرآن، هوناك آية أوضح من هذا في سورة المائدة يخاطب الله فيها أهل الكتاب فيقول  قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۩ إذن ما معنى البيان هنا الإظهار وليس الشرح والتفصيل وذكر قواعد النحو والصرف وتقييد المُطلَق وتخصيص العام وتبيين المُجمَل والناسخ والمنسوخ – علماً بأن الناسخ والمنسوخ يُعَد مُصيبة – وما إلى هنالك أبداً، ولذلك إذا ذهبتم تقرأون آيات البيان والبينات في كتاب الله قطعاً – والله تبارك وتعالى أعلم – سوف تنتهون إلى هذا المعنى الواضح في عشرات الآيات، ولكن أنا أقول لكم أيضاً – وبيني وبين الله – هذا كلام إلى الآن ينقصه شيئ، فمن أين لنا في كتاب الله مهما غلغلنا النظر وأطلنا الفكر أن صلاة الفجر ركعتان بهذا الترتيب المذكور؟!

علماً بأن  الترتيب من السهل أن يُستنبَط فالله يقول عن القيام وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ۩ ويقول فيما يتعلَّق بالقيام أيضاً إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ۩ فضلاً عن أنه تحدَّث عن الركوع والسجود بقوله ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ۩، إذن من المُمكِن أن نستنبط القيام والركوع والسجود، ولكن السجود سجدتان وليس سجدة واحدة أما الركوع فيكون ركعة واحدة وهذه الأمور – مثلاً – غير مُبيَّنة في كتاب الله، وأهون من هذا أن تسبح الله بعظمته في الركوع وبعلوه في السجود – فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ۩ قَالَ “اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ”-  لأن هذا عند الجماهير ليس من واجبات الصلاة فلو ركعت مُجرَّد ركوع واطمئننت دون أن تقول شيئاً يُعتبَر ركعت، وهذا  لا يهم كثيراً الآن ولكن المُهِم هو أن الفجر ركعتان والظهر – مثلاً – أربع ركعات، فمن أين لنا هذا في كتاب الله؟!

استمعت إلى بعض الأفاضل يقول – وهذا شئ طيب جداً وإن صح له هذا بطريقة ليس عليها تنقيدات فسيكون هذا من فتح الله عليه، فالله يقول ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ ۩ ومن ثم نسأل الله أن يزيدنا جميعاً من فضله – أنا استنبطت أن الصلوات خمس من كتاب الله وكذلك أعداد الركعات في كل صلاة من كتاب الله أيضاً، وهذا شيئ جميل وفتح إلهي، لكن أنت فعلت هذا وغيرك لا يستطيع أن يفعله، لأن صعب عليه أن يفعله، ولكن محمد فعل هذا، فكيف فعله؟!

فما موضع هذا الفعل ومكانه من الإعراب؟!

هل هذا بيان لمحمد – أو بيان من محمد – للكتاب كنوع من البيان بالمعنى الأصولي؟!

علماً بأنه لا مشاحة في الاصطلاحات، إن أن أردتم أن تُطلِقون عليه بياناً فلا بأس لكن نحن لدينا طريقة قرآنية أعتقد أنها أكثر تماشياً مع روح القرآن ومُصطلَحات وألفاظ القرآن الكريم، فالقرآن يقول البيان على الله والقرآن كتاب بيّن وكتاب مُبيِن وآيات بينات، ولكن في آية واحدة قال بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۩، فأي الخلق أعلم بكتاب الله؟!
الرسول هو أعلم الخلق وأدرى الخلق بكتاب الله دون نقاش، ولذلك الذي ندين الله – تبارك وتعالى – به أنه إذا ثبت أن النبي قال شيئاً أو فعل شيئاً يتعلَّق بأمور الدين أصلاً وفرعاً فإنه يكون أخذ هذا عن كتاب الله، ومن ثم يكون هذا فهمه في الكتاب وليس إضافة إلى الكتاب ولا زيادة على الكتاب ولا مُشارَكة لمُنِزل الكتاب في التشريع وتقعيد أمور الدين، إنما استثمار من الكتاب وفهم في الكتاب، فإن جاز لمُعاصِر الآن أن يقول أنا استنبطت أعداد الصلوات وأعداد الركعات في كل صلاة من كتاب الله – وهذا شيئ عجيب وفتح كبير من الله عز وجل، فزاده الله وزادنا وإياكم من فضله – فكيف محمد يخفى عليه هذا؟!

هذا مستحيل، أما كيفية استنباطه لهذه الأمور فهو أمر يتعلَّق بطريقة رسول الله في هذا.
لذلك قبل أن أُفصِّل في المُراد أحب أن أُقدِّم الآن بمُقدَّمة: النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – نبي رسول، أليس كذلك ؟!
اتركوا التعريف المشهور الغالط للنبي والرسول الذي يتعلَّق بأن النبي هو رجل حر ذكر من بني آدم مُبرَّأ من أي عيب خُلقيٍ أو خَلقيٍ وأوحى إليه، فإن أُمر بتبليغ ما أوحى إليه فهو رسول وإن لم يُؤمَر فهو نبي، وهذا تعريف غالط مائة في المائة، لأن النبي يُؤمَر بالتبليغ والرسول أيضاً يُؤمَر بالتبليغ علماً بأن كتاب الله واضح في هذا ولذلك النبي يُرسل والرسول يُرسل – وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى ۩ – ولكن الفرق الدقيق والصحيح بين النبي والرسول أن الرسول يأتي بشرع مُستقِل، فكل رسول جاء بشرع مُستقِل هو رسول، وكل نبي أتى بشرع تابع يتبع فيه النبي الذي قبله هو نبي ولكنه يُبلِّغ  ويدعو ويأمر وقد يُقتَل ومن هنا قتل الأنبياء، فلو كان الأنبياء يجلسون في بيوتهم لا يُبلِّغون أكانوا يُقتَلون؟!

ولكن لماذا كانوا يُقتَلون؟!

لأنهم كانوا يأمرون وينهون ومن ثم طبعاً ينزعج الناس الكفّار منهم فيذبحونهم.

إذن هذا التعريف وهذا التفسير غالط وينبغى أن يُطرد من كتب العقائد، ولكننا نُدرِّسه في المدارس وفي الجامعات – وفي الجامعات الإسلامية الرسمية خصوصاً – إلى اليوم  وهذا أمرغالط مائة في المائة.

الأساس في الرسول ما هو إذن؟!

تبليغ الرسالة أصلاً وفرعاً، والرسالة طبعاً فيها عقائد – وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ ۩- فدائماً أهم شيئ هو العبادة والتوحيد مثل قوله  اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ ۩، فالتوحيد وما يتفرع منه هو الأصل طبعاً وهو مذكور في الكتب الآلهية، وهناك الفروع التي تتعلَّق بافعل ولا تفعل وبالحلال والحرام، وهذه هى آحاد وفروع الشرائع، إذن يُرسل النبي بكل هذا فما موقف الرسول الآن طبعاً بإزاء ما أُوحيَ إليه من شرع الله؟!

الموقف المُهِم والرئيس والأساسي والأصلي هو التبليغ، أي أن يُبلِّغ وأن يُؤدِّي ما أُمِرَ به، قال الله إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ ۩، فكأن الله يقول له أن مُهِمَته الأساسية ولا مُهِمَة له غيرها أصلاً هى أن يُبلِّغ ما أُنزِلَ – إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ  ۩ – كما هو دون أن ينتقص أو يزيد ، ومن هنا قال الله وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين  ۩ فممنوع الزيادة والنقصان، فضلاً طبعاً عن منع تبديل الآيات التي  قد لا تُعجِبهم فقال قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ۩، لأنهم لم يُعجِبهم القرآن فقالو ائت بقرآن  غير هذا أو بدِّله ،لأنه لا يروق لنا، لكن الرسول قال لهم أنه لا يستطيع أن يفعل هذا لأن مُهِمَته أصلاً هى أن يُبلِّغ ما أُنزِل كما هو، وهذا شيئ جميل جداً ولكن بعد أن يُبلِّغ ويُفرِغ ويُبرِء ذمته ،ما موقفه إزاء ما بلَّغ؟!

موقفه هو نفس موقفنا نحن إلا ما استُثنيَ على لسان النص المُنزَّل من لدن حكيم خبير، فإذا الله استثناه في بعض الأحكام يجوز له هذا، وهنا تبرز عظمة القرآن – علماً بأن  عندي كلام كثير وكلام لطيف جداً جداً لكن الوقت ضيق – الذي يطلعنا فعلاً على أن هذا الكلام الإلهي لا يُمكِن ولا يسوغ في عقل مُحترَم وذهن مُتماسِك إلا أن يكون من عند الله – تبارك وتعالى – حيث أن هناك في اتساق غير طبيعي في القرآن من أول إلى آخره، فالذي يأتي بالتشريع ويُبلِّغ ويُؤدي التشريع دائماً هو محمد الرسول فيُعنوَن له بعنوان الرسالة.

الآن موقف محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – إزاء الشرع الذي أداه وبلَّغه – كما قلت لكم – كموقفنا نحن على السواء باستثناء ما استُثنيَ فقط – وهذه قاعدة علينا أن ننتبه إليها – مثل أن يحل لنا الله – تبارك وتعالى – الزواج بأربع نساء حسب الفهم السائد في الآية ولكم شهادات أخرى في الآية ولكن الله أباح النبي أباح أكثر من هذا، فأباح له عدداً أكثر من هذا ثم حصره في ماذا؟!

فيما أباح له فصار محصوراً في المعدود، ونحن صرنا محصورين في العدد، أما هو فصار محصوراً في المعدود بحيث لو طلَّق إحداهن أو توفيت إحداهن لم يجز له أن يستبدل غيرها بها، قال الله  لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ۩.

حين يُبلِّغ التشريع – كما قلت لكم – دائماً يُعنوَن له بعنوان الرسالة، ولكن حين يُطبِّق التشريع كما نُطبِّقه نحن ويجتهد في التطبيق ويستفرغ فيه جهده فيُنزِّل على نفسه وعلى الناس وعلى واقع الناس يُعنوَن له دائماً بعنوان النبي، وهذا شيئ عجيب، قال الله  فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ۩، فحاله مثل حالنا لأنه مأمور بالاتباع – كما قلت لكم – في أكثر من آية، قال الله اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ  ۩ وقال أيضاً وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ ۩، ومن هنا قال الله له فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ۩، أي استقم كما أمرك الله وليس كما تريد وتشتهي، فممنوع أن تزيد وممنوع أن تنقص وممنوع أن تتقوَّل لأنك لست شريكاً مع الله في التشريع بل أنت مأمور،  ولذلك محمد هوعبد الله ورسوله وهذا الذي نبدأ به الخطبة فنشهد أنه عبد الله ورسوله، فهو نعم رسول ولكنه عبدٌ، فهو مأمور كما نحن مأمورون ومنهيٌ كما نحن منهيون، وقد أخبرنا – صَلَىَ الله عليه وآله وأصحابه وسَلَّمَ – أنه لو ضرب أمة له أو لأحد من أزواجه ظلماً بسواك لاقتص الله منه يوم القيامة فقال “لولا خشية القود يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك”،  وذلك لأنه عبد مأمور، فلا تعتقد تفكر أن معنى أنه رسول أنه يُنشيء شريعة ويفعل ما يريد فيُحِل ويُحرِّم، هذا غير صحيح بالمرة، فهو مثله مثلنا – عليه الصلاة وأفضل السلام – علماً بأنه أراد أن يرسي قواعد هذه العدالة ولكن هذا موضوع آخر ولكنه موضوع لطيف على كل حال.

قال أحدهم ” يا رسول الله إن لي عُبداناً – أي أنا عندي عبيد وإماء – يعصونني -أي يعصون أمري – ويكذبونني ويخونني فأضربهم،فما لي؟!

أفتني في حالتي، ما هو وضعي؟!

فهو رجل مُتأثِم، وهذا ما يدل على أن الصحابة كان لديهم في ضمير حي ربّاه القرآن وربّاه النبي، فرد عليه – عليه الصلاة وأفضل السلام – قائلاً “يُحسبُ ذلك فيوضع في الميزان – في كفة الميزان – ما عصوك – أي الأشياء التي عصوك فيها – وكذبوك وخانوك، وإيذاؤك لهم – ضربك لهم – أو إياهم يُوضَع في الكف، فإن تعادلا كان كفافاً فلا لك ولا عليك، وإن فضل لك – أي كان ما عصوك وآذوك وخانوك وكذبوك أكثر – كان فضلاً لك – ستأخذ حسنات – وإن فضل عليك – أي ما عصوك وكذبوك كان أقل وأنت ضربتهم أكثر – أُخِذَ لهم منك يوم القيامة”، ويبدو أن الرجل يعلم أنه يضرب كثيراً ويده “طرشة” كما يُقال، فجعل الرجل يهتف بالبكاء – أي يبكي لأن هذه الأمور تتعلَّق بالعدل فليس فيها لعب طبعاً- فالنبي قال ما له؟!

ألم يقرأ كتاب الله تبارك وتعالى؟!

 وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ۩، ومن هنا كان قول النبي “ما له؟!” أي هل هو لا يعلم هذه الحقيقة؟!

فنحن من المُفترَض أننا لا نلعب هنا كما نلعب الآن، فأنا أُشهد الله أننا نلعب – إلا ما رحم ربي – بالدين، ولكن النبي قال لا مجال للعب هنا، ألم يقرأ هذا الرجل كتاب الله؟!

فليس هناك فلسفة خاصة تتعلَّق بأنهم عبيد ومن ثم يُذبَحون، لا يُوجَد الكلام هذا أبداً، وعليكم أن تقولوا هذا لمَن يضرب أولاده وزوجته ولمَن هم في ملكه وولايته ولمن يظلم الناس ويسطو بهم، قولوا هذا واتلوا عليه هذا الحديث وذكرِّوه بالآية إن كان قد نسيَ أو غفل إن لم يقس – والعياذ بالله – قلبه، ولكن على كل حال هذا هو النبي القرآني – عليه الصلاة وأفضل السلام – الذي قالت عنه أم المؤمنين عائشة كان خلقه القرآن، هو رجل قرآني ومن ثم كل فلسفته وكل فهمه وكل علمه وأفعاله وسلوكه بل وكل شيئ فيه بشكل عام مأتاه ومصدره ومنبعه كتاب الله – تبارك وتعالى – الذي قال مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۩، فإذا أردت العلم فالعلم يتواجد هنا في كتاب الله وليس عن سقراط Socrates وأرسطو Aristotle، فهذا هو علم الدين.

على كل حال الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – مأمور أن يُطبِّق على نفسه وحين يذهب يُطبِّق على نفسه وعلى غيره قد يتجاوز عن حسن نية طبعاً وعن إرادة خير فقد يُخطيء، وهنا يأتي كتاب الله مُصحِّحاً ومُعاتِباً ولافتاً له، ولكنكم لن تجدوا آية واحدة في كتاب الله يعتب فيها الله على النبي بعنوان الرسالة وهذا شيئ عجيب، فما رأيكم؟!

لأن الرسول فقط مٌؤدّي ومُبلِّغ ومن ثم لا مجال للعتاب، ومن ثم نحن  لا نتحدَّث عن محمد الرسول الآن، ولكن عن محمد حين يذهب يُطبِّق الدين ويُنزِّل الدين ويُنفِّذ خُطة الدين الهدائية، ومن ثم قد يُخطيء أحياناً فيأتي العتاب بعنوان النبوة، قال الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ ۩، وانظروا إلى دقة القرآن فهذا شيئ يقشعر له الأبدان، ومن هنا أقول لإخواني وأحبابي وأبنائي الملاحدة والمُلحِدات الذين بدأوا يُلحِدون الآن اقرأوا القرآن على هذه الشاكلة، تأمَّلوا في هذا الكتاب العجيب، فهذا كتابٌ عجيب وأنا أُقسِم بالله على هذا، ولذلك محمد لم تُفلَق له صخرة وتخرج منها ناقة ولم ينزل له كبش وذبح عظيم من السماء ولم يُفلَق له البحر ولم يُبرئ الأكمه والأبرص أو يُحيي الموتى، بل أتانا بكتاب مُعجِز شاهد بإعجازه إلى يوم يرث الله الأرض ومَن عليها، لكن هذا لمَن فقه وتدبَّر وليس لمَن غبى وتغابى  وعمى وتعامى، فهذا كتاب عجيب يقول لك أن الرسول محمد مُبلِّغ ومن ثم لا مجال للعتب أصلاً، أما النبي محمد يقع في حقه العتب، ولذلك الآيات التي فيها عتب عليه بين آياتين، فهناك آية صُرِّح فيها بعنوان النبوة حيث قال يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ ۩ وقال الله أيضاً

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ۩، إذن قال النبي ولم يقل الرسول، وفي آيات سورة الأنفال قال مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩،  إذن قال النبي ولم يقل الرسول، فهذا الرجل يُطبِّق الدين هنا ومن ثم هو نبي، علماً بأن هذا ليس فقط معنى النبوة بل أن معنى النبوة أوسع من هذا ولكن فقط أردت أن أذكر هذه الجُزئية المنهجية في كتاب الله عز وجل.

ثم أن الله يقول وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۩، فمَن المُخاطَب هنا؟!

محمد، ولكن محمد مَن: الرسول  أو النبي؟!

محمد النبي، وأنتم فهمتم القاعدة التي أكَّدتها هذه الآية من سورة الأحزاب وهى الآية السابعة والثلاثون، وفي الآية الثامنة والثلاثين التي والتها – الآية التي جاءت على الولي منها مباشرةً – ماذا يقول الله؟!

يقول: مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۩

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر يا رب العالمين، ما هذا الكلام؟!

هذا هو القرآن المُتسِق الدقيق، فهو بمثابة منظومة عجيبة، ومن ثم قال مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ ۩، والآن قيسوا على هذا بقية الآيات التي تتعلَّق بهذا الموضوع، فاقرأوا آيات العتب والعتاب التي لم يُصرح فيها لا بعنوان نبوة ولا رسالة وستفهمون من السياق أن المعتوب عليه مَن؟!

محمد النبي وليس محمد الرسول.

الأعجب من هذا – حقيقةً أعجب منه – أنه حين يشرَع له فالمفروض أن يُشرَع له بعنوان الرسالة لأن هذا شرعٌ للأمة، لكنه حين يشرع له – بخصوصه – شريعة استثنائية فالأنسب هنا أن يشرع له بعنوان النبوة لأن هذا الشيئ خاص به، ومن هنا الله -والله أقشعر بدني من هذا الشيئ العجيب، اللهم زدنا من فضلك وافتح علينا فتوح العارفين وعرِّفنا بك وبكتابك – قال  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ۩ إلى أن قال في آخر الآية وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۩، إذن هذا تشريع شديد الخصوصية وبالتالي لا يأتي بعنوان الرسالة وإنما بعنوان النبوة، وهذا كلام جميل ودقيق، فإذا تبين هذا – علماً بأن كل هذه مُقدَّمات حتى الآن، ولكننا سنفضي الآن إلى النتيجة وسنمضي إليها سريعاً بخطوة واحدة – هل يسوغ إذن أن يكون للنبي أو يُعطى النبي أو تُخلع عليه صلوحية – أي صلاحية -أن يزيد على كتاب الله فيأتي بأحكام زائدة على كتاب الله ويُشرِّع إلى جانب شرع الله؟!

للأسف جماهير العلماء قالوا نعم، والعجب – ونحن سنحاكمهم إلى منطقهم الذي لم يلتزموه بشكل دقيق منهجياً إلى آخر الغاية والشوط – أنهم يقولون أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – وظيفته إلى جانب التبليغ أن يُبيِّن ولكنهم أخذوا التبيان والتبيين بالمعنى المأثور الذي عالجناه الآن وهو التفسير، ولكننا قلنا بالعكس القرآن يُفهمنا أن المقصود ببيانه تلاوته وعدم إخفائه لأنه مُبيَّن وبيّن  ومُبيِن وفيه بيّنات ومن ثم لا يحتاج إلى تفسير فهو واضح جداً، ولكن قد يقول لي أحدهم: وماذا عن قول الله وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۩ ؟!

الرد سهل جداً جداً، وهناك جوابان للرد عنه، الجواب الأول هو أن هذه الآية أصلاً ليست في أمور التشريع، فإذا قرأت السياق – ولابد أن يُقرأ القرآن سياقياً وقبيح بنا أن نجعل القرآن عضين فنقرأ آية ونغضي عن آية، نظهر آية ونخفي آية،  فهذا لا يجوز بل يجب علينا أن نقرأ القرآن كله، فنقرأ الآية في سياقها وسباقها ولحاقها وفي بيئتها – ستعلم أن هذه الآية من سورة الحشر تأتي ضمن سياق كله طويل كريم في موضوع تقسيم ما أفاء الله على نبيه فقال وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۩، ثم قال وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ – من هذا الفيء، من هذه الأموال، من عرض الدنيا وحطام الدنيا – فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۩، أي فلا تأخذوه واحفظوا أيديكم عنه، إذن هذه الآية ليست في أمور التشريع لأن النبي ليس له أن يُشرِّع فالنبي فقط يُبلِّغ التشريع لأنه ليس مُشرِّعاً، وعلى كل حال حتى لو قلنا  تعابطاً وتعسفاً أن الآية أتت في أمور التشريع دون أن نأخذها ضمن قراءة سياقية فإن الآية – وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ ۩ – لا تدل على أن هذا مما شرَّعه الرسول من لدن نفسه لأن الكتاب لم يدل على أنه يجوز للنبي أن يزيد وينقص في كتاب الله، بل الكتاب أكَّد على أنه ليس له إلا أن يُبلِّغ التشريع فلا يزيد ولا ينقص عليه،  ومن ثم المعنى يكون: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ – مما أوحى إليه – فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ – مما أوحى إليه – فَانْتَهُوا۩، هذا هو، فمن أين لكم أن هذه الآية دليل على أن النبي يزيد شيئاً من لدنه؟!

هذه الآية ليست دليلاً على هذا، وواضح أنها ليست واضحة بالمرة في الدلالة على الزيادة في شرع الله تبارك وتعالى.

لكن أنا لم أُكمِل فكرة مُهِمة ومن ثم سأذكرها حتى لا تضيع مني فكما قلت لكم في القلب شيئ، من أين عرفنا أعداد الصلوات والهيئات والكيفيات وقد قال النبي صلّوا كما رأيتموني أُصلّي؟!

نحن بفضل الله إلى اليوم سُنة وشيعة وإباضية ومُعتزِلة وخوارج نُصلي كما رأيناه يصلي، ولا تُحدِّثني عن كيفية وضع اليد بأن تُوضَع على بعضها أو تُرسَل لأن هذه كلها هيئات لا قيمة لها في الصلاة، فأهم شيئ فيها ما ذُكِرَ في كتاب الله وما تواطأت الأمة عليه، وكل الأمة تُصلى من قيام وكل الأمة تركع وكل الأمة تسجد سجدتين وتذكر الله في صلاتها ولا تتكلَّم بكلام الدنيا إلا أن يكون دعاءً مأذوناً به شرعاً، فهذه هى الصلاة التي اتفقت عليها الأمة – بفضل الله – كلها من عند آخرها – ولله الحمد والمنة – لأننا مأمورون باتباع النبي، علماً بأن ليس هناك في كتاب الله آية واحدة تقول أطيعوا النبي – ومَن يعرف هذه الآية فليأت بها – لكن الطاعة دائماً تكون للرسول، فلماذا؟!

كما قلنا لكم عنوان الرسالة يختص به محمد الرسول وليس محمد النبي، فمحمد النبي أنت تشركه في تطبيق الدين، ولكن على أي وجهة وبأي كيفية؟!

بالكيفية التي فهمها هو – عليه الصلاة وافضل السلام -، فالله – مثلاً – قال وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ۩ لكن كيفية أقيمها وأوقاتها وعدد ركعاتها وهيئاتها أمور يجب أن نتبع فيها محمداً لأن هذه هى أحسن طريقة لتأديتها، ولكن محمد من أين أخذ هذا؟!
هل محمد زاد هذا الفهم من عنده أم أخذه من كتاب الله؟!

أخذه من كتاب الله، حيث أن دقيق علمه ودقيق فهمه مسألة تخصه هو – عليه الصلاة وأفضل السلام – ومن ثم نحن الآن مأمورون باتباعه فيما فهم، ولكن المُشكِلة – كما قلت لكم – تكون إشكالية نسخ الكتاب – أستغفر الله – وهذه كلمة يقشعر لها بدن المُؤمِن – والله العظيم – لأن هناك مَن يقول لك “السُنة تنسخ الكتاب – أستغفر الله – لأن السُنة المُتواتِرة والمشهورة يجوز لها أن تنسخ الآيات، ولكي أزيدك يا سيدي غيظاً سأقول لك أن السُنة الآحاد عند  الجماهير إذا صحت – خبر واحد – تنسخ الكتاب” أستغفر الله العظيم، هذا غير صحيح، وطبعاً نحن طريقتنا معروفة وعتيدة فالقرآن لا ينسخ القرآن، لأن القرآن كله من أوله إلى آخره كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ۩، ومن ثم ليس في القرآن أي شيئ منسوخ أبداً، فالآيات المنسوخة – مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ۩ – هى المُعجِزات وليست الآيات القرآنية، أي هى آيات موسى وعيسى وما إلى هنالك، فهذه هى الآيات المنسوخة وليس كما يعتقد البعض أن هناك نسخ في الآيات القرآنية، واقرأوا القرآن وتدبَّروه ومن ثم سوف تعلمون أن النسخ في الآيات الكونية وليس في الآيات الشرعية المقولة المُنزَّلة على أطهر قلب – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – ولكن هذا موضوع آخر، فالله يقول وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ۩، وأي اختلاف أعظم من اختلاف يُوجِب إبطال الحكم؟!

حيث يُقال أن هذه الآية فيها حكم يتعارض بل حتى أحياناً يتناقض مع حكم هذه الآية ومن ثم ما من بد وما من مندوحة وما من مناص إلا أن نقول هذه آية مُحكَمة وهذه منسوخة، وبالتالي لم نعد نعمل بها، وهذا – أستغفر الله – غير صحيح، وقد قال تعالى  لَا يَأْتِيه الْبَاطِل مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفه ۩،وأي باطل أبطل من أن تبطل حكم الآية؟!

فما فائدة الآية إذن؟!

هل ستبقى الآية للتبرك إذن بالتلاوة؟!

على كل حال هذه قضية ثانية علماً بأننا فتحنا ملفاتها عدة مرات قبل ذلك، إذن القرآن كله مُحكَم وليس فيه منسوخ لأن هذه أسطورة، فلا مكان لأسطورة المنسوخ في كتاب الله، وهى أسطورة نبرأ إلى الله منها بفضل الله عز وجل،  وأجمل شيئ أنهم بعد تتطواف مُضنٍ ومُرهِق ومُثابِر في آيات الناسخ والمنسوخ قالوا أن هناك أربع أو خمس آيات فقط لا جواب عنهن ومن ثم لابد أن نصدع وأن نبخغ بأنهن منسوخات الأحكام طبعاً دون التلاوة، وقد أجبنا عن هاته الآيات الأربع أو الخمس – بفضل الله -وأثبتن أنهن آيات غير منسوخات، سأُعطيكم مثالاُ أصِلَه بموضوع الزيادة على الكتاب أو نسخ الكتاب – والعياذ بالله – وهو أن الله – تبارك وتعالى – في كتابه العزيز – مثلاً – يقول كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا – أي مالاً – الْوَصِيَّةُ – نائب فاعل، كُتِب الوصية – لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ۩ فظاهر هذه الآية – وهناك آية آخرى أيضاً بمعناها – أن الوصية للورثة أيضاً، فالوارث يرث وأيضاً يأخذ من الوصية وفقاً للآية القرآنية، ومع ذلك تجد مَن يرفض ويقول هذا منسوخ، فاختلفوا في النسخ ورأيهم الراجح هو أنه منسوخ بحديث شريف ادّعوا فيه أنه مشهور حيث قالوا أن النبي قال عام الفتح “إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث”، ولكن هل أجمعت الامة وأطبقت على هذا؟!

اللهم لا، فما رأيكم؟!

إخواننا الإباضية – وقد استحسنت رأيهم من سنين – لديهم إجتهاد يقولون فيه أن آية الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ۩ آية مُحكًمة غير منسوخة،  ولكن تُفسَّركيف؟!
تُفسَّر أنها مخصوصة فقط  بالوالدين والأقربين غير المسلمين، فهذا ينطبق على المسلم الذي أبوه وأمه أو أحد أبويه أو كلاهما مُشرِك، لأن ليس هناك هذا توارث مع اختلاف الدين فلا يجب أن يُحرَم المُشرِكون من مال أبنائهم ومن هنا سمح الله أن يكتب لهم الابن – مثلاً – من الوصية، فيُوصي لهم، وهذا كلام فيه نظر ولكنه مُمكِن،السادة الزيدية الناصرية والهادوية من إخواننا الزيدية وأيضاً إخواننا الإمامية الاثنى عشرية – أي الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية فضلاً عن الهادوية والناصرية لأن الزيدية فروع – ماذا قالوا؟!

قالوا أن آية الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ۩ هى قرآن لأنها كلام الله رب العالمين ولم يصح لدينا ما ينسخها ويرفعها ومن ثم نحن نقول بهذا – مسلمون هؤلاء ووصل عددهم الآن إلى مئات الملايين – لكن في حدود ماذا؟!

في حدود الثلث، فإن أوصى امرؤ مسلم طبعاً ذكراً كان أو أنثى للوالدين والأقربين في حدود الثلث جازت وأُجيزَت وصيته من غير استئذان الورثةـ وإن أوصى لهم فيما زاد على الثلث فهذه الوصية لا تُنفَّذ فيما زاد على الثلث إلا بإذن الورثة، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

أدركنا الوقت لعلنا نُكمِل بعد صلاة العصر لمَن شاء أن يكمل معنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

_________________________________________________________________________________

(تتمة الخُطبة)

قبل أن أُكمِل قضية الزيادة على كتاب الله وآية الميراث وحديث “لا وصية لوارث” خطر لي فقط أن أُشير إلى شيئ لطيف آخر، فما هو؟!

قد تجدون في بعض الآيات أن الله – تبارك وتعالى – يتوجَّه بأمر تشريعي أو بقضية تشريعية إلى محمد – عليه السلام – بعنوان النبي، فهذا يحدث أحياناً – أحياناً قليلة – ولكن أيضاً هنا يُوجَد إعجاز، فالله يقول يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۩، ومن ثم قد يقول لي أحدهم “هذا عكس كلامك، فالله يتحدَّث بعنوان النبوة الآن على الرغم من أن هذا تشريع عام”، ولكن – كما قلت لكم – هذه أُعجوبة القرآن الكريم،  فإذا وجدتم هذه المواضع – وهى مواضع يسيرة ويُمكِن أن يتقصاها المرء بسهولة فلعلها لا تُكِمل أصابع اليد الواحدة، علماً بأن هذه المواضع اليسيرة تقصيت بعضها – اليسيرة ستجدون دائماً فيها أنها ليست ابتداء لتشريع، بل هى تأكيد لتشريع سابق، يعني موضوع العدة هل شُرِّعَ الآن لأول مرة؟!

مُشرَّع بالتفصيل في السور الكبار مثل سورة البقرة وغيرها، وخاصة سورة البقرة التي تُسمى سورة الطلاق الكبرى أو سورة النساء الكبرى، فالله عندما يقول يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ۩ يكون هذا تأكيداً لتشريع وليس إنشاءً لتشريع فضلاً أن هذا القول يأتي على سبب،  مثل ما هذه الآية نزلت بسبب وهو أن أحد الصحابة طلَّق امرأته طلاقاً بدعياً فلم يُطلِّقها بالسُنة ولم يُطلِّقها كما أراد الله أن تُطلَّق فعتب الله عليه بهذه الآية وإن واجه النبي بها وقال له يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ۩ فكأن الله يقول للنبي أن الخطاب لك ولكن المراد أمتك، فهذا تأكيد لتشريع في مقام مُلاحَظة الخطأ في التطبيق، وهذا الشيئ  يدل – كما قلت لك – على أُعجوبة القرآن لأنه كتاب عجيب وفيه تناسق منهجي، وهذا سيكون جلياً لك لكن إذا أنت أدركت فقط هذه الروح المنهجية.

إذن هذا خطر لي لابد فكان لابد أن أقوله، ونعود إذن إلى حديث الوصية وآية الوصية – كما قلت لكم – التي يُمكِن أن نقول عنها أنها آية مُحكَمة وليست منسوخة، لأنه يكبُر في صدورنا جداً أن يُقال أن القرآن منسوخ سواء نسخه القرآن أو أن يقال نسخته السُنة فهذا أعظم وأفظع، لكن الصحيح هو أن القرآن كتاب غير مُختلِف ولا يأتيه الباطل ثم تبطل أحكامه فهذا لا يجوز، فإذن فلنقل في آية الوصية ما قاله إخواننا الإباضية وإخواننا الإمامية والزيدية الهادوية والناصرية، وهكذا في سائر الآيات التي قيل إنها منسوخة دائماً هناك توجيه وهناك اجتهاد لبعض مَن قال إنها ليست منسوخة، إذن سددنا هذا  الملف لأنه لا يجوز أن نقبل أن  يُقال أن النبي ينسخ القرآن بالسُنة، قرآنياً لا نقبل هذا علماً بأن هذا يحتاج إلى تفصيل، لكن هذا منهجنا الذي يرغب الناس دائماً في أن نُعرِب عنه، وهو منهج دقيق ولكن لا يُمكِن إيضاحه في مثل هذه الخُطب  لأن هذه الخُطب ليست بمثابة مُحاضَرات أصولية ولكننا فقط نعطيكم المعالم السريعة لهذه المنهجية، فهذه هى بعض المعالم ولكن الحديث يطول في التفاصيل.

ونعود إلى موضوع الزيادة على الكتاب، فهل يأتي النبي بزيادة؟!

لا يُمكِن لأن هذا سيكون مُتناقِضاً مع المُقدَّمات التي قدَّمتها والتمهيدات التي أسلفتها ومهَّدتها، وسيكون مُتناقِضاً مع تقرير الله – تبارك وتعالى – بذاته الشريفة العلية القدسية أن القرآن لم يُفرَّط فيه من شيئ وأنه جاء تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩ ومن ثم لا يُمكِن للنبي أن يأتي بتشريع زائد فضلاً عن تناقض هذا مع قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ۩، وهذا أيضاً يتناقض مع نهى النبي عن كتابة سُنته، ولكن قد يقول لي أحدهم: النبي إذا صح عنه – وهو صحيح – أنه نهى عن كتابة سُنته فكأنه أراد إذن أن يُحرِمنا تفاصيل العبادة، الصوم تقريباً لا يحتاج إلى شئ خارج القرآن الكريم ومن ثم أمره سهل ولكن كيف نُصِلي ونحج ونُؤدّي الزكاة مثلاً؟!

النبي لم يُرِد أن يحرمنا هذا، لأنه يعلم أن هذه السُنن عملية ورآها جمع من الناس،  فالنبي صلى بالناس أزيد من عشر سنين وفي اليوم الواحد خمس مرات في المدينة المُنوَّرة وفي غيرها من الأماكن طبعاً، فهذه سُنن عملية رآها الألوف والألوف والألوف وبالتالي لا تحتاج إلى أن تُكتَب وتُقيَّد، بل يتلقَّاها الناس جماعة عن جماعة وطبقة عن طبقة ومن ثم لا تضيع، وهذا الذي حصل فإلى اليوم عجائز المسلمين وشيوخ المسلمين من الأُميين والجهلة الذين لا يفكون الخط يُصلون صلاتنا هذه دون أن يختلفوا إلى كُتّاب أو مدرسة أو جامع أو جامعة لأنها سُنن عملية، وبالتالي النبي يعلم هذا ومن ثم تُتلقَّى عنه بهذه الطريقة، فالنبي يعلم أنها محفوظة وأنها لن تضيع على أمته، ولو كان يعلم أنها ستضيع لأمر بكتبها لكنه يعلم أنها لن تضيع على أمته وهم مأمورون بطاعته واتباعه، وعلى كل حال – كما قلت لكم – كل آيات القرآن الكريم الآمرة بطاعة محمد تُعنوَن له بالرسالة، فليس هناك ثمة آية تقول اطيعوا النبي، بل كل الآيات تقول “اطيعوا صاحب التشريع، ناقل التشريع، مُبلِّغ التشريع”، وهذا هو المطلوب أن يطاع فيه فعلاً، فهذا ملحظ أصولي في غاية الأهمية، ولكن قد يتساءل أحدهم فيقول: ماذا عن الزيادة وعن موقف الأصوليين؟!

باستثناء السادة الحنفية للأسف الشديد قَبِلَ جماهير العلماء الزيادة بالسُنة على الكتاب وهذا شيئ عجيب، على الرغم – كما قلنا – من أن موقف النبي بعد أن يُؤدِّي ويُبلِّغ التشريع – وهو مأمور أيضاً بتفعيله وتنفيذه – على طريقتهم هم في الفهم لا يزيد عن البيان، أي أن يُبيّن فقط، ولكن هل الزيادة من البيان؟!

ليست الزيادة من البيان، ولكن ما معنى البيان؟!

شيئ موجود – أصل – يحتاج إلى نوع تبيين فيأتي النبي ليُبيِّنه، فهل الزيادة بيان؟!

اللهم لا، نُشهِد الله أنها ليست بيان، فهم تمحَّلوا واعتلوا وقالوا “نعم، لأن الزيادة مقبولة وإن كانت بحديث الآحاد وليس حتى بالمُتواتر والمشهور لأنها بيان” وهذا كلام فارغ، لأن الزيادة ليست بياناً فالزيادة زيادة.

الآن أنت مَثّل في نفسك هذا المشهد: لو أن ملكاً مُسلَّطاً يُحِب أن يُطاع ولا يُتجاوز عن أمره ولا يُخالف عنه أعطى سكرتيره أو وزيره الأول أمراً أميرياً وقال له اذهب واتله على الناس وبيِّنه إن مست الحاجة، فذهب وزاد عليه وقال ” أنا أقول من عندي كذا وكذا”، فما هى النتيجة المُتوقَّعة؟!

سوف يسطو به الملك ويغضب غضبة شديدة عليه، وسيقول له “أنا قلت لك بيِّن ولم أقل لك زِد من عندك، أنت ليس عندك صلاحية أن تزيد”، ولكن قد يُدافِع عن نفسه بالقول “أنا فهمت أن الزيادة بيان”، فهل يسوغ له هذا التبرير؟!

فسيقول له الملك: على أي أساس الزيادة تعتبر بياناً؟!

ومن ثم هل النسخ – بالله عليكم – يُعتبَر بياناً؟!

لا يُعتبَر بياناً، ومع ذلك تجد مَن يقول لك “نعم يُعتبَر بياناً” وهذا شيئ عجيب جداً يدل على شدة التمحل حيث أجاز جماهير العلماء أن يُنسخ القرآن بالسُنة بل أجازوا أن يُنسَخ بالسُنة الآحاد – ولك أن تتخيَّل بالله عليك هذا –  وليس فقط بالمُتواتر والمشهور، فالآحاد الذي رواه واحد عن واحد عن واحد عندهم كالقرآن، فالروايات يُنسَخ بها كتاب الله المعصوم المُتواتِر وهذا شيئ فظيع، ومن هنا التبس علينا الدين واختلطت الأمور حيث قالوا لنا أن النسخ من أنواع البيان وهذا غير صحيح، بل أنتم الذين جعلتموه هكذا رغماً عنه، فالنسخ لا يعتبر بياناً لأن النسخ يعني الإبطال.

فمعنى أن النسخ يُعتبَر نوع من البيان عندهم أنه يحق لوزير أو سكرتير الملك أن يُمزِّق الأمر وأن يقول للناس ” الملك أعطاني أمراً سأتلوه عليكم ولكنه هذا لاغٍ، Cancelled” ، فماذا يفعل به الملك؟!

سيقول الملك له أنا أعطيتك صلاحية أن تُبيِّن فلا تقل لي “والله أنا فهمت أن النسخ نوع من البيان”، أي باطل هذا؟!

ومع ذلك تجد مَن يقولون لك الآن أنه بيان وأنت تُصدِّق هذا لأنك تدرس في الجامعات الشرعية المُختلِفة في السعودية وفي الأزهر وفي غير ذلك أن النسخ هو نوع من أنواع البيان، وأنت تهز رأسك لأن العلماء هم الذين قالوا هذا، وهذا غير صحيح وعليك أن تُعمِل عقلك، تجرَّأ على أن تستخدم عقلك، كن واضحاَ واعتبر كتاب الله، اجعل الحُجة أمامك كتاب الله، ومن ثم ستكون الآيات القرآنية هى الأضواء الهادية لك.

ونعود إلى الزيادة الآن، مثل ماذا الزيادة في القرآن الكريم؟!

الله يقول الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ  ۩، علماً بأننا لن ندخل في قضية الرجم حتى لا أُصدِّع رؤوسكم بها فضلاً عن أننا سبق وتكلَّمنا عن هاته القضية، لكن  لدينا حديث يُنسب إلى رسول الله – الله أدرى به -وهو موجود في الصحيح للأسف الشديد -هم صحَّحوه  – يُفيد بأن إذا كان الزاني غير محصن – مثل شاب غير محصن – نعم يُجلَد مائة جلدة ولكن يُغرَّب سنة، أي يُنفى إلى خارج البلد لمُدة سنة، فهل هذه زيادة أم ليست زيادة؟!

واضح أنها زيادة، لأن القرآن يقول أن حد الزاني وعقوبته مُحدَّدة وهى مائة جلدة، لكنهم يقولون أن النبي زاد على الجلد التغريب سنة، فقال بالجلد زائد – Plus – تغريب سنة لغير المُحصَن، علماً بأن هذا طبعاً في حق الذكر وليس الأنثى، وجاء السادة الحنفية – المذهب الحنفي – ورفضوا هذا قائلين ” لا نقبل الزيادة على كتاب الله بحديث الآحاد”، فلماذا يا سادة يا حنفية يا كرام؟!

وفعلاً هم كرام وإن قبلوها للأسف بالمشهور والمُتواتِر، لكن نحن لا نقبلها من حيث الأصل لا بهذا، ولكنهم رفضوا الزيادة بالحديث الآحاد حيث قالوا لأن القرآن قطعي الورود أما حديث الآحاد ظني الورود فطبيعة الآحاد ظنية ومن ثم لا يُوجَد آحاد قطعي، وبالمُناسَبة لو حدَّثك أحدهم عن حديث في البخاري ومسلم ولكنه آحاد وغير مُتواتِر فلا تقطع بصحته، فهذا يُظَن ويُترجَّح أنه صحيح عند العلماء ولكن دون القطع بهذا، لأن هذا آحاد والآحاد يُفيد الظن في الورود والثبوت وليس حتى في الدلالة، ومن هنا قال الأحناف أن القرآن طبعاً من حيث الثبوت كله قطعي – ولا نشك في هذا ولو في آية واحدة – لكن في الدلالات منه ما هو قطعي ومنه ما هو مظنون أو ظني – وهذا شيئ جميل – لكن هذا الحديث ظني الورود والثبوت، فكيف يُزاد به حكم جديد على ما في كتاب الله القطعي، فضلاً عن أن حد الزنا هنا في هذه الآية قطعي الورود وقطعي لأن الله قال الزَّانِيَةُ وَالزَّانِيۖ هذا عموم – فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۩، وهذا الشيئ واضح جداً ومع الحنفية للأسف وافقوا غيرهم في قضية الرجم وقالوا أن أحاديث الرجم مشهورة أو مُتواتِرة، ويعلم الله أنها لا مُتواتِرة ولا ما يحزنون لكن هم زعموا هذا فلذلك زادوا بها وتخصصوا، وسوف نأتي إلى إشكالية التخصيص بعد قليل في موضوع التغريب.

من الأمثلة على موضوع الزيادات أيضا أن الله يقول  وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ –  نصاب الشهادة في الإجمال وفي العموم وفي مثل هذه المعاملات المالية – فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ۩ إلى آخره في سورة البقرة، فواضح إذن نصاب الشهادة رجلان أو رجل وامرأتان، ولكنهم قالوا لك أنه صح عن رسول الله من طريق ابن عباس ومن طريق جابر بن عبد الله ومن طريق عليّ – عليه السلام – ومن طريق غيرهم أنه قضى بشهادة واحد ويمين صاحب الحق، وهذه القضية تُسمى بالقضاء بشاهد ويمين، أي يمين صاحب الحق وهو المُدعي وليس المُدعَى عليه الذي يحلف ويأتي بشاهد ومن ثم نقضي له، ولكن الأصل أنه يأتي بشاهدين وليس بشاهد واحد، فيجب على صاحب الدعوى – رافع الدعوى – أن يأتي بشاهدين وفقاً لما قاله القرآن، ومع ذلك هم قالوا نقبل بشاهدين ونقبل بشاهد ويمين ومن ثم هى زيادة وليست نسخاً لأنهم اقرأوا ما في كتاب الله وقبلوه ولكن زائد الشهادة – Plus – بشاهدين هناك شهادة بشاهد واحد ويمين صاحب الحق، ولكن هناك طبعاً فرق كبير وهائل بين المقامين، فهناك فرق بين أن يأتي صاحب الدعوى بشهود اثنين عدول يتقون الله – وواضح إنهم عدول، عدَّلنهم – فيترجَّح الأمر وبين أن يأتي بشاهد واحد فقط ويمينه، فمن أين لنا أن نعلم مدى عدالته ومدى خوفه من الله وهى قضيته؟!

وهناك مثل شعبي يقول “قالوا للكذّاب احلف قال جاء الفرج” لأن معظم الناس قد يحلف ويتجوَّر ويُصبِح كالأعمى عن ملاحظة الوقائع عندما يتعلَّق الأمر بمصلحته، فيرى نفسه على الحق بنسبة مائة في المائة ومن ثم يحلف بالله على هذا، إذن هناك فرق كبير بين موضوع شاهدين وشاهد ويمين صاحب الحق، لأن الشهادة الأولى ستكون أوثق بكثير.

ربيعة الرأي بن عبد الرحمن وتلميذه الإمام مالك وسائر الحجازين قبلوا بهذا وقضوا به، فقال الحجازيون يجوز بشادة شاهدين ويجوز أيضاً بشاهد ويمين صاحب الحق، أما الكوفيون وفي رأسهم الإمام أبو حنيفة وأتباعه قالوا لا نأخذ بشاهد ويمين لأن هذه زيادة على كتاب الله والزيادة على كتاب الله القطعي بحديث ظني غير مقبولة لدينا.

وهناك أيضاً مَن يدّعي الزيادة على كتاب الله حتى بالمشهور، ولكن قد يسألني أحدكم ما هو المشهور أصلاً؟!

المشهور من أٌقسام الآحاد عند جماهير العلماء، أما عند الحنفية فالتقسيم ثلاثي – آحاد ومشهور ومُتواتِر – ومن ثم هو ليس من أقسام الآحاد عند الحنفية بل هو اصطلاح خاص بهم، ولكن العلماء يُعرِّفون المشهور بأنه هو الذي بدأ آحادياً في الطبقة الأولى – أي في القرن أو الجيل – ثم تواتر في القرن أو الطبقة الثانية والثالثة، فهذا إسمه المشهور لكن أصله آحادي، علماً بأنهم قالوا أن هذا لا يُوجِب علماً قطعياً كالمُتواتِر ولكنه يُوجِب علماً أرجح من الذي يفيده الحديث الظني الآحادي، أي أنه يعطي طمأنينة لأنهم للأسف أجروه مجرى المُتواتِر ومن ثم قالوا يُنسخ به القرآن، فحتى الأحناف قالوا بالمشهور ننسخ القرآن كالمُتواتِر وأيضاً نزيد به على الكتاب، وهذا شيئ عجيب!

الدرس الذي أُريد أن أقوله الآن هو أننا علينا أن نُعيد النظر أيضاً في موضوع الزيادة في التشريع على الكتاب بما يُدعى أنه مُتواتِر ومشهور، فالقضية ليست تتعلَّق بفكرة المُتواتِر والمشهور ولكن القضية هى هل يُزاد قرانياً على كتاب الله؟!

هل كتاب الله فيه نقص تشريعي يقبل الزيادة والتكميل، أم أن أنه كتاب كامل ولا يقبل الزيادة؟!

أكثر ما يمكن أن يقبله كتاب الله هو أن يُبيَّن بطريقة البيان التي يفهمونها هم وليس بالطريقة التي رفضناها نحن التي تتعلَّق بالنسخ والزيادة، ولكن يُبيَّن – مثلاً –  بالتخصيص والتقييد وإيضاح الشيئ الغامض وتفصيل الأشياء، ونحن نُؤمَر الآن بأن نتبع الرسول في فهمه للكتاب وطاعته، ومن هنا نُرحِّب به فأهلاً وسهلاً ولكن هذا من الأشياء التي تحتاج إلى تأمل وإلى بحث طويل واجتهاد.

أختم الآن بالمسألة الآخيرة وهى مسألة تخصيص القرآن الكريم علماً بأن هذه مسألة خلافية فحتى التخصيص وقع فيه الخلاف، يقول الله – تبارك وتعالى – في المُحرَّمات في النساء في سورة النساء وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ ۩،علماً بأن (مَا) من ألفاظ العموم، وألفاظ العموم هى ألفاظ تستغرق وتستوعب أفراداً غير محصورين على سبيل الاستغراق، مثل أن يُقال “المؤمنون” فيدخل فيها كل مُؤمِن، ومن ثم لا يُمكِن حصر العدد الداخل تحت هذه اللفظة وتحت أمثالها من ألفاظ “الرجال، النساء، المسلمون، القوم”، والله – مثلاً – يقول مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ۩ ويقول أيضاً وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ۩، علماً بأن (مَا) من ألفاظ العموم أيضاً،  ومن ثم الآية تعم أي شيئ تنفقه فليس لها علاقة بالذهب أو الفضة – مثلاً – بل تعم كل شيئ تنفقه لذلك قال الله وَمَا أَنفَقْتُم ۩، لأن ما ومَن والذي والتي والذين من ألفاظ العموم، وهذا مبحث معروف جداً في اللغة وفي الأصول، ومن هنا الله حرَّم أمور مُحدَّدة ثم قال  وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ۩ و(مَا) من ألفاظ العموم، ولكن وفقاً لكتاب الله هل أستطيع أن أتزوَّج المرأة مع اختها؟!
لا يجوز، لأن الله قال وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ – الله قال ممنوع حيث حرَّم أمور عدة من ضمنها الجمع بين الأختين – إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۩، أي لو حدث هذا في الجاهلية سيغفر الله هذا، لكن لو الآن في الإسلام شخص من مسلمي الجاهلية وعنده أختين  يجب عليه أن يُفرِّق بينهما فيبقى مُتزوِّجاً بواحدة فقط.

ولكن ماذا عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها في كتاب الله؟!

لا يُوجَد شيئ عن هذا في كتاب الله، وطبعاً هناك قاعدة شرحناها في دروس الأحوال الشخصية، ولكن على كل حال قالوا لك كتاب الله واضح جداً في تحليل ما وراء المذكور من المُحرَّمات بطريقة واضحة عامة حيث استعمل لفظ عام وهو(ما)، لكن السؤال  السؤال الآن دلالة العام قطعية أم ظنية؟!

أي أن العام حين يستغرق كل  أفراده غير المحصورين هل يستغرقهم على سبيل القطع أم على سبيل الظن؟!

حدث اختلاف هنا، فجماهير الأصوليين – يعني الشافعية والمالكية والحنابلة وحتى الظاهرية – يقولون أن دلالة العام ظنية قبل أن يدخله أي تخصيص، وعندهم قاعدة تقول ما مِن عام تقريباً إلا خُصِّص، ولذلك دلالته ظنية، ولكنهم عادوا وتناقضوا حين قالوا أن حتى  قاعدة ما مِن عام – وهي فيها عموم – إلا خُصِّص دخلها التخصيص بقوله تعالى وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩ وبقوله – مثلاً – أيضاً عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، فهل يُوجَد شيئ يجهله الله؟!

ولكن هذا الكلام غلط بصراحة ومن ثم قاعدة ما مِن عام إلا خُصِّص غير صحيح لأن هناك عمومات لم يدخلها التخصيص، وبالتالي هم تناقضوا فبعد أن قالوا هذه القاعدة – ما مِن عام إلا خُصِّص – لكي يُأكِّدوا – وعندهم أدلة ثانية طبعاً – أن دلالة العام ظنية من حيث الأصل ليست قطعية قالواحتى هذه القاعدة خُصِّصت بقول الله كذا كذا، وهذا يعني أن القاعدة غلط، فأحياناً يُوجَد خلل منهجي في الاستدلالات عند العلماء فتجد علماء كبار ولكن عندهم نوع من العبث في الاستدلال وهذا لا يصح، أما السادة الحنفية قالوا دلالة العام قطعية – ومن هنا وقع الخلاف – وليست ظنية، إن قُصِر هذا العام على بعض أفراده أو أخرجنا منه – مثل التخصيص – بعض أفراده بغير مُستقِل مثل الوصف ومثل الاستثناء – هذا غير مُستقِل – يبقى قطعياً، أي يظل قطعياً وإن أُخرج منه بعض الأفراد لكن بغير مُستقِل كوصفٍ واستثناء، ولكن ماذا إن قُصِر على بعض أفراده – علماً بأن هذا القصر يسمونه التخصيص – بالعقل؟!

الله- مثلاً – قال اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۩، فهل الله شيئ أم ليس شيئاً؟!
الله شيئ، ولكنه طبعاً شيئ لا كالأشياء، فهو القائل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ  ۩ وهو القائل أيضاً قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۩، فهو لم يقل “أي أحد ” وإنما قال أَيُّ شَيْءٍ۩، أي أنه تحدَّث بعنوان الشيئ في آية سورة الأنعام – أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۩ – فهو بنص كتاب الله أو بظاهر كتاب الله  شيئ لكن لا كالأشياء، فهل عندما يقول الله اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۩ يعني أن الله هو الذي خلق نفسه أيضاً ضمن الأشياء التي خلقها؟!

لا يعني هذا طبعاً وإلا دخلنا في التناقض لأن الخالق سيُصبِح مخلوقاً، وهذا شيئ مستحيل يأباه العقل، فهنا آية اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۩ فعلاً تُؤخَذ على عمومها ولكن باستثناء الذات المقدسة – لا إله إلا هو – لأن الله لم يخلق نفسه ومن ثم تم استثناء الله، إذن من أين أتى هذا التخصيص؟!

بالعقل، بالقواعد العقلية، فالعقل يعلم هذا وإلا وقعنا في التناقض، ومن هنا الحنفية قالوا العام قطعي الدلالة في اشتماله على كل الأفراد غير المحصورين على سبيل الشمول والاستغراق وحتى ما تم قصره على بعض أفراده أو أُخرج منه بعض أفراده بدليل غير مُستقِل كالوصف والاستثناء أو بدليل العقل يبقى العام قطعياً.

نأتي الآن إلى التخصيص، فلو ثبت لدينا أن هذا العام دخله تخصيص ماذا ستكون دلالة العام على باقي أفراده؟!

أي أننا الآن خصَّصنا هذا العام وأخرجنا منه – مثلاً – الفئة الفلانية أو الأفراد الفلانيين فهو يبقى الآن عاماً فيما سوى ما أُخرِجَ فهل دلالته الآن قطعية أم ظنية؟!

الآن أصبحت ظنية عند الكل، عند الحنفية كما المالكية والشافعية.

عند جماهير العلماء دلالة العام قبل التخصيص وبعد التخصيص ظنية، عند الحنفية دلالة العام قبل التخصيص قطعية وبعد التخصيص ظنية، وهذا ينبني عليه مسائل كبيرة وإشكالات عجيبة جداً، ولكن كيف يُعرِّف السادة الحنفية التخصيص؟!

قالوا لك التخصيص – علماً بأنني شرحت هذا مرة أنا  – هو إخراج بعض الأفراد أو قصر العام على بعض أفراده بمُخصِّص مُستقِل مُقارِن، أما إن تراخى فيصبح نسخاً لا تخصيصاً، علماً بأن هناك مَن خالف في هذا مثل المالكية والشافعية بالذات حيث قالوا ليس شرطاً أن يكون مُقارِن فيمكن أن يتراخى لكن – وافقوا هنا في جُزئية صغيرة – ممنوع أن يتراخى ويتأجل عن وقت العمل – أي عن وقت الحاجة – لعموم قاعدة (امتناع تأخير البيان عن وقت العمل) فالبيان لا يتأخر عن وقت العمل.

هذه كانت مُقدَّمة سريعة ومن ثم سنأتي الآن إذن إلى هذه الآية الكريمة – مثلاً – فالله بيقول وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ۩إلى آخره، إذن هذا عام وقطعي عند الحنفية وظني عند الجمهور، ولكن هل يُمكِن أن نُخصِّص هذا العام بقول الرسول لا تُنكِحوا المرأة على عمتها – وفي روايات لا تُنكَح المرأة على عمتها – ولا على خالتها فإنكم إن فعلتم ذلك قطَّعتم أرحامكم؟!

ستقول لي: هذا الهدي وهذا التوجيه مقبول بالعقل أو غير مقبول؟!

بالعقل وحده اللهم إنه مقبول، فعلاً كأن هناك رائحة قياس، كأنه النبي قاس على ماذا؟!

كأن النبي قاس على آية وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ۩ لأنك حين تجمع بين أُختين – سبحان الله – من رحم واحدة كأنك الآن تُطرِّق طريقاً لنشوب البغضاء والعداوة بينهما على الرغم منهما، ولك أن تتخيَّل أن الأخت تُصبِح ضرة أختها ومن ثم سوف تكرهها بتكرهها، فأنت تقطع بهذه الزيجة أرحام أختين، ولنفس الحكمة قال لك أن هذه الحالة تنطبق على الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها لأنك ستتسبَّب في تقطيع الأرحام أيضاً هنا، فهناك نوع من المعقولية وفقاً للعقل وبعيداً حتى عن الموضوع الشرعي، ولكن سنأتي إلى القواعد، فهل يجوز عند السادة الحنفية تخصيص هذه الآية القرآنية بهذا الحديث؟!

لا ينبغي أن يحدث هذا لأن الآية قطعية والحديث ظني لكنهم فعلوا، الحنفية وبقية أهل السُنة والجماعة والشيعة أيضاً قالوا ممنوع أن تتزوج المرأة على عمتها أو خالتها، فحرَّموا هذا حيث أن الحنفية زعموا فيه أنه مشهور وقالوا “هذا الحديث مشهور وليس من الأحاديث الآحاد، ونحن نُجري المشهور مجرى المُتواتِر فننسخ به حتى الكتاب ونزيد به عليه ونُخصِّص به العموم”، إذن هى القضية في التطبيق فقط  لكن القاعدة عندهم سليمة.

أما الخوارج فطوائف منهم الخوارج قالوا أن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها يجوز شرعاً لأن نص كتاب الله يقول وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا ۩

أما هذه الأحاديث فهى أحاديث ظنية، فالظني لا يمكن أن يستقل بتخصيص هذه الآية القطعية.

وهناك أشياء كثيرة لكن هذا يعطيكم نبذة عامة فقط عن موضوعنا الهام العتيد وهو موقف النبي من القرآن، موقف النبي من الشرع، موقف النبي التشريعي وما هى صلوحيات النبي التشريعية، وهذا يحتاج إلى طبعاً دراسات وتحقيقات فيجب على الأمة أن تُعيد النظر في هذا في الجامعات وفي غيرها وأن يكون هناك رسائل ومُؤتمَرات لمناقشة مثل هذه الموضوعات، فمن الضروري أن نضبط هذا ضبطاً جيداً بشكل منهجي بحيث نُقلِّل ما أُعطيَ للأحاديث والأخبار والأثار من مساحة تشريعية جورنا بها على مبدأ الإباحة الأصلية وهو من أعظم ما تتميز به هذه الشريعة الحنيفية السمحة الخاتمة فالله – عز وجل – جعل لنا وخلق لنا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا۩، فالمبدأ هذا هام وإسمه مبدأ البراءة الأصلية، لأن كل شيئ الأصل فيه الإباحة إلا ما ثبت بدليل شرعي، والله قال إن قضية التحريم لا تأتي عن هوى وهو ما أكَّدته الآية الكريمة وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ ۩

فلا ينبغي أن تُحرِّم وتُحلِّل إلا بدليل، وهذه هى الطريقة التي يتبعها ابن عباس – مثلاً – علماً بأنني ألمحت إليها مرة في خُطبة قريبة من هذه الخطبة، فابن عباس عندما كان يُسأل عن الحُمر الأهلية بعد أن حرَّمها النبي في خيبر كان يقول عنها أنها حلال ويُبيح للناس أن يتناولها، وكذلك عائشة وابن عمر، فالثلاثة – ابن عمر وابن عباس وعائشة عليهم الرضوان والرحمة – قالوا بهذا لأن الله – تبارك وتعالى – قال قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ۩

وعندما يقول الله لمحمد آية بصيغة قُل فإنها تُفيد أن الرسول محمد مُبلِّغ ومُؤدٍ وليس مُنشئاً للتشريع فلا يُمكِن أن يُشرِّع من لدنه، ومن هنا قال الله له  قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ ۩ لأن سبيل التشريع هو الوحي، لكن لا تقل أن آية إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ۩فمَن قال لك أن المقصود بقوله إِنْ هُوَ ۩ هو النبي؟!

المقصود بقوله إِنْ هُوَ۩ هو القرآن، واقرأ أنت السورة وستعلم أن الكلام كله عن القرآن الكريم، إِنْ هُوَ – أي القرآن – إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ۩، فالقرآن وحي يُوحى وليس محمداً هو الذي وحي يُوحى، وليس كلام محمد هو الذي وحي يُوحى، وإلا يكون هذا الكلام كذب على كتاب الله، على كل حال النبي يتلقَّى الوحي ويحكم به ويُحرِّم ويُحلِّل به، فهو مأمور مثلنا مثله – عليه الصلاة والسلام – وإن كان له مزايا طبعاً الرسالة والتبليغ والأداء.

الله يقول في الآية الخامسة والأربعين بعد المائة من سورة الأنعام قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، ومن هنا قد يقول أحدهم: ولكن النبي حرَّم كل ذي مخلب من سباع الوحش والطير، فما هذه المُصيبة؟!

بلا مخلب بلا خلّاب، القرآن قال لَا أَجِدُ ۩، ومن هنا كانت تُسأل عائشة – عليها الرضوان والرحمة – عن السباع فتقول حلال، كأن تأكل فهد أو نمر أو ضبع، اذبح وكُل ما تشاء، لأن الله – تعالى – قال قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ۩.

عمرو بن دينار يقول سألت أحدهم- قد يكون عمر بن ذر لكن لست مُستيقناً الآن  – عن الحُمر الأهلية – Donkeys, Esel – فقال كان الحكم بن عمرو الغفاري يمنعه ويقول نهى عنه رسول الله في خيبر وكان الحبر بن عباس يأبى ذلك ويتلو قول الله تعالى قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ۩ومن ثم يقول أن الحُمر حلال أكلها، وحين سألوا ابن عباس عن معرفته بأن النبي نهى عنها في خيبر قال أنه يعرف هذا ولكنه يرى أنه نهى عنها – هذا صحابي وليس أبا حنيفة أو الشافعي أو أي فقيه أو عالم اليوم –  لأنها كانت ركوبة الناس فلو ذبحوها كلها في خيبر لن يستطيعوا الرجوع، علماً بأن مُعظَم الركوبة لم تكن نوقاً أو إبلاً أو حتى أفراساً وخيولاً وإنما كانت حميراً، ومن هنا رأى ابن عباس أن النبي نهى عنها وأمرهم بإهراق القدور وهى تفور بلحومها فقط لأنها كانت الركوبة، أما القاعدة فهى في الآية التي تقول  لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ۩، علماً بأن هذه الآيات من سورة الأنعام وسورة الأنعام مكية قولاً واحداًولكن قيل فيها آيات مدنيات كآيات الوصايا العشر قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ ۩وإلى آخره فقال ابن عبد البر أنهم أجمعوا على أن الأنعام مكية باستثناء هذه الآيات الثلاث قالوا أنها آيات مدنية، أبو بكر بن عربي المالكي  قال آية قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ ۩آية مدنية بل هى من آخر ما نزل وهى غير منسوخة، ولذلك نرى خلافاً في مذهب الإمام مالك فإذا قرأت الموطأ ستجد أن الإمام مالك يقول بحرمة الحُمر الأهلية والسباع والأشياء الثابتة في الأحاديث أما إذا رجعت إلى المُدوَنة لن تجده يقول بحرمتها ولكن بكراهتها فيتنزَّه عنها لأن فيها شُبهة، إذن هناك قولان للإمام مالك، والبغداديون من المالكية – أهل بغداد – ولكنهم قالوا أنها  حلال ولا شيئ فيها لأن الله – تبارك وتعالى – قال قُلْ لَا أَجِدُ  ۩، وطبعاً الشافعية قالوا حرام لأن هناك أحاديث تُؤكِّد الحرمانية على الرغم من أن هناك صيغة حصر في الآية لأنها تقول قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا ۩، حيث استعمل لا وإلا لحصر المُحرَّمات، لكن ابن عبد البر قال  يلزم مَن حصر المُحرَّمات في هذه الأربع المذكورات أن يقول بحل الخمر التي أجمعت الأم على تحريمها فضلاً عن أنه يلزمه القول بحل متروك التسمية رغم أن الله – تبارك وتعالى – قال وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۩حيث أن مِمَّا ۩ تعني (من ما) فهى تعم أي شيئ لم يذكر عليه إسم الله فيُصبِح ممنوعاً تناوله تأكل منه، ولكن أنا هجيب عن هذا الآن بجواب خاص بي لأني لم أقرأه لأحد من قبل فإن أصبت فمن الله وإن اخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، لكن قبل هذا أحب أن أتساءل على ذكر آية وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۩ عن حكم الذبيحة – مثل دجاجة أو ناقة – التي يذبحها المسلم ولكنه لم يذكر إسم الله عليها كأن يكون نسيَ مثلاً أوغير ذلك، بالنسبة للجمهور وهم الشافعية والمالكية والحنابلة قالوا هناك حديث يقول المُؤمِن أو المُسلِم يذبح على إسم الله ذكر أو نسيَ مع أن الآية تقول الذبيحة التي لم يُذكَر عليها إسم الله مُحرَّمة، ولذلك جمهور العلماء قالوا تُؤكَل إذا المسلم ترك التسمية عمداً أو سهواً، كأنهم أقاموا الملة – أنه من أهل الملة – مقام الذِكر، فيقول العلماء لأنه مُسلِم مُوحِّد فهذا يُغني عن ذكر إسم المُوحَّد – لا إله إلا هو – على الذبيحة، أما الحنفية رفضوا هذا وقالوا نأخذ بعموم الآية فلا تُؤكَل ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية عمداً أما الذي تركها سهواً فتُؤكَل ولهم في ذلك تعليلات لكنها ليست موضوعنا الحالي.

أُريد الآن أن أُجيب عن ابن عبد البر وسوف نستفيد شيئاً جديداً، أولاً من المُمكِن أن يُناقش في أن آية الأنعام وردت في المأكولات لا في المشروبات لأن الأصل في الطعام أنه يكون فيما يُؤكَل لا فيما يُشرب وإن جاز أن يُقال طًعِمَ الماء فالشاعر يقول “واستطعم الماء لماجد في الهرب” فضلاً عن أن الله – تبارك وتعالى – يقول عن ماء النهر في سورة البقرة إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ۩، لكن هناك مَن قال أن هذا على سبيل المجاز، والذي يُؤكِّد المجازية هنا أن النبي حين أراد أن يذكر لماء زمزم مزية ليست في سائر المياه أو الأمواه قال”طعامه طُعُم” وإلا لا يُوجَد في الماء العادي أي طعام لأنك حين تشرب الماء تبقى جائعاً، فأنت تُريد أن تأكل الخبز واللحم وما إلى هنالك لكي تشبع، فالله قال وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي۩ لشدة حرصهم على الماء لشدة ما بلغ بهم من حرارة العطش كما يصيب الجائع من شدة الجوع والمخمصة، فهذا مجاز لأن آية الأنعام تتحدث عن المأكولات لا عن المشروبات، إذن الخمر يبقى محرماً ولا يتعارض مع الآية، ولكن تبقى المسألة الثانية التي ذكرها ابن عبد البر وهى مسألة متروك التسمية المنصوص عليه في كتاب الله حيث يُمنَع أن تأكل من متروك التسمية، فهذا حرام ولكنه غير مذكور في آية الأنعام، وجوابي عن هذا – وبإذن الله يكون له نصيب من الصحة – يتعلَّق بوجود فرق كبير جداً بين موضوع متروك التسمية وبين موضوع المحرمات المذكورة، فالمُحرَّمات الأربع المذكورة – إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۩– تُحرَّم لذاتها، فلا يُمكِن أن تأتي إلى ميتة تُسمي عليها ثم تأكلها لأنها مُحرَّمة لذاتها لأنها مُحرَّمة تماماً من حيث هى، لكن متروك التسمية من حيث هو ليس مُحرَّماً كالخروف أو الجدي أو البقرة أو أي شيئ يُؤكَل فهو في الأصل حلال ولكن عرض له التحريم لعارض وهذا العارض أوقفتكم الآن على الاختلاف الذي وقع فيه فبعضهم قال يجوز أن تُؤكَل سواء تُرِكَ عليها التسمية عمداً أو سهواً وذلك وفقاً لرأي الجماهير خلافاً للسادة الحنفية، إذن هناك فرق كبير بين آية متروك التسمية وبين آية  قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا  ۩ فضلاً عن أنكم إن استضعفتم هذا ولم تستثمنوه ولم ترضوا به يمكن أن تقولوا أن آية قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ۩ آية صحيحة مائة في المائة طبعاً بناءً على أن الله – تبارك وتعالى – يتقصى المُحرَّمات إلى وقته، أي أن إلى الوقت الذي أُمِرَ فيه النبي أن يقول هذا فعلاً لم يكن مُحرَّماً إلا هذه المُحرَّمات الأربع، فإن أردت أن تضيف إليها حُرمة متروك التسمية زائد حُرمة الخمور على أنها حُرمت بعد ذلك – وحري أن تكون حُرِّمَت بعد ذلك وليس قبله لأن الله يقول قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ ۩ فاستخدم صيغة حصر بلا وإلا – سيبقى السؤال مَن الذي حرَّم: الله أم الرسول؟!

الله هو الذي حرَّم، ومن حق الله أن يُحرِّم اليوم أشياء ويضيف إليها غداَ شيئين زائدين أو ثلاثة أو أربعة أو ما يشاء فلا مُشكِلة في هذا ومن ثم نحن مع هذا وإن كان ليس موضوعنا وإنما كان موضوعنا حول سائغية أن يأتي النبي بمُحرَّمات وتشريعات بشكل عام زائدة على ما في الكتاب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

(انتهت الخُطبة والتتمة بحمد الله)

فيينا (3/1/2015)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: