إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في  كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:

وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۩ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ ۩ وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ۩ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ۩ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ۩ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ۩ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ۩ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ۩ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ۩ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ ۩ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ۩ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

خطاب اليوم خطابٌ للعُقلاء لا للمجانين بقصدِ وعلى أمل أن لا يقع العُقلاءُ ضحايا للمجانين فيستغوونهم ويضلونهم ويجتاحونهم عن مُقتضى العقل والعدل، فما مِن ظاهرة تبلغ إلى المدى الذي تُوصَف معه بالجنون إلا ويكون الجنون مُؤسِساً لها، وأحسب أن هذه قاعدة أو ينبغي أن تُقعَد كقاعدة، فمثلاً الحروب المُدمِّرة كالحربين العالميتين ظاهرة مجنونة بلا شك حيث ذهب ضحيتها عشرات ملايين البشر وتداعت عشرات المدن ودُمِّرَت وسُوِّيَ بعضها بالأرض فضلاً عن ملايين العذابات والمرائر والنتائج القاسية التي لا يزال بعضها يُلقي بظلاله على أناسٍ كثيرين وعلى طرائق تفكيرهم إلى يومنا هذا، فبلا شك هذه ظاهرة مجنونة وتقريباً مُعظم الحروب إلا أن تكون حروباً حقاً عادلة دفاعاً عن أرضٍ أو شرفٍ أو عرضٍ ودفاعاً ضد عدوان صائل واغل ظالم آثم غاشم تُوصَف بأنها ظاهرة مجنونة بدون هذا الاستثناء وبمُلاحَظة هذا الاستثناء.

فتِّشوا تجدوا أن هناك مجانين – شلة مجانين أو جماعة مجانين – يُدعَون بالقادة العظماء وبالزعماء، فهم مجانين حقاً لكن لا بالمعنى العامي للجنون بأن يسير المرء ولعابه يسيل في الطريق وإنما نقصد مجانين بالجنون الذي يتحدَّث عنه الأطباء النفسيون وهو جنون العظماء، فهتلر Hitler قطعاً – بالقطع والجزم وبالضرس القاطع – كان مجنوناً وهذا ثابت عنه في تقارير علمية، فالرجل كان مُصاباً بجنون العظمة  – Megalomaniac – ويرى نفسه منذوراً من الغيب لمُهِمة عظيمة، فالله هو الذي ابتعثه مِن أجل أن يُعلي العرق الآري، الجنس الآري، الشعب الجرماني  على سائر الأعراق، وهكذا الله اختصه واختصهم، فالرجل كان مُصاباً بجنون العظمة –  Megalomania – على كلا المُستويين “على مستوى الذات الفردية  وعلى مستوى الذات الجمعية أو المجموعية”، فهو كأدولف هتلر Adolf Hitler وكشخص فلان بن علان وعلانة يُعَد رجلاً عظيماً لأن القدر نذره لمُهِمة عظيمة ومن ثم فهو استثناء، فهو ليس مثلي ومثلك وليس مثل سائر البشر، وانتهى الرجل في آخر حياته – أي في سنة ألف وتسعمائة واثنين وأربعين تقريباً – وفقاً لتقارير علمية إلى أنه صار مُبهَظاً وواقِعاً تحت بهاظة وثقل عُقدة المسيح، فالرجل تماثل بالمسيح لأنه كان يظن نفسه كالمسيح ومن ثم القدر أرسله واختصه واصطفاه من أجل أن يقود شعب الله المُختار وهو الشعب الجرماني – الألماني – في مُهِمة وهى قيادة حرب صليبية – Crusader – كبيرة ضد الشيطان مُتجسِّداً في أعدائه وفي رأسهم اليهود وغير اليهود، فالرجل كان مُصاباً بعُقدة المسيح ومن ثم كان الرجل على المُستوى الفردي مجنوناً، وعلى المُستوى المجموعي كان مجنوناً أيضاً فهو يعتقد أن شعبه غير بقية الشعوب وغير بقية الناس فالله هو الذي اختصهم ليكونوا كذلك.

 وهذا الأمر من المُمكِن أن يُصيب قيادات كثيرة وأشخاصاً كثيرين وقد أصابهم بالفعل عبر التاريخ، فنبليون Napoléon  كان مُصاباً بجنون العظمة، الإسكندر Alexander قطعاً كان مُصاباً بجنون العظمة، نيرون Néron وكاليجولا Caligula بل وكل هؤلاء الطواغيت عندهم هُذاء وجنون العظمة، وهذه حالة عجيبة جداً لأن الناس لا يستوعبون ويستصعبون تقبل فكرة أن هناك قيادة كبيرة  أفلحت في أن تستتبع خلفها ووراءها الملايين بل عشرات الملايين ولكن هذه القيادة في نهاية المطاف كانت تُعاني من الجنون، ولكن ما حدث أن الرجل كان رجلاً مجنوناً ومن ثم قادكم إلى الجنون ودمَّركم، فما مِن مجنون إلا ويرتكب جنونيات، فهذه ظواهر مجنونة – كما قلت لكم – لأن الجنون وراءها، الجنون خطَّط لها وسيَّرها وألهمها، فهى تستوحي الجنون ومن ثم لابد أن تكون ظاهرة مجنونة، لا يُمكِن إلا أن تكون كذلك لأن العقل لا ينبت من الجنون، ولكن الناس لا يستوعبون هذا على الرغم من أن علماء النفس اثبتوا هذا بالدراسات الاستقرائية، فهذه الفكرة ما كان لها أن تنبت في عقل عالم أو باحث لولا الاستقراء ولولا وجدان حالات كثيرة أثبتت وبرهنت لهم على وجود هذه المعاني في هؤلاء الأشخاص المُعتَلين المُلتاثين، فعلماء النفس يُسجِّلون حالات يتماهى فيها مجنون العظمة – أي العُظامي المجنون – بالنبي، فهو يتماهى مرة بعيسى ومرة بموسى ومرة بمحمد ومرة بغير هؤلاء أيضاً فهو يتماهى بالأنبياء، بل أن هناك حالات أكثر من هذا يتماهى  فيها – أي يتماثل – المجنون العُظامي بالله – أي بالإله – وأحياناً يظن نفسه أخاً للإله، ولا يرى نفسه فقط أخاً للإله بل  يرى أنه هو الأخ الأكبر – Big Brother – الذي – أستغفر الله العظيم – يُصوِّب على الله ويُصحِّح لله مساره فيقول لله ما ينبغي أن يفعله وما لا ينبغي، أي أنه أعظم من الله، وهذه الحالات لأمثال هؤلاء المجانين موجودة، ومن ثم يجب أن ننتبه إلى أنه من المُمكِن أن يكون بعض هؤلاء قادة مثل هتلر  Hitler وغيره، فلم يكن هتلر Hitler وحده كذلك بل أن هناك الكُثر غيره مثل كاليجولا Caligula ونيرون Néron الذي أحرق روما Roma وهو يستمتع بأنغام الموسيقى التي تصدح في قصره، فهو يحرق مدينته وهو مُستمتِعاً بسماع الموسيقى، ومن ثم فهو شخص مجنون – حقاً شخص مجنون – ومع ذلك يظن أنه يخدم الجنس البشري ويخدم شعبه ويخدم وطنه ويخدم حضارته وهو يُحرِّقها بسبب هذه الحالة من الجنون التي كانت عنده، لكن طبعاً واضح أن هذا الجنون ليس جنوناً يتسم بالنقاء الكامل – أي بالـ Purity – وبالصفاء الكامل فهذا غير صحيح لأن هناك عقل بلا شك، يا ليت كان هذا الجنون جنوناً صافياً تاماً فالجنون الصافي التام لا يضر، بالعكس مُعظَم المجانين بهذه الطريقة أُناس ودعاء بل هم الذين يخافون من الناس ويتحاشون ظلم الناس وسخرية الناس وعدوان الناس، لكن هذا الجنون أكثره جنون وفيه مسحة عقل، فأخطر ما فيه هو هذا القليل من العقل لأن هذا العقل هو ما يجعله فعّالاً على عكس الجنون السالب المُحايد الذي يُصيب الناس المساكين الذين نراهم في بلادنا وهم يمشون في الشارع  ليستجدوا الناس ويشحذوا ولكنهم يُضرَبون أحياناً، فهذا الجنون في معظمه على الإطلاق جنوناً مُسالِماً سلامياً، أما هذا النوع من الجنون فهو جنون عدواني استتباعي نبوئي، فيرى الواحد منهم نفسه نبياً أو رسولاً أو إلهاً أو قائداً فيُريد أن يُغيِّر الكون والوجود بل أن يُحطِّم الوجود ويبنيه من جديد وهذا شيئ لا يكاد يُصدَق، فأحياناً تكون هذه المسحة البسيطة من العقل – كما قلت لكم – خطيرة جداً لأنها أيضاً استثنائية، فبعض هؤلاء بلا شك عندهم عقل استثنائي وذكاء لكن ليس ذكاءً صافياً فيا ليت كان هذا لكان عبقرية حقيقية ولكانت عبقرية مُعمِّرة بانية مُنجِزة إيجابية ولكنه عقل وذكاء – كما قلت – داعم لكتلة جنون هائلة جداً، فهو سطح مثل سطح المحيط تماماً لأن السطح في الظاهر مُتسِق وهادئ عاقل ومن ثم أنت حين تراه تقول هذا عقل ولكن تحت سطح العقل هذا لُجة من الجنون الفوّار الذي لا يهدأ، وهكذا يكون هؤلاء ويكون هذا المجنون العُظامي – Megalomaniac – الذي يظهر ويُعرَف خاصة لدارسي طب النفس، فيعرفون أن هذا مجنون ومن هنا قد يقول لك أحدهم عن شخص ما أن هذا الرجل مجنون، قطعاً مجنون!

القذّافي قطعاً كان مجنوناً فهو مُصاب بجنون العظمة طبعاً، القذّافي أصلاً يحتقر الأنبياء ويقول: مَن محمد هذا وموسى وعيسى؟!

لكن طبعاً في شعب كله مُسلِم – أي الشعب الليبي ما شاء الله – لا يستطيع أن يقول هذا بشكل واضح، لكنه قال هذا أكثر من مرة وبشكل شبه واضح حين كان يُحقِّر النبي فيقول عنه أنه كان مُجرَد راعياً للغنم عند خديجة، فمَاذا كان محمد هذا؟!

معمر القذافي
معمر القذافي

يتحدَّث هكذا عن الرسول لكن هو صاحب نظرية عالمية ثالثة ومُفجِّر ثورة ومن ثم هو أعظم بكثير منه، وطبعاً وضع كتابه الأخضر أو عاره الأخضر لأن هذا ليس بكتاب، هذا إسمه العار أو الفضيحة الخضراء لأنه كان فضيحة العرب في القرن العشرين وهى فضيحة أزلية لأن من الصعب أن نمحوها وستبقى لاصقة بنا وسيُقال أن مثل هذا القزم حكم أمة عربية كريمة وشعب أصيل مُجاهِد لمدة وصلت إلى أربعين سنة وكان يحضر مُؤتَمرات القمة العربية وكان مُعترَف به كزعيم عربي وهذا عار، فالقذّافي شخص تماهى بالله لأنه كان يرى نفسه إلهاً ومن ثم كان يتصرَّف بجنون، وبلا شك كان مجنوناً عُظامياً مثل هؤلاء فهو واحد من هذه القبيلة الملعونة الخطيرة جداً التي ذكرت لكم بعض أفرادها، وطبعاً هناك بعض آخر من أفرادها ليسوا بقادة ولا بزعماء سياسيين أوعسكريين، بل هم قادة فكريون وروحيون كالكتّاب والأدباء والعلماء والفلاسفة – وخاصة الفلاسفة والمُفكِّرون والأدباء والشعراء فكثيرٌ منهم أشخاصٌ عُظاميون أيضاً – فالواحد منهم عنده الشعور بهذه العظمة المرضية الزائدة، ومن ثم يعتبرون أنفسهم أنهم منذورون أيضاً  من قِبل القدر لأمرٍ عظيم وأن على الكل أن يستمع إليهم وأن يستلهمهم، فملعونُ ملعونٌ ملعونُ كل مَن خالفهم، ولذلك هم شرسون ولا يحتملون الخِلاف وبالتالي لا يُحِبون النقاش ولا يُحِبون التشكيك والارتياب وطرح علامات الاستفهام على طروحاتهم هم.

إذن – لكي نجمع أطراف الحديث – هم قادة عسكريون وقادة سياسيون وقادة فكريون وشعراء وأدباء وفلاسفة ومُفكِّرون ومُتدينون، أي علماء دين ودعاة وهذا اللي يهمنا أكثر طبعاً فهم خطيرون جداً.

الآن لو كنا أذكياء كان ينبغي علينا أن نتنبه منذ سنين أن عندنا في عالمنا العربي والإسلامي ظواهر مجنونة – لدينا ظواهر مجنونة حقاً – ومن ثم كان ينبغي أن نلتقط هذا الخيط ونعلم أن هذا الجنون أُسِسَ له عن طريق هؤلاء المجانين الذين جننوا شبابنا، جننوا أبناءنا وبناتنا ومن ثم جعلونا نعيش في هذا الجنون المُنفلِت، فشكري مصطفى – مثلاً – ساهم في هذا، والكل يعرفه لأنه مُؤسِّس جماعة التكفير والهجرة، فهكذا هى سُميت طبعاً أما هو فأسماها الجماعة الإسلامية ولكنها سُميت التكفير والهجرة بلا شك لأنها تُكفِّر الناس حيث أنه فعل ذلك مُتأثِر بأفكار سيد قطب – للأسف الشديد – الذي تتلمذ عليه سنوات عند رجليه، فكان يجلس عند ركبتيه ويستلهم أفكاره التكفيرية الخاطئة بلا شك، وهى أفكار مُهلهَلة وضعيفة لا علاقة لها بالعلم الشرعي، فالعلم الشرعي الحقيقي كما يعرفه العلماء مُستحيل أن يكون له علاقة بهذا الكلام الفارغ، فهذا كلام أدبيات وإنشائيات، ولكن طبعاً لُقِنت هذه الإنشائيات لأجيال، فنحن سمعنا بعض الدعاة – رحمة الله عليه – يقول “سيد قطب فسَّر القرآن كأنه يُوحى إليه من السماء”، ونحن – والله – لم نر هذا الوحي ولو لمرة – أقسم بالله – واحدة، فأين هذا يا أخي؟!

في ماذا يُوحى إليه؟!

 فهم –  أستغفر الله العظيم – أرداو أن يلغوا المسافة بين القرآن – هذا النص الإلهي –  وبين قول هذا الرجل الذي يزعم أنه يُفسِّر كتاب الله، ومن ثم قالوا أنه لا مسافة فهذا وحي وهذا وحي، فما هذه العبارات الفظيعة؟!

هذا تأسيس للجنون، هذا مد وتغذية للجنون طبعاً، فشكري مصطفى أصبح تلميذاً نجيباً لسيد قطب وقال أن هذه الأمة كافرة والدول والنُظم والشعوب الساكتة كافرة، ومن ثم حَرَّمَ على نفسه وعلى أتباعه أن يصلوا لا الجُمع ولا الجماعات مع الناس، فكان ممنوعاً عليهم أن يُصلوا لا الجمُع ولا الجماعات مع الناس لأنهم كفّار ومن ثم هذه مساجد كفر وضرار لأنها لم تُبن لذكر الله، وهذا شيئ غريب عجيب كما لو كانت بُنيَت لذكر الشيطان، ثم قال هناك أربعة مساجد فقط الآن من المُمكِن أن نستثنيها من حُرمة الصلاة فيها، فيجوز أن تصلي فيها لكن بشرط، وهذه المساجد هى المسجد الجرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد قباء، والشرط هو ألا يُصلى إلا خلف واحدٍ منا فيها، أي أن الإمام لابد أن يكون منهم فيكون – مثلاً – شكري مصطفى أو أحد أتباعه المرضي عليهم وغير المعضوب عليهم ولا الضالين، هو هذا فقط وهذا شيئ غريب، فهل هذه الأمة كافرة؟!

هل كل هذا التوحيد وكل هذه الأذكار والصلوات والحج والعمرة والمساجد كفر؟!

وطبعاً ماذا تنتظر بعد التكفير إلا القتل؟!

محمد حسين الذهبي
محمد حسين الذهبي

خُطِفَ طبعاً وزير الأوقاف السابق العلّامة محمد حسين الذهبي وهو رجل فاضل – صاحب الدراسة المشهورة التفسير والمُفسِّرون – وعالم كبير ضليع فقط لأنه ألَّف كُتيباً في سنة ألف وتسعمائة وخمس وسبعين للرد على الأهبل المُسمى بشكري مصطفى، وهذا هو الفرق بين العلم الذي كان لدى الإمام الذهبي وبين الهبل والاستهبال الذي كان لدى شكري مصطفى، فالعلّامة محمد حسين الذهبي علّامة أزهري كبير ومن ثم كان الدكتور محمد حسين يرد بعلم وبأدب جم فغاظهم هذا جداً فقاموا باختطافه في سنة ألف وتسعمائة وسبع وسبعين ثم قتلوه، وقالوا عنه أنه كان طاغوتاً وكافراً وكان يعمل وزيراً للأوقاف ومن ثم كان يرد علينا، وهذا شيئ غريب فمَن أنت يا أخي لك تقول هذا؟!

حتى لو افترضناك نبياً، هل أُقتَل لأنني رديت عليك؟!

النبي ليس عنده هذه الصلاحية، فالله قال للنبي فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۩ وقال أيضاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، فهل النبي قال أن مَن كفر به يُقتَل؟!

غير صحيح – والله العظيم غير صحيح – لأن هذا لم يحدث أبداً، فالنبي قال أنا فقط أُقاتِل – وليس أقتل حتى وإنما أُقاتِل – مَن يُقاتلني لكي أُدافِع عن نفسي فقط، وحتى حين تُقاتِلني وتقع في يدي أسيراً أنا مأمور قرآنياً أن أُحسِن إليك وأن أُطعِمك وأن أُكرِمك لأن الله قال وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۩، وأنتم تعرفون هذه الآية التي لا يعرفها مَن رأيناهم قبل أيام ونراهم باستمرار يأخذون الأطفال الصغار الذين لا يتجاوز أعمارهم الأربع عشرة سنة  في سوريا وغير سوريا ويضربونهم بدم بارد ويفتخرون بهذا، والشيئ الأخير الذي رأيناه هو أنهم ليسوا عرباً، فقط سمعنا منهم مَن يقول بلكنة ليست عربية “أخي أخي، أخي أخي” دون أن ندري مِن أي بلد جاء هؤلاء، فقط لحى ضخمة وعقول فارغة وقلوب صلد حديد لا علاقة لها لا بالعقل ولا بالأمن ولا بالإيمان، فقط يُنكِّلون بالشيوخ كبار السن الذين بلغت أعمارهم إلى حد السبعين والثمانين، ويُنكِّلون أيضاً بالأطفال الصغار المُراهِقين الذين راهقوا البلوغ ولم تتجاوز أعمارهم الثنتي عشرة سنة، علماً بأنهم يضعون هذا على اليوتيوب YouTube، ومن هنا أنا أقول لكم أنني أقسم بعزة جلال الله إن هذا لأمرٌ يُراد، فأنا أقسم بعزة جلالك يارب إن هذا أمرٌ مُخطَط له.

أنت قتلت وفعلت كل هذا العار وقتلت هؤلاء الأطفال بدم بارد وهذا أمر مُخيف، لكن يا سيدي افترضهم جنوداً يُقاتِلونك ووقعوا في يديك، عليك أن تُعامَل من وقع في يديك كأسير إلا أن يثبت عليه أنه مُجرِم حرب ولم يتعامل وفق أخلاق الجُندية ووفق أخلاق الفُرسان ووفق قوانين الحرب، فإن ثبت عليه هذا في محكمة وبأدلة وبيّنات وشهود يُقتَل حين إذن أو يُعاقَب العقاب الذي يستحقه، هذا ما يجب أن يحدث وليس قتل أطفال صغار بدم بارد والواحد يُردِّد منهم “أخي أخي” ثم يذهب ليُصلي، فلا كنت ولا كان هذا التدين.

 واقرأوا التعليقات تحت هذا المقطع على اليوتيوب  YouTube فمُعظمها تدور على الكفر، فجعلوا الشباب يكفرون بالدين لأنهم لا يفهمون هذا، أنا أفهم وأنت تفهم لأننا من ثلاثين وأربعين سنة ونحن في الإسلام والقرآن والسُنة والكتب ومن ثم نستطيع أن نفهم وأن نُميِّز، لكن الإنسان العادي المُشتغِل بدراسته أو المُشتغِل بعمله وبوظيفته لا يعرف شيئاً فهو فقط يرى لحى كبيرة إلى عند السُرة ومن ثم يقول لك “قطعاً هؤلاء يعرفون الدين أكثر مني، قطعاً هذا قرآنهم، قطعاً هذا محمدهم وهذا دينهم، فإذا هذا هو دينهم فأنا كافر به”، لكن أنا أقسمت بعزة جلال الله إن هذا أمرٌ مُدبَر وإن هذا أمرٌ يُراد، فأكبر ضربها ضُرِبها الإسلام في هذا العصر هى هذه الجماعات وهذه المجموعات، وهذا تخطيط ماكر وواضح أنه ناجح جداً من أعداء الأمة لجعل الأمة وجعل العالمين يلعنون هذا الدين وينصرفون عنه، فتباً لكم وحسبنا الله ونعم الوكيل، فإلى متى سيستمر هذا العار وهذا الجنون؟!

ألا عقل لديهم؟!

لا عقل لديهم، لأنهم يتبعون أنبياء كذّبة، علماً بأن بعض الإخوة لم يستوعب حتى العنوان، لم يستوعب أن هناك أنبياء كذّبة، والنبي الكاذب هو المُتنبئ المجنون، فعيسى حدثنا عن الأنبياء الكذّبة وقال “احذور الأنبياء الكذّبة”، فهو لم يقل الأنبياء فقط وإنما قال الأنبياء الكذّبة، كما نقول مُفكِّر كذّاب أو شاعر كذّاب أي ليس بمُفكِّر وليس بشاعر، وكذلك هذا نبي كذّاب أي مُتنبئ ومُدعٍ مجنون، فهو شخصٌ مجنون مثل شكري مصطفى الذي يُعَد أحد كبار مُؤسِّسي هذا الجنون المُمأسَس في فكر الشباب المُسلِم والشابات المُسلِمات، لأن كان أحد هؤلاء ومن ثم كَفَّرَ المُجتمَع وكَفَّرَ النُظم وكَفَّرَ الناس وكَفَّرَ العلماء وكَفَّرَ كل شيئ إلا مَن يتبعه، بل وقال أن أي حد يتبعه ثم يخرج من جماعته فهو مُرتَد كافر حلال الدم، فهو يرى أنه هو الإسلام تماماً ومن ثم أنت حين تخرج عليه فأنت كافر ودمك حلال، ومن هنا فعلوا الأفاعيل وجعل بعضهم يعنف ببعض ويصفي بعضهم بعضاً فتنبَّهت لهم الدولة بعد أن كانوا يشتغلون سرياً ويمدون الشبكات خارج مصر ليطلبوا الأموال والتأييد والنُصرة وكل هذا الكلام الفارغ وكل هذه المُصطلَحات التي أصبحت كريهة لنا فعلاً بسبب هؤلاء المعاتيه المجانين، فحين بدأ بعضهم يعنف ببعض ويعتدي بعضهم على بعض تنبهت الدولة، ثم قتلوا العلّامة الذهبي فتم إلقاء القبض على عدد منهم، حيث كانوا مائتين واثنين وخمسين رجلاً وأُعدِم منهم خمسة، فتم إعدام شكري مصطفى وأربعة معه وهذا يوم لا ننساه طبعاً لأنه كان صبيحة زيارة السادات – الله يرحمه – إلى القدس، أي في ثلاثين مارس سنة ألف وتسعمائة وسبع وثمانين، ومن ثم لا يُمكِن أن ننسى هذا التاريخ، ففي ذلك الصباح أُعدِم شكرى مصطفى وكذَّبه الله – كذَّب هذا النبي الكاذب – وأظهر كذبه للناس، لأنه كان يجلس بكل أريحية المجنون والمُصاب بجنون العظمة – Megalomania – فهو رجل منذور من القدر، والقدر هو الذي اختصه بهذه المُهِمة من أجل تغيير العالم ومن ثم هو رجل رباني ولن تقدر عليه كل حكومات العالم، ومن هنا كان يهجر المُجتمَعات فأُطلِقَ عليه وعلى جماعته لقب التكفير والهجرة لأنهم كانوا يهجرون الناس ويعيشون في أماكن وحدهم، ولهم أفاعيل – خاصة في الزواج والطلاق – عجيبة غريبة ضمن فقه عجيب غريب أيضاً، لأنهم كانوا يُحِبون الانعزال عن المُجتمَع علماً بأن صاحب فكرة الانعزال النفسي هو سيد قطب  – غفر الله له  – وهذه فكرة غير صحيحة، فأنا أعيش في مُجتمَع ومن ثم لابد أن أكون مُتواجِداً فيه، وأكثر ما لي وما علىّ إزاء هذا المجتمع هو أن أنصح له وأن أذكِّره بأدب ومحبة وإخوة، فأنا لست رباً ولست نبياً، وإن كنت نبياً فالنبي ليس له هذا أبداً، ومن هنا أنا أقول ما عندي فقط بإخلاص وصدق ومحبة، ومن شاء انصلح  ومَن شاء فسد، هو حُر لكن أنا لا أُمارِس على الناس سُلطة أخلاقية، فمِن أين لكم هذه السُلطة؟!

سيد قطب
سيد قطب

لديهم رغبة مجانين في السُلطة، فهم يُريدون أن يتسلَّطوا على الناس تسلّطاً أخلاقياً وأن يُجبِروا الناس رغماً عنهم على اتباع طريقتهم، وهذا لا يصح لأننا ضدهم ولسنا مُقتنِعين بهم ونحن أكثرية أما هم فقلة، ومع ذلك يقولون “سنُحطِم رؤوس الأكثرية، فلابد أن تعيد الأكثرية تكييف نفسها مع الأقلية لأن الأقلية معها الحق والحق المُطلَق وإلا ستحرقون بلادكم وتحرقون أنفسكم أيضاً فأنتم الخاسر الأكبر لكن الكل يخسر”، فأي منطق هذا؟!

غير معقول يا أخي أن تطلب من الأمة كلها أن تُكيف نفسها معك وأنت قلة، مَن أنت؟!

شكري مصطفى
شكري مصطفى

شكري مصطفى قال “نحن ننعزل لكي يتميَّز المُؤمِنون من الكافرين، فنحن المُؤمنون والبقية هم الكافرون، ومن ثم يستأصلهم الله – تبارك وتعالى – بطريقته الخاصة، ثم نشن بعد ذلك الغارات على مَن بقيَ منهم ونذبحهم”، وهذا تفكير مجنون فهو مُتأكِّد أنهم جماعة التطهريين الخالصين المُؤمِنين الربانيين وبالتالي سينعزلون حتى ينزل عقاب الله بهؤلاء المجانين الكفرة الجاحدين، وكان الرجل مُقتنِعاً بهذا قناعة مُطلَقة كأنه يُوحى إليه إذا لم يكن يرى في نفسه أنه أعظم من هذا، وكان يعترف أمام القاضي وهو يُحاكِمه بجرائمه ثم ينظر إليه بسخرية فيضحك ويقول له: هل أنت أيها الكافر تُريد أن تعدمني؟!

ثم يستتلي قائلاً “لا تستطيع لا أنت و لا حكومتك ولا العالم كله، أعدك أنا أنني لن أُعدَم ولن أموت”، فلماذا يا حبيبي؟!

مَن أنت حتى تقول هذا؟!

هذا مجنون عظمة مثل فرعون ومثل كل المجانين ولكن الفرق أن له لحية لأنه مجنون بإسم الدين، ومن شكله ومن نظراته يتضح إنه مجنون تماماً كنظرات القذّافي التي فيها جنون واضح، ثم قال شكري مصطفى”ستأتي ريح زعزع عاصف تجتثكم من أماكنكم بإذن الله”، وطبعاً المجانين من أمثاله يفرحون به جداً ويُصدِّقون هذا ويقولون أنه سيحصل بعون له ويُقسِمون على هذا، ولا ندري كيف يُقسِمون فهل اطلعوا أو اطلع هو هلى الغيب؟!

فهؤلاء مثل المجانين علماً بأنهم كثروا جداً جداً في السُنة والشيعة ومن ثم علينا أن ننتبه إلى هذا، فأنا سمعت مثل هذا الجنون هذا من علماء إخوة شيعة كبار من الذين  بدأوا يتحكَّمون في الآخرة ويُقسِمون بالله أن هذا الرجل يتقلَّب الآن في أطباق جهنم على الرغم من أن محمد يقول وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا بِكُمْ ۩، فهل إلى هذه الدرجة أنتم – والعياذ بالله-  تستهينون بعظمة الله؟!

مَن أنتم؟!

أنا أعطيكم الجواب في كلمة وهى أنهم مجانين، ومن ثم احذروا على عقولكم وحصِّنوا أبناءكم وبناتكم من هذا الجنون اللعين، فمَن أنت يا أخي لكي تقول هذا الكلام؟!

كيف تعرف مصائر الناس فتُوزِع المقاعد في الجنة والنار؟!

ويُقسِم أحد هؤلاء وهو علّامة كبير أن العلّامة المرجع فلان الفلاني الآن يتعذَّب بعذابات جديدة في قبره أو في حفرته التي اشتعلت عليه ناراً، فتباً لكم ولأمثالكم مِمَن يُقسِمون أن هؤلاء كفار وأن هذا كافر وإذا لم يتب فله جهنم، فيا أخي مَن أدراك أنه كافر؟!

كيف تحكم أنت في الناس وفي عقائد الناس؟!

مَن أنت يا رجل؟!

هل أنت تابع لمحمد؟!

لا والله لا عرف محمداً ولا أحب أن يتبعه – أقسم بالله – لأن محمد كان يمنع هذا، محمد ما كان يفعل هذا ويمنع منه جداً، محمد كان آية المُتواضِعين بل وقمة المُتواضِعين في كل شيئ، ومن هنا كان يقول أنه لا يعلم الغيب مثلما قال الله عنه في القرآن  وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ۩

فالنبي كان يقول أنه لا يعلم الغيب ومن هنا لا يستطيع أن يحكم في أحد أنه من أهل الجنة أو غير ذلك إذا لم يأته فعلاً وحي، وفي آخر حياته – والحديث صحيح ورواه مالك في الموطأ وغير مالك – يسأله أبو بكر عن مصيرهم فيقول له الرسول “لا أدري ماذا تُحدِثون بعدي”، أي أنه لا يستطيع أن يشهد له فكما قال “فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ”، لكنه قال أنه يشهد لشهداء أُحد لأن الله هو الذي أخبره بهذا عن طريق الوحي الذي قال له أن هؤلاء رضيَ الله عنهم، فأهلاً وسهلاً بهذا ومن هنا قال النبي “أشهد لهم” وجعل يبكي ويقول لهم” هنياً لكم ما أمسيتم فيه مما أمسى الناس فيه” أي أن وجودكم تحت أطباق الثرى أحسن لكم مليون مرة لأن هناك فتن كثيرة سوف تأتي، لكن الصدّيق – رضوان الله تعالى عليه – حين سأله عن مصيرهم قال له “لا أدري ماذا تُحدِثون بعدي”، فبكى أبو بكر وقال: أإنا لكائنون بعدك؟!
أي أن الذي أبكاه هو أنه علم أن النبي سيموت قبلهم، لكن الشاهد هنا هو أن النبي لم يشهد له، لكن هؤلاء المجانين يشهدون في أي أحد ويقولون هذا من أهل الجنة وهذا من أهل النار لأنهم مصابون بجنون العظمة، فهم عظماء وجماعتهم عظيمة وحزبهم عظيم وأفكارهم عظيمة وأنبياؤهم عظماء جداً، فكل شيئ لديهم صحيح ومن ثم أي أحد يُخالِفهم يكون من أهل جهنم ومشكوك فيه، فأقل ما يُقال فيه أنه مُنافِق أو أنه مُتخاذِل إن أظهر تعاطفاً معهم ولكن ليس بالقدر الكافي فلا يُعَد مُنافِقاً من كل وجه لأنه أظهر شيئ من التعاطف، فهل أنتم الإسلام؟!

 الإسلام كان قبلكم لأن عمره ألف وأربعمائة سنة، فمِن أين أتيتم؟!

أنتم لستم الإسلام ولستم من اختط طريق الإسلام، أنتم مُجرَّد حلقة عرَضية في تاريخ الإسلام في هذا العصر، وحلقة لها وعليها وأنتم تعلمون هذا!

المُهِم هو أن شكري سرحان قال للقاضي “وأنت أيها الكافر أعدك بأنني سأقتلك بيدي برصاصة في عينك هذه الشمال الملعونة اللي أُخرِجَ منها الشيطان” ولكن بعد أيام يسيرة أعدموه شنقاً هو وجماعته، فأين هذه الريح الزعزع التي وعد بها؟!

لا يُوجَد ريح زعزع.

هل قتل القاضي كما وعد؟!

لا، لم يحدث لأن القاضي حي يُرزَق ولم يُقتَل.

هذا هو الجنون الذي يرفضه القرآن الكريم، ولكن هذا لمَن وعى القرآن – كما قلنا في الخُطبة السابقة – ولمَن تدبَّره وليس لمَن أراد أن يُبرِّر به جنونه ويقول قال الله وقال رسول الله، فليست الأمور هكذا، لكن عليك أن تأتي إلى القرآن لتتلقى وتتلمذ وتتعلَّم، فلا تفرض نفسك على القرآن، لا تفرض خبلك وجنونك على كتاب الله، كُن مُتواضِعاً ومُؤدَباً واقرأ القرآن قراءة موضوعية بنفسية تلميذ حقيقي، تلميذ على مائدة رب العالمين، فإن فعلت هذا شفاك الله – تبارك وتعالى – من أمراض كثيرة في رأسها جنون العظمة، فهذا الجنون من المُمكِن أن يجعلك تدّعي النبوة في يوم من الأيام أو تعتقد هذا حتى في قلبك فترى نفسك نبياً حتى وإن كان لا يُوحى إليك ولكنك من الأنبياء بمعنى من المعاني، فللأسف كثير مِمَن يحملون رايات الأيدولوجية -Ideology  – والنظريات الكاملة الناجزة وأهداف تغيير العالم والواقع هم مجانين بجنون العظمة والناس لا يدرون هذا.

اقرأوا كتاب الله لتعلموا معنى أن يأتي الله – عز وجل – إلى قصة فرعون ويقص ويحكي علينا من كلامه أنه قال أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ۩، فنحن دائماً نتناول الفرعونية وظاهرة الفرعون على أنها ظاهرة استبداد وغشم سياسي، فالفرعون هو شخص مُستبِد وطاغوت، وطبعاً لابد أن يكون مُستبِداً فكل مجنون جنون عظمة هو مُستبِد وطاغوت، والمجنون بجنون العظمة – كما قلت لكم – لا يحتمل أن يُناقِشه أحد، لا يحتمل أن يُشكِك أحد في رأيه، لا يحتمل أن يُقال له ربما أخطأت بل ويُجَن جنونه، فلماذا يا أخي؟!

عادي أن تُخطي وتُصيب فأنت بشر، أنت ضعيف يا رجل وتتطوَّر، هل أنت الآن مثلك قبل ثلاثين سنة؟!

الفكر يتطوَّر بل وكل شيئ يتطوَّر، ولا مُشكِلة في هذا لكن المجنون لا يعي هذا، ومن هنا قال لهم فرعون مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ۩ وقال لهم أيضاً مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ  ۩، أي أنه قال الرأي لا يكون إلا رأيي أنا فقط – أستغفر الله – لأن أنا ربكم – أستغفر الله العظيم – وأنا إلهكم، فكيف يقول عن نفسه أنه الرب؟!

هل هناك بشر يحكي مثل هذا الكلام؟!

الله قال لنا انتبهوا لأن فرعون حكاه، فحتى لو كان فرعون شخصية سياسية وقائد كبير وحاكم بلد عظيم – مصر – إلا أنه مجنون وعلينا أن ننتبه إلى هذا، فالشخص الذي يقول أنه هو الإله والرب يُعتبَر مجنوناً – قطعاً هو مجنون – ومن هنا نحن نسأل مثل هذا الشخص: هل كان عندك نساء وماتت؟!

سيقول نعم، إذن لماذا لم تمنع الموت عنهن؟!

لإنك لست برب، أنت كذّاب ومجنون، فأنت وُلِدَت وهذا يعني أنك لست رباً، فالذي يُولَد ويكون بعد أن لم يكن ليس رباً.

وهذا الكلام لم يقله أي أحد لفرعون في ذلك الوقت، فلم يكن في مصر فيلسوف في تلكم الأيام أو كاتب صحفي أو مُدوِّن في الانترنت Internet  ليقول له يا فرعون هذا لا ينبغي أن يُقال على عكس ما حدث مع المُعِز لدين الله الفاطمي، علماً بأن المُعِز هذا دارت حوله شُبهة التنصر – أي أنه تنصَّر – وهذا كلام فارغ وباطل، فلم يتنصَّر المُعِز الفاطمي وظل مُسلِماً، لكن الرجل أيضاً كان مُصاباً بجنون العظمة – Megalomaniac – وادّعى  في يوم من الأيام أنه يعلم الغيوب ويُحصي على الناس أنفاسهم ويعرف كل شيئ وما من شيئ يخفى عليه، فجاء أحدهم على طريقة المصريين وذكاء المصريين وسرعة بديهة المصريين – والله هذه عبقرية مصرية – وهو يعرف أن المُعِز في اليوم الفلاني سيمر مِن السكة الفلانية أو من الطريق الفلاني وترك له ورقة صغيرة  ورسم عليها شيئ، المُهِم كانت هذه الورقة لافتة للنظر فمر ثم توقف وسأل عن هذا الشيئ وقال “ائتوني به”، فأخذ الورقة ووجد فيها “بالظلم والهم قد رضينا، فما رضينا بالرقاعة، إن كنت تعلم الغيوب فأخبرنا من كاتب البطاقة”، أي أنه يقول له أنا كتبتها فأخبرني مَن أنا يا مجنون، فالمصري فهم أن هذا لديه شخصية مجنونة حتى وإن كان المُعِز لدين الله الفاطمي الذي قدَّم خدمات كبيرة جداً لمصر وخاصة خدمات كبيرة للقاهرة فضلاً عن أنه باني الأزهر الشريف، أي أنه شخصية ليست عادية ولكنه كان مجنوناً، مثلما كان نابليون Napoléon  شخصية غير عادية لكنه كان مجنون أيضاً، وكذلك الحال مع هتلر Hitler المجنون وستالين Stalin المجنون وبرتراند راسل  Bertrand Russell المجنون وسارتر Sartre المجنون وبيرسي شيلي Percy  Shelley المجنون وجان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau المجنون وليو تولستوي Leo Tolstoy المجنون وغيرهم كُثر، فهؤلاء مجانين علمياً، وهذا ليس كلامي ولكن هم نقدياً مجانين، فالمساكين عندهم جنون في شخصيتهم لذلك دائماً يُعانون الفشل والإحباط والمرارة فيفشلون في أشياء كثيرة بخلاف النبي محمد الذي لم يفشل قط، وإلا أين فشل محمد؟!

كارن أرمسترونغ
كارن أرمسترونغ

ما شهد التاريخ نجاحاً مثل نجاحه، ويعجبني هنا قول الراهبة سابقاً والكاتبة ومُؤرِّخة الأديان والمُفكِّرة الكبيرة كارن أرمسترونج  Karen Armstrong التي قالت وأنصفت “نحن الغربيين نحمل كل هذا الحقد على محمد لأن الرجل يتحدى نموذج الفشل الذي قدّسناه، فالمسيح لدينا لم نجعله فقط مُجرَّد رجل رسول بل جعلناه إلهاً وابن إله ومع ذلك فشِلَ ومات على الخشبة ولم يستطع أن يفعل شيئاً”، ثم تستتلي  أرمسترونج  Armstrong  “لكن محمد نجح ونجاحاً كبيراً في عشرين سنة وهذا يجعلنا نشعر بالغيرة والحقد والحسد، فلنعترف بهذا إذن”، وبالمُناسَبة لابد أن نقول أن جنون العظمة هذا يُصيب الغربيين أيضاً، طبعاً كثير من الغربيين اليوم إلا الناقد الدارس الواعي مُصابين بجنون العظمة فيتحدَّثون كأنهم بداية التاريخ ونهاية التاريخ، كأنهم أهل الفكر والفلسفة والعلم والذكاء والحقوق وحدهم أما نحن بل وكل البشر فلا شيئ، وهذا غير صحيح لأن الشيئ نفسه ينطبق على الغربيين فهم أيضاً حلقة عابرة في سلسلة التاريخ البشري الطويل، وبعضهم وصف هذه الحلقة بالعرَضية أيضاً، أي حدث عَرضي وليس حدثاً أصيلاً ومُؤسِّساً، أما الشرق فهو المُؤسِّس للحضارة وللفكر وللفلسلفة وللرياضيات وللعلوم وخاصة في مصر والعراق وهذا كان قبل أثينا، فما أثينا وغير أثينا بجوار حضارة الشرق؟!

ومع ذلك تجدهم يتحدَّثون عن العبقرية اليونانية فقط وهذا غير صحيح، فلولا العبقرية المصرية والعراقية لما وُجِدَت العبقرية اليونانية، وهذا ثابت بالدراسات واقرأوا كتاب برنال  Bernal  أثينا السوداء – [button color=”red” size=”small” link=”https://www.amazon.com/Black-Athena-Afroasiatic-Civilization-Fabrication/dp/0813512778″ icon=”” target=”true”]black athena book[/button] – الذي وضعه في خمس مُجلَدات ضخمة، فكتب ألوف الصحائف في هذه الخمس المُجلَدات فهو مُؤرِّخ عظيم وابن مُؤرِّخ كبير، فهو كبير وأبوه أيضاً كان مُورِّخاً كبيراً وعظيماً جداً، ومن هنا أثبت إن كل هذا التراث انبنى وتأسَّس ويتأسَس على عطاء المصريين  وعطاء العراقيين، ومع ذلك الغربيون قالوا نحن البداية وأنكروا حتى عطاء الإسلام، سرقوا تراثنا وعلومنا واستفادوا منها استفادة جمة عظيمة جداً وأنكروا كل هذا وكأن الإسلام غير موجود، وبالتالي هذا جنون عظمة جماعي فدائماً ما يقولون “نحن” وفقط، وهذا غير صحيح وعليهم أن يعترفوا بهاته الحقائق لكن طبعاً المجنون بجنون العظمة لا يعترف، مُستحيل أن يعترف أي مجنون بجنون العظمة بأخطائه وبنقصه وبتقصيره، فهو مجنون بجنون العظمة ومن ثم الناس كلها تُخطيء لكن هو لا يُخطيء لأنه الكامل.

 فالله حين يُحدِّثنا عن أن فرعون ادّعى الربوبية وادّعى الإلهية يريد لفتنا إلى هذه الحقيقة الثانية الخطيرة جداً جداً علماً بأن هذا نفس ما ادّعاه نمرود أيضاً في أور بالعراق وناقشه في هذا الخليل إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – وذلك حين قال إذا الرب يُحيي ويُميت فأنا أفعل هذا ومن ثم فأنا رب –  قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ – لكن إبراهيم مُباشَرةً ترك المُهاتَرات وأفحمه وبهته فالآية الكريمة تقول قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ۩، وبالمُناسَبة هذه الآية البسيطة – سبحان الله – لو قرأها الآن طبيب ومُعالِج نفسي سوف تسحره، لأن من أحسن سُبل العلاج للشخص المُصاب بجنون العظمة  – Megalomaniac – والشخص المُصاب بهوس الكذب  – Mythomaniac – هو أن تصل به إلى طريق مسدود، أي تأخذه إلى طريق مسدود عبر منطقه فيتحطَّم وتتحطَّم الدعوى، فمثلاً قد يأتيك شخص عادي ولكنه أُصيبَ بجنون العظمة وقد يكون ناجحاً نجاحاً نسبياً لكنه يقول لك “أنا مُفكِّر على مُستوى العالم، أنا مُفكِّر عالمي، أنا فيلسوف ليس لي نظير الآن في القرن الحادي والعشرين”، لكن نحن نعلم أنه فقط أنهى الثانوية العامة وليس له أي كتاب أو دراسة أو بحث فلسفي أو أي شيئ آخر، فهو إنسان عادي جداً جداً وقد يكون كاتباً صحفياً مُتواضِعاً، فمن أين أصبح أكبر كاتب؟!

فهنا ليس من الصحيح أن يأتي المُعالِج ويقول له “هذا الكلام غير صحيح وأنت تكذب”، هذا لا يصح أبداً وسيصطدم به مُباشَرةً، لكن إن كنت مُعالِجاً نفسياً عليك أن تُساير عقله وتقول له أن هذا صحيح قد يكون صحيحاً فلا يُوجَد ما يمنع من هذا ولكن يا أيها المُفكِّر الكبير ويا فيلسوف العصر أعطني بالله بعض أسماء مُؤلَّفاتك فأنا في شوق شديد – تقول هذا من باب المُسايرة فقط – لقراءة طروحاتك الفلسفية العظيمة، سيقول لك للأسف هى غير موجودة لأن هنا الــ Megalomania تتظاهر بالــ Mythomania فيبدأ يُمعِن في الكذب، وهذا شيئ ضروري فهوس الكذب دائماً ما يخدم هوس العظمة، فلا يُوجَد هوس عظمة وجنون عظمة بدون المُبالَغة في الكذب، لابد من هذا فهو أصلاً كله كذبة، جنونه كله كذبة كبيرة لكن مُتبنينة ومُتماسِكة وعجيبة، لذلك أمثال هؤلاء – كما قلت لكم – ينجحون في اقتياد  الشعوب أحياناً والجماعات والأفراد، ويُصيبون الناس بالجنون دون أن يدروا، فحذاري من هؤلاء المجانين علماً بأننا سنرى مَن هم العقلاء في نهاية المطاف قياساً على نموذج محمد – عليه السلام – لكي نُميِّز العقل من الجنون، فالقرآن يشفي هنا في هذه القضية الحساسة بلا شك، إذن حينما تسأل هذا المجنون سيقول لك أنك لن تجدها فقد أُحرِقَت كل النُسخ لأن هناك مُؤامَرة من أحزاب وجماعات وجمعيات فضلاً عن أعدائه من المُفكِّرين الذين تآمروا عليه وأخذوا النسخ وأحرقوها، ومن هنا قل له أنت أعطني فقط أسماءها وأنا سأصل إلى المكتبة الوطنية فبالحري هناك نُسخ منها محفوظة في المكتبة الوطنية، لكنه سيقول لك أن من سوء الحظ أن المُؤامَرة ليست فقط على مُستوى أنداده من المُفكِّرين بل على مُستوى البلد كلها، فهى مُؤامَرة وطنية بل قومية وبالتالي لن تجد نُسخاً من كتابي في أي مكتبة وطنية عربية، فكلهم ضده لأنهم يعلمون خطورة أفكاره لأنه سيُقوِّض عروشهم ويثلها ثلاً بها، ومن هنا عليك أن تقول له أن هذا قد يكون مُمكِناً فبلا شك أنت خطير جداً لكن أعطني أيضاً أسماءها –  هو حتى الآن لم يُعطك الأسماء – وأنا سأتصل بمكتبة الكونجرس Congress لأن مكتبة الكونجرس Congress الأمريكية مكتبة عظيمة جداً أو سأتصل بالمكتبة الوطنية في فرنسا مثلاً، ولكنه سيقول لك أنك ذكَّرته بأن المُؤامَرة ليست فقط محلية أو قومية بل هى مُؤامَرة عالمية لأنها على مُستوي عالمي وكوني، فالعالم كله يُدرِك خطورة هاته الأفكار ومن ثم هناك مَن دفعوا لهم فضلاً عن أن بلده دفعت لهم للتآمر ضده، وبالتالي أنت إلى الآن كمُعالِج لم تُفلِح معه وعليك أن تنتبه إلى هذا فهو إلى الآن يغلبك وهو إلى الآن مملوء قناعة بأنه أعظم مُفكِّر في القرن وأنه كفيلسوف ليس له نظير حتى وإن كان ذلك بغير مُؤلَفات وبغير أبحاث وبغير فلسلفة لكنه هكذا عظيم، وأنت إلى الآن تفشل معه ومن ثم قل له حسناً فهذا من المُمكِن أن يحدث بلا شك لأن في التاريخ البشري كان هناك بضعة أناس يعيشون مثل هذه الحالة الصعبة حيث تآمرت عليهم الشعوب والدول والحكومات وأندادهم من المُفكِّرين ومن ثم من المُمكِن جداً أن يحدث هذا لكن أعطني فقط عنواناً لأحد هذه الكتب وأنا سأدخل على النت – Net – وسأجد عدداً مِن الشباب الذين اتبعوك ودغدغت ذكاءهم وحبهم وفضولهم المعرفي بعبقريتك الرائدة الـ Unique التي ليس لها نظير، فأكيد هم يتناولون أفكارك ويتجادلون حولها، لكنه سيقول لك  حتى في النت – Net – منعوا كل شيئ له علاقة بي على الإطلاق، علماً بأنك الآن  تتدرَّج طبعاً معه فأنت لا تُريد كمُعالِج نفسي أن تضربه بالضربة القاضية من أول مرة، ولكنك ستقول له في النهاية هذا جميل جداً ولا بأس في هذا ولكن هيا اطرح علىّ إحدى طروحات أحد كُتبك، أعطنى عنوانه الذي تحفظه وطروحة الكتاب ونبدأ نتناقش حولها ثم اذكر لي بعض اتجاهاتك ونزعاتك الفلسفية وبعض ما اعتمدت عليه من مراجع وأشياء، أي أنك الآن تبدأ في تضييف الدائرة عليه ومن هنا من المُمكِن أن يقول لك يبدو أنني لست مُفكِّراً عظيماً وأنني كنت واهماً، لأن بعضهم قد يستجيب بسرعة ومن ثم يبدأ يشفى المسكين، علماً بأن بعضهم قد يزعم أنه رئيس ويقول أنني أنا الرئيس أما هذا فليس برئيس لأنهم خطفوني ومنعوني من العلاقات والاتصالات رغم أنني رئيس البلد، ومن هنا قل له هذا من المُمكِن جداً أن يحدث وقد حدث بالفعل مع أحسن الرؤوساء من قبل ولكن مَن هم وزراؤك؟!

 ابدأ اسأله عن وزرائه، فيُوجَد في مصر اثنان وثلاثون وزيراً – مثلاً – ويُوجَد ما هو أكثر أو أقل من ذلك في بلاد أخرى، ومن ثم من المُؤكَّد أن عندك عدد من الوزراء فأعطنى أسماءهم، مَن هم وزراؤك؟!

ثم ابدأ في التدرج معه واسأله عن السيدة الأولى وقل له أين هى زوجتك لكي نُجري معها ومع أبنائك ومع السكرتير الخاص بك لقاءً؟!

 ثم اطلب منه بعض البيانات التي أصدرها وهكذا تدرَّج معه إلى أن يقول لك في نهاية المطاف يبدو أنني لست رئيساً ويبدو أنني كنت واهماً، وبالتالي يبدأ يشفى المسكين لأن هذه هى أقصر طريقة وأحسن طريقة في رد المجنون بجنون العظمة إلى سواء السبيل، وبالتالي إياك أن تصدمه، ولكن هل إبراهيم صدم النمرود؟!

لم يصدمه أبداً، فالنمرود وردت مقولته في القرآن – قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ ۩ – التي سايرها إبراهيم تنزلاً ولكنه طلب منه أن يعكس سير الشمس –  قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ – لأن الرب الإله الذي يخلق ويُحيي ويُميت ويفعل كل شيئ لابد وأنه يتحكَّم في الكون، إذن فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ۩ أي أنه طالبه بعكس سير الشمس وكانت النتيجة فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۩، لكن هل شٌفيَ النمرود؟!

لا، لم يُشف النمرود لأن من أعظم الأسباب والمُمِدات والمُغذيات – للأسف – لجنون العظمة المجتمع والناس والبطانة السيئة فهى بمثابة ماء الحياة لهذا الجنون، فأي شخص فيكم من المُمكِن لو كان مُؤهَلاً بعض التأهيل أن يُصاب بلوثة جنون العظمة إذا ساعده من حوله إن أرادوا على أن يكون مجنوناً، فقد يٌفهِمونه أنه لا نظير له ولا مثال له فلا يُوجَد شيئ ثانٍ مثله لأنه الأعظم في العصر والأعظم في الأمة، فيُردِّدون هذا الكلام باستمرار وهو ما يُعَد مُصيبة، وللأسف نحن في عالمنا العربي بل في العالم الإسلامي والعالم الثالث عموماً نُعتبَر أمة مُتخصِّصة في خلق الأصنام – والله العظيم – وهذا ما يحدث مع كل الزعماء والقادة – مع كل قائد وزعيم حتى وإن كان دينياً فليس شرطاً أن يكون قائداً عسكرياً وسياسياً – حيث يحتوش الواحد منهم أناس يُفهمونه أن الله لم يخلق له ثانياً وأنه نُسخة وحيدة واحدة ليس لها نظير، فيُصاب المسكين مع مرور الأشهر والسنوات بهذا الهُذاء وبهذه اللوثة فيظن حقاً أنه أعظم شيئ في الوجود ومن ثم يُدمَّر وينتهي به الأمر إلى الجنون، وهذا عكس الرسول عليه – الصلاة وأفضل السلام – الذي كان آية في التواضع، ولكن – كما قلنا – قبل أن نأتي إلى الرسول علينا أن نعلم إن القرآن يشفي من جنون العظمة، والحديث مُعقَّد وطويل علمياً لكن باختصار لابد أن نعلم أن جنون العظمة قد يكون عرَضاً لمرض وقد يكون طابعاً لشخصية – أي من الأنماط الشخصية – فيكون مرضاً بحد ذاته تقريباً، أما لو كان عرَضاً لمرض فقد يكون مثل الشيزوفرينيا Schizophrenia أو كما يُقال عنها السكيزوفرينيا، وعلى كل حال الشيزوفرينيا Schizophreni هى مرض فُصام الشخصية الذي يتظاهر فيه دائماً انفصال الشخصية، فالفصام هذا يُصاحِبه ضلالات – Delusions – حسية وضلالات عقدية فكرية، والضلالات الحسية هى أشياء يراها المريض وهى غير موجودة أو أشياء يسمعها وهى غير موجودة أو أشياء يشمها وهى غير موجودة، وهذه الضلالات الحسية لا علاقة لنا بها هنا، أما الضلالات الاعتقادية فهى ضلالات كثيرة يُمكِن أن يلتاث بها المفصوم في شخصيته ولكن من بينها ضلال جنون العظمة فيعتقد أن لا مثيل له أو يعتقد أنه أصبح نبياً أو إلهاً أو رئيساً للوزراء، وهذه الضلالات طبعاً أنواع فمَن يعتقد أنه أصبح إلهاً أو نبياً أو مُصلِحاً دينياً عظيماً يدخل تحت نوعية الضلالات الدينية، وقد يعتقد أنه أعظم من أينشتاين Einstein ومن نيلز بور Niels  Bohr ومن إسحاق نيوتن Isaac Newton  ومن هايزنبرغ Heisenberg  ومن فلان وعلان وأنه اكتشف نظريات هامة، تماماً كالذي يأتي إلينا ويدّعي أن لديه تفنيد لنظرية النسبية وهذا التفنيد موجود من قديم ولكن لم يستوعبه أحد فضلاً عن عشرين نظرية أُخرى خطيرة ستقلب الفيزياء رأساً على عقب – Upside Down – ومن هنا تم إخفاء هاته النظريات، وبالتالي أنا أخاف من مثل هؤلاء الأشخاص وأضع عليهم علامة استفهام كبيرة، كما أنني لست فيزيائياً حتى تستنجد بي يا مَن تدّعي هذا ومن ثم إن كان ما لديك صحيحاً فعليك أن تذهب إلى الجامعات المُتخصِّصة في بلادك حتى يعترفوا بك لأننا لسنا فيزيائيين لكي تُناقِشنا في هاته الموضوعات، إذن مثل هذا الشخص لابد أن نضع علامة استفهام عليه لأنه مسكين وغلبان وفي حاجة إلى علاج مثلما نضع علامات استفهام على مَن يدّعي أنه مُبتكِر ومُخترِع  ومُكتشِف وأن لديه أشياء لم يُسبَق إليها على الرغم من أن كل هذا لم يحدث، علماً بأن هناك نوع من الضلالات إسمه ضلالات الأصالة – Purity – المُتعلِّق بالنسب فيقول لك أحدهم أنه ابن ملك من الملوك – مثلاً – ولكن تم اختطافه من ثلاثين سنة حين كان عمره أربع سنوات بل قد يجعلك ترى أثراً لعضة على أنها عضة كائن مُتوحِّش كان يحرسه، ويقص لك قصة مُتكامِلة مليئة بالتفاصيل ومن ثم قد تُصدِّقه إذا كنت غلباناً مثله وعندك استعدادات للاستهبال، ولكن من المُمكِن أن تكشف ببساطة هذا الهُذاء الذي جعله يعتقد أنه سليل ملوك ولكن تم خطفه ضمن هذه القصة الكبيرة ،التي تندرج تحت الضلالات الاعتقادية التي يُصاب بها المفصوم الشخصية، كما أن هذه الضلالات الاعتقادية قد يُصاب بها المُصاب بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب أي “Mania واكتئاب، اكتئاب – Depression – وMania”، فبعض هؤلاء قد يُصابون أحياناً بضلال أو بجنون وهُذاء العظمة، لكن أحياناً – كما قلنا – لا يكون هذا مرضاً – علماً بأن هذه إسمها أمراض عقلية وذُهانية Psychosis  ولها منشأ كيميائي طبعاً بسبب وجود مشاكل في الدماغ وفي الكيميائيات مثل  الشيزوفيرنيا  Schizophrenia ومثل ثنائي القطب هذا ولكن هذا موضوع ثانٍ – فقد يكون شخصاً عادياً وليس لديه ذُهان ولكن شخصيته شخصية نرجسية، فما هى الشخصية النرجسية؟!

هى الشخصبة التي تعبد ذاتها ومن ثم يُحب أحدهم ذاته بشكل غير طبيعي، فمن الصعب جداً أن تلتقط له صورة، وإذا التقطت له صورة لابد أن يراها أولاً وقد يحلف عليك بالله وبالطلاق أن تمحوها فمنظره لم يُعِجبه فيها لأن رابطة عنقه – الكرافتة – كانت مائلة بعض الشيئ، فهو نرجسي رهيب ومن ثم هو مُحِب لذاته فقد يُحطِّم كل مَن حوله في سبيل ذاته لأنه يعبد ذاته، وقد يقف أمام المرآة لمدة ثلاث أو أربع أو خمس ساعات بل ويستحضر المرآة معه باستمرار كالنساء – علماً بأن من الطبيعي أن تفعل المرأة مثل هذا الشيئ دون أن يُعَد نرجسية لأن هذا شيئ ثانٍ يتعلَّق بطبيعتها على عكس طبيعة الرجل الذكر – وينظر إلى نفسه كما لو كان أسداً وهو في الحقيقة هراً أو أرنباً ولكنه يرى أن لا مثيل له، ومن ثم بعض النرجسيين يُصابون بجنون العظمة لأن طبعاً من الواضح أن هناك علاقة منطقية بين النرجسية وبين جنون العظمة وخاصة إذا أراد الناس أن يضعوا من هذه النرجسية بأن يُقلِّلوا من شأن هذا الشخص فيبدأ يُعوِّض هذا التقليل بمزيد من النرجسية، ومن هنا التقط بعض العلماء والدارسين أن هناك علاقة بين  عقدة النقص -Inferiority Complex – وبين جنون العظمة  – Megalomania – لأن الإنسان الذي يُعاني من عُقدة نقص لأي سبب من الأسباب مثل مُشكِلة في طوله أو شكل جسمه أو حسبه أو نسبه  أو في لياقاته العقلية – الأسباب كثيرة لعُقدة النقص ولا نُريد أن نذكرها كلها حتى لا نمس مشاعر بعض الناس – يكون مُرشَّحاً لأن يُصاب بجنون العظمة حتى يُعوِّض عن هذه العُقدة ويُصبِح مرتاحاً، علماً بأن هذه الاضطرابات في صورة الذات يكون السبب فيها أحياناً الأسرة كما المُجتمع – للأسف الشديد – فاحذروا من هذا، فأحياناً نرى بعض الأمهات أو بعض الآباء يُلقِّنون ابنهم ويقولون له “أنت – ما شاء الله عليك – لا يُوجَد مثلك – والله العظيم – ولا مَن هو أجمل منك”، بل ويُقسِم أحدهم على هذا ويُكرِّر مثل هذا الكلام عن ابنه مع زوجته ومع غيرها ولكنه بهذه الطريقة يُدمِّر ابنه أو ابنته التي دائماً ما يقول لها أنها الأحلى في الكون كله مثلما يقول لابنه أنه الأذكى والأكثر عبقرية لمُجرَّد أنه قام بحركة عادية يقوم بها أي أهبل ولكنه يراها شيئاً كبيراً، وإذا حصل الابن على المركز الأول لا يستطيع أحد أن يطول رأسه ولا رأس أبيه وأمه على الرغم من أن الكثر يحصلون على المركز الأول بل أن منهم مَن يحصل على المركز الأول ثم ينتهي بهم الأمر إلى الفشل فقد يحصل الواحد منهم على المركز الأول وهو في الصف الأول الابتدائي حتى يصل إلى الصف الخامس الجامعي ثم يفشل ويظل فاشلاً طيلة حياته، إذن لا علاقة بين هذا وذاك وكان يكفي أن يُقال أن هذا الولد من الأذكياء والمُتفوِّقين ولكن لا يُقال أنه من العباقرة، لأنه قد يكون ناجحاً ولكن ليس عبقرياً فالعباقرة هم الذين يُضيفون أشياء حقيقية للمشوار البشري أشياء حقيقية، ومع ذلك لا يقتنع بهذا ويظن أن ابنه من العباقرة ويُفهِمه وهو يضربه على رأسه العريضة أن لديه ذكاء وعقل خاص أخذه عن أبيه وأجداده لأنهم عائلة مُتميِّزة، ولا يدري أنه خرَّبه وخرَّب بيته بهذا الانتفاج والانتفاخ الكاذب لأن هذا الطفل المسكين – والله العظيم – ستنبني له صورة عند ذاته بأنه الأفضل في كل شيئ والأجمل والأقوى والأذكى، وأن أباه هو الأغنى والأفضل والأذكى، وكذلك الأسرة هى الأشرف والأحسن بين الناس، وهذا يحدث بطريقة مرضية ولكن لأن الحياة كلها نجاح وفشل سيستحيل عليه أن يواصل حياته كلها ناجحاً ومن ثم لابد أن يفشل ولو بأي سبب من الأسباب، فمثل هذا الشخص قد يكون مُرشَّحاً لأن يفشل لسبب واحد على الأقل أنا أقطع به وهو الافتقار إلى الذكاء الاجتماعي، فلو أينشتاين  Einstein  وهو أينشتاين  Einstein  جاء وظل يُحاضِر فيكم عن ذكائه في الفيزياء وأنه أشطر منكم سوف تكرهونه وتحتقرونه وسوف تقولون أنه شخص مريض ومن ثم ستلعنونه وتلعنون نسبيته، لأن الناس لا تحب الذي يفخر بنفسه ويزهو بنفسه ويمدح نفسه بهذه الطريقة المرضية وإلا تنقم عليه الناس، فهم  يحبون من الشخص أن يكون مُتواضِعاً، فإذا تواضع وسكت هم الذين سيكيلون له المديح جزافاً، ومن ثم عليك أن تترك هذا للناس فلست أنت مَن يتحدَّث عن نفسه وعن مُنجَزاته لأن الناس يكرهون هذا ويبغضون هذا، ولكن هذا الطفل الذي أنشأه والده بهذه الطريقة سيكون مُرشَّحاً طبعاً بنسبة تصل إلى تسعة وتسعين في المائة لأن يفشل في حياته بسبب افتقاره إلى الذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي ومن ثم سيكون أنانياً بطريقة مُزعِجة وبطريقة مُربِكة له، فلن يفهم الناس ولن يفهم حاجات الناس، لن يفهم أنه الآن بهذا السلوك وبهذا الكلام وبهذا التصرف جرح شعور الناس وجرح مشاعر الآخرين، لن يفهم ولن يكترث ولن يلتقط مجروحية الأخرين، ومن ثم سيفشل وسيكرهه الآخرون، وسيظل المسكين يزعق وينادي مُحطَماً مُتشعِعاً وهو يتساءل: ماذا فعلت؟!

ولكنه سيعتقد أنهم يحسدونه ويحقدون عليه لأنه الأفضل، فإذا رسب في مادة لا يُحِبها – لأنه من غير المُمكِن لأحد أن يتفوَّق في كل المواد – لن يعترف بأنه رسب لأن لياقاته لم تسمح له باستيعاب المادة أو لأنه لم يُحضِّر نفسه للمادة جيداً، بل سيقول “الأستاذ يغار مني ومن أبي طبعاً وهذا شيئ معروف، فأنا رأيته وهو ينحاز إلى فلان وفلان من الصعاليك أبناء الصعاليك من أمثاله، لكنه انحاز ضدي لأنني من أسرة أرستقراطية نبيلة”، أي أنه سيُصبِح شخصاً مُعقَّداً وسيُعقِّد كل مَن حوله وسيظل يزعق دائماً بالأنا ليفرض احترامه ويقول لك “أنا المُحترَم”، وهذا غير صحيح لأن المُحترَم يفرض احترامه دون أن يتكلَّم، في علم الإدارة الأمريكي – علماً بأنني قلت لكم هذا مرة من قبل – قاعدة تقول لك “إذا رأيت المُدير – Manager – يزعق قائلاً أنا المُدير فأعلم أنه مُديرٌ فاشل”، لأن المُدير الناجح لا يرى نفسه مُضطَراً أبداً أن يقول أنا المُدير،فإذا قالها فهو فاشل، وكذلك الحال مع المرأة التي تقول دائماً أنها الأجمل فهى تفعل هذا لأنها مُرتابة في جمالها، فعلى الرغم من أنها ملآنة بالنرجسية إلا أن عندها ريب من جمالها، فما رأيكم؟!

حضرت ذات مرة لقاء مع  المُغنية الكبيرة فيروز، فمدحتها المُذيعة فنكست رأسها وغرقت في خجلها وقالت لها ” أرجوكي لا تفعلي هذا فأنا أضعف ما أكون أمام هذه الأشياء”، ومن هنا – والله العظيم – شعرت بشعور جميل جداً جداً، فهى لا تُريد المدح لأنها فيروز، هى صوت إلهي مُستقيم بلا خطأ تقريباً، ومن ثم لا تحتاج إلى المدح لأن ثقتها وافرة بنفسها، فأنت تُبهِظها وتُثقلِها حين تأتي وتمدحها في وجهها، وهكذا هو الإنسان الواثق الذي يُسمى بالمُتزِن وجدانياً والمُتزِن عاطفياً، فيكون واثقاً من نفسه ولكن غير تبجح ومن غير نرجسية، أما مثل هذا الطفل الذي رباه أهله على ما سمعتم يفقد اتزانه ويشعر بالإرباك مباشرةً مع أول خيبة لأن صورته عند نفسه التي تُعطيه توازنه الزائف هى صورة الكامل – Perfect – والإله الزائف الذي عنده كل شيئ كامل – Perfect – ومن ثم هو لا يُخطيء، فإذا أخطأ أو ضبطوا عليه مُخالَفة ولو لمرة واحدة في أي شيئ يبدأ يرتبك وقد يتحطَّم المسكين الذي حطَّمه أبوه وأمه من قبل.
نأتي الآن إلى كتاب الله الشافي، فالقرآن – والله العظيم – هو الشافي كما قلت لكم، ولكن لماذا يحرص القرآن الكريم على عدم الاكتفاء بذكر ما قاله فرعون أو النمرود فيذكر عتب الله على محمد في مواضع من كتاب الله تبارك وتعالى؟!

علماً بأنه كان من المُمكِن أن يعتب الله على محمد سراً – أي بينه وبين محمد – فيقول له جبريل يا محمد إن ربك – تبارك وتعالى في عليائه – يعتب عليك لأنك فعلت كذا كذا وكذا فتب إلى الله وأستغفر الله ومن ثم ينتهي كل شيئ، لكن الله لم يفعل هذا وأبى إلا أن يُخلِّدها في كتابه العزيز فقال مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ۩وقال أيضاً عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ۩ فضلاً عن أنه قال وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۩ وهو ما يُعَد عتاباً شديداً جداً، وقال أيضاً  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ۩، فلماذا هذا العتاب؟!

طبعاً واضح هنا من هذه الحالة النفسية أن هذه كلها  مؤشِرات – Indicators – على أن النبي كان أبعد خلق الله من أن يكون مُصاباً بجنون العظمة، فهذا مُستحيل فضلاً عن أنه لو كان مُصاباً بجنون العظمة لما أصبح نبياً أصلاً لأن هذا منطق ديني وحاشا لله أن يفعل هذا – اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ  رِسَالَتَهُ ۩– لكن لنفترض يا سيدي أنه ليس نبياً – أستغفر الله – وأنه هو مَن ألَّف القرآن الكريم وأنه ادّعى النبوة لأنه مُصاب بجنون العظمة ومن ثم هو غير صادق في دعواه، لكن كيف يذكر هذا العتب الشديد على نفسه؟!

المجنون بجنون العظمة لا يفعل هذا ولو لمرة واحدة، فهو ليس مُستعِداً لأن يعترف ولو لمرة واحدة أنه أخطأ بل ويرى أن العالم كله يُخطيء أما هو فلا، لكن النبي قال  في هاته المواضع أنه أخطأ أكثر من مرة، ومن ثم كيفما قلبتها ستعلم أنه حتى مسلكياً كان شخصاً بارئاً من جنون العظمة على عكس الكثير من المشاهير من أمثال هنريك إبسن  Henrik  Ibsen مؤسِس المسرح الدنماركي حين لم يكن هناك ثمة مسرح في الدنمارك  Denmark أصلاً ومن ثم هو من أكبر المسرحيين في العالم على الإطلاق لأنه نقل المسرح نقل هائلة ومع ذلك كان يتوسَّل من الملوك والوزرات والحكومات الميداليات والأوسمة – يتوسَّلها ويستجديها ويشحذها – ثم يأتي في المساء في مشهد حزين ويلبس كل هذه الأوسمة والنياشين على الرغم من أنه كان كاتباً مسرحياً عظيماً – في هذا الوقت لم يكن هناك كتّاب رواية عظماء على مُستوى العالم إلا الروسي ليو تولستوي Leo Tolstoy والدنماركي هنريك  إبسن  Henrik Ibsen فقط – ولكنه كان شخصاً غير مُتزِن وكان من الواضح جداً أنه يُعاني من شيئ ما ومن نقص كبير  دفعه إلى أن يرتدي وأن يُعلِّق كل هذه الأوسمة كلها، وعندما كان يسأله أولاده أو الناس عن سر هذا كان يقول “عليّ أن أفعل هذا من  أجل أن ألزم الحدود التي ينبغي أن أكون فيها في حضرة الأصدقاء الصغار”، أي أنه يُريد أن يقول أن هناك بعض الناس يُعجَبون به ومن ثم يأتون إلى زيارته ولكن بما أنه شيئ آخر مُختلِف عن هؤلاء الصغار عليه أن يضع هذه الأوسمة والنياشين والميداليات حتى لا تختلط الأوراق ويختلط الحابل بالنابل، فقد يظن الواحد منهم أنه أصبح مثل إبسن Ibsen الذي يرى نفسه فوق دائماً، علماً بأن إبسن Ibsen هو فيلسوف الفردية في المسرح العالمي فدائماً ما كان يتحدَّث عن الفردية وتحرر الفرد وما إلى هنالك ولكنه كان يُناقِض كلامه وكان رجلاً لا يُؤمِن  بأفكاره الفردية، تماماً مثل سلفهكارل ماركس Karl Marx  الذي عاش طول حياته مع العُمال والمُضطهَدين والمُغترِبين عن عملهم وإلى آخره ولكنه كان يبتز كل من حوله، ابتز والده وأمه وحصل على مال كثير منهم لأنه كان ينفق نفقة أكبر من تلك التي يُنفِقها أبناء الأغنياء، فحتى صديقه الإنجليزي فريدريك إنجلز Friedrich Engels الذي كان والده صاحباً لأحد أكبر مصانع الغزل والنسيج في بريطانيا لم يكن يعيش مثل ماركس  Marx الذي كان يُنفِق نفقة باهظة جداً في السنة تصل  إلى مئات الجنيهات، ولك أن تتخيَّل أنه لم يعش مثل طبقة العمال لأنه لم يكن مُتواضِعاً ولم يعش أفكاره يوماً، ومن هنا كتب لإنجلز Engels مرة يطلب مئات الجنيهات قائلاً أن عذره في هذا هو أن السياق الذي يعيشه لا يحتمل ظهوره بمظهر البروليتاريا  Proletariat، أي أنه لا يستطيع أن يظهر بشكل عامل أمام الناس، وهذا يدل على أنه كان يكفر بأفكاره، فكان يعيش كفر أفكاره تماماً على عكس النبي – عليه السلام  – الذي كان يقول “إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ”، فكان يُصرِّح بهذا ويقول بكل أريحية “أنا عبد” لأنه رسول الضعفاء ومن هنا يقول أيضاً ” ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ – أي أن مَن يُريديني لن يجدني عند الأغنياء والكبار وإنما عند الضعفاء المطحونين المكسورين المهضومين – إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ”، ومن هنا أنا أقول لأي أحد ليس مُصاباً بجنون العظمة ويُحِب أن ينجح في دعوته وفي فكرته وفي مُهِمته عليك أنك تعلم أن محمد هو القدوة وليس هؤلاء المجانين هم القدوة وإنما – صدِّقني – محمد، فهذا الذي ستنجح به حقاً إن كنت تريد النجاح  أصلاً لخدمة المُجتمع والبشرية والناس.

الله يقول للنبي وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ۩،علماً بأن الحديث هنا عن أهل  الصُّفة الفقراء الغلابة، فالواحد منهم كان يرتدي ثلاثة أرباع ثوب فإذا ركع شده بيديه حتى لا تبرز عورته وكذلك الحال إذا سجد، وإذا غسل ثوبه بقيَ يومه في داره حتى يجف الثوب لأن ليس لديه إلا هذا الثوب، لكن النبي أتى إليهم في حلقتهم وقال لهم “مرحباً بمَن أمرني ربي أن أصبر نفسي معهم”، فهذا أمر إلهي – وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ۩ – ورد في سورة الكهف، ولكن هل ثبت على النبي مرة واحدة أنه كان يرى نفسه استثناءً من قانونه الأخلاقي وهو قانون السماء في الحقيقة وليس قانونه هو؟!

لم يثبت هذا أبداً.

هل النبي تغوَّل أموال الناس بإسم أنه صاحب دعوى ثم لم يرد شيئاً إليهم؟!

لم يحدث هذا أبداً.

 النبي قبل أن يموت بليال خطب في الناس مُجهَداً وقال “مَن كان له عندنا يداً – يقصد أن يقول لو أعطانا أحد شيئاً أو ساعدنا بشيئ – كافأناه بها في الدنيا – وأنتم تعلمون أن النبي كان من خلقه المكافأة، فإذا أعطيته شيئاً واحداً أعطاك في المُقابِل عشر أشياء، فإذا أحسنت إليه يُحسِن إليك أكثر مما أحسنت، هَلْ هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ ۩- إلا أبا بكر – وهذا ما يدل على تواضعه لأنه لو كان مُصاباً بجنون العظمة لما ذكر فضل أبي بكر ولأخفاه – فإن له عندنا يداً لا يجزيه بها إلا الله يوم القيامة”، ومن هنا برئ النبي مُباشَرةً من تُهمة جنون العظمة فلو كان مُصاباً بها لما اعترف بفضل أبي بكر ولا بفضل أحد، فضلاً عن أنه قال للناس في أواخر أيامه “مَن كان جلدنا له ظهراً أو سببنا له عِرضاً أو أخذنا له مالاً فليأت فليقتص مني، ليطلب بحقه اليوم قبل أن لا يكون – يوم القيامة – لا درهم ولا دينار” لأن القصاص يكون في الدنيا ومن هنا أمر الرسول أن يُقتَص حتى منه – يا الله – إذا كان قد ضرب أحداً ولم يُسامِحه، ومن ثم كشف عن بطنه وظهره وجعل الناس يبكون وهو يدعوهم إلى القصاص منه إذا ضرب أحداً وهو في حالة غضب، لكن هذا لم يحدث فلم يضرب النبي أحداً ولم يعتد على أحد وهو في حالة غضب أبداً، لكن قال لو حصل هذا فليأت وليقتص لنفسه، وكذلك في حالة المال إذا كان لأحد مال فليأت وليأخذه، وهذا ليس شيئاً عادياً بالمرة لأن من خلال قراءة تراجم كبار الدعاة وأصحاب الرسالات من البشر الزائفين والأنبياء الكذبة كما أُسميهم يظهر لنا باستمرار النموذج المُعاكِس لأن هؤلاء يرون أنفسهم استثناءً ويقولون “يجوز لنا لأننا نحمل مُهِمة تنويرية عظيمة ومُهِمة تغيرية كُبرى أن نتغوَّل أموال الناس، أموال الكادحين والمُقرَبين والأبعدين من أجل أن نواصل الرسالة لأننا استثناء”، لكن الرسول لم يكن كذلك بالمرة وسنذكر أمثلة على هذا، فالرسول قام له أحدهم وقال له “يا رسول الله أنا لي عليك ثلاثة دراهم” فقال “أنا لست أكذب رجلاً بما قال ولكن أذكِرني”، يُريد أن يقول أنا أُصدِّقك ولكنني نسيت فذكّرني، فقال له يا رسول الله أتذكر يوم كذا كذا كذا؟ وأتى له بالسياق تماماً، وذلك يوم مر رجل وسألك شيئاً ولم يكن لديك فقلت لي يا فلان هل معك؟ فقلت نعم، فقلت أعطه وإلى آخر هذا السياق الذي أتى به الرجل كما هو تماماً، فقال النبي نعم، قُم يا جعفر أو يا فلان فأعطه، وأعطاه فعلاً الثلاثة الدراهم ولك أن تتخيَّل هذا وذلك بعد أن حرَّج عليهم النبي لكي يُطالِبوا بحقوقهم لأنه دائماً ما كان يقول أنا لست استثناءً لأن الله قال لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۩، والنبي صدَّقه في هذا وصدق فلم يأخذ أجراً أبداً بل هو الذي كان يُعطي ويُجاهِد ويتعب ويشقى ولا يأخذ شيئاً لكي ينعم الآخرون بهذا الهدي وبهذا النور الإلهي العلوي.

ويل ديورانت
ويل ديورانت
بيرسي شيل
بيرسي شيل

الشاعر بيرسي شيلي Percy Shelley كان شاعراً عظيماً وكان يرى نفسه من مُشرِّعي البشرية حيث قال”الشعراء هم المُشرِّعون غير المُعترَف بهم للدُنيا”، فبيرسي شيلي Percy Shelley  يرى أن الشعراء هم المُشرِّعون وليس الأنبياء لأنه كان مُلحِداً –  Atheist – ومن هنا كتب وهو شاب في الجامعة بيان إلحاد أنكر فيه الأنبياء والرسالات، وهذا لا يُمكِن أن يحدث أبداً واقرأوا تاريخ الفكر والأفكار بشكل خاص وأنتم ستفهمون هذا الشيئ بشكل واضح، فالدُنيا هذه بلا نبوات وبلا رسالات – رسالات حقيقية تُفهَم حقاً – سيكون مُستقبَلها مُخيفاً جداً، ولن أقول أنه سيكون مُربِكاً فقط بل سيكون مُخيفاً وفظيعاً، فمن المُمكِن أن ينهار في أي لحظة كل ما نحن فيه، وهذا ثابت بالنظريات وبالأفكار فضلاً عن أننا رأينا كيف كانت الفاشية والاستالينية والنازية تعمل في وقت واحد، ورأينا أشياء كثيرة بعد عهود من التنوير والعقلانية والهيومانية – Humanism – وحقوق الإنسان، والآن من المُمكِن أن نرى أيضاً ما هو أفظع من هذا، فهذا أمر وارد وعادي جداً لأنه لا وجود لأمان حقيقي، وطبعاً لا يُوجَد أيضاً أمان مع الدين بالطريقة التي يفهمه بها بعض الناس – لا يُوجَد أمان بالمرة – بل هناك ما هو أسوأ من هذا، وهو ما تحدَّث عنه ويل ديورانت Will Durant حين ذكر الفتنة التي جرت بين المسيحيين أنفسهم في سنة ثلاثمائة واثنين وأربعين إلى سنة ثلاثمائة وثلاث وأربعين، أي في سنة واحدة فقط بعد أن اعترف بهم قسطنطين ابن هيلانة بعشرين سنة تقريباً، ولكنهم اشتموا رائحتهم – كما يُقال – بعدما كانوا يُذبَحون إلى وقتٍ قريب، ولكن حين تم الاعتراف بهم ليُصبح دينهم بعد ذلك في سنة ثلاثمائة وثمانين هو دين الإمبراطورية وقعت فتنة بين المسيحيين أنفسهم في سنة ثلاثمائة واثنين وأربعين إلى سنة ثلاثمائة وثلاث وأربعين قال عنها ديورانت  Durant أن عدد المسيحيين الذين ذهبوا ضحية لها كان أكثر من عدد ضحايا المسيحيين الذي سجَّله التاريخ بسبب الرومان، فما رأيكم؟!

الله أكبر، قرون مضت والرومان يذبحون المسيحيين ولكن عدد المسيحيين الذي وقع نتيجة الفتنة كان أكبر من عدد المسيحيين الذي وقع على أيدي الرومان، فنيرون Neron الذي ذكرته لكم اليوم كان يتخذهم كالمشاعِل في الطرق، فيصلبهم أحياءً أو أمواتاً ويُشعِل بهم النار كأنهم مشاعِل في الطريق، علماً بأنه فعل هذا بمئات وآلاف الجثث، ومع ذلك قال ديورانت  Durant “المسيحيون قتلوا في سنة واحدة من أنفسهم أكثر مما فعل الرومان في هذه القرون الثلاثة” وذلم بسبب هذا التصلب الديني المجنون لأنه يحدث بإسم السماء وبإسم الحقيقة المُطلَقة وبإسم المُقدَس وبإسم الله، وهذا شيئ مُرعِب!

إذن بيرسي شيلي Percy Shelley  لم يعترف بالأنبياء وبالنبوات وإنما كان يعترف بالشعر لأنه كان شاعراً  – علماً بأن هذا الشاب  مات عن ثلاثين سنة أو عن تسع وعشرين سنة – ومن هنا قال ” أنا شاعر، والشعراء هم المُشرِّعون غير المُعترَف بهم للإنسانية”، كأنه يقول نحن الأنبياء الحق، فيا أهلاً وسهلاً و يا مرحب بهذا بل ونرفع لك التحية ولكن قبل هذا كله ماذا فعلت؟!

عاش ومات دجالاً مُخادِعاً نصاباً، استغل كل من حوله بمن فيهم الأسرة والأزواج،كان يصف أمه بأنها المرأة الفاسدة، ولك أن تتخيَّل هذا وأن تنظر إلى البر – ما شاء الله – الذي يتحدَّث عنه هذا الشاعر العظيم الذي يعتبر نفسه مُشرِّعاً للإنسانية، فيصف أمه بأنها  المرأة الفاسدة  ويصف أسرته الضيقة  – Family – كلها بأنهم زُمرة من الحيوانات التاعسة النكدة فلا هم لهم إلا الأكل والشرب والنوم كالحيوانات، فيقول عن أسرته أنهم حيوانات فضلاً عن الأفاعيل التي ارتكبها في حق أزواجه، حيث كان يعيش تقريباً حياة مشاعية جنسية، فما من زوجة إلا خانها لأنه كان يخون زوجاته باستمرار، آخر زوجة مات عنها والتي أنجبت له ابناً يحمل نفس الإسم فأسمته بيرسي Percy والتي أقامت له نصباً تذكارياً هى ماري شيلي Mary Shelley  التي ألَّفت رواية  فرانكنشتاين Frankenstein، مر أحدهم بزوجة الشاعر شيلي  Shelley  – أي بماري شيلي Mary Shelley  – بعد موته غرقاً في عُرض الماء فرأى بيرسي Percy  الصغير يكتب شيئاً فقال “أحدس أنه سيكون إنساناً غير عادي  Extraordinary”، فقالت “أدعو الله أن يكون عادياً” لأنها ذاقت طعم  أفكار بيرسي شيلي Percy Shelley  حين تجرح وحين تقسو لأن  شيلي Shelley دمَّرها ودمَّر حياتها، فشيلي Shelley كان يبتز كل مَن حوله وخاصة الزوجات – كما قلت – والأسرة، فكان يأخذ منهم أموال طائلة باستمرار ثم لم يكن لديه مزاج الشكر والحمد، فهو دائماً ناقم ولا يرضى عن أحد ويعتبر أنه ما من أحد وله عليه معروف، لأنه مُصاب بجنون العظمة، علماً بأنه كان ينادي بالاشتراكية ولكنه لم يعش أفكاره، فكان ضد الملكية الفردية كما فعل محمد، ولكن الفرق أن النبي – عليه السلام – عاش بأفكاره ولعن تغول الأموال، نعم الآية تقول وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا ۩ لكن  لا تُراكم لي الملايين والملايين والملايين والناس حولك جوعى وأكباد حرّى، ومن هنا قال الرسول “ليس منا مَن بات شبعان وجاره إلى جواره جائع وهو يعلم”، وقال أيضاً “أيما أهل محلة باتوا وفيهم رجلٌ جائع برِئت منهم ذمة الله”، فهذا هو محمد الذي كان معروفاً في سيرته ومشهوراً من سيرته وهديه.

ذات مرة واحدة وحيدة أخطأت فاطمة – عليها السلام – وتركت عندها طيوراً – أي تركت عصفورة أو عصفورتين – مشوية أو مسلوقة لكي يتناول النبي هذه الطيور في اليوم التالي في الغداء، فعلم النبي بهذا حين  سألها عن مصدرها وأجابت أنها تركت هذه الطيور لديها منذ أمس فقال لها: مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ بِرَبِّهِ أَنْ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ؟!

أي أنه قال لفاطمة أن هذا ممنوع أن يبيت في بيت آل محمد، فالأكل يُؤتى به يومياً والباقي يُوزَّع على الفقراء والغلابة، ومن هنا كان النبي يخلع رداءه الشريف ويعطيه لمَن يسأله ويسير هو بلا رداء، أي أنه عاش فكره وعاش حياته وفقاً لمبادئه، فلم يكن هناك  مسافة – كما قلت في الخطبة السابقة – بين حياته التي يعيشها وبين أفكاره التي يُنادي بها، أما بيرشي شيلي Percy Shelley  أفندي قال لك “هذه البشرية لن ترشد ولن تُصبِح عاقلة مُهتدية إلا حين تتخلى عن الملكية الفردية – أي أنه لا ينبغي أن يكون لدى الفرد إقطاعات ومزارع وقصور- وعن الثروات العظيمة الموروثة المُتلتَلة “، ولكنه حين ورث ثروة كبيرة نسبياً أخذها كلها له ولم يتصدق بشيئاً منها فليس عنده مفهوم الإحسان والصدقة وعمل الخير – Charity – ومن ثم سألوه كيف يفعل هذا وهو ضد الملكية الفردية، فقال “المُفكِر المُستنير استثناء – Ausnahme  Exception, – فيجوز له أن يحتاز الثروات الموروثة وأن يمتلك الأموال الكثيرة لكي يواصل المُهِمة”، ولكن في الحقيقة هو فعل هذا لأنه إنسان بخيل كزاز، وهذا هو الشيئ نفسه الذي تكرَّر مع برتراند راسل  Bertrand Russell  الذي خلفه وكان أيضاً اشتراكياً، ومن هنا ظل يُنادى بالاشتراكية ويكتب عنها كثيراً إلا أنه كان يمتلك قصوراً وأشياءً وخدماً وأموالاً هائلة، ومن هنا سألوه عن سبب هذه الأموال الطائلة على الرغم من أنه يدّعي الاشتراكية فقال “يبدو أنكم فهمتموني خطأً، أنا في الحقيقة اشتراكي لكنني لست مسيحياً”، يُريد أن يقول أنا لم افتح جمعية تعاونية فليس عندي مجال لمبدأ الإحسان وعمل الخير – Charity – فلا أُعطي إحسانات ولكنني رغم ذلك اشتراكي، ونحن لا ندري كيف يُمكِن الجمع بين هاته الأقوال المُتناقِضة التي لا تركب في الدماغ عندنا ولكنها تركب عنده، لأن أمثال هؤلاء كذابون – والله العظيم – ونرجسيون – كما قلت لكم – ومن ثم مُصابون بجنون العظمة فهم يحبون أنفسهم فقط ومن ثم يكذبون على الناس.

على كل حال  اللورد بايرون Lord Byron صديق بيرسي شيلي  Percy Shelley كان مثله وكان يقول “بيرسي شيلي  Percy Shelley عنده الحق في هذا وأنا عندي نفس القناعة، ومن هنا الناس أصحاب المُهِمات الذين على شاكلتنا لا يُشكِّل تسديد الديون التي عليهم ضرورة أخلاقية في حقهم” ، أي أنه يقول أنه من العادي أن يأخذ الأموال على هيئة ديون ثم يأكلها من عند آخرها ولا يُعيد منها فلساً واحداً دون أن يُعتبَر هذا قدحاً في أخلاقيته بحجة أنه مُفكِّر مُستنير وعنده  مُهِمة – Mission – ومن ثم على الناس أن يضحوا من أجله.

لينين Lenin سلف ستالين Stalin في الاتحاد السوفيتي سابقاً كان يقول “القسوة على الأفراد والتضحية بالأفراد جائزة في سبيل المجموع”، أي كأنه يقول بإسمكم وبإسم المجموع وبإسم المبدأ والفكرة سنذبحكم وسنأكلكم.

ولكن هل تعرفون أين تُوجَد العظمة؟!

العظمة  تُوجَد في شخصية رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين حقَّق ما يُمكِن أن يُدعى بالوسط الذهبي، فيبدو أن درس التاريخ يُعلِّمنا أن الوسط الذهبي الذي يتمثَّل في الجمع بين أمرين – الأفكار المُجرَّدة والتطبيق العملي – من أصعب ما يُتصوَر، وهذا يضح بالاستقراء التاريخي فقط وليس بالنظري التجريدي، فيصعب الجمع بين الأفكار في عمومها ومُطلقِها وتجريدها وبين التطبيق العملي مع المُعيَّن والمُشخَّص والذوات، فأنت من المُمكِن أن تجد مائة مُفكِّر ينحازون إلى الإنسانية وإلى البشرية وإلى الجمهور وإلى الشعب وإلى المُجتمع وإلى الناس وتكون أفكارهم مُمتازة ولكنك ستجد في كثير جداً منهم بشكل مُزعِج حقيقةً مَن عاش ومات وهو قاسٍ وفظ وغليظ ولا يرحم الأفراد بل لا يشعر بهم ومن ثم لا يراعي مشاعرهم فيُحطِّمهم تحته زجاجاً ويمشي، والآن السؤال هو: كيف اتسعت هذه الشخصية لمثل هذا الحب الكبير للإنسانية ولمثل هذه القسوة على الأفراد؟!

فهل فهمتم إذن ما هى المُعادَلة؟!

هذا هى .

مَن ذكرت لكم وغير مَن ذكرت لم يُحقِّقوا الوسط الذهبي على عكس رسول الله الذي حققه، وهؤلاء كثر ومن أمثالهم فيكتور هوجو Victor Hugo وتولستوي Tolstoy وسارتر Sartre، فهناك كثيرون جداً عاشوا وماتوا بهذه الطريقة وهذا شيئ غريب حيث أن لديهم نظريات من أجمل ما يكون وفي نفس الوقت لديهم قسوة غير مُحتمَلة على الأفراد، فيقسو الواحد منهم على زوجاته وعلى أبنائه وعلى أصدقائه وعلى أسرته وعلى والديه، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، ومن هنا يرى بعض النقاد أن العلة والمرض والنقص هنا الذي تسبَّب في هذه المُصيبة الحاصلة هو فقر الخيال، فمن الواضح أن هؤلاء الناس مرضى ومن ثم قطعاً لديهم فقر في الخيال، ولكن كيف يُقال على شاعر عظيم مثل شيلي  Shelley  أن خياله فقير؟!

 خياله فقير لأنه يعمل في المُجرَّد، أي مع الإنسانية ومع البشر ومع الناس بشكل عام لكنه لكن يعجز تماماً أن يتواصل مع الأفراد، مع كائنات بلحم ودم، لا يستطيع أن يفعل هذا مع أحد حتى ولو كانوا أولاده أو أبويه أو أزواجه أو أصدقاءه، لا يستطيع أن يفعل هذا أبداً ومن ثم لا تنتظر منه إلا كل عنف وكل جحود وكل نكران وكل تحطيم.

هل النبي كان كذلك؟!

هنا تبرز عظمة النبي، بهذا القياس أنا أرى أن هذه هى عظمة النبي أو بالأحرى وجه من وجوه العظمة المحمدية، وهذا شيئ عجيب وغريب فالنبي عنده هذه الأفكار – ما شاء الله – وعنده هذه الطروحات التي من أجمل ما يكون لأنها طروحات إلهية، ولكن العظمة تتجلى في أن حياته كلها – سبحان الله – أتت تصديقاً لهذه الطروحات.

فكان يتعامل مع الأطفال جميعاً بنفس الطريقة وليس مع أطفاله فقط، وإنما مع أطفاله ومع أطفال الناس على عكس بعض الناس الذي يكون أحن ما يكون على أولاده ولكن قاسٍ جداً على أولاد الناس، فهو رجل أناني ومن هنا كونوا واثقين من أن الذي يفشل في أن يُحب أولاد الناس هو في حقيقة الأمر لا يُحِب أولاده بل يُحِب نفسه فقط من خلال أولاده، فهو نرجسي لعين لا يُحِب إلا أولاده خاصة إذا كانوا من الناجحين الذين يرفعون الرأس، فهو لا يهتم بأن يرفعوا رؤوسهم ولكنه يهتم بأن يرفع هو رأسه ليتفاخر بين الناس قائلا “هؤلاء هم أولادي الذين ورثوا جيناتي، وهذه هى طريقتي وأسلوبي في التربية”، فهو إنسان مسكون بالذات بطريقة مرضية، لكن النبي لم يكن كذلك بل كان يتعامل مع كل أولاده ومع أولاد الناس بالطريقة نفسها، وكان حين يسير في الشارع ويلتقي بأولاد المُهاجِرين والأنصار يتقرفص ويُسلِّم عليهم ويمر بيده على رؤوسهم، ومن ثم كانوا يتذكرونه بعد أن يكبروا فيقول أحدهم أنه لا ينسى أبداً حين رأى النبي في الشارع ووضع كفه على رأسه فأحس ببردها وبجمالها.

أنس بن مالك قال  “خدمت النبي – صَلَىَ الله عليه وسَلَّمَ – عشر سنين، فما قال لي قط لشيئٍ فعلته لم فعلته، ولا قال لي قط لشيئٍ تركته لم تركته”، ونحن نقول هذه الكلمة لأولادنا مائة مرة في اليوم حتى ولو في الشارع، لكن النبي لم يقل هذا أبداً لأنس رغم أن أنس ليس ابنه فهو ابن أم سُليم، وقال أيضاً أنه حين كان يبدر منه أي خطأ كأن يكسر ماعون أو يُقصِّر في شيئ ربما عنَّفه بعض أهله، لكن كان النبي يقول اتركوه، لو قدَّر الله شيئاً كان.

 ما هذه العظمة يا حبيبي يا رسول الله؟!

ما هذا القلب؟!

هذا محمد يا أخي، والله الدنيا – أقسم بالله – لا تحلو بغير محمد، فنحن قرأنا تاريخ الدنيا وقرأنا تاريخ العظماء الكبار ورأينا أن الدنيا لا تحلو – أقسم بالله – بغير رسول الله، لأنه لا يُوجَد مصدر للوحي مثل هذا الرجل، وكلما قرأنا أكثر كلما تكشَّف لنا الأمر في كل مرة عن وجوه جديدة عجيبة، فحتى مع زوجاته كان ذلك الرجل الرقيق الرحيم الذي لم يخن ولو لمرة واحدة – كما قولنا في البيتوتة – على عكس كل مَن ذكرت لكم مِن الشعراء والمُفكِّرين، وهذا شيئ مُقزِّز حقيقةً – مِن غير مُبالَغة – لأن خياناتهم لزوجاتهم كثيرة جداً ومُقزِّزة، فتولستوي Tolstoy في الفقرة الأولى من حياته عاش كداعر كبير، رغم أن تولستوي Tolstoy بالذات كان في تصور العالمين هو أفضلهم، فهو هذا المُصلِح الاجتماعي الكبير الذي ترك اللقب الكونت Count وترك أمواله وباع أرضه ولبس لباس الفلاحين ومات المسكين في نهاية المطاف في محطة قطار، أي أن تولستوي Tolstoy هذا آية من آيات الله، ولكن حين تقرأ النصف الأول من حياة تولستوي Tolstoy تتقزَّز كما تقزَّزت أنا، فكان داعراً كبيراً وأُصيب بأكثر من مرض جنسي بسبب تردده على بيوت الدعارة، وهذا شيئ رهيب ومُقرِف،  ثم استقام الرجل وأصبح أحسن قليلاً ولكنه أذاق أسرته وأولاده ومَن حوله وخاصة زوجته سونيا Sonya بالذات المرائر، وكم لسونيا Sonya من فضل عليه على الرغم من أنني أيضاً إلى وقت قريب كنت مُتحامِلاً على هذه السونيا Sonya لأن التاريخ هذا يُسجِّله – كما قلت – الذكور، فنحن الرجال نظهر في صورة المُنتصِرين دائماً أما النساء فلابد أن يكن ملعونات، ولكن عندما قرأت بالتفصيل وجدت أن المسكينة كانت إحدى ضحاياه، فكانت ضحية هُشام  –  والله العظيم – جُذاذ لتولستوي Tolstoy، فمُعامَلة تولستوي Tolstoy لزوجته كانت من أسوأ ما يكون، وهناك فصل أيضاً غير مُشرِّف وفاضح من تاريخ هذه العلاقة المُتوتِّرة المُربِكة على مدى سنوات طويلة لأنه كان لا يحترم الخصوصية، فكان يفضح خصوصياتها حتى الجنسية في الفراش مع كل مَن جاءه إلى بيته أو إلى مزاره، لأن تولستوي Tolstoy كان عنده مزاره فهو يرى نفسه نبياً لأنه كان مُصاباً بجنون العظمة أيضاً بشكل مُقرِف، علماً بأنه مسيحي أرثوذوكسي ومن هنا قال مرة لله ” هيا يا أبتي – أستغفر الله العظيم – تعال واسكنني، بالفعل بالفعل أنت تسكنني، أنت أنا”، أي أنه تماهى بالله أو بالإله الخاص بهم – يسوع Jesus – فظن نفسه – أستغفر الله العظيم – إلهاً، وكان يستغرب كيف أن الناس غير قادرين على استيعاب كلامه وعلى الخضوع له ليأخذوا بنبؤاته، فهو يُريد أن يُصلِح العالم كله أوله عن أخره بضربة واحدة، ولكنه فشل طبعاً ولم يُحقِّق الكثير، فقط خدم في مجاعات وقدَّم أشياء بسيطة هيك وشوية، وعلى كل حال كان يفضح خصوصيات المسكينة سونيا Sonya ومن هنا تحطَّمت نفسياً، فهل هذا يُعَد حكيماً؟!

أنا كنت أظنه من كبار حكماء العالم، فما هذا الحكيم الذي يحكي الفصول الفضائحية بينه وبين زوجته لكل مَن جاء إلى مزاره مِن كل مَن هب ودب؟!

فالمسكينة تُمعِّط شعرها وتكتب في مُذكِّراتها مُستنكِرة ما يحدث أن لا أحد يفعل هذا، فكيف تفعل هذا أنت؟!

لكن هذا هو تولستوي Tolstoy الذي تماهى بالله – أستغفر الله العظيم – فكما قال أحد النُقاد “أتى عليه حينٌ من الدهر كان يرى نفسه الأخ الأكبر لله”.

 في أحد سياقات الحديث الصحيح لأبي سعيد الخدري يبعث الإمام عليّ – عليه السلام – من اليمن  بذُهيبة –  قطعة ذهب – للنبي، ولكن من عظمة النبي أنه لم يأخذها إلى نسائه اللاتي في القصور لكي يتزين بها، أصلاً لم يمتلك النبي قصوراً، فجعل مباشرةً  يُقسِّم الذُهيبة ويقول هذه في هؤلاء وهذه في هؤلاء وهذه في كذا حتى جاءه رجل كالشيطان – والعياذ بالله – نظر هنا وهناك فلم يعجبه الأمر، فهو كان بمثابة أساس الخوارج ومن هنا قال للنبي “يا محمد اعدل فإنك لم تعدل من أول النهار”، أي كأنه يقول للنبي أن قسمتك هذه التي تُقسِّمها من أول النهار ليست بعدل وهذا شيئ مُرعِب أن يُقال هذا، ومع ذلك لم يأمر النبي لا بضربه ولا بقتله لأنه مسلم بل أمر بتركه، لكن هذا الموقف لو حدث اليوم لقال المشائخ هذا الشخص كافر ومُرتَد ولأفتوا بقتله، لكن النبي لم يفعل هذا وحكى الكلام المشهور في الخوارج، وأنا لا يهمني قضية التكفير والخوارج هنا ولكن الذي يهمني هو شيئ آخر مُرعِب فحتماً كان هذا الرجل مسلماً وكان يُصلي خلف النبي ويُصدِّقه بأنه سفير السماء لأنه نبي، ولكن السؤال الآن لأبي الخوارج هذا: بالله عليك يا أخي بأي منطق تُصحِّح أنت على رسول الله سلوكه الأخلاقي وتُشكِّك في قسمته فتقول أنها غير عادلة وأنت تعلم أن النبي معصوم فهو ليس شخصاً عادياً مثلنا ومن ثم لا يتحيز حتى ولو لنفسه لأنه يُمثِّل العدالة الإلهية على الأرض في شكل بشر؟!

لأن هذا الشخص المُعثَّر اللعين – والعياذ بالله – يُمارِس سلطة تقويمية تصحيحية، كأنه يُريد أن يُقيِّم سيدنا محمد على المعيار – Scale – فاليوم يُعطيه ستين في المائة وغداً ثلاثين في المائة وبعد غد سبعين في المائة، فهو يرى أن تقييمه لمحمد – أستغفر الله العظيم – يُعَد شيئاً عادياً، ومن هنا يُمكِنكم أن تفهموا الآن كيف يخرج علينا اليوم مشائخ بلحى ويُكفِّرون ويقتلون ويُحرِّقون بإسم الدين وهم مُقتنِعون أنهم على حق على الرغم من أن هذا عكس سلوك النبي تماماً، لأنك لو كشفت عن هذه البنية الداخلية التي عندهم لوجدت أنهم غير مُقتنِعين بأشياء كثيرة فعلها النبي، فهو ليس قدوة لهم طبعاً في كل شيئ، فهم عندهم القدرة على أن يُشرِّعوا أشياء حسب أمزجتهم مثل هذا اللعين هذا الذي اعترضت على قسمة النبي، فهؤلاء أيضاً من هذا  النسل الملعون الخبيث، لأن هذا الذي من المُفترَض أنه يعلم أن محمداً يُفرِغ عن السماء وأنه يُمثِّل فعلاً منطق السماء على الأرض وعدالة السماء على الأرض ليس بعيداً أنه يرى نفسه بمثابة الأخ الأكبر لله – Big Brother – الذي يُريد أن يُصحِّح أفعال الله، فهذا هو جنون العظمة – Megalomania – ومن هنا قد يعتبر أحدهم أنه في نهاية المطاف أكبر من محمد نفسه بل وأكبر حتى – أستغفر الله العظيم – من الذي أرسل محمداً مثل أبو جهل – لعنة الله عليه – وأمثال أبي جهل الذين نزل فيهم  القرآن “وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۩”، وعند تفكيك هذه المقولة نجد أن معناها أنهم يقولون

“إذا فعلاً الله أرسل محمداً – علماً بأن فرض المُحال يا أبا جهل ليس بمُحال – وبالتالي أصبح محمد نبياً ورسولاً من عند الله فإنا نُريد أن ندخل جهنم في الدُنيا وفي الأخرة ولن نُؤمِن بمحمد”، إذن أبو جهل وأمثال يُصحِّحون على الله وهذا هو جنون العظمة بعينه -Megalomania الذي كان موجودواً عند هؤلاء الناس، فنسأل الله – تبارك وتعالى – أن يتم علينا نعمة العقل والدين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

إذن اقرأوا كتاب الله لأن في كتاب الله  يتأسَس في المُؤمِن وفي القارئ وفي التاليٍ اعتقادٌ أنه كائنٌ كما حييَ فسوف يموت، إذن فلست بباقٍ، لست بدائم بل أنت محكوم بالفناء، في كتاب الله يتأسَّس عند هذا التالي اعتقادٌ أنه كائن نسبي ضيق ومن ثم  تعتوره الجهالة والنسيان والشهوة والأغراض والأمراض فيبرأ بإذن الله تبارك وتعالى، في كتاب الله أيضاً يتأسَّس عند هذا التالي أن هناك قوة وحيدة فقط يكون ما تريد هى الله – تبارك وتعالى – ومن ثم لا أحد يستطيع أن يفرض ما يريد على الدُنيا وعلى العالم وأن يُعيد خرطنة الوجود كما يريد، فهذا تأله وجنون عظمة وكفر.
إذن علينا أن نتواضع وأن نُدرِك حدودنا البشرية بكل تواضع وبكل صحة وسوائية نفسية وعقلية لكي يُمكِن أن نُؤدّي بعض الخير إلى أنفسنا وإلى العالم وإلى الناس.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (14/3/2014) 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: