الأخبار والآثار 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، واهدِنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مُستقيم. اللهم آمين.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

أُحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

في البداية في الحقيقة أُحِب أن أُشير إلى أمرٍ قد يعرض لكلنا، في الحقيقة هو يعرض لي أيضاً شخصياً حتى أكون صادقاً مع نفسي ومعكم، وهو أن المرء أو الواحد منا لا يملك أحياناً إلا أن يتأثَّم، يُخامِره شعورٌ بالإثم شاء أم أبى ويخشى على نفسه الهلكة، يقول أنا أبحث في قضايا مثل هذه، أمس جناب مَن عُلِّمنا أنهم صحابة والصحابة كلهم أجلاء ومحفوظون وكملة ولهم من المزايا والمثابة ما هو معلوم ومُقرَّر، كيف يكون هذا؟ يشعر بالإثم شئنا أم أبينا، يأتي العقل ويدخل على الطريق، يقول لا، لكنك تتعاطى مع الدليل ومع البُرهان ومع الوعي المُنير فلا بأس، العقل يشده إلى جانب والقلب يشده إلى جانب، فكَّرت في هذا طويلاً ثم بدا لي أنه منطقي ومفهوم تماماً، هذا الوضع أو هذه الحالة منطقية ومفهومة تماماً، هل تعرفون لماذا؟ بحكم التأنس والنشأة وطول التمادي على هاته الأفكار على أنها مُعتقَدات، نحن لم نُلقَّن أيها الإخوة أن نتعاطى مع هذه القضايا على أسس أنها مباحث علمية وتاريخية يُمكِن أن تُناقَش بكل أريحية وبكل تفتح، نحن عُلِّمنا مُنذ نعومة الأظفار أن نتعاطى مع هاته المسائل على أنها عقائد، هذا يدخل في العقائد، هذه عقيدة، ولذلك طبعاً حين يأتي الإنسان على كبر – بعد ثلاثين أو بعد أربعين أو بعد خمسين أو بعد ستين سنة – ويبدأ يُراجِع موقفه من بعض هذه العقائدة تكون المسألة مُحرِجة جداً جداً بالنسبة إليه، كيف؟ أنا الآن أُراجِع عقيدتي، أنا الآن أُشير بالنقص أو بالنقد أو بالاتهام للعقيدة، فيشعر بتحرج شديد، طبعاً الخطأ أساسه سيكولوجي كما قلنا، حتى هذا الشعور نفسه هو ذو منشأ سيكولوجي وليس ذا منشأ ديني حقيقي ولا اعتقادي ولا عقلي، ما المنجاة إذن؟ ولذلك بالمُقابِل أزعم – أزعم غير مُتردِد – أن الشيعي – مثلاً – سواء الزيدي أو الاثني عشري لا يشعر بأي حريجة حين يتناول هذا الموضوع مثلاً، أليس كذلك؟ بل أنا أزعم أنه لا يشعر بأي حريجة حين يتناول فعلاً مَن لا يجوز المساس بجنابهم الشريف كأبي بكر وعمر – مثلاً – رضيَ الله تعالى عنهما، يقع فيهما ويتنقَّص منهما ثم لا يشعر بأي حريجة وهذا عجيب، لماذا؟ وفي نظرنا الحرج كله أن تمس أمثال هاته الشخصيات – مثلاً – على أنها ليست معصومة، لكن حرج شديد أن تُتناول بجسارة وبما ينقص من قدرها وبما يغمز قناتها، لماذا؟ لأنه نشأ على عدم احترام هذه الشخصيات، لم يتعلَّم أن احترامها من أصول الدين، بخلاف الإمام عليّ عليه السلام، أليس كذلك؟ لا يُمكِن أن يسمح لنفسه ولا يسمح لأحد أن يُمَس شيئٌ من جناب الإمام عليّ، أليس كذلك؟ نشأ على هذا، وفي المُقابِل تجد كثيراً من السُنة وعلماء وأئمة السُنة – أي عُلمائنا – يمسون جناب عليّ ويغمزون قناته كما فعل ابن تيمية وغير ابن تيمية، ولا يزال يُفعَل هذا إلى اليوم، تُغمَز قناة عليّ بكل بساطة، ولا يتحرَّج هذا السُني، لأنه تعلَّم أن يتعامل مع عليّ على أنه تقريباً – كما قلت – من قامة مُعاوية، نظرياً هو أفضل من مُعاوية وعملياً ونفسياً هو أقل من مُعاوية، ابن تيمية في مُعظَم المسائل التي ناقشها في منهاج السُنة يُحاوِل جاهداً أن يُبريء ساحة مُعاوية وأن يغمز قناة عليّ، في مُعظَم المسائل بشكل يبعث على الغضب فعلاً والإنكار، مَن شيخ الإسلام هذا الذي دائماً يُريد أن يُخرِج لنا مُعاوية معصوماً كاملاً وعليّاً مغموزاً قناته؟ غير معقول، حتى في القتال – في قتال صفين – قال ومُعاوية من المعلوم من حاله أنه ما كان حريصاً على القتال ولا يُريد القتال – مُعاوية لا يُريد القتال، مُسالِم ما شاء الله عليه الرجل وداخل في الطاعة وحمل وديع – وغيره كان أحرص منه على القتال، تحدَّث بهذا التعبير، يغمز قناة عليّ بشكل واضح، عليّ أحرص منه على القتال، ولذلك للأسف للشديد عند المُستغفَلين منا – من إخواننا من أهل السُنة، أي منا – جرت العادة على أن يُردَّد هؤلاء المُغفَّلون المُستغفَلوم عبارة “جراءة عليّ على الدماء”، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ۩، عليّ عنده جرأة على الدماء، وزعموا أن الذي جرَّأ عليّاً على الدماء هو قول النبي ما يُدريك لعل الله أن يكون اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وعليّ أكبر بدري بل هو فارس بدر إلى جانب حمزة، فهو اغتر بهذا الحديث، ما شاء الله هم أفقه من عليّ وأتقى من عليّ وأورع!
على كل حال حين تأتي النوبة – لعلها في الأسبوع المُقبِل، دائماً نُوجِّل لأن الموضوعات مُتداخِلة وكثيرة جداً جداً للأسف – إلى الحديث والإسهاب في الحديث عن الطائفة الباغية والبغي وأحكام البُغاة سوف نرى المدى البعيد الذي ذهب إليه الإمام عليّ – عليه السلام – في الحرص على الدماء وعلى عدم البدء في القتال لا في الجمل ولا في صفين وعلى عدم قتل الأسرى وعلى عدم التذفيف على الجرحى والحرص على عدم اتباع المُولين للأدبار، هذه الأحكام الثلاثة الرئيسة إلى جانب أحكام أُخرى تتعلَّق بالمال هي التي سنها بشكل واضح وجرى عليها الإمام عليّ – عليه السلام – حتى قال الإمام الشافعي فيما أثر عنه الشافعية أنفسهم لولا قتال عليّ للبُغاة ما علمنا كيف السيرة في قتال البُغاة، هو الذي علَّمنا قال، الذي علَّمنا السيرة في قتال المُشرِكين رسول الله، والذي علَّمنا السيرة في قتال المُرتَدين أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، والذي علَّمنا السيرة في قتال الباغين الإمام عليّ عليه السلام، وهذا يُنسَب إلى الشافعي أيضاً، نقله الإمام – أقضى القُضاة – الماوردي في كتابه العظيم الموسوعي الحاوي في فقه الشافعية، نقل هذا عنه، هذه السيرة عن الرسول والسيرة عن أبي بكر والسيرة عن عليّ في قتال هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، هذا عليّ، يُتهَم عليّ بأنه كان مُتوسِّعاً في الدماء، كان جريئاً على الدماء، شيئ غريب جداً جداً، والله إنه الكذب بعينه، لكن لا أدري ما مبعث هذا الحرص على غمز قناة هذا الإمام الكامل الجليل إلا أن يكون شيئاً من النفاق كما قال الرسول في القلب، ولا يُبغِضك إلا مُنافِق، شيئ من النفاق ومن ضعف الإيمان ومن غلبة الشقاوة على الإنسان أو الوضاعة في الشخصية وفي العقلية وفي النفسية، هناك أنفس وضيعة، أنفس صغيرة لا تُحِب الكملة، لا تُحِب العظمة، لا تُحِب المجد، لا تُحِب البطولة، لا تُحِب الفروسية، لا تُحِب العدل، تُحِب مَن يُخزيها، تُحِب مَن يستذلها، تُحِب مَن يُهينها، مثلما كان يفعل مُعاوية، وسوف تقفون اليوم على طرف مما كان يفعل مُعاوية، شيئ غريب، مُعاوية – مثلاً – أن تُدبِر عن بيعته هذا إذان بالهلكة، غير مسموح لك ألا تُبايع مُعاوية، ستهلك أنت وأهلك فانتبه، وهذا معروف، هذا كان يعرفه الصحابة، لا يُوجَد لعب عند مُعاوية، الإمام عليّ بايعه مَن بايعه، قلة بسيطة جداً جداً لم تُبايعه فقيل له بالمنطق السائد أفلا نحملك على بيعتك؟ – هذه بيعة إمام رغماً عنهم، الإمام عليّ حين لم يُبايع أبا بكر أُريد حمله على أن يُبايع، أليس كذلك؟ بالقوة تُبايع، وهو مَن هو، وهو الذي كان يرى أنه أحق بهذا الأمر من أبي بكر وغير أبي بكر رضيَ الله عنهم أجمعين كما في صحيح البخاري، كنا نرى أننا أحقك بهذا الأمر فاستُبِد علينا، هكذا صرَّح وهذا ثابت في الصحيح – لكنه قال لا، لا تُكرِهوهم، لا يُريدون أن يُبايعوني فمع السلامة، هم وما اختاروا، قال لا تُكرِهوهم ودعوهم وما اختاروا لأنفسهم، الله أكبر، عدل، رجل عنده عدل عجيب جداً وورع وتُقى، الإمام عليّ كان أمير المُؤمِنين وسبه أحد الخوارج، لكن لم يسبه في ساحة معركة تندر فيها الرؤوس عن الكواهل، إنما سبه في مسجد، في ساحة سلم، فأرادوا أن يهموا به، قال لا، اتركوه، لماذا تضربونه وما إلى ذلك؟ حتى الضرب لا يجوز، قال إنما هو سبٌ بسب أو عفوٌ عن ذنب وقد عفوت، أنا عفوت، هذا الإمام عليّ لأنه فارس، هذا الرجل فارس، يا إخواني عنده أخلاق فارس، وبعد ذلك الإمام عليّ هو رجل الحق، عنده ثقة مُطلَقة بالحق، كلامي هذا – والله يا إخواني – يفهمه مَن عاش بهذا المنطق، وهذا المنطق يُمكِن أن يُعطي رجلاً ضعيف البنية – ضعيف الجسم – وضعيف النسب والحسب وقليل المال وعديم الشُهرة قوةً معنويةً هائلةً يتحدى بها العالمين، أي منطقٍ أعني؟ أعني منطق الاستيثاق واليقين بالحق، أي الاستعصام بالحق، الحق وكفى، مَن آمن بهذا المنطق يرى أن الحق قوة في ذاته وقوة بذاته، لا يحتاج إلى الرُشى ولا إلى الخدع ولا إلى الأفائك ولا إلى الدعايات ولا إلى الإعلام ولا إلى الكذب ولا إلى التدجيل، هو الحق، مَن أحبه فليأخذه ومَن رغب عنه فلا يسفه إلا نفسه، هكذا كان الرسول عليه السلام، أليس كذلك؟ الرسول كان كذلك، الرسول لم يصطنع في حياته حيلة واحدة لكي يستميل الناس إلى الحق، لم يصطنع حيلة أبداً، وكان يأكل كما يأكل الناس ويشرب كما يشرب ويلبس كما يلبس الناس، النبي لم يكن له لبسة خاصة – هذه لبسة النبي – والصحابة لهم لبسة، اليوم العلماء لهم لبسة خاصة، لابد للشيخ أن يكون له لباس خاص غير لباس المُسلِمين، هذا لازم، مثل أحبار اليهود والنصارى، النبي لم يختص نفسه بلباسٍ خاص يُنادي عليه أنا نبي وأنتم سوقة، أنا نبي وأنتم أتباع، وكان لا يُعرَف من بين أصحابه، يجب أن نتعلَّم هذا المنطق، علماً بأنه من الصعب أن نتعلَّم وأقول لكم مشائخنا وعلماؤنا يأبون أن يتعلَّموه، لا يُريدون هذا، هذا لا يُساعِدهم، لابد أن يتميَّزوا علينا على الأقل باللباس، أربع سنوات دراسة في كلية شرعية ثم يلبس، أربع سنوات فقط ثم يلبس، يضع على رأسه العجلة ويقول لك أنا شيخ فانتبه، ما هذا؟ شيخ بالعلم، شيخ بالدليل وليس بالعجلة وما إلى ذلك فانتبه، يجب أن تُفضَح الحقائق حتى الناس تتعلَّم، هكذا كان النبي، لا يُعرَف ولا يُميَّز من بين أصحابه عليه السلام، ويبيت في المسجد أحياناً وينام وربما نفخ، وهذا غريب، لا يفعل هذا قائد، لا يُمكِن لقائد روحي ولا قائد غير روحي يفعل هذا بين أتباعه لأن هذا يحط من مقامه ويُقلِّل من هيبته، عليك كقائد ألا تفعل هذا، وانظروا إلى بعض الناس كيف يتحدَّث، بعض الناس لا يستطيع أن يتحدَّث بتلقائيته وعلى هينته كما يُقال، لابد أن يتشدَّق في الحديث وأن يدّعي الحلم وأن يدّعي الفصاحة ويتكلَّم ببطء شديد، ما هذا؟ تكذب على مَن يا أخي؟ تُدجِّل على مَن؟ تكلَّم على هينتك، والنبي قال إن الله يُبغِض الرجل يتفيهق في الحديث، يتشدَّق في الحديث، يتخلَّل كما تتخلَّل البقرة بلسانها، الله لا يُحِب هذا، النبي قال الله يُبغِض هذا، تكلَّم كما علَّمك الله أن تتكلَّم، على هينتك، على طريقتك، على سجيتك، والناس ترغب في هذا وتشعر بالصدق وبالطبيعية والبدهية، لا يُوجَد تكلف، ديننا دين التلقائية والصدق، وليس دين التمثيل والافتعال والتزييف، لكن حياتنا أصحبت كموماً من الزيف، الناس اختلط عليهم الأمر، حياتناً أصبحت كموماً وجبالاً من الزيف، شيئ عجيب، الله المُستعان، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩.

على كل حال نعود، فالرسول كان هكذا يسلك عليه الصلاة وأفضل السلام، يوم تُوفيَ ابنه إبراهيم – عليه السلام – اتفق – سُبحان الله – أن كُسِفت الشمس أو كسفت فقالوا ما كُسِفت إلا لموته، النبي لو كان عنده أدنى حظ من البراجماتية ومن طريقة الساسة في التعامل لسكت، على الأقل اسكت، اترك الناس تعتقد أن الشمس كُسِفَت لأجل أن ابن الرسول مات، النبي لم يكن ليسمح بهذا أن يمر، مُباشَرةً قام وقال أيها الناس – وقد سمع مقالتهم – إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى الصلاة والاستغفار، قال لهم لا، قال كلام فارغ، مُجرَّد اتفاق هذا، الله قدَّره لكن ليس له علاقة بموت ابني، هذا يخدم الدين، هل تعرفون لماذا؟ النبي حتى لو سكت مُجرَّد سكوت بعد مائة سنة أو بعد خمسين أو بعد ألف سنة يتفق أن يموت طاغية عظيم من طُغاة المُسلِمين أو طُغاة الكافرين وتكسف الشمس فيُقال كُسِفَت لموته، كما الآن أُريد لبعض المُغفَّلين أن يستغفلوا الفارحين بنصرهم في ليبيا ويُشيعوا أن هناك طيراً بيضاً أو طيوراً بيضاًء تُحوِّم حول قبر القذّافي، الملائكة تنزَّلت من السماء يا جماعة، الرجل مظلوم، الرجل بريء، والرجل طاهر الذيل، كأن الألوف من البنات والنساء اللاتي اغتُصِبَت أعراضهن وكأن مئات الكيلوات من الفياجرا Viagra التي كانت تُوزَّع ورأيناها مُصوَّرة وكأن الجرائم التي رأيناها كحرق الناس – حرق الناس أحياء – وقتل الناس أمور باطلة يا سيدي، لم يُغتصَب أحد، لم يُحرَق أحد، لم يُقتَل أحد ظلماً، ماذا عن الخطابات التي سمعناها والعالم كله رآها وبثتها الفضائية الليبية؟ يُهدِّد بقتل شعبه ومُطارَدة شعبه شارعاً شارعاً ودولاباً دولاباً وحارةً وحارةً وكذا وكذا، ما هذا؟ هل هذا كله باطله؟ ونسينا طبعاً الشباب الأبرار الذين كانوا يُشنَقون مع أذان المغرب في رمضان – في شهر الله – في الثمانينيات، لأنهم يقولون ربنا الله، يُشنَقون بطريقة بشعة جداً جداً، تقشعر لها الوجدانات، القذّافي أصبح بريئاً وأُريد أن يُصوَّر الآن ملكاً من الملائكة وضحية الظلم والهمجية الثورية الليبية، ما هذا؟ ما هذا المنطق؟ هذا منطق يشيع ويُستغفَل به المُغفَّلون السُفهاء دائماً، لكن الأمور أوضح من هذا بكثير!

على كل حال ما أحببت أن أُفضي به هو هذا المعنى إخواني وأخواتي، حين تتحرَّج هناك حل، ما هو الحال؟ الحل هو قل لنفسك هل تعبَّدني الله بما لا أعقل وبما لا أفهم وبما لا أُوقِن أم تعبَّدني بشيئ أعقله – بعقلي – من دليل شرعي من كتاب وسُنة ومن حقائق التاريخ أو الواقع؟ طبعاً مُباشَرةً سوف يأتيك الجواب لائحاً، الله – عز وجل – تعبَّدك بما تُوقِن به عن دليل وعن بيّنة وعن بُرهان، فإذا لاح الدليل وقام البُرهان وشع شعاعه بأن هذا حق وهذا باطل وهذا مُحِق وهذا مُبطِل اطمئن يا أخي، اطمئن، فأنا أُحاكِم هذا الرجل إلى كتاب الله وسُنة رسوله، وأنا أُشهِد الله الذي لا إله إلا هو والملائكة وأُشهِدكم والناس أجمعين كلما أمعنت في قراءة هذا الرجل – أُشهِد الله العظيم – ازداد يقيناً في أنه طاغوت كبير جداً جداً – مُعاوية طاغوت من الطواغيت وأُشهِد الله على هذا – وأنه نُكِب به الإسلام ما لم يُنكَب حتى بأحدٍ مثله، لم يُنكَب الإسلام ما نُكِب بمُعاوية بن أبي سُفيان، وسوف يبدو لكم هذا في الحلقات الآتية حلقة حلقة ومرة مرة وبالدليل، لكن عن علم، عن غير علم يقول الإنسان لنفسه كيف؟ كيف تتجرأ أن تقول هذا؟ وسوف أُطلِق كلمة الآن وأُعيدها في آخر الحلقات هذه، لا أدري بعد كم – الله أعلم – إذا كتب الله لنا فُسحة ومُد في الأجل، كفى بالعمى في مُعاوية عمىً، كلمة أقولها لله، كفى بالعمى في مُعاوية عمىً، أعني مَن عميَ عن مُعاوية ولم يفهم مَن هو مُعاوية وما حقيقة مُعاوية هو أعمى الخلق ولن يفهم شيئاً بعد ذلك، لن يرى شيئاً، لن يستطيع أن يفهم شيئاً، في الرجال أقصد، أي في الرجال وتقويم الرجال والأحداث، لأن هذا الرجل واضح جداً جداً، وهو عندي – أقولها بالفم الملآن – دجّال من الدجاجلة العِظام، علماً بأنه دجّال مُنقطِع النظير في الأمة هذه، ما شهدت أمة محمد دجّالاً كمُعاوية الصحابي الجليل الذي دأبنا على أن نترضى عليه، وعلى كل حال في صدر كل دليل يصح عن رسول الله ترى التمعذرات والتمحلات أبرد من الثلج وأسخف من السخف لكبار علمائنا، أقول إِنَّا لِلّهِ ۩، هل هذا كلام علماء؟ هل يُمكِن لعالم أن يقول هذا الكلام؟ وهو كلام مَن يجهل الحقائق جُملةً وتفصيلاً، كلام مَن لم يقرأ حقيقةً، كلام أُناس مثلنا تلقوا أشياء، قرأوا الأحاديث فقط في الكتب المشهورة ولم يُمِعنوا في قراءة الكتب والأدلة والتواريخ، لم يُمعِنوا ولم يُتعِبوا أنفسهم، لم يفعلوا هذا الشيئ، لكن مَن أتعب نفسه وبحث ونقَّر لابد أن يسوء ظنه في مُعاوية طبعاً مع قصده الحق، إنسان يطلب الحق ويُمِعن في الدرس لابد أن يعود بظنٍ سيئ جداً في مُعاوية فقط بعد أن يقطع مراحل في الدرس!

حتى لا أُطوِّل عليكم بالمُقدِّمات سأدخل اليوم في حديث جديد عن رسول الله، نحن في الحلقات السابقة أيها الإخوة تحدَّثنا بإسهابٍ عن حديث لا أشبع الله بطنه، وقلنا هذا الحديث طبعاً ثابت صحيح، لم يُنكِر أحد صحته، لأنه ثابت في الصحاح، في مُسنَد أحمد وفي صحيح مُسلِم وفي غيره طبعاً، نحن خرَّجناه على التفصيل المُناسِب للمقام، فالحديث لم يقدح أحدٌ من العلماء في صحته، لكن حاولوا القدح فيه بل إلغاءه بل عكسه ونكسه، نكَّسوه وجعلوه فضيلةً ومنقبةً ورحمةً وزكاةً وقُربةً وأجراً لمُعاوية بحُجج وتمحلات لم يقم منها شيئ، كلها مُجرَّد إزراء بعقول مَن قالها، فقط يقولها لكي يُزري بعقله المسكين – أياً كان هذا الإمام أوالعالم للأسف الشديد – على أن الحكم في ذلك إلى الواقع الذي اعترف به هؤلاء أنفسهم، وهو أن مُعاوية مات ولم يشبع، مُعاوية كان لا يشبع، هكذا قال ابن كثير الذي يُدافِع عن مُعاوية والذي جعل هذا الحديث من حسنات ومن مناقب مُعاوية في الدنيا والآخرة وأن هذه الدعوة النبوية وافقته في أيام مُلكه وانتفع بها ما لم ينتفع بها أحد في دُنياه وأُخراه ما شاء الله، واستمعنا إلى الكلام ورأينا كيف يُفنَّد، لكن يعترف ابن كثير بأن مُعاوية ما شبع وأنه كان يأكل سبع مرات في اليوم وأكلاً كثيراً جداً ثم يقول لا أشبع وإنما أعيا، إذن أصابته أو لم تُصِبه؟ أصابته، النبي قال لا أشبع الله بطنه!
وختمت أيها الإخوة بالحلقات السابقة بالتعليق والقول الكاشف عن نُكتة هذه الدعوة، لم شاء النبي – عليه السلام – أن يدعو عليه بهذه الدعوة “لا أشبع الله بطنه”؟ سوف يقول لي أحدكم هذا واضح، لأنه تلهى عن النبي واعتل بأكله، أي تعلَّل بأكله، النبي يقول له تعال، أُريدك في حاجة، لعلها كانت كتابة، مثل كتابة رسالة إلى ملك أو أمير، فالرجل يعتل مرتين أو ثلاث مرات بالأكل، يقول آكل، لا تُوجَد استجابة للنبي، انظر إلى الأدب العظيم، أنا لا أدري كيف يُمكِن لمُسلِم أو مُؤمِن أو مُؤمِنة صدق الله ورسوله الحُب والإيمان أن يقرأ هذا الحديث الصحيح ثم يُحسِّن الظن بمُعاوية، غير معقول، لو صدر من أي إنسان هذا فهذا كافٍ في توجيه تُهمة عظيمة إليه، أنه كذا وكذا على الأقل، لكن مُعاوية حين يفعلها لا يهمهم هذا، يتأخَّر الرسول قليلاً وتتأخَّر رُتبة الرسول واحترام الرسول لأجل عيون مُعاوية، علماً بأن هذا ما يحدث، إلى الآن الأمور تسير بالطريقة هذه، مَن أنت؟ مَن أنت حتى تعتل بالأكل عن تلبية رسول الله عليه السلام؟ ولو كنت في صلاتك لوجب أن تُجيبه وأنت في الصلاة كما في حديث أبي سعيد بن المُعلى في صحيح البخاري وكما في حديث أُبي بن كعب في سُنن الترمذي، في الصلاة تُجيبه، تقطع الصلاة وتقول له نعم يا رسول الله، لبيك يا رسول، ماذا تُريد؟ في الصلاة تفعل هذا، والنبي أمرهم بهذا، تقطع صلاتك وتُكلِّمه، لكنه قال أنا لا آكل، لست مُتفرِّغاً لك فارجع، ما هذا؟ ويُقال مُعاوية رضيَ الله عنه وأرضاه، يا حبيبي ما شاء الله على عقلك، كمَّل الله لنا العقل والدين، غير معقول، لكي تعرف كم استُغفِلنا وكم يُضحَك علينا لصالح بني أُمية ولصالح مُعاوية وطُغمة مُعاوية إلى اليوم، والرسول يتأخَّر، والرسول إن تحدَّث حديثاً ينال فيه أو يغمز فيه من مُعاوية أو آل أبي الحكم أو آل حرب يُدفَن هذا الحديث بفتوى أحمد وغير أحمد، يُدفَن ويُحرَق ويُخرَق أو يُخرَّق، هذا ممنوع، نقول للرسول اصمت، ما كان عليك أن تتكلَّم، يا أخي ما هذا؟ ما هذا؟ شيئ غير معقول، اليوم كان معي عالم جليل فاضل أزهري، قال لي الذي أسمعه – والله العظيم – يكاد يجعل عقلي ينفجر، جُنَّ الرجل، أزهري مُتميِّز، تميَّز على فرقته، مائتان وخمسون رجل تفَّوق عليهم وأصبح الأول، قال لي شيخنا – طبعاً هو يُراجِع ما يقول – بسبب الذي أسمعه – والله – أخشى على نفسي من الجنون، قلت له نعم فحاذر، قلت له حاذر أن تنفجر، ولكن استعصم بالله واستهد بالله لكي تعرف الحقائق، قال لي شيئ عجيب، ما هذا؟ بدأ يعرف الحقائق، بدأ يعرف حقيقة مُعاوية، لماذا نُعلِّم هذا الدين بالطريقة المعكوسة هذه؟ لمصلحة مَن؟ ألف وأربعمائة سنة يا أخي، هذا غير معقول، غير معقول الذي يحدث هذا، ولك أن تتخيَّل هذا، اليوم وقع هذا الحديث الطويل – خمسون دقيقة – مع عالم أزهري وهو الأول على دفعته، قال لي يكاد رأسي ينفجر مما أسمع، قلت له هذه الحقيقة!
على كل حال نأتي الآن إلى حديث آخر عجيب جداً جداً، أنا قرأت تقريباً مُعظَم الشروح حول هذا الحديث، لا يُوجَد إمام لا في القديم ولا في الحديث أولاه ما يستحق موضع الشاهد فيه والاعتبار، لم يتفق مرة أن الرسول الكريم الرؤوف بالمُؤمِنين الرحيم آدب خلق الله وأعظم خلق الله حياءً نعت أحداً من أصحابه بالصعلوك إلا مُعاوية، النبي لا يقول هذا، والنبي لا يُعاير الناس بالفقر، بالعكس النبي صحَّ عنه دائماً كان يُعلِّم الناس أن الغنى ليس عن ظهرٍ، الغنى ليس عن كثرة العَرض، الغنى غنى النفس، هذا منطقه، وهذا في الصحيحين وفي الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم، هذا ما علَّمناه الرسول عليه الصلاة وأفضل السلام.

أيضاً علَّمنا – صلى الله عليه وآله وسلَّم – ما تعرفون حين مر رجل غني وعليه ثياب فارهة، أي ثياب المُترَفين، قال لمَن معه ما تقول؟ قال يا رسول الله هذا حريٌ إن تكلَّم أن يُستمَع إليه، وأن خطب أن يُزوَّج وأن شفع أن يُشفَّع، هذا شفيع مقبول وصهر ما شاء الله يرفع الرأس، وإذا تكلَّم الناس تستمع لأن الرجل غني، سكت النبي، ثم مر رجل آخر فقير بأثواب وأسمال وأطمار بالية، فقير تزدريه العين بل تقتحمه العين، قال النبي ما تقول في هذا؟ يا رسول الله هذا حريٌ إن تكلَّم ألا يُستمَع إليه – الناس لا يستمعون إلى مثل هذا، مَن أنت؟ فقير، صعلوك أنت، يُسمونه صعلوكاً كعصفور – وإن خطب ألا يُزوَّج – لا يُزوِّجون الناس هذا، يقولون له اذهب وخُذ من ثوبك مَن مثلك، لا تتزوَّج منا، نحن عائلات كبيرة – وإن شفع لا يُشفَّع، قال فاعلم أن هذا خيرٌ من ملء الأرض من أمثاله هذا، هذا محمد، هنا محمد يتحدَّث، صلى الله على محمد، هذا المنطق القرآني النبوي الرباني، قال الله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، ليس بالمال وليس بالعلم وليس باللباس وليس بالسُلطة وليس بالحسب وليس بالنسب، وإنما بتقوى الله تبارك وتعالى، بالصفاء والطهارة وعفة النفس واستقامة السيرة وحُسن السريرة، هو هذا، هذا النبي، النبي يتحدَّث هنا فأهلاً وسهلاً، لكن النبي استثناءً ولما ستفهمون بعد قليل نعت واحداً من أصحابه – الصُحبة اللُغوية كما أُسميها، هذه الصُحبة اللُغوية أو العرفية حتى لكن ليس في عُرف الشرع وإنما في عُرف الناس – نعته بالصعلوك، وليس هذا فحسب بل ونصح ألا يُزوَّج، قال لها لا تتزوَّجيه، هذا صعلوك، هل النبي يفعل هذا؟ النبي زوَّج رجلاً بخاتم من حديد، رجل آخر قال له ليس عندي، قال له والذي بعثك بالحق لا أجد خاتماً من حديد، ليس عندي ما تُزوِّجني به، قال له وهل معك شيئ من القرآن الكريم؟ قال نعم، معي الإخلاص ومعي كذا وكذا، قال له زوَّجتكها بما معك من القرآن، قال إذا جاءكم مَن ترضون خُلقه ودينه فزوِّجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وفي رواية عريض، رواه الترمذي وغيره وسوف أُخرِّجه بعد قليل، هذا هو النبي، في قضية مُعاوية بالذات قال لا، قال لا تتزوِّجيه وقال أنه صعلوك، لماذا قال صعلوك؟ وسوف نرى ما هو الصعلوك، ولماذا بالذات يا رسول الله وصفت الصحابي الجليل وأمير المُؤمِنين – كما سيُصبِح غداً – وخليفة المُسلِمين وملك الملوك بالصعلوك؟ لماذا دمغته بهذه الدمغة؟ عار، عار يستحقه، فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ والإمام مُسلِم وهو من أفراده – البخاري عنون به في عنوان باب، لم يُخرِّجه كحديث بالإسناد فانتبهوا، لأن للأسف بعض المُخرِّجين قال أخرجه الشيخان، يُوجَد غلط هنا، فهذا من أفراد مُسلِم، والذي عده في الإفراد هو المُصيب، لكن هو موجود في البخاري، فماذا عن هذا؟ موجود كعنوان، وليس كحديث بالإسناد وما إلى ذلك، انتبهوا لكي نكون دقيقيين، فهذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ والإمام مُسلِم في صحيحه – وأبو داود والنسائي والترمذي – إذن أصحاب السُنن أخرجوه إلا ابن ماجه – عن أبي سلمة بن عبد الرحمن – وهو ابن عوف طبعاً – أن أبا عمرو بن حفص طلَّق فاطمة بنت قيسٍ – فاطمة بنت قيس هي أخت الضحّاك بن قيس رضيَ الله تعالى عنها – البتة – طلاق البتة، أي بت طلاقها – وهو غائب فأرسل إليها وكيله – أي وكيل زوجها – بشعير فسخطته – رأت أن هذا غير كافٍ أو غير مُناسِب -. فقال: والله ما لكِ علينا من شيء، فجاءت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكرت ذلك له، فقال: ليس لكِ عليه نفقة، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال – النبي تراجع فقال -: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم. فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني – أي إذا قضيتِ العدة أعلميني أو خبِّريني -. قالت – الآن هي التي تقول بحسب السياق -: فلما حللت ذكرت له أن مُعاوية بن أبي سفيان – هذا مُهِم لأن بعض الشرّاح قال ليس هو مُعاوية بن أبي سُفيان، هو مُعاوية آخر، لكن هذا غير صحيح، مُصرَّح به عند مالك وعند مُسلِم وعند مَن ذكرت بالاسم، لكنهم لا يُريدون، ينبغي أن تسكت الحقيقة، يا أخي مُصرَّح به، قالوا لا، هذا مُعاوية آخر، لعله مُعاوية بن الحكم السُلمي الأعرابي، هذا أسلم مُتأخِّراً جداً، فهذا غير صحيح، مُعاوية بن أبي سُفيان مُصرَّح به في هذا الكتب التي ذكرتها، في الموطأ والسنن إلا عند أبي ماجه وعند مُسلِم مُصرَّح بأنه مُعاوية بن أبي سُفيان، هم لا يُحِبون هذا كما قلت لكم، لكن الحمد لله مُصرَّح هنا – وأبا جهم – مُعاوية وأبا جهم – خطباني – كأنها تستمزج رسول الله وتأخذ مشورته، تستنصحه وتقول له ما رأيك؟ هذا خطبني وهذا خطبني وقد انقضت عدتي -، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه – قيل كناية عن أنه ضرّاب نساء وهذا هو الصحيح، لأن هناك رواية عند مُسلِم ضرّاب نساء، فهي فُسِّرت، إذن هذا هو الصحيح، وبعضهم من الغفلة عن قراءة طرق الحديث والروايات والألفاظ استعجل في الشرح، قال المقصود بلا يضع عصاه عن عاتقه أنه رجل تسفار، أي كثير الأسفار، وهذا غير صحيح، صُرِّح في رواية عند مُسلِم بأنه ضرّاب نساء فانتهينا، إذن هذا هو الصحيح، هو يضرب النساء وليس كثير الأسفار، أي رجل تسفار أو مسفار -. وأما معاوية فصعلوكٌ لا مال له – عجيب، لم تقول هذا يا رسول الله؟ متى كان الفقر له مُدخَلية في الزواج وأنت تقول مَن ترضون دينه وخُلقه؟ مذهب الإمام مالك الكفاءة فقط في الدين، في التقوى فقط، لا مُدخَلية لا لحسب ولا لنسب ولا لغنى ولا لحرفة أو صنعة أو لا لعلم أبداً، هذا مذهب مالك الذي عبَّر عنه ابن القيم في زاد المعاد بأنه يمُثِّل روح الإسلام، قال هذا روح الإسلام، أي الدين، هذا الصحيح، لكن جمهور العلماء ذكروا خصالاً أربعة للكفاءة، تتذكَّرون في دروس الأحوال الشخصية أن الجمهور ذكروا هذا، لكن لم يذكروا من بينهما المال، ذكروا الصنعة، كأن يكون أحدهم نجّاراً أو حدّاداً أو بروفيسوراً Professor، هذه الصنعة وليس المال، المال شيئ آخر، هذا اسمه الغنى، الأحناف ذكروا الغنى، لكن جمهور العلماء قالوا الصنعة وليس الغنى، الكفاءة في الصنعة وليس في المال، هذا هو الصحيح، هذه روح الإسلام، النبي بالذات لم يكن ينظر إلى هذه الأشياء أبداً، لكنه قال هنا فصعلوكٌ لا مال له -، انكحي أسامة بن زيد – هل أسامة عُرِف بغنى؟ لم يُعرَف بغنى، أسامة نفس الشيئ، أين مال أسامة؟ أين ثروات أسامة؟ أين أرض أسامة؟ لا شيئ له أسامة، على أنه لم يكن في جمال مُعاوية، مُعاوية رجل طويل وأبيض وبض، أي سمين، كان حلواً وفي جماله، أُسامة كان أفطس الأنف طبعاً، لذلك كان للأسف بعض المُنافِقين يطعن في نسبه، لأن أباه زيد بن حارثة من أسرة كبيرة من الثُراة وكان أبيضاً جميلاً، لكن أُسامة سبحان الله كان أسود اللون وأفطس الأنف، فاتهموه وشكَّكوا في نسبه، لماذا؟ لأن أمه أم بركة الحبشية، المسألة وراثية، يبدو أنه نزع إلى أمه، أمه هي مُربية الرسول، حاضنة الرسول أم أيمن، أم أيمن بركة الحبشية رضيَ الله عنها، وسيأتيكم بعد قليل نبأ عن مُعاوية لتعرفوا كيف كان يسخر منها، نعم هذا صعلوك، اليوم درسنا عن صعلكة مُعاوية، كيف عاش هذا الرجل ومات صعلوكاً، وصلى الله عن مَن لا ينطق عن الهوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ۩، لا يُمكِن أن يخطر على بالنا أيها الإخوة أن نقيس الرسول بأي أحد أبداً، نحن بشر عندنا هشاشة وضعف ونزق وحمق، نحن ضعفاء، يغضب أحدنا فيتكلَّم بشيئ يندم عليه، لكن الرسول لم يكن كذلك، يتكلَّم بالحق في الرضا والغضب، لا يُمكِن غير ذلك، والرسول إذا تكلَّم بكلمة تكون حقاً، انتبه ولا تقل لي كما قالت قريش لعبد الله بن عمرو الرسول يرضى ويغضب وكما أراد أن يُشيع بنو أُمية بعد ذلك في أحاديثهم الغريبة العجيبة، فهو يرضى ويغضب لكن لا يرضى ولا يغضب إلا لله، وهو في كلتا حالتيه لا يقول إلا الحق، لا يُجاوِزه أبداً، هذا الرسول وهو معصوم، هذا ليس صحابياً، هذا رسول نبي معصوم فإذا وصف أحداً ونعته بأنه صعلوك يكون كذلك، وكما قلت لكم هذه المرة اليتيمة والوحيدة التي يدمغ بها أحد من أصحابه على سبيل التعيين، تحدَّث عن فرد ولم يقل صعاليك المُهاجِرين بمعنى أنهم فقراء مثلاً، لم يقل هذا أبداً، تحدَّث عن رجل وقال هذا صعلوك، لماذا؟ وحريٌ بنا أن نفهم ما هي الصعلكة بالضبط، في اللُغة العربية ما هي الصعلكة بالضبط؟ ما هي الصعلكة؟ متى يكون الإنسان صعلوكاً؟ هل كل فقير صعلوك؟ لا، ليست هذه وسوف نرى، قال فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد -، فكرهته – أسامه شكله غير جميل وما إلى ذلك، وأكيد ليس عنده مطمع، فقير أسامة، لماذا أسامة؟ – ثم قال: انكحي أسامة بن زيد، فنكحته. فجعل الله فيه خيراً كثيراً واغتبطت به، بعد أن تزوَّجت به – سبحان الله – رزقها الله قبوله وأحبته وعاشت معه سعيدة، ببركة ماذا؟ شورى رسول الله، الرسول لو كان يعلم في مُعاوية خيراً كشخص ما وصفه بأنه صعلوك، وهذا الوصف كان كافياً أن يجعل فاطمة بنت قيس تعود عنه مُجرَّد احتمال أن تنكح مُعاوية، النبي يقول لها لا، ونحن نتحدَّث عن صحابية جليلة – فاطمة بنت قيس – وعربية قحة، هذه عربية قحة وليست عربية مُهجَّنة، وهي ذكية، بذكاء العرب والصحابة حين سمعت النبي يقول أنه صعلوك لم تقل له يا رسول الله ليس هذا من هديك، ومتى كان الفقر عاراً؟ أليس كذلك؟ علماً بأن حين تكون هناك مُدخَلية للمُراجَعة كان بعض الصحابة يُراجِعون الرسول حتى أمهات المُؤمِنين، إذا لم يدخل شيئ مخهم ولم يكن مفهوماً كانوا يُراجِعون النبي، أليس كذلك؟ حتى في أشياء تختص بالعقيدة يُراجِعون، لكن هنا هي فهمت، النبي يقول صعلوك، هذا يعني أن الموضوع لا يتعلَّق بالفقر فقط، يُوجَد شيئ أبعد من الفقر، فقير في حقيقة إنسان لص، وهذه هي الصعلكة، أي التلصص، سرّاق كبير، سوف نرى كيف سرق هذا الرجل كل شيئ، سرق أمر المُسلِمين – الخلافة – ثم عاث بعد ذلك في أموالهم كما يشاء بطريقة أعجب – والله – ولا ينقضي عجبي كيف سكت عنها كل علمائنا، لم يبحثوها ولم يتكلَّموا كأنه تصرّف طبيعي جداً جداً جداً، سيدنا أبو بكر يُكفَّن في ثوبه الذي مات فيه، سيدنا عمر يسير بمُرقَّعة فيها سبع عشرة رقعة، سيدنا عليّ ثوبه بثلاثة دراهم ويركب حماراً، شيئ لا يُصدَّق، مُعاوية بن أبي سُفيان يعطي هذا مائة ألف وهذا مائتين ألف وهذا خمسين ألفاً وهذا عشرة آلاف وهذا مائة ألف وهذا مائة ألف وهذا أربعمائة ألف وهذا كذا وكذا، ما تكلَّموا وقالوا بأي طريقة، هل تعرفون مَن الذي تكلَّم فقط ودفع الثمن؟ أبو ذر الغفاري، قال ما هذا؟ لا يجوز هذا، لم يُعجِبه أبداً وظل يجأر، فبعث مُعاوية لسيدنا عثمان، قال له أدرك، هذا سوف يُخرِّب كل شيئ، هذا يُؤلِّب الناس، كيف يُقال أنه يُؤلِّب الناس؟ ما هذه التصرفات؟ متى كان هكذا الوالي؟ كان لا يزال والياً فكيف حين صار خليفة والأمر كله بيده؟ هذا درس اليوم، سوف نرى هذا الصعلوك، ولذلك أنا أتبعت حديث لا أشبع الله بطنه بحديث صعلوك لا مال له، وفعلاً يا أخي – سبحان الله – لم يشبع ولم يقنع وظل صعلوكاً، لأن الغنى أين؟ في النفس لا عن الظهر، مُعاوية ظل جشعاً إلى كل الأموال، يُريد أي شيئ من المال، جره هذا أن يُتاجِر حتى بأصنام الهنود والعياذ بالله، أكيد كانت لبوذا Buddha وشيفا Shiva وما إلى ذلك، هذا في الحديث الذي ذكرناه عن مسروق، وقال مسروق والله إني لا أدري أي الرجلين مُعاوية…. إلى آخره، هذا قبل أسبوعين، غير معقول، لأنه يُريد المال، ويستحل ربا الفضل، فيه مساغ للاجتهاد خالف فيه ابن عباس ويُقال أسامة بن زيد، ولكن يا أخي أنت رجل عندك بلايين، لو تقرأ ماذا كان خراج البلاد في أيام مُعاوية لن تُصدِّق، شيئ لا يُصدَّق، يُقال مائة ألف ألف خراج البلد الفلاني، أي مائة مليون، هذا خراج بلد واحد، أموال لا عد لها ولا حصر، هل لا تزال طامعاً وتُخالِف الرسول في ربا الفضل وأسخطت عليك أبا الدرداء وعُبادة بن الصامت – كما في صحيح مُسلِم – حتى هجر بلاد الشام؟ وقال عُبادة والله لا أسير في جُند مُعاوية في ليلة سوداء، قال له لن أُجاهِد معك حتى، كيف تُخالِف رسول الله عيني عينك يا أخي؟ من أجل ماذا؟ هل أنت جائع للمال؟ جائع، يُتاجِر في الخمر وقد رأيتم الأحاديث، يُتاجِر في الخمر، وهذا طبعاً سيأتي في حلقات مُخصَّصة ذلك، لكي نُوثِّق موضوع الربا وموضوع الخمر، فالأمر لا يقتصر على شربه بل ويُتاجِر فيه أيضاً، لماذا؟ يُريد المال، يُريد المال بأي طريقة، ينهب أراضي الناس، يشتري بيوت الناس، بيوت الصحابة وبيوت أمهات المُؤمِنين، لا يترك شيئاً، كل شيئ يُريده، ما هذا؟ هذه دعوة لا أشبع الله بطنه، لم يشبع، ولو أعطيته الدنيا وما فيها الرجل لا يشبع ولا يقنع بل يُريد المزيد، هل من مزيد؟ هل من مزيد؟ شيئ غريب جداً جداً، وأيضاً هذه الحالة كلها أحسن وصف لها الصعلكة، رجل فقير، يشعر بالفقر في أعماق نفسه، على كل حال أفتح الآن قوسين لأُعلِّق سريعاً يا إخواني:

(تذكَّروا – وأنتم على ذُكِرٍ إن شاء الله – لا يُوجَد طاغية من الطُغاة ولا يُوجَد جبّار عنيد مُسلِماً كان أو غير مُسلِم إلا وهو يُعاني عُقداً ولوثات ونقائص، افهموا فهذا تحليل نفسي، هذه خُطبة أمس، اليوم نوع من التطبيق على خُطبة أمس فانتبهوا، لا يُمكِن أن تدرس التاريخ بعقلية ابن كثير والطبري، على كل حال نحن لا في ذكاء ابن كثير ولا ذكاء الطبري، علماً بأننا لا نذهب ولا نأتي معهما لكن الذين يُنكَر والذي لا يُفهَم ولا يُقبَل أن نبقى اليوم في القرن الحادي والعشرين نُصِر على أن نفهم الأمور بعقلية ابن كثير والطبري، في عصرهما هذا كان مقبولاً، هذا المُستوى المعرفي الذي كان عندهما وهذه كانت الطريقة، ومن التبجح – يكون تبجحاً منا – أن نُحاكِم الطبري وابن كثير والإمام الذهبي وخليفة بن خيّاط – شيخ البخاري – وأمثال هؤلاء إلى عقلية ومناهج القرن الحادي والعشرين، هذا تبجح، الإنسان لا يقدر على أن يسبق زمانه، وعلى كل حال أقول لكم بصراحة في تلكم الأزمان وقبل تلكم الأزمان شهد العالم الآخر مُؤرِّخين أذكى وأدق من مُؤرِّخينا بمراحل وأفضل بكثير، هيرودوت – هيرودوتس Herodotus – نفسه حين تقرأ تاريخه تجد شيئاً مُختلَف، أين هذا يا بابا؟ لا تُقارِن به لا الطبري ولا ابن كثير ولا خليفة أبداً، عقلية مُؤرِّخ يُؤرِّخ ويُحلِّل، عنده افتراضات وعنده نظريات وعنده رؤية، شيئ غريب يا أخي، وهذا سابق عليكم بنحو ألف وخمسمائة سنة للأسف الشديد، لدينا العلّامة وشيخ المُؤرِّخين السوري اليوم – مد الله في عمره لأنه رجل غير طبيعي، رجل أنتج إلى الآن تأليفاً وتحقيقاً زُهاء ثلاثمائة كتاب – سُهيل زكّار، ما هذا الرجل؟ شيئ عجيب ما شاء الله عليه، هذا العمل العلمي الجاد، هذا الرجل العالم الحقيقي الوفي لمهنته، عنده ثلاثمائة مُجلَّد، أربعون سنة ولا زال يعمل على الموسوعة الشاملة للحروب الصليبية، أنا عندي منها اثنان وأربعون مُجلَّداً مُصوَّراً إلكترونياً، طبعاً هي ستكون في أكثر من مائة مُجلَّد، ومن ناحية أو من حيثية المادة العلمية ستكون أوسع من تاريخ ابن عساكر – تاريخ دمشق وهو في ثمانين مُجلَّداً – بأربعين مرة، عمل رجل واحد، سهيل زكّار وحده يقوم بهذا العمل – مد الله في فُسحته – من أربعين سنة، ويختلف إلى المطبعة في دمشق من عشرين سنة، كل يوم والثاني يبعث شيئاً إلى المطبعة، المُلاحَظة التي هزني بها الدكتور العلّامة سُهيل زكّار – شيخ مُؤرِّخي بلاد الشام ولعله شيخ مُؤرِّخي العرب الآن حقيقةً، لا يُوجَد رجل بهذا الحجم الآن في العالم العربي حقيقةً – هي أنه قال وهو ممرور ومكبوت ومحزون – طبعاً هذا ليس تأليفاً، موسوعة الحروب الصليبية تجميع لكل ما كُتِب عن الحروب الصليبية في الشرق والغرب، طبعاً الغرب الاوروبي والأمريكي والعالم العربي، كل هذا يُحقَّق ويُعاد، وطبعاً يُوجَد منه زُهاء ثلاثين مُجلَّداً لأول مرة تُنشَر في الشرق والغرب، هو يقوم بهذا العمل، شيئ عجيب، مُؤسَّسات لا تستطيع أن تقوم بهذا العمل، مُؤسَّسات كبرى لا تستطيع، قام به رجل صادق، وقال كلمة والله العظيم أبكتني – فإن مد الله في عمري وأتممت فلله الحمد والمنة، وإن مت فسأقول له يا رب أنا بذلت كل ما في وسعي وأرجو أن تكون تقبَّلت بعض ما قدَّمت، أحببت أن أخدم أمتي وأخدم العلماء، هؤلاء الرجال، هذا عالم بل علّامة كبير ومُؤرِّخ، وبالمُناسَبة هذا الرجل غير مغشوش بمُعاوية أبداً، مُعاوية عنده صفحة بيضاء، ووجهة نظره أسوأ مني بكثير في مُعاوية، هو يشك أصلاً في إيمان مُعاوية، يقول مُستحيل أن يكون هذا الرجل مُؤمِناً أصلاً، مُستحيل أن يكون آمن بالله واليوم الآخر، يعرف كل خبايا مُعاوية ويعرف بلاط مُعاوية، مُؤرِّخ عظيم سُهيل زكّار، طبعاً الآن هو عند الإخوة السلفيين الرافضي سُهيل زكّار، يقولون الرافضي وانتهى الأمر، ما دام أنت تطعن في صحابي تُصبِح رافضياً، ما هذا يا أخي؟ اربعوا على أنفسكم قليلاً وتواضعوا قليلاً، كفوا عن التبجح الباطل، أقول لبعضهم أنت – والله العظيم – ربما في حياتك ما قرأت لك مائة صفحة في تاريخ الحروب الصليبية وتأتي تتمعلم وتدّعي أنك أستاذ على مُؤرِّخ بهذا الحجم وتتهمه بأنه رافضي، على كل حال هو لا يُعنى بتصنيفاتكم ولا بألقابكم السخيفة هذه، شيئ سخيف جداً جداً، تعلَّم منه، عليك أن تخشع حين تجد مُؤرِّخاً مُسلِماً سُنياً شامياً من عائلة شامية أصيلة، هذا شامي فكان ينبغي أن يكون أول المُدافِعين عن مُعاوية، لو كان مُعاوية يستحق الدفاع لكان أول مُدافِع العلّامة سُهيل زكّار، أليس كذلك؟ الرجل بالحقائق درس التاريخ وخبره كله، يعرف كل شيئ، وقلت لك هو خبير جداً في التاريخ الإسلامي بالذ       ات، ونشر كتباً لأول مرة في التاريخ الإسلامي، على كل حال عنده مخطوطات وأشياء كثيرة، كتاب أنساب الإشراف الذي معي الآن بتحقيقه، خمسة عشر مُجلَّداً، هذا ضمن تحقيقات هذا الرجل العلّامة الكبير).

على كل حال نكتفي الآن في هذه الحلقة بهذا القدر على أن نُكمِل – إن شاء الله – في حلقة قادمة، وبارك الله فيكم.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: