بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.

فاحتجوا أيها الإخوة ضمن ما احتجوا أيضاً في نهيهم وفي ترغيبهم وفي دمدمتهم على مَن تكلَّم فيما شجر بين الصحابة بأن في هذا الكلام تطريقاً – أي تعبيداً لطريق – إلى النيل من الواسطة، فالصحابة – رضوان الله عليهم – هم واسطة نقل الدين، والطعن في الواسطة يتطرَّق منه ويتأدَّى إلى الطعن في الأصل، لذلك وصفه بعضهم بالزندقة كأبي زرعة الرازي، ولعلنا نتكلَّم أيضاً عن هذه الجُملة التي تُؤثَر عن الإمام أبي زُرعة الرازي رحمه الله تعالى، نقول أولاً نعم الطعن في كل الصحابة لا شك لابد أن يكون زندقة، لو طعنا في كل الصحابة بعد ذلك نحن لن نستوثق من صحة النص القرآني، فضلاً عن صحة أي حديث من الأحاديث، انتهى الأمر، الدين يرتفع، الثقة ترتفع بالكُلية في دين الله، هذا في حق مَن يُقال الكلام؟ في حق مَن طعن في كل الصحابة جُملةً وتفصيلاً، أما مَن وثَّق الصحابة كلهم وقال هم عندي على العدالة وبأعلى منزلة وهم خير هذه الأمة بعد نبيها إلا مَن وجب استثناؤه بالنقل ثم بالعقل أمره يختلف، هناك مَن يجب استثناؤه، وسوف ترون لماذا يجب استثناؤه؟ لماذا نحن ملزوزون ومُضطَرون؟ ووالله الذي لا إله إلا هو سنكون من أسعد البشر لو أمكن ألا يُستثنى أحدٌ من أصحاب رسول الله، لكن حفاظاً على الدين – على القرآن والسُنة – وعلى عقولنا لم نجد بُداً من أن نستثنيهم مع مَن استثناهم، هناك الكثيرون في القديم والحديث استثنوا هؤلاء وحذَّروا منهم وذكَّروا بعظيم ما اجترحوا ووبيل المرعى الذي رعوا فيه والعياذ بالله تبارك وتعالى، نعوذ بالله من الخذلان.

إذن الطعن في جُملة يسيرة من الصحابة – في آحاد من الصحابة – لا يُقال أنه طعنٌ في الواسطة، وما هو الدين الذي نقله هؤلاء المطعونون سوى ما نقله الصحابة العِظام الكبار وهم – بفضل الله – بالمئات وبالألوف؟ لا شيئ، لم يتفرَّد هؤلاء بنقل شيئ نحتاج إلى نقله لا نجده عند غيرهم، وهذا سيأتيكم بالتفصيل في درسنا عن مُعاوية بن أبي سُفيان إن شاء الله تعالى، بمعنى أننا لو شطبنا على كل أحاديث مُعاوية لا ينقص الدين شيئ بفضل الله تبارك وتعالى، وكذلك الحال لو شطبنا على كل أحاديث بُسر بن أبي أرطأة وعلى كل أحاديث مُسرِف بن عُقبة – مُسلِم بن عُقبة سماه السلف مُسرِف بن عُقبة عليه من الله ما يستحق، وهذا صحابي، تُحكى له صُحبة – وعلى كل أحاديث أبي الغادية قاتل عمّار بن ياسر، وقد صح عن رسول الله أنه قال قاتل عمّار وسالبه في النار، وهذا صحابي والنبي بشَّره بالنار، قال قاتل عمّار وسالبه في النار، أين أحاديثه؟ لا تعنينا، وهكذا!

الحكم بن أبي العاص بن أُمية بن عبد شمس ابن عم سيدنا عثمان – رضيَ الله عن عثمان ولا رضيَ الله عن الحكم طريد رسول الله – وأبو مروان بن الحكم رأس من رؤوس الفتنة الذي ضرب طلحة بن عُبيد الله أحد العشرة، رضيَ الله عن طلحة وأرضاه، الشهيد الحي، ضربه يوم الجمل بسهمٍ فقتله، طبعاً مَن الذي قتل طلحة؟ بالإجماع مروان بن الحكم، الوزغ ابن الوزغ، الذي قالت له عائشة كذبت ولكن أنت فضضٌ من لعنة الله ورسوله، قالت له أنت فضض من لعنة الله يا مروان، تدّعي أن القرآن نزل في أخي عبد الرحمن؟ سيأتيكم في محله، وفي رواية أُخرى قالت أشهد أن رسول الله لعن أباك يا مروان وأنت في صُلبه، هذا يعني أنه ملعون ابن ملعون والعياذ بالله، هؤلاء لو نفيناهم واستغنينا عما رووا من أحاديث أياً كانت قليلة أو كثيرة لا ينقص الدين شيئ بفضل الله تبارك وتعالى، فلا تقولوا لنا الطعن في واحد من أصحاب رسول الله طعن في الواسطة وعينكم على أمثال هؤلاء، إذن هذه فكرة أُموية، هذه فكرة سياسية، ليست دينية، ليست من العلم الحقيقي، هذه فكرة سياسية، ممنوع أن تطعن في واحد، والمقصود بالذات مُعاوية وأمثال مُعاوية، ممنوع وإلا أنت زنديق لأن هؤلاء الواسطة في نقل الدين، نقول لهم ليسوا واسطة، ليسوا يعنوننا، نُريد أن ننفيهم بالدليل والبرهان كما سيأتيكم وننفي أحاديث ولن ينقص الدين شيئٌ، طبعاً نقص لازمٌ ومُتعدٍ، هنا استخدمناه مُتعدياً، لن ينقص الدينَ شيئٌ، وسيأتي هذا – كما قلت لكم – بالتفصيل في محله إن شاء الله تبارك وتعالى.

وقبل أن أُغادِر هذه النُقطة – وسأُغادِرها الآن إن شاء الله وأمضي – أتساءل لماذا لا ترم أنوف هؤلاء، لماذا لا يحزنون، لماذا لا يغضبون، لماذا لا يُستثارون إخواني وأخواتي – مثلاً – حين يقرأون مَن يتنقَّص بل مَن يُثرِّب جداً على عبد الرحمن بن عُديس البلوي؟ وقد قتلوه طبعاً في بلاد الشام، تحديداً في لبنان، لماذا؟ هذا صحابي، ومن أصحاب بيعة الرضوان عبد الرحمن بن عُديس البلوي، لأنه من الخارجين على عثمان، رضيَ الله على عثمان وأرضاه، الخروج على عثمان لا يُحتمَل، الخروج على عليّ أمر عادي، ليس فيه أي شيئ، هذا مُهِم حتى تُدرِكوا أساس المسألة، أساس المسألة دغل وموقف عجيب غريب لست أفهمه في الحقيقة كما لم يفهمه الشيخ أحمد الكُبيسي، هذا علمته بتوفيق الله هكذا، سُبحان الله اتصل بي أخي أبو عمّار بالأمس وقال لي الشيخ أحمد الكُبيسي يتحدَّث عن موضوع الصحابة وما إلى ذلك، والشيخ الكُبيسي – حفظه الله – يقول لست أفهم – لم يستطع أن يفهم – سر هذا الموقف من أهل البيت، لماذا هذا البُغض لأهل البيت؟ لماذا هذا التنقص لأهل البيت؟ لماذا هذا الإزورار والجفاء لأهل البيت وعن أهل البيت؟ لا يستطيع أن يفهم، عجيب! تتنقص مُعاوية ومروان بن الحكم حتى وأمثال هؤلاء يغضبون جداً، يُقيمون الدنيا ولا يُقعِدونها، ومَن خرج على عثمان وعلى هؤلاء غير مغفور له، مَن خرج على عليّ ومَن سب عليّاً ولعنه واتخذ بُغضته ولعنته ديناً ثقة، ثقة! أنا قلت لأخي أمس وأنا محزون والله يا أخي هناك أشياء سأقولها مَن سمعها مُخلِصاً صادقاً سيبكي على نفسه، سيبكي علينا، سيبكي على ما حدث وما يحدث، ولم تُزوَّر الحقائق وتُزيَّف على هذا النحو وعلى هذا الغرار؟ عبد الرحمن بن عُديس البلوي يذهب إلى حيث ألقت مع أنه صحابي، لكنه خرج على عثمان، عمرو بن الحمق قد قتله مُعاوية، يذهب إلى حيث ألقت مع أنه صحابي، صحابي يُقتَل، لم لا؟ يُقتَل، يذهب إلى حيث إلى ألقت، لماذا؟ لأنه خرج على عثمان، مَن خرج على عليّ لا تُوجَد مُشكِلة معه، مَن يلعن عليّاً لا تُوجَد مُشكِلة معه، سوف يقولون لا، هناك مُشكِلة، هذا غير صحيح، لا تُزوِّر علينا، لكن هناك مُشكِلة حقيقية أيها الإخوة، الحافظ ابن حجر رضوان الله تعالى عليه – وعلماء آخرون وكل ما استخدم عقله سيستشكل ما استشكل الحافظ ابن حجر – يقول ولم أزل استشكل – أي إلى أن بان له وجه الجواب، هذا معنى جُملته رضوان الله تعالى عليه – توثيقهم الناصبية غالباً وجرحهم الشيعية مُطلَقاً، ما معنى الشيعي؟ مَن استعلن بمحبة الإمام عليّ عليه السلام وكرَّم الله وجهه، قال ابن حجر سيما وأن عليّاً صح فيه لا يُحِبك إلا مُؤمِن ولا يُبغِضك إلا مُنافِق، قال هذا حيَّرني، لم أستطع أن أفهم لماذا موقف علمائنا – هذا معنى كلام ابن حجر – ورجالنا عبر القرون – علماء أهل السُنة والجماعة – أنهم في الغالب الأعم يُوثِّقون النواصب؟ لمَن لا يعرف مَن هم النواصب؟ باختصار النواصب هم الذين يتخذون بُغض أهل البيت ومُعادتهم ولعنتهم ديناً وقُربة إلى الله، تقول لي وهل هؤلاء موجودون؟ طبعاً، في القديم والحديث ولا يزالون، إن شاء الله بعد أن نُنهي هذه السلسلة التي ستأخذ وقتاً بسبب الحلقات الطويلة سوف أعقد – إن شاء الله – مُحاضَرة مُطوَّلة عن النصب والنواصب وتأثيرهم في علم الجرح والتعديل وأشهر النواصب وتأثيرهم في وضع الأحاديث، شيئ عجيب، ستسمعون أشياء عجيبة جداً جداً، تُذهِل وتُحيِّر، تجعل الحليم حيران، كما تحيَّر في البداية الحافظ ابن حجر، قال الناصبي في الغالب الأعم يُوثَّق، والنبي قال في عليّ لا يُحِبه إلا مُؤمِن ولا يُبغِضه إلا مُنافِق، والناصبي ليس يُبغِض عليّاً فقط بل يلعنه ويُعاديه، يتمنى له ولأهل بيته كل سوء وكل ضر وشر والعياذ بالله، هذا مُنافِق إذن، النبي قال لا يُبغِضه إلا مُنافِق، والمُنافِق كاذب، اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ۩، إذن كيف تُوثِّقون النواصب وهم مُنافِقون والمُنافِقون كاذبون؟

يُوجَد رجل من رجال أهل السُنة للأسف – من رجالنا ومُخرَّج له في دواوينا – اسمه حريز بن عثمان، هذا الرجل – عليه من الله ما يستحق – لمُبالَغته في النصب وكُره الإمام عليّ – عليه السلام – صار يُنسَب إليه فيُقال كان حريزي المذهب، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، يُقال فلان كان حريزي المذهب، يقولون حروري – أي من الخوارج – وحريزي المذهب – أي مثل حريز بن عثمان – أيضاً، حريز بن عثمان كان بعد صلاة الفجر يلعن عليّاً سبعين مرة، وبعد صلاة العصر يلعن عليّاً سبعين مرة، أحد العلماء والأئمة استمع إليه بنفسه، قال أنا عادلته من مصر إلى الشام فاستمعت إليه ينال من عليّ ويتكلَّم في عليّ، وقال لي الحديث الذي يُروى – وهو حديثٌ صحيحٌ – من قول النبي لعليّ – عليه السلام – أنت مني بمنزلة هارون من موسى ليس هكذا، قال هذا الحديث غلط، قال له ما هو؟ ما وجهه؟ قال له أنت مني بمنزلة قارون من موسى، انظر إلى هذا الكذّاب، هذا كذّاب، حريز بن عثمان – احفظوا هذا – كذّاب، للأسف هذا وثَّقه علماؤنا على أنه ناصبي، ابن أبي حاتم قال اتُهِمَ بالنصب وليس يثبت عندي، رد عليه الحافظ ابن حجر قائلاً ثابت من وجوه، كيف تُنكِر؟ يقول لأبي حاتم ابن حجر أنت تُنكِر الشمس في رابعة النهار؟ وسوَّد الإمام الحافظ – بل بيَّض الله غُرة أحواله – مساحة عظيمة في تهذيب التهذيب من أقوال العلماء وسادة علماء الجرح والتعديل التي تُبرهِن وتُثبِت بلا مثنوية نصب حريرز بن عثمان وبُغضه لعليّ، وأتى فيها بالعظائم عن هذا الرجل التائه الضال والعياذ بالله منه، قال الله إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ۩، وكان عابداً – هذا الرجل كان عابداً – مُتعبِّداً ذاكراً لكن يُبغِض عليّاً ويتقرَّب إلى الله بُبغضه، قال النبي ما قال أنت مني بمنزلة هارون من موسى وإنما قال بمنزلة قارون من موسى، قال فقلت له عن مَن ترويه؟ أي هل يُوجَد سند للكلام هذا؟ هل النبي قال هذا لعليّ؟ ولذلك زوَّجه ابنته فاطمة – هذا كلامي – ولذلك ادخر الله شرف أن تكون ذُرية رسول الله من نسله ومن صُلبه؟ هل هذا ما حدث؟ هل قال بمنزلة قارون من موسى؟ هل عليّ مثل قارون؟ قال سمعت الوليد بن عبد الملك – ما شاء الله، الوليد المُجرِم، معروف مَن هو الوليد بن عبد الملك، هذا إمام حريز بن عثمان وهو مُصدَّق عنده، أصدق من علمائنا وأصدق من الرواة الأثبات الثقات – على المنبر يقول هذا، عليك وعلى الوليد من الله ما تستحقان، انظر إلى الكذب، هذا الكذب الأُموي، هذا يعني أن بني أُمية كانوا يكذبون على رسول الله، الوليد الآن يكذب على المنبر ويُؤلِّف أحاديث يذم بها عليّاً عليه السلام، كيف؟ أتذم عليّاً؟ لا تستطيع، هذا كذب، العالمون يشهدون بكذبك، لأنه ما أُوثِرَ لصحابي من الفضائل بالأسانيد الصحاح والجياد ما أُوثِرَ لعليّ بن أبي طالب كما قال الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية وإسماعيل القاضي الجهضمي وغير هؤلاء كثير، هذا معروف، أكثر صحابي له فضائل ثابتة بالأسانيد الإمام عليّ، هذا ثابت بالأسانيد، لا كلام في هذا، هذا كلام الإمام أحمد الذي يحفظ ألف ألف حديث رضوان الله تعالى عليه، ورحمة الله على أحمد إذ أنصف الإمام عليّاً – عليه السلام – أمير المُؤمِنين حين قال وقد سُئل عن عليّ ومسألة عليّ يا بُني ذاك رجلٌ فتَّش له أعداؤه عن نقيصة فلم يجدوا له، يستحيل أن تجد لعليّ تتنقصه به، يستحيل! اقرأ سيرته، اقرأ تاريخه، شيئ عجيب الرجل هذا يا أخي، شيئ عجيب هذا الرجل، لذلك النبي قال له أنا منك وأنت مني، وصح عن رسول الله أنه قال لا يُؤدِّي عني – في لفظٍ آخر لا يُبلِّغ عني – إلا أنا أو رجلٌ مني، مَن هو؟ عليّ، حين نزلت آيات سورة التوبة – براءة – بعث الرسول – عليه السلام – بها أبا بكر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ثم نزل جبريل وقال يا محمد لا يُؤدِّي عنك إلا أنت أو رجل منك، هذه الآيات لأول مرة تنزل، ممنوع أن يُؤدِّيها الصدّيق – مع أنه الصدّيق الأكبر – ولا عمر ولا عثمان، لأول مرة تنزل، أول بلاغ، أول بلاغ لك، أنت ينبغي أن تُبلِّغ القرآن لأول مرة، أو هناك استثناء، مَن يفعل هذا؟ رجلٌ منك، الله أكبر، والحديث صحيح، رواه ابن ماجه والنسائي وابن أبي عاصم، وهو حديث صحيحٌ بفضل الله – وإن تكلَّم فيه شُعيب الأرنؤوط، لكن أخطأ بلا مثنوية.

على كل حال هذا عليّ، ليس له نقيصة، هذا من رسول الله، قال وأنفسنا وأنفسكم، في الصحيحين رجل يُحِبه الله ورسوله ويُحِب الله ورسوله، أخو رسول الله في الجنة وفي الدنيا هو أخوه وختنه ووزوج ابنته وأبو ذُريته، هنيئاً لأبي الحسنين عليه السلام، هنيئاً لعليّ، قال الإمام أحمد يا بُني ذاك رجلٌ فتَّش له أعداؤه عن نقيصة – عن عيب يشتمونه به – فلم يجدوا له، فماذا؟ قال فذهبوا ووضعوا المناقب والممادح – أو كما قال الإمام أحمد – في أعدائه نكايةً به، يُؤلِّفون أحاديث في فضل مُعاوية وفضل أمثال مُعاوية نكايةً بعليّ، حتى لا يظهر مُتفرِّداً، نسيج وحده، فرداً في مقامه، رضوان الله تعالى عليه، ومَن مثل أبي الحسن؟ لكن في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، وسُبحان الله كلما افتكرت إخواني وأخواتي أو تفكَّرت أقول جل الله تبارك وتعالى.

إنَّ الذي خلـقَ الحقيقـةَ علقماً                     لم يُخـلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلاً.

اللهم اجعلنا منهم بحق لا إله إلا الله.

مَن يقرأ التاريخ بتفاصيله ودقائقه يقول عجيبٌ أن الحقيقة بقيت كامنة في وسط هذا الركام من الائتمار بها، الائتمار المسعور والمُمنهَج بها، كيف بقيت الحقيقة؟ بقيت! لأن الله في كل زمان يخلق نفوساً ماجدة وأرواحاً طاهرة لا تُؤثِر بالحقيقة شيئاً، وسوف يأتيكم ربما – إن شاء الله – في حلقة مُتقدِّمة طرفٌ مما فُعِلَ بمُحِبي أهل البيت، ليس من الشيعة الإمامية وليس من الشيعة الزيدية أبداً وإنما من أهل السُنة، أي إنسان يُظهِر محبة أهل البيت يُتهَم بالتشيع ويُعرَض على السجن أو السيف أو العرقبة أو القطع أو العذاب، شيئ تقشعر له الجلود والقلوب، ما الذنب؟ الذنب أنه يُحِب أهل البيت، هذا ممنوع!

عُليّ بن رباح أحد المُحدِّثين، أحد الرواة المُحدِّثين اسمه عُليّ، وكان يغضب مما يسميه عَليّاً ويقول لا أجعله في حِل، لماذا يا عُليّ؟ لماذا؟ لأنه وُلِد في زمن سطوة الأمويين وكان الأمويون يقتلون كل مَن اسمه عَليّ، إذا كان اسمك عَليّ تُقتَل وتُذبَح، شيئ مُخيف، هذا ممنوع، ليس فقط يُلعَن على المنابر ويُقتَل مَن يُحِبه وإنما يُقتَل مَن يتسمى باسمه، فعلوا كبني إسرائيل، يُذبِّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، شيئ عجيب، فأبوه طبعاً لما علم بهذا وخاف على ابنه قال هو عُليّ وليس عَليّاً، اسمه عُليّ بن رباح، اقرأوا ترجمة عُليّ في تهذيب التهذيب لابن حجر أيها الإخوة واقرأوا قصة هذا الرجل مثلاً، هذا طرف يسير جداً جداً، على كل حال نترك هذه المُقدِّمات ونُدلِف الآن إلى موضوعنا إن شاء الله تبارك وتعالى!
الصحابي – رضيَ الله عن أصحاب رسول الله وأرضاهم جميعاً – مَن هو؟ مَن هو الصحابي؟ وحتى نكون على بيّنة أيها الإخوة نقول هذه المادة صَحِبَ – ويُشتَق منها الصاحب أو الصحابي والاسم صُحبة ومصدر تأتي أيضاً وصحابةً – لها وضعٌ لُغوي ككل الكلمات، ولها استعمالٌ عُرفي، وهناك الاصطلاح الشرعي، في نهاية المطاف الذي يعنينا حقاً هو الاصطلاح الشرعي، وعلى العادة وعلى الدستور دائماً الوضع اللُغوي هو الأوسع، الوضع اللُغوي هو الأكثر سعةً واندياحاً، لماذا؟ لأن اللُغة تأتي بالحقيقة وتحتمل دائماً المجاز، وتأتي بالمُشترَك اللفظي، لذلك هو الأوسع، فإذا تأملنا موارد هذه الكلمة أيها الإخوة في مُعجَم العرب وفي متن العربية وحتى في كتاب الله – تبارك وتعالى – النازل بالعربية وجدنا أنها تُعبِّر عن معنى علائقي، في نهاية المطاف معنىً علائقي، أي علاقة ما بين طرفين يُمكِن أن يُعبَّر عنها بالصُحبة، قال الله لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ ۩، اسمه هذا صاحب النار وذاك صاحب الجنة، أصحاب النار وأصحاب الجنة، والجنة ليست مما يعقل والنار ليست مما يعقل، إن جادل أحد في هذا لن تُوجَد مُشكِلة يا سيدي، ماذا عن أصحاب السفينة؟ قال الله فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ۩، سماهم أصحاب السفينة، صُحبة لما لا يعقل أصلاً، صُحبة لما لا يعقل، ولعلهم ما ركبوا السفينة إلا لساعة من نهار، أليس كذلك؟ بعد إذ قال الله – تبارك وتعالى – وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ۩ وانتهى كل شيئ ونزلوا من السفينة، سماهم أصحاب السفينة، لكن أصحاب الكهف مكثوا فيه ثلاثمائة وتسع من السنوات، أي مُدة مُتطاوِلة، اسمهم أصحاب الكهف، علاقة طويلة لما لا يعقل، هؤلاء أصحاب الكهف، أصحاب السفينة قضوا ساعة أو ساعتين أو ثلاث ثم زايلوها أو تركوها، اسمهم أصحاب السفينة، لا تُوجَد مُشكِلة، يقول أنا صاحبك اليوم، هذا في حديث أبي سعيد في مُسلِم حين قال أبو سعيد لابن صيّاد أنا صاحبك اليوم، أي سأُلازِمك اليوم، هذه صُحبة، صار صاحباً، لازمه يوماً أو نهاراً أو شطراً من نهار فهو صاحبه ذلكم النهار أو في ذلكم الشطر، وكذلك الحال مع أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، أليس كذلك؟ قال الله وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ۩ وقال أيضاً وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ۩ أصحاب الرس – أي البئر – يُقال الذين بُعِث إليهم خالد بن سنان ويُقال هو من أنبياء العرب، على كل حال قضية تفسيرية، أصحاب الرس في سورة الفرقان، أي أصحاب البئر، هل هذا واضح؟ فهؤلاء أصحاب الرس، أصحاب الأيكة الذين أُرسِل إليهم شُعيب عليه السلام، هؤلاء أصحاب الأيكة، هو أُرسِلَ إلى مدين كما أُرسِلَ إلى أصحاب الأيكة في الأرجح، سماهم الله أصحاب الأيكة، والأيكة هي الغيضة، أي مُتلَف الشجر إذا اشتجر، هذه الأيكة، فهؤلاء أصحاب الأيكة!

يُمكِن أن يكون الصاحبان أحدهما مُؤمِن والآخر كافر، يُمكِن أن يكون أحدهما مُؤمِناً والآخر كافراً، قال الله قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ۩، أليس كذلك؟ هذا مُؤمِن وهذا كافر لكنه صاحبه، النبي نبي وقد أثبت الله صُحبته لقومٍ كفّار، قال الله وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ۩، وقال أيضاً مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ۩، أثبت صُحبته لهم على أنه نبيهم الذي كفروا به وكذَّبوه، أليس كذلك؟ هذه صُحبة أيضاً، هذه صُحبة، ويُمكِن أن تكون الصُحبة بمعنى الزوجية، قال الله يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۩ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۩ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۩، الصاحبة هي الزوجة، لأنها تصحبك سنين عديدة، بقية حياتك ربما، قال الله وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ۩، قيل هو الجار وقيل هو الرفيق في السفر وقيل هي الزوجة، وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ۩ في سورة النساء.

على كل حال هذه الكلمة أو هذه المادة – فعل صَحِبَ – ومُشتَقات هذه المادة تكرَّرت في القرآن الكريم في سبعةٍ وتسعين موضعاً، ليس فيها في موضع واحد الحديث عن أصحاب محمد أو أصحاب رسول الله أو صُحبته، ليس فيها أبداً، فيما يتعلَّق بصُحبة رسول الله في موضعٍ واحد قال الله إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ۩، وهو أبو بكر الصدّيق رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، لا يُوجَد كلام هنا، هذا مما تواتر عند الأمة وإن طعن فيه الشيعة وزعموا مزاعم مُضحِكة حتى قال بعضهم هو ليس أبا بكر الصدّيق، هو أبو بكرة نُفيع بن الحارث، عجيب جداً! هذا من عُتقاء ثقيف وقصته معروفة تماماً لكل أهل السير والمغازي والمُؤرِّخين، ليس له علاقة مُطلَقاً بالموضوع، على كل حال قال الله إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ۩، هذه اللُغة أيها الإخوة، اللُغة واسعة جداً.

هناك صاحب اليمين، أليس كذلك؟ وصاحب الشمال، ورد في الأحاديث صاحب اليمين وصاحب الشمال، أي الملك الذي يكتب الحسنات والآخر الذي يكتب السيئات، إذن يبدو أيها الإخوة والأخوات أن الوضع اللُغوي وضعٌ شبه مُحايد، واسع ومرن جداً وشبه مُحايد، بمعنى ماذا؟ أنه لا يقتضي بذاته لا مدحاً ولا ذماً، إذا أثبتنا الصُحبة أيها الإخوة لأحدٍ من الناس – لخلقٍ من عباد الله – هذا لا يقتضي بذاته مدحاً كما لا يقتضي ذماً، والعجيب من أوسع ما توسَّعت فيه اللُغة وجرى عليه المُصطفى – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن المُشارَكة في بعض الصفات قد تُسوِّغ إطلاق الصُحبة والنعت بها، في صحيح البخاري إنكن صواحب يوسف، النبي يقول لنسائه وفي رأسهن عائشة – رضوان الله تعالى عليها – إنكن صواحب يوسف، أين يوسف وأين عهد النبي؟ أليس كذلك؟ قال إنكن صواحب يوسف، لماذا؟ للاشتراك في بعض الصفات مع صواحب يوسف فقط، قال إنكن صواحب يوسف، فهذا بذاته إخواني وأخواتي لا يقتضي المدح ولا الذم، فنأتي الآن إلى العُرف.

العُرف المعروف الذي لا يزال معروفاً إلى يوم الناس هذا، العُرف قيَّد الصُحبة بالمُلازَمة الطويلة، عُرفاً هي هكذا، قد تقول لي ما حد هذه المُلازَمة؟ هذه مسألة عُرفية، ليس لها حد محدود لكن بالعُرف تُعرَف، أشياء كثيرة بالعُرف تُعرَف، والعُرف كافٍ في تعريفها، العُرف لا يسمح أن يُسمى صاحباً مَن صحبك نهاراً أو أياماً، العُرف يُقيِّد الصُحبة بالمُلازَمة الطويلة نسبياً، بحسب العُرف يُقال فلان صاحبه، فأنت لا تُسمي صاحباً لك مَن لازمك أياماً معدودات، لا ليس هذا، تقول هذا من معارفي، أعرفه لكنه ليس صاحبي، أصحابي فلان وفلان وفلان دون فلان وعلان من الناس، هذا العُرف، هل هذا واضح؟

نأتي الآن إلى الشرع وهذا الذي يهمنا، لكن قبل أن نتكلَّم في الاصطلاح الشرعي أيها الإخوة أتساءل هل بان لكم ووضح أن القرآن الكريم يستخدم هذه الكلمة وما اشتُقَ منها على سَنن العربية؟ طبعاً واضح، استخدمه استخدامات لُغوية، إذن – كما قلنا – هي استخدامات مُحايدة لا تقتضي بذاتها المدح ولا الذم، إذا أردت أن تمدح فتمدح بدليل مُستقِل، تحتاج إلى دليل، إذا أردت أن تذم تذم بدليل مُستقِل، مُستقِل عن ماذا؟ عن الوضع اللُغوي، لا حُجة الآن في الوضع اللُغوي لأنها تُسميه صاحباً، ثم أن ما المُشكِلة؟ هل ورد مثل هذا في أحاديث رسول الله؟ نعم، لكن هذا سيضح بعد مُناقَشة المذهبين في التعريف، أي تعريف الصاحب والصُحبة، الرسول – مثلاً – حين يُسمي بعض المُنافِقين أصحاباً له هل يُسميهم أصحاباً على الاصطلاح الشرعي أم على الوضع اللُغوي؟ الوضع اللُغوي، فمثلاً عبد الله بن أُبي بن سلول – لعنة الله تعالى عليه، رأس المُنافِقين، توعَّده الله بعذابٍ عظيم، وهو الذي تولى كبر إفك أم المُؤمِنين عائشة رضيَ الله تعالى عنها وهذا معروف، وفيه نزل اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ۩، وصرَّح القرآن بكفره، لن يُجديه شيئاً، ولن يُجديه أنه دُفِن في جُبة رسول الله، هذه كرامة من رسول الله، لكن لن يُجديه هذا شيئاً، عند الله الأمور مُختلِفة، والنبي يعلم هذا ونحن نعلم والقرآن قرَّر هذا – النبي حين استُؤذِنَ في قتله قال لا أُحِب أن يتحدَّث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، معروف هذا، شائع ومشهور، وفي طبقات ابن سعد – الطبقات الكُبرى – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لعمري لنُحسِنن صُحبته ما دام بين أظهرنا، إذن قال صُحبته، هذه صُحبة لُغوية، ليست الصُحبة الشرعية، سوف تقول لي بشكل عام ما الفرق بين الصُحبة الشرعية التي لم نعرف إلى الآن تعريفها وحدها وبين الصُحبة اللُغوية التي عرفناها تقريباً؟ الصُحبة اللُغوية ليست بحد ذاتها مناطاً لا للمدح ولا للذم، الصُحبة الشرعية إن ثبتت لأحد بلا شك هي مناط التفضيل والرفعة والكرامة والمدح والاعتبار، هذا هو، هذه صُحبة شرعية، أن تكون صاحباً لرسول الله – صُحبة شرعية – أمر له وزن كبير جداً جداً، يُوجَد اختصاص، يختص بالرسول والرسول يختص به، هو صاحب رسول الله، يُوجَد اختصاص من الطرفين كما قال أبو بكر بن الطيب الباقلاني إمام أهل السُنة والجماعة في وقته رضوان الله تعالى عليه، وهو مُتوفى سنة ثلاث وأربعمائة للهجرة، وسيأتي النقل عنه بعد قليل إن شاء الله تعالى، هذا الفرق بين الصُحبة اللُغوية والصُحبة الشرعية، هذه لُغة وهذه شرع.

إذن قال النبي لنُحسِنن صُحبته، فالنبي استخدم هذا، قال في أصحابي اثنا عشر مُنافِقاً، يقول في أصحابي، كيف يكون مُنافِقاً؟ صُحبة لغوية، قال في أصحابي اثنا عشر مُنافِقاً، ثمانية منهم – النبي قال – لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، حُذيفة قال أشهد أنهم حرب لله ورسوله، قال على الدوام، والنبي أخبرني بأسمائهم، النبي قال له الأسماء، هذا معروف وهو أمين سر رسول الله، قال أنا أعرفهم، أعرف الاثني عشر، أربعة عفا الله عنهم، ربما كانوا مخدوعين، ربما تابوا وحسُنت توبتهم، الله أعلم بحالهم، أربعة عفا الله عنهم، وثمانية تكفيكهم الدُبيلة، داء مثل القرحة باطني يخرج في نحو الكتف ثم ينخر الجسم فيموت منه الإنسان، قال هؤلاء تكفيكهم الدُبيلة، أي يموتون بالدُبيلة، هذه إشارة، النبي أعطانا إشارة حتى نزن بها، فإن ظننا في أحد مَن غيَّر وبدَّل وأساء السيرة أنه منهم ثم بان أنه مات بالدُبيلة ترجَّح لدينا – العلم عند الله لكن يتجرَّج لدينا – أنه منهم، خاصة أن سيرته وأعماله ومقابحه ومذامه تشهد بذلك وتُعلِم به.

نعود إليكم – إن شاء الله – بعد قليل!

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: