وأخطر عقائد الهنادكة أيضاً إنكار الرسالات والنبوات، يقولون لا يُوجَد نبي! يُوجَد الله الذي يتجسَّد في شكل إنسان، مثل كريشنا Krishna وسوف نتكلَّم عنه، لكن موضوع النبي وما إلى ذلك غير موجود، لماذا؟ والشيطان أضلهم أيضاً، ألغوا النبوات وهذا تحريف، قالوا لأنه النبي بماذا سيأتي؟ سيأتي برسالة، هذه الرسالة مشمولاتها أو مضموناتها أو مُحتوياتها أو موضوعاتها إما أن تكون معقولة وإما أن تكون لا معقولة، فإن كانت معقولة فالعقل يُصيبها بلا رسول، ما حاجتنا إلى الرسول إذا هي معقول؟ انتهى الأمر، العقل موجود ومن ثم لا نُريدها، وإن كانت غير معقولة فغير المعقول غير مقبول، لن نقبلها، ولذلك لا نُؤمِن بالأنبياء، أرأيتم كيف أضلهم الشيطان؟

هذا تفكير تافه وتفكير سطحي وصبياني، لكن نعم يقول به البراهمة Brahmins، كيف يكون الرد عليه؟ الآن سأقول لكم كيف لكن احفظوا هذه الجُملة، هذه فلسفة العقيدة وهذا شيئ بسيط لكنه يحتاج إلى فاهم، الأنبياء لا يأتون بمُحالات العقول – هذا صحيح، لا يُوجَد نبي بعثه الله بشيئ يُحيله العقل، مُستحيل! كيف؟ هذا غير موجود – لكنهم أيضاً يأتون بمحارات العقول، بما تحير فيه العقول.

لكي نُبسِّط هذا أكثر سنقول النبي يا إخواني يأتي بالمعقول الذي لا يستقل العقل بإثباته، ما رأيكم؟ قد يقول لي أحدكم كيف؟ وأنا سأقول له كيف، الآن – مثلاً – وجود حياة برزخية بعد الموت أو وجود جنة ونار أو وجود ميزان وصراط أو الوعد بحياة أبدية في الجنة أو في النار – إلى آخره – كلها أشياء أتى بها جُملة وتفاصيل الأنبياء، وسؤال هل هي معقولة أو مُستحيلة؟ وأتحدَّث حديثاً منطقياً فلسفياً، ليس حديث عوام، لا يُمكِن أن تقول لي لا، غير معقول، أنا عندي هذا غير معقول، هذا كلام فارغ! أنا أسألك كإنسان فيلسوف أو منطقي، هل هذه يُحيلها العقل لذواتها أو يقول بإمكانها؟ قولاً واحداً من أرسطو Aristotle إلى آخر فيلسوف يقول العقل بإمكانها دائماً، أنا علَّمت هذا مائة ألف مرة في دروسي، كيف نعرف أن هذا الشيئ مُمكِن أو مُستحيل؟ المُمكِن ببساطة كل ما لا يتعارض مع القوانين الرئيسة للفكر العقلي: مبدأ الهوية، مبدأ السببية، مبدأ استحالة اجتماع النقيضين، مبدأ استحالة ارتفاع النقيضين، ومبدأ الثالث المرفوع! هذا تفكير عقلي وهذه فلسفة، كل العقلاء يقولون بهذا، فطبعاً الإخبار عن جن وعن ملك وعن حور عين وعن جنة وعن نار وعن صراط وعن برزخ وعن خلود وعن وعن وعن وعن كلها أمور معقولة، لكن مَن يقول لي لولا الأنبياء لأمكن لنا أن نستدل على هذا الشيئ وأن نُبرهِنه وأن نُثبِته من غير نبوة؟ يستحيل! هل تعرفون لماذا؟ لأن هذا ليس خبراً عن مشهود، ولا هو من قضايا الفكر التحليلي كالرياضيات – مثلاً – والهندسيات، اثنان زائد اثنين – مثلاً – يُساوي أربعة، مسألة تحليلية هذه! لأن في الحقيقة اثنان زائد اثنين هي نفسها أربعة، أنت لم تأت بجديد، لكن هذا ليس تحليلياً، أليس كذلك؟ وليس خبراً عن محسوس مشهود، هو خبر عن ماذا؟ عن مُغيَّب غير مشهود، لا يُمكِن للعقل أن يستقل بالقول فيه، لكن إذا عُرِضَ على العقل على أنه خبر من الصادق المُصدَّق بمُعجِزة والمُبرهَن نبوته ورسالته فإن العقل يُحيله أو يقول بإمكانه؟ يقول بإمكانه قولاً واحداً، هذا لم يفهمه الهنادكة، قالوا لا، النبي إما أن يأتي بمعقول وإما أن ياتي بغير معقول، فإن أتى بمعقول فالعقل يُصيبه بلا رسول، وإن أتى بغير معقول فغير المعقول غير مقبول، وهذا غير صحيح، كذب هذا! هذا غير صحيح، أليس كذلك؟ غير صحيح بالمرة، غلطوا ولم يفهموا كلامي هذا، لم يفهموه لأن الشيطان أضلهم، هناك إضلال وهناك تحريف في الديانات، وهذه ميزة الإسلام لأنه مُتكامِل بفضل الله، دقيق ومحفوظ والحمد لله رب العالمين.

نرجع إلى عقيدتهم في الله، قالوا هذا هو الأتمان Atman، وهذا بعد ذلك هو الثالوث، وبالنسبة إلى هذا الثالوث بالمُناسَبة الآن الهنادكة بنسبة تسع وتسعين في المائة يتوجَّهون بالعبادة والطقوس وما إلى ذلك إلى مَن؟ ليس إلى براهما Brahma وليس إلى شيفا Shiva، إلى فيشنو Vishnu! قالوا شيفا Shiva المُدمَّر هذا يُتقى، هذا ابعد عنه وعن شره وعن مشاكله، وبالنسبة إلى فيشنو Vishnu فهو الحافظ، هذا الحافظ، هذا المُجدِّد، هذا المُعطي، هذا المُمِد، هذا نتوسَّل إليه ونعبده وما إلى ذلك، وبالنسبة إلى براهما Brahma قالوا براهما Brahma من يوم خلق وسوى وركَّب إلى الآن وهو في وداعة وهو جالس في ملكوته وجلاله يتمتَّع بالتأمل في نفسه وفي خلقه، مثل إله أرسطو Aristotle، هو ليس مُحتاجاً إلينا، لكن فيشنو Vishnu هذا نتوجَّه إليه لأنه بصراحة ظل يُعطينا وما إلى ذلك، وهذه فكرة أيضاً فيها وثنية وفيها دافع الاستجداء وما إلى ذلك، فلنتقرَّب منه لكي يُواصِل عطاءاته وإنعامه علينا، هل فهمتم كيف؟ هذه هي! هذه فكرة العبادة عندهم بشكل أيضاً مُلخَّص، وسوف نتكلَّم عن عباداتهم – إن شاء الله – بشكل مُفصَّل أكثر في الحلقة الثانية.

الآن نأتي إلى فكرة وحدة الوجود، أي الــ Pantheism بالإنجليزية أو الــ Pantheismus بالألمانية، ما وحدة الوجود – Pantheism أو  Pantheismus – هذه؟ ما هي؟ أينشتاين Einstein كان وحدوياً مثلاً، باروخ سبينوزا Baruch Spinoza كان وحدوياً، مُحي الدين بن عربي وحدوي، الحلّاج وحدوي، يقولون بوحدة الوجود، عبد الغني النابلسي وحدوي بطريقته الخاصة، الهنادكة كلهم على الإطلاق – أي الهندوس – وحدويون، وحدة الوجود يقولون! مُعظَم الفكر الهندي على الإطلاق وحدوي، تقريباً كل الأديان الهندية القديمة وحدوية، ما وحدة الوجود؟

كما قلنا لكم وحدة الوجود تقول الخالق هو المخلوق، المخلوق هو الخالق! كيف؟ هل هذا يُساوي الله؟ لا، يُنكِرون المُعادَلة، لكي نكون دقيقين نقول وحدة الوجود الهندوسية قسمان، هناك قسم يُنكِر المُعادَلة ويمثِّل ويُنظِّر لعلاقة المخلوق أو لعلاقة الكائن بالأتمان Atman الكُلي الأسمى كعلاقة القطرة ببحرها والشرارة بنارها، وهكذا! هنا قد تقول لي ما معنى هذا؟ القطرة هل تُساوي البحر؟ لا طبعاً، مُستحيل! القطرة هل هي بحر؟ مُستحيل! لذلك ليس عندها قدرة أن تُغرِق كالبحر مثلاً، أليس كذلك؟ أو تُدمِّر كالبحر، قطرة هذه! تذهب من حال إلى حال، لكن فيها على قدرها كل صفات البحر، لأنها من جوهر البحر، وصحيح أي قطرة فيها كل صفات كل هذا المُحيط العجيب، قد تقول لي هل هذا يعني أن هؤلاء الهنادكة يُدرِكون علاقة الأتمان Atman هذا – أي الله عندهم – بالمخلوقات على أنها علاقة جُزء بكل؟ نعم، هم يعتقدون أن هذه كلها أجزاء لله ولا تُعادِل الله، وعندهم أجزاء ثانية غير مُتعيِّنة في الخلق لكنها لا تُعادِله، كما أن القطرة لا تُعادِل البحر، انتبه! ولذلك نظرية وحدة الوجود التي تنفي المُعادَلة هل تُقِر بالعبادة والطقوس؟ طبعاً، قالوا هذا أمر لازم، أنت إلهي – نعم أنت إلهي، أي أنك Divine، أنت إلهي – لكنك لست اله، أنت قطرة لكن أنت لست المُحيط، لذلك لكي ترجع إلى المُحيط وتلتئم به وتسعد به ستحتاج إلى أن تخوض تجربة الإيمان خوضاً عبر العبادة والأذكار والزُهد والطرق المُختلِفة، اليوم سوف نبدأ في تفصيلها، وهي أروع ما في مُحاضَرة اليوم بالمُناسَبة، سوف ترون هذا العمق الهندوسي، شيئ جميل جداً جداً!

يُوجَد قسم آخر شاذ من وحدة الوجود الهندوسية يقول بالمُعادَلة، وهؤلاء ألغوا العبادة، قالوا لا تُوجَد عبادة، انتهى! للأسف الشديد جداً مُحي الدين بن عربي تأثَّر بالقسم الثاني، نعم لم يُسقِط العبادة لكن فلسفته في وحدة الوجود هي وحدة الوجود القائمة على المُعادَلة، وهذا سيئ جداً جداً جداً وغير عميق.

اسمع ماذا يقول هذا:

ﻫﺫﺍ ﻤﺎ ﻴﺭﺍﻩ ﺍﻟﻤُﻘﺘﺼِﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻠﻭ، ﺃﻤﺎ ﺍﻟﻤُﺴﺭِﻓﻭﻥ ﻓﻴﻪ ﻭﻫﻡ ﺠﻤﺎﻋﺔ شنكرا – جماعة شنكرا Shankara هم الوحديون القائلون بالمُعادَلة – ﻓﻘﺩ ﺯﻋﻤﻭﺍ ﺍﻟﻤُﻌﺎﺩَﻟﺔ – هذه هي – وأعلنوا عدم الحاجة إلى العبادة…

أرأيتم؟ هذه هي! شنكرا Shankara قال لا، تُوجَد مُعادَلة، القطرة تُساوي البحر، وهذا غير صحيح، كذب هذا! والشرارة – الشرارة الواحدة – تُساوي النار، وهذا غير صحيح، فيها كلها صفات النار – صحيح – لكن على قدرها والقطرة فيها كل صفات المُحيط لكن على قدرها!

هذا المعنى جُزئياً له نظير إسلامي قرآني، ما هو؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور نفخ الروح، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، الله أكبر، موجود! لذلك ما أقرب نُسخة في المُحدَثات لله عز وجل؟ مَن هو؟ أنا سأقول لك، وأنا سأُعطيكم حقيقة خطيرة جداً بدأت أقتنع بها وبدأت تتكشَّف لي بفضل الله عز وجل، أكثر كائن مُؤهَّل أن يعرف الله هل تعرفون مَن هو؟ الإنسان، ليس جبريل – مثلاً – إذن، الله أكبر، هو هذا! وهذا بعض معنى قوله إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، يا ربي! هذا شيئ مُخيف، الإنسان! والعجيب أن هذه الفكرة في الهندوسية، وهذه من كلمات البهاغافاد غيتا Bhagavad Gita ومن كلمات كريشنا Krishna نفسه، لأن هذا نشيده، من كلماته! والآن سأُعطيكم معنى أيضاً عن إبليس لكن ذكِّروني به، فقط قولوا لي إبليس.

قال أرجونا Arjuna – مَن أرجونا Arjuna هذا؟ صديق كريشنا Krishna الذي تعلَّم منه والذي أخذ منه سلسلة الضبط المُتوالي، وما الضبط هذا المُتتالي أو المُتوالي؟ الإسناد، السلسلة التي عندنا في التصوف، هذه مأخوذة من الهنود، هذه كلها أشياء معروفة، لذلك أنا أقول لك قراءة الأديان المُقارَنة بتعمق مُهِم جداً جداً جداً لمعرفة حقيقة ما عندك وحقيقة أفكارك ومُنتحَلاتك ومدى وزنها، مُهِم جداً أن تقرأ الأشياء المُقارَنة هذه بتعمق، وإلا لن تعرف شيئاً، ستظن أن كل شيئ أصيل وستقول كل شيئ عندنا وعنده أصل في الشريعة، وهذا ليس شرطاً، هناك أشياء كلها مُقلَّدة تقليداً ومسروقة سرقةً، وهي تضر أحياناً – أنت براهمان الأسمى، نهاية المطاف والمقام الأسنى والمُزكي، أنت الحق المُطلَق والشخصي الإلهي الخالد، أنت الإله المُطلَق الأصيل، أنت الغير مولود والجمال الذي يعم الوجود، كل كبار الحُكماء يُعلِنون هذا عنك، وأنت نفسك الآن تُصرِّح لي بهذا يا كريشنا Krishna – قد تقول لي ما هذا؟ هو براهما Brahma أم كريشنا Krishna؟ هذه هي القصة التي تتعلَّق بالتجلي – إني أقبل كُلياً بكل ما قلته لي عن أنه الحقيقة، لا الملائكة ولا الشياطين تعرف شخصيتك. 

هذا يعني أنني عرفتها لكن هي لا تعرفها! تعرفون خطر لي شيئ عجيب، لماذا الله – تبارك وتعالى – أمر الملائكة وفيهم إبليس؟ إبليس لم يكن من الملائكة، الله قال بشكل واضح إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۩، انظروا إلى هذا، قال كَانَ مِنَ الْجِنِّ ۩، ما معنى أن تسجد الملائكة لآدم وأن يسجد إبليس لآدم؟ مطلوب هذا منه، يُوجضد معنى غريب وعجيب جداً جداً، وهذا بعض سر الإنسان العميق، الإنسان وحده مُؤهَّل لأن يعرف الله معرفة غير معرفة الملائكة وغير معرفة الشياطين، أسمى منها! هذا ما استوعبته، والعجيب أن هذا المعنى الذي قلته لكم موجود في الهندوسية، أنا استوعبه من فترة بسيطة – والحمد لله – ثم وجدته هنا فقلت عجيب، ثم سجَّلته – بفضل الله – وقلت أُريد أن أعقد عن هذا أيضاً خُطبة نُعيد فيها قراءة قصة آدم من هذا المنظور العجيب.

هل تعرف ما معنى أن تُؤمَر الملائكة بسجود لنا أو السجود لآدم؟ هذا يعني أننا مُؤهَّلون أن نعلو على الملائكة، نقدر! نقدر على أن نصعد لكي نصير شيئاً أعظم من الملائكة بإذن الله تعالى، بماذا نحن أعلم منهم إذن؟ بالمعرفة، بالمعرفة الإلهية تقدر على أن تعرف الله وأن تقترب منه أكثر منهم، مُؤهَّل أنت لهذا، هو خلقك بطريقة عجيبة وقال وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، الوحيد المنفوخ فيه من روحه! 

وأُعيد للمرة المائتين وتعساً لكل أفكارنا الإسلامية التعيسة البسيطة القشورية التي تظن أن الروح هي النفْس الموجودة في القرود والخنازير والحيات والعقارب، هذا كلام فارغ! الروح ليست موجودة إلا فينا نحن، وأتحدى – هذا كتاب الله، ها هو – أن يأتي أحد منكم بآية تقول إن الروح المنسوبة لله موجودة في غير الإنسان، هذا غير موجود! نحن وفقط، ليست في جبريل ولا في الشيطان ولا في كل الخلق، فينا وفقط! وهذه النفخة الإلهية هي التي جعلتنا صورة مُصغَّرة في نهاية الصغر عن الله، عجيب! هذا هو طبعاً، هو سميع وأنا سميع، هو بصير وأنا بصير، هو شاءٍ وأنا شاءٍ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۩، هو حي وأنا حي، هو قدير وأنا عندي قدرة، عنده إرادة وأنا عندي إرادة، هو مُدبِّر وأنا أُدبِّر، وهو خالق وأنا خالق، دعونا نتحدَّث قرآنياً، انتبهوا! قد يقول لي أحدكم أين هذا؟ لقد تجاوزت يا عدنان، لكنني لم أتجاوز، الله قال فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ۩، غير الله لا يُوجَد خالق إلا الإنسان، وطبعاً يُوجَد فرق كبير جداً جداً، فرق الخلق الإنساني عن الخلق الرباني مثل فرق العلم الإنساني عن العلم الرباني، لا تُوجَد مُشكِلة! والله قال لعيسى وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ ۩، إذن قال وَإِذْ تَخْلُقُ ۩، أليس كذلك؟ الله قال هذا، وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ۩، والله قال فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ۩، إذن ثمة خالقون، مَن هم؟ بنو آدم فقط، هل جبريل يقدر على صناعة آلة؟ هل يقدر على صناعة مُسدَّس؟ لا يقدر على صناعة أي شيئ، لا يصنع شيئاً، لا يستطيع أن يصنع أي شيئ، يقدر على أن يحمل أو أن يأخذ نعم لكنه لا يصنع، نحن الصانعون، أي الهومو سابينس Homo sapiens، نحن! عندنا قدرة الإبداع يا جماعة، هل جبريل يقدر على تأليف رواية – أي Novel بالإنجليزية أو Roman بالألمانية – مثل هوجو Hugo أو ديكنز Dickens أو دوستويفسكي Dostoyevsky أو بوشكين Pushkin وأمثال هؤلاء؟ مُستحيل، نحن مَن يصنع رواية، يُمكِن أن يرى أحدكم باب الحارة فيبكي ويتأثَّر ويُقشعِر بدنه رُغم أن هذه قصة، نعم هي قصة لكن صنعها أحدهم.

أنا أقول لك الشخصيات الروائية تعيش طويلاً، مثلاً أحدب نوتردام The Hunchback of Notre Dame أشهر من جدك ومن جدي، مَن يعرف جدي إسماعيل حسين إبراهيم؟ مَن هو إسماعيل حسين إبراهيم؟ هل أنا أعرف جدك؟ أنا أعرف أنك الأخ وائل، لكن مَن جدك؟ لا أعرفه ولن أعرفه، لا أنا أعرف جدك ولا أنت تعرف جدي، مَن سيعرفهما؟ وفي المقابر ملايين البشر الذين لا يعرفهم أي أحد، لكن مَن لا يعرف أحدب نوتردام The Hunchback of Notre Dame؟ قد تقول لي ما قصدك؟ أقصد أن أقول هذه الشخصيات المخلوقة روائياً عندها وجود وعندها شهرة وامتداد أكثر منا كبشر في بعض المرات، أليس كذلك؟ شيئ غريب! مَن خلق هذا؟ يُقال الخالق، هم يقولون حتى في أفلام والت ديزني Walt Disney إن الــ Creator – أي الخالق – هو فلان الفلاني، قد تقول لي أستغفر الله العظيم، لكن هذا قرآن، لماذا تقول أستغفر الله العظيم؟ هذا يعني أنك لا تفهم الأمر، أنت جامد، ضيَّعنا الفن وضيَّعنا كل شيئ بهذا الهبل الذي لدينا، خالق هو، نعم! الذي خلق شخصية ميكي ماوس Mickey Mouse خالق، مَن الذي خلقها يا أخي؟ هو هذا الرسّام، هو الذي خلق الشخصية هذه، وعاشت وصارت معروفة بميكي ماوس Mickey Mouse وعليها دراسات وأشياء ونقد أدبي وسينمائي وفني وقصة! موجودة هذه الشخصية وصورها في كل مكان، على الـ Kätschen وعلى الــ Glässer والأكواب وما إلى ذلك، أليس كذلك؟ خلق! هذا إبداع اسمه، كذلك الحال مع شريك Shrek، ابني إبراهيم يُحِب شريك Shrek هذا جداً، يُحِبه ويُحِب مشيته! هذا غول – Ungeheuer – اسمه شريك Shrek، خيال! خيال رجل فنّان صنع هذا الغول Ungeheuer وألَّف له قصة حُب ومُغامَرات وما إلى ذلك، شريك Shrek هذا ربما يعيش إلى ألفي سنة قادمة أو مائة ألف سنة، هذا  شريك Shrek! مثل ميكي ماوس Mickey Mouse، أرأيت؟ مَن يفعل هذا؟ الإنسان، مَن الذي يكون دوستويفسكي Dostoyevsky؟ الإنسان، مَن الذي يكون بوشكين Pushkin؟ الإنسان، مَن الذي يكون نجيب محفوظ؟ الإنسان، هذا الإنسان المُبدِع! من أين هذا؟ لماذا أبدعنا؟ جبريل لا يقدر على هذا، هو مُجرَّد Porter، ساعي بريد – Postman – هو أو نادل، يُوصِّل لك ما يُريد الله، الله يقول له خُذ هذا ووصِّله إليه فيذهب ويُوصِّله إليك، والله قال مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ۩، هو أمين، لا يزيد ولا ينقص، يُقال له خُذ عشر آيات فيأخذ عشر آيات ويُوصِّل ما أراده كما هو، ليس له علاقة بأي شيئ، لا يقول شيئاً ن عنده، يقول لك تفضَّل الشيئ كما هو، أليس كذلك؟ لكن الإنسان لا يفعل هذا، الإنسان يأخذ كلام الله ويبدأ يُفصِّصه أيضاً، يقول ما معنى هذا؟ ولماذا قال الله هذا؟ وما معنى الآية هذه؟ ويُفسِّر هذا بهذا، ويقول هذا كذا وكذا، ويتحدَث في الفلسفة والعلم والإعجاز، أليس كذلك؟ غريب! جل الله، الحمد لله أننا خُلِقنا هكذا، أنا سعيد جداً جداً بأنني مخلوق، وسعيد جداً جداً بأنني إنسان، وأسعد من هذا لأنني أُفكِّر، أنا عندي تفكير، أُحاوِل أن أُفكِّر دائماً، ليل نهار مُخي هذا مثل الطاحونة، وأتمنى لكم هذه الحالة، أتمنى أن يُصبِح مُخ الواحد منكم مثل الطاحونة التي تطحن على مدار الأربع والعشرين ساعة، والله العظيم! وتفعل هذا حتى في النوم، والله تأتيني أفكار كثيرة جداً في النوم وحين أستيقظ أكتبها وأُسجِّلها، بفضل الله من أحلى ما يكون! هذا يحدث في النوم بفضل الله عز وجل، ففكِّر دائماً، هذه مزيتك، وهل تعرف ما معنى أنك تُفكِّر دائماً؟ ما معنى هذا؟ أن دورتك الدموية الروحية شغّالة، الدورة الدموية الروحية المعنوية! الدورة الدموية للكون تشتغل فينا الآن كبشر، فما آثارها إذن؟ حركة مُمتازة، أليس كذلك؟ دقة مُمتازة، صحة مُمتازة، حيوية مُمتازة، قدراتك العقلية والنفسية وما إلى ذلك – لأن الدورة الدموية شغّالة، أليس كذلك؟ – مُمتازة، الدورة الدموية الروحية والعقلية شغّالة وهذا يعني أن هناك فكراً وأن هناك إبداعاً وأن هناك قياساً وأن هناك أخذاً وأن هناك رداً وأن هناك تناقضاً!

اتصل بي أحد تَلاميذي في مدريد وقال لي يا شيخ أحياناً أحس بوجود تناقض عندك، فقلت له مثل ماذا؟ فقال لي مثل كذا وكذا، فقلت له لا، هذا ليس تناقضاً، لكن إذا وقع تناقض فهذا سيكون طبيعياً جداً جداً، الذي ليس عنده شجاعة أو إبداع أن يكون مُتناقِضاً مع نفسه ليس مُبدِعاً أصلاً ولم يُفكِّر من قبل، هذا هو طبعاً! إذا وجدتني – أنا عدنان – بعد شهرين على نفس الحالة التي أنا عليها اليوم فهذا سيعني أنني جامد، أليس كذلك؟ هذا يعني أنني لم أسر ولم أتعلَّم شيئاً جديداً، لابد أن أتناقض، ولابد أن أقول شيئاً وبعد ذلك أقول لا، ليس هذا العمق النهائي، يُوجَد شيئ أعمق منه، ولابد أن أقول عمقاً ثم أقول بعد ذلك لا، هذا ليس عمقاً، اتضح أنه سطحي، سأضع عليه علامة إكس X لأنني لا أُريده، يُوجَد شئ ثانٍ، لابد من هذا! وهذا الفرق بيننا وبين الله تبارك وتعالى، وهذا أيضاً بعض تجليات الروح الإلهية، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۩، ونحن مثل هذا أيضاً، هذه الفكرة التي ثبَّتها وبرهنتها توقَّفت عنها، لا أُريدها، سأشطب عليها وآتي بغيرها، لأنني كائن إلهي، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩!

فكون الملائكة تُؤمَر بالسجود لنا هذا يعني أن عندنا اللياقة أو القدرة – الـ Abilitate أو الــ Ability – والتأهل لأن نكون أفضل من الملائكة، بماذا نكون أفضل؟ انتبهوا! واليوم هذا سوف نتحدَّث عنه في درس الهندوسية، هل نحن أفضل بالجنس أو بالكرش أو بالعضلات؟ هل نحن أفضل بالهبل هذا؟ هل الواحد منا يكون أفضل حين يضرب الآخر بالبوكس Box – أي يلكمه – خمس وعشرين ضربة؟ لا! هذا كلام فارغ، هل نحن أفضل بالنطّاط؟ يقول أحدهم إنه نط في الأولمبياد Olympiad لمسافة مترين ونصف، البرغوث أحسن منه! هل تعرف البرغوث ينط لمسافة كم؟ كم المسافة التي تنطها؟ أنت أصلاً كم طولك؟ طولك يصل إلى متر وسبعين مثلاً، وكم المسافة التي تنطها؟ ثلاثة أمتار، أي أقل من مرتين فقط، أقل من ضعفي طولك، لكن البرغوث ينط لمسافة كم؟

الضفدعة – Frog – تنط كم ضعفاً؟ من عشرين إلى ثلاثين ضعفاً، إذا كان طولها خمسة عشر سنتيمتراً فينبغي أن نضرب في عشرين إلى ثلاثين، فلنضرب بالتقريب في خمسة وعشرين ضعفاً، تخيَّل! إذن أحسن منك هذه الضفدعة المُصابة بالهبل والتي عندها لسان لزج، أشطر منك! هل أنت تنط؟ هل أنت نطّاط؟ هل تشعر بالفرح لأنك نطّاط؟ هل عندك بطولة في النط؟ يقول أحدهم عن نفسه إنه نطّاط، لكن البرغوث ينط أكبر من حجمه بكم مرة؟ مائة مرة، هو أكبر نطّاط في الكون! لو كنت أنط مثله لأصبحت أفضل من سبايدرمان Spider-Man، تخيَّل أن يكون طولك مائة وسبعين أو مائة وثمانين وسوف تنط مائة ضعف، سوف تبلغ الهرم – هرم خوفو Cheops مثلاً – بنطة واحدة، لكنك لست أعظم من الملائكة بهذا، ليس بالجنس أو بالأكل أو بالشرب أو بالنط أو بالقوة أو بالهبل أو بالصوت العالي أو بضرب الرصاص أو بالمُسدَّسات وما إلى ذلك، لا! بماذا أنت أحسن من الملائكة؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور إنه أحسن من الملائكة بالقدرة على التعرف على الله، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، بالقدرة على التعرف على الله بشكل أعمق، الملائكة عرفته ووقفت أو عُرِّفت عليه بالأحرى، الله عرَّفها! خلقها تعرفه في مقام مُعيَّن، وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ۩، إذا عرف أحدهم أنه في المقام الثالث فالأمر منتهٍ، سوف يظل في هذا المقام الثالث طيلة حياته، محروم والله العظيم! والله العظيم لا أتمنى أن أكون مكانه، ما رأيك؟ والله لا أتمنى أن أكون ملكاً، لا أُريد هذا، كيف أكون في درجة واحدة وينتهي الأمر؟ لكن أنت ليس كذلك، تبدأ من درجة اسمها الفطرة وبعد ذلك تبدأ تترقى، ولو عشت مائة سنة وأنت تُفكِّر وتخوض التجربة الإيمانية بصدق مع الله وكنت مُقبِلاً وكان عندك ظمأ  لظل يُروي لك هذا الظمأ لأنه كريم وهّاب، أنت ظمآن وهو لن يتركك ظمآناً، سوف يُعطيك ويُنقِّط لك، سوف يُعطيك! ومن ثم سوف تعرف أكثر، ولو عشت ألف سنة لعرفته أكثر وأكثر في كل يوم بل في كل لحظة – بإذن الله – باستمرار، يا الله! هذا يعني أنك أشرف من الملك، أشرف وأعظم، وربما تتعدى درجة عرفان الملائكة وتبدأ تأخذ أشياء أُخرى، ربما تتعدى لياقات الملائكة، أنت عندك لياقات هي تفتقر إليها، فاذهب واسأل الناس الذين وصلوا إلى المقامات هذه.

قد يقول لي أحدكم هذا فهمناه وهو كلام منطقي، فماذا عن إبليس؟ طبعاً نفس الشيئ، كان من اللازم أن يُؤمَر بالسجود لك، والله يعرف أنه لن يسجد، ولذلك الله امتحنه، قال له اسجد معهم، يعرف أنه سيقول لا، الله يعرف هذا! إبليس في الأزل هو إبليس، لكن هذا لأن عندك اللياقات والقدرة والمُؤهِّلات لكي تكون ألعن منه، والله العظيم! ويُمكِن أن تُحيِّره، أُقسِم بالله! أنا أقول لك يُمكِن – والله العظيم – أن تُحيِّر إبليس، يقول عنك خرَّب الله بيته، ما أذكاه! ما هذا؟ كيف خطر له هذا؟  لأنه لا يقدر على مثل هذا، إبليس ليس عنده مثل هذه اللياقات.

أنا أقول لك ما سُلطان إبليس عليك – نفترض مثلاً – في تزيين الفاحشة؟ الفواحش – والعياذ بالله – والسوءة! من أكبر أهداف إبليس أن يُعرِّينا، هل تعرف لماذا؟ قد تقول لي لماذا؟ هذا التفكير دعونا نراه أنثروبولوجياً وسوسيولوجياً، لأن العرب والمُسلِمين كذا وكذا، لكن لا، ليس بسبب هذا! لأنه يُؤكِّد لي حيوانيتي ويجعلني في الأُفق الحيواني، لا أصير إنساناً ولا أصير ملكاً ولا أي شيئ، يقول لك أنت حيوان، مثلك مثل أي خنزير أو أي قرد أو أي ثور أو أي عجل، أنت مثله، حيوان! لكن أنا لست حيواناً، وأنا أرفض هذا، ليس كعدنان وإنما كواحد من البشر، أنا أتحدَّث باسم البشرية، أرفض أن يكون كل إنسان كذلك، وهو يأبي ذلك، يأبى ويغضب! هو لا يُريد هذا ويتعذَّب منه، وسوف نرى هذا اليوم في درسنا، لكن دعونا ننتهي من هذه الفكرة.

إذن هذا لأن الله يعرف أنك تقدر – كيف تقدر؟ عندك القابلية – على أن تكون ألعن منه وأوطى منه وأشرس منه وأعند منه وأشر منه، وأثبت البشر هذا! إبليس لكي يُزيِّن لك الفاحشة ماذا يفعل؟ معروف ما هي حدود تزيينه، يُوسوِس لك بكذا وكذا وينتهي الأمر، لكن البشر كيف زيَّنوها؟ والله العظيم لا يقدر إبليس على هذا ولا يقدر على واحد من ألف من هذا، الآن بدأنا نسمع أن حتى الشباب والمُراهِقين والمُراهِقات يقدر الواحد منهم على موبايله على أن يتبادل صوراً وأفلاماً وأشياءً وروايات وبذاءات قبيحة جداً جداً، كفيلة بأن تجعل الصخر يذوب فتنةً، فواحش! مَن يفعل هذا؟ وكيف؟ تُدفَع نقوداً لأفلام! يأتونك بالحسناوات الجميلات البريئات ويجعلون الواحدة منهن سعلة يستهلكها ذئاب البشر الشرِهون حيوانياً، الذين انحطوا إلى أُفق حيواني يستهلكون هذه السلعة البريئة المسكينة والتي وافقت أيضاً على أن تكون في أُفق حيواني فتعيش وتموت فيه والعياذ بالله، إبليس لا يفعل هذا، وليس له علاقة به، البشر يفعلون هذا، أليس كذلك؟ إبليس لم يُفض إلينا بكتاب اسمه رأس المال لكي يُشكِّك في الله وفي البشر وفي الأديان، ويُحرِّض الناس بعضهم على بعض باسم الانتصاف للمظلومين، وهذه كلها حرب مسعورة اسمها حرب الطبقات، ورأينا ديكتاتورية البروليتاريا، قالوا نحن نُريد ديكتاتورية لكن هذه المرة للضعفاء، يسحقون بها كل شيئ، لماذا يا أخي؟ ومتى سننتهي من اللعبة هذه نحن؟ أين الإنسانية التي فينا؟ لا تُوجَد إنسانية!

ولذلك – هذا له علاقة بالهندوسية الآن – انظر إلى ماكس مولر Max Müller العالم باللُغة السنسكريتية وبعض اللُغات الشرقية والعالم بالميثولوجيا – Mythology – على مُستوى عالمي، وهو يهودي ألماني الأصل! ماكس مولر Max Müller يقول لو سُئلت أين أنجز العقل الإنساني أعظم مُغامَراته الروحية على الإطلاق؟ لأشرت إلى الهند، هؤلاء الناس – قال – غير طبيعيين، ولو سُئلت كرةً أُخرى من أين يُمكِن استخلاص الإضافات والشروط المطلوبة والمُناسِبة لجعل حياتنا كغربيين أوسع وأكثر شموليةً – وبكلمة يقول ماكس مولر Max Müller – أكثر إنسانية – ليس فقط في نشئتنا هذه بل في نشأة أُخرى أبدية، حتى بعد الموت، من أين يُمكِن أن نأتي بهذا الاستخلاص والإضافة – لأشرت مرة أُخرى إلى الهند، لابد أن نتعلَّم منهم هناك، لابد أن نتعلَّم من هؤلاء الناس، نحن ليس عندنا مثل هذا قال، فقراء نحن، وفعلاً هم فقراء وحسيون! أُناس حسيون وماديون، ليس عندهم أي عمق، مساكين لا يفهمون شيئاً، هذا هو!

انظر حتى إلى كل الديانات الهندية، هي ديانات مُسالِمة، لا تُحرِّض البشر بعضهم لا بعض، لا تُحرِّضهم أبداً! نعم يُوجَد نظام الطبقات السيئ – سوف نتحدَّث عنه علماً بأن فيه بعض المُخفِّفات لكي نكون موضوعيين – لكن بشكل عام النظام جيد، لا يُوجَد تحريض وتُوجَد رحمة بكل كائن، بالدود، بالصراصير، بالحيات، بالأبقار، وبكل شيئ! كل ذي روح لابد من وجود رحمة تجاهه، يُوجَد تحمل وتُوجَد مواءمة عجيبة، غريب أن هذا الغرب لا يعرف هذا، الغرب لا يعرف إلا الاستئصال والذبح والحروب وما إلى ذلك، شيئ عجيب يا أخي، لابد أن نتعلَّم قال، نحن لابد أن نتعلَّم!

أرنولد توينبي Arnold Toynbee تعرفونه، هذا صديق لدروسنا وخُطبنا، هذا الرجل في إدنبرة Edinburgh سنة ألف وتسعمائة واثنين وخمسين يُلقي مُحاضَرة ويقول في الخمسين سنة القادمة – وسُبحان الله هذا حصل، هذا كان في سنة ألف وتسعمائة واثنين وخمسين، تخيَّل! لكن هذا حصل، مُؤرِّخ عظيم وعلّامة كبير، كان يستشرف المُستقَبل – ستقع البشرية تحت السُلطة والسيادة الأمريكية – قال أمريكا ستخوض العالم في الخمسين سنة القادمة -، لكن في القرن الحادب والعشرين حين تتخلى وتتنازل التكنولوجيا عن مكانها للدين يبدو أن الهند ستفتح فاتحيها، أي ستعود الدنيا الغربية كلها هذه تتعلَّم من الهند قال، وهذا ما حصل! هناك قراءات وترجمات ودراسات كثيرة، ويرون أشياء لا تخطر على بالهم ولذا يُذهَلون، وطبعاً كل واحد – وأنا من هؤلاء المذهولين – إذا قرأ هذ التراث بعمق فإنه لا يملك إلا أن يكون مذهولاً، يُوجَد عمق غير طبيعي، ويُوجَد فهم غير عادي لأشياء كثيرة، فيما يختص بالكون والإنسان وما إلى ذلك، شيئ غير عادي، مُقلِق هذا يا جماعة، وهذا الذي كان يُشير إليه دائماً ويُؤكِّد رينيه غينون René Guénon، أي عبد الواحد يحيى، كان يقول التقليد القديم، ليس التقليد بمعنى Imitation، لا! بمعنى الـ Tradition، تقليد روحي قال، قال هذا ينتمي إلى العصر الذهبي، فكلما اضمحل كذا حدث كذا، قال نحن العرب لا نفهم شيئاً، انتهى أمرنا، نتحجَّر! لكن هو مُهتَم به جداً جداً، وعبره توصَّل إلى الإسلام، تخيَّل! عرف من الإسلام خُلاصة عجيبة لهذا الشسئ، ففعلاً هو عميق! أعمق مما يتخيَّل الإنسان.

نرجع، إذن هم يعتقدون بوحدة الوجود على هذا النحو الذي ذكرت، من ضمن أناشيد الأوبنشاد Upanishad يقول هذا الإله الكُلي حين يقتل القاتل ويُقتَل القتيل مَن ظن أن القاتل هو الذي قتل والقتيل هو الذي سقط فقال هذا مخفيٌ، أعمى – قال – لا يُبصِر، أصم لا يسمع، عليه أن يراني، فأنا القاتل، وأنا صدر القتيل، وأنا السكينة التي تم بها القتل، وأنا القتل نفسه، أنا سمع السمع، أنا بصر البصر، أنا نفْس النفْس، أنا ضياء الشمس المبعوث، أنا العرف الشذي الذي يطير في الأجواء، أنا ماء البحار والأنهار، أنا الهواء العليل، أنا كذا… وأنا كذا….

أي الظاهر والباطن، كل شيئ! هكذا عندهم هذا التصور لوحدة الوجود بهذه الطريقة، طبعاً هذه فكرة وعقيدة مرفوضة عندنا، ونحن نعرف عقيدتنا الصحيحة.

نكتفي بهذا الشيئ، في المُحاضَرة المُقبِلة – بإذن الله – سنُكمِل الحديث – كما قلنا – عن الكرما Karma والتناسخ وعودة الأرواح أيضاً – آخر شيئ – إلى الله.

اليوم نأخذ شيئاً بسيطاً – بعون الله – وسريعاً عن فلسفة الهندوسية هذه وطريقتها في التعاطي مع الإنسان، من أين تبدأ؟ تبدأ الهندوسية من سؤال: ماذا تُريد؟ لتُسارِع بالجواب عنه بشكل مُحيِّر لنا: أنت تستطيع وبإمكانك أن تحصل على كل ما تُريد، من البداية تقول لك تعال، ماذا تُريد؟ كل شيئ تُريده موجود وتستطيع أن تحصل عليه، غريب! أهكذا ببساطة؟ كيف؟ هذا أحسن مدخل للتعريف بالهندوسية، قالوا كالتالي، علماً بأننا سنشرح اليوم شرحاً يسيراً هكذا في نصف ساعة، لكن هذا خطير ومُحرِج، لماذا؟ لأنه يُلقي بالكُرة في ملعبنا، يقول لك تفضَّل، ماذا أنت تُريد؟ قل ماذا تُريد، وأنا سوف أقول لك إنك تستطيع أن تحصل على هذا، وسوف تتفاجأ في آخر الدرس، يُوجَد تقرير أكثر صدماً ومُروعيةً لكن لن أقوله الآن، هذه فلسفتهم كلها! ليس هذا فحسب، سوف يقول كل البشر – هذا ليس بمزاجك، كل البشر عموماً سوف يقولون هذا – نُريد اللذة، اللذة Lust! الإنسان يُريد اللذة، ليست اللذة الجنسية فقط، لا! اللذة بشكل عام ما يُوائمني، ما يُعطني إحساساً بالانتشاء، أرأيت؟ وبالسعادة السريعة هذه وما إلى ذلك، اللذة! أي أن هذه هيدونية Hedonism، هذا تفكير هيدوني! يقول لك أحدهم إنه Hedonist، أي مُتعي أو نزوي، Hedonic تعني لذائذي أو مُتعي كصفة،Hedonic! إذن اللذة، هل هذه اللذة؟ قال نعم، أولاً الإنسان يمشي في هذا الطريق، طريق الرغبة! مُشيَّدة على أساسين هذه أو مُحدَّدة بشيئين، اللذة! هذه اللذة التي أُريدها أليست مُحرَّمة؟ أليس هذا ممنوع؟ أليس هذا سيئاً؟ أنت عندك هذا الفكر، لكن هو يقول لك هذا غير صحيح، بالعكس! هذا من حقك، وأنت لابد أن تمر بهذه الطريق، طبيعي أن تمر بها وعادي، وهكذا هو الإنسان! وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ۩، لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ۩، هذه أطباق فعلاً – سُبحان الله – نمر بها، اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۩، ونحن قلنا في مرة سابقة كيف هذا، فترات هذه سوف تمر بها، وهنا تُؤكِّد الهندوسية على أن على الإنسان أن يكون حاذقاً وأن يتعاطى مع لذائذه بما لا يعود عليه بالمضرة، ومن هنا تقول بين قوسين أيضاً (ضرورة التزام التشاريع والعادات والتقاليد)، أي إذا أردت لذة جنسية فلا ينبغي أن تسطو وتسرق أعراض غيرك، ممنوع – قالوا – هذا، تأخذ هذا بما يسمح به التشريع والمُجتمَع، مسموح لك، لا نقول حرام أن تتزوَّج، لا! إذا أردت أن تأكل وتشرب فهذا من حقك، إذا أردت أن تركب جيداً – لِمَ لا؟ – فهذا من حقك، إذا أردت أن تلبس جيداً فهذا من حقك، إذا أردت أن تسكن جيداً فهذا من حقك، قالوا لك مسموح هذا!

لماذا تُعطينا الهندوسية الطريق هذا وتُشجِّعنا عليه؟ ادخلوا تقول لكم، ادخلوا! وهذا فهمي – بفضل الله – من سنين، وكنت أقوله وأعيشه، وأنت لابد أن تفعل هذا، قلت في مرة سابقة إذا لم تفعل هذا فسوف يظل بداخلك جُزء غير مُعبأ وغير مُكتمَل، سوف تظل تحن إليه ولو بعد مائة سنة، وسوف يُفسِد عليك نضجك الروحي، سوف تبقى طفلاً في النهاية، ولذا قد تتورَّط في مشاكل، لا! عِش حياتك وعِش فتراتك، إذا أردت لذة من أكل أو أشرب أو نسوان وما إلى ذلك فلتأخذها، لكن في حدود الشرع والحلال والمُباح والتقاليد والشيئ الذي لا يُؤثِّر ويجرح كرامتي ونبالتي بين الناس، هذا كما الإسلام كما الهندوسية عادي ومسموح به، ليس عندنا مُشكِلة، لكن – انتبه – كما الإسلام كما الهندوسية كما غيرهما بعد فترة – قد تطول وقد تقصر، وعموماً هي لا تطول كثيراً – مُباشَرةً يخرج سؤال هكذا فينبثق وينطرح أمامك: وماذا بعد؟ هل الحياة لذة فقط؟ هل هي أكل وشرب ونسوان وسيارة بي إم دبليو BMW وأحسن سيجار كوبي Cuban Cigar وما إلى ذلك؟ لا ليست هكذا، وماذا بعد؟ وحصَّلنا شهادات وألقاب ووزارات، وماذا بعد؟ ليس هذا هو، علماً بأنني خلطت بين اللذة وبين النجاح الدنيوي، فلندع هذا الآن ولنبق مع اللذة، اللذة التي تأتي من الأكل والشرب والنسوان وما إلى ذلك، هذا غير الشهادات والوزارات، هذا شيئ ثانٍ، هذه طريقة ثانية للذة أو الحجر الثاني فيها، سوف تقول ماذا بعد؟ ونعم ماذا بعد؟ فعلاً! اسأل أكبر اللذائذيين – هؤلاء الــ Hedonists – المُتعيين الذين لم يتركوا شيئاً إلا طرقوه وجرَّبوه بالحلال والحرام، وسوف يقول لك نحن من أتعس عباد الله وانتهينا إلى لا شيئ.

سورين كيركغور Søren Kierkegaard أب الوجودية الروحية والفيلسوف الدنماركي العظيم، عنده كتاب اسمه The Sickness Unto Death، أي المرض إلى حد الموت، كتاب عجيب وجميل! عن ماذا تحدَّث فيه كيركغور Kierkegaard؟ تحدَّث فيه عن تجربته الفردية الحميمة مع اللذة، قال وأنا شاب اقتنعت بأن سعادة الإنسان وهناء الإنسان في أن يعب كؤوس اللذائذ والمُتع، أن يكون لذائذياً مُتعياً، أي Hedonist، وعملت – قال – هذا وجرَّبت، وماذا بعد؟ قال، النتيجة أنني في بحر اللذة المُتلاطِم لم أجد مكاناً أُرسي فيه مرساة سفينتي، لا يُوجَد قال، شعرت بالضياع الكامل!

هل تعرف كيف أُعبِّر عن هذه وقد عبَّرت عنها في درس قبل ربما أسبوع أو أسبوعين؟ مثل إنسان يبقى يدور حول نفسه، حول لذته! هذه النفس الآن هي ماذا؟ الآن تتعيَّن نفسه وتتعيَّن هويته بماذا؟ باللذة، هو يرى نفسه لذة، نسوان أكثر وسيارات أكثر وأكل أكثر وشرب أكثر وما إلى ذلك، هذه هي! جرِّب وخُذ هذا يا حبيبي، اعمل كل ما تُريد! وسوف يبقى في النهاية يدور حول نفسه، يدور يدور يدور يدور! الذي يدور حول نفسه في النهاية أولاً بماذا يُصاب؟ بالزهق، بالملل، وبالدوار، ثم يسقط بعد ذلك مُحطَّماً، يرتطم بحجر أو بشيئ فيُغمى عليه أو يموت، ينتهي! بعض الناس يموتون، يموت الواحد منهم جسمياً وروحياً وفكرياً وإنسانياً، ينتهي وييأس! لكن قبل ذلك يعرض له ماذا؟ الإحباط Frustration، يشعر بالإحباط هو، لا عزاء! لماذا لا عزاء؟ لأنه لا جديد، فرق بين إنسان يدور حول نفسه – مشهد واحد وحالة واحدة – وبين إنسان يقطع مراحل طريق، الأخير في كل مرحلة يتجدَّد له ماذا؟ منظر ومشهد ومفكر، أليس كذلك؟ ومسرة داخلية وخارجية، تنمو الروح مع كل مرحلة، لكن الأول ليس كذلك، يدور كحمار ساقية، يدور يدور يدور يدور يدور! مثل فيروس الكمبيوتر – Computer virus – الذي يحرق الجهاز كله في النهاية، يحترق هذا المسكين! مثل الماء، إذا وضعت الماء في الإبريق وعند الغليان أخذته وطعَّمته بالشاي ووضعت على الشاي نعنع وصببت النعنع في الكوب وشربه الأضياف فسوف تجد مُتعاً، هذا مُمكِن من خلال قطع مرحلة إثر مرحلة، لكن إذا تركت الماء على النار وظل الماء يغلي باستمرار فسوف يتبخَّر الماء ويحترق الإناء وينتهي كل شيئ، أليس كذلك؟ وهذا ما يحدث معك.

فهذه تجربة كيركغور Kierkegaard، في النهاية قال لا، ليست المُتعة، قال لم أجد مكاناً في البحر هذا المُتلاطِم لكي أُلقي فيه مرساتي، وصف تجربته مع اللذائذ في كتاب عجيب – كما قلت لك – وهو The Sickness Unto Death، أي المرض أو العلة إلى الموت أو إلى حد الموت، كتاب عجيب وهو فلسفي عميق جداً جداً، وهذا من جمال الفلسفة الوجودية، جيد! 

إذن ليس هذا هو، وهذا ما تُريده الهندوسية، امش في الطريق هذا بالشروط هذه لكي تصل إلى المرحلة هذه، نُريد منك أن تصل إليها، حين تصل إليها تصير مُؤهَّلاً لأن تبحث عن المعنى في غيرها، ليس هذا معناها، ليس هذا! ليس جنساً وليس أكلاً وليس شُرباً وليس سيارةً، لا! ماذا بعد؟ وماذا بعد؟ أنا لست هنا، لم أجد نفسي هنا! إذا ظللت تُلِح – وأنا شرحت هذا أعتقد بتفصيل شديد في المرحلة السابقة – وقلت لا، أنا لم أدخل بطريقة صحيحة، لم أُجرِّب بطريقة صحيحة، الكم والكيف مُختلِف، جرِّب كماً أكثر وكيفاً أكثر، لذلك هم ما الذي يفعلون مع الكيف؟ يُنوِّعونه، الكيف قسَّموه إلى ماذا؟ إلى صنوف من الشذوذ الجنسي، تركوا النساء ودخلوا في الرجال، تركوا الرجال ودخلوا في الأطفال، تركوا الأطفال ودخلوا في الحيوانات، تركوا الحيوانات ورجعوا إلى الأموات، النيكروفيليا Necrophilia! تركوا الأموات وذهبوا إلى كذا وكذا، خمسون ألف نوع! والفتشية Fetishism والمازوخية Masochism والسادية Sadism وكذا وكذا! شيئ مُقرِف مُقزِّز عجيب، واحترقوا أيضاً واقفين أو مُنبطِحين، انتهى كل شيئ، لن تصل هكذا، ليس هذا، أنت لست هنا!

بالمُناسَبة مأساة الإنسان للأسف – والله العظيم – في أن عنده توق، لماذا عنده توق؟ سأقول لك ماذا سيحدث لنا لو لم يكن عندنا توق، الواحد منا لو لم يكن عندنا توق لأصبح مثل البقرة التي تراها أمامك أو مثل العجل أو مثل السُلحفاة، ولن يكون عندنا أي مُشكِلة، وأينما تضعنا سنُوضَع، وفي أي شيئ تبعثنا سننبعَث، وأينما تُقعِدنا سنقعد وسنظل ساكتين وسنكون سعيدين أو سنكون غير سعيدين لكننا لن نحزن، لكن الإنسان ليس هكذا يا أخي! الكائن الوحيد الذي يتمرَّد على مصيره وعلى قدره وعلى وضعه، يقول لا، ليس هذا، لا أُريد هذا، أنا أعترض، أنا سأنتحر! ثم يذهب وينتحر، هذا أمل خائب، روح يائسة مُحبَطة، أحق الناس بالشفقة هؤلاء المُنتحِرون، لكن لماذا عندنا توق؟ لأن فينا جُزء أو بالأحرى فينا معنى – دعونا نقول هذا لكي نكون دقيقين عقدياً – إلهي، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، وهذه النفخة – أنا أقول لك وأحلف لك بالله الذي نفخها – والله العظيم لن تجعلك ترتاح لأي شيئ هنا، تُريد شيئاً آخر، لكن بالمُناسَبة لأنها ليس لأنها نفخة مُجرَّدة – نفخة في بدن – لابد وأن تتجاوز مراحل مُعيَّنة، ادخل في اللذة ثم انته منها، ادخل في شيئ ثانٍ، هذا اسمه طريق الرغبة، مُركَّن برُكنين: اللذة وشيئ ثانٍ اسمه النجاح الدنيوي.

النجاح الدنيوي يُعطيك شعوراً بالاكتفاء وبالغنى وبالطمأنينة أطول قليلاً من شعور اللذة، لماذا؟ لأنه تشابكي – Interactional – اجتماعي، أي Social interactional، النجاح الدنيوي ليس في أن يتعاطى إنسان كأساً أو في أن يُدخِّن إنسان سيجارة أو يركب سيارة وهو مبسوط أو يلبس بدلته أو يركب على حذائه.

عندنا جار مسكين يعيش هو وزوجته وحدهما، عنده ثلاث أو أربع سيارات من أنواع مُختلِفة منها الجيب Jeep الخاص بالجيش، ذات يوم كنت عائداً وهو كان جالساً، رأيته في لحظة فكتبت – أنا دائماً ما أحمل معي الورقة والقلم لكي أُدوِّن الأفكار، في ذاك اليوم رجعت بصفحة كاملة مثل هذه فيها أفكار، وهذا كله كان في الطريق – وقلت هذا المسكين يستهلك سرابه، سراب ماذا؟ سراب البطل – Hero – الذي عنده الجيب Jeep، مسكين! وكل الناس – انتبه – تستهلك هذه السرابيات، وأنت قد تكون منهم، وأكيد نحن منهم بمعنى أو بآخر لكننا نختلف بعض الشيئ، كلنا نستهلك هذه السرابيات، هذا اسمه السرابي، أي الإنسان السرابي! شخص يختفي خلف سيجارته، يدفع مائتين وخمسين ثمناً للقدّاحة المُذهَّبة، هذا هبل، هل هو أهبل؟ ويأتي بأنواع مُستورَدة ويدفع فيها دم قلبه لأنه يختفي خلفها، كم هو صغير مَن يختفي خلف سيجارة! صغير جداً هذا المسكين، لكن هو لا يعرف أنه صغير، هو يظن أنه كبير، يُفهِم الناس أنه كبير، انظروا كيف أُدخِّن الكوبي Cuban، أي السيجار الكوبي Cuban Cigar! وآخر يختفي خلف بي إم دبليو إكس 5  BMW X5 وما إلى ذلك، لا أعرف الأنواع هذه بصراحة لكنني أسمع عنها، إحدى هذه السيارات يصل سعرها إلى مائة مائة وخمسين ألف يورو، يختفي خلفها! آخر يختفي حول جاكيت Jacket آخر موديل Model، بينسة جميلة موديل بوس Boss Model بألف وخمسمائة وسبعين يورو، يختفي! يقول هذا أنا، هناك مَن يختفي خلف دبوس من ذهب بألفي يورو، دبوس! هناك مَن يختفي خلف ساعة من ماركة كذا بمائة وعشرين ألف يورو، رأيت في إحدى المرات ساعة بمائة وعشرين ألف يورو، ساعة! آخر يختفي فوق حذائه، لن أقول تحته لأنه يركبه، يركب على حذاء مثل محمود عباس لا طيَّب الله ذكره وقصَّ الله أثره، خلف حذاء أو فوق حذاء – والله هو حتى خلف حذاء وفي حذاء – بسبعين ألف يورو، فضحته جريدة إيطالية ولعنته، قالت هذا زعيم مُنظَّمة نضالية، يشتري حذاء بسبعين ألف يورو، ما شاء الله عليه! قالوا هذا محمود عباس، إلى آخره!

ما القصة؟ القصة أن كل هؤلاء للأسف لم يُدرِكوا أن عندهم إمكانية أن يكونوا أعظم بكثير من حذاء ومن سيجارة ومن بدلة ومن سيارة ومن شهادة ومن منصب وزاري ومن رقم في الحساب – Konto – اسمه ثلاثة مليون يورو وخمسمائة وسبعين ألف عندي، يختفي خلف الرقم! نحن أكبر من كل هذا وأقدس من كل هذا، لكننا لا نقدر على أن نفهم الشيئ هذا.

نرجع، النجاح الدنيوي يُعطينا شعوراً بالاكتفاء والاغتناء والثراء أطول وأرسخ قليلاً من النجاح اللذائذي، من المُتعة النزوية، لماذا؟ لأنه تشابكي اجتماعي، أليس كذلك؟ قد يقول أحدهم أنا من بين أقراني الوحيد الذي أخذ الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى في سن كذا وكذا، أخذتها وأنا صغير، كان عمري خمس وعشرين سنة حينها، بسرعة انتهيت منها وكنت الأول، أنا الوحيد الذي فعل هذا، هم لا يقدروا، وهذا يعني أنني أحسن منهم! هل يُفكِّر فعلاً في أنه أحسن منهم بهذا الشيئ؟ هكذا هو يُفكِّر! يُفكِّر هكذا المسكين،  يقول أنا أحسن منهم بسبب هذا الشيئ، مُمكِن لكن سوف نرى هل هذه سوف تُوصِّله أم لن تُوصِّله!

قد يقول أحدهم أنا أحسن منهم، لأنني الوحيد الذي اشتغل بشهادته، هم قبلوني بعد أن أجروا لي مُقابَلات Interviews، أنا نجحت وفي سيمنز Simens توظَّفت وبراتب يصل إلى سبعة عشر ألف يورو في الشهر، ناجح أنا! شركة في دُبي بعثت لي – عرفتني وبعثت لي – وأعطتني سبعة وعشرين ألف يورو، ولذلك أنا سافرت إلى دُبي، أنا أحسن من الآخرين،أحسن من أصحابي المُهندِسين هؤلاء، لكن هل فعلاً هو أحسن لهذا السبب؟ سوف نرى! هناك احتمال، هذا النجاح الدنيوي، والنجاح الدنيوي ماذا يُساوي يا جماعة؟ شُهرة وسُلطة وثروة، أليس كذلك؟ هذا هو طبعاً، الثروة -Fortune، أي المال – والسُلطة – السُلطة سطوة، أي Control، أن تكون In charge وتتحكَّم – وبعد ذلك الشُهرة، وهي الجاه كما يقولون، الجاه والصيت! هذا النجاح الدنيوي، هذه الأشياء حين تُفكِّر فيها – الهندوسية تُعلِّمنا هذا، ونحن الحمد لله فهمنا هذا الكلام قبل أن نقرأ الهندوسية، أنا عقدت خُطبة عن هذا الموضوع قبل ربما سنة أو أكثر، وأتيت بمثل من عندي لطيف إن شاء الله – تجد بشكل أولي أنها تنافسية انحصارية، أليس كذلك؟ تنافسية انحصارية، لا تُوجَد ثروة – Fortune – بلا نهاية، كأن آخذ مائة مليار بشكل عادي ولا أنتهي منها وأنت تأخذ مائتي مليار مثل الشاطر وآخر يأخذ خمسمائة مليار، مُستحيل! الآن – مثلاً – انظر إلى الأرض كلها، كل ثرواتها قابلة للتقييم باليورو وبالدولار، يُقال الأرض هذه فيها مال يدور وإمكانيات وثروات تُساوي – مثلاً – كذا وكذا كوادريليون Quadrillion، فقط هذا هو، ليس أكثر من هذا، انحصارية! ولأنها انحصارية تصير تنافسية، ولذلك تتسبَّب لنا في وجود نوع من القلق، يصير هناك قلق، وليس هذا فحسب، فمأساة الإنسان مرة أُخرى أنه توّاق، حتى لو حصَّل مثل بيل غيتس Bill Gates مائة وعشرة مليار – أي مائة وعشرة بليون Billion بالأمريكي، عنده مائة وعشرة ألف مليون Million دولار في جيبه، أي في جيبه البنكي طبعاً، لا تُوجَد مُشكِلة، عنده هذا الشيئ – فسوف يظل يطمع وسوف يُحِب أيضاً ويكون عنده طموح في أن يأخذ المائة ألف التي عندك أيضاً، لماذا عندك هذا المال؟ لكن أنت أيضاً ترفع رأسك وتتحداه بطريقة صبيانية وتُخرِج لسانك له وتقول المائة ألف التي عندي ليست عندك، وهذا صحيح! هو عنده مائة وعشرة بليون Billion لكن ليس عنده المائة الألف التي امتلكها، ما رأيك؟ ليس عنده هذا المال ولن أتنازل له عنه، انحصارية! تعرف ما معنى هذا؟ هذا الكرسي أجلس الآن عليه، وأنا الآن جالس – مثلاً – في مسرح – Theater – يجلس فيه خمسة آلاف ومنهم وزراء وملوك وما إلى ذلك، كرسيي هذا لا يجلس عليه أي أحد إلا أنا، ما رأيك؟ وأخذت حق الجلوس عليه بتذكرة دفعت فيها خمسين يورو، أنا! نعم الملك هذا – ملك أسبانيا – يجلس فوق Loge من أحسن ما يكون لكن هذا الكرسي أنا أجلس عليه، لا يجلس عليه أي أحد إلا أنا، وهذا لي أنا، ما رأيك؟

يُمكِن للإنسان بمثل هذا التفكير أن يُقنِع نفسه بأن عنده أشياء كثيرة لا يملكها إلا هو، ما رأيكم؟ لو خطى خطوة أعمق قليلاً لقال نعم، هذا صحيح، وأنا أعيش الحالة هذه، أنا عدنان إبراهيم أعيشها ودائماً ما أُشجِّعكم على أن تعيشوها، والله العظيم! لكنني أعيشها بصدق والحمد لله، هذا ليس مُجرَّد كلام، وجدت أناساً يقولون كلاماً فقط، هذا كلام فارغ، يكذبون على أنفسهم، وهم تُعساء جداً، يعيشون تُعساء، هؤلاء يعيشون التعاسة، لكن أنا أعيش السعادة، سعيد بشكل حقيقي وأعتقد أن السعادة الداخلية هذه أجمل شيئ في الحياة، هذه تجعلك قادر على أن تعيش مُستقِراً، لكن ما منبعها؟ لها منابع كثيرة، من ضمن منابعها أنني فعلاً أُشعِر نفسي بنعم الله علىّ.

يقول ديورانت Durant يقول الحُكماء أندر من النادر أولئك الذين يتميَّزون بحكمة تجعلهم يشعرون بقيمة النعمة القديمة عندهم، كلنا نشعر بالنعمة الجديدة، أليس كذلك؟ كلنا! أليس كذلك؟ أنتم الآن يُمكِن أن تشعروا بنعمة أنني أُعلِّمكم أشياء جديدة، استفدتم أشياء جديدة فقلتم والله جميل الشيئ هذا، بارك الله في الشيخ، سوف ندعو له اليوم وما إلى ذلك، سوف نذهب لكي نشكره اليوم بعد الدرس، ما شاء الله عليه هو كذا وكذا، جيد! لكن لا يُمكِن أن يفعل الواحد منكم هذا كل يوم لي، سوف يقول هلكتنا يا أخي، نحن انتهينا من هذا وشكرناك من قبل، سنظل نفعل هذا كم مرة يا أخي؟ ولا يُمكِن بعد سنة أن يقول الشيخ – والله – قبل سنة علَّمنا – ما شاء الله – كذا وكذا، لا! يخف كل هذا، يخف! حتى إزاء نعم الله عندنا نفس المرض هذا ونفس العلة هذه، يكون الواحد منهم لا يُنجِب للأسف لعشر سنوات، ثم يُعطيه الله ولداً بل يُعطيه توأمين من أحلى ما يكون، من أحلى ما يكون شكل العين والجسم وما إلى ذلك، ما شاء الله! شيئ عجيب، كان في البداية يبكي ويقول يا رب نذر علىّ أن أذبح عشرة خراف، ليس خروفين أو ثلاثة وإنما عشرة، سوف أذبح هذه الخراف لله، ونذر علىّ أن أتبنى عشرة أيتام في فلسطين، ونذر علىّ أن أفعل كذا وكذا، وبعد ذلك يبدأ يسأل قائلاً يا مولانا مَن نذر كذا وكذا – يبدأ الآن في التراخيص بالنذر – هل يُمكِنه أن يُخرِج الإنسان صدقة لأنه لن يفي بالنذر؟ هل يُمكِن أن يفعل كذا وكذا؟ وهل يُمكِن أن يعمل كذا وكذا؟ هذا أولاً، أليس كذلك؟ هذا أولاً، ثانياً يبدأ يقول – سُبحان الله – لماذا تُريد أن تتزوَّج؟ لا أراك في حالة جيدة، امش جيداً وإلا سوف تكون مسؤولاً فيما بعد، لماذا؟ ما لك؟ يا أخي أنجبت ولدين، لكن انظر إلى فلان يا أخي، عنده سبعة أولاد، لم يعد يُقدِّر النعمة، الولدان أصبحا شيئاً قليلاً، الدان ليسا جيدين الآن، لكن هذا عنده سبعة، انظروا إلى الغبي! ليس عنده حكمة Wisdom، فيقول الحُكماء أندر من النادر أولئك الذين عندهم من الحكمة ما يجعلهم يستبقون الشعور بقيمة النعمة القديمة، بفضل الله أنا عندي هذا، أحياناً تكون النعم لها سنوات، كل يوم أعيش لحظة الشكر والفرحة بها والبكاء كأن الله أنعم علىّ بها الآن، أقول يا رب لك الحمد، أنا لا أستحق هذا، لا أستحقه – أقول له – فلماذا أعطيتني إياه؟ لماذا أنا بالذات؟ هذا كثير، يا رب يا رب، شيئ عجيب! وأشعر بسعادة غير عادية، ولذلك صعب جداً أن أنظر لغيري، ليس عندي وقت، أنا عندي سعادة لا أعرف كيف أُعبِّر عنها، فلماذا أنظر إليك لكي أعرف عندك أكثر مني أو أقل؟ لا يهمني هذا، ليس عندي وقت أصلاً، ليس عندي وقت لكي أنظر إليك، الذي ذبح الناس أن لا أحد ينظر إلى ما عنده، كل ما عنده يعتبره لا شيئ – كخة كما يُقال – وينظر إلى غيره، ما الذي عندي؟ مائة، لكن هو عنده خمسمائة، فالمائة هذه تصير مصدر عذابه، بدل أن تكون مصدر سعادته واغتنائه وفرحته وشكره لله تصير مصدر عذاب له، قال تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا ۩.

بعد ذلك هناك خصلة ثانية للنجاح الدنيوي، وهي الزوالية السريعة، صحيح! ائتني بملك واحد ظل ملكاً من ألفي سنة بل من ألف سنة بل من مائة سنة، كل هذا زال، وقالوا من قديم لو دامت لغيره ما صارت إليه، أهذا حتى مع المُلك؟ هذا حتى مع المُلك، ها هو مُبارَك المسكين يحكم من الثمانينات، في الحكم – ما شاء الله – من ثلاثين سنة، لكنه سوف يموت، سوف يحدث هذا اليوم أو غداً أو بعد غد، أكثر فكرة نهرب منها ونُغالِط أنفسنا فيها ولا نُحِب أن نُحدِّق فيها – كما قلت لكم – الموت، كلنا! وهذا من غبائنا، أنا في بعض المرات – وهذا صار يحدث لي من فترة بسيطة والحمد لله، ليس من سنوات بعيدة – فكرة الموت نفسها تُعطيني سلوى، هي في حد ذاتها سلوى جميلة، ما رأيكم؟ قديماً فكرة الموت كان تُخيفني، القبر وعذابه ومُنكَر ونكير والحساب وما إلى ذلك، هذا كله كلام فارغ، ليس هذا هو، لا! الموت شيئ آخر، بدأت أفهم أنه بوّابة لعالم أوسع وعرفان أوسع، فيه اطلاع على حقائق واقتراب من الله أوسع وأجمل وتحرر لروحي وكياني الداخلي ووعي بذاتي أوسع، أليس كذلك؟ لكن هناك مسألة طبعاً لابد أن تخاف منها دائماً وتخاف منها حقاً، لابد أن تخاف – قلت هذه العبارة من قبل وهي عبارة لي – من ثعالبك وذؤبانك وعقاربك، إذا كنت سيئاً في حياتك وفي أفكارك وفي شعورك وكنت سيئاً من الناس فمن المُستحيل أن تُحِب الموت، مُستحيل! لأن كل هذا سوف تجده أمامك طبعاً وسوف ينقلب عليك.

أنا عندي فهم خاص لفلسفة العقوبة، في النهاية انتهيت إلى الآتي، يُوجَد عقاب إلهي، الله يُعاقِب في الدنيا والآخرة، لكن كيف هذا العقاب؟ ليس كما كنا نظن أن هناك ذنباً والله من عنده يُسلِّط شيئاً على الواحد منا لكي يكسر له رأسه وما إلى ذلك، ليس هذا هو أبداً أبداً أبداً، أنا الآن صرت أفهم بعمق عجيب جداً جداً – واليوم أيضاً كتبت فكرة عن الموضوع هذا – العقاب على أنه طبيعة الأمور، الحكاية لا تتعلَّق فقط بإنه من جنس العمل، هذه طبيعة الأمور، وسأُعطيك مثالاً واحداً فقط، وهذه فكرة عجيبة – الحمد لله – وجميلة عند العارفين بالله والصوفيين بل وعندنا كلنا حتى، إذا الله منّ عليك بمنّة إلهية أو فتح إلهي فأحسن شيئ أن تفعله هو أن تكتمه، لأن إفشاء الأسرار بلا إذن يُذهِبها، إذا أعطاك كرامة وبدأت تتحدَّث عنها فسوف تضيع منك، الأمر ليس هكذا، غلط! أنت لا تفهمه كما ينبغي.

أنا اليوم الله ألهمني شيئاً جديداً لأول مرة وأنا مُقتنِع به الآن، إلى الآن أنا مُقتنِع به ويُمكِن أن أنسخه فيما بعد، هذا عادي جداً، عندي شجاعة أن أتناقض، انتبه! كيف هذا؟ هل تعرف كيف؟ الحال التي تحدث معك والمعنى الذي ينبت فيك والنعمة التي تُسبِغ عليك كلها أشياء – مثل كل الأشياء – تحتاج إلى فترة كمون، أي دورة كمون Latency period، ما دورة الكمون؟ كيف هي دورة الكمون؟ أنا أقول لك كيف، اليوم – مثلاً – ماذا سيحدث لو أنني جئت إلى المُحاضَرة من غير أن أضع أي مُخطَّط؟ أنا فعلاً ليس عندي مُخطَّطات بصراحة لكن بشكل عام فكَّرت وقلت اليوم لابد أن أُوزِّع الموضوع على أكثر من مُحاضَرة، أنا عندي نارية في العطاء وأُريد أن أضع كل شيئ في مُحاضَرة تمتد إلى سبع ساعات وهذا يُتعِبني، وأقول لماذا أطلت هكذا؟ ذبحت نفسي وذبحت الناس، غلط! في هذه المرة سوف أُلبّي هذا ولن أقول كل شيئ مرة واحدة، سوف نحتاج ثلاث مُحاضَرات مثلاً عن الهندوسية وهذا جيد! إذن سوف نحتاج إلى خمس عشرة ساعة وهذا جيد، يُوجَد مُخطَّط ضمني عندي، هناك خُطة Plan! وهذا كان أولاً، ثانياً قلت لابد أن أتي بشئ من هنا وبشيئ من هناك، والجُزء الثاني سوف يكون أجمل من الجُزء الأول، أنا أعرف هذا، وسوف يكون أعمق وأحلى بكثير، وهذا لكي أُنوِّع، حتى لا أُمِل أو أَمَل، هذا صحيح! يُوجَد نوع من الخطة – Plan – الضمنية، ومن ثم سوف يكون وضع المُحاضَرة أفضل، لكن أن آتي هكذا وأتكلَّم بشكل اعتباطي فهذا لا يُمكِن، سوف تكون المُحاضَرة أقرب إلى شيئ مُشوَّش وفوضوي Chaotisch، لا! هذا ليس جميلاً، وبعد ذلك ربما لا تنجح المُحاضَرة، وأشياء كثيرة يُمكِن أن أفشل في تفهيمكم إياها، أليس كذلك؟ وأفشل في صياغتها والتعبير عنها أيضاً!

دعونا نُبسِّط، البذرة هذه التي يُمكِن أخذها من Hofer أو من Baumarkt وما إلى ذلك، بذرة! مرسوم عليها أنها تُعطي شجرة طولها يصل اثنين متراً، من أحلى ما يكون! وتُورِّد وما إلى ذلك، وبعد أربع سنوات تُعطي زهوراً فوّاحة عجيبة إلى ثلاثة أشهر في السنة، هذه موجودة وهي غالية، جيد! أنت أخذتها لأنك تُريدها، لكنك ترغب في أن تضعها في الأصيص لكي تُعطيك وروداً بشكل فوري، وهذا يستحيل! مهما فعلت لن تُورِّد، مُستحيل! قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ۩، هذا اسمه الأجل المُسمى، لابد أن تضعها في التراب في الظروف المُناسِبة المطلوبة لها، أليس كذلك؟ ولابد وأن تكمن الفترة التي تقتضيها طبيعتها، إذا كملت الفترة هذه في العمق مع الغذاء والشروط اللازمة فسوف تبدأ تتفتق وتنمو شيئاً فشيئاً، بعد أربع سنوات سوف تشمها إن شاء الله، جميل هذا! جميل أن تشمها بعد أربع سنوات، والعجيب أن الإنسان الله أعطاها عمراً يُناسِب هذا، وهنا تُوجَد  حكمة كبيرة تحتاجتحتاج إلى ساعة لكي تُفكِّر فيها!

هناك أُسطورة ألمانية تقول حين فرغ الإله من خلق السماوات والأرض ذهب مُباشَرة وأتى بالحمار Esel، قال للحمار Esel تعال، أنا أعطيتك ثلاثين سنة، Ist das genug? قال له، أي هل هذا يكفي؟ هل هذا جيد بالنسبة إليك؟ فقال له لا، لماذا؟ قال له، سوف يُحمِّلون علىّ الكثير من الأحمال في الصباح والمساء، وشكري هو الضرب، يشكرونني من خلال الضرب، ارحمني قال له، كثير جداً – قال له – هذا، قال له هل نأخذ ثنتي عشرة سنة منك إذن؟ قال هذا سوف يكون أحسن، ويُمكِن أن تأخذ أكثر حتى، فقال له هذا هو، فذهب الحمار وجاء القرد وهو يفتح فمه ويضحك، الشِمْبانزِي Chimpanzee! قال له هل ثلاثون سنة تكفيك؟ فقال له لا، قال له لماذا؟ لا! قال له لماذا؟ Du bist eine gute Laune قال له، قال له أنت دائماً مزاجك مُعتدِل وسعيد ومحبوب وما إلى ذلك، قال له نعم، أنا محبوب، لكي يُعطوني الموز أو الكاكاوية – الفول السوداني – لابد أن أُضحِّكهم بأن أقفز وأقوم ببعض الأشياء غير المعقولة، وفي بعض المرات قد أُصاب بكسر وما إلى ذلك، وإذا لم أُضحِكهم جيداً في مرة واحدة فإنهم لا يُعطونني شيئاً، يضربونني بالحجر قال له، يا ربي مع احترامي لك – قال له – أشعر بأن حياتي فيها عذاب، يُوجَد جانب مأساوي كبير، فقال له هذا صحيح، سوف نأخذ منك عشر سنوات، وبالفعل أخذ العشر السنوات، وهكذا! لا نُريد أن نُطوِّل عليكم، ثم جاء الإنسان فقال له سأُعطيك ثلاثين سنة، فقال له كيف ستُعطينني ثلاثين سنة فقط؟  قليل جداً – قال له – يا رب هذا، انظروا كيف تُفكِّر الشعوب، هذا التفكير جميل! فقال له قليل جداً، هذا قليل جداً يا رب قال له، والحصان جاء والكلب – Hund – طبعاً من قبل، لماذا؟ قال له حين أصل إلى الثلاثين سأكون بالكاد تهيأت وصار عندي أسرة، وأولادي سيكونون في أول سنواتهم وبعضهم لم يدخل حتى المدرسة، سأكون فرغت من بناء بيتاً لي، زرعت ولم أحصد، لكن أين؟ أين الأشجار هذه؟ لم أرها إلى الآن؟ أين الورود؟ لم تُورَّد إلى الآن، أولاودي لم يتخرَّجوا في المدارس، لم يدخلوا جامعات، لم أتمتَّع بثمار كل هذا التعب، أنا في خلال الثلاثين سنة كنت أتعب فقط، فقال له ربنا والله هذا صحيح، سوف نُعطيك فرق السنوات التي أخذناها من كل هذه الحيوانات، سوف تعيش إلى السبعين، فقال له لا، هذا قليل، فقال له لا، لا مجال للنقاش، سوف تعيش إلى السبعين وينتهي الأمر، اذهب!

انظرو إلى هذا، فعلاً حياة الإنسان وطموحات الإنسان ونزعات الإنسان فعلاً تقتضي أن يعيش في المُتوسِّط إلى سبعين سنة وليس ثلاثين، قد تقول لي لكن النُظم الاجتماعية والغذائية والتغذوية والصحية تجعل أهل إفريقيا يعيشون إلى الخامسة والثلاثين، وهذا صحيح للأسف، ظلم الإنسان للإنسان هذا، هذه ليست خُطة الله في الله، نحن هكذا فعلنا، نحن قصَّفنا أعمارنا، أليس كذلك؟ نحن صرنا هذا الإله المُدمِّر والعياذ بالله، أعني شيفا Shiva! هذا المسلك الشيفوي، نحن مَن يُدمِّر ما عمَّره الله.

نرجع يا جماعة إلى فكرة الكمون، هو هذا! نفس الشيئ يحدث معك، سنترك الآن العرفان الإلهي، أنا لكي أخرج على الناس بنظرية – لا أقول أطمح لجائزة نوبل Nobel، لا! نظرية هكذا لها معنى أو فكرة من أفكاري – لابد وأن أُفكِّر كثيراً، لابد وأن أقرأ كثيراً، ولابد وأن أصمت كثيراً، أنتم ترونني وقد يقول أحدكم هذا الرجل عنده قدرة على الكلام، يتكلَّم لمُدة خمس ساعات بشكل مُتواصِل، لكنه – والله العظيم – لو رآني  في البيت لقال ما هذا الإنسان الصمّيت؟ يجلس معي خمس أو ست ساعات دون أن يسمع مني كلمة واحدة، دائماً ساكت في البيت ودائماً أُفكِّر ودائماً أقرأ وأُترجِم وأكتب وأتأمَّل، وكم مرة أقوم في الليل فأُشعِل الضوء أو أستخدم التليفون Telephone لكتابة أفكار مثل هذه! هذا يحدث باستمرار حتى أقدر على المجيء إلى هنا وعلى صعود المنبر لكي أُعطيك أشياء جديدة غير موجودة في الكتب، وأربط هذا بهذا وأُعطيك أشياء فيها عمق وفيها كذا وكذا، لابد من الكمون، لابد من أن تكمن، ما أُريد أن أقوله الآن حين يُعطيك الله بذرة معنى لماذا تظن أن هذه النهاية؟ مَن قال لك إن هذه البذرة هي النهاية؟ أنت كيف فهمت أن هذه البذرة هي الدوحة؟ أعطاك شيئاً فتقول الله فتح علىّ بنظرية وبمعنى عجيب يا إخواني، قل يا أهبل! قلتها فضاع عليك هذا، لم يضع عليك هذا بمعنى أن الله عاقبك، لا! هل تعرف هذا مثل ماذا؟ مثل توتير الوتر، توتير السهم! تشد السهم جداً جداً جدً جداً حتى لا يبقى في قوس الصبر منزع، تنزع بشدة! ارخ السهم يبلغ المرمى، أليس كذلك؟ وإلا سوف تجده عندك، بعد مترين سوف يقع، ونحن نقع بعد مترين، ما رأيك؟ بالكاد جاء أحدهم معنى فقال الله فتح علىّ، فيُقال له بماذا فتح عليك؟ فيقول فتح علىّ بكذا وكذا، ومن ثم ينتهي الأمر، لن يُكمِل ما كان فيه، هل تعرف لماذا؟ لأنه لم يأخذ فترة الكمون، اترك الأفكار هذه والأحوال والحدوس التي تأتي إليك تعتمل داخلياً لأسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين في بعض المرات، واسكت ولا تحك هذه الأشياء، هناك أشياء تُؤجِّل الحديث عنها، أنا عندي أفكار كثيرة كهذه، مثلاً عندي  فكرة لي ربما عشر سنوات أُؤجِّل الحديث عنها، لم أقلها، قلتها لاثنين أو ثلاثة من إخواني المُقرَّبين، وكلما كبرت في السن أشعر بأن الفكرة حقيقة أو أقرب إلى الحقيقة لكنها تُخوِّف، لو قلتها لكفَّرني الناس مُباشَرةً، لن يستوعبونها، صعبة جداً وعجيبة، وجاءتني أيضاً كمنحة إلهية هكذا، بذرة! هذه البذرة عليك أن تتركها، وهي سوف تنبت بالفكر والفلسفة والعرفان والعبادة والدين وهكذا إلى أن ترى هل هي حق أم باطل، هذا شيئ فظيع جداً جداً وحل مُشكِلة رهيبة جداً جداً في العرفان، فلتدع هذه الفكرة لأنها تحتاج إلى سنوات، لا تُقال هذه، ما رأيك؟ لا تُقال، هذه ليست كبعض الأفكار السريعة والعادية والبسيطة، لا! إذن لابد من الكمون، فأنت حين لا تُعطي نفسك فترة الكمون وتذهب تتكلَّم قد يُقال إن الله حرمك، لكن الحكاية لا تتعلَّق بأنه حرمك، أنت حرمت نفسك، أنا سأقول لك شيئاً ثانياً، سأُعطيك الآن خُلاصة تجعلك تستغرب، قد تقول لي ربما يكون هذا السبب في أنني بعض المرات حين أكون وحدي – وحدي ولا يُوجَد رياء – يكون عندي منسوب إيماني غريب وأحوال ومواجيد إلهية قوية جداً واشتعالية، وبعد ذلك تأتي فرصة أجلس فيها أنا وشيخي أو أنا وأحبابي أو أنا وإخواني، فنبدأ نتكلَّم ونتبادل الحديث، نأتي بكلمة من هنا وكلمة من هنا، وأنا أحكي أيضاً عن بعض الأشياء، ثم أرجع وأشعر بأنني فقدت هذا الشيئ، وهذا صحيح! قد تقول هذا عقاب من الله، لكن هذا ليس عقاباً، هل تعرف ما اسم هذا؟ أنت فرَّغت الأحوال هذه من مضمونها، أرأيت؟ سهم أطلقته قبل أن تُوتِر جيداً فوقع بعد مترين، لم يقع بعد مائتي متر، لذا ضاع عليك هذا وعليك أن تبدأ من جديد، هل فهمت؟ لذلك تعلَّم الصمت جيداً، هل فهمت؟ لا تتعجَّل، تجلس مع بعض الناس البُسطاء الفطراء – الواحد منهم صغير في الطريق ولا يعرف شيئاً – وتُحدِّثهم عن شيئ كبير فيقول لك أحدهم والله أنا يحدث معي مثل هذا، اسكت يا رجل! دع هذا الهبل واسكت، أنت لا تفهم شيئاً، أنت لا تفهم عن ماذا كنا نتحدَّث، اسكت! افهم أولاً، أعط نفسك فرصة أن تسمع، قد تقول أنا حدث معي هذا أو أنا فكَّرت في الفكرة هذه أو أنا شعرت بها، لكن أنت لم تشعر بشيئ، اسكت واصمت، اسمع أكثر مما تتكلَّم وأعط نفسك فترة الكمون، هذه طبيعة الأمور يا جماعة، الأمر لا يتعلَّق بحكاية عقاب الله يختص البعض به، لا! هذه طبيعة الأمر.

نرجع، إذن بالنسبة إلى النجاح الدنيوي هو نجاح عنده طبيعة زوالية، يزول بسرعة يا جماعة، لأن عمر الإنسان أيضاً قصير، وليس هذا فحسب! لأنه تنافسي فضروري أن يكون مُعرَّضاً للزوال، كيف؟ قالوا هذا Score! قالوا هذا الرقم القياسي في العدو، جاء شخص سبقك باثنين متر فكُسِر الرقم القياسي، ضاع عليك هذا ولن تفرح!

في أحد الأيام كان عندي طبيب جرّاح من أصدقائي، قال لي أنا أُستاذي أخذ دكتوراة بامتياز في موضوع البروستاتا Prostate والتهاباتها وسرطانها وما إلى ذلك، وطبعاً كان من أوائل الناس في العالم الذي أثبت أن تعاطي هرمونات الذكورة – Testosterone hormones – يُشجِّع ويُنشِّط حدوث سرطان البروستاتا Prostate، هي سبب أو عامل – Factor – مُتهَم وثبت عليه التهمة في حدوث سرطان البروستاتا Prostate، ولذلك أنا أنصح الشباب – خاصة الرياضيين منهم – وأقول لهم أي واحد فيكم اقترب من الأربعين وبدأ يشعر بتراجع في القوة الجنسية والــ Woll وحالة السعادة والفرحة والنشاط وما إلى ذلك – ذهب وفحص فوجد تراجعاً – عليه أنه يحذر من تناول التستوستيرون Testosterone، إياك أن تأخذ تستوستيرون Testosterone هكذا مُباشَرة، وخاصة لو كنت من الرياضيين من غير طبيب مُختَص وفحوصات، هذا سوف يُسبِّبك لك سرطاناً في البروستاتا Prostate وسوف تموت بعد ذلك، هذا MetaCancer، حين يكتشفونه يكون مُتأخِّراً، أي بعد فوات الأوان – Too late – وسوف تذهب إلى ستين داهية، هذا ليس لعباً! فقال لي هذا الدكتور تحدَّث عن هذا الموضوع وكان فتحاً علمياً أخذ عليه مرتبة الشرف في الطب، وماذا بعد؟ قال لما زارني انتهينا من مُؤتمَر استمر لثلاثة أيام تقريباً وكانت المُشارَكات من حول العالم Worldwide، وكان فيه علماء عرب – ما شاء الله – من سوريا وغير سوريا، مُبدِعون! رئيس المُؤتمَر كله كان سورياً أو من أصل سوري، وهو عالم كبير، قال لي رفعت الرأس، رفعت رأسي به، عربي على الأقل قال لي، وهو مُبدِع، عنده نظريات وأشياء عجيبة مُعترَف بها عالمياً، والمُؤتمَر هذا يحكي العكس تماماً، يقول لا، هذا غير صحيح، اتضح أن هذه النظرية غير صحيحة، ليست صحيحة بالمرة! وطبعاً يُوجَد تصور كبير، استمر المُؤتمَر لثلاثة أيام من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة السابعة والنصف مساءً، قال لي مُكثَّف جداً جداً وأبحاث ودراسات، وحدث فتح علمي كبير، سوف يكون جيداً للرجال وللذكور، والمُهِم أنه يعد بمُستقبَل جديد جداً جداً لفحولة الرجال وحالة الـ Wollachten والرفاه وما إلى ذلك.

المُهِم أنه قال لي هذا البروفيسور Professor – يشتغل معه في 5:30@@@ – لن أقول له الأمر الآن، فقلت له الأفضل ألا تقوله، قلت له الأحسن أن تدعه يموت – وهو رجل كبير في السن، رأيته مرة حين زرت صديقي هذا – وهو فرح بكشفه، ماذا سوف يُصبِح؟ هو رجل كبير في السن، ربما عمره الآن وصل إلى الخامسة والسبعين، هو مُتقاعِد من قديم أصلاً، هذا المسكين حين تقول له اتضح أنك مُخطئ وأن كلامك غير صحيح لأن الآن ثبتت نظرية غير نظرية ستُحطِّمه، لماذا؟ حرام! لماذا تُؤذيه بهذا الأذى؟ ولن يقدر على أن يُقدِّم أو يُؤخِّر أي شيئ، لكنه هو سوف يتأخَّر، ربما يموت بعد أسبوعين أو ثلاثة، سوف يقول نجاحي ومجدي العلمي تحطَّم، اتضح أنني جُزء من التاريخ، صرت مُستحاثة – Fossil – ليس لها أي قيمة حيوية، فقال لي لا، لن أقول، قلت له لا تُخبِره، أحسن شيئ ألا تُخبِره أبداً، دعه يفرح بلعبته هذه، أي بالنظرية!

هكذا هو النجاح البشري، كل شيئ مُعرَّض لهذا، أينشتاين Einstein بالمُناسَبة مات وهو ممرور، بالمرارة! المسكين كان يشعر بمرارة عجيبة جداً جداً، لم يقدر على أن يستوعب وهو صاحب النسبيتين والذي أخذ نوبل Nobel على الــ Photoelectric effect أن هناك نظرية اسمها ميكانيكا الكم وعندها أفذاذ من الشباب الصغار مثل هاينزبرج Heisenberg وشرودنغر Schrödinger ونيلز بور Niels Bohr ودي برولي De broglie، شباب كلهم صغار وهو صار عجوزاً! هؤلاء أتوا بشيئ يتناقض مع النسبية وشيئ أكثر عمقاً وأكثر دقة، قال لا، مُستحيل! لم يستوعب، قالوا له اقرأ وانظر، فقال لا، غير صحيح، ينقصها الجمال قال لهم، نظريتي أنا جميلة، جميلة جداً جداً، فقالوا له جمال ماذا؟ قال لهم نعم، الجمال شرط مُهِم جداً في الفيزياء،  أنا عندي – قال لهم – نظرية جميلة، وهذا صحيح عموماً، لكي أقبل أي نظرية لابد وأن تتوفَّر على توفير شرط الجمال، المُهِم أنه شعر بالمرارة، كيف وأنا أينشتاين Einstein الذي ملأت الدنيا وشغلت الناس الآن تتراجع نسبيتي لصالح شيئ اسمه ميكانيكا الكم؟ لم يقدر المسكين على استيعاب هذا، وظل يُناضِل بمرارة إلى أن تُوفي، ورفض الاعتراف بميكانيكا الكم، لكن العالم كله اعترف بها وازداد اعترافاً، والآن فعلاً تراجعت النسبية كثيراً لصالح ميكانيكا الكم، ما المُشكِلة؟ هذه الدنيا! أليس كذلك؟  هل هذا مضبوط أم لا؟

أرسطو Aristotle، أرسطو Aristotle ماذا كان؟ أرسطو Aristotle كان أرسطو Aristotle في زمانه، أرسطو Aristotle! وأرسطو Aristotle اليوم يُمثِّل ما قاله سكنر Skinner في ما وراء الحرية والكرامة Beyond Freedom and Dignity، سكنر Skinner هذا من أعلام المدرسة السلوكية في علم النفس، عنده كتاب اسمه ما وراء الحرية والكرامة Beyond Freedom and Dignity، ماذا قال؟ قال لو بُعِث أرسطو Aristotle من قبره اليوم لأزرى به وبمعلوماته في الطبيعة طفل في الصف الخامس الابتدائي، سوف يضحك عليه! سوف يقول له أنت أهبل، أرسطو Aristotle أهبل اليوم، في القرن الحادي والعشرين وفي القرن العشرين حتى هو أهبل، يقول النار تصعد إلى الأعلى وتعشق السماء والحجر يعشق ويُحِب الأرض، هذا اسمه الهبل! يُوجَد شيئ اسمه مبدأ الجاذبية – قال له – تحدَّث عنه نيوتن Newton، أبونا كشف عنه، شيئ عجيب! وأينشتاين Einstein بسطه عنده وما إلى ذلك، ماذا تقول أنت؟ أنت تقول كلاماً أهبل، وهذا صحيح وطبيعي، فكل نجاح دنيوي في العلم أو في الأدب أو في الفلسفة أو في الفكر أو في الوزارة أو في المُلك أو في المال أو في القوة أو في آخر Score وفي أعلى رقم قياسي يزول، كل هذا مُعرَّض للزوالية السريعة، أليس كذلك؟ 

أنتم الآن تفرحون بشيخكم، تقولون الشيخ عدنان – ما شاء الله – يُفتي ويتكلَّم في كل شيئ، يعرف كل شيئ، لكن يُمكِن أن يُقيِّض الله واحداً – وإن شاء الله سوف أكون أول تَلميذ له – يكون في سني أو أصغر مني ويُضيِّع ألف واحد مثلي، ما البلوى هذه؟ ويكون أعمق مني ويكون دقيقاً جداً، أي أنه رجل عجيب! لكن مَن يعرف؟ ربما يُوجَد ألف واحد مثله، أنت لا تعرف! لكنني سأحزن، طبعاً لابد وأن أحزن وهذا طبيعي، سأتعلَّم لكنني سأحزن، هذا الإنسان! كلنا هكذا، كل شيئ له نهاية، كل شيئ له حد، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ۩.

فإذن أنت تصل أيضاً إلى درجة تتساءل فيها: وماذا بعد؟ متى ستصل إليها؟ أنت الآن اسأل رئيس الوزراء الذي طيلة حياته يطمح في أن يكون رئيساً للوزراء وقد أصبح بالفعل هكذا، قل له هل هذه النهاية؟ وسوف يقول لك لا، ليست هذه النهاية، عندي شيئ آخر، سوف تقول له ماذا تعني؟ هل تُريد أن تكون ملكاً؟ سوف يقول لك لا، أعوذ بالله، سوف ينهون حياتنا! صار حسني مُبارَك أو محمود عباس – مثلاً – رئيساً لبلد، لو عنده عقل لقال لا، لكنك لو سألته لقال طبعاً أنا سعيد جداً، أنا أذبح من أجل هذا أقرب الناس إلىّ، من أجل كرسى الرئاسة أبيع الدنيا، لا أبيع دم غزة فقط وإنما أبيع دم فلسطين كلها من أجل الكرسي! هل تعرفون لماذا؟ هذا لا يزال في السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara، في الهندوسية عندهم مُصطلَح اسمه السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara، مَن قرأ السدهارتا Siddhartha لهيرمان هيسه Hermann Hesse قرأ عن السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara، هل تعرفون ما السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara؟ سنُبسِّطها الآن باختصار وسوف نتحدَّث عنها في المرة القادمة الآن.

السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara نوع من لُعب الأطفال، لكن هذه ليست لُعبة حقيقية، في الهندسية قالوا الأطفال لابد وأن يلعبوا، لابد أن يُمارِسوا اللُعب، واللُعبة كلما كانت جديدة وغير مُمارَسة تكون أكثر قدرة على الإثارة والإدهاش والإمتاع، وماذا بعد؟ لعب بها الطفل للمرة الثانية، جيد! كسبها على هذا ففرح، ثم كسب على آخر ففرح أكثر، ثم كسب عليهم جميعاً، وماذا بعد؟ أقروا له بالكسب، قالوا هو الأول، هو أحسن واحد، صار هذا من المُسلَّمات، ومن ثم سوف يصل الطفل إلى درجة لا يُريد معها اللُعبة، انتهى من السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara، يُريد شيئاً آخر، أليس كذلك؟ محمود عباس ومَن مثله – يقول أنا مبسوط وهذا الذي أُريده وهو موجود في الرئاسة وما إلى ذلك – في السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara يلعبون، هذا المسكين لم يقطع الطريق الأول، لو قطعه وتطوَّر تطوراً إنسانياً عادياً لاختلف الأمر، لو قطع طريق الرغبة لأتى إلى طريق الزُهد، هذا اسمه طريق الرغبة، وفيه ركنان: اللذة والنجاح الدنيوي، يُوجَد طريق ثانٍ اسمه طريق الزُهد، وعنده ركنان أيضاً، سوف نرى هذا لكننا سندعه إلى المرة القادمة.

ما أُريد أن أقوله إن هناك طبيعة زوالية لهذه الأشياء، لماذا؟ لأن طبع الإنسان يُساعِد على هذه الزوالية، طبع الإنسان نفسه! لماذا؟ الإنسان نفسه ملول، يا ليت – يقول لك – أقدر على أن أفرح بإنجازي بنفس الدرجة والكيفية والشدة – Intensity – إلى آخر لحظة، لا! تفرح في أول لحظة أو في أول ساعة أو في أول كذا وكذا وبعد ذلك ينتهي الأمر، بالعكس! أحياناً بعد ساعة واحدة تشعر بالإحباط، قلت لكم هذا عدة مرات، أنا حين أخذت الدكتوراة فرحت كثيراً وقلت إنها مع مرتبة الشرف وما إلى ذلك، وبعد ذلك راسلوني أصحاب دور النشر – Verlage – وقالوا لي نُريد أن نطبع كتابك على حسابنا وسوف تصير كاتباً مشهوراً في الناطقين بالألمانية، بعد ذلك لا أعرف ما الذي حصل، شعرت أنني مُحبط وحزين، لأن ليس هذا المطلوب، طالما أنت عندك هدف تسعى إليه يكون للحياة معنى، أليس كذلك؟ نرجع إلى فيكتور فرانكل Viktor Frankl، أليس كذلك؟ علم نفس المعنى، أي الـ Logotherapy! علم نفس كامل هذا، هذا الـ Logotherapy، علاج! قال لاحظت أن مَن عنده هدف يُريد أن يُحقِّقه لم يمت، هذا في سجون النازي! أما مَن ليس عنده هدف يُحقِّقه وليس عنده شخص يخرج له وينتظره – مثل زوجة أو أب أو أم أو أبناء – مات، قال كانوا يموتون وحدهم، وقال لاحظت هذا، وفرانكل Frankl هذا نفسه عاش لأكثر من ثمانين سنة، تخيَّلوا! عاش أكثر من ثمانين هذا، عنده هذا الشيئ، قال أنا بالنسبة إلى كنت أعرف أنني ان أموت، أي من تلقائه، إذا مات بالرصاص فهذا شيئ آخر، لكنه يقول لن يموت من تلقائه، لن يتخلى عن الحياة بنفسه، لماذا؟ كان عندي أمل – قال – في أن أدرس الحالة هذه، وفي خارج السجن كان ينتظرني أُناس – قال – من أهلي وذويي، وكنت أُحِب أن أُسجِّل تجربتي هذه ونظريتي لكي أفيد البشرية، وقد أفادنا كثيراً والله، عنده نظرية رائعة جداً جداً جداً، علم نفس كامل! علم نفس المعنى والعلاج بالمعنىن أي الــ Logotherapy، وقد شرحته في مُحاضَرة مُطوَّلة، أليس كذلك؟ أعني هذا الموضوع! 

فهو الآن يعيش ويتعب ويسهر إلى الساعة السادسة أو السابعة أو الثامنة صباحاً ثم يخرج من البيت بعد هذا السهر إلى الجامعة ويذهب ويجيء ويشتغل ويحضر أشياء لأنه يُريد أن يحصل على الدكتوراة، وهو يُريد أن يحصل عليها مع مرتبة الشرف، يُريد أن يحصل على Eins، الحياة جميلة الآن، يُوجَد جهاد! إن الحياة عقيدة وجهاد يقول شوقي، فحصَّل الدكتوراة وأخذها، إذا لم يكن عنده أمل في أن يُعرِض نفسه على الشركات لكي يتوظَّف بها أو على الجامعات فلن تكون لها فائدة، ولو فعل هذا وتوظَّف لشعر بإحباط جديد، وماذا بعد؟ توظَّفنا وحصلنا على لقب الأستاذ يا سيدي، بعد عشر سنوات صرت الأستاذ البروفيسور Professor الآن، ليس @13:44@@@ وإنما البروفيسور Professor، وماذا بعد؟ صرت رئيس قسم، وماذا بعد؟ أنا قلت في خُطبة إن ألدوس هكسلي Aldous Huxley – كان مُتأثِّراً بالهندوسية وقد درسها – قال يأتي على كل واحد منا زمن – لابد وأن يأتي – يسأل نفسه عن أجمل الأشياء – أعمال شكسبير Shakespeare معزوفات بيتهوفن Beethoven وما إلى ذلك – ثم يقول وماذا بعد؟ هل هذه النهاية؟ هل لا يُوجَد شيئ أجمل من هذا؟ هل لا يُوجَد شيئ أحسن من هذا؟ هل لا يُوجَد شيئ أمتع من هذا؟ أنا أتحداك أن تسمع أكثر أغنية تُحِبها لفلان أو لعلان كل يوم عشرين مرة، إذا لم تكره بعد أسبوع هذا المُغني وهذا التليفون الذي تسمع منه وتكره اللحن نفسه وتتقزَّز فلن أكون عدنان، لا تقدر! اسمعها واتركها ثم عُد إليها بعد أسبوعين أو ثلاثة وسوف تجد أنها لذيذة، اتركها ثم عُد إليها بعد شهرين وسوف تجدها أحلى، اتركها وعُد إليها بعد عشرين سنة وسوف تبكي بسببها، لأن سوف تُذكِّرك بطفولتك وما إلى ذلك، لكن إذا سمعتها كل يوم فسوف تشعر بالملل، لن تقدر! سوف تقول وماذا بعد يا أخي؟ مُملِلة هذه، أي أنها لا تمتلك قدرة لانهائية على الإشباع، وهذا يطرح سؤالاً، هل يُوجَد شيئ عنده قدرة لانهائية على إشباعنا وسعادتنا وإعطائنا طمأنينة؟ أنا أقول لك لو هذا الشيئ موجود لابد وأن يكون لانهائياً أيضاً، لا إله إلا هو! موجود – حتماً موجود – والله العظيم.

هذه البراهين – أنا أقول لك – من أقوى البراهين التي تُحسِّسنا بالله، أكثر من كل كلام المناطقة والفلاسفة وبرهان الحدوث والإمكان وواجب الوجود والحوادث وبرهان التصميم – Design – وبرهان كذا وكذا، لا! هذا الكلام يُمكِن حتى النظر فيها، لكن هذه الأشياء عميقة جداً جداً، تنبع من أعماقنا، أليس كذلك؟ وذكرنا نحن في درس سابق أن الإنسان من خصائصه وميزاته الفارقة أن عنده القدرة على إدراك مفهوم اللانهاية، عنده القدرة هذه! كيف؟ أي شيئ – كما قلت – خُذه لك، ضع يدك على أي شيئ مما تستحسنه ومما تُحِبه، وسوف ترى وسوف تحس وتُدرِك أن من المُمكِن تصور الزيادة فيه، نفترض – مثلاً – الوجود بمعنى الامتداد في الحياة، نحن قلنا هذا! قد تقول لي أنا أُريد أن أعيش إلى مائة سنة، وهذا جيد والعلم وصل إلى إمكانية العيش إلى مائة سنة، لكنك فيما بعد سوف تقول أُريد أن أعيش إلى مائة وعشر سنوات، وحين يُمكِنك العيش إلى مائة وعشر سنوات سوف تقول أُريد أن أعيش إلى مائة وعشرين سنة، وحين يتحقَّق لك هذا سوف تقول أُريد أن أعيش إلى مائتي سنة، وحين يتحقَّق هذا سوف تقول أُريد أن أعيش إلى ثلاثمائة سنة، لو الله قال لك سوف تعيش إلى مائة ألف سنة لما قنعت، قال الصَّلِّتَانُ الْعَبْدِيُّ:

أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِيرَ                                مَرُّ النَّهَارِ وَكَرُّ الْعَشِي.

أليس كذلك؟ قال – تبارك وتعالى – وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ۩، مع كل ليل وما إلى ذلك يخرج شيئ جديد، مع كل ليل ونهار تحدث تقدمات جديدة، مع كل ليل ونهار تتراجع الكفاءة الوظيفية للقلب وللكبد وللمرارة – Bitternis – وللبنكرياس وما إلى ذلك، كل ليل! مع كل ساعة، وكذلك الحال مع ذاكرتك ومع جمالك وما إلى ذلك، كل شيئ يتراجع، حتى ذوقك وحواسك، كل شيئ يتراجع، هو هكذا! فسوف يتراجع حتى العمر، وسوف تضيع المائة ألف سنة، ومن ثم سوف تقول أُريد مائة وخمسين، لكن وماذا بعد؟ ماذا تُريد أنت؟ تُريد اللانهاية، وأنت موعود بها، والله خلقك لكي لا تكون لك نهاية بإذن الله تعالى، لكن ليس في هذه الدنيا، في نشأة أُخرى، اعمل من أجلها جيداً وافهم، افهم لكي تكون تلك مُريحة لك، فهذا موجود وأنت تحن إليه.

أنا سأقول لك شيئاً بسيطاً، هذا حتى اسمه البرهان الوجودي الأنطولوجي، لو لم يكن هناك لانهاية حقيقية هل يُمكِن أن نحن إليها؟ أنت تحن إلى الشيئ لأنه موجود ومُمكِن، أليس كذلك؟ لأنه مُمكِن! الطفل ينزل من رحم أمه وهو يصيح وما إلى ذلك وهو يشعر بالعطش، هو يشعر بشيئ لكن ليس عنده لسان لكي يُعبِّر عنه، هذا اسمه ماذا؟ كأنه يقول أعطوني، نُعطيك ماذا؟ هل أنت تفهم شيئاً يا مولود؟ ما الذي تفهمه؟ لكنه يُصرِّخ! حين تُعطيه الثدي يأخذه ويلتقمه، يبدأ يمص فتتحرَّك فيه أشياء، غريب! هذا يعني أن عطشه وبكاءه يُؤكِّدان وجود الحليب، لا إله إلا الله! فطرة، هذه أشياء غير، هذه ليس لها علاقة بتلك الأشياء، ويُمكِن أن نُبرهِنها فلسفياً، انتبهوا! اليوم خطر لي هذه الفكرة كما قلت لكم، الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ۩، البداية! البحث عن البداية، شيئ يُجنِّن! البحث عن البداية في كل شيئ، كيف؟

هل تعرف مَن الذي بدّأ البداية؟ وما بداية البدايات كلها؟ الله، وهو الذي أعطى البداية لكل شيئ، كيف؟ هل تعرف أنت الآن تُفكِّر كيف؟ هذه عملية مُعقَّدة أكثر مما تتخيَّل، كيف يقوم إمكان للفكر نفسه؟ كيف يُمكِن أن أُفكِّر؟ تُفكِّر في ظل مبادئ، كل مبدأ يُمكِن أن يُختزَل إلى مبدأ أصغر منه، أليس كذلك؟ وأول منه، وتبقى عملية الاختزال – اختزال باستمرار – إلى أن نصل في النهاية إلى بداية، لابد أن تُوجَد بداية، البداية هذه ليست عدماً، بداية لها معنى بذرية جنينية، وعندها إمكان لأن يتفرَّع منها كل مُسلَّمات الفكر، مَن الذي أعطانا هذه البداية؟ من أين أتت هذه؟ وهي لا تعود إلى مبدأ، شيئ يُجنِّن! أنا أقول لك الله – عز وجل – هو الذي أعطاك البداية هذه، ومن غيرها ما كان يُمكِن أن يقوم فكر، ما رأيك؟ سوف نكون كائنات مُصابة، لن نُفكِّر ولن نحس ولن نشعر بأي شيئ، لن نتواصل و لن نجد شيئاً، كيف إذن؟ من أين هذا؟ الله! انتبه إلى هذا، في كل شيئ لابد أن تُفكِّر هكذا، وهذا بعض معنى الأول، هُوَ الْأَوَّلُ ۩، أول الأوليات، لا إله إلا هو! وعلى كل حال نكتفي اليوم بهذا القدر.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: