إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، اللهم اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك، على هذا النبي الأمين الكريم وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وعلى أتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله وقد جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:

أوشك أن يُبلِّغنا الرحمن – سُبحانه وتعالى – هذا الفضل الجزيل بحلول هذا الشهر الكريم – إن شاء الله تعالى – غداً أو بعد غد، فُرصة تتجدَّد كل سنة، كي لا يبقى لأحد من المُكلَّفين على الله حُجة – أيها الإخوة والأخوات -، كي لا يبقى لأحد منا على الله – تبارك وتعالى – حُجة، فُرصة يُقبِل فيها المولى الجليل والرب الرحيم – سُبحانه وتعالى – على عباده بالفيوضات والعطاءات والتنزلات والتجليات، فيشهد كل محجوب، ويصل كل مُنقطِع، ويعرف كل مُتردِّد، طريق إلى الله – تبارك وتعالى – ومحجة بيّنة، طريق إلى الله ومحجة بيّنة! مَن سلكها عارفاً بحقها لا شك أنه يبلغ منازل الرضوان، ومن هنا كان المحروم مَن حُرِم خير هذا الشهر.

في حديث كعب بن عُجرة – رضيَ الله عنه وأرضاه، وتعرفونه جميعاً، والله أعلم – رقيَ – عليه الصلاة وأفضل السلام – منبره، ولما رقيَ الدرجة الأولى وقف قليلاً وقال آمين، أمَّن! وهكذا فعل في الثانية وفي الثالثة، فلما قضى خُطبته ونزل سأله أصحابه يا رسول الله رأيناك اليوم تفعل شيئاً لم تكن تفعله من قبل، فقال نعم، لقد عرض لي جبريل – عليه الصلاة وأفضل السلام – عند درج هذا المنبر، حين رقيت الأولى قال لي يا محمد أبعده الله – تعالى -، قل آمين، قلت آمين، مَن يا أخي يا جبريل؟ قال مَن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يُدخِلاه الجنة، عاق الوالدين – والعياذ بالله -، هذا عاق الوالدين! مَن أدرك أباً حياً أو أماً وهي حية أو كليهما فلم يدخل بهما الجنة، هذا – والعياذ بالله – داخل في دائرة اللعنة، مُبعَد! والمُبعَد هو الملعون، والملعون هو المطرود المنبوذ، كما يُنبَذ الكلب – أكرمكم الله – أو كما تُنبَذ النواة، بعيد من رحمة الله التي وسعت كل شيئ، يا ويله! كيف لم تتسع له؟! كيف لم تتسع له وقد وسعت لكل شيئ؟! لأن ذنبه عظيم عظيم عظيم، إنه عقوق الوالدين – والعياذ بالله -، والرسول أمَّن على هذا.

فلما رقيَ الثانية حدث نفس الشيئ، مَن هو؟ قال مَن أدرك رمضان فلم يُغفَر له، الذي يتفضَّل عليه المولى الجليل – سُبحانه وتعالى – بتبليغه رمضان ولا يُغفَر له متى يُغفَر له؟ متى يُغفَر له؟ متى يصل؟ متى يتوب؟ متى يرق منه القلب؟ متى تشف منه الروح؟ متى تلطف منه النفس؟ متى تنفتح منه المغالق – مسامع البصر والأسماع والبصائر -؟ متى؟ فنسأل الله – تعالى – بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا أن يفتح مسامع قلوبنا لذكره في كل وقت وفي هذا الوقت على وجه الخصوص.

ولما رقيَ الثالثة وسأله مَن هو؟ – نفس المُفاوَضة والمُراجَعة – قال مَن إذا ذُكِرت عنده لم يُصل عليك، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، وأرغم الله أنف مَن أراده ومَن يُريده بسوء، نسأل الله أن يُرغِم أنوفهم، وأن يُنكِّس أعلامهم، وأن يُخيِّب آمالهم، وأن يُرهِقهم ذُلاً، اللهم آمين، فإنه حبيبه وصفيه، ومَن نال منه وما عساه ينال فإن الله لا يتركه – إن شاء الله تعالى -، هو أفضل خلقه، وأحب خلقه، صاحب الشفاعة العُظمى، التي تعني أنهم سيُعلِنون يوم القيامة في موقفها الأجل الأهيب ندمهم لكن ولات حين مندم، وأسفهم ولات حين أسف، وحسرتهم ولات حين تحسر، أسفهم وندمهم وحسرتهم على ألم يكونوا من الذين أتبعوه ونصروه وعزَّروه ووقَّروه، هذا معنى الشفاعة العُظمى، ستكون شهادة من هؤلاء جميعاً أنهم كانوا مُتهوِّكين، وكانوا خائبين، وكانوا خاسرين، وكانوا ضالين، فاكفنا اللهم شرورهم، فإنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، عليهم من الله ما يستحقون.

لو ذُكِر – عليه الصلاة وأفضل السلام – عند مُسلِم مُوحِّد من أتباعه وأشياعه فلم يُصل عليه فهذا مُبعَد، هذا مطرود، هذا أبخل البخلاء، الذي لا يُصلي على نبيه، كيف لا تُصلي عليه؟ صلوات الله عليه وسلماته وتشريفاته وتبريكاته ورحماته أبد الآبدين، كيف لا تُصلي عليه وبه أخرجك الله من الظلمات إلى النور؟ كيف لا تُصلي عليه وهو وسيلتك إلى الله – تبارك وتعالى – وهو شفيعك يوم القيامة، وهو الذي لم تقر له عين حتى طمأنه ربه أننا سنُرضيك في أمتك ولن نسوءك؟ وأنت لا تُصلي عليه! عليه الصلاة وأفضل السلام.

فالمحروم مَن حُرِم في هذا الشهر، وفي هذا الشهر حرمانان، حرمان بركة هذا الشهر الكريم، وحرمان بركة ليلة القدر، والنبي صرَّح أيضاً أن المحروم مَن حُرِم خيرها، وهناك مَن لا يُحرَم بركة رمضان في العموم، ولكنه يُحرَم بركة ليلة القدر، لأنه لم يتهيَّأ لها.

أيها الإخوة:

هذا الشهر الجليل وهذه الأيام التي نستقبلها والليالي التي ننتظرها تستحق – تستحق حقاً – أن يُشَد لها الحزام، أن يأخذ الإنسان لها الأُهبة، ولكي يكون هذا الشهر على ما رسمنا ووصفنا طريقاً إلى المولى – سُبحانه وتعالى – لابد من توبة، تحل عُقدة الإصرار، سُئل أحد العارفين بالله – عرَّفنا الله به ودلنا عليه دلالة الصادقين – عن الطريق إليه، أي، إلى الله – تبارك وتعالى – وعن معالم الطريق إلى الله – تبارك وتعالى -، ما هي؟ فقال توبة تحل الإصرار، أي تحل عُقدة الإصرار.

كانوا يقولون – وبعضهم جعل هذا حديثاً، ولا يصح حديثاً – لا توبة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، والمعنى صحيح، وليس بحديث صحيح، لكن المعنى صحيح، تُؤيِّده نصوص كثيرة مُتظاهِرة مُتضافِرة، لا كبيرة مع الاستغفار، صحيح! ولا صغيرة مع الإصرار، الصغائر تستحيل كبائر بالإصرار عليها، وبالذات في هذه الأوقات الكريمات – أيها الإخوة والأخوات -.

فقال الطريق إلى الله توبة تحل الإصرار، أي عُقدته، وخوف يُذهِب الغررو، ورجاء يُنهِض إلى الخيرات، ثم مُراقَبة الله في جميع الخطرات، اللهم أعطنا ذلك، واسلك بنا هذه السبيل، إنها طريق الله، توبة تحل الإصرار، خوف يُذهِب الغرور، لأن المغرور لا يخاف الله، لو عرف الله وخافه لما اغتر به، لا يغتر به إلا جاهل هجّام، هجّام جريء جسور على محارم الله وحدوده – والعياذ بالله -، فلابد من خوف يُذهِب الغرور، ولابد من رجاء يُنهِض إلى الخيرات، أي إلى فعل الخيرات، وأخيراً قال ثم مُراقَبة الله – تبارك وتعالى في عليائه – في جميع الخطرات، أي خواطر النفوس والقلوب، لابد! لابد أن تُراقِب الله عند كل حديث نفس، عند كل هاجس، عند كل خاطر، فهذه سيماء العارفين بالله – تبارك وتعالى -.

وهناك وصف آخر أحلى وأجل من هذا، لعارف آخر بالله – تبارك وتعالى -، قال إن العبد إذا آمن بالله – تبارك وتعالى – واستحكم إيمانه أورثه ذلك مخافة الله، قال إذا آمن بالله – تبارك وتعالى – واستحكم إيمانه، ليس كل إيمان مُستحكِم، هناك إيمان بلُغة القرآن العظيم عَلَى حَرْفٍ ۩، هناك مَن يعبد الله على حرف، وهناك مَن يُؤمِن بالله على حرف، فإن أصابه ما يسوءه ارتد على عقبيه، نكص – والعياذ بالله -، كفر بوجه أو بآخر، والكفر دركات – والعياذ بالله -، الكفر دركات! فليست المسألة بالدعاوى، المسألة بالاختبار، لِيَبْلُوَكُمْ ۩، لابد من الابتلاء.

قال إن العبد إذا آمن واستحكم إيمانه أورثه ذلك – أي هذا الاستحكام والإيمان القوي – مخافة الله – تبارك وتعالى -، يُوجَد خوف من الله، يصير هناك خوف من الله، بعض الناس يُصلي ويصوم ويزكي ويحج ويفعل الخير، لكنه لا يخاف الله، لو عرضه له طمع فإنه يغتاله – والعياذ بالله -، طمع في مال أو في جاه أو في منصب، لا يراه، الآن نسيَ الله، عند الطمع نسيَ الله، لو عرض له خوف فإنه ينسى الله أيضاً، ما هذا؟ ما هذا الإيمان؟ هكذا بعض الناس، ويُبرِّرون لأنفسهم، بعض الناس يُبرِّرون حتى الكبائر، كبائر الفواحش – والعياذ بالله -، يُصلي وهو مُصِر على الفواحش ويُبرِّر لنفسه، فهذه هي الزندقة، قلنا غير مرة هذه الزندقة حقاً – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، لا تبرير، أنت عبد، لا تأويل ولا فلسفة أمام أوامر الله وأمام نواهي الله – تبارك وتعالى -، أمام كلام الله لا تبرير ولا تفلسف ولا لف ولا دوران، أنت عبد، والعبد عليه أن يكون سميعاً مُطيعاً من غير مُراجَعة ومن غير مُساءلة.

لو كان هناك سيد، سيد من سادات البشر الآدميين، وكان له عبد، أي خادم، عبد في خدمته، هل يليق وهل يصلح من هذا العبد أن يُراجِع سيدته وأن يتأوَّل أمر سيده – إذا قال له افعل فإنه لا يفعل، إذا قال له لا تفعل يفعل ثم يقول أنا أظن وأنا أفهم بعقلي أنك أردت كذا وكذا -؟ يسطو به لا محالة، إنه يسطو به لا محالة، بعض الناس يتأوَّل حتى في ترك الصلاة، يترك الصلوات، يُصلي حين يشتهي، حين يكون مرتاحاً أو محتاجاً إلى الله، يُخادِع الله وما يخدع إلا نفسه، يكون محتاجاً إلى الله، يُريد أن ينجح في شيئ أو يُريد لأولاده شيئاً ولنفسه شيئاً أو يُريد أن يدفع عن نفسه وعن أهله ضُراً، فيذهب لكي يُصلي المسكين، تُخادِع مَن أنت يا مسكين؟ تُخادِع مَن؟ ثم يقول لنفسه ما المُراد بالصلاة؟ وما المقصود من الصلاة؟ إصلاح النفس، وأنا صالح – بحمد الله تبارك وتعالى -، أنا لا أضر أحداً، ولأبذل الندى والمعروف، أنا إنسان طيب صافٍ، ما حاجة الله بتعذيبي أن أقوم في أوقات الصبح وقد سهرت الليل بطوله؟ في ماذا؟ على الأفلام وفي مجالس الغيبة والنميمة وفي الكلام الفارغ طبعاً، ولابد أن يكون له عُذر عند الله، لأنه سهر الليل بطوله حتى الساعة الثالثة، ثم دخل الفجر، وهو لا يستطيع أن ينهض إلى صلاة الفجر، الله ما حاجته بتعذيبي أن أقوم في هذه الساعة؟ لا، سأبقى نائماً، الله سيغفر لي، الله لن يُؤاخذني، لأنني إنسان صالح، لا! أنت إنسان زنديق – والعياذ بالله -، ليس بترك الصلاة، وإنما بهذه الفلسفة، هذه فلسفة الزنادقة، انتبه! ترك الصلاة معصية كبيرة جداً جداً، تُكفّر أو لا تُكفّر؟ مسرح نظر بين العلماء، مسألة خلاف حتى بين الصحابة أنفسهم، والمسألة خطيرة جداً جداً، وليس مُخاطِراً بدينه كآمن، ولكن أنت بهذه الفلسفة قد تزندقت، أنت تُبرِّر – والعياذ بالله – اقتراف هذه الكبيرة الشنعاء الفحشاء، أعني ترك الصلاة، وكأنك لم تقرأ قول الله لرُسله بل لصفوة أنبيائه ورُسله ولأشرف خلقه طراً وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ۩، فمحمد لم يكن في صفائك، محمد لم يكن في نظافتك، ولذلك احتاج إلى العبادة، أما أنت فلا تحتاج إلى العبادة، هل نظرت كيف يتلاعب بك إبليس؟ كيف تلعب بك هذه النفس الخبيثة؟ وهي أخبث أحياناً من سبعين شيطاناً – والعياذ بالله منها -.

ويقول عيسى كما حكى على لسانه وَأَوْصَانِي ۩، الله يُوصي عيسى، عيسى مَن؟ الذي يُحيي الموتى، عيسى الذي يُحيي الموتى يقول وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ۩، هو يعلم – تبارك وتعالى -، وتأتي أنت تتفلسف، وهكذا في سائر الأمور إذن، قس على الصلاة سائر الأمور من المفروضات ومن المُحرَّمات، لا تفلسف من العبد تجاه الرب – تبارك وتعالى -، العبد وصفه – وصف العبودية – يقتضي ويستلزم الطاعة المُطلَقة، ما أقصرها من طريق! وما أصعبها! طريق واضحة لاحبة وواسعة أيضاً، لكنها صعبة، سُبحان الله، أهي صعبة على يُسرها؟ طبعاً، لأنه لا يسير إلا ما يسَّر الله، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزن إذا شئت سهلاً، فسهِّل علينا سبيل عبادتك وذكرك وشُكرك وحُسن طاعتك.

قال أولياء الله – تبارك وتعالى – من علامات التوفيق الآتي، إذا كان العبد مُوفَّقاً، والله – تبارك وتعالى – يُيسِّره لليُسرى وللتي هي أزكى وأطهر وأوقى وأرضى، فما الذي يحصل؟ من علامات التوفيق دخول الطاعة عليك من حيث لا تقصد، أنت لا تقصدها، تتيسَّر لك الطاعة – بإذن الله تعالى -، تتيسَّر لك الطاعة، يأتيك أحد الناس، ويطلب إليك شيئاً، مُساعَدةً أو ديناً أو صدقةً، فتُعيطه، أنت جالس في بيتك، يأتيك الخير إلى بيتك، لا تعتذر، هو ألجأه الله إليك، لا تعتذر، حتى لا يُلجئك يوماً إلى أحد ألأم خلقه، قصاص! هذه الدنيا قصاص.

ما أحسن من هذه الفُرصة! تجلس في بيتك بين أهلك، ويأتيك أحدهم ليحمل زادك إلى الآخرة، يقول مسعر بن كدام – رضوان الله تعالى عليه – سأل أحدهم يوماً بمحضر سُفيان الثوري – قدَّس الله سره الكريم – شيئاً، فلم يكن عنده ما يُعطيه، وانصر السائل، وجعل سُفيان يبكي، فقلت يا أبا سعيد، يا إمام، ما الذي يُبكيك؟ قال كيف لا أبكي ورجل أمَّن عندي خيراً فلم يجده؟! كيف لا أبكي ورجل أمَّن عندي خيراً فلم يجد؟! جعل يبكي على ضياع هذه الفُرصة، ونحن – بالعكس – نتفلَّت ونُضيِّع هذه الفُرص بالاعتذار وبالمعاذير وبالكذب – والعياذ بالله -، حتى حقوق الله – تبارك وتعالى – نُضيِّعها بالأكاذيب والفلسفات، مثلما نفعل مع الزكوات، مَن مِن المُسلِمين يُخرِج زكاته كما أمر الله ورسم؟ أيضاً بعض أصحاب الفلسفات الزنديقة يكذب ويُخادِع ربه وما يخدع إلا نفسه، يقول صحيح أنا لا آتي كل سنة في موسم مُعيَّن أو في يوم مُعيَّن ثم أحسب وأُخرِج كل ما علىّ من زكاة، ولكن بحمد الله أنا أتصدَّق، أنا كثير الصدقة، هو كذّاب، وهو يعلم أن كل صدقاته لا تُساوي خُمس زكاته، ويُريد أن يتهرَّب وأن يضحك على الله، أنت لا تضحك على الله، تضحك على نفسك يا مسكين، وستصدم بهذه العاقبة عما قليل، يوم تروعك الهجمات.

قالوا احذر، احذر يا مَن لم تُمته الغفلة، مَن لم تُقس قلبه الغفلة، احذر أربع غارات، غارات مثل غزوات، تأتيك فجأة، غارة الموت على نفسك، يأتي غارة، لا يُفرِّق بين شاب، بين كبير، بين صغير، بين ذكر، وبين أُنثى.

غارة الموت على نفسك، وغارة الورثة على مالك، سيُترَك للورثة، أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قال ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، لماذا يرثني أبنائي وبناتي وأقاربي؟ لا أُحِب هذا، بالعكس! أُحِب أن أتمتَّع أنا بمالي، جيد! مالك ما قدَّمت، أي ما تصدَّقت به، ما جعلته في الحق، ومال وارثك ما أخَّرت، كل ما تتركه هو مال الوارث، تجمع وتجمع وتجمع وتجمع ثم تترك.

قبل أيام سمعت عن أحدهم، مات وكان يعيش عيشة المُهانين الأذلاء الفقراء، يعيش في بيت مع بضعة رجال، يعيش مع بضعة رجال في غُرفة واحدة، والكل يحسب أنه فقير، مُهلهَل الثياب، زري الحالة، سيء المنظر، ولما مات وجدوا في حسابه – الدولة  هنا كشفت عن حسابه – زُهاء مائة وخمسين ألف يورو، انتهى! تركتها للورثة إذا كان لك ورثة، لا أنت حتى استخدمتها فيما يعود عليك بالخير في الدنيا والآخرة، والآن تتحمل وزرها، وسُستأل عنها يا مسكين، هذا هو، كل واحد منا يُمكِن أن يُصدَم بهذا المصير، انتبه! لست استثناءً، لا يُوجَد فينا أحد مُستثنى.

قالوا وغارة الورثة على مالك، وغارة الدود على بدنك في قبرك، هذا القبر الذي تهتم به، بعض الناس يقف أمام المرآة الساعة والساعتين، كأنه عروس ليلة جلوتها أو زفافها كما يُقال، هو شاب لكنه يقف ساعة أو ساعتين أمام المرآة، لا يترك شُعيرة إلا نتفها، ويستخدم الدهون والمساحيق، يا أخي اهتم بروحك، استثمر في روحك وفي نفسك، ليس في هذا البدن، الذي سيكون أكلة الدودة.

وغارة الدود على بدنك في قبرك، وغارة الأخصام – أي الخُصماء – يوم القيامة على حسناتك، انتبه! كل مَن كذبت عليه، كل مَن غششته، كل مَن خدعته، كل مَن سخرت منه، كل مَن همزته، كل مَن لمزته، كل مَن ظلمته، كل مَن اغتبته، وكل مَن نممت عليه، كل هؤلاء سيُحكَّمون في مالك بل في حسناتك – عفواً، قلت في مالك ولا مال، في حسناتك – يوم القيامة، كل مَن آذيته ولو بنظرة تخويف سيتحكَّم في حسناتك، وهذه غارة أيضاً، آخر الغارات يوم القيامة، تظن أنك نجوت، فربما يأتيك مائة أو عشرة من الرجال أو ألف أو عشرة آلاف، لا ندري! حسب المظلوميات، كم الذين ظلمتهم؟!

أحسن شيئ – هذا أحسن شيئ – بعد أداء حقوق الله أن تتخلَّص من حقوق العباد، إياك إياك منها، بعض الناس يأتي يُحاقِق غيره ويُطالِب بحقه وزيادة، أحياناً يستوعب حقه مُضاعفاً، ويظن أنها شطارة وفهلوة، أنا أقول هنيئاً للآخر، هنيئاً للآخر! أحسن أن أكون مظلوماً من أن أكون ظالماً، أحسن أن أكون بالناقص من أن أكون بالزائد في الظلم، بالعكس! يُوجَد يوم قيامة، يُوجَد يوم حساب عسير جداً، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ۩، قالوا وعلامة العارف بالله – تبارك وتعالى – القيام بحقوق الله والتخلص من تبعات العباد، هذا هو العارف، لابد من هذا، القيام بحقوق الله والتخلص من تبعات العباد، اللهم لا تجعل لأحد علينا تبعة ولا له علينا حقاً، اللهم آمين، وأغننا بحلالك عن حرام، هكذا! فالأمر جد، والأمر خطير.

وعلى الإنسان أن يُراجِع نفسه كل حين وكل ساعة، وكما قلنا هذه فُرصة، هذه فُرصة تتكرَّر كل سنة وبحمد الله – تبارك وتعالى -، لو كانت لا تتكرَّر وكانت مُفرَدةً يتيمةً كالحج والله لحُقَّ لنا أن تعظم حسرتنا وأن يطول حُزننا، لأنها مرة واحدة، لكن – بحمد الله – هي كل سنة، وفُرصة مُمتَدة طويلة، ثلاثون ليلةً وثلاثون يوماً، نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يفجأنا منه فُجاءة خير يوم القيامة على غير ما نحتسب، فنجد أن صومنا وصلاتنا وقراءتنا وذكرنا وتعبنا في هذا الشهر قد شفع لنا في كل ما فعلنا، نسأل الله حين نتأمَّل هكذا في رحمة الله ولا ندري، هو رب رحيم، لكن كما قلنا أهم شيئ أن نبتعد عن ظُلم الناس.

كنْ كيف شئْتَ فإِن الله ذو كرمٍ                      وَما عليكَ إِذا أذنبتَ مِن باسِ. 

إِلا اثنَتينِ فلا تقرْبهُما أبدًا                          الشركُ باللَّهِ وَالإضرارُ بالناسِ.

هذا شاعر حكيم، هذا شاعر مُوحِّد حكيم، إذا الإنسان ترك الشرك وترك ظلم الناس فإنه يكون – إن شاء الله – في سعة وفي فُسحة من أمره بين يدي الله – تبارك وتعالى -، إلا الظلم! بعض الناس ليس كذلك، يُصلي ويصوم، لكن – سُبحان الله – لا يتورَّع عن ظلم الناس، سيء الملكة، سيء الخُلق مع الناس.

من أحسن ما يتخلَّق به المرء وما يتزوَّد به إلى الآخرة المُعامَلة الطيبة لجميع خلق الله، وهذه صفة النبيين، هذه صفة المُرسَلين، وصفة أولياء الله العارفين، الخُلق الراقي، الأدب، اللُطف، والرحمة، مع وبكل خلق الله – تبارك وتعالى -، فنسأل الله أن يُبلِّغنا ذلك وأن يُوفِّر حظنا منه.

نعود إلى ما كنا فيه، إذن هي – كما قلنا – طريق إلى الله – تبارك وتعالى -، الإمام عليّ – كرَّم الله وجهه، وعليه سلام الله – يقول ست خصال مَن أصابها لم يدع للجنة مطلباً ولا من النار مهرباً، أي يأخذ بكل طُرق الجنة – إن شاء الله تعالى -، ويهرب من كل سُبل النار، ستة أشياء! ما هي؟ قال مَن عرف الله فأطاعه، وعرف الشيطان فعصاه، وعرف الحق فاتبعه، وعرف الباطل فاتقاه، وعرف الآخرة فطلبها، وعرف الدنيا فرفضها، ست خصال! كلام جامع مانع، هذا كلام جامع ومانع، مَن يتمثَّل بهذه الخصال الست؟!

(تقدَّموا أيها الإخوة، بارك الله فيكم وأوسع عليكم، وأفسِحوا لإخوانكم، جزاكم الله خيراً).

إذن ست خصال، وقال عبد الله بن المُبارَك – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – حدَّثنا وهيب – يعني ابن الورد، قدَّس الله سره الكريم -، قال بلغنا أنه ما جلس قوم في ملأ أو مجلس إلا كان أولاهم بالله – تبارك وتعالى – الذي يفتتح بالخير حتى يُفيضوا فيه، أيضاً هذا خُلق، علينا أن نُنمي هذه الأخلاق الآن، بالذات في شهر رمضان، لماذا؟ لأن النفس الشهوانة تكون مكسورة ومقموعة، تخمد قواها، أو المفروض أن يكون هكذا، تخمد قوى هذه النفس، طبعاً بالجوع، بالسهر، بالقراءة، بالقيام، وبالصلاة، يحدث هذا بالجوع، بالعطش، بالسهر، بقراءة القرآن، وبسماع المواعظ المُرطِّبة للقلوب، المُليِّنة لها، المُذهِبة لقسوتها.

المُهِم أنه قال إلا كان أولاهم بالله – تبارك وتعالى – مَن يفتتح بالخير حتى يُفيضوا فيه، فلنتعلَّم هذا الخُلق، إذا جلست مع اثنين أو ثلاثة لا تدع فُرصة أن يخوضوا في أحاديث الدنيا والكلام السفساف، بالعكس! افتح موضوعاً مُفيداً، أعرف رجلاً – رحمة الله عليه أوسع رحماته – والله كان يفعل الآتي، هذا الرجل لا أذكره – رحمة الله عليه – إلا بهذا، وكان شيخاً في سن والدي أو أكبر قليلاً، وكان من أهل الدين، وأصاب حظاً من العلم الشرعي، ليس بالحظ الكبير، ولكن – سُبحان الله – لا أذكره إلا بهذه الخصلة، وأعتقد كل مَن عرفه لا يذكره إلا ذكر هذه الخصلة، وكلما ذكرتها ترحمت عليه، فهو أهل للرحمة – إن شاء الله تعالى -، لا يجلس مجلساً إلا يُحيله مجلس علم ومُذاكَرة، مع أهله، مع أرحامه، ومع الناس الأجانب، قلت ما أحسن هذه الخصلة! فعلاً هذا الرجل ملائكي، يُحيل المجالس دائماً إلى حلقات ملائكية، لأنها مجالس ذكر وعلم.

يجلس قليلاً في زيارة، سواء كان زائراً أو مزوراً، في مسجد أو في أي مكان، فإن آنس فُرصة مُباشَرةً طرح سؤالاً، وأحياناً يكون يعرف هو الجواب ويعلمه دائماً، حتى يخوض الناس في الخير ويتعلَّموا، حُبِّب إليه هذا الشيئ، كلما ذكرته ذكرت هذه الخصلة، لأنني لم أجلس معه مرةً من الدهر إلا وفعل هذا – رضيَ الله عنه وأرضاه -، أخلاق طيبة! 

أحياناً أقول لنفسي على المرء أن يسأل نفسه وأنا أولكم هل أستطيع أن أُعوِّل على خصلة طيبة حقيقية لله – تبارك وتعالى – في نفسي؟ لابد أن يكون للمُسلِم خصلة من خصال الخير، يُعرَف بشيئ مُعيَّن، أي بعض الناس قد لا يكون كثير العبادة، قد لا يكون واسع العلم، لكنه باسط اليد – مثلاً -، معروف بالكرم، كريم جداً، شهم، معطاء، صاحب ندى وجود، لا يرد سائلاً، وهذا شيئ عظيم جداً جداً، وهذه الخصلة قد تبلغ به أعلى المنازل – إن شاء الله تعالى -، بعض الناس قد لا يكون كريماً، وقد يكون فقيراً، ليس عنده ما يتكرَّم به، لكنه يكون صافي السريرة، سليم النفس، سليم الصدر، مُتسامِحاً، لا يحتمل حقداً ولا أذيةً على أحد، يتسامح! فهذه خصلة طيبة جداً جداً، وبعض… وبعض… وبعض… فاسأل نفسك ما هي الخصلة؟

قبل أيام حدَّثني أحد الإخوة الطيبين – من أصحاب الخير أيضاً والندى – عن نفسه، وعجبت يا إخواني، قلت سُبحان الله، هذه الأمة خيّرة، هذه الأمة فعلاً خيّرة، أمة عظيمة، وإن شاء الله لا تخلو من الخيّرين، وهم كُثر – بفضل الله تبارك وتعالى -، لم اكن أعرف ولا أتوقَّع هذه الخصلة، قال أتينا إلى هذه البلدة مُهاجِرين مطرودين، بسبب الدين، أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ۩، وتُحسَب هاته في موازينه – إن شاء الله تعالى -، قال وأصبتنا المصائب من كل ناحية، في أولادنا، في بيتنا، وفي صحتنا، قالى فقلت لزوجتي – انظروا إلى هذا، لأن هناك خصالاً، لأن هناك رصيداً، يستطيع أن يعتمد عليه بعد الله تبارك وتعالى – يا أم فلان لِمَ لا نفعل كأولئك الصالحين الثلاثة فنتوسَّل إلى الله بصالح ما عملنا؟! لابد أن يكون لكِ ولابد أن يكون لي عمل صالح، قصدنا به وجه الله يوماً، هنيئاً لهما! والله لقد جد في عيني، جد وعظم وكبر في عيني، قال وفعلنا هذا، وانقلب كل شيئ – بحول الله – إلى رخاء ونعمة، فهنيئاً لهم، رجال! يُوجَد رجال، رجال الله – تبارك وتعالى -، هذا ليس كإنسان يكون أمره – والعياذ بالله – تخليطاً وتشويشاً وتشويباً، حتى إن قدح – كما يُقال – زناد فكره ومنخول رأيه وذاكرته لم يجد شيئاً يتوسَّل به إلى الله من عمله، ما هذا؟! ما هذا؟! أين قضيت حياتك؟! كيف تقضي أوقاتك؟!

فلا يذهبَنَّ العمر منك سَبَهْللا                              ولا تُغبننَّ بالنعمتَيْنِ بلِ اجهِدِ.

فمَن هجر اللذات نال المُنى                       وَمَنْ أكبَّ على اللَّذَّات عضَّ على اليَدِ.

قال:

فلا يذهبَنَّ العمر منك سَبَهْللا                              ولا تُغبننَّ بالنعمتَيْنِ بلِ اجهِدِ.

ما هما النعمتان المغبون فيهما كثير من الناس كما قال النبي على ما في الصحيح – صلى الله عليه وسلم -؟ الصحة والفراغ، أين ذهبت أيام العافية والصحة والشباب والقوة والأيد وشدة الأسر؟! في المعصية وفي التقريض يا مسكين، وجاءت الشيخوخة والتعب، أين ذهبت؟! أين ذهبت نفائس الأوقات؟! أين ذهبت أوقاتك في الليل والنهار؟! أين ضيَّعتها؟! والآن لا شيئ عندك، لا رصيد، ذهبت في اقتناص الشهوات، في ركوب مراكب اللذات والمُخالَفات والمعاصي الكبيرات والصغيرات – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

قال:

فلا يذهبَنَّ العمر منك سَبَهْللا                              ولا تُغبننَّ بالنعمتَيْنِ بلِ اجهِدِ.

فمَن هجر اللذات نال المُنى                       وَمَنْ أكبَّ على اللَّذَّات عضَّ على اليَدِ.

سيأتيه يوم يعض على أصابعه، يعض على يديه ندماً، لكن ولات حين مندم، هكذا! انتبه إلى الأوقات، اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر شبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شُغلك، نقول للشباب العزاب لا تُضيِّعوا الوقت، لا تُضيِّعوا الوقت في الهواجس والوساوس والأحلام، أنت شاب مُتفرِّغ وعزب، اغتنم وقتك في العلم، اغتنم وقتك في الإنجاز، وسيأتي وقت للشهوات بما أباح الله – تبارك وتعالى -، سيأتي وقت تُزوَّج فيه – إن شاء الله – وتُصيب حظك، لكن الآن هو – أي هذا المسكين – في صراع مُستمِر، وهو يعلم – إن شاء الله تعالى – إن كان تقياً براً أنه لا يُريد لنفسه ولا يُحِب أن يقع في الكبائر، إذن اترك سبيلها من الآن، لماذا تُعرِّض نفسك للفتنة؟ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ  ۩، لماذا تفتن نفسك؟ لماذا تفتن نفسك ثم تقول لا أستطيع؟ 

أَلْقَاهُ فِي اليَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ                              إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالمَاءِ.

مُستحيل، لا تقترب من الماء، لا تقترب من البنزين، واغتنم الوقت في الإنجاز، في العمل، في الحفظ، وفي الذكر، وسيأتي وقت اللذة – إن شاء الله تعالى -، أنت في نعمة، صحيح هي باعتبار آخر أيضاً لامتحان وابتلاء، ونسأل الله التثبيت لهؤلاء العزّاب، فالعازب فراشه من نار، لكن باعتبار آخر أنت في نعمة كُبرى، لا يجدها المُزوَّجون، الذين عندهم خمسة أو ستة أو سبعة من الأولاد، يسعون عليهم ليل نهار، ويدأبون في تأديبهم وفي أمرهم ونهيهم ومُراقَبتهم ومُتابَعتهم، شغل! شغل يستغرق ويستفرغ الأوقات أيضاً، وهكذا، وعن عمره أيضاً.

نعود إلى ما كنا فيه، قال إلا كان أولاهم بالله – تبارك وتعالى – مَن يفتتح بالخير حتى يُفيضوا فيه، وما جلس قوم في مجلس أو اجتمعوا في ملأ إلا كان أبعدهم من الله – تبارك وتعالى – مَن يفتتح بالشر حتى يخوضوا فيه، فاحذر يا أخي واحذري يا أختي أن تكون ذاك الرجل وأن تكوني تلك الأمة أو تلك المرأة، مَن هو؟ الذي يفتتح بالشر حتى يخوضوا فيه.

قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – طوبى لمَن كان مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، وويل لمَن كان مغلاقاً للخير، مفتاحاً للشر، بعض الناس هكذا عطّال بطّال كما يُقال، إذا جلس فإنه يبدأ – والعياذ بالله – في أشياء إن لم تكن فيما حرَّم الله من غيبة ونميمة وسخرية وكلام فارغ تكون في لهو، تكون في لهو لا طائل من ورائه، ولا جدوى منه، ثم يتأدى بهم هذا اللهو وإن كان مُباحاً إلى ماذا؟ إلى الباطل، بل إلى الأباطيل، إلى ما حرَّم الله، لا! إياك أن تكون هذا الرجل، إياك، كُن الرجل الأول، فلنتعوَّد هذه الأخلاق في هذا الشهر الكريم – إن شاء الله تعالى -، لِمَ لا؟ فُرصة، فُرصة – إن شاء الله – هذه، لابد من مُغانَمة الأوقات، مُغانَمة الساعات، بل مُغانَمة الدقائق – إن شاء الله تعالى -.

يقول عبد الله بن مسعود ما ندمت على شيئ قط ندمي على يوم طلعت علىّ شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي، يقول هذا الذي تعظم حسرتي ويكبر ندمي عليه، لكن هل ترونه فعل؟ أنا أشك، أشك أن ابن مسعود وهؤلاء الأصحاب الذروة الأجلاء غابت عليهم شمس يوم لم يزدادوا فيه خيراً، أشك ولكن هذا التواضع وهضيمة النفس، إنه التواضع وهضيمة النفس!

قال:

إذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَقْتَبِسْ هُدًى                   وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي.

هذا ليس من عمري، بالعكس! هو من عمري، لكن بحساب النقاص، وليس بحساب الزيادة.

إِلَى اللهِ أَشْكُو لَوْمَ نَفْسٍ شَحِيحَة                  عَلَى الْخَيْرِ قَدْ أَضْنَى فُؤَادِي عَلاجُهَا.

إِذَا سَأَلْتَنِي شَهْوَة قَدْ مَنَعْتُهَا                            أَدَامَتْ سُؤَإلى وَاسْتَمَرَّ لَجَاجُهَا.

قال إِذَا سَأَلْتَنِي شَهْوَة قَدْ مَنَعْتُهَا، أي منعتها إياها، أَدَامَتْ سُؤَإلى وَاسْتَمَرَّ لَجَاجُهَا.

وَإِنْ سُمْتُهَا خَيْرًا تَفُوزُ بِنَفْعِهِ                           غَدًا نَفَرتْ مِنِّي وَدَامَ انْزِعَاجَهَا.

قال وَدَامَ انْزِعَاجَهَا، نشكو إلى الله أمثال هذه النفوس، سُبحان الله!

ولذلك نعود عوداً على بدء على كلمة العارف الكبير، قال من علامات التوفيق دخول الخير عليك من حيث لا تقصد، لا تقصد! تكون جالساً في المسجد الآن بعد الصلاة، يأتيك أحدهم ويقول يا أخي إن فلاناً عليل بالمُستشفى، هل نذهب لزيارته؟ يا حيهلاً، ما دام عندك فضلة من وقت فاذهب يا أخي، خير كثير.

الإمام عليّ – عليه السلانم – يقول إذا ذهب المُسلِم يعود أخاه لا يزال يتخوَّض في الرحمة حتى يرجع، رحمة تتخوَّض فيها، كأنك تسبح في ماء من الرحمة، وهذه من علامات التوفيق الإلهية.

آخر يذهب إلى مقهى، يُدخِّن السجائر ويغتاب الناس، وهذه من علامات الخذلان، في نفس الساعة! الحمد لله، الله يسَّرك لهذا، وخذله فأسلمه إلى نفسه وشهواته – والعياذ بالله -، قال من حيث لا تقصد، وإباء المعاصي وأنت تطلب ، تكون تُريد المعصية ولا تتيسَّر لك، هذه من علامات توفيق الله لك، يُحِبك! إن الله إذا أحب عبده حماه عن المعصية كما يحمي أحدكم حميمه، النبي – عليه السلام – يقول هذا، يقول حماه عن المعصية كما يحمي أحدكم حميمه، أي حبيبه، أنت تُحِب ابنك الصغير، وتحميه عما يضره، على ما وصف الطبيب، وكذلك الله – تبارك وتعالى -، تُريد الشيئ، وهو يعلم أنه معصية، وأنت تعلم أنه معصية، ولا يتيسَّر لك – بحمد الله تعالى -، وأنت بأخرة تُدرِك أن هذا من فضل الله عليك، هذا ليس بفهلوتك ولا بشطارتك، هذا من توفيق الله، نسأل الله أن يُديم التوفيق علينا وعلى أحبابنا، اللهم آمين، وأن يجعلنا منهم.

ومِن علامات الخذلان – والعياذ بالله، هذا مسبار آخر إذن، مُعاكسَ، قال ومِن علامات الخذلان، أي مَن يخذله الله تبارك وتعالى، والعياذ بالله، سُبحانه – دخول المعصية عليك وأنت منها تهرب، أنت لا تُريدها، ولكن تدخل المعصية وتفعلها، لأنك مخذول، قد خذلك الله، والله أعلم لماذا، لغرور ركبك أو لعُجب استقر لنفسك أو لـ… أو لـ… أو لـ…. لا نعرف، لابد أن تُراجِع نفسك، دائماً لابد أن تُراجِع نفسك، وأن تتساءل من أين أوتيت؟ ما هو السبب في هذا الخذلان الذي تمادى بي؟ 

إذن دخول المعصية عليك وأنت منها تهرب، وإباء الطاعة وأنت لها طالب، تُريد ولا تستطيع، تنام على نية أن تقوم الليل، لكن لا تستطيع، حتى صلاة الفجر تذهب، لا قيام ليل ولا صبح، الله أكبر، ما هذا الخذلان يا أخي، صحيح أن الله لن يسألك، ليس في النوم تفريط كما في الحديث الصحيح، إنما التفريط في اليقظة، لكن أنت تعلم أنه من علامات الخذلان، لم يتيسَّر لي أن أقوم وأن أُصلي وأن أُسبِّح وأن أذكر مع الملائكة والذاكرين وأن ألتحق بهذا الركب من المسعودين المبرورين، لأنني مخذول، مخذول – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، لابد أن تسأل من أين أوتيت؟ ما هو السبب؟

فلنعد أيها الإخوة، ولنختم – كما قلنا – بالعبارة الرائعة للعارف الثاني، قال إذا آمن العبد واستحكم الإيمان – استحكم إيمانه – أورثه ذلك الخوف، الخوف من الجليل – لا إله إلا هو -، فإن سكن الخوف القلب – احفظوا هذه المقامات – استحال إلى هيبة، هيبة الجليل – لا إله إلا هو -، هيبة حقيقية! قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۩، مُستحيل! أُسجَن، أُقطَّع، أموت، ولا أرتكب معصية الله، من أين هذا؟ من هيبة الله، ليس أن تبيع دينك بخمسين يورو أو بألف يورو، هناك مَن يبيع دينه وينسى كل شيئ أمام ألف يورو، ويحلف أيماناً كاذبةً، الله أكبر يا أخي، ويكذب ويُزوِّر، هذا غير مُمكِن، أو أمام أي شهوة بسيطة جداً جداً – شهوة نساء وشهوة كذا – ينسى نفسه، ما هذا؟ ينظر هكذا وهكذا، فإن كان وحده ركب المعصية، فإذن هذا يعبد الناس، لا يعبد الله – تبارك وتعالى -، هذا لا يرقب الله – عز وجل – طبعاً.

قال هذا العارف – كما قلنا – فتكون الهيبة، فإن سكنت الهيبة القلب أدام العبد الطاعة، انتهى! يُصبِح من عباد المطواعين، طاعة في طاعة – بإذن الله تعالى -، لماذا؟ لأنه يهاب أن يُخالِف مَن؟ السيد الجليل – لا إله إلا هو – الواحد الأحد، كيف؟ كيف أخرج عن أمره؟ هو يحذر مُخالَفة أمر الله – تبارك وتعالى – كل الحذر أو الحذر كله، لا يستطيع، يهاب! كما قلنا مرة كما يهاب ابن آوى – أي الثعلب الأسد، إذا رآه يرتعد، كذلكم المُؤمِن أمام أمر الله يرتعد، لا يتردد ويتفلسف ويبدأ يستفتي، يستفتي زيداً وعمراً، ويُريد فتوى، وهو يعلم أنه يستفتي فيما حرَّم الله بالنص الصريح، لماذا الاستفتاء؟ واضح أنه مُحرَّم، اترك هذا، هيبة!

لا تُوجَد هيبة، لماذا؟ لأن الخوف غير موجود، الخوف! الخوف مفقود، لماذا؟ لأن الإيمان غير مُستحكِم، لابد أن يستحكم الإيمان، فيكون الخوف، يُورِث الهيبة، الهيبة تستلزم دوام الطاعة، فإن أطاع العبد ربه على الدوام – طاعة طاعة طاعة – ماذا يُورِث هذا؟ الرجاء، الآن يأتي الرجاء، لكن أن ترجو رحمة الله مع معصيته فهذا اسمه يا أحبابي الغرور، مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ۩، ما أقل حياء مَن طلب جنتي بمعصيتي! تعصيني ثم تطلب جنتي؟!

بعض الناس يا أحبابي – صدِّقوني، وربما نحن منهم، نسأل الله أن يُعافينا وأن يشفينا – يظن أن الله له علاقة خاصة به، هكذا! لماذا؟ هل هناك نسب؟ النبي علَّمنا أنه ليس بين الرب وبين أحد من خلقه أي نسب إلا بالتقوى، لا يُوجَد نسب يا أخي، أنت لست ابناً ولا ابن عم ولا قريباً لله يا أخي، نسب ماذا؟ أنت خلق، صنع يديه – لا إله إلا هو -، عبد مقهور بأمره – تبارك وتعالى -، الخاضع لربوبيته، المأسور في قبضته، لا! هو يظن هكذا، يعصي الله، يُقصِّر في الطاعات، وهو على يقين أنه يوم القيامة ناجٍ وله الدرجات العُلا في الجنة، نقول له أنت واهم واهم واهم ومُخطئ تماماً، لأن الله – عز وجل – لو كنت تفقه عنه كلامه قال وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۩، كيف؟ هل أنت تكتسح الدرجات هكذا؟ لا يُوجَد هذا، غير موجود هذا في المنطق الإلهي، درجاتك في الجنة بحسب ما عملت يا أخي ويا أختي، فانظر إلى أعمالك، ماذا عملت؟ أين هو عملك؟ أليس كذلك؟ كيف تُضيع منك الأوقات؟ في ماذا؟ أين الطاعة؟ فيوم القيامة درجاتك في الجنة بحسب ما عملت، وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ۩، وفي حديث عُبادة بن الصامت في الصحيحين مرفوعاً قال أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، وفُسِّرت هذه العبارة بمعنى وفق ما عمل، وهذا تفسير راجح، لقوله وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۩، بحسب ما عملت! فخل عنك وانفض عنك ثوب الكسل والعجز، أي عجز الرأي، وخل عنك هذه الأوهام، أن الله يُنجيك ويرفع درجاتك ويحشرك مع محمد، وتسأل الله ذلك أنت، أن تُحشَر معه وأن تكون معه في درجته، مُستحيل يا أخي! أين العمل؟ مِّمَّا عَمِلُوا ۩، لابد أن تكون رجل عمل، عبد عمل، لا عبد أماني، فإن الأماني هي بضاعة النوكى، وهي روؤس أموال المفاليس كما قال القديم.

نعود إلى ما كنا فيه أيها الإخوة، إذن بعد ذلك يأتي ماذا؟ يأتي الرجاء، يأتي الرجاء طبعاً، الرجاء هو سبيل ماذا؟ الطاعة، لو وُجِدت الطاعة وُجِد الرجاء في رحمة الله، هذا صحيح والله، لو وُجِدت الطاعة وُجِد الرجاء في رحمة الله، فإذا سكن الرجاء القلب أورث ماذا؟ المحبة، إذا سكن الرجاء المحبة أورث العبد محبة الرب – تبارك وتعالى -، فإذا استقرت المحبة في القلب أورثت ماذا؟ الشوق إلى الرب الجليل – لا إله إلا هو -، هناك محبة، وبعدها يأتي شوق طبعاً، أنت لا تشتاق إلى مَن تُبغِض، أليس كذلك؟ وأنت لا تشتاق إلى مَن لا تستشعر الحُب إزاءه، أنت تشتاق إلى مَن تُحِب حُباً شديداً، أليس كذلك؟ خياله في ناظريك، ذكره في فمك، وهو آخر شيئ عند النوم، وأول شيئ عند الهبوب، لأنك تُحِبه جداً، وهذا يأتي بعد المحبة، أي الشوق، محبة ثم شوق، يُصبِح هناك شوق.

حدَّثني أحد إخوانكم وإخواني هنا – والله – بالآتي، سُبحان الله! أنا أحياناً أسأل ربي شفاعة هؤلاء الصالحين، وله الحمد والمنّة على أن جعل بين ظهرانينا أمثال هؤلاء الصالحين، أصحاب هذه الأرواح اللطيفة، قال لي يا أخي تمر بي أوقات كثيرة، أشعر أنني أكاد أموت من البكاء، قلت له ماذا؟ قال شوقاً إلى الله، وأُخاطِبه أوأقول له يا ربي أنا مُشتاق إليك جداً، ولو تأخذ نفسي الآن أنا أُحِب هذا، وهو سعيد جداً مع امرأة صالحة وأولاد مبرورين، لكن شوقه لله الذي جاء بعد المحبة غلبه، هناك حُب حقيقي، هناك عبادة، هناك خير، هناك عمل، وهناك نشاط في طاعة الله، شوق! قال أبكي في الليل حتى ينقطع نفسي، تكاد تذهب روحي شوقاً إليه.

ووقف شعر بدني، قلت هنيئاً لك يا أخي، بلَّغنا الله هذه المنازل، منازل رفيعة عظيمة، لا يقضي الليل شوقاً إلى المعاصي، أو ندماً على معاصٍ لم يتمكَّن منها، يندم عليها! يندم أنه لم يتمكَّن، لا إله إلا الله، أهكذا يُلعَب بنا؟ الشيطان – لعنة الله تعالى عليه – يلعب بنا.

الشوق إذن بعد المحبة، قال فإن سكن الشوق القلب – ماذا يأتي بعد الشوق؟ – أتى بعده الأُنس، الله أكبر! إن سكن الشوق القلب أتى بعده الأُنس بالله – تبارك وتعالى -، فإن أنس العبد بربه ماذا يحدث؟ ما علامة الأُنس أو علائم الأُنس؟ الاستيحاش مِمَن سوى الله، يستوحش – سُبحان الله -، يغدو ينتظر ساعات الليل على أحر من الجمر، حتى تذهب زوجاته لتنام، أولاده يرقدون، ويختلي بربه – لا إله إلا هو -.

قال يا داود إن لي عباداً أُحِبهم ويُحِبوني، وأذكرهم ويذكروني، وأشتاق إليهم ويشتاقون إلىّ، فإن تقيَّلت طريقهم وسرت في سبيلهم أحببتك وقرَّبتك وأدونت، وإلا قلوتك وأبعدتك، قال دلني عليهم، فذكر صفتهم في حديث طويل، إلى أن قال ويُحنون إلىّ كما تحن الطير إلى أوكارها، لأن هناك الأُنس، لأنه يأنس، يجد أُنسه وراحته وقُرة عينه وروحه وريحان نفسه بالله ومع الله – لا إله إلا هو -، قال فإذا جناهم الليل، واختلط بهم الظلام، وخلا كل حبيب بحبيبه، قاموا، ونصبوا إلىّ أقدامهم، وافترشوا لي وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقوني بإنعامي، فبين مُتأوه وباك وبين صارخ وشاك، بعيني ما يجدون في سبيلي، وبسمعي ما يلقون في حُبي، أتدري ماذا أُعطيهم؟ الحديث! وهو حديث طويل وعجيب جداً وجميل، هذا الأُنس، الأُنس جاء بعد الشوق، الشوق جاء بعد المحبة، إذن محبة وشوق وأُنس.

فإذا سكن الأُنس قلب العبد المُؤمِن اطمأنت النفس، يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةَ ۩ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ۩، النفس المُطمئنة لا تكاد تأمر صاحبها إلا بالخير، لا تستريح إلا إلى الخير، لا تنفر إلا من المعصية، تقذَرها أو تقذِرها، تتقزز منها، تشمئز منها، يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةَ ۩، نسأل الله أن يُطمئن أرواحنا ونفوسنا بعبادته ومحبته والأُنس به والشوق إليه.

قال الطمأنينة، فإذا اطمأن العبد إلى الله – تبارك وتعالى – كان في سرور وحبور ورَوْح وريحان ونعيم مُقيم ليله ونهاره وسره وعلانيته، اللهم بلِّغنا ذلك وأعطنا ذلك بفضلك ومنّك، فإنه لا يُستطاع إلا بك.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

اللهم إنا نسألك في هذا اليوم الكريم في هذا المقام الكريم في هذه الساعة المُبارَكة ألا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا أحسنت فكاكه، ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه وأذهبت همه وغمه وحُزنه يا أرحم الراحمين.

اللهم زِدنا ولا تنقصنا، وأعطِنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تهنا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وانصرنا على مَن بغى علينا، ويسِّر لنا الخير والهُدى يا رب العالمين.

اللهم خذِّل عنا ولا تخذلنا، اللهم ارض عنا وأرضنا يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تُوفِّر حظنا، وأن تُعظِّم قسمنا من كل خير تُنزِله، ومن كل بر تنشره، ومن كل عمل صالح تُيسِّره.

اللهم إنا نسألك أن تُبلِّغنا رمضان برحمتك يا أرحم الراحمين، وأن تجعلنا فيه من أعظم عبادك حظاً ونصيباً من طاعتك وذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعلنا فيه من المبرورين، واجعلنا فيه من المسعودين، واجعلنا فيه من المرحومين، واجعلنا فيه من المقبولين، واجعلنا فيه من عتقائك من نار جهنم برحمتك يا أرحم الراحمين، نحن وآباؤنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وصديقنا ومشايخنا وكل مَن له حق علينا يا رب العالمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام، وأن تُعِز المُسلِمين، وأن تُعلي بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم ومَن أراد بالإسلام وبالمُسلِمين خيراً فكُن له خير مُعين، ومَن أراد به وبهم شراً فخُذه أخذ عزيز مُقتدِر، فإنه لا يُعجِزك يا رب العالمين، اللهم أرِنا فيه ثأرنا، وأقِر بذلك عيوننا، إلهنا ومولانا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تجعل تجمعنا هذا تجمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا بائساً ولا يائساً ولا محروماً، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(22/9/2006)

http://www.facebook.com/Dr.Ibrahimadnan

 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: