إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وعَظِيمَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ۩ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ۩ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ۩ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ۩ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ۩ قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
ما أنسب وما ألطف وما أبلغ هذه الخاتمة العجيبة قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ۩، والسورة هى الأنبياء وخُتِمَت في قافلتها بقوله سبحانه وتعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩، أما مسك الختام فهو قوله قَالَ قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ۩، وهذا أمر عجيب، كأنها إشارة ناطقة صادحة وصاعقة بأن الذي أُرسِلَ رحمةً للعالمين سيُشنأ ويُتهَم بأنه نقمة وبأنه غضب وبأنه لعنة وبأنه خراب وفساد، شيئ عجيب هذا الكتاب، ولذا قال الله قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ۩، كل ما قيل وما يُقال وما سوف يُقال – وكله إفكٌ وبهتٌ وكذبٌ ورقاعةٌ ووقاحةٌ – في حق خير البريات مشمولٌ بهذه الإشارة الصادعة والصاعقة وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ۩، يأسى المرء بلا شك أن يُشنأ نبيه، أقدس البشر على الإطلاق في اعتقاده وفي وجدانه وفي قلبه وعقله وعاطفته وشعوره حين يشنأه أعداؤه ولكن يكونُ أساه عظيماً جداً حين يبدر مثل هذا الشنآن وتبدو مثل هذه البغضاء على ألسنة مَن ينتمون إلى أمة هذا النبي، وكما قلنا في الخُطبة السابقة لا يرفدهم إلا الجهل ولا يُحرِّكهم إلا الظلم وعدم الإنصاف، يأتون لا أقول إلى مشهد وإنما يأتون إلى مقطعٍ مُصغَّر من مشهد كبير – والمشهد بدوره لا يُغني عن الحدث كله – ويقولون هذا هو الإسلام، أرأيتم؟ لقد قتل هذا الأسير، إنه مُجرِم ، لقد أغار على هؤلاء القوم، إنه داعية حرب، قتَّال ومبعوث بالسيف، لكن كيف؟ هذا جهل أولاً بالتاريخ وجهل بالحقائق، وكما قلنا الظلم تظلم به نفسك قبل أن تظلم الحقيقة، فأنت تظلم نفسك وتسفه عقلك، ولذا ما ينبغي أن يُقال هذا، وقد وعدنا في الخُطبة السابقة أن نُلِم بطرفٍ مما يشهدُ لهذا النبي العظيم ولدينه وشريعته السمحة أنه جاء ليُغيِّر مسار العالم وليُغيِّر وجهة العالم وليُغيِّر طابع العالم من طابع بربري همجي مُتوحِش ويُضفي عليه طابع الإنسانية، وهذا أمر عجيب، لكن هذا التعبير خصوصاً وبحد ذاته شهد به رجلٌ قامة – ليس مُجرَّد رجل وإنما رجل قامة – من قامات المُفكِّرين في عالم القانون الدولي، فهو قامة مشهورة وهو الأستاذ والدبلوماسي الهولندي الشهير ميشيل دي توب Michael de Taube الذي عمل وزيراً لخارجية هولندا عام ستةٍ وثلاثين، وهو أستاذٌ مُبرِّز مشهور على صعيد العالم كله في القانون الدولي وبروفيسور Professor في أكاديمية العلوم الدولية بلاهاي، فبالضبط هذا ما قاله، حيث قال لقد جاء هذا الإسلام في العصر الوسيط بعد أن أثبت أنه في العصر الوسيط لم يُوجَد أصلاً – العصور الوسيط الأوروبي – قانون دولي، إنه قانون الغاب وقانون الغلب، لكن الإسلام كان قد فرغ من قوله ومن مقاله في عالم القانون الدولي وسبق القانون الدولي الحديث بل والمُعاصِر أيضاً في بعض القسمات وفي بعض المسائل والموضوعات بقرون، وهذا ما أثبته ميشيل دي توب Michael de Taube، وأثبته بالأدلة واصفاً أوروبا – أي قارته – بالبربرية والهمجية، فهو قال كنا مُجرَّد همج رعاع، كل ما لدينا وأحسن ما لدينا هُدنة الرب، فهذا ما يُعرَف بهُدنة الرب أو صلح الرب، لكن ما هو صلح الرب؟ وما هى هُدنة الرب؟ هُدنة الرب تمثل في أن الكنيسة حرَّمت من مساء الجمعة من صباح الاثنين الاحتراب والاقتتال، وحرَّجت في تحريمها أن يدخل أحدٌ الكنيسة يوم الأحد حاملاً سيفاً أو خِنجراً أو أي سلاحٍ كان، فهذا أكثر ما نعمت به أوروبا من السلام، أما الإسلام فقد وضع أسس القانون الدولي، وميشيل دي توب Michael de Taube يُثبِت هذا بالأدلة، والرجل دارس وهو أستاذ طبعاً من هولندا بلد القانون الدولي في لاهاي، علماً بأن المُؤتمَر الدولي العالمي الأول كان في ألف وثمانمائة وتسع وتسعين في لاهاي والثاني كان في ألف وتسعمائة وخمس في لاهاي، فهذه بلده وهو يقول هذا، قال كنا مُجرَّد همج برابرة رعاع، وجاء الإسلام – والآن أقتبسه بنصه وفصه كما يُقال – ليُضفي طابع الإنسانية على هذه البشرية الشقيانة التاعسة، فهو يقول كنا بشراً أشقياء تُعساء وجاء الإسلام يُعلِّمنا كيف تكون الحرب وكيف يكون السلم وكيف تكون العلاقات الدولية، فنحن بشر ولسنا حيواناتٍ في غاب، والآن يُشنأ محمد نبي هذا الدين، ألم أقل لكم أنه الجهل فقط يتواقح؟ إنه الجهل، ونعوذ بالله من الجهل، فلو قيل لنا تعوذوا بالله من شيئٍ واحد – فقط شيئٍ واحد – فإننا سوف نقول الجهل، فالجهل سبب الكفر والجهل سبب المرض والجهل سبب العصبية وسبب التكاره والتدابر والتباغض وسبب كل الشرور، جذر كل الشرور هو – والعياذ بالله – الجهل، لذلك أول كلمة في هذا الدين الخاتم كانت اقْرَأْ ۩، فلابد أن تقرأ، لذا قال الله اقْرَأْ ۩ ولم يقل فكِّر، فكان يُمكِن أن يقول فكِّر لكنه لم يقل هذا لأنك ستُفكِّر ولكن ضمن الأُطر وضمن السائد وضمن الشائع، ستكون مُعتقَلاً سجيناً في أُطر مُعيَّنة ولن تستفيد كثيراً، فانتبهوا لأن هذا ما يفعله كل المُتعصِّبين وكل الجهلة، يُفكِّرون ولكن ضمن المُعطى وضمن المطلوب، يضع العربة أمام الحصان تماماً وهو يُريد أن يثبت شيئاً مُعيَّناً يعتقد به ويقول لك أنا أُفكِّر، لكن أنت تُفكِّر ضمن أُطر، فأنت سجين، أنت مسجون ولست مُفكِّراً، لكن القرآن يقول اقْرَأْ ۩، فما الفرق بين فكِّر واقرأ؟ اقرأ تعني أنك ستقرأ ما عندك وما عند غيرك، لو أن هؤلاء المُتواقِحين في أوروربا أو بعض هؤلاء – لأن بعضهم لا يُحرِّكه الجهل بمقدار ما تُحرِّكه العصبية، فهو يعلم الحقيقة ويُنكِرها، وسنُثبِت أن منهم مَن يعلم – علم هذا ما أساء إلينا، ولذلك سوف نقولها بوضوح: لقد انقضت قرون ولاتزال بقية باقية وهؤلاء القوم لا يُحِبون أن يعترفوا بأنهم تعلَّموا منا ودرسوا على أيدينا مع أن كباراً منهم تخرَّجوا في مدارسنا وجامعاتنا وقد تعلَّموا كيف تكون الإنسانية وكيف تكون المعرفة!
البابا سيلڤستر الثاني Pope Sylvester II كان إسمه جربرت Gerbert، هو أصبح بابا أو بوب Pope كما يُقال، وهو أعظم شخصية دينية، فهذا تعلَّم في الأندلس وأخذ شهادات منها، وهذا قرأنه في كتبهم، ولكن هذا لا تعرفه العامة ولا يعرفه الرقعاء والسُخفاء والجهلاء النزقاء، فهو على كل حال تعلَّم لدينا!
فريدريك الثاني Frederick II ملك صقلية وألمانيا في وقته كان يعرف العربية، وكان في حاشيته بعض المُثقَّفين المسلمين، وكان مُتنوِّراً جداً، وهو أول مَن أقام دولة تقريباً تقترب من النظام الحديث كدولة مُتأثِّراً بنظم الحكم والإدارة عند المسلمين، وكان يحترم الإسلام والمسلمين جداً وفكَّر أن يُعطيهم الجنسية في وقت من الأوقات ولكن العصبية – أي عصبية القوم – منعته طبعاً، ففريدريك الثاني Frederick II المُتسامِح مشهور جداً، وقد تعلَّم من المسلمين!
ألفونسو العاشر Alfonso X de Castilla y León ملك قشتالة المُسمّى بالحكيم وصاحب مجموعة السبعة، وهى مجموعة قانونية كما يقول الأستاذ الفرنسي العظيم في علم القانون الدولي العام طبعاً – هناك قانون دولي خاص وقانون دولي عام – نيس Nice، وبروفيسور Professor نيس Nice يقول بهذه المجموعة بذت وسبقت إسبانيا سائر القارة الأوروبية، ثم يقول كأن إسبانيا ورثت ملكة التشريع والتفصيل القانوني من الرومان مُباشَرةً، وكأن حز في ضميره فعاد يقول واضحٌ تأثر الإسبان بالشريعة الإسلامية في هذه المجموعة، واضح جداً خاصة في ناحية الحروب وفي الجانب العسكري التأثر بالمسلمين، فثمانية قرون نحن هناك نحكم!
الملك جورج الثاني جورج الثاني Georg II – ملك إنجلترا – يبعث بعثة إلى هشام الأول – الخليفة الأموي في الأندلس – قبل ألفونسو العاشر Alfonso X de Castilla y León – عليها ابن أخيه على رأسها وولي عهده مع مجموعة من النساء ليتعلَّموا تهذيب المرأة وفن الإدارة والحكم، وتقضي البعثة مُدتها المضروبة لها وتعود ومعها بعثة إسلامية يُرسِل بها الخليفة المسلم سماحةً وكرماً لتُعين هؤلاء في هذه الشؤون وتُعلِّمهم في بلادهم كيف تكون الإدارة وكيف يكون الحكم وكيف يكون التهذيب وكيف يكون الرقي وكيف يكون التمدين، فهذا هو إذن، وهذا ملك إنجلترا!
فيليب Philip ملك بافاريا حدث معه نفس الشيئ، فقد تعلَّم من المسلمين ودعا إلى ذلك، وهذا شيئ غريب، كثيرون إذن هؤلاء على مُستوى الملوك والباباوات، فهذا موجود على كل حال.
المُستشرِق الفرنسي رينو Reinaud – في القرن التاسع عشر – يكتب كتاباً يُترجِمه مُؤرِّخ ودبلوماسي وسياسي مسلم هندي وهو هارون خان شيرفان Haroon Khan Sherwani، فهو كان يُترجِمه ونشره في النصف الأول من القرن العشرين، وكان يتحدَّث فيه رينو Reinaud الفرنسي عن دولة إسلامية في قلب أوروبا، فإذن كيف لم يتعلَّموا؟ نحن هنا كنا دولة حقيقية لا نكاد نسمع بها في شمال إيطالي وسويسرا وجزء من فرنسا، وهذه الدولةعُمِّرت وقامت هنا مائة سنة، يقول رينو Reinaud من ثمانمائة وتسعين إلى تسعمائة وتسعين، أيفي القرن العاشر إذن، فمُعظمها في القرن العشر الميلادي، فهذه دولة مسلمة يحكمها مسلمون في شمال إيطاليا وسويسرا وجزء من فرنسا، وألمَّ بتاريخها العلَّامة الكبير شكيب أرسلان – رحمة الله عليه – على عجل، ولكن كتاب رينو Reinaud أوسع مصدر يتحدَّث عنها بالتفصيل، وهذا تقريباً لا يكاد يُعرَف، فالأفضل ألا يُعرَف، لماذا؟ يُريدون أن يقولوا نحن مُستقِلون ونحن لم نتعلَّم من أحد ونحن وُلدنا هكذا مُتعلِّمين، وهذا غير صحيح، لقد كنا أساتذة هنا، ولكن من أين للعربي التائه الذي لم يرد له ذكرٌ في عالم الحضارات والمدنيات في وقته – ابن الصحراء الغلبان – أن يُعلِّم العوالم وأن يُعلِّم العالمين؟ فعل هذا بالإسلام، فقط بالإسلام، وبعد الإسلام وبسرعة وعلى عجل استحال أستاذاً هذا الهمجي المُتوحِش المُتأبِّد الذي كان أشبه بوحش الصحراء، فهو استحال أستاذاً يُعلِّم الدُنا بعد مائة سنة فقط من وفاة رسول الله.
مادمنا نتحدَّث عن القانون الدولي وإذا ذُكِرَ القانون الدولي فمُباشَرةً يُذكَر أحد العمد المشاهير ذو القامات الباذخة والشامخة في تأسيس القانون الدولي الأوروبي الحديث وهو الهولندي هوجو جروتيوس Hugo Grotius صاحب كتاب حقوق الحرب والسلم وصاحب كتاب حق الشعب وصاحب كتاب البحر المفتوح – Mare Liberum باللاتينية وThe Free Sea بالإنجليزية -، لكن ما هو البحر المفتوح؟ هذا الرجل عقلية قانونية جبَّارة، فجروتيوس Grotius هو مُؤسِّس القانون الدولي في أوروبا، وهذا الرجل قال أن البحار ينبغي أن تكون مفتوحة ومُتاحة لجميع الدول، لا يجوز لدولة أو إمبراطورية أن تبسط سيادتها وهيمنتها على مُسطَّح مائي وتقول هذا لي وسأمنع السفن والقوارب الأخري أن تمر، فهذا لا يجوز، وطبعاً علينا أن ننتبه إلى أنه هولندي، فهولندا لها إسهام كبير منذ البداية في هذا المجال، وبالتالي شيئ غريب أن يكون جروتيوس Grotius هولندياً وأن يكون مُؤتمَر لاهاي في هولندا لديها، أما بالنسبة للتسامح فأعظم تسامح في أوروبا في أوقات الأزمات كان في هولندا، حيث كان يفر إليها المُضطهَدون من البروتستانت وغير هؤلاء، فهناك إيراسموس Erasmus وسبينوزا Spinoza وإلى آخره، وعلى كل حال يُؤلِّف البحر المفتوح فتنزعج بريطانيا، لماذا؟ لأنها كانت تتنافس مع هولندا على التجارة العالمية، وهى ترى أن لها حقاً مشروعاً وثابتاً لا يُناقَش في كل المياه المُحيطة بالجزر التابعة لها طبعاً – للتاج – فإذن لا بحر مفتوح وإنما بحر مُغلَق -Mare Clausum باللاتينية – فقط، حيث جاء الإنجليزي جون سيلدين John Selden وألَّف كتاب البحر المُغلَق، لكي يُدافِع عن المقولة والمبدأ الإنجليزي، فهو ضد مقولة جروتيوس Grotius الهولندي في البحر المفتوح، وهذا مُهِم جداً الآن، فمن أهم أبواب القانون الدولي قانون البحار، لكن المسلمون سبقوا إلى قانون البحار أيضاً، لكن كيف؟ هل سبقوا حتى في موضوع البحر المفتوح؟ طبعاً سبقوا في هذا، ولذلك هذا الدين رحمة ومدنية وتفتّح وإنسانية، هو رسالة عالمية بطبيعته .
تذكر لنا كتب تاريخنا أن والي لعمر بن عبد العزيز – رضيَ الله تعالى عنه – على شمال أفريقيا يبعث إلى عمر بكتاب – عمر في آخر القرن الأول الهجري، وكما قلت لكم كنا أساتيذ بعد مائة سنة فقط من وفاة رسول الله، فإبان مائة سنة كنا أساتيذ، لم تبدأ الأستذة بعد مائة سنة بل في خلالها كنا أساتيذ للعالم وأساتيذ للإنسانية، نبراس نور في عالم حندس من الظلام الدامس المُشتبِك – يستأذنه في شيئ قائلاً يا أمير المُؤمِنين سنُعامِل الكفار كما يُعامِلوننا، يمنعوننا من الدخول في المياه أحياناً التي تخصهم ويُلزِمون تجار المسلمين إذا وردوا عليهم – على موانئهم – بمكس، أي ضريبة أو رسوم ، ونحن سنفعل نفس الشيئ، إما مكَّسناهم وإما منعناهم، بالذات تُجار تُجار جنوب أوروبا، لأن هذا في الشمال الأفريقي عند البحر المُتوسِط، فسنمنع تُجار جنوب أوروبا أن يأتوا إلى هنا أو يدفعوا المكوس، فيُرسِل إليه عمر بن عبد العزيز – انظروا هذا قبل جروتيوس Grotius انظروا بكم قرن، هذا شيئ عجيب، فجروتيوس Grotius كان في القرن السابع عشر، وهذا قبله طبعاً، أي بحوالي سبعة قرون أو أقل بقليل – بكتاب يقول له البحارُ – باللغة الحديثة – حُرة ولا يستطيع أحد أن يتملَّك البحار، قال تعالى كذا وكذا، وسرد له عدداً من الآي التي تتحدَّث عن نعمة البحار مُسخرَّةً للبشر، وهذا أمر عجيب، فالله يقول أنها مُسخَّرة لنا، قال تعالى وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، وهذه من آيات الله، فالله يقول هذه آيات للبشر جميعاً، وعمر بالذات استشهد بهذه الآية من سورة النحل، وهى الآية الرابعة عشرة والتي أتت في بداية النحل، فعمر يقول له أن الله هو الذي يقول هذا، فهذا للناس من آيات الله، والآيات ليست للمسلمين، فانظروا إذن إلى العقلية الإسلامية، فحين يقول الله وَمِنْ آَيَاتِهِ ۩ هذا يعني أنها ليست لك وحدك، فهذه آيات ربانية للكل، والبحر آية من آيات الله مُتاحة للجميع، لذا البحر حُر والتجارةُ حرة كما كان يقول له، فلا نستطيع أن نُحرِّم التجارة ولا أن نقطع أرزاق العباد ومعائشهم، هذا ممنوع، فلا نستطيع هذا، وهذا شيئ غريب، لكنهم يفتخرون بكتاب جروتيوس Grotius، وحُق لهم أن يفتخروا، لكن حق لنا أن نفتخر بالسبق أيضاً وعلى أساس ديني، فجروتيوس Grotius قال أنا أخذت هذا من الرومان، لكن هل صحيح أخذ هوجو جروتيوس Hugo Grotius هذا من الرومان أم أنه أخفى مصادره؟ سوف نرى، فجروتيوس Grotius قال أنا أخذته من الرومان ومُستندي فيه القانون الطبيعي Natural Law، وهذهنفس نغمة بعض التنويريين الرومانسيين الذين يتحدَّثون عن القانون الطبيعي مثل جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau وأمثال هؤلاء، فهم يقولون لك القانون الطبيعي وهذا غير صحيح.
ميشيل دي توب Michael de Taube – البروفيسور Professor الهولندي الكبير كما قلت لكم – في مُحاضَراته سنة ست وعشرين وألف وتسعمائة بلاهاي في الأكاديمية قال من الثابت بوضوح أن هوجو جروتيوس Hugo Grotius أخذ واعتمد كثيراً على أستاذ اللاهوت في جامعة سلامنكا Salamanca بإسبانيا، والآن سأذكره، هو راهب كان يُدرِّس اللاهوت وله بعض المُساهَمات التي تُعتبَر بدائية في القانون الدولي وإسمه فيتوريا Vitoria، فالراهب فيتوريا Vitoria أستاذ في سلامنكا Salamanca، وقال ميشيل دي توب Michael de Taube أن هوجو جروتيوس Hugo Grotius استفاد من فيتوريا Vitoria، واستفاد من الراهب الذي درَّس الثيولوجي في جامعات فرنسا – في باريس – وإسمه سواريز Suárez، فهو استفاد من هذين إذن، ثم قال والثابت لدينا أن سواريز Suárez وفيتوريا Vitoria قبله – في السنة التي مات فيها فيتوريا Vitoria بعدها بسنة وُلِدَ سواريز Suárez – قد استفادا من تراث المسلمين، وهذا واضح عندنا بالمُقارَنات وبالأدلة، وجاء جروتيوس Grotius وأخذ هذا وقال لك أنا أخذته من الرومان ومن القانون الطبيعي، وهذا غير صحيح، فأنت أخذته من المسلمين، والمسلمون كانوا سبَّاقين وعلَّموا العالم أسس القانون الدولي وأسس العدالة العالمية، والآن للأسف لا يُعرَف هذا طبعاً، وأنا مُتأكِّد الآن أن كل واحد منكم ومنكن سيقول يا حسرة، يا حسرة علينا كمسلمين اليوم فعلاً، لقد عمَّدنا أنفسنا وعمَّدنا صورتنا في صورة الإرهابي القتَّال الذي يُفجِّر نفسه ويُفجِّر البرءاء ويُفجِّر الأبراج والـ Subway، هذا الجاهل المجنون، فللأسف نحن فعلنا هذا، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن هؤلاء الذين يقتلون ويُفجِّرون لم يفهموا شيئاً ولم يدرسوا الإسلام، لم يعرفوه ولم يُعلَّموه ولا يعرفون شيئاً عنه، تعصب ذميم كتعصب الصليبيين هنا في العصور الوسطى، فالواحد منهم مُستعِد أن يقتل وأن يُقتَل وأن يذبح وأن يُذبَح من غير أن يفهم لماذا، ويقول لك الله يُريد هذا، وهذا نُصرة للنبي ونُصرة للإسلام، لكن أنت لا تفهم شيئاً، أنت دمَّرت صورة الإسلام وشوَّهت هذا الدين العظيم، فهذا الدين العظيم عنده قدرة أن يُدافِع عن نفسه طبعاً بمنأى وبمنجاة وبمبعدة بعيدة بُعد الفلك عن الأرض عن هذه الأعمال الهمجية الوحشية، أعمال القتل والذبح والتدمير والتفجير والكره، ما هذا؟ يُوجَد كره للآخرين وكره للعالم وكره حتى للنفس، كره الذي لا يتطابق بالكامل معي، فما هذا يا أخي؟ أي إسلام هذا؟ فالإسلام لا يحتاج لهؤلاء، هؤلاء يحتاجون إلى أن يتعلَّموا فقط، ولكن للأسف كما نقول دائماً هذا يُغضِب بعض الناس الذين يظنون في بعض الدعاة والعلماء أنهم يعني رموز كبيرة مُقدَّسة، فهم لم يتعلَّموا شيئاً لأن الذين يُعلِّمونهم لا يعرفون أصلاً – ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ۩ – أي شيئ، وفاقد الشيئ لا يُعطيه، وهذا الإسلام – كما كان يقول العلَّامة المصري الموسوعي محمد فريد وجدي – أعظم وأجل من أن يُؤخَذ عن أفواه الحمقى والمُغفَّلين، فلا ينبغي لكل أحد أن يتكلَّم عنه، ولكن نحن في عصر السماوات المفتوحة وفي عصر النت Net والفضائيات، وكل أحد يستطيع أن يتكلَّم وأن يدعي أنه وكيل على الإسلام وأنه يفهم وأنه يعرف وأنه يُفتي، وهذه مُصيبة بحد ذاتها، ولكن ماذا نفعل؟ هذه ضريبة الحرية، لكن ببساطة على الذين يعرفون أن يتكلَّموا وعلى الذين لا يعرفون أن يتعلَّموا، فهذا حل بسيط وسهل، ونسأل الله أن يُلهِمنا تطبيقه بعد فهمه وحذقه.
نعود لكي نقول نحن كنا أستايذ، ويُمكِن إلى اليوم أن نُساهِم بشيئ كبير إذا قدَّرنا أنفسنا حق قدرها وإذا قدَّرنا ديننا ورسالتنا حق قدرها وإذا لم نتحرَّك بعقلية ردود الأفعال الانتقامية الثأرية، فهذه عقلية فاشلة صبيانية غير ناضجة أصلاً، وهذه لا تُفيد كثيراً، فالصليبيون كانوا آية وبلغوا الغاية في الهمجية والوحشية، لكن نحن لم نعرف هذا من مُؤرِّخينا وإنما عرفناه أيضاً من مُؤرِّخيهم – من مُؤرِّخي الصليبيات – هم، فكانوا إذا جاعوا أكلوا لحومنا، لكن هل تعرفون هذا؟ هذا مذكور ومُوثَّق، فهو ليس مشهوراً جداً ولكنه مُوثَّق – بفضل الله – في كتبهم، وعلى كل حال كانوا إذا جاعوا أكلوا لحم المسلم، فهم كانوا Cannibals، أي يأكلون لحم البشر، ولا يُبرِمون عهداً ولا يعقدونه إلا لينقضوه، وهم يرون أن العهد فرصة لكي ينقضه، أي أنه يضحك عليك، وهذا أمر عجيب، وهذا مثل حال بعض المسلمين للأسف اليوم، فبماذا أصفهم إذن؟ سأتجاوز عن وصفهم، ولكن أقل ما يُمكِن أن يُقال أنهم يُجرِمون في حق دينهم – والله العظيم – وفي حق أمتهم، فالواحد منهم يقول لك أنا هنا مُقيم في أوروبا وبالفيزا Visa لآخذ الحقوق وأضحك عليهم، ومتى واتتني فرصة سوف أنتقم منها، فما هذا؟ هذا أمر عجيب يا أخي، هل دينك علَّمك هذا؟ ألم تسمع بحديث أبي رافع – مُؤذِّن النبي ولكن يومها لم يكن مُؤذِّن النبي وذلك في زمن الحديبية وهو حديث صحيح – حيث بعثته قريش كافراً مُشرِكاً وقال فلما رأيت النبي أحببته ووقع الإسلام في قلبي، فهذا دين عظيم ونبي عظيم جداً، ثم قال فقلت له يا رسول الله لن أعود إليهم، أي أنهم ص بعثوني للرسول سفيراً لكنني لن أعود، فماذا قال النبي؟ انظر إلى الوفاء، انظر ماذا فعل النبي مع قريش نقَّاضة العهود والباغية الظالمة التي أخرجتهم مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ ۩، قال إنا لا نخيس بالعهد ولا نقتل البرد – لا نقتل السفراء نحن, أي البريد – ارجع إليهم، فإن كان في قلبك مثل الذي فيه الآن فارجع، أي إذا ظللت بعد ذلك وأنت في مكة تحب الرسول وتحب الإسلام ارجع لنا، قال فرجعت، لأن النبي قال ارجع، أنت سفير فلا تُقتَل بل تُكرَم لكن يجب أن تعود، لا ينبغي أن نقول هو أسلم وسيظل عندنا بل يجب أن يرجع لأنه سفير، فما هذا الدين العظيم؟ لكن هذا هو محمد يا إخواني!

حذيفة بن اليمان تعرفون قصته في الصحاح، فحذيفة بن اليمان يُهاجِر هو وأبوه اليمان – رضيَ الله تعالى عنهما – كما في الصحيحين إلى رسول الله في المدينة فيقعان في يد المُشرِكين، أي في يد الكفار، فقالوا لهم إلى أين؟ هل تنصران محمداً؟ فقلنا لا نُريد إلا المدينة، وهما لم يكذبا حتى، هما قالا نحن فقط نذهب إلى المدينة، ولكن لا نُريد أن ننصر محمداً، ثم قال حذيفة فأخذوا علينا العهد أن ننصرف إلى المدينة وألا ننصره، أي احلفوا لنا وعاهدونا وعاقدونا عدم وجود النُصرة، فقلنا نُعطيكم العهد، رغم أنهم من الكفار المُشرِكين وبدأوا بظلم النبي وأتباعه، ثم قال فجئت إلى رسول الله وحدَّثته – أخبره بالخبر – فقال نفي لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم!
يا الله، يا رسول الله، ما أحلاك يا نبيي، ما أجملك، ما أعظمك!
أقول لهؤلاء المُتحذلقين ولأولئكم المُتهوكين أول خُطوة في الدرس التاريخي – أول خُطوة بل هو أول اشتراك منهجي – ألا تُحاوِلوا بالله عليكم منذ البداية طبعاً – هذا غير موضوع الاجتزاء والاقتطاع – أن تنظروا وأن تُقيِّموا بأثر رجعي، أي أن تأتي إلى ذروة ما وصلت إليه البشرية اليوم وتُحاسِب إليه بعض صفحات تاريخنا وتقول هم مُتخلِفون والإسلام مُتخلِف، لا تفعل هذا، فهذه عورة منهجية وعيب هذا الكلام منهجياً، ولا يقبله منك أي مُورِّخ لا في الشرق ولا في الغرب، ولكن قس الإسلام والمسلمين ونبي الإسلام بالحال والأوضاع في عصرهم، فهم مُتقدِّمون جداً، والنبي والقرآن كانا يسيران عكس التيار، بل أنا أقول لكم أنهما كانا يسيران عكس التيار تماماً، ونجحا في ذلك إلى حد بعيد وإلى مدى شاسع، وإن كانت الأمة لم تستوعب كامل المشروع القرآني، فانتبهوا إلى هذا، فأنا أعرف هذا ونحن نعرف هذا تماماً!
الأستاذ العلَّامة عبد الوهاب خلاف – أستاذ الأساتيذ وهو أستاذ الشيخ محمد أبي زُهرة – يقول في كتابه السياسة الشرعية لم تكن بعد ذلك – والإشارة إلى ذلك هى إشارة إلى عهد رسول الله السعيد، بمعنى كأنه لم يستثن حتى الخلافة الراشدة، فهى ليست كلها خلافة معصومة وهى ليست مُقدَّسة – كل فتوحات وحروب المسلمين مُستهديةً بهذا الهدي، أي لا تعتقد أن أي فتح وما يتعلَّق ببني أمية وبني العباس والعثماني وما إلى ذلك أنها كلها فتوحات إسلامية، فهذا غير صحيح وهناك أشياء كثيرة تجاوزها المسلمون – للأسف الشديد – ووقعوها بأقدامهم وداسوا فيها أوامر الشرع ومعالم الشرع فانتبهوا، ولكن نحن لا نحتكم إلى إنجيل بني أمية وإنجيل بني العباس، وإنما نحتكم إلى قرآن محمد وإلى هدي محمد – صلى الله على محمد وآل محمد – فقط، أليس كذلك؟ هو هذا طبعاً، فالكل يُحاكَم إلى هذه، ونحن قصَّرنا طبعاً، ولكن مع ذلك رغم تقصيرنا بلغنا شأواً لم يبلغه غيرنا في وقتنا أبداً، فما بلغته البشرية اليوم مُؤسَّس على ما بلغناه وعلى الأيدي البيضاء التي أسديناها، والأمثلة كثيرة جداً على هذا، ولأنها كثيرة وتزدحم في الرأس وهذا الموضوع طويل على كل حال وصُنِفَت فيه مُصنَّفات في الشرق والغرب فإنان سنجتزأ ببعض الأشياء، ولن نتكلَّم عن القانون الدولي العام فقط بل سنتكلَّم عن القانون الدولي العام والخاص.
إذا تكلَّمت عن القانون الدولي من منظور إسلامي فإنما أعني ببساطة – هذا لكي أوضِّح لكم – القواعد والسُنن والمباديء التي يجري عليها المُشرِّع الإسلامي والسُلطة الإسلامية في مُعامَلة غير المسلمين داخل سُلطانهم – تحت سُلطانهم – وداخل حدودهم وخارجها، سواء كانوا أشخاصاً اعتباريين كالدول والجماعات والطوائف أو حقيقيين كالأفراد في حالتي السلم والحرب، فهذا هو تعريف القانون الدولي العام والخاص ومن منظور إسلامي وهذا الذي نُريده،وسنجتزأ بأمثلة على عجل للتأكيد على هذا.
في عام ألف وثمانمائة وتسعة وتسعين لأول مرة في أوروبا تتحدَّث عن شيئ هام، رغم أن في القرن الثالث عشر كان يُوجَد توماس الأكويني Thomas Aquinas، وتوماس أكوينوس Thomas Aquinas هو صاحب الخُلاصة اللاهوتية وهو الفيلسوف الكاثوليكي الشهير، وبعد ذلك مع فيتوريا Vitoria ومع سواريز Suárez الذين ذكرتهما وطبعاً مع هوجو جروتيوس Hugo Grotius سبق الحديث بنوع من التفصيل الضئيل عن الحرب العادلة Just War، فهناك الحرب العادلة والحرب غير العادلة، ولكن أوروبا لم تُعوِّل على شيئ من هذا ولم تهتم به، فهل تعلمون أن إلى بدايات القرن العشرين ظل من فقهاء القانون الدولي هنا في أوروبا مَن يقولون أن الحرب العادلة – Just War – هى الحرب التي تخدم المصلحة القومية أو مصلحة البلد؟ فإذا كان عندك مصلحة – Interest – اذهب وحارب، وهذا أمر عجيب يا أخي، وإن قلت له أنت سوف تُدمِّرني بهذه المصلحة فإنه يقول لك هذا ليس عيباً وعليك أن تُدمِّرني، وهذا يعني أنا المنطق أصبح منطق ماذا؟ منطق الغاب، فالأقوى يفرض مصلحته على الآخرين، ولذلك الألماني كلاوزفيتز Clausewitz – هذا أشهر شخصية ألمانية تحدَّثت عن فن الحرب في كتابه الضخم المُجلَّد الهائل الحفيل عن الحرب – ماذا يقول؟ ما تعريف الحرب؟ علماً بأن هذا التعريف مُهِم جداً حتى نسير على هُداه، قال لك :الحرب هى عمل يُبتغى منه ويُتغيا من ورائه إخضاع دولة أخرى لإرادة ورغبة دولة أخرى، فهذا هو فقط، وهذا أمر عجيب، فهل هذا يُبرِّر الحرب؟ هل هذه الحرب هى أطماع وحرب عدوان وحرب مصالح وحرب منافع؟ قال لك نعم فالحرب سوف تأتي بأي شكل عبر التاريخ، لكن جاء الإسلام وقطع مع هذا التصور المُتوحِش وهذا التصور الحربي، فهو فقط حربي واحترابي وقد رأينا هذا، لكن الإسلام رفض هذا وقال لا تعتدوا، لماذا؟ قال إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، ولا يُمكِن أن تأتي ساعة يُحِب فيها الله المُعتدين، ولذلك هذه الآية مُستحيل أن تكون منسوخة، لأن بعض الناس يقول لك آسف – Sorry – هذه منسوخة، وهذا غير صحيح، فهى منسوخة في عقلك المنسوخ، هذا لا يُمكِن أن يُنسَخ، لا يُمكِن يأتي يوم أو ظرف يُحِب الله فيه العدوان – حاشا لله – أبداً، لأن العدوان ما هو؟ الظلم، فهل الله يُحِب الظلم؟ لا يُحِبه أبداً، ومع ذلك يُقال هى منسوخة، وهذا غير صحيح، ولذلك جاء الإسلام ليقول لا حرب، فالأصل هو السلم، ونحن نذهب إلى الحرب مُضطَرين، لا فرحين باسمين راضين أبداً وإنما نذهب ونحن مُضطَرين، إنها كريهة، إنها ذات الشوكة، والله يمتن علينا أن كفَّ أيدينا عنهم وكف أيديهم عنا، وتقول الآية الكريمة وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ ۩، والنبي كان يكره إسم حرب وقالمَن كان إسمه حرب يُغيِّره إلى إسم آخر، فهو يكره الإسم هذا، فحتى مُجرَّد الإسم يكرهه طبعاً، ودينه السلام – كما قلنا – أيضاً وإلى آخره، فهذا هو إذن، وعلى كل حال قال يُسمَح لنا بالدفاع فقط، فنحن نُدافِع فقط ضد عدوان قائم بالفعل أو مُحتمَل مُرجَّح، فإذا كان من الواضح أنهم سيدهموننا هل ننتظر؟ لا ننتظر طبعاً، وهذا موجود حتى في القانون الدولي، لأنه مُرجَّح – هذا عدوان مُرجَّح – أمامنا، هم يحشدون وجاءتنا الأنباء والتقارير المُؤكَّدة بهذا، فإذن نحن سنبدأ بهم، وهذا أيضاً يُعتبَر حرب دفاعية، وإلى آخره طبعاً، علماً بان حروب النبي كلها كانت على هذا النحو، فهل تعلمون هذا؟
علَّامة مصر في وقته والعلَّامة أحمد زكي باشا – رحمة الله عليه – المُلقَّب بشيخ العروبة كتب بحثاً – رحمة الله عليه – تقصى فيه خمساً وعشرين غزوة من غزوات النبي وحروبه وقال أن كلها كانت دفاعية، وأثبت لك أنها دفاعية بالدليل، فحتى بدر كانت كذلك، ماذا حصل في بدر؟ في بدر كل ما حصل أن النبي أذن لهم أن يأخذوا هذه القافلة لكي يستردوا نزراً يسيراً من أموالهم، فدورنا صُدِرَت في مكة وأموالنا وخيلنا وكل شيئ انتهى، وأُخرِجنا رغماً عنا، ومَن لم يخرج اضطُهِدَ في دينه وفُتِنَ في دينه، فالنبي قال خذوا من هذا، وهذا بعض حقنا وليس كله، ومع ذلك يقولون أرأيتم؟ محمد يعدو على القواطع لأنه قاطع طريق، وهذا غير صحيح، لكن يا أخي – والله – عقلك مقطوع، وأُقسِم بالله على هذا، قسماً بالله أنت الظالم وعقلك مُظلِم يا رجل، الآن إذا يأتي إنسان – نفترض مثلاً – طُرِدَ من بيته وضُرِبَ أولاده وأُهينَت زوجته وأُخِذّ بيته أو فيلته وبعدذلك وقع على شيئ من مال لهذا العدو الظالم الباغي الصائل فاحتازه هل يُقال أنه ظالم وأنه قاطع طريق؟ فهم يقولون نحن قطاع طريق وهذا غير صحيح، فهذا بعض حقنا، لكن أبت قريش إلا الحرب، أليس كذلك؟ فقريش هى التي جيشت الجيش وأتت بأكثر من ألف تُحارِب المسلمين، إذن الحرب مفروضة علينا، وهذا أتى كدفاعن النفس فانتبهوا، ومع ذلك يقولون قاطع طريق، وعلى كل حال هذا ما حدث مع سائر الحروب، ولكن للأسف هناك فهم خاطيء لبعض الأحاديث، وهذا مثل للنقد الحديثي ونقد المتون، فهناك حديث في الصحيحين – في البخاري ومسلم – هام، وهذا الحديث أنا لا أطعن فيه الآن، لماذا؟ لأن في الحقيقة الجواب عنه لائح وواضح، ولكن أطعن في فهم أكثر علمائنا وفي رأسهم إمامي أبو عبد الله الشافعي – رضوان الله عليه – في هذا الحديث، ففهمه في هذا الحديث هو فهم مغلوط وفهم غير صحيح، وهذا الحديث أخذه حُجةً ومُستنَداً الحربيون الذين يرون أن الأصل بيننا وبين العالم الحرب وأن كل السلام والمُلاينة والمُحاسَنة أمور منسوخة بآية السيف، وعلى كل حال هو حديث بني المُصطلِق، حيث يكتب عبد الله بن عون – رحمة الله عليه – إلى نافع – نافع مولى عبد الله بن عمر رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – يسأله عن الدعاء قبل القتال، لكن ما معنى الدعاء؟ الدعوة إلى الإسلام، أي أننا يا جماعة جئنا لكي نُقاتِل فهل تُسلِمون؟ أسلموا وقولوا ” لا إله إلا الله، محمد رسول الله” لكي تعصموا وتحقنوا دماءكم وتُحصِنوا أموالكم، قولوها ومن ثم سوف تُصبِحوا إخوة لنا، فهذا إسمه الدعاء وليس الدعاء بمعنى دعاء السماء، وهو كان يسأله عن الدعاء قبل القتال، فقال له نافع مولى ابن عمر – وكان فقيهاً ومُحدِّثاً وراوياً كبيراً رحمة الله عليه – قد كان ذلك في أول الإسلام ثم نُسِخ، وقد أغار رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – على بني المُصطلِق وهم غارون – أي أخذهم على حين غِرة – فلم يُؤذِنهم، ما كان بينه وبينهم عهد لينبذ إليهم، ولم يُؤذِنهم ولم يدعهم حتى إلى الإسلام، فمُباشَرةً أخذهم على حين غرة وهم غارون، فقتل مُقاتِلتهم وسبى نساءهم وذراريهم وهم على الماء، وحدَّثني بذلك عبد الله بن عمر – رضيَ الله عنهما – وكان في ذلك الجيش، أي أن ابن عمر قاتل فيه، ففرح به الحربيون وقالوا لكم انظروا إلى هذا، لقد قلنا لكم أنه منسوخ، فهذا في الأول حين كنا ضعافاً، وهذا غير صحيح، فما هذا الفكر؟ ما شاء الله علينا، قالوا لما كنا ضعافاً وكنا طيبين كنا ندعو إلى الصفح والتسامح والعفو، لكن لما صرنا أقوياء صرنا عدوانيين وشرسين، وهذا الحق يا أخي، هذه قوة الحق، لكن هذا أمر عجيب، هل قوة الحق تُجامِع الظلم على هذا النحو؟ هذا الحديث في الصحيحين ولست أطعن فيه، فلماذا إذن؟ لأن هذا الحديث يصف لقطة أو مشهداً فقط من معركة ولم يُحدِّثنا عن مُقدِّماتها وعن إرهاصاتها، فنعود إذن إلى سيرة ابن هشام التي هى سيرة محمد بن إسحاق – رحمة الله على الجميع – وإلى تاريخ الإمام أبي جعفر الطبري وإلى مغازي الواقدي وإلى غير هذه الكتب، بل حتى أنا وجدت نصاً في الأم للإمام الشافعي – إمامي – يذكر ما سأقول، فكل هؤلاء وغيرهم كثيرون ذكروا ما يلي، وهو أن الحارث بن أبي ضرار سيد بني المُصطلِق خرج بقومه وبمَن يقدر عليهم من العرب يُؤلِّبون على حرب رسول الله، فاشتروا الأسلحة وتجهزوا – يعملون تعبئة عامة – وكانوا يُغرون قبائل عربية أخرى، يقولون لهم هيا نذهب إلى محمد لكي نستأصل شأفته ومَن معه في المدينة – في مدينته – من عند آخرهم، وكانت الركبان – هكذا يقول كل هؤلاء الذين ذكرتهم، علماً بأن الذهبي رحمة الله عليه في تاريخ الإسلام ذكر هذا أيضاً – تأتي إلى رسول الله وتقول له يا رسول الله يُريدون أن يغزوا المدينة، الحارث بني أبي ضرار سيد بني المُصطلِق يُريد غزو المدينة وذبح الإسلام والمسلمين، فإذن سنتغدى بهم قبل أن يتعشوا بنا، والنبي – صلى الله على نبينا وآله وسلم تسليماً كثيراً – كان قائداً مُحنَّكاً ومُظفَّراً، فمُباشَرةً قال هيا، عليهم عليهم، فخرجوا لهذا السبب، والعجيب أن هؤلاء أيضاً ذكروا أن الرسول لما ورد على المُريسيع – هو ماء بني المُصطلِق، ولذلك تُسمى غزوة بني المُصطلِق أو غزوة المُريسيع، فماؤهم إسمه المُريسيع – أمر عمر رضى الله تعالى عن عمر – وقال له قم وناد القوم ألا كل مَن قال “لا إله إلا الله، محمداً رسول الله” عصم نفسه وأهله وماله، أي قولوها تعصموا أنفسكم، فقام عمر وقتل يا قوم، يا قوم – يُنادي – إلى آخره، فإذن هناك دعوة أم لا؟ هل الحرب عدوانية أم دفاعية؟ دفاعية طبعاً، فلا يُوجَد في عدوان في الإسلام، والأصل هو السلم، ومع ذلك يستشهد أحدهم بهذا الحديث الصحيح ويقول لك هذا الحديث في الصحيحين، لكنيا رجل هذه لقطة واحدة، وأنت أخذت لقطة فقط، وأنا لا ألوم على البخاري ولا على مسلم، فهكذا بلغهما الحديث، بلغهما كلقطة فقط، وتحدَّثا عن مُكاتَبة ابن عون لنافع، وهذا جيد وهو على العين والرأس، فهذا كلام صحيح وهذا ما حصل ولكنه ناقص، والنقص أخ الزيادة أحياناً، ولذلك حين تنقص الحقيقة بعض القسمات من المُمكِن أن تُشابِه الباطل، فهم يقولون لك هذا عدوان والنبي أخذهم وهم غارون، وهذا غير صحيح، وعموماً القاعدة هى إن كان بيننا وبين قومنا عهد أو ميثاق – مُوادَعة أو مُعاهَدة أو مُعاقَدة – وانتهى الأمد أو لم ينته ولكن بدت منهم الخيانة والخفر والخيس والنكث فهذا لا يعني أننا نعتدي عليهم، فهم خانوا لكن هل ندهمهم؟ لأ طبعاً، هذا غير صحيح، وهذا أمرعجيب، فما أعظم هذا الإسلام وما أعظم دينك يا محمد، هذا دين محمد في العصور الوسطى الهمجية، قال تعالى في الأنفال وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ – المفعول محذوف لأنه معلوم – عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ۩، لكن ما معنى فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ ۩؟ أي العهد الذي بيننا وبينهم، نقول لهم العقدة التي عقدناها قد حُلَت والعهد الذي بيننا انتهى، فبيننا منذ الساعة الحرب، فهل علمتم؟ نعم علمنا، وهذا معنى عَلَى سَوَاءٍ ۩، أي تستوي أنت وهم في العلم به، فكما أعلم أنه الآن نحن على شفا حرب هم يعلمون أيضاً، لكن لماذا يعلمون يا رب العالمين؟ الله قال لك هو هذا، فأنا ليس هدفي وليست غايتي الذبح وتكثير الدماء، بل بالعكس غايتي هى تقليم الأظفار وتأديب المُعتدي، والصليبيون في العصور الوسطى – كما قلت لكم – كانوا مثل كفار العرب، فكان يُوجَد هذا الخبيث الذي كان قاطعاً للطريق – عنده مدينة صغيرة وكان قاطعاً للطريق -، وهو بارون Baron فرنسي أو أمير فرنسي وكان يقطع الطريق على القوافل – مثل قوافل الحجاج – فيقتلهم ويذبحهم، وقد غره حلم صلاح الدين – رضوان الله على صلاح الدين – طبعاً، وفي يوم من الأيام وردت قافلة وردت من مصر وفيها أخت صلاح الدين فأخذها هذا التعيس وأخذ أخت صلاح الدين، فصلاح الدين جُنَّ جنونه وأقسم بالله يميناً مُغلَّظة ليفصلن رأسه عن بدنه، كيف تفعل هذا؟ علماً بأن صلاح الدين هو الذي علَّم أوروبا أخلاق الفروسية، فهل تعلمون هذا؟الفروسية الحقيقية تعلَّمتها أوروبا من المسلمين، لكن هل تعرفون ما هى أخلاق الفارس؟ الكرم والصفح والتسامح وعدم التمثيل بالجثث والعفو وعدم قتل الأبرياء، فلا يُوجَد لدينا حرب شاملة – لا يُوجَد عندنا حرب شاملة أبداً – في الإسلام، مثل الحرب العالمية الثانية التي كانت لآخر لحظة حرباً شاملة، فدرسدن Dresden الآن من أجمل مدن ألمانيا وفيها مُتحفها الشهير طبعاً لكن درسدن Dresden دمَّرها الأمريكان من عند آخرها وكانت ساقطة وليس فيها جندي نازي واحد، فلماذا دمرتموها؟ لماذا تفعلون هذا؟ دمروها لأن هذه حرب شاملة، فدمَّروها رغم أن ليس فيها أي جنود، كلهم مدنيون فقط، لكن هذه المدينة دُمِرَت من عند آخرها في الحرب العالمية الثانية، والآن يتكلَّمون عن محمد وعن رسول الإسلام وعن الإسلام، وهذاشيئ يغيظ حقيقةً!
قال الله فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ۩، فلا تُوجَد خيانة لدينا حتى ولو خانوا، لكن هل تعرف يا أخي المسلم ويا أختي المسلم ما هو شعار المسلمين؟ هم خانوا ونحن لا نخون، فشعارنا كان التالي: وفاءٌ بغدر خيرٌ من غدرٍ بغدر، تفضل إذن، وهذا – والله العظيم – مكتوب في كتبنا الفقهية، فمكتوب لدينا وفاءٌ بغدر- هم غدروا ونحن نُقابِل الغدر بالوفاء وهذا أمر عجيب – خيرٌ من غدرٍ بغدر، وسأضرب مثلاً والأمثلة كثيرة جداً على هذا:
عُمير بن سعد – رضوان الله عليه – يكتب إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى على – هو فاروق الإسلام، فالذي يُحِب الإسلام ويُحِب تاريخ الإسلام ويُحِب عظمة الإسلام وعظمة الإدارة والسياسة قطعاً سيعشق عمر، والذي يأتي ينظر فقط من خلال زاوية أنبوبية إلى أشياء مُعيَّنة سوف يشك في عمر، وأنت حُر طبعاً، لكن الذي يُحِب هذا الدين وعظمة هذا الدين سوف يفرح بعمر، فانظر إلى عمر وما فعله عمر للإسلام والمسلمين، رضوان الله على عمر، من أين لهذه الأمة مثل عمر الآن؟ ولا حتى واحد على ألف من عمر، على كل حال انظر إلى عمر، فهو رجل الدولة بحق، وأنا قرأت لرئيس وزراء سوريا في وقته فارس الخوري كلاماً رائعاً عنه، وهو من أعظم قانوني العرب وكان يُمثِّل العرب في المحافل الدولية، فالعلَّامة فارس الخوري أقول رحمة الله عليه وأترحَّم عليه رغم كونه مسيحياً لأن من المُرجَّح أنه مات مسلماً، وكان يذكر النبي ويُصلي عليه باستمرار، فشبه ثابت تقريباً أنه أسلم وهذا هو المُهِم، فهو أعظم دماغ قانوني عربي، وقد مثَّلنا في الأمم المتحدة سنين، فهو رجل سوري وكان رئيس وزراء سوريا في وقته، وعلى كل حال يقول فارس الخوري عمر رجل الدولة العظيم، فأنت حين تتكلَّم عن عمر فأنت تتكلَّم عن قامة غير عادية على الإطلاق في القانون الدولي العام والخاص، هذا هو عمر، فالقصة ليست قصة أن عمر كان يفعل كذا ويفعل كذا كما يقول البعض، لا يا رجل ليس الأمر هكذا، فما هذا التقزم؟ القزم ينظر إلى القزميات والعملاق ينظر إلى إلى العملقة، ولذا يقول فارس الخوري عمر رجل الدولة العظيم، فرضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – فيقول له يا أمير المُؤمِنين إن بيننا وبين عدونا من الروم – الروم أعداؤنا، أي بيزنطة لأن الروم أيامها هم بيزنطة، أي الإمبراطورية الرومانية الشرقية، فالغربية سقطت في القرن الخامس الميلادي قبل الإسلام – قريةً – أي مدينة كما نُسميها اليوم – يُقال لها عرب سوس – بيننا وبينهم عهد، وهؤلاء دخلوا في الذمة، أي ذمة المسلمين – بدت منهم الخيانة – هذا واضح بالأدلة – ويدلون عدونا على عوراتنا، أفنقاتِلهم؟ أفنناجزهم؟ فانظر ماذا قال عمر، ومن أين لك يا عمر هذا؟ أنت بالأمس كنت في الجاهلية وتشرب الخمر وتأكل صنم العجوة وتفعل الأفاعيل، لكن انظروا إلى أثر الإسلام، هذا هو الإسلام وهذه هى العظمة، فهذا مُهِم لكي تعرف مَن هو محمد، والآن يأتوننا يتكلَّمون في محمدنا، فلعنة الله على الجهل، نقول لعنة الله على الجهل فقط وشفاكم الله من مرض الجهل، فأنا أقول لكل أحد في الشرق والغرب شفاك الله من جهلك، والله العظيم لو كنت دارساً وعملاقاً مثل توب Taube وغير توب Taube فإنك ستعترف بالحقيقة يا رجل، لكن هل أنت تفهم في القانون الدولي كما يفهم هذا الرجل ؟ ومع ذلك يُقال لنا هؤلاء علَّمونا لأننا كنا برابرة ومن الهمج، وأنت تقول هذا لأنك لا تفهم شيئاً، ولذلك تطعن في نبيك وتطعن في دينك لأنك لا تعرف أي شيئ، فشفاك الله من مرض الجهل ومن لوثة الجهل، وعلى كل حال يقول له عمر كلا، فليس هكذا هو الإسلام، الإسلام رحمة والإسلام عظمة، هذا الدين ليس مُتعطِشاً للحروب والدماء، فقال له لا تُناجِزهم، ولكن أعطهم بدل الشاة شاتين وبدل البعير بعيرين وبدل الشيئ شيئين، أي بدل البيت بيتين وبدل الشاة شاتين وبد البعير بعيرين وهكذا في كل شيئ، أي ضاعف لهم وأجلهم، قل لهم اطلعوا من هنا، فأنتم أصبحتم عملاء على الدولة المسلمة، وبالتالي ممنوع أن تُقيموا في هذه البلدة وسوف تخرجون منها لأنكم نقضتم العهد، ولكن سنُعطيكم وسنُعوِّض عليكم بضعفين، وهذا أمر عجيب، ثم قال فإن رضوا بذلك وقبلوا منك فأعطهم أياه ثم أجلهم، وإن أبوا – أي قالوا لن نخرج وسنظل هنا ونحن خونة وسندل عليكم لأننا نكرهكم، علماً بأن لدينا القدرة على الرد لكن ماذا قال عمر؟ هل ناجزهم؟ -أمهلهم سنةً ثم ناجزهم، فيا سلام يا فاروق، الله أكبر يا أخي، ما هذه الرحمة؟ من أين هذه الرحمة؟ طبعاً من نبيه الذي قال الله عنه وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩ ومن هديه ومن كتابه الكريم، هو هذا إذن، فهذه أمة البدو والصحراء لكنها تعلَّمت هذا.
في خلافة مُعاوية بن أبي سفيان – أول خلفاء بني أمية – يقول الرواة كما رواه أبو داواد والترمذي في السُنن أن كان بينه وبين قوم من الروم عهدٌ وعقدة فانتظر معاوية أمدها – أي انتهاء أمدها لأنه يعرف أنها سوف تنتهي بعد شهر أو شهرين وما إلى ذلك – فجعل يُسيِّر الجيوش إليهم، فهو يُريد أن يدهمهم لحظة ما تنتهي الهُدنة مُباشَرةً، فاقتربوا – اقترب من حدودهم – لكي تبدأ الحرب مُباشَرةً، أي لا يُوجَد شيئ إسمه إعلان حرب وأن أعطيك مُدة، لا يُوجَد لديه قول الله فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ ۩، فهو قال سوف ننتظر حتى تنتهي هذه المدة ونحن حفظناها، فسمع القوم – في الجيش يجلسون في سرية تامة – رجلاً على فرس يقول الله أكبر، الله أكبر، وفاءٌ لا غدر، وفاءٌ لا غدر، أي أنه قال هذا غدر، فهو مُسلِم وقال أن هذا لا يجوز، لكن مَن أنت؟ أنت جُندي، وهذا مُعاوية يا رجل ويستطيع أن يُنهي حياتك، لكنه قال هذا لا ينبغي أن يحصل، فهذا دين، وهذا المُراد من قوله الله أكبر، الله أكبر، وفاءٌ لا غدر، وفاءٌ لا غدر، فأرسل إليه معاوية لكي يقول له ما الذي تقوله هذا؟ هل أنت تدل علينا وتقول أنه غدر؟ ما القصة؟ فإذا هو عمر بن عبسة صاحب رسول الله، وهو صحابي تعلَّم في مدرسة محمد، والآن يتحدَّثون عن القانون الدولي، فانظروا كيف تأسَّس القانون الدولي، هذا الصحابي تعلَّم في مدرسة محمد، وقد قال له مُعاوية ما الذي فعلت؟ فقال سمعت رسول الله – هذا هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – يقول مَن كان بينه وبين عدو عقدة فليشد عقدتها – أي عهد وميثاق – حتى تنتهي أو ينبذ إليهم عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ ۩، فأمر معاوية الجيش أن يعود، وقال هذا هو الدين، فماذا نفعل؟ هذا الرجل سوف يدل علينا الناس!
أغرب من هذا هو ما تعلمونه جميعاً وجمعاوات، فحين فتح الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي – سمرقند – فيها قبر تيمورلنك الآن – فتحها من غير أن يُعلِمهم، لكن في الإسلام يُوجَد إعلان حرب، وقد يقول لي أحدكم هذا موجود في الدنيا كلها، لكن هذا غير صحيح، فهذا – والله – لم يكن موجوداً، هل تعرفون متى اعترفت أوروبا ومتى عرفت إعلان الحرب؟ في مُؤتمَر لاهاي في ألف ثمانمائة وتسع وتسعين لأول مرة، ولكنها لم تستوثق من هذا تماماً، حتى عادت ألف وتسعمائة وخمس في الاتفاقية الثالثة – في المادة الأولى من الاتفاقية الثالثة – وتحدَّثت لأول مرة عن وجوب إعلان الحرب، فلابد أن تعلن الحرب إذن، وقالت هناك دول مُحايدة – في النصف – أيضاً، وهذه الدول المُحايدة يجب أن تعلم لئلا تضطرم الحرب، وإذا أردت أن تعبر وأنت أقوى يجب أن تستأذن منها، فهذا حدث حينها لأول مرة، لكن الإسلام يعرف هذا منذ البداية ومن أول يوم، وهذا شيئ غريب، ولكن أن تتخيَّل هذا، وعلى كل حال هذا في مطلع القرن العشرين، وقامت هولندا قالت هذا جميل وجيد، فهذا سوف يجعل الحرب أكثر عدالة، ولكن حين نُعلِمهم بالإعلان علينا أن نُعطيهم فرصة أربع وعشرين ساعة لكي يستعدوا، فرفضت كل الدول الأوروبية وقالوا لا، لكن الإسلام يُعطي كم؟ كم أعطى عمر؟ سنة، فعمر أعطى سنة كاملة.
شمس الأئمة الإمام السرخسي – أختم الآن لأن للأسف أدركنا الوقت – هو علَّامة الأحناف في وقته – رحمة الله تعالى عليه – وهو مُجتهِد عظيم وهو شارح كتاب السير الكبير لمحمد بن حسن الشيباني، لكن لماذا ذكرت هذا؟ سأذكر لكم بعد قليل، فهذا الكتاب أول كتاب يُؤلَّف في العالم في القانون الدولي، وإسمه السير الكبير، وهو مطبوع الآن في مُجلَّدات وقد حُقِق بفضل الله عز وجل، وهو كتاب عجيب ولطيف جداً، فماذا يقول شارحه السرخسي؟ يقول يحسن بالأمير أو بقائد الجيش بعد أن يدعوهم – الآن قامت أسباب الحرب، فأسباب الحرب مُتوفِّرة – إلى الإسلام أن ينتظر، فإن أبوا فإنه يُستحسَن بعد ذلك أن يُبيتهم ليلة بلا حرب، أي بلا قتال وبلا أعمال قتالية، ليُفكِّروا في أمرهم لأنهم ربما راجعوا أنفسهم، فحتى في آخر لحظة لا يُوجَد حرص على القتال، فانظر إلى تفكير المسلمين، وبالنسبة لكتاب محمد بن الحسن فهو أول كتاب – كما قلنا – في هذا الفن، وسبب تأليفه لطيف، فقد ألف في البداية السير الصغير، لكن لماذا السير “جمع سيرة” إذن؟ ما معنى سيرة؟ ليس فقط سيرة الرسول، نعم مُؤسَّسة على سيرة الرسول بالذات طبعاً ولكن سير هى جمع سيرة، وهى طريقة المسلمين الحسنة أو الحُسنى – بفضل الله – في مُعامَلة غير المسلمين، سواء – كما قلنا – في بلادهم أو خارج بلادهم، وسواء كانواأفراداً أو جماعاتٍ، أي ان هذ يتعلَّق بالقانون الدولي الخاص والعام، فهذه إسمها سيرة وتُجمَع على سير، وعلى كل حال هو ألَّف السير الصغير – علم القانون الدولي العام والخاص – فوقعت نُسخة في يد الإمام الأوزاعي – عبد الرحمن الأوزاعي رحمة الله عليه – فقال ما لأهل العراق والتأليف في هذا العلم؟ أي ما دخلهم في السير؟ وإنما كانت مغازي رسول الله وأصحابه – أيام الرسول – من هذه الجهة – أي الشام والحجاز – والعراق مُحدَثةٌ فتحا، أي أنهم لا يعرفون شيئاً عن هذا المجال، فهم ليس لديهم خبرة عملية، لأنها لم تكن من بلاد الفتوح أيام الرسول، فأثَّرت الكلمة وحزت في نفس محمد بن الحسن وقال يعني هل هكذا هى الحكاية؟ هذا علم في الكتب نقرأه ونتروَّى ونتأثَّر الآثار، فعزم على تأليف كتاب أوسع وأحفل ومن ثم وضع السير الكبير، وأتى بالأدلة طبعاً، وهو كتاب عجيب جداً جداً جداً، وكما قلت لكم هذه الأمة عجيبة – سبحان الله العظيم – فعلاً، فوقع في يد الأوزاعي مرة أخرى هذا الكتاب – أي السير الكبير – فنظر فيه وفي أدلته وقال لولا ما أتى به من الأحاديث – هذا الرجل أحاديثه نبوية صحيحة وكثيرة جداً، فهو لديه علم هائل وعلم دفَّاق – لقلت إنه يصنع العلم من نفسه، أي أنني كنت سأقول أنه يُؤلِّف العلم تأليفاً من عنده أو من عندياته، لكن هذا ليس من عندياته لوجود أدلة، فهو اعترف إذن بهذا، وهذا يدل على الإنصاف، فالأوزاعي اعترف الآن بأنه أصبح كالتلميذ عند محمد بن الحسن، وقال أن لديه هذا العلم الواسع، وعلى كل حال هذا أول كتاب في تراثنا في هذا العلم الحفيل في هذا الصدد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أختم بحديث يحكي قصة لطيفة جداً عن مُعامَلة رسول الله لأحد رعيته من أهل الذمة، فهو لم يكن مسلماً بل كان يهودياً، كان حبراً من أحبار يهود ويُدعى زيد بن سعنة:
يقول زيد بن سعنة رأيت مرةً أعرابياً جاء إلى النبي وقال يا رسول الله أنا فلان أتيتك من بلاد كذا وكذا – بلاد في الجزيرة العربية – وقد أسلم الناس هناك – أسلم الناس وتمت -، قلت لهم أسلموا ترزقوا بالليل والنهار ويأتيكم رزق الله رغداً فقحطوا – أصابهم القحط – وأنا أخشى أن يرتدوا يا رسول الله، فلو أنك أغثتهم – انظروا إلى هذا الأعرابي الطيب الذي يُحِب هداية الناس، فهو يقول للرسول أن لديهم شكوى وهم حدثاء عهد بإسلام ومن ثم يُريد أن يُغيثهم -، يقول اليهودي الحبر زيد بن سعنة فنظر رسول الله إلى رجل أُراه عمر – أي أظن أنه عمر – فقال له عمر ما بقى منه شيئٌ يا رسول – هناك شيئ بينهما وفي الأغلب هو مال لكن عمر قال له لقد ذهب كله، لأن النبي كما قلنا لا يُبقي شيئاً ويُؤزِّع كل شيئ -، قال زيد بن سعنة فقلت له يا رسول الله أو يا محمد بعني كذا وكذا كيلاً من نخل أو تمر بني فلان بثمانية مثاقيل – وهذا نوع من السَّلَم أو السَلَف، فالتمر لا يُوجَد الآن ولكن سيُوجَد بعد ذلك، فهو يقول له سوف أعطيك الآن وأنت سوف تُعطيني بعد ذلك – فقال لا أبيعك يا يهودي هكذا – انظروا ماذا قال النبي رغم أنه كان محتاجاً إلى الأموال لكي يُثبِّت عقدة الإيمان عند هؤلاء حدثاء العهد بالدين – ولكن أبيعك كذا وكذا كيلاً من تمر، ولا أُسَمِّي حائط بني فلان، فالنبي عنده قاعدة تقول مَن أسلم فليُسلِم في كيلٍ معلوم أو وزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم، دفعاً لما يُمكِن من الغرر، وهذه القضية معروفة طبعاً، وعلى كل حال هذا إسمه بيع السَلَف أو السَّلَم، قال زيد فوافقته وأرسلت همياني – فتح كيس النقود – وعددت له ثمانية مثاقيل، فأخذها وأعطاها لعمر وقال اذهب يا عمر إليهم فأغثهم بها – صلى الله على مُعلِّم الناس، قال الله عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، فهو يُحِب أن ينجو الناس جميعاً، وتقريباً هذا دَين أو شبه دَين -، ثم قال زيد فأتيته قبل الأجل بنحو ثلاثة أيام – هذا اليهودي قال تعمدت هذا – وقلت له وهو بين أصحابه وفيهم عمر يا محمد أعطني مالي – أي التمر رغم أنه أتى قبل ثلاثة أيام – ولا ترث علىّ فما علمتكم بني عبد المطلب بمُطل، وإن لي بمُعامَلتكم لعلم، وفي رواية أنه حكى العكس وقال أنهم مُطل، ولكن هنا قال هذا، وقد يكون هذا الأرجح، وعلى كل حال قال مُستتلياً فنظر إلىّ عمر بغض وقال أي عدو الله أتواجه رسول الله بمثل هذا القول؟ لولا خشية ما أحاذِر فوته لضربت عنقك بالسيف، فنظر النبي إلى عمر بوداعة وقال يا عمر قد كنت أنا وهو أحق منك – أولى – بغير ما قلت، أن تأمره بحسن الطلب – تقول له ليست هكذا تكون اللهجة التي تتكلَّم بها مع أي إنسان – وأن تأمرني بحسن الأداء – انظروا إلى كلام رسول الله رغم أن هذا ليس وقت السداد، ومع ذلك قال أسلوبك غير صحيح يا عمر، فهذا العنف غير مقبول-، اذهب إليه وأعطه وكِلّه – أي الكيل، ولا ندري كم كيلاً – وأعطه كذا وكذا – أي كيلاً زائداً – مكان ما روعته، أي أنك خوَّفته، فإذا كنت ستُعطيه خمسين كيلاً أعطه – مثلاً – ستين كيلاً الآن لأنك خوفته، وهذا هو معنى قوله مكان ما روعته، علماً بأنه لم يسمع الكلام هذا لأن النبي كان يتحدَّث مع عمر، وعلى كل حال قال فذهب بي عمر وكال لي وزادني، فقلت ما هذا يا عمر؟ قال النبي أمرني بهذا مكان ما روعتك – أي أنا خوفتك فلازم نُعوِّضك، يا سلام على العظمة، لك أن تتخيَّل هذا، فالنبي يفعل معه هذا بعد قلة أدبه معه وبعد أن أتى قبل ميعاده بثلاثة أيام -، فقال هو قال هذا؟ قال نعم، فقال يا عمر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا عمر أنا زيد بن سعنة، فقال الحبر؟ قال فقلت الحبر – فزيد بن سعنة الحبر رجل معروف لكن عمر كان يعتقد أنه كان يهودياً عادياً، لكنه قال له أنا زيد بن سعنة، فقال الحبر؟ قال فقلت الحبر -، قد قرأت الكتب السالفة ووجدت فيها وصف محمد، وما من صفةٍ إلا وجدتها فيه وخبرتها إلا اثنتين، فأحببت أن أختبرهما واليوم وجدتهما، فما هما؟ قال حليمٌ – رجل حليم، فأصله حليم وأخلاقه الحلم عليه السلام – ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فانطلق إلى رسول الله – يقول عمر – وأسلم زيد بين رسول الله، وهذا داخل في القانون الدولي الخاص فانتبهوا، لأن مُعامَلة غير المسلم تدخل في القانون الدولي الخاص، وهكذا كان يُعامِل النبي الرعية.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الميامين ما ذكره الذاكرون وما غفل عن ذكره الغافلون.
صل عليه في الأولين وصل عليه في الآخرين وصل عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين وزده تشريفاً وتكرمةً ومهابةً وبراً.

انتهت الخُطبة بحمد الله

فيينا (28/9/2012)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: