إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۩ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۩ نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ۩ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۩ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۩ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأحباب، أيتها الإخوات الفاضلات:

كثيرةٌ هى الآيات والأحاديث التي تُوجِّه أنظار المسلمين وتستحث عزائمهم على مُعالَجة الأمور والتعاطي معها بالرفق وبالليان، وهذه الآية رأسٌ في هذه النصوص، قال الله وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ – وهى آية على إطلاقها فلم تُحدِّد مجالاً مخصوصاً لعملها وشُغلها، إنما هى عامة ومُطلَقة هكذا – فَإِذَا الَّذِي – الذي إسم موصول من ألفاظ العموم، لأن الذي والأسماء الموصولة عموماً هى من ألفاظ العموم – بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۩ سواء من أهل الدين والمِلة أو من غير أهل الدين والمِلة، وعلى مُستوى الحاكم وعلى مُستوى المحكوم، عالماً كان هذا الخصمُ أو جاهلاً، هكذا تعم وهى مُطلَقة، فتعم الأشخاص وهى مُطلَقة في أحوالهم وصفاتهم.

الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – يقول في الحديث الذي نتحفَّظه جميعاً “إن الله ليُعطي على الرفقِ ما لا يُعطي على سواه”، فالرفق هو البديلُ الأحسن والخيارُ الأفضل وهو النهجُ الآمن والأقصر وربما الأسرع، لذا يقول النبي “إن الله ليُعطي على الرفقِ ما لا يُعطي على سواه”.

يحتجُ أُناسٌ في الشرقِ والغرب هنا وهناك على مثل هذه التقدمة بأن الإسلام لا يسوغُ له أن يتحدَّث بإسم هذه المباديء لأنه دينٌ عنيف، لكن أين العنف في الإسلام؟ العنف لم يرد في الكتاب والسُنة إلا مشروطاً، من باب الرد على عنف الآخرين حين لا تكون مندوحة ولا تُوجَد مندوحة ولا تُتاح لنا مندوحة ولا مناص، إما أن نرد وإما أن نفنى من عند آخرنا، وهذا ما حدث مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – حين ترك لهم مكة ولاذ بدينه هو ومَن معه مِن أصحابه الأوفياء – رضيَ الله تعالى عنهم – إلى المدينة، فلحقوه هناك وأرادوا أن يستأصلوا شأفته ثم تألَّبوا عليه في الأحزاب وأرادوا أيضاً ألا يُبقوا له ولا لدينه وأتباعه باقية أو مِن باقية، فماذا كان بوسعه أن يفعل؟ ومع ذلك يتحدَّثون عن العنف هؤلاء الخرَّاصون والأفَّاكون والكذبة، فهذا كذب، هذا كذب على النفس وكذب على الحقائق، فلا ينبغي للمرء أن يتواقح إلى هذه الدرجة، وفيما عدا ذلك الإسلام هو دين السلام، ولا يُوجَد دين يشترك مع السلام في حروفه – في حروف عنوانه – كالإسلام، والمادة لعلها واحدة (سَلَمَ)، فهذا هو الأصل وهذه الحروف الثلاثة الإصلية للإسلام وللسلام، وتحية المسلمين ولا تحية لهم سواها هى “السلامُ عليكم”، أي أننا نقول “السلام”، فلأنني مسلم السلام هو جوهري وهو رسالتي وهو فطرتي وهو نزوعي وهو أملي وهدفي وحُبي لكي يعم السلام العالمين، قال الله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩، “السلام عليكم” تحية كل مَن لم تتأكله أو تتآكله العصبية يحترمها ويخشع أمامها، فأجمل تحية على وجه الأرض هى “السلام عليكم” لأن هذه البشرية أكلتها الحروب والنزاعات وأشكال التمييز المُختلِفة إلى اليوم، بضع مئات فقط من السنين هى التي شهدت السلام والاستقرار، لكن ألوف السنين كانت رحى حرب ضروس ومعمعة حمراء طحنت اللحم والعظم والدم والكبير والصغير وشكَّلت أكبر الانقطاعات بين الشعوب والحضارات والثقافات ،وأرهقت مسيرة البشرية، وإلى اليوم لا تزال هذه البشرية مكدودة موعودة مُجهَضة الآمال والتطلعات الحقيقية، وهذا هو المُشترَك الأعظم بيننا وبين الحيوان، فالخيار الأقصر والأفضل للحيوان العنف ولذلك تُسمى المُفترِسات وتُسمى الوحوش وتُسمى الضواري، فالمُشترَك الأعظم بيننا وبينهم هو هذ، ولذا يوم نرتفع عنه تتحقَّق إنسانيتنا ونُثبِت أن أمامنا إمكانيات وبدائل مُختلِفة لهذا العنف الأحمر الضاري القاني إذن فنحن بشر على جميع المُستويات، يوم نتخفَّف ونتحلَّل من العنف ونتخذ ونصطنع وسائل أُخرى في إدارة صراعاتنا وتنافساتنا التي لا تبلغ حد الصراع – في إطار التنافس – إذن نحن بشر، نحن حينها وعندها بشر ولسنا حيوانات ولسنا مُفترِسات ولسنا وحوشاً حينها فقط، وبدونها نبقى وحوشاً ونبقى حيوانات بمعنى أو بآخر.

إذن العنف عنفٌ مشروط، وأنا على يقين أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان يعلم أن هذا العنف المشروط ما منه بُدٌ، وإلا الذي كان يصبو إليه الرسول هو أن يُلغي هذا العنف كله من أصله ويختفي العنف وتبقى الحكمة هى الرائد ويبقى الحوار هو الوسيلة الأكثر فعاليةً لإدارة صراعاتنا، ولكن مَن يرضى بهذا؟ محمدٌ يرضى بهذا أما الآخرون فلم يرضوا به، ولكن هناك مُلاحَظة أُخرى سجَّلتها قبل بضع سنين في خُطبة لي عن العصيان المدني وأيضاً عن اللاعنف – لا أدري ماذا أسمها ولكنها عن هذا الموضوع – وهى أن وفقاً لمبدأ الاقتصاد في التفكير والتحليل والتعليل أو ما يُعرَف بنصل الأوكام Occam’s Razor – وأنا أميل جداً إلى هذا المبدأ وهو مبدأ علمي وجوهري حقيقي – إذا كان لدينا مجموعة ظواهر تُفسَّر بسببين ويُمكِن تفسيرها بسبب واحد فإن السبب الواحد هو الأصح والأكثر علميةً، ومن ثم يجب أن ننتبه إلى هذا، وإلا لا يكون هذا تفسيراً علمياً وبعد ذلك يسقط بعض الناس في تفسير كل ظاهرة بأسباب خاصة وتائهة، فهذا ليس تفسيراً ولكن هذا أقرب إلى الوصف التائه والحائر!

لاحظت في خُطبتي تلك قبل بضع سنين أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – منع في مكة منعاً باتاً ولم يُتِح مجالاً لهامش ولو ضيّق جداً للرد على اضطهاد المُشرِكين وعلى عنفهم المُمنّهَج لإنهاء المُعسكَر المُؤمِن الوليد لا يزال، فشهداء سقطوا وحدثت العذابات والمرائر والإهانات والإذلالات والطرد والتهجير، فهناك هجرتا الحبشة الأولى والثانية ثم بعد ذلك الهجرة الأخيرة، ومع ذلك الرسول مُستعصَمٌ بالعفو ومُستعصَمٌ بالمُسامَحة ومُستعصَمٌ بالصبر وداعٍ إلى ذلك، والتعليل الذي درجنا على أن نتلقَّنه للأسف – لا أقول نستنبطه لأننا لم نستنبطه، نحن فقط لُقِّناه، وأحسب أنه تعليلٌ خاطيء – أن المسلمين كانوا قلة وكانوا في ضعف ولو قد ردوا لفنوا ولاجتُثَت خضراؤهم، وهذا غير دقيق، وإلا لماذا أمَّنهم حين عاد إلى مكة وفتحها وهم لا يزالون إلى الأمس القريب ينقضون العهود والمواثيق وينصبون له الحرب العوان؟ قال رسول الله مَن دخل بيته فهو آمن، وهذا أمرٌ عجيب وأسلوب غريب في التأمين، ادخل بيتك وأنت آمن أو ادخل بيت أبي سُفيان – وكان يُحِب الفخر وأراد النبي أن يُغذّي هذا الفخر الكاذب في هذا الرجل – فأنت آمن أيضاً، ثم يُعلِن العفو العام بلغة العصر ويقول اذهبوا فأنتم الطُلقاء، فلماذا لم يُعمِل فيهم السيف أو في أنفار كثيرين منهم؟ لم يفعل هذا أيضاً مرة أُخرى وهو الأقوى والأكثر عُدةً وعديداً، وأيضاً في المرحلة المُتوسِّطة بين هاتين المرحلتين وبين هاتين اللحظتينفي المدينة – وقد كان سيد المدينة وإمامها ورأسها ومسموع الكلمة ومهيب الجانب وحصيناً – نهاهم وأمرهم بالكف عن المُنافِقين الذين آذوه في أهله وفي شخصه وفي ذمته ودينه وأمانته، والذين خذلوه في أكثر من واقعة وما واقعة أُحد ببعيدٍ منا، وهم خذلوه في أُحد وفي غير أُحد، فخذلوه وانخذلوا بثُلث الجيش، وهذه خيانة عُظمى ومع ذلك لم يقتلهم ولم يأذن بقتلهم، أكان ضعيفاً؟ أكأن قليلاً؟ التفسير الوحيد الذي يستطيع أن ينجح في الحالات الثلاث هو أن النبي لم يكن وليس من شأنه أن يكون بتةً مع إشعال نار حرب أهلية داخل البلد الواحد وداخل الأمة الواحدة، فهذا لا يجوز وإن اختلفت الأديان والأيدولوجيات، هذا مُشرِك وهذا مُوحِّد، هذا مسلم صادق وهذا مُنافِق وهذا مُشرِك إلى عهد قريب بل إلى الساعة، وشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله تعالى عليه – أثبت بالبرهان خطأ الفكرة الشائعة لدى كثيرين من مُؤرِّخي السيرة وكاتبي تاريخ المسلمين، وهى الفكرة التي ترى أن النبي كفَّ عن أهل مكة لما أسلموا، وهذا غير صحيح، ولذا قال “كفَّ عنهم كما هم، ثم هم اختاروا أن يدخلوا الإسلام طواعيةً”وهذا هو الصحيح، ولكن عُلِّمنا أنه قال لهم إما أن تُسلِموا وإما السيف وهذا غير صحيح، أين هذا؟ هذا كذب عن رسول الله، فالنبي كفَّ عنهم وقال “اذهبوا فأنتم الطُلقاء”، أي كيف شئتم، وهم انحازوا إلى الإسلام طواعيةً بعد كل هذا العفو والليان والمُسامَحة وسعة الصدر وانفساح العطن لأول مرة، وهذا شيئ عجيب فقد قهرهم بهذا العفو وبهذا الإحسان وبهذه العظمة، فهذا هو الصحيح، والتفسير الصحيح وفي نظري الوحيد هو أن النبي ليس مع حرب أهلية، ولذلك علينا أن ننتبه إلى أن النبي الذي تحدَّث عن مُضي الجهاد إلى يوم القيامة وأخبر أنه لا يُبطِله جور جائر ولا عدل عادل والذي أُنزِلت عليه آيات الجهاد وهن كثيراتٌ مُبارَكات هو الذي تحدَّث عن أعظم الجهاد وأحسنه وخيره وأكرمه وهوكلمةُ حقٍ عن سُلطانٍ جائر، فكيف إذن يقول كلمة؟ فلماذا لا تأذن لنا أن نخرج بسيوفنا على الجائر؟ النبي رفض هذا وقال لا، ففي داخل الأمة الواحدة دائماً لابد أن ننحاز إلى أساليب أُخرى في التغيير، أما السيف فلا، فالسيف عنف مشروط فقط ضد مَن يعتدي علينا من خارج، لكن ماذا لو اعتدى بعضهم وشكَّلوا حزباً أو طائفةً أو ميليشيا – كما يقولون – داخلية لسبب أو لآخر وكانوا مدعومين من الداخل ومدعومين من الخارج وأرادوا إشعال حرب أهلية؟ في هذه الحالة نحن مأمورون بالأحاديث التي تكاد تتواتر معنوياً – ليس حديثاً واحداً أو اثنين – أن نكف أيدينا وأن نرضى بالقتل، نعم سنُقتَل وسنُذبَح على أيدي إخواننا في الوطن، ولكن لن نرفع السيف في وجوههم ولن نرد عليهم، وستفشل الخُطة وستنتهي الحرب الأهلية سريعاً سريعاً، فالنبي أمر بهذا وبشكل واضح وقال حتى إذا خشيت على نفسك فألق عليك ثوبك هكذا – أي على وجهك – واتركه يقتلك ويذبحك وأنت لا ترى إن خشيت أن يبهرقك شُعاع سيفه، وهذا أمرٌ عجيب، فكيف هذا؟ هذا دين العز وهذا دين الكرم وهذا الدين الذي لا يقبل بالبخوع أي لغير الله ولا بالذل ولا بالخضوع لغير العزيز الواحد فكيف يقول هذا؟ نعم داخل الأمة الواحدة هذا مرفوض، والعرب الآن في هذا العصر جرَّبوا كثيراً هذه الوسائل العنيفة والخروج العنيفة على بعضهم البعض أو على حكّامهم، وفي مُعظَم الأحوال يفشلون ويدفعون ثمناً مُراً وتسوء الأوضاع، وجماعات الجهاد وبالذات في مصر التي أنجزت مُراجَعاتها أدركت هذا، وهذه خُطوة مُبارَكة تُذكَر فتُقدَر وتُشكَر، وأنا قرأت بعض هذه المُراجَعات ولفت نظري أنهم أنجزوا مُراجَعاتهم في ظلِ منظورٍ فقهيٍ تقليدي وأعادوا النظر في تأويل وتفسير وفهم بعض النصوص والقواعد، وهذا جيد ولكنه لا يكفي، كان عليهم لو لم يكونوا مُنفصِلين عن هذا العالم وغير دارين بما يجري فيه وبما جرى أن يفعلوا أكثر من هذا، والقرن العشرون بالذات المُنصِرم اهتزت فيه الخارطة السياسية الدولية أو الدولتية اهتزازاً عنيفاً لأول مرة، فلم يشهد قرن قبله عبر تاريخ البشرية مثل هذه الاهتزازات، ولكن يبدو أن أمتنا نائمة ولا تدري بما يدور في العالم، كالذي دخل – وهذا ما كنت أُحدِّث بعض أحبابي به قبل أيام – وسقط في كومة Coma وفي غيبوبة، ولنفترض أن طبيباً جرَّاحاً – مثلاً – دخل في غيبوبة واستيقظ بعد خمس عشرة سنة، فحين يستيقظ سيجد نفسه غريباً في وعن عالم الطب والأطباء، سيسمع بالاستنساخ وسوف يقول استنساخ ماذا؟ ما هو الاستنساخ؟ ومن ثم سوف يقولون له كيف لا تعرف الاستنساخ؟ الاستنساخ هو كذا وكذا وكذا وكذا والخلايا الجذعية كذا وهذه عُولِج بها كذا وكذا، فهذه ثورة شبه إعجازية في عالم الطب والعلاج، لكنه لا يعرف شيئاً لا عن خلايا جذعية ولا عن استنساخ ولا عن أشياء كثيرة مثل بعض التقنيات الطبية المُتطوِّرة جداً جداً جداً طبعاً، فلا يكاد يعرف عنها شيئاً، فخمس عشرة سنة في عالم مُتسارِع النمو ومُتسارِع التطوّر والتغيّر كفيلة بأن تجعل هذا الطبيب غريباً وأشبه بجاهل عن عالم تخصّصه، فكيف بأمة عاشت قرناً كاملاً ولا ندري ما الذي جرى وما الذي يجري في العالم؟ وإلى الآن ترى كثيرين من الإسلاميين – والحمد لله ليس الجميع بفضل الله ولكن أكثر هؤلاء، أي أكثر إخواننا من الإسلاميين – لا يزالون يتوسَّلون المنظورات الفقهية التقليدية التاريخية، وقد تغيَّرت أشياء كثيرة، فبُنى المُجتمَعات تغيَّرت والبُنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وطبيعة الدولة وطبيعة أنظمة الحكم تغيَّرت إلى حد بعيد جداً جداً، وطبيعة العلاقات بين الدول ومدى استقلال مبدأ السيادة اختلف، ورأينا تحت إسم التدخل ما الذي جرى في دول وأنظمة كثيرة جداً، فكل شيئ تغيَّر في العالم تقريباً وبالتالي لا يُمكِن أن نتوسَّل نفس الأفكار والنظريات أو المنظورات القديمة في التغيير مثل السيف مثلاً، فهذا لا يُمكِن ومع ذلك تجد مَن يقول لك هذا هو الجهاد وهذا جهاد داخلي، وهو ليس جهاداً وإنما هو عنف، وهو ليس ثورة بالمعنى الإيجابي وإنما هو فوضى – والعياذ بالله – تدفع الأمة كلها ثمنها طبعاً، ولذلك حتى لو وصل بعض هؤلاء إلى الحكم لن يعكسوا نموذجاً مُشرِّفاً لأن عقليتهم مُتأخِّرة، فالعقلية مُتخلِّفة عن العصر لأنهم لا يُفكِّرون بعقلية العصر ولا يتوسلون المنظورات الجديدة في التغيير والتعاطي وإدارة الشؤون العامة وغير العامة، ولا علاقة لهم بهذا، فما الذي حصل؟ كلنا شهدنا في مُنتصَف هذا العقد من الألفية الثالثة – العقد الأول من الألفية الثالثة – ما عُرِف بالثورات الناعمة – Soft Revolutions – أو الثورات المُلوَّنة – Coloured Revolutions – أيضاً، وطبعاً يأتيك مثل أخينا فيصل القاسم أو غيره ويقول لك هذه مدعومة من الغرب، وإذا أردت أن تقع على دراسات ومُترجَمات وأشياء مُمتازة ضد الثورات المُلوَّنة والثورات الناعمة اذهب إلى الأنظمة العسكرية الديكتاتورية في العالم الإسلامي فالدراسات كثيرة على مواقع على الإنترنت Internet الرسمية وغير الرسمية، وطبعاً سوف تكشف لك المخبوء وستقول أن هذه كلها ثورات غربية وثورات أمريكية بالذات، وسوف يقولون لك انظر إلى الديكتاتور الذي ذهب وما إلى ذلك، ولكن طبعاً لا يسمونه ديكتاتوراً وإنما يقولون الرئيس، وأحياناً يُسمونه بالرئيس المُنتخَب وهو طاغية يحكم من عشرين وثلاثين سنة مثل إلياف – مثلاً – في أذربيجان، هفذا طاغية كبير ولا يزال، هذا طاغية عظيم مُخيف وهو عميل للغرب، ولذلك الغرب عمل على إبقائه أيضاً، فلندن وباريس ونيويورك وواشنطن عملت على إبقائه لأنه الضمانة الوحيدة لتنفيذ عقود البترول مع عواصم الغرب في أذربيجان، وهذا أمرٌ معروف، ولكن هناك نماذج أُخرى كثيرة، ومن بين هذه الثورات نستطيع أن نقول أن نسبة النجاح تصل إلى حوالي خمسة وسبعين في المائة، وهذه نسبة ساحقة وغير عادية وتلزنا لزاً أن نُعيد النظر في هذه الأشياء، فهل هناك طريقة جديدة أو يبدو أنها طريقة جديدة مُبتكَرة لإزعاج النظم العسكرية والنظم الديكتاتورية ونظم الاستبداد والقهر وإخضاع الأمة ومُصادَرة كل شيئ يخصها؟ فالأمر لا يقتصر فقط على مُصادَرة الحريات وإنما على كل شيئ، حتى ولو لقمة العيش وحتى الحق في الحياة، فهناك القتل بلا حساب وبلا محاكم وأحياناً بمحاكم عسكرية وهذا وضع مُزرٍ ومُخيف جداً، في حين أن العالم يتحرَّر، فهل سيكون الطاغية لدينا ألعن وأكثر فتكاً من ميلوشيفيتش Milošević – مثلاً – الصربي؟ هذا الطاغية كان رهيباً، وهو طاغية دموي – سلوبودان ميلوشيفيتش Slobodan Milošević – ولكنه سقط، ومَن الذي أسقطه؟ مجموعة طلّاب أقل من عشرة بدأوا يعملون ويُفكِّرون ويقولون لابد أن نعمل شيئاً فلا يُمكِن أن نبقى خاضعين وقانعين لهذا الطاغية المجنون المُنفلِت العقال، عشرة من الطلّاب بدأوا بواحد وازدادوا في ربيع ألفين وأصبحوا أكبر حزب مُعارَضة، ولكن هو ليس بحزب مُعارَضة وإنما حركة احتجاج و حركة مُقاوَمة، وهى حركة أوتبور Otpor – Otpornost تعني مُقاوَمة، أوتبور Otpor تعني مُقاوِم أو مُقاومَة أيضاً باللغة الصربوكرواتية – التي وصل عدد مَن انتموا إليها في ربيع ألفين إلى سبعين ألفاً، فكانت أكبر حركة مُعارَضة وكانت الأقوى في الساحة الصربية وأسقطت الطاغية وانتهى كل شيئ، فهم في ليلة الانتخابات بعثوا إلى أربعين ألف شخص رسالة واحدة تقول “انتهى Gotov je”، أي أن الرجل انتهى، وفعلاً هذا ما حدث، علماً بأن في أوتبور – Otpor أي المُقاوَمة – كان شعارهم القبضة، فكانوا يرسمونها على قمصانهم المُلوَّنة بنفس اللون الذي يحكي وحدة هؤلاء الثائرين المُناضِلين بلا عنف أو إلقاء حجراً واحداً، فهى ليست انتفاضة حجر أو سيف أو رصاص، فقط بقوة “لا” وهى القوة التي أسماها أبو اللاعنف الحديث غاندي Gandhi – المهاتما غاندي Mahatma Gandhi – بـ “ساتياغراها Satyagraha”، والساتياغراها Satyagraha هى قوة الحقيقة، علماً بأنه ضمَّنها في مُذكِّراته الضخمة، والنبي يقول خير الجهاد – هذا أعظم جهاد، فهو ليس جهاداً عادياً – كلمة حق بأن تقول للحاكم الظالم لا، لست كما تُزيِّف علينا فنحن نفهم الحقيقة، لست كما تكذب ولست كما تدّعي، وفي الأمة ضعافٌ أمثالنا بلا أسلحة وبلا جُند وبلا حرس وبلا أي شيئ يمنعهم حتى من الموت والإعدام والسجون والزنازين، ولكن هؤلاء الضعاف أقوى منك ويعلمون طبيعة وفلسفة القوة السياسية، علماً بأن الأمة إلى اليوم ليس عندها تصوّر دقيق نظري لفلسفة القوة السياسية، فما هى القوة السياسية؟ طبعاً هناك عشرات التعريفات في الكتب العلمية الأكاديمية المُتخصِّصة – المدرسية كما يقولون – ولكن من أشهرها “القوة السياسة هى قوة المُكافأة والعقاب والإجبار والإخضاع – إخضاع الجماهير وإخضاع الآخر – مِن قبل مَن يمتلك هذه السُلطة”، ولكن هذه القوة – قوة المُكافأة والعقاب وقوة الإخضاع والإرغام – بيد مَن؟ ما مصدرها؟ ما طبيعتها؟ كيف تنزلق أو كيف ترتفع؟ يُوجَد نموذجان للتصوّر، وفي تصوري الأمة العربية وربما المسلمة إلى اليوم مُنحازَة للنظرية المشهورة جداً وهى النظرية الواحدية أو النظرية الذاتية Monolithic Theory، والنظرية الذاتية ترى أن الطاغية هو مصدر القوة، ففي نهاية المطاف القوة السياسية هى حجرة واحدة، كهرم ولكن هذا الهرم ليس من حجارة بل من صخرة واحدة، فهو مقدود من صخرة واحدة وهو لا يستمد قوته من الجماهير ولا من مُؤسَّسات ولا هياكل ولا جمعيات ولا جماعات ولا أفراد ولا قوة رمزية ولا قوة مادية أبداً، وإنما يستمد قوته من موقعه ومن نفسه، وهو يُفيض هذه القوة على مَن دونه وسيما المُقرَّبين منه، فيُعطي ويمنع ويمنح ويُذِل ويُعِز ويُحيي ويُميت، هو يفعل كل هذا، ولذلك يغضب حين يُفكِّر المُحبَطون والغاضبون والثائرون والناقمون في كيفية التخلص من هذا الطاغية ومن هذا الوحش ومن الذي سماه هومير Homer أو هوميروس Homeros آكل الشعوب أو آكل الجماهير، فهو يأكلنا حقيقةً وهم يتغذّون علينا وعلى لحمنا ودمنا وعلى مُستقبَل أولادنا لكي ينتفخو هم بمئات المليارات، ولا أدري هل سيُعمَّرون مائة بليون سنة مثلاً ولكن هم أُناس لا عقل لهم، فما السبيل؟ لا يرى هؤلاء بُداً مِن أن تُكسَر رؤوسهم، فيُفكِّر الواحد منهم بعقلية الاغتيال السياسي وبعقلية الاستنجاد بجيش دولة أجنبية، فيقولون نستنجد حتى بالشيطان لكي يُخلِّصنا من الشيطان الأكبر، فهذا شيطان ولكنه أصغر وهذا شيطان أكبر، أو قد تحدث الانقلابات العسكرية التي يُفكِّر فيها بعض الجنرالات – Generals – وبعض العساكر، لكن المُهِم هو أنها كلها طرق عنيفة وطرق عُنفية، لأن فلسفة القوة في تصوّرنا هكذا صخرة واحدة وبالتالي لا يُمكِن أن تتغلَّب عليها إلا بتفجيرها وبتفتيتها، وهذا لابد أن يأتي بمرة واحدة بطريقة التلغيم بالديناميت – Dynamites‏ – وينتهي كل شيئ، وطبعاً سنسقط بعد ذلك ضحايا لطاغية جديد ، لأن فلسفته في فهم القوة السياسية هى هذه، فهذا ما يجب أن ننتبه إليه، وهذا ما حصل معنا في الدول العربية أكثر من مرة، ولكن نحن إلى الآن لا نستفيد من دروسنا لأننا لا نُولي الفكر والتحليل درجة عالية من الاهتمام، ونظن أنه ترف لأمثالي مِمَن يتحدَّثون على المنابر وفي الصحف وفي التلفزيونات Televisions، فهو نوع من الترف ولكن الحياة أصعب من هذا بكثير، وصحيح أن الحياة أصعب من هذا بكثير فعلاً ولكن تغييرها أسهل بكثير مما نظن ومما يظن أصحاب نظرية الصخرة هذه، وهناك نظرية أُخرى فهمتها الشعوب الحُرة والواعية أو التي أرادت أن تكون حُرة و التي أرادت أن تنتزع حُرياتها وتنسَّمت بعض أنسام الحُرية في جيرانها وفي الآخرين وحتى عبر الفضائيات وأرادت أن تكون ذلكم الشعب الحُر أيضاً، ونجحت – على الأقل كما قلت لكم – بنسبة خمسة وسبعين في المائة على الأقل إذا لم يكن أكثر من هذا وفقاً لإحصاء دقيق، فهؤلاء يتبنون نظرية ونظرة مُختلِفة لطبيعة القوة السياسية تُسمى بنظرية تعدّد المصادر Pluralistic Dependence -Theory – أو نظرية اعتماد القوة على مصادر مُتعدِّدة، فهكذا يُسميها مُنظِّرو السياسة في العالم أو حول العالم، وهذه هى النظرية الصحيحة، ووفق هذه النظرية القوة تصعد من أسفل إلى أعلى، فهذا الرأس المُسمى بالطاغية أو الرئيس أو الملك أو غير ذلك لا قيمة له في ذاته، والناس يتحيَّرون ويقولون فعلاً هو في ذاته لا قيمة له، وبعضهم أحياناً يصل طوله إلى مائة وخمسين متر، فلو أي طفل صغير مُراهِق ضربه كفاً سوف يُلغي توازنه، فكيف يتحكَّم هذا في خمسين وفي سبعين مليون؟ ما الذي يحصل؟ هذا فرد ضعيف وثقَّبته الأمراض – هناك مرض في الكبد ومرض في البروستاتا Prostate ومرض في الدماغ ومرض في القلب ومرض في العقل ومرض في الوجدان المريض وفي كل شيئ مرض – ومع ذلك يتحكَّم في سبعين مليون ويُحيي ويُميت، كيف هذا؟

هؤلاء الأحرار أدركوا أن طبيعة القوة شيئ مُختلِف تماماً، فنحن الذين نُعطيه القوة ونحن الذين نمده بأسباب الحياة ونحن الذين نتعاون معه علينا ونحن الذين نُساعِده ضدنا وضد أنفسنا، فما أحمقنا، فعلاً إننا لحمقى، فما أحمقنا وما أسخف حماقتنا، إذن كيف الحل؟ الحل لابد من تجويعه سياسياً، فهو يتغذّى علينا وبالتالي لابد أن نُجوِّعه إذن، فلا نُعطيه أسباب النماء وأسباب الحياة وأسباب القوة، ولكن كيف هذا؟ قالوا بأساليب لا عنفية، فنمتنع عن التعاون معه لأننا لا نُريد أن نتعاون معه ومن ثم سوف نقول له لا، ولكن علينا أن ننتبه إلى أن هذا لا يعني أن سوف ننام أو نستخزي، بالعكس المُقاوَمة اللاعنيفة و اللاعُنفية مُقاوَمة شرسة جداً ولكنها لا تستخدم لا رصاص ولا مولوتوف Molotov ولا مياه حارقة ولا حتى الأحجار ولا الأيدي الغضة الطرية أبداً أبداً أبداً، بل هى مُستعِدة أن تُضحّي ومُستعِدة أن تُقتَل وأن تُستشهَد وأن تدخل الزنانزين وأن تُلوَّث سُمعتها وشرفها وأعراضها ولكنها لا تتراجع وسوف تبقى تقول لا، وهى كل يوم تزداد، ففي أوتبور Otpor – كما قلت لكم – في صربيا بدأوا بأقل من عشرة، وفي ربيع ألفين انتهوا إلى أكثر من سبعين ألف عضو رسمي، أما المُؤيِّدون لهم بالملايين، وانتهى الطاغية هكذا مثل الحلم، فذاب وانتهى، أما بالنسبة للآليات والوسائل وما إلى ذلك فهذا شيئ آخر، وربما يحتاج إلى خُطبة أُخرى، فأنا أتحدَّث اليوم فقط عن الفلسفة، لأن هرم التغيير كما يُعلِّم علماء السياسة وعلماء التغيير ينتهي في رأسه أو في ذروته بالإجراءات وبالخُطوات التنفيذية، فآخر شيئ الأجراءات، ماذا أفعل كما يقولون “الآن وهنا”؟ فهذا إجراء، والإجراء دائماً محكوم بالتكتيك الذي هو بدوره محكوم بالاستراتيجية، والاستراتيجية تحكمها السياسات، والسياسات تنبع من الفلسفة، ليس المقصود بالفلسفة فلسفة أرسطو Aristotle وأفلاطون Plato وبرتراند راسل Bertrand Russell وإنما المقصود هو فلسفة التغيير وفلسفة التعاطي مع الصراع وفلسفة فهم طبيعة القوى المُتصارِعة وتحديد حتى نوعية الصراع، فهل هو صراع صفري أم لا؟ معناها إذن أن تكون أولا تكون – To Be Or Not To Be – كما قال شكسبير Shakespeare، أنا أو أنت، إما الشعب وإما الطاغية، ولكي نفهم علينا أن نعلم أن هناك صراعات صفرية، وهناك صراعات غير صفرية يسمونها بالتنافسية، وعموماً هى تتوسَّل الوسائل أيضاً السلمية، أما الصراعات الصفرية فعموماً تتوسَّل الوسائل العنيفة، ولكن هنا علينا نحن الأقوى – أي الشعب – أن نتوسَّل في الصراع الصفري الوسائل السليمة اللاعنيفة وسيندحر الطاغية، قطعاً سيندحر أوربما سينتحر، فعلينا أن نُحدِّد هذا، هذه فلسفة مُهِمة لأن درجة الخطورة في هرم التغيير تزداد وتتحرَّج كلما نزلنا من القمة إلى القاع مع الخطأ الحادث، فأي خطأ في الإجراءات سوف يكون أمراً عادياُ ولن يُمثِّل مُشكِلة لأننا سوف نستدرجه بسرعة، فهو خطأ في التكتيك، أما الخطأ في الاستراتيجية فهو أكبر، والخطأ في السياسات العامة أفظع، والخطأ الأكثر فظاعة بإطلاق هو الخطأ في الفلسفة، ولذلك مَن يُخطيء في فهم الأمور وفهم ماهية الأمور ثم فهم طريقة التغيير وسُبل التغيير وسياسات التغيير قد يُقدِّم – ليس قد يُقدِّم بل دائماً بالحتم هو يُقدِّم – ربما الجواب الصحيح على السؤال الخطأ، وبالتالي علينا أن ننتبه إلى أنه يطرح سؤالاً خطأً مُنذ البداية – انتبهوا – وهذا مزلق كبير، وعموماً نحن حين نتعاطى مع السؤالات – أي الأسئلة – يكون لهذا حال من أربعة أحوال كالتالي “جواب صحيح على سؤال صحيح، جواب صحيح على سؤال خطأ، جواب خطأ على سؤال خطأ، جواب خطأ على سؤال صحيح”، فالجواب صحيح على سؤال خطأ ينبع دائماً وهو من تجليات وتمظهرات فقدان الفلسفة الصحيحة لفهم الواقع وتقديره، وهذا أخطر شيئ، وهذا يقع فيه كثير من الإسلاميين وكثير من رواد التغيير وقعوا فيه، ويظن الواحد منهم أنه يُقدِّم نظرية وتصوّراً وهو لم يُقدِّم شيئاً، هو قدَّم شيئ أشبه بالكارثة لأنه زاهد أو قانع في إمداد نفسه بمعلومات أكثر دقة لكي يُشرِّح ويُحلِّل طبيعة الواقع، ومن هنا علينا أن ننتبه.

على كل حال نعود إلى ما كنا فيه، فإذن هكذا الصراع مع هذه الأنظمة، وعموماً هو صراع صفري وهم يرون أنه صراع صفري، فحتى لو رأيته أنت صراعاً تنافسياً هم يرونه صراعاً صفرياً، ولذلك يُنوِّرون مُناوَارات في مُنتهى الذكاء والخُبث والمكر مثل فتح البرلمانات، فيقولون ادخلوا البرلمانات وادخلوا حتى الانتخابات، لكن الشعوب التي تحرَّرت هنا في الغرب وفي شرق أوروبا فهمت أن هذه لُعبة حقيرة جداً وقالوا كفى، لا نُريد أن نُمارِسها كما مُورِسَت على بعض المُغفَّلين أو المغافيل، وسموها لُعبة الديمكرارية، وهذه – أي الديمكرارية – منحوتة من ديمقراطية ومن ديكتاتورية، وفعلاً هى في اللغة العربية تُديم ديكتاتورية الديكتاتور تماماً وتجعله في أمان، فيبقى هو كل شيئ، والدستور محفوظ والديكتاتورية محفوظة، أما أنتم فالعبوا في البرلمان واذهبوا وتعالوا، وهذا كلام فارغ لكنه، وكان يُسمَح ببناء أحزاب جديدة التي تتحصَّل على نسبة في حدود خمسة في المائة أو سبعة في المائة فقط وليس أكثر من هذا، فهذا هو المسموح به، ثم يُزوَّر كل شيئ عدا ذلك وأنت راضٍ، ويُسمون هذا بالواقعية السياسية، فنعم هذه هى الواقعية السياسية وهى نوع من النفاق والدجل والانهزامية حتى عند رواد التغيير وعند الذين يُمارِسون التغيير، هى نوع من الكذب على الذات ونوع من خدمة المصالح الحزبية والشخصية، فطبعاً الواحد منهم يُصبِح عضواً في البرلمان وعنده حصانة مُعيَّنة وعنده امتيازات، ويكون عنده سيارة من نوع خاص والكثير من الأموال طبعاً، ثم يمتلك فيلا Villa وإلى ما هناك فيما بعد، فكل شيئ سوف يكون جيداً بالنسبة له ومن ثم سوف يلعب على الناس هذه اللُعبة المُسماة بالديمكرارية، وهذا كلام فارغ، علماً بأن الصراع السلمي اللاعنيف أحياناً يتخطى الدستور نفسه ويقول أن الدستور نفسه مُثقَّب وبالتالي أنا لا أعترف به ولابد أن يتغيَّر كل شيئ، ويبدأون قليلين وينتهون كثيرين جداً، وطبعاً الصراع العنيف تُحِبه السُلطات وتُحِبه الدولة الحديثة المُتغوِّلة لأنك تلعب في ميدانها، ولكنك لا تمتلك الشروط التي تمتلكها هى تلكم الدولة، ولذلك أنت دائماً لابد أن يُدَق رأسك وعُنقك، وطبعاً تُلوَّث سُمعتك وتُصبِح عميلاً للغرب وعميلاً للأمريكان وعميلاً للصهيونية العالمية وللصليبية الحاقدة ولكذا كذا كذا فضلاً عن أنك سوف تكون مُتآمِراً في نظرية مُؤامَرة التي تُمارَس ضد الدولة كما يقولون، فلن يُترَك شيئاً، والناس طبعاً يُصدِّقون، وهناك عنف يُقابَل بعنف الدولة وهو عنف مُخيف جداً ولا يُطاق لأن القتل فيه مُشرّعَن والتعذيب مُشرّعَن وقتل الناس – كما قلت – بغير مُحاكَمات مُشرّعَن بل وحتى هتك أعراض الناس مُشرّعَن بطريقة أو بأُخرى على الأقل فعلياً مُشرّعَن، وهذا يحدث كل يوم وكل ساعة وبالتالي الناس يخافون.

عن كم تُوفيَ الرسول؟ يُقال تُوفيَ عن أربعة عشر ومائة ألف من الصحابة، وهذا مشهور جداً ويجب أن ننتبه إليه، ولكن كم تعرفون أنتم مِن هؤلاء الصحابة؟ علماً بأنني وطرحت هذا السؤال قبل ربما أكثر من عشر سنوات، نحن نعرف فقط ربما العشرات مِن هؤلاء، ربما أكثرنا حفظاً وثقافة إسلامية ربما يستطيع أن يعد إسم مائة من الصحابة على الأكثر، وفعلاً هؤلاء مُتميِّزون لكن ليس كل الصحابة صحابة إذن بهذا المعنى، فليست كل الأمة مقدودة من قدة واحدة ومأخوذة من لفقٍ واحد وعندها قدرة على التضحية ودخول الزنازين والسجون – أقبية السجون – والتخلّي عن مُتع الحياة والتخلّي حتى عن الأمن والحد الأدنى من الأمن والاستقرار، فمُعظَم الناس لا يُحِبون هذا لا لأنفسهم ولا لأولادهم، ويوم يعرفون أن هذه الجماعة أو الحزب أو الحركة أو التشكيل يُعتبَر عنيفاً وسوف يستخدم العنف ويُرَد عليهم بالعنف والناس سوف يشمتون فيهم مُباشَرة يمضون في سبيلهم ويقولون لك “لأ” ومن ثم تُخذَل أنت، لكن ما الذي سيحدث يوم يفهمون ما فهمه الجمهور في صربيا وفي جورجيا وفي أوكرانيا وفي بيلاروسيا وفي أذربيجان – ولكن فشلوا هناك – وفي غيره وغيره وغيره؟ ماذا سيفهمون؟ سوف يفهمون أنه ليس عليك حتى أن ترفع يدك، فقط ارفع صوتك وقل “لا”، ولن نتعاون مع الطاغية وسنضع المتاريس وسنلبس الشعارات والقُمصان المُلوَّنة بلونٍ واحد وسنقول “لا” بملء الفم والعقيرة وسنفعل أشياء كثيرة رمزية ومادية لكنها ليست عنيفة، ولن نتراجع، ومَن يسقط منا سوف نتكفَّل به وبأهله، ومَن يُعتقَل سيشعر لآخر لحظة أنه ليس وحيداً، فنحن معه ولن نتخلّى عنه، وسنتوسَّل كل وسائل الإعلام والدعاية لفضح النظام لظالم ولكن – كما قلت لكم – دون أن نرفع حتى أيدينا، فلن نضرب أحداً، الجنود جندنا والشرطة شرطتنا والأجهزة أجهزتنا والمُؤسَّسات مُؤسَّسات دولتنا، لكن فقط المُشكِلة مع هذه الطاغية، ومن ثم سوف ترى أنت شيئاً فشيئاً أن الشُرطة بدأت تنحاز إليك، ومن المُمكِن أن ينحاز إليك الجيش في لحظة حاسمة وينتهي كل شيئ.

في أوكرانيا كانوا يقولون للجيش في الثورة البرتقالية “لستم أعداءنا بل أنتم إخواننا وحُماتنا”، والجيش يضرب ولكن هم مُعتصِمون، ثم يضرب وهم مُعتصِمون، ثم انخرط بعض أفراد الجيش وقوى الشُرطة في البكاء، وكان مشهداً مُؤثِّراً!

في الثورة الإسلامية في إيران حدث اجتراحي كأنه اجترح مُعجِزة غريبة جداً استمرت سنة، حيث وقع ألوف القتلى ولكن ذاب الطاغية في لحظة وانتهى كل شيئ طبعاً وذلك بعد أن ركب الهليكوبتر Helicopter وسافر، وكانت الثورة سلمية لأن لم تُطلَق فيها رصاصة واحدة، بل أُطلِقَت فيها الزهور والورود على الجُند وقالوا “لا تقتل أخاك أيها الجُندي المسلم” ثم يموت الشهيد لكن بعد ذلك خارت قوى الجُند وكل شيئ انتهى، فهذا مُستحيل ولا يُمكِن الاستمرار فيه، ولكنهم طبعاً يقولون – كما قلت لكم – حتى الثورة الإسلامية في إيران هذه ثورات يدعمها الغرب، لكن نحن طبعاً هنا كشرقيين عندنا موقف بالذات من الغرب وحُقَّ لنا، فهذا الغرب المُتآمِر والغرب غير النزيه وخاصة الغرب الأمريكي غير نزيه وفعلاً مُتآمِر علينا وعلى مصالحنا ولا يُريد الخير لنه حقيقةً، هو يُريد مصالحه فقط ولذلك أنا أشرت – لأنني أُحِب أن أكون مُتوازِناً وأُحِب أن أكون صادقاً مع الحقيقة ومع نفسي ومعكم – إلى فشل الحركة في أذربيجان، فلماذا فشلت الحركة في أذربيجان؟ وطبعاً أذربيجان مسلمة، وحتى مُؤسِّس حركة ماجيم Mugam – بمعنى حان الوقت أو جاء الوقت – هو أمين حسينوف، فهو رجل مسلم إسمه أمين حسينوف، وكان شاباً صغيراً وربما لم يُكمِل الثلاثين من عمره ولكنه أسَّس هذه الحركة وطلب الدعم من المُؤسَّسات الأهلية الغربية غير الحكومية ولم يأته الدعم، فهناك مئات الرسائل التي وجَّهها كما وجَّهتها كمارا Kmara في جورجيا وبورا Pora في أوكرانيا وأوتبور Otpor في صربيا، فكلهم وجَّهوا مئات الرسائل وأتتهم عشرات ملايين الدولارات من المال الأمريكي، من أموال دافعي الضرائب والمُتبرِّعين، ولكن لماذا لم يصل الأذريين أي فلس؟ هل الأمر مُختلِف؟ ثم أدرك الشباب المسكين المُحبَط أن الأمر فعلاً مُختلِف، يبدو أولاً لأنهم مسلمون، والشيئ الثاني لأن البترول يعمل ويُستنبَط كل يوم، والعجيب أن هذا الاستنباط – وأنا رأيت هذا في وثائقيات البترول – يحدث في أذربيجان في مُنتصَف المُدن، وهذا تلويث لحياة الناس لأنه يجري في مُنتصَف المُدن بين المساكن، وهذا شيئ لا يُصدَّق، فلم أر هذا المشهد في حياتي وأرجو أن تروه يوماً، لكن هذا ما يُراد للمسلمين المساكين، ففي مُنتصَف مدينة مُكتَظة بالسُكان يُستنبَط البترول، وهذا تلويث لحياة الناس تماماً وإعدام لمُستقبَلهم، والعقود طبعاً من لندن – كما قلت لكم – وباريس وواشنطون مُوقَّعة، والضمانة الوحيدة هى الديكتاتور العسكري الإقطاعي الذي يحكم أذربيجان من زُهاء ثلاثين سنة كإقطاعية خاصة به وبجماعته وبطُغمته، فإلياف هذا كان إقطاعياً كبيراً في أذربيجان، وبالتالي بقاء إلياف هو الضمانة الوحيدة لتنفيذ هذه العقود ولكي يُضَّخ البترول الرخيص في العواصم الغربية، ولتذهب الحُرية ولتذهب الديمقراطية لهؤلاء المسلمين إلى الجحيم مع المسلمين أنفسهم، وللأسف هذا موقف مُقزِّز!

استمعت إلى أحد كبار هؤلاء وهو أمريكي ويرأس مُنظَّمة لعلها الأكبر في أمريكالدعم الديمقراطية في الدول العالم ثالثية وهو يُبرِّر لماذا لم يُدعَموا، حيث قال: طبعاً هنا الناس يتساءلون: هل حقاً المُطالِبون بالديمقراطية يُطالبِون بها حقاً؟!

فما هذه الوقاحة؟ ما هذه البرودة يا بارد؟ والله العظيم في كل مكان يُصدَّقون، وإذا كان المُطالِب مسلماً لا يُصدَّق، وعلى كل حال علينا أن ننتبه للرد على هذه الشُبهة، فماذا تُساوي عشرات الملايين؟ علماً بأن هذه المطالب هى أشياء بسيطة جداً جداً جداً، فأعتقد أن جماعة بورا Pora حين أنجزت قُمصانها المُلوَّنة في أوكرانيا البرتقالية أنجزت في البداية سبعين قميصاً وكانوا يرونه فخراً، فقالوا “أنجزنا سبعين قميصاً”، وهذا كان عملاً يدوياً قاموا به بأيديهم، وكتبوا بورا Pora والشعار على الخلف بأيديهم، فبدأوا هكذا بسبعين قميصاً فقط، وطبعاً المُعارَضة فوز مُرشَّحها فيكتور يوشتشينكو Viktor Yushchenko وأعلنت السُلطة الرسمية فوز مُرشَّحها عن حزبها فيكتور يانوكوفيتش Viktor Yanukovich، فطبعاً خرج الناس للشوارع لأن المُعارَضة أمرتهم بهذا، فجماعة بورا Pora طالبتهم بالخروج لدعمهم، علماً بأن معنى بورا Pora باللغة الأوكرانية أيضاً حان الوقت، وكمارا Kmara معناها كفاية باللغة الجورجية، ولكن شعار حان الوقت كان شعاراً مُمتازاً وهو أحسن من كفاية كمارا Kmara وأحسن من كفاية مصر مليون مرة، فكفاية نوع من التباكي وخاصة عند العرب بالذات، فحين نيأس نقول كفاية وننوح ونتباكى، فهم لا يضعون هذا الشعار أمام مسئوليات بعينها مُحدَّدة، ولكن حان الوقت أو شعار مُقاوَمة أو حتى شعار “لا” أحسن لأنه يضعنا أمام مسئوليات مُحدَّدة، فلابد أن يتظاهر هذا الغضب بمسئوليات مُحدَّدة، لا بالبكاء والاستنكار فقط وبقولنا كفاية لقد مللنا، هذا غير صحيح، فلقد مللنا من مائة سنة ولم يحدث أي شيئ، ولذلك الشعار يُعَد أمراً مُهِماً، ومن هنا هذه الجمعيات البسيطة والحركات المُتواضِعة والضخمة جداً لديها لجان مُتخصِّصة لاختيار العنوان والشعار، فلابد أن يكون قصيراً وأن يكون سهل الحفظ ومسؤولاً ومُوحياً بالمسئولية، وأيضاً لابد من أن يبيعُ الأمل، ولكن ليس بيعاً حراماً أو بيعاً سابرياً وإنما لابد أن يكون بيعاً حقيقياً، فلابد من التبادل والتعاوض حقيقي، فالواحد من هؤلاء يبيع للناس الأمل ميُعطيهم الأمل في النصر – إن شاء الله – وقدرتهم على التغيير، وهذا ما حدث!

جماعة أوتبور Otpor في صربيا وجماعة كمارا Kmara وجماعة بورا Pora وحتى جماعة الماجيم Mugam في أذربيجان وإلى آخره كانوا يقولون لقد طلبنا الدعم، قنحن نتوسَّل الدعم ونُريد الدعم، لا نُريد جيشاً يُحرِّرنا وإنما نُريد بعض المال لكي نطبع بها القُمصان ونكتب بها الشعارات، فهم ليس عندهم الدوزات – Dozens – التي يُوضَع فيها الألوان لأنها غالية وهم شباب فقراء من طلّاب الجماعات، ولذلك كانوا يستخدمون البوية السائلة ويكتبون بها في الشوارع وعلى اللإسفلتات، فقالوا “نُريد بعض المال لكي نطبع القُمصان والشعارات، ولكي نشتري – الدوزات – Dozens – الخاصة بالألوان ونُنظِّم الاجتماعات والمُحاضَرات فقط، ولا نُريد أكثر من هذا، فنحن لا نُريد مُرتَبات ولا أي شيئ، هذاعمل احتسابي لوجه الأمة”, وهم يفتخرون بهذا لكن نحن أخذناها فرصة وقلنا أنهم يتلقون دعماً أمريكياً ودعماً غربياً وإلى آخره، ومن ثم نستطيع أن نستغني هذا الدعم، ونحن مُستغنَون عن هذا الدعم في بلادنا بلا شك حقيقةً، وهناك مَن سيُموِّل في الاتجاه المُضاد، ففي بعض البلاد العربية هناك مَن يدفع الملايين، لكن هل تعرفون لمَن؟ لرجال الطرق الصوفية، فهناك الملايين التي تُدفَع لهم، ونحن لسنا ضد التصوّف من حيثُ أتى، ولكننا ضد أن تنام الأمة وضد أن تتدروش الأمة وضد أن تنسحب الأمة من مسئولياتها وضد أن تتنكَّر لمُستقبَل أولادها، نحن ضد هذا طبعاً، وإن كان بإسم التصوّف فنحن ضد هذا التصوّف، لكن هم يدفعون لهم عشرات الملايين، بل أن بعض مُقرئي القرآن أصبحوا من مُلّاك عشرات الملايين بحنجرته المُتواضِعة، ونحن نعرفهم ونعرف أصواتهم وقدراتهم وهى مُتواضِعة جداً ولكن الواحد منهم يكسب من المُغفَّلين، فيا أيها المُغفَّلون بدل أن تطبعوا المزيد من المصاحف حاولوا أن تُوصِلوا صوت هؤلاء الشباب، فكل بيت الآن على الأقل فيه خمسة أو ستة مصاحف، ومع ذلك يُنادون بطباعة المصاحف التي هى موجودة بحمد الله بكثرة، فهناك فائض مصاحف وقلة في القرّاء وفي الذين يتلون كتاب الله في بيوتهم، في حين يُوجَد كثرة في حضور ماتشات كرة قدم وحضور المُسلسَلات التُركية والعربية ومُسلسَلات أمريكا اللاتينية وإلى آخره، ومع ذلك يُنادون فقط بطبع القرآن ويدفع الواحد منهم مائة ألف دولار من أجل طباعته، لكن القرآن موجود وبالتالي حاول أن تبحث عن أمثال هؤلاء الشباب، اعمل لهم إذاعات محلية، وإذا كانت شاطراً وحاذقاً ومُخلِصاً للأمة اعمل لهم فضائية، فهناك مَن يقوم بالاستئجار ومن ثم من المُمكِن أن تستأجر لهم فضائية بتكلفة ربع مليون في البداية، وهذا ليس مبلغاً كبيراً لأنه سيُدفَع في فضائية لهؤلاء الشباب !

في جورجيا قبل أن يسقط طبعاً الرئيس إدوارد شيفردنادزه Eduard Shevardnadze ذهب إلى حديقة عامة لكي يحتفل قبل الانتخابات من أجل أن يُلمِّع نفسه، وذهب معه شباب مَمَن انتموا إلى كمارا Kmara – أي شباب كفاية Enough – إلى الحديقة بعامة بكل بساطة وهم يحملون الدفوف، لأن ليس عند هؤلاء المساكين القدرة على أن يمتلكوا حتى الطبول المساكين، فحملوا الدفوف الصغيرة وأتوا بقُمصانهم المُلوَّنة باللون الوردي- ولذا إسمها الثورة الوردية طبعاً في جورجيا، أما في أوكرانيا فإسمها الثورة البرتقالية – وجعلوا يهتفون ويتكلَّمون ويتندَّرون ويضربون على الدفوف، فانهالت عليهم الشُرطة ضرباً وكسَّرت أضلاع بعضهم، ولكن ما الذي حدث؟ وسائل الإعلام المحلية في جورجيا – وهذا من غباوة السُلطة – كانت تتحدَّث لمدة ثلاثة أسابيع عن هذه الأحداث الغبية المدعومة من روسيا، وبالتالي قال الشباب هذا أمرٌ جميل لأنهم خدمونا، فهذا هو الذي نُريده، وهو أن نبقى دائماً في دائرة الضوء وأن يعرف الناس أن هناك مَن ينوب عن ضميرهم وعن حالتهم ويدعوهم لأخذ دورهم والتموضع في مواقعهم وإبراء ذمتهم في حق أنفسهم وحق أجيالهم ومُستقبَل أولادهم، وهذا ما حدث طبعاً، ومن ثم انتهى طبعاً إدوارد شيفردنادزه Eduard Shevardnadze وذهب إلى مزبلة التاريخ وأتى مُرشَّح الشعب ببساطة من خلال هذه الأشياء البسيطة، وقال الشباب لقد فعلنا هذا لمدة ثلاثة أسابيع في وسائل الإعلام المحلية وحتى في العالمية إلى حدٍ ما، وطبعاً استغللنا هذه الحادثة البسيطة جداً جداً جداً وتم تعميم هذا على الإنترنت Internet ومن ثم صل إلى ملايين الشباب، علماً بأن الشباب في في أوكرانيا في البداية كانوا دون العشرة مثل صربيا، ولكن في ليلة واحدة أدركت السُلطة أن هناك الألوف من المُعارِضين لها بإسم بورا Pora وشباب حركة بورا Pora، وهم ليس بالألوف وإنما بالعشرات فقط، لكن كيف حدث هذا؟ توزَّعوا على شتى المُدن والقُرى ووزَّعوا أنفسهم ووزَّعوا المناشير وكتبوا الشعارات على الإسفلتات وفي الحائط – وهم من مدينة واحدة – ثم عادوا، فالشرطة قالت أن كل المدن تفيض بهم وهذا غير صحيح، فعددهم كان قليلاً ولكنهم انتهوا في النهاية إلى عدد هائل جداً جداً جداً، وفي اليوم الذي تلا الانتخابات – كما قلت لكم – في أوكرانيا جاء خمسون ألفاً رغم المتاريس التي وضعتها الدولة والسُلطة وذلك في يوم شديد الصقيع والبرد، وطبعاً ليس هناك حتى أي مقهى لكي تُحتسى فيه القهوة أو الشاي، والموجود أمرت السُلطة بإغلاقه في ظل هذا البرد شديد جداً، فماذا فعل شباب بورا Pora إذن؟ أتوا معهم بالخيام البسيطة جداً ونصبوها وعلَّموا الناس أن ينصبوها، فشرع الناس في نصبها واستظلوا بها، وبدأ بعضهم يُدخِّن وهكذا، وأحدهم يتكلَّم والناس يسمعون، ففي اليوم الأول أتى خمسون ألفاً، والسُلطة مُعتصِمة بموقفها الذي تدعم فيه يانوكوفيتش Yanukovich وليس مُرشَّح الشعب، لكن في اليوم الثاني كم صاروا؟ وصل عددهم إلى مليون، لأن هذه شعوب حُرة شعوب واعية ومن ثم قفز العدد من خمسين ألف في اليوم الأول إلى مليون في اليوم الثاني، وسقط مُرشَّح السُلطة وأتى مُرشَّح الشعب ببساطة دون أن يُقتَل أحد من الشُرطة أو الجيش أو تُرمى عبوة مولوتوف Molotov واحدة بسبب الشعب، وهذا يتناسق ويتسق مع نظرية المصادر المُتعدِّدة للقوة، فالشعب هو الذي يُعطي السُلطة القوة وهو الذي يُعطي الحاكم الديكتاتور القوة، ومن ثم يوم يُقرِّر الشعب أن يقول “لا” سوف يضيع كل شيئ وسوف يسقط كل شيئ، ولذلك عليك أن تعمل بالشعب ومن خلال الشعب ولكن وفق نظرية واضحة وفلسفة عميقة وخُطط بسيطة جداً جداً جداً، والشباب – ما شاء الله – هو المُحرِّك في هذه المسائل، فالفاعل هو الشباب والشابات، أما الكبار فلا يستطيعون وأما الصغار فهم خارج اللُعبة كلها، وبالتالي التعويل على الشباب، والحمد لله الأمة العربية بالذات هى أكبر أمة على وجه البسيطة أنعم الله عليها بنعمة الشباب، نحن لدينا عدد مُخيف من الشباب، فلماذا تضيع طاقات هؤلاء الشباب المساكين؟ لماذا تذهب هدراً؟ لماذا تُمتصهم وتستهلكهم الشهوات والحركات العبثية مثل التي تتعلَّق بعبادة الشيطان والجنس وتعاطي المُخدَّرات وهذا الكلام الفارغ؟ لماذا اليأس والاحباط؟ هؤلاء مساكين ومُحبَطون ويائسون ومقهورون، ولا أحد يدلهم على الطريق، ألا يُوجَد فيهم عشرة مثل شباب صربيا أو شباب جورجيا أو شباب أوكراينا أو بيلاروسيا أو أذريبجان وإلى آخره؟

هل لدينا نظام طاغوتي مُخيف كالصين – مثلاً – بمركزيته المُخيفة القاهرة؟ في الصين في سنة ألف وتسعمائة وتسع وثمانين خرج عشرات ألوف الشباب في ثلاثمائة مدينة وهم يهتفون ضد عنف عنف الدولة وأجهزتها المُمأسَّس، صحيح انتهى بنهاية دموية وقُتِل عدد هائل ولكن هذا زلزل وهز الصورة، أما عبر تاريخ القرن فهناك – كما قلت لكم – تجارب كثيرة جداً جداً جداً في أربع قارات العالم للنضال السلمي غير العنيف وآتت ثمارها كأحسن ما يكون، ولكن إلى اليوم نُراجِع أخطاءنا ونُراجِع كوارثنا نحن المسلمين أو الإسلاميين ونبقى مُستعصِمين بالمنظور الفقهي التقليدي وهو إما السمع والطاعة إلى حد الخضوع والذُل للحاكم وإما العنف المُسلَّح ضده بإسم الجهاد والجهادية، فهل لا يُوجَد بديل ثالث؟ ما القصة؟ يُوجَد بديل ثالث وهو مُجرَّب، وقد جرَّبه الأحرار والأيقاظ والواعون حول العالم وعلى مُستوى قرن وفي مدى قرن من الزمان، فلماذا لا ننتبه إليه؟!

يبدو أننا نائمون كالذي سقط في الكومة Coma، فنحن نائمون ولا ندري ماذا يجري أو ماذا جرى في العالم ولا علم لنا بالمياه التي جرت في النهر ونحن نائمون، لكن علينا أن نستيقظ وأن نقرأ للعالم ونقرأ للآخرين ونتعلَّم من الآخرين لكي يُمكِننا أن نُقلِع إقلاعاً جديداً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه!

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد أيها الإخوة والأخوات:

أختم بثلاث جُمل إن شاء الله تعالى، الجُمل الأولى هى كما أن الشعوب على ما قلت لكم ليست مُستعِدة في جُملتها للتضحيات الجسام الكبار فإنها أيضاً لا تُحسِن فهم الخطاب الدبلوماسي والخطاب الفلسفي المُعمَّق والتنظيرات الجوفاء الهوائية، فالشعوب – كما قلت لكم – تُريد مَن يبيعها الأمل بواقعية عبر شعار قصير وعبر عنوان وعبر خُطة مفهومة يُمكِن تحويلها إلى إجراءات عملية بسرعة وأن نلمس بعض الآثار، فلا تتحدَّث لي بطريقة فيلسوف درس التاريخ وتُريد أن تُعطيني أملاً في مُستوى عشرة أو خمسة عشر جيلاً من الأجيال لأننا سوف نبدأ الآن ولن نلحظ شيئاً، لكن الشعوب الأُخرى لحظت كل شيئ في خمسة أشهر وفي سبعة أشهر وفي سنة وفي أربع سنوات فقط، فما الذي يحصل؟ هذه الأمة يُراد لها أن تبقى نائمة أيضاً مائة سنة حتى تلمس شيئاً من التغيير، ما هذه العقلية الفضائية الخوائية؟ وأيضاً هذا الطراز وهذا المنهج في التغيير لم يكن ربما بلغة فلاسفة ما بعد الحداثة قابلاً للتفكير فيه في العصور الوسطى فضلاً عن العصور القديمة لطبيعة الدولة القوروسطية والقديمة أيضاً وطبيعة هياكلها، فلعل نظرية القوة الذاتية كانت تصح بلا شك صحة ربما تامة في العصور الوسطى والعصور القديمة أيضاً، لكن نظرية القوة مُتعِّدة المصادر تصح في العصر الذي نعيشه الآن، أي في العصر الحديث والمُعاصَر وذلك لأن الوضع أصبح مُختلِفاً!
بعض الناس يأتيك – للأسف هذه عقلية بعض الشباب المسلم – ويقول لك “هذا التفكير مُستورَد، أنت مُتأثِّر بهنري ديفيد ثورو Henry David Thoreau وبالمهاتما غاندي Mahatma Gandhi وبمارتن لوثر كينج Martin Luther King وبروزا باركس Rosa Parks وبجين شارب Gene Sharp الآن وبفلان وبعلان، فأنت مُتأثِّر بهؤلاء، وهذه أفكار مُستورَدة، فلو كان فيها الخير كان النبي نصَّ عليها وكان النبي نهجها وكان النبي ألمع إليها”، فهو يقول هذا وكأن النبي لم يفعل، فالنبي فعل هذا ولكن تقريباً أيضاً في عصر النبي كان الموضوع في غير دائرة المقبول، بل يُمكِن حتى أن نقول في غير دائرة المُفكَّر فيه بالنسبة لغير النبي، فالنب يُوحى إليه وهو ينظر إلى الغيب من خلف ستر رقيق وهذا شيئ مُختلِف، هذا عقل وحي وليس عقل فلسفة وعقل واقع وعقل سياسة وصوابية، وإنما عقل وحي ضخم جداً، وهناك إشارات على هذا، والدليل على أنه لم يكن قابلاً حتى للتفكير فيه ما حدث في الحُديبية، فالعربي ليس صحيحاً أنه يُحِب القتال والحروب كما تعلمون – ولا يُوجَد مَن يُحِب القتال والحروب حقيقةً، والله قال وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ ۩ – بل هو يكره الحرب كما يكرهها كل الآوادم وكل البشر، ولكن العربي حين تُفرَض عليه الحرب أو ما يُمكِن أن يُشعِل حرباً لا يتراجع، وما أكثر الأشياء التي لا يغسلها إلا الدم في عقلية العربي، فهناك أشياء كثيرة وليس شيئاً واحداً كالعِرض فقط، هناك أشياء كثيرة يُسال الدم بسببها مثل الإهانة، فهناك إهانات لفظية – Verbal – لا يغسلها إلا الدم ويقع فيها القتل، وإلى اليوم يحدث هذا في المُجتمَعات القبلية العربية، فمن أجل كلمة تسقط رؤوس مثلما حدث في داحس والغبراء لمدة أربعين سنة والقصة كلها كانت تتعبَّق بأفراس تتسابق، وهذا شيئ غريب وعقلية غريبة، ولذلك أراد القرآن أن يُلجِم هذا العنف المُنفلِت بإسم حماوة الأنف وذكاء القلب والكرم الشخصي، فالعربي كان يرى العنف وبالتالي لابد أن تجهل حتى لا يُجهَل عليك، ومن هنا قال الشاعر:

وكنتُ إذا قومُ غزوني غزوتهم                     فهل أنا في ذا يا لَهَمْدان ظالم؟!
متى تجمع القلب الذكي وصارما                       وأَنْفًا حميًّا تجتنبك المظالمُ

لكن القرآن أتى ورفض هذا، وقال وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ ۩، أي أن الاعتداء الواحد يُرَد عليه باعتداء واحد فقط، فهو يُريد أن يضع حداً لهذا العنف المُنفلِت بأسماء وعناوين كثيرة، ولكن القرآن في نفس الوقت قال مثلما يقول دائماً فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ ۩، أي أن من الأفضل والأحسن ألا ترد الاعتداء، فتحدث المُسامَحةٌ بالعين، أي أنك أخذت عيني وأنا سوف أُسامِحك، ولكن ماذا لي يا رب بعد ذلك؟ قال الله أن هذا سوف يكون كفّارة لك عن ذنوبك، ومن ثم سوف تُصبِح أبيضاً بإذن الله.
وهذ إلى اليوم – أنتم تستغربون الآن، فأنا أرى استغراب في عيونكم جميعاً – لم تستوعبه أمتنا، لأن فينا بقايا جاهلية، فنحن لا نقول إلا أن هذا هو العدل، ولكن أين الفضل؟ القرآن يُريد الفضل، ولكن هذا الفضل كان بعيداً عن العربي حديث العهد بالجاهلية وبحُمي الجاهلية ونخوتها – حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ۩ – وبالتالي كان بعيداً عنه أن يتقبَّل هذا المنطق، وحتى في القصاص القرآن نادي بنفس الشيئ وقال فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ ۩، فالله يقول لك هذا أخوك فاعف عنه، والنبي قال إن قتله قصاصاً فهو مثله، أي أنه سوف يُصبِح قاتلاً حتى ولو كان مُقتَصاً، فهو سيبقى قاتلاً، علماً بأن هذا الحديثفي مسلم وقد سبق وعملت عنه خُطبة، لكن هذا لا يكاد يُستوعَب، ولذا هذا الحديث لا تكاد تسمعه من أي شيخ على الرغم من أنه في صحيح مسلم، وبالتالي نحن لا نستوعب هذا كما أن الصحابة لم يستوعبوا هذا حقيقةً، ففي الحُديبية النبي قال لا مُشكِلة الآن في أن نهدأ، فنحن نُريد فُرصة لالتقاط الأنفاس ونُريد أن نُبلِّغ دعوة ربنا لأنني أُومِن بالحوار، فالله لا يخشى الحوار وأنا لا أخشى الحوار والحق لا يخشى الحوار، وبالتالي اتركونا لنُحاوِر العقول والقلوب وسنفوز بالجماهير، وهذه خُطة عبقرية صحيحة وهى خُطة نبوية إلهية، لكن الصحابة لم يُرضهم هذا بل وأغضبهم هذا وقالوا نحن اليوم عددنا كافٍ وعُدتنا مُمتازة وأخذنا الأهبة ونحن على حق وهم على باطل، فلماذا إذن؟ علماً بأن هذا ما قاله عمر، فلابد من الحرب والسيف لكي نأخذ حقنا بالقوة، لكن النبي عنده منطق مُختلِف، وتقريباً هذه كانت المرة الوحيدة والواحدة التي شكَّل فيها فعل الصحابة شبه تمرّد على رسول الله، فعندما أمرهم بأن يقوموا وأن ينحروا الهدي قالوا لن ننحر لأنهم كانوا غضبانين، فهم يُريدون أن يُحارِبوا وأن يأخذوا حقهم بالقوة!

فهل تُريد في مثل هذا المُجتمَع ومثل هؤلاء الناس أن يقول النبي لهم عليكم باللاعنف؟ هذا مُستحيل، هذا أمر لا يُتصوَّر، لكن اليوم أصبح مُتصوَّراً، فقد تصوَّرته الشعوب والشباب والحركات والمُفكِّرون ونجح ناجحاً باهراً، ولكننا لا زلنا إلى اليوم نستعصم بسيف سيف بن ذي يزن وبسيف عُروة وبسيف الصعاليك وبسيف عنترة، وفي كل مرة نخسر ونخسر ونخسر، ومن ثم آن الأوان أن نُعيد النظر في طريقة تفكيرنا، فهذه رسالة لي ولكم ولقادة ورواد ومُحِبي التغيير في عالمنا الإسلامي كله، وأسأل الله – تبارك وتعالى – أن تصل وأن يُكتَب لها القبول وأن يُنجَز بها شيئاً ولو كان كلمة وأن تكون من من أحسن الجهاد وأعظمه.
اللهم بارك لنا في أوقاتنا وفي أفهامنا وفي عقولنا وفي نوايانا، وارزقنا خير العزمِ على خير الأمور برحمتك يا أرحم الراحمين، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.

اهدنا واهد بنا وأصلِحنا وأصلِح بنا، واغفر لنا ما كان منا برحمتك يا رحم الراحمين، وأبرِم لهذه الأمة أمر رشداً تُعِز فيه أولياءك وتُذِل فيه أنوف أعدائك، يُعمَل فيه بكتابك وسُنة نبيك، ويتُآمَر فيه بالمعروف ويُتناهَى عن المُنكَر وتأمَن فيه سُبل المُؤمِنين. اللهم آمين.
عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 25/06/2010

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: