– قال المُحاوِر نعم يا أستاذ، شكراً لك، أُريد هنا فقط فيما يخص هذه النصوص أن أقول هناك مَن يطرحُ قراءةً أخرى تُفيد بأننا لو تركنا الأمر فقط للعلاقة التأويلية اللغوية ومُقارَبة هذه النصوص عن طريق مُقارَبة لغوية تأويلية مُباشِرة فإننا لن نخرج من الإشكال، بدليل أن هناك الكثير من العلماء الآن يفعلون هذا، وأنا شخصياً حضرت مُؤتمَراً من قريب هنا في بروكسل ولا زال الناس يطرحون أسئلة ويقولون هل أوروبا دار حرب أم دار إسلام أم دار عهد أم دار صلح أم دار دعوة وإلى آخر هذه المُصطلَحات الكثيرة، فهذا دليل على أنهم لا زالوا مهووسين بتشخيص ما هذه الدار، وهناك مَن يطرح قراءة أخرى ويقول لماذا لا نعتبر أن كل هذه النصوص المُتعلِقة بعلاقة المسلمين بالمُشرِكين والكفار نصوص تاريخية، أي أنها فقط تعكس مرحلة تاريخية وتنزيلها في هذا الواقع مُستحيل حتى بالتأويل اللغوي الجديد، فلماذا لا نطرح مُقارَبة أخرى تأويلية أكثر شمولية؟

– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً مع احترامي لهذا الاقتراح أختلف معه جُملاً وتفصيلاً، هل تعرف لماذا أصلاً؟ ما الذي ربما أغراك يا أخي عبد الواحد أو أغرى حتى الآخرين بطرح مثل هذا الاقتراح؟ قاطعه المُحاوِر قائلاً هذا ليس طرحي، هذا الطرح موجود في الساحة، فأكمل الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم حديثه قائلاً نعم، ولذلك أنا استدركت بقولي أو أغرى الآخرين بطرح هكذا اقتراح، هل تعرف ما هو؟ ظنهم أنه يصعب تأويل هذه النصوص بطريقة مُستقيمة ومُباشِرة ومُقنِعة بحيث تُبرهِن في النهاية على أن الإسلام دين سلام لا يُعادي إلا من يُعاديه ويكف عن كل مَن كف عنه بل يتودد إليهم ويلاينهم ويُحاسِنهم ولا يُخاشِنهم، قال الله لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۩.

– قاطع المُحاوِر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً هناك مَن يقول بنسخ هذه الآية، فأجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً سآتي عليها، صبراً، ثم فأكمل المُحاوِر حديثه قائلاً سأكون مُشاكِساً هذا المساء، فرد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً صبراً، أنت تحتاج إلى الصبر أكثر من المُشاكَسة، اصبر، صبراً آل بلجيكا إن شاء الله، الإمام الكبير الفقيه المالكي الفذ أبو بكر بن العربي – الفقيه ابن العربي رحمة الله عليه – فسر البر هنا بأنه إعطاؤهم ومنحهم من أموالنا، أي أن نُعطيهم من حلال أموالنا، فنتودد إليهم بإعطائهم المال أيضاً أو سواء بنوا به مُتعبَداتهم أو دعموا حتى به دعواتهم، هم أحرار وإن كان هذا من مالنا، لأنهم كفوا عنا وسالمونا، فنحن لا نُقابِلهم ولا نُكافي كفهم بأن نكف عنهم فقط بل نتودد إليهم، هذا هو الإسلام العظيم، والآن سيأتي موضوع النسخ وغير النسخ وإلى آخره، فنأتي الآن مرة أخرى إلى ما كنا فيه ونقول لماذا نحن لسنا مع هذا الاقتراح؟ لأن النصوص دون أن نُؤكِّد هذا بأي طريقة من الطرق تتجارى كلها إلى تقرير معنىً واحد مبثوث في نسيج كل الآيات القرآنية، وأنا أقول لك أن الخُطة السهلة والتي لا يُمكِن أن تخرق شرط الاتساق – هذا الشرط علمي في بناء أي نظرية وأي تصور علمي – هى هذه الخُطة التي تقول الإسلام لا يسمح بالعدوان، ونقصد العدوان بالمعنى المُثلَّث، لأن السادة الفقهاء عبر العصور ذكروا معاني ثلاثةً للعدوان، أولاً أن نبدأهم وقد كفوا عنا، وهذا الأصل في العدوان، وهذا يدخل دخولاً أولياً في العدوان، وبلا شك نحن منهيون عنه، قال الله وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، وبالمُناسَبة لا يُمكِن لهذا التعليل أن يُنسَخ، والذين نسخوا هذه الآية بآية السيف التي تحيروا أي الآيات هى، هل هى الخامسة من سورة التوبة أم التاسعة والعشرون أم السادسة والثلاثون أم الحادية والأربعون، ثم ذهب بعضهم إلى أنها إن كانت أياً منها فقد نسختها آية القتال في سورة القتال أو محمد التي تقول فَإِذَا فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ۩، ثم منهم مَن عكس فقال بل آية محمد منسوخة بآية السيف، فهذا تهوك وتخبط وتحير كبير، وأنا أقول أن هؤلاء غفلوا عن أن مثل هذا التعليل الإلهي الحكيم الكريم لا يُمكِن أن يُنسَخ، لماذا؟ لأن هذا الحُكم بالنهي عن العدوان وبالتنفير من العدوان مُعلَل بعلة بطبيعتها لا تقبل النسخ وهى أن الله لا يحب العدوان، قال الله إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، فإذا أردت أن تنسخ هذا الحُكم وتقول الإسلام يُجوِّز العدوان وهذه الآية إحدى المنسوخات بآية السيف فهذا يقتضي مُباشَرةً بضربة واحدة في خُطوة واحدة أن تقول – يلزم منه أن تقول – الله الآن صار يُحِب العدوان – أستغفر الله العظيم – وهو الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرماً، والقرآن ملآن وغاصٌ بالآيات التي تُؤكِّد أن الله لا يظلم، وهذا من الظلم، فالعدوان له معنى مُثلَّث إذن، أولاً بدائتهم بالقتال في الشهر أو في الأشهر الحرم، وهذا عدوان طبعاً، ثانياً بداءة مَن لم يبدأنا بالقتال، وهذا عدوان، ثالثاً وأخيراً فعل ما نُهينا عنه في القتال – في ميدان القتال – من قبيل قتل النسوان وقتل الولدان وتخريب العامر وتقطيع الأشجار المُثمِرة وإلى آخره، فهم قالوا هذا عدوان أيضاً، وأنا أقول لكم كما قال العلّامة محمد رشيد رضا – رحمة الله تعالى عليه – أن المعاني الثلاثة مُرادة وتدخل في في هذا الفعل المنفي – وَلاَ تَعْتَدُواْ ۩ – والمنهي، يقول رشيد رضا مثل هذا الفعل يقتضي العموم، أي يعم المعاني الثلاثة، وهذه الغاية – كما قلت لكم – تتجارى الآيات إلى تقريرها، أي إلى تقرير هذا المعنى، والآن نأتي إلى الأشكالات، لأن سيُقال لك هناك آيات أمرتنا بقتال كل المُشرِكين، وقد سمعتم الآن طرفاً يسيراً يُؤكِّد أنها لم تأمر بقتال كل المُشرِكين، فلم يبق إلا أنها آمرة بقتال نفر مخصوصين من المُشرِكين هم الذين بدأونا بالعدوان، وهناك قاعدة في الأصول يا أحبتي في الله مُهِمة جداً جداً، وهى قاعدة حمل المُطلَق على المٌقيَّد، فلدينا آيات تأمر بالقتال ولدينا آيات تأذن وتأمر بالقتال مُقيَّداً بكونه رد عدوانٍ، هل نحمل فعلاً المُطلَق على المُقيَّد؟ هذه قاعدة، المُطلَق يُحمَل على المُقيَّد قولاً واحداً – طبعاً هناك أقسام أربعة – في حالة ماذا؟ في حالة اتحاد الحُكم واتحاد السبب، للتبسيط لدينا آياتان، كلتا الآياتين تأمر أو تأمران – كلاهما فصيحان كما قال تعالى كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ۩ فإذن مُمكِن أن يُقال آتت أو آتتا أيضاً – بقتال الكفار، فهذا الحُكم، الحُكم هو الأمر بالقتال، إذن الحُكم مُتحِد وهذا أولاً، ثانياً آية مُطلَقة بلا قيد وآية قُيِّدَ فيها الحُكم بأن يكون قتالاً رداً لعدوان، السبب – لابد أن يتحد السبب في الموضوعين – عند جماهير الفقهاء باستثناء إمامي أبي عبد الله الشافعي – أي باستثناء السادة الشافعية – هو العدوان، وهذه مسألة في الفقه – في فقه الجهاد – مشهورة، فنحن مأمورون بقتال الكفار، والسؤال الآن لماذا؟ هل لكفرهم أم لحرابهم؟ الحراب هو الحرابة، ومعنى الحراب أو الحرابة العدوان، أي أنهم يبدأوننا بالعدوان، فهل نحن مأمورون بقتالهم لكفرهم أم لحرابهم؟ مالك وأبو حنيفة وأحمد والأوزاعي طبعاً والثوري وابن شُبْرُمة وفقهاء الشام – على أننا مأمورون بقتالهم لحرابهم، الشافعي قال لكفرهم، وإذا اتسع الوقت سأُثبِت لكم أن الصحيح ليس رأي الإمام الشافعي بل رأي الجماهير، ولا يُمكِن أن يصح رأي الإمام الشافعي لأنه مُثقَّب باعترضات قوية جداً جداً ومُتناقِض، فهو يتناقض مع نفسه.
– قاطع المُحاوِر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم فسمح له بالحديث قائلاً تفضل، ومن ثم أكمل المُحاوِر كلامه قائلاً أنت ذكرت الاستثناء وهو الشافعي، ومعروف هذا الاستثناء، لكن هنا بالضبط قد نجد في التفاصيل – وفي التفاصيل يكمن الشيطان كما يُقال – تفاصيل كثيرة استثناءات، في فقه الجهاد – مثلاً – وفي فقه الحرب وقفت على نصوص تندى لها الجبين للفقهاء تُعاكِس تماماً النصوص الأصلية طبعاً، ولهذا تبقى القراءة التي تُحاوِل استثمار الفقه التقليدي أو الفقه المورود – حتى أصول الفقه المورود الذي ورثناه ينطبق عليه هذا – تبقى دائماً محدودة وخاضعة لهذا الشد والجذب بين قال أبو حنيفة وقال الشافعي ولا تتجاوز هذا الحد، وهذا المُشكِل الآن مع الشباب الداعشي وآخرون، وهو أنهم دائماً مُخلِصون لقراءة مُعينة من التراث، فهم مُخلِصون لها ولهم أصول عند هذا العالم أو ذاك أو عند هذا المذهب الفقهي أو ذاك، وهذا ما قد يقوله قائل، وحتى نُجذِّر النقاش أكثر نقول أن قضية السلام والسلم تتعلق خاصة في العلاقات الأسرية أيضاً بنصوص، فالنصوص هنا ليست فقط عن علاقة المسلمين بالآخرين ولكنها حتى عن العلاقات الأسرية وضرب المرأة مثلاً وإلى آخره، فهذه النصوص ألا تتطلب منهجية أو مُقارَبة أخرى غير المُقارَبة اللغوية؟
– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً إذن سؤالان، فأنا أُحِب الوضوح ومن ثم لنكن واضحين، السؤال الأول ما الذي يُمكِنك أن تفعله وأن تُقدِّمه بين يدي القراءة الداعشية وغير الداعشية؟ ما الذي يُمكِنك أن تفعله؟ هل تعتقد أنك حين تتجاوز الآليات التقليدية – كما قلت – في أصول الفقه والمُقارَبات السيمانتيكية أوالدلالية أو اللغوية وإلى آخره وتأتي الآن على طريقة بعض مَن يدعي التجديد والتنوير بمناهج مجلوبة غير ناضجة بل هى أقرب أن تكون فطيرة ويُراد إسقاطها إسقاطاً بالإكراه لاستمثار معاني مُعينة في ذهن المُؤوِل سابقة أصلاً أن هذا سيُقنِع داعش والذين اقتنعوا بتراث داعش؟ هذا لن يحدث أبداً، لكن الأفضل يكون حين تنطلق من قراءات – كما فعلت قُبيل قليل – وتقول هذا رأي الجمهور وأنا مُنحاَز إلى رأي الجماهير – بفضل الله تبارك وتعالى – كقارئ – مثلاً – أو كمُؤوِل ولكنني لن أقف عند هذه القراءة بل سأُعمِّقها وسأُثريها وسأُخصِّبها وليس بإضافة لواحق بالعكس بإضافة إطار مقاصدي، وهذا سيُوضَح لكم إن شاء الله في مُحاضَرة غداً بإذن الله تعالى، وأنا عندي طريقة خاصة – قد أُصيب وقد أُخطيء – في هذه القراءة الأصولية، والقراءة المقاصدية ذهبت بها شوطاً إلى الأمام أو خُطوة إلى الأمام، وسوف نرى غداً هذا، علماً بأننا سنُطبِّقه على موضوع الجهاد وعلى موضوعات كثيرة أخرى بما فيها أيضاً قضايا في الزواج والأسرة، وأعتقد أن هذه الطريقة أحسن بكثير سيما أنها طريقة مُحكَمة وقوية، لأن – كما قلت قُبيل قليل وألمعت إلى هذا – هذه الطريقة تحفظ للقرآن الكريم اتساقه فضلاً عن اتساق النظرية في فهمه، بمعنى ماذا؟ نحن سنُقدِّم مُقارَبة للقرآن الكريم تُثبِّت أن كل آيات القتال آيات مُحكَمة وليس فيها ناسخ ومنسوخ، فكلها مُحكَمة لأننا لم نُسلِّط بعضها على بعض فضلاً عن أن نُسلِّط – كما قلت لكم – آية لا تزال تقريباً مجهولة، وإلا ما هى آية السيف؟ غير مُحدَّدة تماماً، يُقال إما وإما وإما، فيها أربعة أو خمسة أقاويل أو نحو ذلك، فلا نُسلِّط هذه الآية مجهولة الهوية تماماً على مائة وأربع عشرة آية كما قال الإمام الزركشي، والفقيه أبو بكر بن العربي ذكر هذا في كتابه الناسخ والمنسوخ الذي طُبِعَ مُحقَقاً – طباعة مغربية – وقال نعم هذه الآية نسخت مائة وأربع عشرة آية، وفي الحقيقة هى لم تنسخ مائة وأربع عشرة آية بل هى نسخت أكثر من خمسمائة آية، كل آية فيها أمر بالصفح وبالعفو وبالصبر وبالمُحاسَنة وبالإغضاء وما إلى ذلك قيل هى منسوخة، فهم يقولون لك هذه مسنوخة لأن نسختها آية السيف، لكن هذه الطريقة في نظري مع احترامي لأئمتنا الذين تعلمنا عند أقدامهم عبثية وخطيرة جداً جداً جداً جداً ولا تخدم لا القرآن ولا الفقه ولا الإسلام، إذا كان بالإمكان أن نُقدِّم مُقاَبة أخرى تحفظ للقرآن اتساقه ومُحَميته فهذه لابد على الأقل أن يُنظَر فيها وأن تُحترَم مبدئياً، والذي عنده اعتراض من داعش أو غير داعش يأتينا بالأدلة وسوف نرى، وعلى كل حال نحن نُراهِن على ماذا؟ نُراهِن على صدق نية الجمهور، أي أنهم يُحِبون أن يفهموا دينهم حقاً، والمسلم الحق ليس هدفه أن يقتل أو يُخرِّب أو يكع أو يجبن لكن هدفه أن يُرضي الله تبارك وتعالى، فحين يترجح له أن هذا مُراد الله وأن هذا قصد الله وأن هذا حُكم الله – تبارك وتعالى – فإنه سيصدع به وسيبخع له إن شاء الله تعالى، أليس كذلك؟ نحن نقول ما عندنا وليقولوا هم ما عندهم، وعلى كل حال أنا نصيحتي لنفسي ولإخواني أن من أحسن الطرق في الإصلاح ألا تشتبك مع أُناس بشكل شخصي، أنا ليس لي ثأر لا مع داعش ولا مع الدواعش، أنا عندي ثأر مع الأفكار، ونحن نُصارِع بين الأفكار، فكر يصدم فكراً، وكما يقول المثل الفارسي أو التركي عند اصطدام الآراء تبرق بارقة الحقائق، فهذه هى طريقنا، إذن ليتسع صدركم وصدر غيركم من الناس لسماع هذه الطريقة حتى النهاية.
– قال المُحاوِر وعد – إن شاء الله – أننا غداً سنسمع من الأستاذ عن هذه المسألة، وأنا حتى لا أريد أن أدخل في تفاصيل قضية الاجتهاد وإعادة تأويل الاجتهاد وما إلى ذلك، وسأترك هذا إلى غداً إن شاء الله، الآن في قضية السلام في العالم الإسلامي هناك مشاكل سياسية عديدة، هناك الآن انتفاء أو تركيز بوسائل الإعلام العالمية والعربية وأخرى على الأطروحة التالية التي تقول أن هذا العنف آتي من الطبيعة العنيفة للإسلام وللدين، وطبعاً هذا بمعزلٍ عن السياقات الجيوستراتيجية التي أفرزت ظاهرة داعش أو ظواهر أخرى، وهناك عامل آخر أُريد أن أسألك عنه وهو قضية الاستبداد في العالم العربي، إلى أي حد كانت قضية الاستبداد السياسي هى أصل هذا العنف الموجود الآن أم أن القضية مُراكَمة؟

– رد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً أول شيئ أنا أتحفظ طبعاً وأرفض مبدئياً قول الطبيعة العنفية للإسلام، فهذه فرية بلا مرية، أنا أُريد مَن يقفني أو يقف بي على مصادر هذه الطبيعة العنفية، ائتني بأدلة من الكتاب ومن صحيح السُنة والسيرة الثابتة الصحيحة بلا مرية على هذه الطبيعة العنفية، يُوجَد مقطع في اليوتيوب YouTube أنا أنصح أن تدخلوا عليه لكاتبة ومُفكِّرة يهودية أمريكية – والله من أروع ما يكون – قرأت القرآن لفترة مُحدَّدة – وبالذات موضوعة القتال والجهاد – وتكلمت بكلام من أروع ما يكون، دمغت به كل هذا الموقف المُتشنِّج والمُفتري أيضاً،
موقف البهتان – بهتان القرآن وبهتان الرسول محمد – طبعاً، كأن يُقال أنه كتاب عنف ونبي عنف، قالت هم يقولون القتال في الإسلام أو الجهاد في الإسلام دعوة إلى العنف لكن هو بحسب القرآن قتال من يُقاتِلنا فقط، قاتل مَن يُقاتِلك ولا تعتدي لأن الله قال إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ۩، وأيضاً إذا قاتلته وظفرت به ليس شرطاً بل لا يجوز أن تنهيه، يُمكِن أن تقبل منه الجزية، مبلغ تافه يسير تأخذه وتتركه، فتتركه على دينه أيضاً، وهكذا أتت بخمسة قيود وهى تقول هذا هو القتال، تُريد أن تقول قرآنياً لأنها تستنطق الآيات وهى يهودية أمريكية، فهى تقول أكبر أكذوبة أن هذا الكتاب عنيف، واضح أنه ليس عنيفاً بالمرة، كيف يُمكِن لدين إسمه الإسلام أن يُقال عنه هذا؟ الإسلام هو السلام، مُشتَق من مادة سلم، قال الله ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ۩، فقيل هو الإسلام، السلم هو الإسلام، وتحية المسلمين بل تحية المسلم أصلاً للعالم السلام عليكم، وإسم من اسماء الله الحُسنى السلام، والجنة دار السلام، قال الله وَتَحِيَّتهمْ فِيهَا سَلَام ۩، وقال أيضاً لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ۩، فضلاً عن أنه قال وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۩، والنبي يقول أبغض الاسماء إلى الله – تبارك وتعالى – حرب ومرة، في موطأ الإمام مالك – رضوان الله عليه – عن يحيى بن سعيد القطان مُرسَلاً – هذا من صحيح مُرسَل يحيى بن سعيد – النبي قال للقحةٍ – ناقة تُحلَب – مَن يحلُبهَا أو مَن يحلُبُها؟ فقام رجل، قال ما إسمك؟ قال حرب، فقال اجلس، لأن النبي يُريد أن يقول للناس أنا أكره حتى هذا الإسم ولا أتفائل به، ولك أن تتخيَّل هذا، هذا شيئ عجيب، ثم قام رجل آخر قال أنا، فقال ما إسمك؟ قال مرة، فقال اجلس، ثم قام ثالث، فقال ما إسمك؟ قال يعيش – دعوة حياة ودعوة إنتاج وليس دعوة ذبح وسلخ وحرق -، فقال احلبها.

نعم احلبها، ومع ذلك يُقال الإسلام دعوة عنيفة وهذا كتاب عنيف وهذا دين عنيف، وفي القرآن وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ ۩،

في قصة السبعين الذين تدلوا على الرسول في الحديبية – القصة المشهورة – ووقعوا بأيدي رسول الله وأصحابه أرادوا بعد الحديبية وبعد أن أمضوا وثيقة العهد أن يغدروا بالرسول وأصحابه، أرادوا حتى نفس الرسول أن يُقتَل، فماذا فعل بهم النبي؟ عفى عنهم، عفى عن السبعين لأنه رسول عنيف، فهو عنيف يُريد فرصة فقط، وطبعاً يوم فتح مكة – يوم ما فتح مكة عليه السلام – ما شاء الله أعمل فيهم السيف ووضع فيهم السيف وأسال دماء الألوف من الكبار والصغار، لكن هذا لم يحدث، فقط قال بكلمة واحدة اذهبوا فأنتم الطلقاء، ولذا هو نبي عنيف، علماً بأنني قلت في مرات عديدة – هذا لا نُدرِّسه – أن النبي لم يقل لهم مَن أسلم فهو آمن أو مَن دخل المسجد الحرام مسلماً فهو آمن أو مَن أغلق عليه باب داره مسلماً فهو آمن، لم يقل هذا أبداً، وإنما قال مَن دخل المسجد الحرام فهو آمن، مَن دخل بيته فهو آمن، مَن دخل دار أبي سفيان – وكان يُحِب الفخر – فهو آمن، وفي النهاية قال اذهبوا فأنتم الطلقاء.

واشنطن إيرفينج Washington Irving في كتابه حياة محمد في آخره اهتز، هذا الراوي والأديب والمُؤرِّخ الأمريكي الشهير يقول لو لم يكن في محمد من دلائل النبوة والرسالة إلا هذا الفعل لكفى به دليلاً على رسالته، هذا عفوٌ لا يقدر عليه إلا نبي رسول، ومع ذلك يقولون لك هذا نبي عنيف وهذا دين عنيف، أُحِب أن أعرف أين هذا العنف؟ هذا شيئ غريب، ماذا فعل النبي بأسرى بدر؟ ويُوجَد ما هو أكثر من هذا، علماً بأننا بالذات لا يُزعِجنا حقيقةً أن يأتي مَن ظلوا إلى عهدٍ قريب وسيرتهم معروفة جداً في الحرب وفي الأسرى وفي المُنهزِمين كيف هى وكيف كانت ليقولوا لنا هذا، ونحن لدينا كتاب من أول يوم، في آية من سورة إسمها القتال تقول فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ۩، فطبعاً يقولون لك هذا دين عنيف، لأن من المفروض – ما شاء الله – أن نذهب إلى الحرب – إن شاء الله – لنرد عن أنفسنا ونعطيهم الأوراد والأزهار، طبعاً ماذا يكون في الحرب إلا القتال وضرب الرقاب؟ فقط قاتل ومقتول، قال الله فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ۩، يا الله، يا دين العنف، يا كتاب العنف، هم انهزموا الآن وعليهم الدبرة ودالت عليهم دولتهم ونحن لنا النصر والظفر فنُريد أن نعرف ماذا نفعل؟ يقول الله إما أن تمن عليهم بلا شيئ وتُطلِقهم لوجه الله وإما أن تُفاديهم، لكن أين السبي؟ لا يُوجَد أي سبي، أين الاستعباد؟ لا يُوجَد أي استعباد، أين القتل؟ لا يُوجَد أي قتال، وهذا شيئ عجيب، ثم يقول حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ۩، والأشبه – كما قلت أنا في موضوع مُعين – أن حَتَّىٰ ۩ هنا ليست للغاية وإنما للتعليل، الله يقول أنا شرعت هذا الحُكم كخُطوة واضحة وقوية وجريئة ورحيمة في سبيل تحقيق سلم عالمي -المُحاضَرة اليوم عن السلم العالمي – وفي سبيل انهاء مُؤسَسة الحرب إن أمكن، فهذه خُطوة إذن، خُطوة غير طبيعية لكي تنتهي هذه المُؤسَسة اللعينة، ولك أن تتخيَّل هذا، لكن لم يحدث هذا لأسباب وأشياء كثيرة!

إذن أنا من البداية أُسجِّل تحفظي لأن لا يُمكِن أن يُقال الطبيعة العنفية للدين، لا تُوجَد طبيعة عنفية، تُوجَد طبيعة رحيمة وطبيعة مُسالِمة على الإطلاق، ثم أنك تتحدَّث الآن عن قتال ديني وقتال يتم بإسم الدين وبإسم الآيات وبإسم الأحاديث وبإسم النصوص، لكن هذا القتال الديني من المفروض أن يتغيا أي الغايات؟ غايات إدخال الناس في الدين، أليس كذلك؟ لأنه قتال ديني، أنت تقول لي هذا قتال ديني وتقول لي هذه هى الحرب المُقدَّسة Holy War، والحرب المُقدَّسة هى مُقاتَلة الناس وقتلهم من أجل استتباعهم دينياً، أي أن يصيروا على ديني وإلى ديني، فهل هذا في القرآن؟ القرآن يقول بكلمة واحدة لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله عليه – حين ذهب ليُفنِّد موقف الإمام الشافعي ،فنَّده تقريباً من ستة أو سبعة وجوه من أحسن ما يكون كطلقات الرصاص وقال لو كانت العلة في الأمر بقتالهم كفرهم وليس حرابهم لكان في هذا أعظم الإكراه على الدين والله يقول لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩!

أعظم الإكراه أن تقول لي سأُقاتِلك حتى تُسلِم، على أن الله حين أمر بقتال المُعتدين من المُشرِكين ومن أهل الكتاب لم يقل هذا، وبالمُناسَبة لنا لفتة بسيطة اعتمدنا فيها على إضافة للشيخ الإمام المُفسِّر ابن عاشور رحمة الله عليه، ولا أدري هل سُبِقَ إليها أم لا، لكن أنا لم أقرأ لأحد آخر شيئاً يُفيد أنه سبق إلى هذه اللفتة، الشيخ ابن عاشور من بين سائر المُفسِّرين ذهب إلى أن قوله تعالى قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ ۩ عن المُشرِكين، فهو قال هؤلاء المقصودون، أي المُشرِكون وليس أهل الكتاب، ثم قال الله وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۩ فقال ابن عاشور المُشرِكون، ثم قال والصلة الثالثة للاسم الموصول تكمن في قوله وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ – قال من أهل الكتاب – مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ۩، لكن كيف؟ قال هذا هو الإدماج، علماً بأنني شرحت هذا في خُطبتين على كل حال، فهذا أحد أنواع البديع، هذا مُحسِّن بديعي إسمه الإدماج، فهو قال هذا إدماج وفسَّر ذلك لماذا، وحين أمر الله بقتال هؤلاء وأهل الكتاب في الأخير ماذا كانت الغاية؟ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ۩، لو كنا مأمورين بقتالهم من أجل استتباعهم دينياً لا ينبغي أن تكون الغاية التي ينتهي بها وعندها القتال إلا غاية واحدة وهى أن يُسلِموا، فيُقال أوضعوا فيهم السيف حتى يُسلِموا، لكن الله لم يقل هذا، وإنما قال حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩، شيخ الإسلام الإمام العلّامة محمود شلتوت في رسالته عن القتال ماذا يقول؟ هذا الرجل الذكي قال – سبقه إلى ذلك أيضاً محمد رشيد رضا في تفسير المنار أيضاً فلعله استند إليه – بذكاء كلمة الصغار هنا – حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩ – تُؤذِن بسبق تمردهم وعدوانهم، وأنا أقول هذا صحيح سيما إذا أخذنا تفسير الإمام الشافعي والشافعية عموماً وابن حزم الذي قارب أيضاً هذا التفسير في المُحلى لمعنى الصغار وأن المُراد بالصغار هنا دخولهم تحت حُكم المسلمين وأن يخضعوا لحكمنا، فنقول لهم ادفعوا جزية، ومن ثم يقولون سندفع جزية، ثم نقول لهم كفوا عنا فيكفوا عنا، فقط هذا هو معنى الصغار، يقول الشيخ شلتوت كلمة الصغار هنا تُؤذِن بسبق تمردهم وعدوانهم، وقد يقول لي أحد مِن أين لك أن الآية الآمرة بالقتال هنا لهذين الصنفين مُقيَّدة بعدوانهم ولم يُذكَر فيها قيد العدوان صراحة؟ أخذنا هذا بطريق الإشارة من قوله وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩، فهذه هى الطريقة الأصولية وهى طريقة مُحكَمة، فأنا أود مِمَن يتكلم من هؤلاء المُجدِّدين والمُصلِحين عن أصول الفقه وما إلى ذلك أن يفهمه قبل أن ينتقده، هذا علم قوي، نعم هو ليس كاملاً – Perfect – وليس تاماً لكنه علم مُحكَم وذكي وقوي إلى درجة لا تتخيلها، وأنصح أيضاً بقراءة دراسة الأستاذ البروفيسور Professor محمد يونس علي، وهو رجل من أصل ليبي وأستاذ الآن في جامعة الإمارات، فرسالته للدكتوراة كانت عن هذا الموضوع، وأخذت أحسن جائزة في ذلك العام، وأثبت فيها أن علم أصول الفقه سبق أكثر هذه العلوم وسبق بالذات التداولية سبقاً واضحاً بيّناً وتفوق عليها، وقد نُوقِشَت في جامعة ليدز وأخذت أحسن جائزة في ذلك العام، فهذا هو علم أصول الفقه، فقط تحتاج أن تفهمه جيداً وأن تتعمق فيه، وعلى كل بطريق الإشارة آذنت كلمة الصغار – وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩ – بسبق عدوانهم وتمردهم طبعاً، وإلا ما موضع وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩؟ لأنكم أنتم الذين بدأتم وبجحتم علينا وصولتم وبغيتم، فالآن لكم الصغار والذل والمهانة بأن تخضعوا لحكمنا، وحكمنا رحيمٌ جداً بشهادة العلّامة القانوني الكبير إدمون رباط المسيحي الشامي الحلبي طبعاً، والذي مات في لبنان وهو أستاذ كبير وأسَّس كليات عديدة، إدمون رباط يقول خُطة غير مسبوقة في التاريخ افتجرها الإسلام، فهى غير مسبوقة وعلى كل حال هى ملحوقة ولكن بعد قرون بشهادة أيضاً المُؤرِّخ وفيلسوف التاريخ الكبير أرنولد توينبي Arnold Toynbee، ففي دراسة للتاريخ يقول بعد قرون ستأخذ بها إليزابيث Elizabeth الأولى وهى خُطة بلا شك رحيمة وإنسانية ومُتسامِحة جداً، أي أن تعتدي علىّ فإذا أدال الله منك وأظفر بك أعطيتك حرية أن تبقى على دينك ، ولم أُعمِل حتى فيك السيف وقلت أرضى فقط منك بشيئ رمزي – هو مبلغ رمزي بلا شك – يدل على أنك كففت عن العدوان وكففت عن هذا البجح وعن هذا الصيال، فهذا هو الإسلام إذن، ثم يُقال دين دموي ودين عنيف، لكنه ليس كذلك يا إخواني وأخواتي!

(يُتبَع الجزء الثالث)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: