إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۩ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ۩ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق،القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

في كتابه عنه محمد – صلى الله على محمد وآل محمد – ذكرالقصَّاص والمُؤرِّخ والمُفكِّر الأمريكي الذائع الصيت واشنطن إيرفنج Washington Irving أن عمر بن الخطاب – رضوان الله تعالى عليه – رجلٌ يعجب المرء لعدله الصارم – وصف عدله بالصرامة، لا استثناء، مُطلَقية العدل الذي لا يُنسَّب، هذه القيمة لا تُنسَّب في منظور الفاروق رضوان الله تعالى عليه، إذن عدله الصارم – ونزاهته الصلبة – كان صلباً وثابتاً في نزاهته – وتواضعه الجم، كان مُتواضِعاً ولذلك ذكر إيرفنج Irving مُرقَّعة عمر وهو رجل يحكم إمبراطورية، ووفقاً مرةً أخرى لإيرفنج Irving نفسه فعمر بالمعنى الأتم للكلمة هو أول مُؤسِّس للإمبراطورية الإسلامية، ليس الرسول وليس أبو بكر هو مَن فعل ذلك، رسول الله أقام الدولة الإسلامية، وأبو بكر الصديق أمَّن حدودها وحوذتها ودافع عن بيضتها رضوان الله تعالى عليه، أما عمر بن الخطاب فبسطها ومدها، ولأولئكم الذين لا يعرفون إلا التهديم نقول لابد من النقد العلمي المُنصِف الذي يتوخى الحقيقة لأنه يعشقها، أي يتوخى الحقيقة لأنه يعشق الحقيقة، وعشَّاق الحقيقة هم البشر الجدراء الأحقاء بلقب وبشرف الإنسانية، أكثر ما يجعلنا بشراً وأكثر ما يجعلنا أناساً هو هذه الرُتبة من رُتب التجريد، الحيوانات لا تعرف التجريد، تعرف العياني والتشخيصي أو التعيين والتشخيص والتحديد، لكن البشر هم الذين يعرفون التجريد، ما معنى التجريد؟ يتعالون على عروقهم وعلى محاتيدهم المحتد الأصل – بغض النظر كنت عربياً أم عجميا أو شرقياً أم غربياً أو أسوداً أم أحمراً أم أسمراً أم أبيضاً، ينبغي أن أتعالى على هذا، وأتعالى أيضاً على انتمائاتي الضيقة، حتى الانتماء الديني قياساً بالمفهوم الإنساني يغدو ضيقاً، شرف أي دين وميزة أي دين من الأديان هو أنه يتأنسن بحيث يسع الإنسانية، إذا برهن ذلك فهذا الدين عالمي وهذا الدين مُتميِّز، إذا ضاق عن الإنسانية سيفشل، قطعاً في يوم من الأيام سيفشل، طرحنا الديني الآن سواء أكنا مسلمين أم مسيحين أم غير ذلك – طرح البشر أعني وليس طرح المسلمين، طرحنا نحن الآن كبشر لأدياننا ولعقائدنا ولأفكارنا – ينبغي أن يكون بسعة الإنسانية وربما يخطو أمامها خُطواتٍ فسيحة أو قصيرة فيسبقها، الفيلسوف المثالي الألماني الكبير هيجل Hegel أبو المثالية الألمانية وشيخ فلاسفة عصره تقريباً يتحدَّث في كتابه فلسفة التاريخ عن ما يُعرَف بالمبدأ المحمدي ويُسميه التنوير الشرقي، إذن إسمه التنوير الشرقي -Eastern Aufklärung أو Eastern Enlightenment – أو المبدأ المحمدي، ما هو المبدأ المحمدي عند هيجل Hegel؟ هو المُصالَحة بين الزمني والروحي، الدين لا يغدو للآخرة، الدين جاء للدنيا أيضاً، لعمارتها ولاستعماره، تصالح معها وجاء لخدمتها وتثميرها ومُبارِكتها ومنع الطغيان بإسم الروحي وبإسم الزمني معاً، المُصالَحة بحد ذاتها أكبر ضمانة وأكبر صمام أمن ضد بزوغ هذا الطغيان مرة بإسم الزمني في الكليانيّات، فكل نظم الحكم الشمولية من نازية وفاشية وشيوعية – كل هذه الكليانيّات أو الشموليات – زمنية وليست روحية، ومرة ضد كل الطغيان والعسف الديني بإسم كل الأديان سماوية وغير سماوية، التصالح بين الزمني والديني كان صمام أمان إلى حد بعيد ضد نشوء مثل هذه الوجوه من الشموليات، يقول المبدأ المحمدي أو التنوير الشرقي الإسلامي جاء مُتأخِّراً عن المسيحية بزهاء سبعة قرون إلا أن المسيحية تقاضاها الأمر ثمانية قرون زائدة إلى مطالع العصر الحديث في القرن الخامس عشر حتى تغدو هذه المسألة إشكالية لديها وتبدأ تبحث عن الحلول، في الإسلام – هذا كلام هيجل Hegel تماماً – المسألة محلولة من أول يوم، هذا هو هيجل Hegel وفي فلسفة التاريخ، والرجل مُستوعِب تماماً لتاريخ الأديان وتاريخ نظم الحكم، فلسفته السياسية مُتفرِّدة جداً وإن كنا نختلف معها في قسمات كثيرة، لكن هذا هو.
نعود إلى موضوعنا، مُؤسِّس الإمبراطورية هو عمر بن الخطاب، ليس الرسول وليس أبو بكر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – وإنما عمر بن الخطاب، ومع ذلك كان يلبس مُرقَّعةً، من قبل إيرفنج Irving بقليل – كلاهما في القرن الثامن عشر أي مُتعاصِران – إدوارد جيبون Edward Gibbon صاحب الكتاب الهائل القيمة : تاريخ اضمحلال – أفول – وسقوط الإمبراطورية العثمانية The History of the Decline and Fall of the Roman Empire، وقد تحدَّث عن عمر بن الخطاب حديث المُعجَب المأخوذ به، وأكثر أيضاً ما لفت نظر المُؤرِّخ الإنجليزي العظيم جيبون Gibbon هو تواضع هذا الرجل الإمبراطوري الكبير، يقول جيبون Gibbon يحكم عالماً مُترامي الأطراف ومع ذلك يأتيه مَرْزُبَان – المرازبة هم حكام المُقاطَعات الفارسية من غير المسلمين، يُدعَون المرازبة والمُفرَد مَرْزُبَان – فارسي لكي يُقدِّم له – على حد تعبير جيبون Gibbon – فروض الولاء والطاعة، فتأخذه الدهشة بمجامع نفسه حين يُلفي ابن الخطاب مُستلقياً لا يحميه إلا إزاره بين فقراء في إحدى طرق المدينة ودرّته إلى جانبه، شيئ غير معهود لم يعرفه الرومان ولم يعرفه الساسانيون ولم يعرفه الباباوات هنا في أوروبا بإسم الدين، لم يعرفه هؤلاء كلهم، ولذلك مايكل هارت Michael Hart الفيزيائي الفلكي والسياسي وإن كان عنصرياً – للحقيقة هو سياسي فصلي عنصري، معروفة نظرياته القبيحة جداً في السياسة الأمريكية، لكن على كل حال مايكل هارت Michael Hart حائز على عدد من شهادات الدكتوراة، وهو رجل مُثقَّف ثقافة واسعة – في كتابه الذائع الصيت جداً المائة – إسمه المائة: ترتيبٌ لأعظم الشخصيات تأثيراً أو نفوذاً في التاريخ – أجرى ترتيباً Ranking، فأين رتَّب ابن الخطاب؟ في المرتبة الحادية والخمسين من مائة على مُستوى التاريخ الإنساني، أنت تستطيع إن كنت مُثقَّفاً واسع الإطلاع على التواريخ والتراجم والشخصيات النافذة أن تُحصي ألفاً أو ثلاثة آلاف شخصية، ولكن صعب أن تُكثِّفها وتختزلها إلى مائة، ويحتل بين رقم واحد وهو محمد،وهذا أمرٌ عجيب، لكن هذا ما حدث في كتابه The 100: A ranking of the most influential persons in History، رقم واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مايكل هارت Michael Hart قال هذا وهو رجل عنصري غير مُتعاطِف معك لا كمسلم ولا كعربي، ولكن الحقيقة – الحقيقة الألقة والحقيقة الوضَّأة -أسرته وأخذت بمجامع لبه وفؤاده، قال أين مثل محمد؟ مُستحيل أن يُوجَد مثله، التاريخ لم يعرف مثل هذا الرجل، محمد مثال للنجاح مُنقطِع النظير، محمد عند الصعاليك اليوم مُهرِّج ودجال ومُتخلِّف ضحك على الأمة، هكذا هو عند الصعاليك حتى من أبناء أمتنا، وبدأ هؤلاء الصعاليك يزيدون، الذين لا يعرفون إلا التهديم، فقط التهديم، يتكلَّمون عن الله بمنطق تهديمي وعن رسوله بمنطق تهديمي، ويدِّعون الحكمة والذكاء والفهم بأثر رجعي، هؤلاء أكثر ما يتأذى بهم النقدة الحقيقيون وأصحاب المزاج الأكاديمي والعلمي الصارم، لا يجوز لباحث أو لدارس أن يدِّعي الفهم والحكمة بأثر رجعي، فمثلاً لا يجوز أن تأتي وتُحكِّم مفاهيم القرن العشرين والحادي العشرين أو حتى مفاهيم العصر الحديث برمته وبرمتها لكي تجعلها معياراً ومُستنَداً في الحكم – مثلاً – على الخلافة الراشدة أو على دولة رسول الله في المدينة، هذا مرفوض ليس فقط لدينا وإنما لدى كل باحث حول العالم يعرف معنى البحث العلمي، هذه حماقة، يكثر هؤلاء الحمقى وينبتون كالفطر الشيطاني السام ليقولوا لك والإسلام أين موقفه من الرق؟ لماذا لم يُحرِّم الرق؟ إذن فالإسلام كيت وكيت وكيت، أنت مسكين، إذا أردت أن تسب لا تسب الإسلام وإنما سب كل ما غبر ومضى، وبهذه الطريقة – إن جاز لك أن تحقر الإسلام وأن تزري عليه وأن تغمز مكانته ومثابته – عليك أن تفعلها أولاً مع أرسطو Aristotle الذي لا يُمكِن أن يخطر على بالك أنك تُساوي واحد على مليون من ذكائه وعبقريته، لا يُمكِن أن تُساوي واحد على مليون بالنسبة له، الإنسان العادي أو المُثقَّف العادي لا يُمثِّل واحد على مليون من ذكاء أرسطو Aristotle، هو مُؤسِّس عشرات العلوم، ليس فقط الفلسفة وعلم المنطق بل حتى في العلوم، هذا شيئ مُذهِل ومُخيف، ولذلك قال فيه ابن رشد الله خلقه وأخرجه من عدم الوجود لكي يُدلِّل على كمال النوع الإنساني، أي أن هذا هو الإنسان، ما يخرج من الإنسان هو ما يخرج من أرسطو Aristotle، ومات الرجل دون أن يُكمِل الستين، أرسطو Aristotle كان مُتعاطِفاً جداً قلباً وقالباً وبقضه وقضيضه مع الرق، قال لابد من الرق، وبطريقة تبتعد كثيراً عن سماحة الإسلام ورحمة الإسلام وفلسفة الإسلام في التعاطي مع مُؤسَّسة الرق، لكن يأتيك من القرن العشرين الذكي العبقري بل الأكثر عبقرية من موسى ومن عيسى ومن أرسطو Aristotle ومن أفلاطون Plato ومن سانت أوغسطين Saint Augustine ومن محمد وعمر وعليّ ومن كل ما مضى لكي يقول لك الإسلام مُتخلِف، إذن ليس الإسلام المُتخلِف بل كل الأديان والفلسلفات والعباقرة والمذاهب مُتخلِفة وأنت وحدك الذكي، يا مَن لم تصل إلى هذا الشيئ لا بجهدك ولا باجتهادك ولا بفهمك ولكن ببغاويتك، لأنك تُردِّد وتُقلِّد وتدَّعي أنك تقتعد على عرش العلم وتقتعد كرسي العلم وتحكم على ماضي التاريخ بأثر رجعي، لا يقبل مُؤرِّخ منك هذا، لا يقبله باحث علمي ولا يقبله مُنصِف، لذلك كما أقول دائماً رحم الله امرأً عرف قدره نفسه، اللهم عرِّفنا بأقادار نفوسنا، انتبهوا إلى أن هذا جزء من المُشكِل، فيأتيك أحدهم يقول لك كلاماً غير صحيح، كيف؟ يقول عمر بن الخطاب فعلها ونفى أفزع وأخرج نصارى نجران من بلادهم إلى بلاد الإسلام الأخرى – إلى العراق وتحديداً نجران العراق – وهذه جريمة، هذه تُعتبَر جريمة تطهير عرقي، وهذا مسكين طبعاً، عن ماذا يتحدث هذا؟ هذا لا يعرف شيئاً، الذي كتب هذا ويقول هذا لا يعرف شيئاً عن منطق التاريخ، لا يعرف أنه في القرون الوسطى الإسلامية والمسيحية على سواء لم تكن بعد قد نشأت ولا بزغت ولا عُرِفت الدولة القومية، لا تُوجَد دولة قومية في هذا الوقت، مفهوم الدولة الحديثة غير موجود، الدولة القومية غير موجود، كان يُوجَد مفهوم إمبراطوري توسعي، يقول رودنسون Rodinson – المُفكِّر اليهودي الفرنسي مكسيم رودنسون Maxime Rodinson – كان شيئاً طبيعياً جداً أن تخضع الشعوب لحكام من غير جنسها وعرقها ولغتها أيضاً، هذا كان شيئاً طبيعياً وعادياً لا يستدعي أي تعجب، ما المُهِم عند الشعوب؟ المُهِم هو هل تحرِّرني وتُكرِمني وتُنصفني ولو قليلاً أم تظلمني وتضطهدني وتغمصني؟ هذا هو، لذلك نقول لأمثال هؤلاء الذين كلما ذكرنا عمر أو غير عمر بمدحة قالوا لك عمر استعماري كولونيالي، كيف يُقال استعماري؟ هذا المفهوم غير موجود، هذا لا يُعترَف به، إذا فُوهتَ بهذا أمام مُؤرِّخ ضحك على جهالتك، كيف تقول استعماري؟ هذا مفهوم حديث جداً فانتبه، لا يُوجَد هذا المفهوم، هذا غير موجود في هذا الوقت، هذا في عالم آخر، أنت تتحدَّث عن عالم منسوخ بقوانين عالم معيش موجود، وهذا لا يصح في البحث العلمي فانتبه، لذلك تجد بعض الأغمار وبعض الطغام من الناس يُزرون على عمر وغير عمر، يزرون على صلاح الدين وعلى محمد وعلى عليّ وعلى كذا وكذا، لكن الكبار – كبار أعداء الأمة وكبار أعداء الدين وكبار أعداء التاريخ الإسلامي – يُعرِبون بين الفينة والأخرى عن إعجاب شديد بمحمد وبعمر وعليّ وأبي بكر وصلاح الدين ويُطأطأون رؤوسهم استحياءاً وتبجيلاً وتكرمةً لهؤلاء، وهم من الأعداء على أنهم علماء من الكبراء، هم باحثون كبار على مُستوى الدنيا والعالم كله يتعلَّم منهم ومع ذلك يُذعِنون بهذا، وهذا الطفل الصغير المسكين التائه لا يُذعِن، وإنمايسب ويُهدِّم، يحمل مرزبة معه ويحمل قدوماً يُهشِّم به كل شيئ، لكن انتبهوا إلى أن الحقائق ليست زجاجاً – والله – لتُهشَّم، الزجاج الذي يتهافت – وكل كاسرٍ مكسور – هو زجاج الشُبهات والأوهام التي يعيشها يختلقها والأزعومات والأفائك ويُصدِّقها ثم يدخل معها في حرب دنكشوتية، فإذا ما تكسرت أمامه ظن أنه انتصر على الحقائق وأنه نال من تاريخك ومن عظمائك ومن كبرائك بل من دينك ونبيك، وهذا كلام فارغ، أنت تعيش الأوهام وتُحارِب الأوهام، المنطق العلمي شيئ مُختلِف، علينا أن نتسلح بالعلم، لذلك نصيحة لنفسي أولاً ولإخواني هى اقرأوا واقرأوا واقرأوا واقرأوا واقرأوا حتى انقطاع النفس وفي الحقيقة حتى انقطاع العمر، أي من المحبرة حتى المقبرة حتى تتكلَّموا جيداً، إذا أردتم أن تتكلَّموا بكلام يحترمه العقلاء والدارسون والكبراء عليكم أن تقرأوا وتقرأوا وتقرأوا وتقرأوا حتى انقطاع العمر، أما أن تعرف لك معلومتين وثلاث معلومات وتحضر لك فيلماً وثائقياً وتقرأتحقيقاً في جريدة أو صحيفة يومية ثم تأتي تتكلَّم وتظن أنك تنال من الحقائق الراسخة رسوخ الجبال فهذا عبث أطفال، هذه ليست طريقة باحث مُحترَم يُدلي بأقوال يُمكِن أن تُحترَم وأن تُقدَّر، أقول هذا لماذا؟ غيرةً على الحقائق وغيرةً أيضاً على دستور البحث العلمي وغيرةً على شرف الكلمة، والكلمة الآن في وقتنا هذا – كما أقول دائماً – أصبحت رخيصة ورخيصة جداً، رخصت الكلمة في عهد النت Net، في عهد النت Net كل منا يعمل له صفحة وحساباً على الفيسبوك Facebook ويتكلَّم، يتكلم في الكبار والصغار بشكل عادي، لكن ما الذي سيبقى منك ومن كلامك؟ لا شيئ، لا يبقى إلا ما ينفع الناس، لا يبقى إلا ما يتوفر على الوفاء بشروط الاقتراب الحقيقي من الحقيقة والمُقارَبة العلمية الصارمة من الحقيقة، هذا الذي يبقى، بمقدار اقترابه يبقى، بمقدار ابتعاده وهزله وهزاله يذوب ويتلاشى ويضمحل ولا يبقى منه شيئ، لذلك فليتكلَّم مَن شاء بما شاء، القانون الرباني والسُنن الإلهية ستحكم على الجميع، قال الله فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ۩، هذا مثلٌ رباني يحكي سُنةً كونية، لذلك عمر احتل المرتبة الحادية والخمسين، بين رقم واحد وهو محمد بن عبد الله ورقم مائة وهو نيلز بور Niels Bohr أبو النظرية الذرية الحديثة بعد رذرفورد Rutherford جاء عمر تقريباً في المُنتصَف، وهذا شيئ غريب جداً، وكأنها رمزية لم يتقصدها قطعاً مايكل هارت Michael Hart أيضاً إلى تحقيق توازن، أتى في الوسط، لكن أي توازن؟ بمنطق هيجل Hegel التوازن الروحي والزمني، بين الدنيا والآخرة، فعمر كان هكذا، كان رجل دنيا بمقدار ما هو رجل دين، وهذا شيئ عجيب جداً، اليوم أنت تجد أحياناً الإسلامي – الشيخ أو المُتمشيخ – أول ما يبدأ يتعاطى مع الدنيا حتى يذوب دينه، يُصبِح دجَّالاً وكذَّاباً وتاجراً ويبيع المباديء ويبيع الكلمات، ما هذا؟ هذه دنيا، لأن هذا المسكين ذاق طعم الدنيا، يوم كان فقيراً زاهداً كان صاحب مباديء وكان قوَّالاً بالحق وكان نصيراً للقيم، لكن يوم ذاق طعم الدنيا نسيَ كل شيئ، هذا مسكين طبعاً، ولذلك أنا أقول لكم أن المسألة أصعب مما تتخيَّلون، عمر لم يذق طعم الدنيا فحسب بل ذاق طعم الإمبراطورية، الرجل يحكم على نصف العالم تقريباً ومع ذلك يلبس مُرقَّعة، في عام الرمادة يأكل الخبز الحاف القراف بالزيت الذي تغيَّر واستحال لونه وطعمه، ويدعو على مأدبته يوماً أحد الناس بعد أن أحيا الله الناس شيئا فصار كثيرٌ منهم يأكلون اللحم في آخر المحنة – في آخر السنة الجدباء – ومن ثم فرح الرجل بدعوة عمر – سوف آكل مع أمير المُؤمِنين طعاماً سلطانياً – فإذا بالخبز القراف – الحاف – والزيت المُتغيِّر، أكل الرجل مُعتَّلاً، وبعد ذلك قال كلمة أعرب فيها عن تذمره من هذه الأكلة، ما هذا الأكل؟ الناس بعضهم يأكل اللحم، فقال له لقد دعوتك إلى طعامي، وذاك طعام الناس، أنا لم أقل لك تعال كلُ مثل الناس، هذا طعامي وهذا ما آكله، وكان يقول – رضوان الله تعالى عليه – لن يراني الله – تبارك وتعالى – أمتليء وأشبع وآكل طيب المطاعم ، والناس في الجهد والبلاء، فكيف أكون أميراً عليهم؟ الله أكبر، كيف يفهم الإمارة هذا الرجل؟ الإمارة : أن تكون خادماً للرعية وتعيش أسوأ أحوال أسوأهم حالة، كما قال أخوه أيضاً الإمام عليّ من بعده، هذا نفس المنطق، الأمام عليّ – عليه السلام – كان يعيش حياة الفقراء، لماذا؟ قال حتى لا يتبيغ بفقيرٍ فقره، كأن يقول انظرا كيف يعيش عليّ وكيف أنا أعيش، هذا غير موجود، أنا مثلك بل أنا أسوأ منك، لكن اختياراً لا اضطراراً، فأنا رجل أملك الدنيا لكن هذا اختيار، وهو اختيار الكبراء واختيار العظماء واختيار فعلاً أولياء وحلفاء المباديء والقيم، لا باعة المباديء القيم المُتجوِّلين، هناك الباعة المُتجوِّلين للمباديء والقيم لمَن يدفع أكثر، لكن هكذا كانوا والمسألة صعبة.

لسنا نعجب ولا نندهش لمَن لم تهز أعطافهم هذه السيرة الكاملة العطرة لابن الخطاب، ويأتيك صغير أو صغرور يقول لك أمعصوم؟ متى قلنا لك أنه معصوم؟ نحن لم نُناد مرة بعصمة أحد بعد رسول الله، لا عمر ولا غير عمر، وهذا كان أولاً، ثانياً عمر خطَّأ نفسه مرات ومرات، هو الذي خطَّأ نفسه وكان يقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ولما فعلت، إذن هو يُخطِّيء نفسه، وجهلاؤنا وصغراؤنا يعرفون هذا، حين كنا صغاراً ناعمي الجلد ورقيقي الجلد التجربة والعقل كنا نتحفَّظ قصة أصابت امرأة وأخطأ عمر، أليس كذلك؟ ليس عندنا نحن المسلمين نظرية العصمة، ومع ذلك هناك مَن يقول هل عمر معصوم؟ كيف تجعله يا عدنان معصوماً؟ هو ليس معصوماً، مَن قال لك معصوم؟ إذا كنت لا أُقِّر بعصمته فهل يجب علىّ أن أُهدِّمه حتى ترضى؟ ما هذا المنطق العجيب؟ هذا منطق الحقد ومنطق التهديم، منطق أُناس لا يشتفون إلا بالتهديم، فأنا أقول لكم يا إخواني أنني لست أعجب لهؤلاء الذين لم تهتز أعطافهم لنبل وعظمة وتألق ووضاءة وبذاخة هذه الشخصية وعلوها، هل تعرفون لماذا؟ علماً بأنني لست أنحى باللائمة على طرف دون طرف فانتبهوا، هذا مرض العرب والمسلمين اليوم سنةً وشيعة، أنا لا أتحدَّث عن إخواننا الشيعة وحدهم وإن كان المقصود الآن بالذات الشيعة لمواقفهم من الفاروق، ولكن أنا أتحدَّث عن عقلية العرب والمسلمين في الجُملة، نحن عقليتنا هكذا، بمعنى الآن لو تحدَّثت مع إخوانك الشيعة تجد هذا الشيعي الذي نال من عمر لا يهتز لخمسين حكاية صحيحة عن عدل عمر ونزاهة عمر وصرامة عمر وعظمة عمر، لا يهتز ولا يتأثر بل يميل إلى تكذيبها ودحضها على أنها صحيحة ثابتة مُتواتِرة، عمر تواتر عدله، لم يُشهِره بين الناس إلا عدله، أليس كذلك؟ عمر معروف في العالمين عند اليهود والنصارى والمجوس والصابئة بعدله، عندما ذهب بعض إخواننا الشيعة لينالوا من عدله أكَّدوا عدله دون أن يدروا، ولكنها الأغراض تُعمي وتُصِم، فالمُرتضيان – نعود إلى المُرتضيين وهمامُرتضى جعفر العاملي ومُرتضى الشيرازي – يزعمان أن عمر قال مَن كان له جارٌ نبطي واحتاج يوماً إلى ثمنه فليبعه، والملف لا زال مفتوحاً وفيه نقاط – كما وعدتكم – لابد أن نستوفي الكلام فيها وعليها، وهو ملف عصبية عمر، هل المقصود العصبية الدينية؟ يا ليت، عمر لو قالوا أنه مُتعصِّب دينيا ً فإن هذه نصف مُصيبة، والإسلام ليس فيه تعصب، قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ وقال أيضاً لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩ فضلاً عن أنه قال لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ ۩، لكنهم قالوا هو مُتعصِّب عرقياً عروبياً، أي أنهم قالوا عمر عروبي فلعله كان من أتباع ساطع الحصري ونحن لا نعرف، كيف هو مُتعصِّب للعروبة؟ عروبة ماذا؟ هذا لم يكن موجوداً، نعم بنو أمية كانوا كذلك لكن عمر ما كان كذلك أبداً، ومع ذلك يُقال هو مُتعصِّب للعرب، مُتعصِّب للعرق العربي وللجنس العربي، إذن ما القصة؟ فالوا القصة أن عمر قال مَن كان له جارٌ نبطي واحتاج يوماً إلى ثمنه فليبعه، الله اكبر، عدلوه بفرعون بل هذا أسوأ من فرعون، جار ومُواطِن في الدولة المسلمة ضمن الميثاق السياسي والاجتماعي الذي تواثق عليه الناس إن احتجت إلى ثمنه – أي هذا النبطي – أبيعه، والعجيب أن مُرتضى الشيرازي ماذا قال؟ انتبهوا إلى هذا، وهو موجود على اليوتيوب YouTube، قال النبط قبيلة من العرب، لقد تناقضت يا رجل، بماذا تهرف؟ أنت تأتي بنقول لتُؤكِّد عصبيته على الأعاجم وإن أسلموا وعلى أن الرجل كان تتآكله عصبية عروبية، والآن تقول النبط أو الأنباط – مدينتهم العظمى البتراء كما تعرفون – قبيلة من العرب، الأصح في تحقيقات المُؤرِّخين أنهم عرب، يُوجَد اختلاف إلى اليوم لكن المُؤرِّخين من المُستشرِقين وغيرهم صحَّحوا عروبتهم أكثر من عجميتهم أو من عُجمتهم، قالوا هم في الأرجح عرب على كل حال، وحتى كتاباتهم أصل في الخط العربي، فالأنباط في الأرجح أنهم عرب، وإلى اليوم حتى يُقال لك الشعر النبطي، فهذا شعر عربي في الجُملة، فيقول لك مُرتضى الشيرازي – وصح قوله – والنبط قبيلة من العرب، وهذا مُمتاز يا حبيبي، إذا كانوا من العرب فإذن لا يصح أن يُحتَج بهذه الأكذوبة والأزعومة على عصبية عمر ضد العجم، ما دخل العجم هنا؟ هذا عربي ضد عربي، ما هذا الكلام؟ الكلام أصبح غير راكب على بعضه البعض كما نقول بالعامية، ولذلك الغرض مرض لأنه يجعل الإنسان يهرف بما لا يعرف فيتكلَّم ضد نفسه دون أن يدري، لكن سأتحدَّث عن هذه القصة، وقبل أن أتحدَّث عنها من جهة الأسانيد ومن جهة الخطام والزمام ، لابد أن أقول للأسف تجد الشيعي – وطبعاً مثله السُني في المُقابِل إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي ۩،هذا موجود هنا وهنا والمرحومون هنا وهنا – يغض الطرف عن زعيم شيعي مُعاصِر قد يكون قائداً سياسياً أو كذا وله مظالم وله فواحش في الظلم، يُقول هو شيعي ولذا هو مُمتاز، هو عندك مُمتاز لكن عمر بن الخطاب بكل هذا العدل الوضَّأ وبكل هذا الزهد وبكل هذه العظمة ليس مُمتازاً ولا يسوى شيئاً، فابحث عن إنسانيتك، وهنا قد يقول لي أحدهم وماذا عن السُنة؟ نفس الشيئ ونفس العقلية، أنا لاأتحدث عن السُنة دون الشيعة أو العكس، نفس الشيئ عند السُنة طبعاً، عند السُني مُعاوية رغم كل ظلمه وكل أخطائه وكل بلاياه على العين ونعمة عين ورأس بل ومائة نعمة ورأس، لأنه منا ومن طائفتنا ومن ثم نُدافِع عنه، ورثنا الدفاع عنه دون أي كلام، ما هذا؟ لماذا؟ أنا أقول لك مُشكِلة الشيعة كمُشكِلة السُنة الآن، نحن لم نتعلَّم ولا نتواصى بأن نتعلَّم أن يكون ولاؤنا وحبنا وانحيازا إلى القيم وإلى المباديء وإلى المعاني، لا للطوائف وللمذاهب والأشخاص أو الشخوص، بمعنى أننا لم نتعلَّم أن نُحِب العدل، علَّمونا أن نُحِب عادلاً ليس لأنه تمثَّل فيه العدل وليس لأنه عكس العدل والعدالة أبداً ولكن لأنه منا، فقط لأنه منا، فلأنه سُني نُحبه، انتبهوا إلى هذا، لكن لو وُجِد رجل عادل وعدل لكنه غير سُني فإننا لا نُحِبه، هذا كخة كما يُقال، هو لا يُساوي شيئاً، انتبهوا إلى هذا، هذا المنطق خطير جداً جداً وهو يأكل الشيعي كما يأكل السُني، هل تعرفون ما لوازم هذا المنطق؟ أننا ببساطة يُمكِن إذا صار لنا الأمر ومُكِّنا في الأرض ووصلنا إلى سُدة السُلطة – ببساطة بل بالعكس أنا أقول لكم أن هذا هو المُرجَّح والأرجح بنسبة تفوق السبعين في المائة – أن ننزلق فنصير ظالمين وطواغيت، وهذا أمرٌ عجيب، ونحن ضحايا الظلم والطغيان وضحايا الظلمة والطواغيت، كيف صرنا ظلمة وطواغيت؟ هل تعرفون لماذا؟ لأننا لم نتربَّ يوماً على أن نكره الظلم، ليس فقط الظالمين وإنما الظلم، حين أظلم أنا وحين أقع في ظلم علىّ أن أكره نفسي في هذه اللحظة أو أن أكره فعلي على الأقل في هذه اللحظة وأن أبرأ منه وأن أعترف فأقول أنا كنت الباديء كما فعلها الصحابة، الصحابة كانوا هكذا، أبو بكر بكى مرةً – في الحديث الصحيح المُخرَّج في الصحيح – لأن رسول تغيَّظ على عمر، ورسول الله لا يسخو – كما نقول – بأبي بكر، لا يُسامِح لأن أبا بكر أمره مُختلِف، لكن إلا القيم، إذا المسألة مسألة المباديء والقيم فلا اعتبار لأبي بكر ولا عمر ولا عليّ ولا أي أحد عند الرسول، ونعلم ما حدث يوم أغضب أبو بكر سلمان الفارسي وبلالاً وصهيب الرومي في قضية أبي سفيان، مر عليهم أبو سفيان فقالوا – هذا في صحيح مسلم – ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، أي عدو الله يدرج ويمشي على الأرض إلى اليوم، فقال لهم أبو بكر أتقولون هذا لسيد قريش؟ يُريد أن يتألَّفه ويتحنن قلبه، فبلغت الحكاية رسول الله، الرسول الآن غضب على مَن؟ على أبي بكر، قال يا أبا بكر إن كنت أغضبتهم فقد أغضبت الله، هم لم ترم أنوفهم إلا لله ولدين الله، وهذا الرجل كان طاغية، هذا كان طاغوت قريش، يتمنون أن سيوف الله لو أخذت منه مأخذها، لكن للأسف هو واتته الفرصة ونجا، لكن أبو بكر عنده موقف مُختلِف، يُريد أن يتألَّف قلب الرجل فقال هذه الكلمة، قال النبي إن كنت قد أغضبتهم فقد أغضبت الله أو قال أغضبت ربك، مُباشَرةً – قيم هنا ومباديء دون أي استثناءات – ذهب إليهم أبو بكر قائلاً يا إخوتاه – أي يا إخواني – هل أغضبتكم؟ استغفروا لي، قالوا غفر الله لنا ولك يا أبا بكر، لا تثريب عليك، انتهى الأمر مُباشَرة، هذه هى القيم، هذا هو، إذن نحن يُمكِن أن ننزلق، لماذا؟ لأننا لم نتعلَّم أن نكره الظلم والطغيان، أبو بكر حين لاسن عمر ولاسنه عمر بلغت المسألة الرسول فتغيَّظ، الرسول أظهر غيظاً على عمر، فجعل أبو بكر يبكي لأنه يخاف على أخيه أن يهلك بغضب رسول الله عليه، وقال يا رسول الله والله أنا كنت الباديء، قال أنا كنت الباديء بمعنى أنا الأظلم، أنا الذي ظلمته، أنا الذي بدأت بهذا العدوان، انظروا إلى هذا، لماذا أبو بكر يفعل هذا؟ العدل، ليس أن تأتي بمَن يحلفون أعظم واوثق الأيمان زوراً لكي تأخذ مال أخيك، ليس أن تضع يدك على المُصحَف وتحلف لكي تأخذ حق أخيك وتُسوِّد سمعة أخيك، أحقر ما يُمكِن أن ينزلق إليه الإنسان هذا بعد الشرك بالله، أي ظلم العباد وظلم الناس، إياك إن تفعل هذا، إن كنت تعلم أن سكوتك عن كلمة أو سكوتك عن حقيقة أو نطقك بحقيقة يُمكِن أن يُضيِّع أخاً لك أوإنساناً أو يُضيِّع ظلماً إياك أن تسكت أو إياك أن تتكلَّم، تكلَّم واسكت بما يُظهِر الحقيقة والعدل يا رجل، أنا – والله الذي لا إله إلا هو – لا أجد إيماني بالله – لا أجد معنى للإيمان بالله – إلا في هذه الأشياء، إذا لم تتعلَّموا فهذه مُصيبة والله، وأُقسِم بالله على هذا، البعض وأنا أتكلَّم الآن قد يقول أخذته حماسة وعاطفة، لكن أنا في الحقيقة مُستاء جداً، في الوضع الأخير وفي السنين الأخيرة مما يتفق لي أن أعيشه وأن أُشاهِده وأن أسمعه أصبحت مُحبَطاً، والله الذي لا إله إلا هو لقد كرهت الدنيا، أعيش فيها – والله – وأنا أكرهها، وأتساءل هل يُؤمِن الناس حقاً بالله؟ هل تُؤمِنون بالله؟ هل نُؤمِن بالله؟ أتساءل، صرت في شكٍ من نفسي وفي شكٍ من هذه القضية، هل نُؤمِن بالله؟ لأن الله لا يُمكِن أن يكون كلمة على اللسان، الله – لا إله إلا هو – لابد أن يكون قوةً تُرغَب وتُخشى وتُهاب، لا يُمكِن أن أحلف بالله كذباً مهما حدث، لا تفعل هذا ولو كلَّفك قطع عنقك وليس مائة يورو أو ألف يورو، إياك ان تحلف بالله كذباً، إياك أن تُشهِد الله كذباً وزوراً، إياك أن تسكت عن حقيقة اطمأن قلبك بها وعلم أنها حقيقة حتى لا يغضب فلان ولا تغضب فلانة ولا تغضب الطائفة الفلانية والطائفة العلانية، إياك يا رجل، ليكن الله في قلبك أعظم من كل شيئ، أعظم من الدنيا وما فيها ومَن فيها، إن تكن كذلك فأنا أقول لك أنت مُؤمِن، إن لك تكن كذلك فلا والله ما عرفت معنى الإيمان الحقيقي، لا والله، هل تعرفون كيف يُؤمِن الناس بالله؟ واسمحوا لي على هذا الانفعال، الناس يُؤمِنون بالله عن طريق أنهم يتخذون الله نفسه وذاته – وأستغفر الله وأعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان – ذريعة إلى خسائسهم وإلى رغائبهم وإلى مطامعهم الحقيرة، وإلا ما معنى أن تقول لي والله والله والله كذا وكذا وكذا في حين أن الله يعلم أنك كاذب؟ الله اتخذته شبكة وأُحبولة لكي تصيد بها حقاً ليس لك يا رجل، يا رجل أما تعلم أنك ستموت؟ هل عندك يقين بهذا؟ أنا مُتأكِّد مَن كان عنده يقين – والله الذي لا إله إلا هو – لا تلفته الدنيا كلها بما فيها ومَن فيها، لأنه يعلم أنه وارد على الله عما قليل، كيف يفعل هذا؟ هذا مُستحيل، ويعلم علم اليقين ماذا شرع الله في هذه الأحوال، الموضوع لا يخضع لهواك، لا يُمكِن أن تخلق شرعاً من عندك أنت وتُصوِّر إلهاً على قد رغائبك وتقول الله سوف يسامحني، هذا لا يُمكِن أبداً، لا يُوجَد هذا اللعب، النبي وهو النبي – خيرة عباد الله وبه هُدينا وبه اهتدينا وبه عرفنا ربنا – يقول لولا خشية القود لأوجعتكِ بهذا السواك، يعلم أنه إن ظلم خادمة – أمة مملوكة مشرية بالنقود – في غير وجه حق سيُقتَص منه يوم القيامة وهو رسول الله، من أين أتينا إذن بهذا الدين وبهذه الشخصيات وبهذه العقليات؟ أنا أقول لكم صار لدي يقين أن مُشكِلة هذه الأمة هى مُشكِلة تربوية وأخلاقية، مُشكِلتنا مُشكِلة تربوية وأخلاقية لأننا لم نتربَّ على معنى الإيمان الحق، لم نتربَّ أن نُحِب الله حقاً وأن نخشاه صدقاً وأن نُراقِبه في كل أمرنا، لذلك من أين نُنصَر؟ من أين نعز؟ هذه الأمة تذل، أنا أقول لكم والله – وأنتم ترون هذا – الأمة العربية اليوم تذل وتتقسَّم وتتشرذم، وهى موعودة بمزيد من الحروب ومزيد من التقسيم ومزيد من المذابح ومزيد من الذل، لأنها ما عرفت الله حقاً، لا تُريد أن تعرف ربها حقاً وأن تتقي الله صدقاً، وإلا لنصرها – لا إله إلا هو – ولهداها سُبلها، فإنها تتخبط اليوم في تيه مُدلَهِم وحندس مُظلِم وحيرى والهة فلا تعرف كيف السبيل ومن أين، فاللهم اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك.

إذن يا إخواني علينا أن نُربِّي أنفسنا، وأنا يائس تقريباً من أنفسنا، فعلى الأقل لا نظلم أبناءنا، وتقريباً أنا أُرجِّح أننا فعلنا وظلمناهم، لأن فاقد الشيئ لا يُعطيه، كيف تكون ظالماً مُنحرِفاً عن سواء الشرع والصراط وتُربِّي أولادك على القيم الحقيقية؟ أشك في هذا شكاً كبيراً، ستعجز طبعاً، أنت ستُربِّيهم ليكونوا صورةً منك بل صورة أكثر تشوهاً منك، فاقد الشيئ لا يُعطيه ومن ثم لن تستطيع، التربية ليست بالكلام فقط وليست حتى بالفعال وحدها، أنا أقول لكم التربية بالروح والله العظيم، والله مَن كان له قلب – إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ۩ – يُربِّي ويتربَّى بالنظرات، هل تعرفون لغة الصوفية؟ هذه لغة الحقائق، والله حين يكون الأب مُستقيماً والأم طاهرة عفيفة مُستقيمة يتربَّى أولادهم بالروح، بقوة روح الأب والأم، ما رأيكم؟ يتربَّون بقوة الروح، لها ضياء ولها أسر ولها جمال ولها سُلطة ولها سطوة على الروح، وحين يكون الأب دجَّالاً والأم أيضاً كذوباً مِلعاباً يخرج الأبناء على شاكلتهم وإن تكلَّموا في الدين، ونحن رأينا ونرى مَن يحفظون كتاب الله ويُحفِّظون أولادهم كتاب الله – رأينا هذا وابتُلينا بهم – لكن الطعن عندهم في الأعراض أسهل من شرب الماء والله، يقولون هذا زاني وهذا زانية ببساطة، ولكم أن تتخيَّلوا، رجل يحفظ ستين حزباً -ثلاثين جزءاً – ويقول هذا، علماً بأنني أحكي لكم عن حقائق فانتبهوا، يطعن الواحد منهم في عرضي وفي عرضك وفي عرضها بكل بسهولة، هذا عنده أسهل من شرب الماء، ويأتفِك ويختلق الاكاذيب عليك وعلىّ وعليه وعليها بكل سهولة، ماذا فعلت فيك ستون حزباً – ثلاثون جزءاً – يا حبيبي؟ ماذا فعلت؟ لا شيئ، لقد شقيت بما تحفظ وبما حفَّظت، لقد شقيت بما علِمت وبما علَّمت يا رجل، في دين الله لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۩ كَبُرَ مَقْتًا ۩، هذه الكلمة تكرَّرت في كتاب الله على ما أذكر ثلاث مرار فقط، في هذه السورة وهى سورة الصف وفي سورة غافر – سورة المُؤمِن – وفي سورة النساء، قال الله كَبُرَ مَقْتًا ۩، والمقت هو أشد الكره، الله يقول لك أكرهك أشد الكره حين تكون دجَّالاً، المسافة والفاصلة واسعة جداً والبون بعيد بين قولك وفعالك، الله يقول لك أكرهك، لتعلم أنك مكروه عندي أشد الكراهة، لكن هذا الآن أسلوب في العيش وأسلوب في الحياة، هذا أسلوب في الحياة والتقاط المغانم، أن نقول شيئاً وأن نفعل شيئاً آخر، شطارة وفهلوة وذكاء ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

نعود إلى موضوعنا، إذن علينا أن نُربِّي أنفسنا – إن استطعنا وإن بقيَ شيئ في الإمكان – وأن نُربِّي أولادنا ومَن في حوزتنا على أن نعشق المباديء ذاتها، فنعشق العدل لذاته، حين أرى عدلاً من مسلم يُوافِقني أو يُخالِفني – سُني أو شيعي أو إباضي أو زيدي أو غير هذا، فهذا لا يهم – أنحني له وأُقدِّره وأُحِبه وأهواه وأميل إليه، هذا هو العدل، حين أرى عدلاً من كافر أهواه وأُحِبه، أُحِب هذا العدل، انتبهوا إلى هذا، ينبغي أن أُحِب هذا العدل، أي أُحِب عدل الكافر، كيف لا أُحِبه؟ أُحِبه، أُحِب عدل الكافر طبعاً، وحين أرى ظلماً من أبي أو من أمي أو من نفسي أو من أقرب الناس إلىّ أكرهه وأبرأ إلى الله منه، فالمسألة ليست أن نُحِب العادل ونكره الظالم فقط وإنما أن نُحِب العدل ونكره الظلم، وبالتالي أنا أقول لكم والله لو رُبيَّنا هذه التربية ومكَّن الله لنا في الأرض فإنه مُحالٌ ثم مُحالٌ ثم مُحال – إلا أن يشاء اللهُ ربنا شيئاً – أن نصير إلى ظلم الناس وإلى ظلم أنفسنا بظلم الناس، أنا أقول لكم هذا مُستحيل ولو كلَّفنا هذا أهون شيئ – هل تعرفون ما هو أهون شيئ؟ – وهو أن نتخلى عن الزعامة والكرسي، نقول في ستين مليون داهية، لا نُريد لا زعامة و لا كرسياً، نُريد كرسي للعدل، لكي نعدل في عباد الله ولكي نتقرَّب إلى الله، يومٌ واحد من إمام عادل خير من عبادة كذا وكذا سنة،خيرٌ من أن يُمطَر الناس شهرين، أي يوم واحد بستين يوماً، هذا يوم واحد، فأنا أُريد هذا لكي أتقرَّب به إلى ربي، أنا أحكم لأعدل، إذا لم تُساعِدني بطانتي وأخواني وخلاني ولم يُساعِدني شعبي ولم تُساعِدني ظروفي فليذهب الحكم في ستين مليون داهية، لن أبقى فيه ساعة واحدة وسأنبذه نبذ النواة بكل سهولة وبكل استخفاف، لا أُريده إلا أن أقيم حقاً أو أقمع ظلماً وباطلاً كما قال الإمام عليّ عليه السلام، هو قال لهم هذا، قال هذا الذي جعلني أُصبِح إماماً عليكم، وإلا لا أُريد إمامتكم هذه، قال لهي عندنا أحقر من ظَلَقِ خنزيرِ يتعلقه مجذوم، قال له أنا أكرهها، أكره الخلافة وأكره الرئاسة، لكن أحكم للعدل للقيم وإلا لا أُريد، عمر بن الخطاب لا يهزنا عدله، هل تعرفون لماذا لا يهزنا عدله ولا يُحرِّك أعطافنا وجوانحنا ولا يُطرِبنا عدله؟ لأننا لم نتعلَّم أن نعشق العدل، فقط هذه المسألة كلها، هذا هو فقط، وهذا جزء كبير أسَّس للخلافات الضاربة إلى اليوم بين المسلمين سُنةً وشيعة وغير السُنة والشيعة، لم يتعلَّم لا هؤلاء ولا هؤلاء، هذا كذب، ودائماً يُقال لي لم لا تنتقد الشيعة وتنتقد السُنة؟ أنا رجل نفَسي توحيدي، وأقول لكم هذا بكل بساطة وقد قلت هذا مائة مرة لأنهم صدَّعوا رأسي بهذا السؤال – لم لا تنتقد الشيعة وتنتقد السُنة؟ – أنا سُني، لست شيعياً، ولو تشيعت ما هِبت إلا الله ولقلت هذا على المنبر، ويرضى مَن يرضى ويسخط مَن يسخط، هذه طريقتي بفضل الله عز وجل، لا أخشى إلا الله، إن شاء الله أكون كذلك وأكون صادقاً في هذا – مادح نفسه كذَّاب – أيضاً، قلت هذا مائة مرة لأنني سُني، لست شيعياً، وأهل البيت أدرى بالذي فيه، أنا أدرى بمذهبي وبديني وبتاريخي وبعلمائي وما إلى ذلك، فأنا أتكلَّم فيما أعرف، وأيضاً حديثي هذا مرجو أن يُؤدِّي شيئاً في الإصلاح لأنه من أهل البيت، كذلك الحال مع الشيعي، على الشيعي أن يتكلَّم في الوسط الشيعي وأن يُصلِح وأن يستعلن بالحقائق ولا يخاف جمهوره، لكن للأسف هذا لا يحدث لا هنا ولا هنا إلا قليلاً وقليلاً جداً، ما يحدث هنا وهنا هو استدرار عواطف الجماهير والغوغاء من الناس، مُناجاة عواطفهم وتعزيز وتكريس غريزة القطيع فيهم لكي يتبعوا فقط، ومن ثم يتبعون الأشياء والأنماط والنماذج – Paradigms – دون وعي، لكننا لا نُحِب هذا، لأن هذا يُغضِب الله تبارك وتعالى، وأنا أقول لكم أن السبب الثاني – العلة الثانية – هو أنني أُريد أن أكون عامل توحيد لا عامل فتنة وشرذمة، حتى حديثي عن عمر هذا أتى فقط لكي أُخفِّف من غلواء بعض إخواني الشيعة المُتعصِّبين الذين لا يُحِبون أن يعترفوا حتى بالحقائق الصارخة الواضحة، ما هذا؟ ما هذا الغلو؟ ما هذا التعصب؟ ما هذا الكره؟ كيف يُمكِن أن نتقارب وأن نتوحَّد بهذا الكره الشديد؟ علماً بأنني أتحدَّث عن مُتعصِّبة الشيعة، هذه حقائق بارزة، لم تفترون على رجل كبير مثلاً؟ ماذا تستفيدون من تحطيم عمر وأسطورة عمر وشخصية عمر؟ ماذا تستفيدون؟ ما هذا الإلحاح غير الطبيعي على تحطيم عمر؟ الحديث دائماً عن عمر، لماذا؟ والله قد قف شعر بدني حين قرأت لبعض إخواني من المُتشيِّعين أو الشيعة – والله العظيم – وهو يطعن في محمد نفسه في صفحتين، الله أكبر يا أخي، وهذا من حقده، كأنه يقول لنا دينكم غير ديننا ومحمدكم غير محمدنا، يا أخي تباً لك إلى آخر الدهر، ما هذا، أنت كفرت يا رجل، لقد كفرت بهذا، لكي ينال من عمر ينال حتى من محمد أيضاً، ما هذا يا أخي؟ ما هذا الحقد؟ لذلك المراء في الدين غير مُستحَب، المراء والجدال في الدين مكروه عند الله ورسوله، لأنه يتأدَّى بالمرء ربما إلى الكفر والزندقة، فنسأل الله أن يعصمنا فيما بقيَ من أعمارنا، من أجل ماذا تقول هذا؟ فأنا نفَسي وحدوي، هل تعرفون لماذا؟ بالذات في هذه المرحلة التي قرأت روحها قبل سنوات بعيدة – قبل زهاء بضع عشرة سنة – وعلمت أنها مرحلة الحروب الدينية والطائفية في بلادنا، علمت هذا قبل خمس عشرة سنة وكنت أقوله باستمرار في خطبي وأُصرِّح به، كنت أقول بلادنا مزروعة بالقنابل الموقوتة، عما قليل ستتفجر فينا شيئاً فشيئاً، سنتشَظَّى وستضيع البلاد وسيهلك العباد فافهموا هذا، لا أحد يُريد أن يفهم لا هنا ولا هناك والله العظيم، الشيعي لا يرضى منك إلا بأن تنال من بعض الرموز التي دأب السُنة على أن يحترموها ويُوقِّروها، يرضى منك هنا فقط، أما إذا واجهته بحقيقة أنت تدين الله بها يغضب منك ويقول لك لا، لقد أغضبتنا واكتشفنا الأمر، لماذا؟ هل أنا قلت لك أنني شيعي؟ هل أنا في يوم من الأيام كذبت عليك وغرَّرتك بنفسي وغشيتك عن حقيقة نفسي وقلت لك أنا شيعي أو أنا مُتشيِّع؟ لم أقل هذا في حياتي أبداً لأن هذه هى الحقيقة فلا تكذب علىّ، لكن أنت لم تتعلَّم أن تخضع للحقائق يا شيعي، كالسُني أخيك الذي تشمت به، فهو لم يتعلَّم أن يبخع للحقائق، ولذلك نحن نتمزَّق الآن، وأنا أقول لكم من الصعب أن نتلملم، ونحن مُقبِلون على ما نحن مُقبِلون عليه وأنتم تعرفون هذا، لذلك في هذه المرحلة أسأل الله أن يُثبِّتني ولا يكتب علىّ صاحب الشمال ولا يشهد علىّ تاريخ أمتي أنني كنت عاملاً في التفريق والتمزيق في المرحلة التي يراد لنا فيها أن تنفجر فينا قنابل الطائفية لتستحيل حروباً دينية كالحروب الدينية هنا في الغرب الأوروبي التي أتت على ثلث سكان أوروبا، لن أفعلها هذا، لو كان هذا غير موجود لكنت صوتاً من بين أصوات كثيرة لمُناقَشة إخواني الشيعة فيما أُخالِفهم فيه بعلمية، سواء أصبت أو أخطأت كنت سأفعل هذا كثيراً لكي نتعاون على معرفة الحقيقة، لكن أنا الآن لا أفعله ولن أفعله ولن أخوض في مسائل كثيرة خلافية بين الشيعة والسُنة لأن الوقت غير مُناسِب، ليس هذا الوقت، وهذا ما يرجوه وما يطلبه منا أعداؤنا، فهل فهمتم؟ هذه طريقتي وهذه استراتيجيتي، فإن كنت صائباً فمن الله وتوفيقه تبارك وتعالى.

أعود إلى قصة النبطي – أعود إلى الخطام والزمام – مرة أُخرى، للأسف لا مُرتضى العاملي ولا مُرتضى الشيرازي تنبَّه أو ربما تغافل – الله أعلم – إلى أن هذه القصة قصة لا تُروى بل تُحكى، ليس لها سند لتُروى به، هل فهمتم؟ منذ متى ونحن نحكم على الشخصيات العظيمة في التاريخ بحكايا وأزعومات؟ هذه القصة تعرفون مَن رواها؟ مَن الذي رواها؟ رواها ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة مُتوفى سنة ست وسبعين ومائتين للهجرة، أي في القرن الثالث الهجري، رواها في كتاب العيون والأخبار، كيف رواها؟ قال تنازع اثنان، يا أبا قتيبة كيف هذا؟ قد يقول هل أنا البخاري هنا؟ هل أنا الدارقطني؟ أنا رجل أتحدَّث لك في كتب أدبيات مثل كتب ألف ليلة وليلة وأدبيات العرب لأحمد الهاشمي وهذه الكتب، أي أن هذه قصص وتسالي، وحتى ابن عبد البر فعلها وعنده كتاب في عدة أجزاء كله قصص وحكايا وشعر ويُقال ويُحكَى من غير أسانيد، فكيف تحكم على ابن الخطاب – صاحب عظيم من أصحاب رسول الله وعلى شخصية هائلة الأثر على مُستوى الدنيا – يا رجل؟ هل تعرفون بماذا ختم مايكل هارت Michael Hart ترجمة عمر الحادية والخمسين في كتابه المائة الأوائل؟ هل تعرفون بماذا ختم؟ قال ربما لا تُعرَف شخصية عمر في الغرب الأوروبي هنا كما تُعرَف شخصية شارلمان Charlemagne ويوليوس قيصر Julius Caesar – شارلمان Charlemagne الذي يُسميه الألمان Karl der Große، أي كارل الأكبر – لكن الأثر الذي تركه ابن الخطاب في التاريخ يفوق الأثر الذي تركه يوليوس قيصر Julius Caesar وشارلمان Charlemagne، قال مايكل هارت Michael Hart عرفناه أم لم نعرفه عمر أعظم من ويوليوس قيصر Julius Caesar – وهذا مَن؟ مايكل هارت Michael Hart يا حبيبي، هذا ليس رجلاً سُنياً، هذا مايكل هارت Michael Hart العنصري، السياسي العنصري – وأكبر من الأثر الذي تركه شارلمان Charlemagne، هذه هى الحقيقة، نرجع إلى ابن قتيبة وما كان يُحكى، قال تنازع اثنان سُلطانيٌ – سُلطان تعني من العلية، وربما عليته هذه أنه ينتسب إلى دائرة السُلطان ولذلك سماه سُلطاني، ابن طيفور سماه من العلية، ابن قتيبة سماه سُلطاني – وأحد السوقة – من العامة – فظلمه – السُلطاني ظلم العامي وسطا به – فصاح العامي واعمراه، هذا مُهِم لكي تعرفوا ما هى قصة النبطي التي تقول مَن كان له جار نبطي واحتاج إلى ثمنه فليبعه وليأخذ ثمنه، وهذا غير مقبول، احكيا لنا يا مُرتضى الشيرازي ويا مُرتضى العاملي – بارك الله فيكما – القصة كاملةً، القصة التي لا خطام لها ولا زمام، هذه أزعومة وأكذوبة من أكاذيب الأدباء ولا يُوجَد لها أي سند، لكن هذه هى القصة كلها، بماذا صاح هذا الرجل الذي سوف يتضح أنه نبطياً طبعاً؟ قال واعمراه، عند ابن طيفور – أحمد بن طاهر الكاتب المعروف بابن طيفور صاحب تاريخ بغداد، عنده كتاب عن بغداد، وابن طيفور هذا مُتوفى سنة مائتين وثمانين، يعني بعد ابن قتيبة بأربع سنين تقريباً فصاح العامي قائلاً واعمراه ذهب العدل مُذ ذهبت، الله أكبر، الله أكبر يا مُرتضى الشيرازي، الله أكبر يا مُرتضى العاملي، لماذا لم تحكيا القصة على هذا النحو كما هى؟ وطبعاً وقد عزواها إلى ابن قتيبة وإلى ابن طيفور، فإذن لماذا لم تحكيا القصة على وجهها؟ سأقول لكم الآن عمر بماذا شُهِر؟ تعلمون بالعدل، لو شُهِر بظلم الأعاجم مَن كان سيأثر عنه هذا الظلم أشد وبمرارة أكبر من غيره؟ الأعاجم أنفسهم لأنهم الضحايا، هل تنسى الضحية؟ مثلاً الآن مَن الذي يُعاني ظلم الصهاينة الإسرائيليين أكثر من غيرهم؟ الفلسطينيون، مَن الذين لن ينسوا هذا الظلم يوماً؟ الفلسطينيون، لأنهم اصطلوا بناره يا حبيبي وكما يُقال ليس من يده في النار كمَن يده في الماء، ولكن سنرى هذا النبطي من بلدة فاميا ماذا صاح؟ ماذا قال؟ قال واعمراه ذهب العدل مُذ ذهبت، إذن هل في الضمير الجمعي – Collective conscience – أو في العقل الجمعي -Collective Mind – كما يُسمونه للأعاجم بما فيهم الأنباط وأهل فاميا عمر ظلمهم أو عدل معهم؟ هل زمانه سعيد مسعود مبرور أم زمانه منحوس متعوس؟ سعيد ومسعود طبعاً، هذا زمان العدل، انظروا إلى هذا لأنه – كما قلت – كلام لا يركب بعضه على بعض على أنه لا أصل له، كما نقول ثَبِّتِ العَرْشَ ثُمَّ انْقُشْ، فبلغت كلمته المأمون – الخليفة العباسي – فدعا به فقال له ماذا قلت؟ قال قلت واعمراه ذهب العدل مُذ ذهبت، قال مَن أين أنت؟ قال من أهل فاميا، وهذه بلدة نبطية، أي فيها أنباط، فقال عمر قال فيكم مَن كان له جارٌ نبطي واحتاج إلى ثمنه فليبعه وليأكل بثمنه، قال إن كنت تطلب سُنة عمر فهذا حكمه فيكم، ثم أمر له بألف درهم، كأنه يقول له أنا أعدل من عمر، لكن لا المأمون قال ولا عمر قال، كل هذه أكاذيب وأقاصيص حقيرة، لم يُؤثَر عن المأمون أنه حاول أن ينال من عمر يوماً أبداً، هذا كذب على المأمون وكذب على عمر وكذب على عقولنا وكذب على عقول إخواننا وأبنائنا من الشيعة – كما قلت في المرة السابقة – لكي نُسمِّم أرواحهم وأفكارهم، لكي يكرهوا هذا الجبل، لكي يكرهوا رمز العدل، لماذا؟ أنتم لا تستفيدون من هذا الشيئ ونحن لا بنستفيد، لا يستفيد إلا الشيطان وأعداء هذه الأمة، لأن الشيطان عدو للحقيقة، وأعداء هذه الأمة أعداء مصلحة هذه الأمة، فهذه قصة النبطي، هل فهمنا؟ هذا كلام فارغ، انظروا الآن إلى هذه الأزعومة، لأنه بعض الناس قد يقول لي كيف تقول هذه أزعومات وأكاذيب؟ هذه أكاذيب لس لها خطام ولا زمام، هى مُختلَقات للأسف الشديد سواءٌ أكان مصدرها شيعياً أم سُنياً، هذه أكاذيب، وهناك أكذوبة ألعن منها ليس لها ذكر في أي مصدر سُني، ولو استعان إخوتنا الشيعة بالثقلين على أن ينسبوها إلى مصدر سُني ما استطاعوا وليأتونا به، مُخرَّجة في مصدرين شيعيين ويا لهما، ماذا تقول القصة؟ كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري يقول له اعرض مَن قِبلَكَ – والله ما كنت أُحِب أن أذكر هذا، لكن أقول اسمعوا مُرتضى الشيرازي كيف قرأ مَن قِبلَكَ، وهو لا يعرف ماذا يقرأ المسكين، ولذلك لا يفهم ماذا يقرأ ويأتي بأشياء عجيبة غريبة، وأستغفر الله ولكن اسمعوا هذا، اسمعوا كيف قرأها لأنه لا يعرقف معناها، ما معنى مَن قِبَلَكَ؟ الذي عندك، مَن قِبَلَكَ تعني مَن بناحيتك ومَن في ولايتك، لأن أبو موسى الأشعري كان عاملاً على البصرة لعمر بن الخطاب، قال مُرتضى الشيرازي مِن وهى ليست مِن وإنما مَن، هذه مَن الموصولة، فهو لا يعرف العربية، لكن لا علينا – مِن الموالي ومَن أسلم مِن الأعاجم – إذن هو قال ومَن أسلم فهو ليس كفرعون بل ألعن من فرعون، عمر سوف يُصبِح هنا ألعن من فرعون، وقد حدَّثه عن الموالي، والموالي كانوا في كل الدنيا، الموالي يتواجدون في المدينة ومكة وفي كل مكان، قال الموالي في البصرة، ائت بهم كلهم – مَن بلغ منهم خمسة أشبار – أي سبع أو ثماني سنوات – فاضرب عنقه، طبعاً لما الشيعي المسكين – والله أنا أرثي له لأني أُحِب كل المسلمين ومن ثم أُحِب إخواني الشيعة أيضاً – والطفل الصغير والجاهل والشخص الغلبان الذي يبكي على الحسين سوف تعظم طبعاً كراهية عمر في نفسه، سوف يقول لك هذا طاغية يا أخي، هذا فرعون، هو شيطان رجيم، هل تعرفون لماذا؟ أنا أقول لكم أنني رجل قضيت حياتي في العلم، أنا لا أعرف في هذه الدنيا إلا العلم والكتاب طيلة حياتي، وحين كنت في مبتدأ حياتي العلمية وقد شدوت من العلم حروفاً – والله أنا أحكي لكم كيف مررت بهذه التجربة – كان يهزني هزاً عنيفاً مُقلِقاً ومُؤلِماً وأميل إلى التصديق مُباشَرةً حين أرى عالماً يدَّعي دعوة، كنت أصدق مُباشَرةً، حين يقول أحدهم – مثلاً -أنا رددت على فلان وحطَّمت حججه وما إلى ذلك كنت أُصدِّق وأقول أكيد حطَّمه، وبعد ذلك لما كبرت وجدت الدعاوى كثيرة والكذب كثير والدجل في العلماء، هذا كله كلام فارغ، والكل ويقول لك أنا رديت عليه وأنا حطَّمته وهذا كلام فارغ، ويقولون آتياناهم بأدلة وكذا وهذا كله كلام فارغ، لكن لما كنت صغيراً – مع أني كنت طالب علم – كنت أُصدِّق هذا، فأنا أقول لكم بالله ربكم كيف بالعوام؟ لا يفتحون كتاباً ولا يعرفون قراءة ولا شيئ لأنهم مساكين، وأمامهم مَن؟ مُرتضى الشيرازي، مرجع ابن مرجع أخو مرجع ابن كذا، ولديه لحية كبيرة ويبكي مرات وما إلى ذلك، ومُرتضى جعفر العاملي الذي ألَّف لي مُجلَّدات في التاريخ وحقَّق لي التاريخ، سوف تُسلِّم بقصة عمر مع أبي موسى الأشعري، هذا هو الجينوسايد Genociede، هذا هو التطهير العرقي الوسخ، قال أي أحد من الموالي وأي أحد أسلم من العجم، لم يقل له من الأعاجم بل قال له من المسلمين الأعاجم، يا ما شاء الله، لكي يُصبِح عمر في نهاية المطاف هو عدو الإسلام الأول ويُقال أنه يكره الإسلام، كأن من المُمكِن أن نقبل الإسلام من العرب، العربي يُسلِم لكن أما العجمي اقطعوا رأسه، قال ومَن أسلم مِن الأعاجم، ما هذا الكلام الفارغ؟ كيف يُمكِن أن يُصدِّقه جعفر العاملي أو مُرتضى الشيرازي؟ يا عيب، أين عزفت العقول؟ هذا عيب عليكم، وهنا قد يقول لي أحدكم يا أخي عزواه إلى مصدره، لقد عزواه لوجود إشارات وإحالات References، سوف نرى هذه الإشارات References، نعود مرة أُخرى، قال هذا موجود في مصدرين، الأول كتاب سليم بن قيس، سليم مَن؟ سليم بن قيس، اذهبوا ابحثوا عن سليم بن قيس، هذا كهف الكذب في كتب الشيعة، هل تُريد الأكاذيب والأفائك والأزعومات العجيبة والتي يتعجب لها الأنس والجن؟ انظر إلى كتاب سليم بن قيس، هذا الذي فيه أن عبده ضرب فاطمة وبعد ذلك أسقطت المُحسِّن ونزل دمها وقالت يا أبتاه، وكل هذه القصص الفارغة والكذب وأنه أحرق بيتها ودخلت النار وأرادوا قتل عليّ وبكته فاطمة وكل هذه القصص، هذا كتاب سليم بن قيس، هو كهف الأكاذيب عند إخواننا الشيعة، وطبعاً هذه القصة – ما شاء الله – لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها والله، هذا الكتاب لائق به تماماً، قال أن عمر قال اعمل مذبحة عرقية وخلَّص عليهم كلهم واقطع رؤوسهم إذا بلغوا خمسة أشبار، يا رجل اتق الله، يا رجل لصالح مَن؟ والكتاب الثاني لمَن؟ بينه وبين عمر ليس أمداً بعيداً وإنما بينهما أمداءٌ وأمداءٌ أبعد من البعد نفسه وهو الميرزا حسين النوري الطبرسي، هذا قبل حوالي مائة وخمسين سنة فقط أو أقل، وهو صاحب كتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، هو هذا الشخص، عنده كتاب إسمه نفس الرحمن في فضائل سلمان، قال لك هذه الرواية موجودة، فمن أين أتيت بها؟ من أين أتيت بها بعد ثلاثة عشر قرن يا حبيبي؟ كيف ألفتها؟ أين سندك؟ أنا أقول لكم وأستغفر الله أن سنده فقط هو الغرض والرغبة من النيل من ابن الخطاب رضوان الله عليه، لماذا؟ لماذا يا رجل؟ والله لو كان عدواً -كما نقول دائماً – لا نكذب عليه، والله لأننا سنُحاسَب على هذا عند الله تبارك وتعالى، ولا نقبل الكذب فيه، فهذه قصة النبطي وما النبطي، وإن صحت – وهى لا تصحُ البتة – فهى تشهد لعمر ولا تشهد عليه، لأن النبطي قال ماذا؟ واعمراه ذهب العدل مُذ ذهبت، وهو عجمي قال هذا، فالكلام كله مُتناقِض، بقيت نُقطة أو نُقطتان، ولكن في الخُطبة الثانية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

قال المُرتضيان من تعصب عمر على الأعاجم أنه قال لأمنعن فروجهن إلا مِن – ماذا قال مُرتضى؟ الأكِفاء، لا يُوجَد شيئ إسمه الأكِفّاء، الأكِفّاء هم الذين يكفون أيديهم، الأكْفَاء جمع كُفء، وايس الأكِفّاء فإياك أن تلحن وتقول هذا، لكن هذا شيخ كبير وقال أكِفّاء، العربية واضحة عنده – الأكْفَاء، قال أرأيتم؟ هو مُتعصِّب أيضاً في باب الزواج، بالله عليكم قبل أن نبحث في سند هذا الأثر هل فيه ذكر للأعاجم؟ أين هم؟ أين الأعاجم؟ عمر يقول لأمنعن فروجهن – أي ذوات الأحساب كما سنسوق الآن الأثر على وجهه – إلا مِن الأكْفَاء، أي أنه يتحدَّث عن الكفاءة في النجاح، أين العجم هنا؟ وأين العجمية؟ أين ذكر الأعاجم؟ أم أن القصة قصة تأليف شُبهات عن عمر زبأي طريقة لابد أن ننال من هذا الرجل؟ لماذا؟ وضع فصلاً في السياسة العنصرية لعمر ولأنه لا يستطيع أن يأتي بخبر واحد مكذوب قام بتأليف هذه القصص، ما هذا الكلام الفارغ؟ وضع فصلاً في كتاب عن هذا، وهذا غير معقول، أولاً باب الكفاءةِ مُتسِع، منهم مَن وحَّد مداره وجعل مداره الدين، وهذا هو الصحيح وندين الله بهذا نحن، فمدار الكفاءة الدين، قال الله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، لا تقل هذا عربي أو عجمي أو قرشي أو غير قرشي، قال الله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، لكن منهم مَن أضاف إلى الدين الحرية، قالوا العبد لا يكون كفأً للحرة ووالمولي لا يكون كفأً للحرة، أي أضافوا الحرية، ومنهم مَن ثلَّث باليسار والغنى، ومنهم مَن ربَّع بالحرفةِ والصناعة، ومنهم مَن خمَّس بكذا وكذا، وإلى آخره فباب الكفاءةِ مُتسِع، مَن قال لك أن عمر ذهب إلى العجمة مُقابِل العروبة مثلاً؟ من أين لك هذا؟ هذا تهوك وتوهم من عندك فتُصدِّق نفسك في حين أن هذا الشيئ غير موجود، ثم أن عمر وغير عمر يعرفون حديث رسول الله المُخرَّج في سُنن الترمذي والذي يقول إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير، قيل يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير، وذلك في ثلاث مرات، فالنبي يُكرِّر الحديث ثلاث مرات، في الزواج فقط الشرط – كما قلنا – أن يكون رضي الدين والخلق، أي أن يكون مرضي الدين والخلق، غير هذا سوف يُعوِّض الله عز وجل بإذن الله تعالى، وعمر وغير عمر ونحن أيضاً نعلم أن رسول الله زوَّج ابنة عمته زينب بنت أميمة بنت عبد المطلب مِن زيد بن حارثة، لأننا قرأنا كتاب الله، قال الله فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ۩، الله قال زيدٌ، علماً بأن الصحابي الوحيد المذكور بإسمه في كتاب الله هو زيد بن حارثة، لا عمر ولا عليّ ولا أبو بكر ولا عثمان ولا غير هؤلاء، فقط زيدٌ فهنيأً له، قال الله فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ۩، مَن المقصودة بقوله مِّنْهَا ۩؟ زينب بنت جحش، فهذا أبوها، ومَن أمها؟ أميمة بنت عبد المطلب، أي بنت عمة مَن؟ سيد خلائق الله أجمعين، فرسول الله زوَّج ابنة عمته زينب بنت أميمة بنت عبد المطلب مِن مَن؟ من زيد بن حارثة وهو مولى، كان مولاً ولم يكن سيداً حراً، وهذا يعني أن الكفاءة في الدين أم في غير الدين؟ فقط في الدين، وزوَّج ابن مولاه وهو أسامة بن زيد بن حارثة – الحبّ بن الحبّ – بمَن؟ بالقرشية الفهرية فاطمة بنت قيس، فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية زوَّجها مِن مَن؟ مِن أسامة بن زيد، أين ذهب موضوع الكفاءة؟ فقط في الدين، وكلنا يعلم أن بلال بن رباح – داعي السماء ومُؤذِّن رسول الله رضيَ الله عنه وأرضاه – تزوَّج من مَن؟ مِن أخت القرشي الزهري السيد الجليل وأحد العشرة عبد الرحمن بن عوف، وأنتم تعرفون هذا الكلام، مَن كانت زوجة بلال؟ أخت عبد الرحمن بن عوف المليونير الصحابي الزهري القرشي وأحد الصحابة، فما رأيكم؟ بلال متزوج أخته، وعمر وغير عمر بالحري يعرفون، إذا كنا نحن عرفنا فبالحري هم أعرف، ويعرفون – وهم أعرف – أن رسول الله – صلوات ربي عليه وعلى آله وتسليماته – قال لبني بياضة أنكحوا أبا هند، أمرهم النبي قائلاً أنكحوا أبا هند، ومَن كان أبو هندٍ هذا؟ كان مُحترِّفاً حرفة هى من أدنى الحرف لكن لا يُوجَد عيب في الارتزاق، هذه حرفة وهى أحسن من الشحاذة وأحسن من النصب وأحسن من الدجل، داود كان ملكاً – داود أبو سليمان – وكان يعمل من كسب يده، كان حدَّاداً، فهذا أحسن من النصب والدجل وأكل أموال الناس، ماذا كان يعمل أبو هند؟ كان حجَّاماً، هل تعرفون ما معنى حجَّام؟ كان يقوم بعمل الحجامة للناس فيُخرِج الدم من الكاحل وما إلى ذلك، هذه كانت من أخس الحرف عند العرب على الإطلاق، والنبي قال لبني بياضة وهم أسياد أحرار كرماء ومن علية القوم أنكحوا أبا هندٍ، لذلك الإمام الجليل ابن عبد البر – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه العظيم الموسوعي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد رد كل الأحاديث والآثار في باب الكفاءة، لم يصح شيئٌ عن رسول الله ولا عن واحد من أصحابه في موضوع الكفاءة، بقيت الكفاءة في ماذا؟ في الدين، وهذا هو مذهب مالك الذي يعكس – كما قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد – روح الإسلام، أخيراً – وهذه القاسمة – يروي ابن سعد كاتب الواقدي المُتوفى سنة ثلاثين ومائتين – كما قلنا – في الطبقات الكُبرى عن محمد بن سيرين – التابعي الجليل – قائلاً قال ابن سيرين قال عمر بن الخطاب لم يبق فىّ شيئٌ من خلال الجاهلية أو من أخلاق الجاهلية – الحمد لله ترَّفعت عن كل الموروث الجاهلي – إلا أني لا أُبالي إلى أي الناسِ نكحت وأيهم أنكحت، رضيَ الله عنك يا فاروق، أقول والألم – والله – يعتصر قلبي أن هذا الأثر الحميد الجليل أبى مُتعصِّبة إخواننا الشيعة إلا أن يُفسِّروه بطريقة قبيحة وقحة مرذولة لا تدل إلا على تشوه في الفهم وفي القلب، قالوا عمر كان كذا وكذا، لماذا؟ لماذا يا إخوة؟ كيف فهمتم هذا؟ هل تفهمون العربية؟ هذا صعب، مَن يقول مِن قِبَلَكَ ومِن يقول أكِفّاء لا يفهم الكلام العربي، هل مَن يقول هذا يفهم كلام عمر الفصيح القرشي؟ عمر يقول لم يبق فىّ شيئ من أخلاق الجاهلية إلا أني … هنا قد يقول لي أحدكم أرأيت؟ هذا شيئ قبيح، لا يا رجل، هذا إسمه تأكيد المدح بما يُشبِه الذم، النبي قال أنا أفصح مَن نطق بالضاد بيد أني – أي غير أني وإلا أني – من قريش، ما معنى هذا؟ وأنا فوق ذلك من قريش، هذا إسمه تأكيد المدح بما يُشبِه الذم، هذه هى العربية، كما قال الشاعر:

ولا عَيبَ فيهِمْ غيرَ أنّ سُيُوفَهُمْ                   بهنّ فلولٌ منْ قراعِ الكتائبِ.

قال هم – ما شاء الله – كملة مجدة ، ليس فيهم عيب غير أن … ما هذا العيب؟ قال:

ولا عَيبَ فيهِمْ غيرَ أنّ سُيُوفَهُمْ       بهنّ فلولٌ – مثلَّمات – منْ قراعِ الكتائبِ.

هل هذا عيب أم مدحة؟ مدحة، قال هم أيضاً رجال أشداء وفرسان كماة أحمياء، هذه هى العربية، لكن ليس هنا الغلط، الغلط في نُقطة أُخرى ثانية، فعمر بيقول الحمد لله لم يبق فىّ شيئ من أخلاق الجاهلية، وهذه الخلة أو هذه الخلق الذميم أيضاً ترَّفعت عليه، ما هو؟ قال لا أبالي إلى أي الناس نكحت – أي أتزوج أي امرأة، لا يهمني أنها بنت فلان أو علان، حين تكون امرأة مُحترَمة عفيفة صينة أتزوجها وأنكحها، قال الله وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ۩ وقال أيضاً فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ۩ – وإلى أيهم أنكحت، وأيضاً أُزوِّج بناتي وبنات أولادي وما إلى ذلك إلى أي واحد بشرط أن يكون مرضي الخلق والدين، فسَّروها بأنه شاذ جنسياً، يا سلام على الفهم، يا عيني على الفلسفة، هذه فلسلفة الجهل والإفتراء، ما هذا؟ ماذا أقول؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولذلك ابن سعد في الطبقات أوردها، طعن في شرف الفاروق، هل تطعنون حتى في رجولته؟ ما هذا؟ ما هذا المنطق؟ هل يُمكِن أن تقول لي هذا نقد علمي وهذا فهم وهذه إرادة حقيقة؟ هل أنت تتعبد الله بهذا أم ماذا؟ أحكي هذا مِن كل قلبي لكل مَن أراد أن يتقي الله في نفسه وفي الحقائق، وعلى كل حال قبل أن ننتهي من هذه النُقطة أقول أن هذا الأثر – لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء – لا يصح عن عمر، هذ الذي احتج به المُرتضيان، لماذا؟ لأنه رواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني في المُصنَّف وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهما بسندٍ فيه محمد بن إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، وهذا الرجل تابعي جليل مات عن ثمانين سنة في سنة عشر ومائة، يكون متى وُلِد؟ في سنة ثلاثين، عمر متى استُشهِد؟ في سنة ثلاثة وعشرين، بينه وبين عمر مفاوز، فهذا الأثر مُنقطِع لا يصح عن عمر، اقرأوا الأسانيد وتعلَّموا علم الأسانيد.

أختم أخيراً بآخر شُبهة أوردوها، قالوا وعمر قرَّر ألا يُورِّث الأعاجم والموالي من العرب وأن يُورِّث العرب منهم، حتى في باب الميراث قالوا يُوجَد ظلم، بمعنى أن عمر يجعل العربي يرث من العجمي لكن يمنع العجمي من أن يرث العربي، والله إن صح هذا عن عمر فهذا فيه ظلم وفيه عنصرية، فهل صح هذا عن عمر؟ هكذا يُقال للناس وهكذا يُكتَب دون أن يتكلَّموا، لكن ماذا عن الإحالة؟ من أتيتم بهذا؟ قالوا هذا في الموطأ، الإمام مالك في موطأه ذكره، وصحيح أنه موجود في الموطأ للأمام مالك في كتاب الفرائض باب لا يُورَّث الحميل، ينبغي أن تعرفوا هذا لكي تفهموا فقهكم وهذا آخر شيئ في الخُطبة، هذا لا يُورَّث الحميل، مَن هو الحميل؟ موطأ مالك له روايات كثيرة، من أشهر رواياته يحيى بن يحيى الليثي ومحمد بن حسن الشيباني الحنفي وهو روايته أصغر، في رواية محمد بن حسن قال الحميل هو الذي يُحمَل من دار الحرب – أي المسبي، ولد صغير يكون في السبي من دار الحرب، وذلك في المعارك –
تحمله امرأة فتقول هو ابني أو هو أخي، فلا نُورِّثه منها ولا نُورِّثها منه، أي ينقطع التوارث، هذا إسمه الحميل، لماذا؟ ليس فقط لأنه يُحمَل وإنما لأن في إثبات نسبه إليها ومنها تحميل وإسناد – Attribution – وإضافة كما يُسمونه، هذا إسمه تحميل، لكن كيف يكون تحميلاً؟ النسب في الفقه الإسلامي نوعان، أولاً نسبٌ يثبت بمُجرَّد الإقرار، وهو ما لا تحميل فيه، كأن يُقِر رجلٌ لرجلٍ بأنه ابنه، يقول هذا ابني فينتهي الأمر مُباشَرةً، إذا تُنوزِعَ في نسبه أو جُهِل نسبه يثبت نسبه منه ويتوارثان، لماذا؟ لا يُوجَد تحميل، كيف لا يُوجَد تحميل؟ النسب مُباشِر، يقول هذا ابني وأنا أبوه فانتهى الأمر، ثانياً نسبٌ آخر فيه تحميل، فهذا لا يُقبَل إلا بالبينة والدليل، لا يُقبَل بمُجرَّد الإقرار، كيف؟ كأن يأتي رجل ويُقِر لرجلٍ بأنه أخوه، فهذا فيه تحميل، تحميل على مَن؟ على الأب المزعوم المُشترَك بينهما، أنه هو ابن أبي، ثم أن الله قال وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ۩، فالشخص ينتسب إلى أخيه أم إلى أبيه؟ ينتسب إلى أبيه، فكأنه حمَّل على أبيه أن هذا ابنه، ومن ثم لا يُقبَل منه ولا يتوارثان ولا يثبت النسب بهذا، هل فهمتم؟هذا فقه جيد وعظيم جداً، لذلك الفقهاء مثل عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وعامة فقهاء أهل العراق وأهل الرأي قالوا وبهذا نقول فلا نُورِّث الحميل، فالقضية ليست على هذا النحو، علماً بأن هذا ينطبق على الحميل سواءٌ كان من العجم أو من غير العجم، ولكن أكثر ما كان يكون التحميل في سبي الحروب، لكن لو وُجِدَ حميل وتحميل بين العرب يحدث نفس الشيئ وتنطبق القاعدة، فالمسألة لا علاقة لها لا بالعصبية ولا بالعرقية، المسألة لها علاقة بالإنصاف وتقوى الله.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اللهم حقِّق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات وبالسعادة أعمالنا وآجالنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (3/5/2013)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: