إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

أما بعد، فيقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۩ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ۩ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ ۩ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ۩ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۩ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ۩ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ۩ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ۩ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ۩ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

القرآنُ عربيٌ مُبين لا عوج فيه ولا عوج له، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما ما يتوهَّمه المُتوهِّمون من باطلٍ يتطرِّق إليه فإنما هو دلالةٌ على قصور فهمهم وقلة وفساد دركهم، قد يقول قائل مِن المُعاصِرين ما دام القرآن عربياً لم كل هذا التقعر والتعمق والتقفر في تأويله وتفسيره؟ هذا كله يا أحبتي – إخواني وأخواتي – من أجل الجهل الذي عم وطم، من أجل الجهل بلغة القرآن، فمَن ذا يزعم من المُعاصِرين أنه يتلقى القرآن ويحذقه كما تلقاه أصحاب رسول الله أو كما كان يُمكِن أن يتلقاه طرفة بن العبد أو لبيد أو امرؤ القيس من العرب الأقحاح الصلحاء؟ مِن يوم ومِن حين تطرَّقت الرطانة واللُكنة والعُجمة إلى لسان العرب وقع المُسلِمون في اشتبهات كثيرة في عصر الصحابة أنفسهم لأن هناك أناس كثيرين من الأعاجم مَنَّ اللهُ عليهم فدخلوا هذا الإسلام الحنيف العظيم الحنيف، لكنهم أعاجم شدوا من العربية حروفاً ولم يُوفوا على الغاية بل لم يبلغوها أصلا حتى يُوفوا عليها ويُجاوِزوها، يروي الإمام مسلم والأربعة – هذا الحديث أخرجه الخمسة وكلكم عارفٌ وعالمٌ بعجز هذا الحديث لكن ربما الأقل هم من يعلمون صدر هذا الحديث – عن يحيى بن يعمر أنه قال – رحمه الله تعالى – كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهني، ويُريد يحيى هنا بهؤلاء القدرية القدرية الأُوَل، ليس القدرية بالمعنى الإعتزالي الذين أكَّدوا وصرَّحوا بحرية الإنسان وإختياره إنما القدرية الأُوَل – والعياذ بالله تبارك وتعالى – تأدي بهم الأمر – أمر مُحاوَلة تقرير حرية الإنسان على التمام والكمال – إلى نفي علم الله السابق، وهذا إلحادٌ في صفات الله، وسيأتى هذا في تضاعيف الأثر، قال كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهني، فخرجت أنا وحُميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو مُعتمِرين – لعل الشك من يحيى ولعل الشك من الراوي عن يحيى أو من آخر دون ذلك – وقلنا لعله يتفق لنا أو يُوفَّق لنا أحدٌ من أصحاب رسول الله – صلى الله على محمد وآل محمد – فنسأله، أي عن هذه المسألة وعن هذه المُدلهِمة وعن هذه النازلةوعن الخطب الجليل الذي يتعلَّق بنفي القدر ونفي علم الله السابق الأزلي بالحوادث والعياذ بالله، قال فوُفِّق لنا عبد الله بن عمر – رضيَ الله عنهما – داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصحابي – أي صرنا على جانبيه، أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره – فظننت أن صحابي سيكل الكلام إلىّ فقلت – انظروا إلى الأدب، هذا أدب السلف، إذا تحدَّثنا عن السلف والسلف الصالحين فإن هذا معنى التسلف الصحيح، الأدب والتوقير في كل شيئ، هما اثنان خرجا لغرض وحاجة، لا يتقدَّم على صحابه إلا بعد أن غلب عيه الظن أن صاحبه يكل الأمر إليه لما يعلمانه كلاهما، يبدو أن المُتحدِّث وهو يحيى أفصح وأبين وربما كان أعلم وربما كان أستاذاً له، لكن كان لا يُصرِّح بهذا أدباً أيضاً على طريقتهم في التأدب رضيَ الله عنهم – يا صاحب رسول الله إن أناساً ظهروا قِبَلَنا – أي في ناحيتنا بالبصرة – يقرأون القرآن ويتقفرون العلم -مُسلِمون صالحون في ظاهرهم، وصفهم بالتعمق وشدة التقصي والبحث في مسائل العلم، وهذه مُضِرة بالجهلة، مُفيدة لأهل العلم ولابد منها، لكن الجاهل والمُتنطِّع والذي لم يستكمل الأداة هذا مُضِر كالسم الزعاف فيقتل إيمانه ويُوقِعه في بلبال وفي شرك الحيرة والتذبذب، قال ويتقفرون العلم من قولهم اقتفرت وقفرت الأثر، أي تتبعته، وقفرت واقتفرت الشيئ، أي تتبعته، كأنه يطلبه ولو في القفار، هذا معنى يتقفرون العلم، يطلبون العلم البعيد الذي يخفى على معظم الناس، يطلبون دقائق العلم الشاردة – ويزعمون – وهذا هو كما يُقال بيت القصيد والليا التي لها طلع نضيد – أن لا قدر وأن الأمر أُنف، قال يزعمون أن لا قدر – ينفون أن الله تبارك وتعالى سبق منه تقدير الحوادث والكوائن والأشياء – وأن الأمر – أمر علم الله وعلاقة الله بالأحداث والكوائن – أنف، أي يُستأنَف لله علم إبان وقوع الشيئ وبعد قوع الشيئ، يقع الشيئ فيعلمه الله وهو لا يعلمه قبل ذلك، وهذا معنى عبارة – والعياذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان فاللهم غفرة – الأمر أنف، هذه عبارة إلحادية، هذا إلحاد ليس بمعنى إنكار وجود الله وإنما إلحاد في أسماء الله – لا إله إلا هو – وصفاته، والمعنى فما تقول؟ بماذا تنصح يا صاحب رسول الله؟ قال الله فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ۩، أردوا أن يعرفوا الشيئ من مصدره ومنبعه، أخذوه من المأخذ الذي هو حريٌ أن يؤخذ منه، فقال عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهما – إذا لقيتم هؤلاء فأخبروهم أني برئ منهم وأنهم برءاء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه، سمعت أبي عمر بن الخطاب – رضيَ الله تعالى عنه – يقول كنا جلوس عند رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منه أحدٌ، فأتى حتي جلس إليه، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه ثم قال يا محمد أخبرني ما الإسلام؟ وتعلمون تتمة الحديث، هذا هو، هذه مُقدَّمة الحديث، وهى مُقدَّمة هامة جداً، والحديث أخرجه الخمسة – لم يُخرِّجه البخاري – رضيَ الله تعالى عنهم أجمعين، وكان مما سأل عنه جبريل – هذا الرجل الشديد بياض الثياب والشديد سواد الشعر هو جبريل كما تعلمون في آخر الحديث وقد صُرِّح به – أنه سأله عن الإيمان فأجاب – عليه الصلاة وأفضل السلام – قائلاً أن تُؤمِن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتُؤمِن بالقدر خيره وشره، لذلك حلف ابن عمر أنه لو أن لأحد هؤلاء مثل أحد ذهباً – أي ذهب بزنة جبل أحد وما أعظمه من جيل – فأنفقه في سبيل الله ما قَبِلَ الله منه، لأنه أتى قادحاً من قوادح الإيمان، هذا يقدح في الإيمان، نحن لا نُنكِر ما نُنكِر لأجل اللفظة – أننا أتينا بلفظة إسمها القدر أو القضاء والقدر – ولكن لأجل الكتاب، الكتاب مُصرِّح في عشرات الآي بأن كل شيئ مُستطَر، مكتوبٌ مسطورٌ ومزبورٌ في كتاب مُبين، ما معنى – كما قلت في الخُطبة السابقة – أن كل شيئ مكتوب في الكتاب المُبين؟ ما معنى هذا؟ سبق العلم، وهذا شاهد لا يُحيلك على علمه وحده بل على الكتاب، يقول كتاب مُبين ثابت، إذن هذا واضح، قال الله وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ – لكنه يعلم أن لا خير فيهم، سيقول قائل هذا الآن، أي هذا علم آني – وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ – يعلم ما لن يكون، هم لن يسمعوا لأن لا خير فيهم – لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ۩، يعلم ما سيكون – لا إله إلا هو قبل أن يقع، كيف؟ قال الله فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۩، فالقضية خطيرة إذن، القضية ليست بنت اليوم، هى بنت الجهل، جهل الأمس وجهل اليوم، جهل الأمس باللغة وبالقرآن هو جهل اليوم بالقرآن وهو أعظم وأطم، جهل الناس اليوم أعظم وأطم، والذين يتحدون أو يبجحون – أي يتبجحون – بأن القرآن واضح مُبين أنا مُتأكِّد لو أجرى لأحدهم اختبار مئات المواضع – لن أقول آلاف لكن مئات المواضع – ستغبى عليه ولن يعلم ما هو بصدده، سنقول له ما معنى هذه الكلمة وما معنى هذا التركيب وما معنى كذا وكذا وسوف لا يفهم، أشياء كثيرة كان سيفهمها – كما قلت لكم – ليس فقط الصحابة وإنما حتى امرؤ القيس أو لبيد أو زهير لو تُليت عليهم، هذه لغة يعلمها هؤلاء، ومن هنا القرآن كان يُصرِّح دائماً بإنه بِلِسَاٍن عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ۩، هو واضح لمَن يعرف العربية، وإلا ما الفرق بالله ربكم لعمر الحق بين عربي الآن لم يبق لهم من ذوق العربية إلا أقل ما يُتمسَّك به وبين إنجليزي أو الماني أو نمساوي؟ اتل هذا القرآن على نمساوي، هل يفهمه؟ سوف تقول لي لكن أنا عربي، أنت عربي قريبٌ من هذا الأجنبي، بقيَ لك من هذه اللغة ما تتمسَّك به الحد الأدني، هذا حدٌ قليلٌ جداً جداً جداً، ما تعلمه من مُعجَمها ومن متنها ومن نحوها ومن صرفها ومن أساليب بيانها قليل جداً، وأنا على يقين أن أشياء كثيرة مما يجيب به وينفصل به المُفسِّر العظيم بل أعاظم المُفسِّرين عن بعض الإشكالات والشُبهات التي تُورَد على بعض الآي العزيزات الكريمات لا تُقنِع المُعاصِرين، لأنه لا يعرفون، ومن ثم يقول الواحد منهم هذا غير مقنع ومُتكلَّف، هو لم يفهم، هو لا يتذوق هذه الأساليب، قل لمُعاصِر – مثلاً – عبارة سأعلم حُسن بلائك ولن يفهم ما العلم هنا إلا إدراك الشيئ على ما هو به، وهذا غير صحيح، العرب كانوا يعتبرون هذا التركيب ويستخدمونه ويُوظِّفونه في معنى الجزاء، إذا أراد أن يعدك بجزاء – بمكافأة – يقول لك سأعلم حُسن بلائك، والمعنى سأُجازيك على ما أعلمه منك، هذا هو، لكن هذا التعبير لا نفهمه، كما قلت حتى تعبير(قد) غير مفهوم عند مُعظَم المعاصرين، لا يفهمون منه إلا التشكيك أو التقليل والارتياب، لا يفهمون منه التحقيق، على أن هناك آية مثل آية الصف من قول الكليم – عليه الصلاة وأفضل السلام – وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۩،   ما معنى وَقَدْ تَعْلَمُونَ ۩؟ وأنتم تعلمون، بالحري تعلمون، على طريق القطع والجزم والتأكيد أنتم تعلمون، قال وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۩، فهل موسى كان يُشكِّك؟ هذا مُستحيل، هو يستنكر أذاهم وأذيتهم له على تحقق علمهم بنبوته ورسالته، وكيف لم يتحقَّق العلم بالنبوة والرسالة وقد فعل الله له وأجرى على يديه ما أجرى من الآيات التسع البصائر ومن أعظمها فلق البحر لهم وإغراق فرعون وجنده؟ كيف لا يعلمون أنه رسول؟ يعلمون هذا تماماً، لكنهم يبالغون في أذيته عليه الصلاة والسلام، فقوله وَقَدْ تَعْلَمُونَ ۩ قولاً واحداً للتحقيق والتأكيد، ليس للارتياب والتقليل، هذه هى اللغة حين تتمرس بها بكثرة الوقوف والتعاطي مع الكلام البليغ والكلم النوابغ وفصيح القول شعراً ونثراً وأفصحه لا ريب كتاب الله لأنه كلام الخالق لا إله إلا هو، فضله على سائر الكلام كفضل الخالق على سائر المخلوقين وعلى كل المخلوقات، وبعد ذلك ستبدأ تتذوق هذه التعابير وتفهم ما يُوحي به سياقها وسياق إيرادها، لكن قبل ذلك لن يحصل هذا، فنحن لا نعتذر عن الكتاب، وإنما على مَن يجهل أساليب الكتاب ولغة الكتاب ومتن اللغة أن يعتذر عن جهله بالتراجع والاستغفار، يستغفر ويتراجع ويبدأ يتعلَّم، نسأل أن يُعلِّمنا وأن يرحمنا بأن نعرف – كما أقول دائماً – قدر أنفسنا وألا نتكلَّف ما لا يعنينا، من دعاء السيد المعصوم – عليه الصلاة وأفضل السلام – اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني وارحمني من أن أتكلَّف ما لا يعنيني، لا تتكلَّم فيما لا تُحسِن، لا تتكلَّم فيما لست أستاذاً يه فتقع في ورطة ويقع عليك العتب في الدنيا والملام وفي الآخرة ربما المؤاخذة والعذاب، والله – تبارك وتعالى – المُوفِّق .

إخواني وأخواتي:

ذكرنا طرائق السادة العلماء والمُفسِّرين في تأويل الآي التي ظاهرها أو ظواهرها أن الله – تبارك وتعالى – لا يعلم الشسئ إلا بعد وقوعه، نُكمِل الآن ثم نُفضي إلى الكلام في شُبهةٍ أخرى جديدة، فنأتي الآن على عجل على بقية أو فضلة الكلام في قضية العلم، وأنا أحاول أن أقف عند آية واحدة حتى أعطيكم وأعرض لكم نمطاً من الفهم، وإلا سائر الآيات وهي زهاء عشرين آية – كما قلت لكم – كلٌ منها يقبل التفسير بوجه النظير أو وجه المُقارِب، لكن لو فعلنا هذا لأصبحت دراسة مُطوَّلة ولأصبحت بحثاً علمياً مُطوَّل يحتاج إلى عشر خُطب ربما أو أقل أو أكثر، لكن نحن نُعطيكم نمطاً فقط، فلا يحتجن علينا أحد بأن هذا إن ساغ هنا لا يسوغ هناك، نُعطيكم نمطاً وعليه فقيسوا، وهذه سبيل المُتعلِّمين والعالمين، قال الله وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۩، قال بعض العلماء – ولنعم ما قالوا – هنا العلم ليس على حقيقته – وأنتم تعلمون الحقيقة والمجاز، أي المعنى الحقيق والمعنى المجازي – وهو درك الشئ على ما هو عليه، هذا معنى العلم، تعلم الشيئ بأن تُدرِكه على ما هو عليه، فإن كان أصفر علمته أصفر ولم تعلمه أحمر، فهذا علم، وإن كان كبير علمته كبيراً ولم تعلمه ضئيلاً صغيراً، فهذا علم أيضاً وهكذا، قالوا العلم هنا مجازٌ عن التمييز والفصل، أي لنُميِّز ونفصل بين فريقين من الناس، فريق المُؤمِنين المُتابِعين الصادقين وفريق المُنقلِبين على أعقابهم بعد إذا جاءهم الهدى والعياذ بالله، نسأل الله الثبات الثبات الثبات، هنا قد يقول لي أحدكم أين لكم هذا؟ هذا واضح جدا فانتبهوا، لو كان العلم على بابه – أي المعنى الحقيقي – لقال الحق سبحانه وتعالى من قائل وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم مَن يتبع الرسول مَن ينقلب على عقبيه، لكن هو لم يقل هذا، لم يقل لنعم مَن ومَن، وإنما قال لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ ۩، أتى بمِن هنا، قال مِمَّنْ۩، أي مِن مَن، مَن الثانية إسم موصول وليست حرفا، ومِن الأولى حرف، مِن إسم موصول بمعنى الذين، تأتي بمعنى الذي والذين والتى وإلى آخره، أي بمعنى الإسم الموصول، ففي قوله مِمَّنْ۩ إضغام وفقاً لعلم القراءات، قال مِمَّنْ۩، مِن حرف جر، مِن الابتدائية لها فروع، ومن فروعها مِن الفصلية، مِن هذه هى مِن الفصلية، النحو يتحدَّث عن مِن فصلية وهى من فروع الابتدائية، فيكون المعنى لنفصل هؤلاء مِن هؤلاء، لنُميِّز هؤلاء مِن هؤلاء، هذه إسمها مِن الفصلية، وإلا ما موقع مِن في قوله مِمَّنْ۩؟ لم يقل لنعلم مَن ومَن وإنما نعلم مَن مِن مَن، أي لنفصل ولنُميِّز، هذا مجاز واضح، ما هى القرينة؟ مِن الفصلية، قلنا المجاز لا يجوز أن يراد فيه كلا المعنيين الحقيقي والمجازي، فقط يُراد به المعنى المجازي لقرينة تمنع من إرادة الحقيقي، أقول لكم القرينة هنا هى مِن، وهذه مِن الفصلية، فصار المعنى لنفصل ولنُميِّز لنُفرِّق، وهذه مسألة واضحة لكن ليت شعري، ما هي مِن الفصلية ؟ سهلة وهى التى تحدَّث عنها ابن مالك وابن هشام المصري في المغني وفي غيره، مِن الفصلية هى الداخلة على ثاني المُتضادَين للفصل بينهما، قال الله وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۩، ما معنى قوله يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۩؟ مستحيل أن تكون يعلم هنا بمعنى الإدراك، إنما يُميِّز، الله يُميِّز ، لأنه لم يقل الله يعلم المُفسِد والمُصلِح وإنما قال يعلم الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۩، فيُميِّز ويُفرِّق ويفصل هذا من هذا لا إله إلا هو، هذه داخلة على ثاني المُتضادَين، قال الله مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۩، أرأيت؟ هذه مِن الثانية، هذه مِن فصلية، قال الله يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ – هذا الشاهد الثاني هنا – مِنَ الطَّيِّبِ ۩، هذه مِن الفصلية، فهذا هو.

إذن عليك أن تفهم كتاب الله – كما قلت لك – وفق دستور البيان والبلاغة، هذا من علم بيان طبعاً، فلابد أن تفهمه وفق دستور البيان، الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسين الدامغاني – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه العجيب الوجوه والنظائر – من أهالي القرن الخامس الهجري – قال العلم يُطلَق على وجوه ومنه الرؤية، ذكر له ثلاثة معانٍ، فالعلم إذن لفظٌ مُشترِك، ما معنى لفظ مُشتَرك؟ اللفظ واحد والمعاني مُتعدِّدة، الإسم واحد والمصاديق مُتعدِّدة، الاسم واحد والمُسميات مُتعدِّدة، هذه ألفاظ مُشترَكة، أهل اللغة يُسمونها الأضداد، لكن الأضداد من أقسام المُشترَك، الشيئ وضده في لفظ واحد وقد يراد هذا وقد يراد هذا، هذا معنى ضديد، وعلى كل حال من الاشتراك، فقال من معاني العلم الرؤية، قال الله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ ۩، أي لما يرى الله، وطبعاً هذه الرؤية يُوشِك أن تكون بمعنى إظهار علم الله الأزلي، كما قلت لكم في الخُطبة السابقة علم الله صفة ذاتية لله، بمعنى لا تحدث ولا تتجدد، علم الله صفة ذاتية لله مثل الإرادة ومثل القدرة ومثل الحياة ومثل السمع ومثل البصر، كلها صفات ذاتية لله – لا إله إلا هو – لا تحدث بمعنى أنها لا تكون بعد أن لم تكن – أعوذ بالله فهذا إلحاد – وإنما هى أزلية بوجود الله الأزلي لا إله إلا هو، فهى لا تحدث ولا تتجدد، لكن التجدد كما أخبرنا ونقلنا عن الإمام الغزالي وغير الغزالي يصح أن يكون في مُتعلَّقات العلم، هذه طريقة التعليق عليها يحتاج إلى مُحاضَرة، هذا موضوع ثانٍ، لكن هذه طريقة مرضية لكثير من مُحقِّقي العلماء، فكما قلنا التجدد والتغير يطرق العلم نفسه الذي هو صفة ذاتية أزلية أم المُتعلَّقات؟ المُتعلَّقات، أي تعلقات هذا العلم.

الإمام الشيخ الطاهر بن عاشور – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – في تفسيره العظيم التحرير والتنوير ذكر طريقة لم يذكرها تقريباً سائر المُفسِّرين، قال لم لا يكون قوله إِلَّا لِنَعْلَمَ ۩ ونظائر هذه الآية الكريمة من باب التعلّق التنجيزي للعلم لكن التنجيزي الحادث؟ أن للعلم تعلقاً تنجيزياً حادثاً، والحدوث هنا لا يطرق العلم الذاتي وإنما يطرق تعلقه، يقول الشيخ بن عاشور تماماً كما ذكروا التعلق التنجيزي الحادث في الإرادة والقدرة، وهذا لم ينقص من تنزيه الله ولا من كمال تنزيه وتقديسه، لابد أن أُوضِّح وأكشف النقاب عن هذا المعنى سريعاً حتى نمضي – إن شاء الله – إلى شُبهة الهداي، العلماء وخاصة علماء العقيدة – أي علماء الكلام – حين تحدَّثوا عن إرادة الله وقدرة الله تحدَّثوا عنهما كالتالي، قالوا إرادة الله صفة أزلية ثابتة للذات العلية أزلاً بثبوت الذات العلية أصلاً، صفة أزلية قائمة بالذات العلية – الإرادة، أي إرادة الباري – يتأتى بها تخصيص المُمكِن ببعض ما يجوز عليه، ما هو المُمكِن؟ كل المخلوقات وكل الأشياء التي أوجدها الله أو يُمكِن أن يُوجِدها بـ كُنْ فَيَكُونُ ۩هى المُمكِنات، علماً بأن هذه اصطلاحات خاصة وتُحترَم كما هى، الممكن تتعلَّق به الإرادة تخصيصاً، يُخصِّصه الله – تبارك وتعالى -ببعض ما يجوز عليه كأن يجعله كبيراً أو صغيراً أو أحمراً أو أسوداً أو يحيى أو يموت أو عالماً أو جاهلاً أو هنا أو هناك في الزمان وفي المكان وإلى آخره، هذه كلها تخصيصات، الإرادة تفعل هذا، قال السادة العلماء فإن فهمت ولاحظت الإرادة من حيث هذا المعنى ذاته كانت الإرادة الصلوحية، لها تعلّق صلوحي، وهذا التعلق أزلي، الله أزلاً مُتصِف بالإرادة التى تصلح لهذا المعنى، أي معنى؟ معنى تخصيص المُمكِن ببعض ما يجوز عليه، هذا يُسمى التعلق الصلوحي للإرادة، فإن تعلَّقت هذه الإرادة بمُمكِن مُشخَّص أو مُمكِن مُحدَّد حتى قبل إيجاده – مثل بفلان بن فلان أو بالجبل الفلاني أو بالزهرة الفلانية أو بالخشبة الفلانية – أن تكون كذا وكذا وإلى آخره فإن بهذا الإعتبار ومن هذه الحيثية تكون الإرادة تنجيزية، وهذا الذي يعرف بالإرادة التنجيزية، إذن إرادة صلوحية، أي معنى إرادته، إذا لاحظتها من حيث هى كان التعلّق الصلوحي، وهو تعلّق قديم أزلي ليس حادثاً، أما التعلّق التنجيزي فاختلفوا فيه، بعضهم تحدَّث عن تعلق واحد تنجيزي وهو قديم، وهذا لا يلتئم بكلام العلامة بن عاشور، فانتبهوا إلى أن بعضهم اختار هذا، بعضهم مختار أن الإرادة لها فقط تعلّقان، تعلّق صلوحي وقد ذكرته وتعلّق تنجيزي أزلي أيضاً قديم غير حادث يتعلّق بأي مُمكِن، بصرف النظر عن هذا المُمكِن ظهر للوجود أو لم يظهر، الإرادة تتعلّق بهذا، وطبعاً تفصيل هذا الكلام حتى نحذقه يحتاج أيضاً إلى درس في العقيدة، وهذا موضوع آخر، وبعضهم قال بل الإرادة لها تعلّقان تنجيزيان، تعلّق تنجيزي قديم وهو هذا وتعلّق تنجيزي حادث بعد وجود الشيئ، بعد أن تخلقه القدرة بكن فيكون تتعلّق به الإرادة، مثلاً ابنك أنت الذي رزقت مثلاً ولداً – ابناً أو بنتاً – فالآن تتعلّق الإرادة بأن يُعطى هذا الولد الإسم الفلاني، يُلهِمك الله وأمه هذا الإسم مثلاً، وتتعلّق الإرادة بأن يدخل هذا الطفل ابن الأسبوع – مثلاً – مُستشفى آخر ليُعالَج من مرض خاص تعلّقت الإرادة أيضاً به، هذا تعلّق تنجيزي حادث، شيخ الإسلام إبراهيم الباجوري – من كبار مشايخ الإسلام وهو الشيخ المصري الشهير شارح جوهرة التوحيد للشيخ اللقاني رحمة الله تعالى عليه – قال لكن هذا التعلّق التنجيزي الحادث راجع إلى معنى إظهار التعلق التنجيزي القديم فهما تعلّق واحد واكتفى بالقديم، هما مذهبان على كل حال، شيخ بن عاشور لاحظ المذهب الثاني، كثير من العلماء تحدّثوا عن تعلقين للإرادة تتنجزيين طبعاً، فصار لله كم تعلّق؟ ثلاثة تعلّقات، كذلك الحال مع القدرة، القدرة صفة أزلية ثابتة للذات العلية، يتأتى بها – غير موضوع الإرادة الآن – القدرة وإيجاد المُمكِن – كُنْ فَيَكُونُ ۩ – أو إعدامه أو تكييفه، جعله وتصييره من حالة إلى حالة، من حالة الصغر – مثلاً – إلى حالة المُراهَقة والشباب والكهولة والشيخوخة والهرم ثم الموت، أي الإعدام، هذه إسمها القدرة، ولها تعلّق صلوحي الذي تصلح له الصفة، أي معنى الصفة، هذا التعلّق الصلوحي، لها تعلّق صلوحي قديم، أما تعلّقها التنجيزي فحادث، لم يذكروا القدرة تعلّقاً تنجيزياً قديماً وإنما ذكروا تعلقاً تنجيزياً حادثاً، الشيخ ابن عاشور استفاد من هذه الطريقة وقال بما أنكم ذكرتم القدرة تعلّقاً تنجيزياً حادثاً ولم يُفهَم من هذا حدوث صفة القدرة لله أو التأثير على كمالها وتنزيهها وذكرتم أيضاً للإرادة تعلقاً تنجيزياً حادثاً ولم تقدحوا بسببه في الإرادة فلماذا لم تذكرون للعلم تعلّقاً تنجيزياً حادثاً؟ ابن عاشور هو الذي يقول هذا، الآن قد يأتي بعض من شدا في علم العقيدة حروفاً يسيرة ليُنكِر على الشيخ الإمام، والشيخ الإمام ذهن مُحترَم، بلا شك يتطرَّق إليه الخطأ لأنه ليس معصوماً لكن قلَّ أن يتطرَّق إليه مثل هذا الخطأ، هو أذكى وأوسع علماً من أن يتطرَّق إليه خطأ مثل هذا يفطن له طالب علم مُبتديء في علم العقيدة، فيُقال له ماذا تقول يا ابن عاشور؟ أعوذ بالله، العلماء – علماء الكلام – أجمعوا على أن العلم الإلهي له تعلّق واحد – ليس عنده تعلّقات وإنما عنده تعلّق واحد – وهو تعلّق تنجيزي قديم، تعلق تنجيزي فقط، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا لا يُوجَد تعلّق صلوحي للعلم؟ هل تعرف ما معنى أن يكون للعلم تعلَق صلوحي؟ معناها أن الله يجهل وأستغفر الله، كيف هذا؟ الآن أنت علمك كبشر وعلمي أنا كبشر له تعلّق صلوحي، أنت الآن علمك يصلح أن تعلم أشياء من الفيزياء وأنت لم تقرأ شيئاً في الفيزياء، هذا معنى أنك الآن جاهل بعلم الفيزياء، لا يجوز أن يُقال للعلم الإلهي تعلّق صلوحي، لأن معنى تعلّق صلوحي أنه الآن في الحال جاهل – أستغفر الله العظيم – وبعد ذلك لما يأتي التنجيز يأتي العلم، هذا كلام القدرية، يجوز على مذهب القدرية الأول الذين برِئَ الى الله منهم عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهم أجمعين – أن يكون للعلم تعلّق صلوحي قديم طبعاً، لكن على مذهب أهل الحق العلم ليس له تعلّق صلوحي، تعلّق العلم دائماً تنجيزي، كون هذا التعلّق تنجيزي قديم فهذا واضح جداً عند أهل الحق، طبيعي أن الله أزلاً قبل أن يخلق اللوح والقلم وقبل أن يخلق السموات والأرض بعد ذلك طبعاً على ما ورد في الأخبار وقبل أن يخلق أي شيئ وهو في الأزل وحده – لا إله إلا هو – واحد أحد كان أزلاً عالماً بكل ما سيخلقه إلى الأبد – إلى أبد الأبدين – بعلمٍ واحد بسيط غير مركب غير مُستحصَل، هذه صفة علمه لا إله إلا هو، إذن علمه له تعلّق تنجيزي قديم، انتبهوا إلى أننا سوف نعود إلى كلام الحُجة الغزالي وقد وضحناه بالمثال، مثال أمامك وخلفك وعن يمينك وعن يسارك وأنت لم تتغيّر، التعلّق فقط هو الذي طرأ عليه التغيرات والتجددات، الشيخ ابن عاشور نقل في هامش تفسيره قول للعلّامة عبد الحكيم السيالكوتي في شرح الرسالة الخاقانية، وفي الرسالة الخاقانية وقال تحقيق دقيق، ذكر السيالكوتي أنه يجوز أن يكون للعلم تعلّقات مُتجدِّدة، والتجدد لا يطرق علم الله الأزلي وإنما يطرق ما تعلّق به العلم، والتعلق والقصور هنا ليس في العلم وإنما القصور في المعلوم، هذا المعلوم الحاصل في حيز وفي حاق علم الله أزلاً، لكن حين تتأّذن إرادة الله بقدرة الله إخراج هذا المعلوم أزلاً إلى شهادة الوجود وإلى يفاع الوجود فلن تُوجَد هنا أي مُشكلِة أن يحدث هنا تعلّق جديد – نعم يحدث – للعلم الأزلي بالشيئ بعد وقوعه أو إبان وقوعه – أي حين وقوعه – كما قال الشيخ العلامة السيالكوتي، لا تُوجَد أي مُشكِلة مثل تعلّقات الإرادة وتعلّقات إلى القدرة بالذات، هذا هو السيالكوتي ، قال ابن عاشور ولم ينسبه إلى قائل وهو تحقيقٌ دقيقٌ، وهو كلام له مقبولية عموماً وله وجهة نظر، قال الله قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ۩، القصور ليس في العلم إنما في هذا المُتجِّدد الذي لا يكون إلا بعد ان تأذن أن يكون، لأنه مُمكِن وليس واجباً في وجوده، هو مُمكِن الوجود، فهذا تعلق والتجدد لا يطرق العلم ذاته، وكما قلت لكم الله – تبارك وتعالى – بعلمه التام الكامل المُطلَق الإحاطة يعلم كل شيئٍ علماً لا يغبى ولا يغيب عنه شيئٌ، وتذكَّروا مثل الذي علم أن فلاناً يقدم مع طلوع الشمس ويُمكِن أن تضربوا لأنفسكم أي أمثلة أخرى تُريدونها، تخيَّلوا وتفكَّروا وتعمَّقوا في أن هل أي شيئ يطرأ على المعلوم يزيد شيئ في علم الله؟ حاشاه لله، لكن انتبهوا إلى أن بالنسبة إلينا نحن دائماً مع طروء كل تجديد يتجدَّد شيئٌ في علمنا لم نكن نعلمه، عند الله لا يُوجَد شيئ يطرأ على علم الله ليزداد به علماً لا إله إلا هو، لا من جهة الزمان ولا من جهة المكان ولا من جهة الأحوال والصيرورات والمسيرة، كله وجود، وهذا يعني أن الذي تتوهمه تجديداً وتغيراً وإضافة يكون كذلك بالنسبة إليك وبالقياس إلى علمك لكن بالقياس إلى علم الله أو فيما يختص ويتعلَّق بعلم الله الذي وصفناه كما وصفنا لا يُوجَد شيئ جديد، الجديد هو في التعلّقات فقط، نظراً إلى المعلوم المُدرَك وليس إلى العالم له، هذا موضوع طويل فنقف ونكتفي – إن شاء الله – بهذا الحد.

شُبهةٌ أخرى ألقى بها ذاك الرجل فقال القرآن الكريم دائماً يقول الله لا يهدي، لا يهدي الكافرين ولا يهدي الظالمين ولا يهدي الفاسقين ولا يهدي مَن هو مُسرَفٌ مَرتَاب ولا يهدي الكذبة ولا يهدي كذا وكذا، ذكر هذا فقط، ثم قال كالمُستهزيء – نعوذ بالله – فيهدي مَن إذن؟ إذا كان لا يهدي كل هؤلاء فيهدي مَن؟ وكيف يزعم القرآن أو المُسلِمون أن الله هاد؟ يقولون هو الهادي – هادي العباد لا إله إلا هو – فكيف يهدي؟ إذا كان لا يهدي هؤلاء ولا هؤلاء ولا هؤلاء ولا أولئك ولا أولئك فإذن يهدي مَن؟ هذه لا يجوز أصلاً أن تكون شُبهة، وطبعاً الأبحاث في الهداية والضلال والاتوفيق والخذلان والختم والطبع وإلى آخر ذلك وما يدور في هذا المدار أخذت حيزاً كبيراً جداً في كتب علم الكلام والفرق، خاصة بين أهل السُنة وبين أهل الإعتزال، مئات الصفحات كُتِبَت في هذا الموضوع، فلو قرأ هذا الرجل أو غيره بعض ما كُتِبَ في هذا الباب لما علم أنه مُجرَّد عيال بل لعلم أنه لا شيئ بالنسبة إلى أهل التحقيق في هاته الموضوعات، هاته الموضوعات يعلمها أيضاً كل مَن أخذ دورة في علم الكلام، وهذه معرفة ابتدائية، لكن مَن توسَّع يعلم سعة ما أدلى به العلماء من هذه الفرق المُختلِفة في هذا الموضوع، لن أُصدِّع رؤوسكم بالحديث عن طريقة الأشاعرة وطريقة أهل الإعتزال وبعد ذلك انضواء الفرق الأخرى مرة إلى هنا ومرة إلى هنا ومرة لا إلى هنا ولا إلى هنا – أي بين ذلك – لأن هذا موضوع تخصصي لكن سأُعطيكم – بإذن الله تبارك وتعالى وعونه – الخُلاصة أو كما يقال الزُبدة، والموضوع سهلٌ جداً قرآنياً لكن أٌقدِّم له بمُقدَّمة سريعة ثم أمضي إليه، الله – تبارك وتعالى – يقول في آل عمران هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِۖ – إذا أردت أن تفهم الكتاب وإذا أردت أن تقف على معالم الخطة الهدائية للكتاب الأعز عليك مُباشَرةً أن تمضي إلى الآيات المُحكَمات – وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ – الله قال ليس كل الكتاب مُحكَماً، هناك آيات مُتشابِهات – فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ – سواء الكفار أو المُنافِقون المُرتاَبون أو المدسوسون الذين يريدن أن يُشبِّهوا على المُؤمِنين أمر دينهم، يتركون المُحكَم ويأتون إلى المُتشابِه يعبثون به – ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ۩، اختلف السادة العلماء تبعاً حتى لموقف القراء هل وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ۩ وقف لازم هنا وميم يجب أن نقف ثم نستأنف بالقول وَالرَّاسِخُونَ ۩ أم يجوز أن نمضي وتكون الوار للعطف بمعنى يعلم تأويله الله والراسخون الذين ذكر الله من حالهم أيضاً أنهم مُؤمِنون يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۩؟ مذهبان للسادة العلماء على مر التاريخ، منهم مَن قال مُتشابِه الكتاب واقعٌ في حيز مُمكِن العلم، يُمكِن أن نعلمه ويُمكِن أن كشفه ويُمكِن أن نفهمه، ومنهم مَن قال المُتشابِه يُوكَل أمر إلى الله، على كل حال لن أخوض في هذه المسألة وسأقول كلمة، سيقول بعضهم لماذا؟ إذا كان الله تبارك وتعالى يبغي هدايتنا وإرشادنا ودلالتنا أحسن دلالة لماذا حشر المُتشابِه في كتابه؟ أنا أقول لكم للحق وليس للتنصل لو خلا الكتاب الأعز من المُتشابِه لكن أحري أن يُشَك في أمره، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا؟ هذا طبيعي يا أخي، هذا طبيعي يا رجل، يا رجل أنت الآن أستاذ يا سيدي وبروفيسور في النقد الأدبي، لو أُلقيَ إليك كتاب في علمِ لم تعرفه اشتبه أمره كله عليك على أنه من العلوم الإنسانية التي يعلمها الإنسان، هذه علوم انتجها الإنسان وأدركها الإنسان وهى مُتاحة، لكن بعض الناس حتى يفتقد القابلية، لو ذهب يتخصص لن يفهم هذا العلم، بعض العلماء لم يستطع أن يحذق علماً آخر، بعضهم الحساب – الرياضيات – وبعضهم الطب وإلى آخره، الإمام النووي عالم ذكي جداً جداً وعقل – ما شاء الله – جبّار، هذا الرجل ذهب يدرس قانون ابن سينا، كان يُريد أن يتعلَّم الطب، قال أمضيت أسبوعاً كاملاً – هذا الأسبوع ما شاء الله ربما يحفظ فيه خمس مُجلَّدات – ولم يعلق شيئٌ بذهني، أظلم ذهني وأظلم قلبي فتركته، قال كُلّاً مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ۩، مؤلفات العلّامة السيوطي في آخر الدراسات قريبة من ألف مؤلف، هذا الرجل بحر من بحار العلم، هو أعجوبة من أعاجيب هذه الأمة بل من أعاجيب بني الإنسان، السيوطي في القرن العاشر الهاجري – في تسعمائة وتسعة للهجرة – ذهب يتعلَّم الحساب – قليل من الحساب – فلم يعرف شيئاً، قال وإلى اليوم حين أتعاطى مع مسألة فيها حساب كأنني أتعاطى جبلاً على صدري وتختلط الأمور، لماذا؟ ليس عنده القابلية، في الأشياء حسابية رياضية ليس عنده أي قابلية، المغزى من كلامي لا يُمكِن أن يخلوا الكتاب من المُتشابِه، والكتاب لا يتحدَّث عنا فقط وعن دنيانا وعن العالم المشهود المحسوس بل من الأول قال لك أنا أتناول قضايا المشهود المحسوس والأهم من هذا هو أنني أتناول عوالم الغيب والآخرة وغيب الغيوب، يُحدِّثنا عن نفسه لا إله إلا هو – وعن شؤون الله – لا إله إلا هو – فانتبهوا، عالم الماوراء وعالم الغيب ليس كما قد يظن بعض السُذج من الناس، أنه مُجرَّد امتداد سحيق للمحسوس المشهود تماماً كامتداد الكون إلى أطراف لم يبلغها الرصد العلمي، ثم يقولون هذا هو الغيب، وهذا غير صحيح، عالم الغيب يختلف عن هذا العالم دستوراً وقانوناً، يختلف بطبيعته وماهيته، يكفي فقط أن نعلم أننا في عوالم الآخرة لا نفنى ولا نموت، هذا لآن في الدنيا غير مفهوم ومُستحيل، الكل يفنى والكل يموت، وهذا يعني تقريباً وجود عالم من اللاتغير هناك، لا يُوجَد تغير، لا نشيخ ولا نكبر ولا نهرم، نبقى شباب وتبقين شواب، هذا شيئ عجيب، قال الله هذه نشأة أُخرى محكومة بدساتير مُختلِفة وبقوانين مُختلِفة، أليس كذلك؟ هذا هو، فعالم الغيب ليس مُجرَّد امتداداً في الزمان والمكان لعالم الحس والشهادة، هذا غير صحيح، كتابٌ عزيزٌ يتحدَّث من وراء سدف الغيب عن عوالم الغيوب هل يقع في المُتشابِه أو لا يقع؟ ينبغي أن يقع، ينبغي أن يكون فيه مُتشابِهات كثيرة، أليس كذلك؟ وأنا أٌقول لكم كما قال تعالى هذه المُتشابِهات لن يُوفَّق إلى فهمها مَن في قلبه مرض ومَن لم يعمر الإيمان قلبه، لماذا؟ لأن الإيمان هو إيمانٌ بالغيب، قال الله يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ۩، أما الذين – نسأل الله أن نقول منهم بحق لا إله إلا الله – عُمِّرَت قلوبهم بالإيمان – بالإيمان بالغيب – فهم الذين يبدأون يُقارِبون هذه المُتشابِهات ويلوح لهم بعض شيئ من معانيها الغامضة البعيدة التي لا تنتمي إلى هذا العالم المحسوس المشهود، هو هذا إذن، فضروري أن يقع المُتشابِه في كتاب الله تبارك وتعالى، لكن من وراء هذا القول أقول كل ما يبدو مُتشابِهاً لنا إن جاز فك الاشتباه فيه وفك الالتباس وفك المعنى الذي غبيَ وعميَ علينا بطريقة عقلية بيانية لغوية وغير ذلك فعلنا ولا حرج، وهذا مُلتئمٌ بمذهب العلماء الكثيرين الذين قالوا المُتشابِه قابلٌ للعلم وقابلٌ للفهم، وطبعاً في رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية، هو أكثر مَن احتج بهذا وأتى بأدلة كثيرة وقال المُتشابِه قابل للعلم، علماً بأن رأي جماعات كثيرين من السادة الأشعرية أنه قابل لأن يعلم، هذا مُلتئم بهذه الطريقة.

الآن بإختصار سنسأل هؤلاء الشاغبين أو المُشاغِبين والمُشبِّهين ونقول لهم الله – تبارك وتعالى – حين لا يهدي ولا يتأذن أن يهدي الكافرين والظالمين والفاسقين والطغاة – قال الله مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ۩ – لماذا لم يهدهم؟ لأنهم طغاة، هم طواغيت والعياذ بالله، هو لا يهدي الطغاة وأشكال وأمثال هؤلاء، ما معنى هذا؟ كيف أنه لا يهديهم؟ أولاً سنسأل هؤلاء ونقول لهم هل معنى أنه لا يهديهم أنه لا يرسل إليهم المُرسَلين؟ هل يمنع عنهم سماع البيان؟ هل ممنوع أن يسمعوا القرآن أو التوراة والإنجيل؟ هل هذا ممنوع؟ هنا قد يقول لي أحدكم ما علاقة القرآن والتوراة والإنجيل بالهدي؟ قال الله ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ۩، وقال أيضاً إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۩، الهداية الإلهية تكون بالبيان طبعاً، والبيان يكون بالكتاب وبالشرائع الإلهية، وعلى كل حال لا أحد يقول بهذا، بالعكس قال الله وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، وكل نبي كان يبعث لأمة يقول لهم يا قومي، يدعو الكل بلا استثناء، وحرصه على مَن لم يُؤمِن ولم يسمع أكثر من حرصه على مَن قد آمن بحمد الله تبارك وتعالى، يظلون يُلاحِقون الشاردين والسادرين، يُلاحِقونهم بالآيات حتى يُمِلوهم، يقولون أكثرت علينا يا نوح، تقول الآية الكريمة جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ۩، على مدار الأربع والعشرين ساعة تُريد أن تهدينا فاتركنا وشأننا، لكن النبي كان حريصاً عليهم، قال الله وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ۩، الله – تبارك وتعالى – يُريد إسماع كل هؤلاء وهو حريص على، هذا مِن أجل هذا نبأ النبيين وأرسل المُرسَلين وأنزل الشرائع بالبيان المُبين، قال الله وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ۩، بلغوا بلاغاً مبيناً، قال الله الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ۩، أي وحي الله، فهو يُريد وحي الله تبارك وتعالى، إذن ليس هذا المعنى، والقرآن واضح في أن هذه الهداية مبذولة للناس جميعاً، مبذولة لأبي جهل وأبي لهب كما بُذِلَت لأبي بكر وعمر وعلي وعثمان، أليس كذلك؟ إذن ليس معنى أن الله لا يهدي – قرآنياً وليس من عندنا فانتبهوا – أنه لا يهدي أنه يمنع هذه الهداية، الآن القرآن مُترجَم تقريباً إلى مُعظَم لغات العالم ويقرأه كل بلغته والعلماء أجازوا هذا بل حبَّذوه وذلك بمعونة أهل الخير وأهل المال من صالحي المسلمين الذين عملوا على نشره في العالمين، قال الله اقْرَأْ ۩، كما أن الكتاب المُقدَّس منشور بكافة اللغات حول العالم، أليس كذلك؟ الكل يقرأ لكن هناك مَن يهتدي وهناك مَن يكفر وهناك مَن يزداد كفراً كلما قرأ شيئاً، قال الله فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً ۩ اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۩، كلما جاءهم نبي ازدادوا عتواً والعياذ بالله، قال الله وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ ۩، قوله كَثِيرًا ۩ مفعول به، أين الفاعل؟ مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۩، أي القرآن الكريم الذي أُنزِل إليك، قال الله مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۩، وهذا لمرتين في موضعين مُتقارِبين من المائدة، فهم ازدادوا كفراً، قال الله وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ۩، آيات كثيرة لن أتقصاها تُؤكِّد أن إرسال النبيين وإنزال الشرائع وتلاوة الوحي وسماع الوحي لا يزيد أنفاراً أو لا يزيد أناساً – والعياذ بالله – معروفين بصفاتهم إلا خساراً وضلالاً ونفوراً وعتواً واستكباراً، على أنه يزيد المُؤمِنين هدىً وإيماناً وتسليماً وسكينة وراحة، لا إله إلا الله، ما الحاصل؟ انتبهوا الآن إلى هذه النظرية، هم يشغبون على القرآن الكريم، لكن ليس بمثل هذا يُشغَب على كتاب الله.

إذن هداية الله التي دل عليه الكتاب العزيز هدايتان، هداية عامة وهداية خاصة، الهداية العامة تنقسم إلى قسمين – علماً بأن هذا كله من القرآن الكريم، هذه نظرية قرآنية – كالتالي، هداية عامة تكوينية، وهداية عامة تشريعية وحيانية، وذلك نسبة للوحي، الهداية العامة التكوينية هى الخلقية القدرية من غير آيات الوحي، مثل خلق كل مخلوق على الهيئة وبالإعداد الذي يصلح له، بحيث يعده الله – تبارك وتعالى – إعداداً يجعله لائقاً وصالحاً بتعاطي مصالحه وقوام حياته على ضعفه أو قلته أو صغره أو عظم جرمه بغض النظر عن أي شيئ، تقول الآيات الكريمات قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ۩ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ۩، هذه هداية تكوينية، حتى الفطر Fungus ينطبق عليه هذا، ما هذا الكائن؟ هذا الكائن يدرسونه في الأحياء، ما هذا الفطر Fungus؟ والله حين تقرأون عنه تشعرون بالعجب، عندي خُطبة قديمة من زهاء عشرين سنة عنه، هذا الفطر Fungus عجيب، هذه الفطريات تتصرَّف بطريقة كأن لديها ذكاء وخطة ومكراً، شيئ لا يكاد يُصدَّق، وعندك طبعاً النمل والنحل والذباب وعندك الديناصور والفيل وإلى آخره، وكله – سبحان الله – ينطبق عليه هذا، قال الله – تبارك وتعالى – سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۩، هذه هداية تكوينية في الخلق وفي الخِلقة وفي الإعداد، وهناك هداية تشريعية عامة، قال الله – كما قلنا – وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ۩ وقال أيضاً وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ۩ فضلاً عن أنه قال وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ۩، هذه الهداية بإنزال الوحي وتبليغه عامة أم غير عامة؟ عامة لكل مَن بُعِثَ النبي إليهم، الآن النبي محمد بُعِثَ لمَن؟ بُعِثَ للعالمين، نحن مأمورون أن نُوصِّل هذا الكتاب العزيز إلى العالمين حتى تقوم عليهم الحُجة، ينبغى أن يُترجَم وأن يشرح وأن يُفسَّر وأن يذب عنه وأن يُدفَع عن حياضه بكل الوسائل والطرق العلمية المُحترَمة المسئولة حتى نُبلِغ ديننا، هل هذه هداية عامة أم ليست عامة؟ هذه هداية عامة، وهذا أمرٌ جميل، تبقى الهداية الخاصة، هناك هداية خاصة، في القرآن الكريم ما هى الهداية الخاصة؟ الهداية الخاصة لا يحظى بها ولا يسعد بها إلا – اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنّك – الذين تضوّؤا بأضواء الهداية العامة واستجابوا لها وذلت بها ألسنتهم وقلوبهم، سمعوا الحق فقالوا بعد أن خشعوا حق، واضح أنه حق، عليه مخايل الحق، وبدأوا يُذعِنون وبدأوا يخرجون من حيز التصديق إلى حيز العمل والتصديق بالجوارح، هؤلاء لا ينتظرهم من الله إلا مزيد هداية، يهديهم الآن هداية خاصة، وهنا ستقول لي الآن فهمت، نحن في سبع عشرة ركعة مفروضة في اليوم والليلة نضرع إلى الله ونقول اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، فهل نطلب الهداية العامة أم الهداية الخاصة؟ نطلب الهداية الخاصة، لأننا مهديون هداية عامة، نحن – بفضل الله – مُسلِمون مُوحِّدون فما الهداية التي نطلبها حين نقول اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩؟ الهداية الخاصة، وسأشرح لكم ضروباً منها وأٌقساماً ومصاديق، قال – تبارك وتعالى – وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ۩ وقال أيضاً وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۩ فضلاً عن أنه يقول فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۩ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسهمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ۩، الآية الواحدة تنزل فتزيد المُؤمِنين – هم مُؤمِنون لكنهم يزدادون – إيماناً، كما الكفار يزدادون كفراً والطغاة يزدادون طغيناً وأما المرضى المُنافِقون يزدادون مرضاً ونفاقاً وشروداً، هذا واضح جداً، قال الله وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ۩ وقال أيضاً وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ۩، وهذا أمرٌ عجيب، أنت تقول أَنَابَ ۩ وتقول أيضاً يُنِيبُ ۩، إنسان مُؤمِن وأناب إلى الله ومن ثم الله يهديه، الآن هذه الهادية خاصة أم عامة؟ خاصة، واضح أنها خاصة فافهموا إذن، وهنا قد يقول لي أحدكم بماذا تكون الهداية الخاصة؟ أوسع مصداق ومعنى للهداية الخاصة المعونة – أن الله يعينك – والتيسير، كما قالوا التيسير علامة الإذن، وأقول لكم التيسير علامة الإذن وعنوان الهداية الخاصة، عنوان لأعظم مصاديق الهداية الخاصة، هذه هى المعونة، بعض الناس يعرف الحق ويخشع له لكن لا يجد باعثاً قوياً يجعله يعمل به، أليس كذلك؟ هو يحتاج الآن إلى ماذا؟ إلى الهداية الخاصة، يقول اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، يقول سيد الخلق وحبيب الحق – صلوات ربي وتسليماته عليه، روحي وأرواح العالمين له الفدى – يا مُعاذ والله إني لأحبك – يا سلام، هنيأً لمُعاذ -، لا تدع أن تقول في دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأنت تعلم أن الخير كل الخير والفلاح كل الفلاح والنجاح كل النجاح في ذكره وشكره وحسن عبادته، اللهم اجعلنا من أهل هذه الصفات العلية، الرسول يقول له والله إني لأحبك، دائما اضرع إلى الله وألِض بهذا الدعاء بعد كل صلاة وخلف كل صلاة وعقب كل صلاة قائلاً اللهم أعني، طلبك لهذه المعونة هو طلب للهداية الخاصة، إذن الهداية الخاصة أعظم مصاديقها المعونة والتيسير على ما فيه رضا الله والنُجح والفلاح بإذن الله تبارك وتعالى، من مصاديقها وصورها الوحي الذي ينزل على الأنبياء، هذه هداية خاصة لمَن؟ للنبي، الله يهديه هداية خاصة، لأن هذا النبي يكون مُؤمِناً قبل ذلك، قال تعالى وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ۩، قبل أن نؤتيه النبوة كان مُؤمِنا مُوحِّداً، فيزداد هداية بالوحي وبالإلهام، كل ما يتلقاه الأنبياء في حقهم هداية خاصة إلى العامة، في حق غير الأنبياء هناك الرؤيا الصادقة، هذه هداية خاصة، في حق غير الأنبياء هناك الإلهام والتحديث والكشف الذي يُيسِّره الله لأولياء الله، اللهم اجعلنا من خاصة أوليائك وأحبابك وخِلصانك، قهذا من الهداية الخاصة، من الهداية الخاصة التفهيم، أن تقرأ كلام الله فتفهم فهماً سليماً دقيقاً وراشداً، هذه هداية خاصة، قد لا تفهم لأنك مُنِعت هذه الهداية، لكن من الهداية الخاصة أن تفهم، قال الله فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا ۩، هذا من الهداية الخاصة، فتفهم عن الله وتفهم عن الرسول، اللهم فهِّمنا عنك، ومن الهداية الخاصة ولا أستقصي تحبيب الإيمان إلى قلبك، تحبيب الإيمان إليك وتزيينه في قلبك وتكريه الكفر والفسوق والعصيان، قال الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۩، إذا هداك الله بهذه الهداية سيأتيك زمان تقول الله أكبر، الله أكبر على زمان كنت أسعد فيه بالمعصية الفلانية والآن أٌقذرها، مُجرَّد تفكيري فيها يجعلني أشمئز، وكنت لا أجد السعادة والراحة إلا فيها، هذا أثر للهداية الخاصة، لما علم الله صدقك وإخباتك وإنابتك هداك بهذه الهداية الخاصة فكرَّه إليك المعاصي بعد أن كرَّه إليك الكفر والفسوق، كرهتها بإذن الله، فاهدنا اللهم بهدايتك الخاصة.

إخواني وأخواتي:

هل موضوع الجبر والاختيار في القضاء والقدر – هل الإنسان مُسيَّر أم مُخيَّر؟ – يتعلَّق بالهداية العامة أم بالهداية الخاصة؟ بالهداية العامة، فالإنسان مُخيَّر فيما له علاقة بالهداية العامة، الله – تبارك وتعالى – لا ينزع منك اختيارك ولا يسلبك حريتك حتى إذا سمعت الكتاب وسمعت الهدى فلم تفقه ونفرت منه لإنك مكتوب عليك أن تكفر به، حاشاه لله، هذا غير صحيح، وهنا قد يقول لي أحدكم ما موقع الهداية الخاصة في ملف وقضية القضاء والقدر والجبر والاختيار؟ لا موضع له، ليس له علاقة، انتبه ولا تبحث عنه فهو ليس له علاقة، تكلَّم فقط في الهداية العامة، والآن أعطيكم امتحاناً وتطبيقاً، نحن دخلنا للتطبيق، قال الحق – تبارك وتعالى – في فصلت وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم نحن – والله لم نفهم أي شيئ، الله قال هديناهم فلم يهتدوا، كيف هذا؟ بالعكس الآن سوف تفهمون كل شيئ، ما معنى فَهَدَيْنَاهُمْ ۩؟ الهداية العامة، بعثنا إلى ثمود النبي صالح عليه السلام، أليس كذلك؟ وتلا عليهم الآيات وأظهر لهم المُعجِزة، ناقة من الصخر – لا إله إلا الله – تشرب كما تشرب كل نوقهم ودوابهم وتُعطي لبناً كما تُعطي كل النوق، هذه آية عجيبة، لكنهم كفروا بها وجحدوا وذبحوها، قال الله فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ۩ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ۩، لا إله إلا هو، إذن قال الله وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ – الهداية العامة – فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ۩، وهذا بمقتضى ماذا؟ اختيارهم، لأنهم أحرا، الله لا يُجبِر واحداً، لو أراد الله – تبارك وتعالى – أن يهديك بالهداية العامة جبراً عنك هل يستطيع أو لا يستطيع؟ طبعاً يستطيع ومن ثم ترى نفسك مُهتدياً مُباشَرةً، لكنه لم يُقِم خُطة الخلق والتكليف والإبتلاء على هذا المعنى، وإنما أقام خُطة التكليف والابتلاء على الحرية والاختيار، هو أعذر إليك بأن أتاح وبسط لك الهداية العامة مُبينَّة بليغة ومُبيِّنة أيضاً واوضحة وباختيارك، قال إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ۩، هل هذه هداية عامة أم هداية خاصة؟ هداية عامة، قال في نفس الآية بعد ذلك إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ۩، بمقتضى ماذا؟ بمقتضى اختياره، وهنا قد يقول لي أحدكم ما جزاء الذي اهتدى بالهداية العامة في الدنيا؟ الهداية الخاصة، قال الله وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۩، يزيد المُؤمِن إيماناً بضروب ومصاديق الهداية الخاصة الكثيرة بإذن الله تبارك وتعالى، فالأمر منتظم وواضح تماماً، قال الله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ ۩، أي هداية هنا؟ الهداية الخاصة، لأنه كفر بالهداية العامة فلا نصيب له من الهداية الخاصة، إذن أينما وجدتم في كتاب الله – تبارك وتعالى – أن الله عز وجل ينفي هداية الكافرين والظالمين والفاسقين وأنه لا يهديهم اعلموا أنه يتحدَّث عن الهداية الخاصة ولا يتحدَّث عن الهداية العامة، إن جاء مُتنطِّع بقول محقور فقال ولم لم يهدهم بالهداية الخاصة؟ فإننا نقول له يا أستاذ الأساتيذ ويا فيلسوف العقائد هو لا يهديهم بالهداية الخاصة حتى ينتفعوا بالهداية العامة، ومن ثم قد يقول فلم لا يهديهم بالهداية العامة إذن؟ نقول له يا فيلسوفنا هو لا يفعل هذا حتى يسلبهم اختيارهم، هل أنت تُوافِق على أن يسلبنا اختيارنا وحريتنا؟ أنا أقول لك حين إذن لن تكون هداية، ستكون شيئاً آخر وهو الشيئ الذي نفاه عن فعله – تبارك وتعالى – ولم ينسب نفسه إليه بعدله وحكمته، قال الله وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ ۩، أليس كذلك؟ قال الله لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ ۩، وقال أيضاً إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ ۩، لكنه لا يفعل، لماذا؟ كما قلت لكم الخُطة ابتلاء وتكليف بمقتضى الحرية والاختيار.

الحمد لله، هذا هو كتاب ربنا، هذا هو مُعتقَدنا، هذا هو فهمنا في كتاب ربنا، لا تُغبِّروا علينا، لا تُشبِّهوا علينا، وبالذات هذه الرسالة – والله – ليست لهؤلاء فقط – نسأل الله أن يهديهم وأن يسعدهم بالهداية – وإنما لأبنائنا وبناتنا، أطال الله أعماركم يا إخواننا وأخواتنا ويا أبنائنا وبناتنا – فتح الله عليكم وأسعدكم الله بمعرفته ونوَّر أفئدتكم بمعرفته – لا تكونوا خفيفين طيّارين كورق الخريف، كونوا رزينين، ولن تكونوا رزينين إلا بالعلم، اقرأوا وابحثوا واتعبوا، وأنا سأقول كلمة ليس علاقة بالعلم والفلسفة وإنما هى كلمة إيمانية، والله وتالله وبالله لن يهدي الله تبارك وتعالى – الهداية الخاصة طبعاً – مَن علم أنه لا يبحث ولا يتكلَّم ولا يصول ولا يجول إلا استكباراً أو إظهاراً لعضلات فارغة أو تنطعاً أو مكراً أو خبثاً أو هوىً، قال الله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ ۩، الله لم يهده على علم وختم على سمعه وقلبه، لأن هذا الرجل يتبع الهوى، هو يُريد الهوى، يُحِب أن يظهر في اليوتيوب – YouTube – وفي التلفزيون – Television – ويدّعى أنه فيلسوف، أنا أقول له أنت مسكين والله العظيم، أنت لن تُضِل أحداً إلا مَن كان على شاكلتك ومن ثوبك ومن لفقِك، قال تبارك وتعالى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ۩ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ۩، على كل حال هذه إحدى الآيات التي لن يفهمها مَن يدّعي فهم العربية وهو ليس منها إلا في أقل القليل، ما معنى قوله مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ۩ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ۩؟ لا يستطيع أحدٌ أن يضل أحداً جبراً على الله، مثلاً أحد الناس الله يعلم أنه إنسان طيب ويُحِب الحق ويُحِب الهدى ولو قد بُسِط له الحق والهدى اتبعه، فتأتي أنت بشُبهات فلسفية ودينية ولغوية وتلعب وتعبث وتُريد أن يضله، والله لن تضله، الله قال هذا، لا تستطيع أن تفتتن أحداً جبراً على الله، لا تستطيع أبداً، وسيهتدي هو وتضل أنت وربما تدخل جهنم والعياذ بالله، فلا تُغامِر بمصيرك، أنت في الحقيقة تُغامِر بمصيرك ولا تُغامِر بمصير أحد من العباد، قال الله كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۩.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرَّجته و لا كرباً إلا نفَّسته ولا ميتاً إلا رحمته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا رددته ولا أسيراً إلا أحسنت فكاكه ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه وأذهبت همه وغمه يا رب العالمين ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لنا فيها صلاح ولك فيها رضاً إلا أعنت على قضائها بمنّك وتوفيقك إلهنا ومولانا رب العالمين، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩، حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩, اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (17/4/2015)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: