إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه الكريم، بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۩ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ۩ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ۩ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۩ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

أحسبُ أننا تحصَّل لنا بعضُ علمٍ حول مسألة كيف يتم تزييف الوعي وكيف يتم نزع عقلنة العقل، لكن حريٌ بنا أن نخوض في مسألة كيف يتم تضليل القلب أو تضليل الفؤاد وتزييف الوجدانات والمشاعر، وذلكم أننا أشارنا في الخُطبة الماضية إلى جمودِ عقلِ أنفارٍ من الناس ولينِ ضمائرهم – إلى جمود عقولهم ولين ضمائهم – وهى الحالة المعكوسة للإنسان السوي الذي ينبغي أن يتسم بمرونة العقل وصرامة الضمير، هذه الحالة المعكوسة ناتجة عن تزييفٍ آخرٍ لكن هذه المرة ليس للعقل وحده بل للعقل والوجدان، كيف يتم تضليل الوجدان وتضليل الشعور والتعمية على القلب ببساطة قرآنياً للحيلولة بينه وبين أن يؤدي وظيفته العتيدة؟ قال الله لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ۩، ما هى الوظيفة العتيدة؟ هى هذه، هذه وظيفة القلب، ولكن قد يعترضون مُعترِض بالقول ما من أحد إلا ولديه وجدانات ومشاعر، وهذا حق لكن ليست العبرة بوجود الوجدانات والشعور بالمشاعر، إنما العبرة بالمدى الذي تذهب إليه هذه الوجدانات وتلكم المشاعر في مُطابَقة ومُماهة الحقيقة، حتى الكفار والملاحدة والمُشرِكون والطُغاة والعُتاة كان لهم ولهم الآن وغداً مشاعر ووجدانات إزاء الأنبياء، يكرهونهم كرهاً شديداً، ويُقسِم لك أغلظ الأيمان وأوثقها إن قلبه لا يرتاح لهذا البشر الذي إسمه محمد أو موسى أو عيسي، يكرهه كرهاً شديداً، إذن فلنحتكم إلى القلب ولنترك هذا الأفاك، أستغفر الله، نعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان، اللهم غفراً، فلنحتكم إلى قلوبنا إذن ولنمضي على طيتنا، نمضي على سمتنا تاركين هؤلاء الكذبة مُدّعين النبوة والرسالة، وهكذا هلكوا، لماذا؟ لأنهم لم يُشحِّروا ولم يُحقِّقوا ولم يُدقِّقوا مسألة هل هذه الأداة المُسماة بالشعور و بالوجدان وبالقلب وبالبصيرة الداخلية فعّالة وصالحة للعمل، أم معطوبة ومُعطَّلة بالكامل؟ علماً بأن هذه مأساة ومحنة، ليست فقط في حق الكفار إزاء الأنبياء بل في حق الناس إزاء الناس عموماً، سواء أكانوا مسلمين وغير مسلمين، جانب المأساة فيها أحبتي في الله – إخواني وأخواتي – أن الإنسان قد يشعر وقد يُضطَر إلى أن يشعر أن عقله ناقص إزاء مَن هو أعلى منه بمراحل، سيُضطَر هو أن يُدرِك أنه غير فاهم في هذا الموضوع، وطبعاً يُعزِّي نفسه بأنه فاهم في موضوعات أخرى، حتى الأُمى الذي لا يفك الخط يفعل هذا، ولذلك قالت العامة: سبحان الله، الله – تبارك وتعالى – قسَّم الأرزاق فلم يرض أحد برزقه حتى أصحاب الملايين ويريد المزيد ويشكو الفقر، وقسَّم العقول وكلٌ رضيَ بعقله حتى الأهبل الهطلاوي، يرى نفسه أكبر فيلسوف وأكبر مُفكِّر وأكبر علّامة وهو أهبل، إنسان أهبل مأفون، سبحان الله هذه محنة أن كلاً راضٍ بعقله، طبعاً لماذا يرضى بعقله ولا يرضى برزقه؟ يبدو أن إصلاح الرزق مُتاح لكن إصلاح العقل صعب جداً، من الصعب أن تتجاوز نفسك، كما نقول دائماً من الصعب أن تقفز على ظلك، كيف يُمكِن لك أن تُصلِح عقلك وأنت تُفكِّر بعقلك؟ هذا يحتاج إلى نوع من البصيرة الأخرى المُختلِفة عن مباديء المنطق العادي والمنطق الصوري، ومن هنا في سبع عشرة ركعة على مدار اليوم والليلة نقول اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، لا تكلنا إلى أنفسنا، أنفسنا ما هى؟ هى عقولنا وقلوبنا أيضاً وتجاربنا وعقدنا والتياثاتنا وغرورنا وإذلالنا وخبراتنا، كل هذه هى أنفسنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، لأننا في النهاية لن ندري أننا قد نكون عمياً وصماً ونحن نحسب أننا أبصر البصراء وأسمع من سمع، ويأكلنا الغرور، صعب أن يتجاوز الإنسان نفسه، صعب أن يُصلِح عقله المعطوب في عموم الأحوال ما لم يهده الله بنور من عنده – لا إله إلا هو – فيُدرِك نقصه، مَن لم ير من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان، إذا أنت تعرف نفسك أو تعرف صاحبك انظر إلى رضاه عن نفسه، إن وجدته راضياً عن نفسه جذلاناً اعلم أنه مأفون وأن عاقبته الخسر عاجلاً أو أجلاً ما لم يتغيَّر، وإن وجدتك ووجدته غير راضٍ عن نفسه بالمرة – يقول لك أنا في بداية الطريق، أنا في بداية طريق الصلاح، في بداية طريق العلم، في بداية طريق الفضيلة، أنا ليس عندي شيئ، أنا مجرد شادٍ يشدو حروفاً من كلٍ – اعلم أنه على خير عظيم وأن عاقبته الربح والفوز والفلاح، لأنه سيزداد دائماً من الخير طبعاً، من يرى نفسه كاملاً – Perfect – سيتوقَّف، لماذا يعمل؟ لماذا يطلب العلم والفهم؟ لماذا يطلب الفضيلة؟ لماذا يطلب الصلاحات والخيور والمبرات؟ بالعكس هو عنده فائض وعنده زائد، عنده عقل – ما شاء الله – وعلم وفضل وخير وإيمان يُوزَّع على العالمين، لذلك مَن لم ير من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان، نعوذ بالله من الخذلان.

المحنة – كما قلت لكم – أن الإنسان لا يشاء في عموم الأحوال أن يُصلِح عقله للسبب الذي ذكرت، لكن شأن القلب أخطر، دجمائية العقل وثوقية العقل بالباطل وبالإلحاد وبالزندقة وبالجهل وبالفجور وبالعتو وبالطغيان هى مُصيبة بلا شك، هذه الدجمائية البارئة من الروح النقدية تُؤمِن – كما أقول دائماً – بنسبية الإنسان وبعبدية الإنسان، أنني عبد مخلوق، أنا نسبي، حتى الملاحدة عليهم أن يُؤمِنوا أن الإنسان نسبي محدود قاصر وهو عُرضة وهدف للنسيان وللغلط وللضعف كما هو عُرضة للأمراض والمصائب والموت، عُرضة لكل ما يُغشّي ويُغبِّش على العقل ويُضلِّله ويُزيِّفه، فهو عُرضة لهذا، وهذا أمرٌ طبيعي، مَن لم يُدرِك هذا وقع ضحية هذه الوثوقية الدجمائية المُخيفة، لكن هناك دجمائية الوجدان ودجمائية المشاعر، بعض الناس قد يُدرِك – كما قلت لكم – مُضطَّراً أنه أنقص علماً وأنقص فهماً وأن غيره يفهم أسرع منه وأسد منه وأصح منه وإن دخلوا امتحاناً يتفوَّق وهو يرسب لا يتفوَّق، فيُضطَّر الآن وإن عزَّى نفسه بأشياء أُخر، لكنه لن يجد نفسه مُضطَّراً أن يُصحِّح وجداناته، يقول لك عندي قلب حليب أبيض من نور يُدرِك كل شئ كما هو وكأنه نبي، يرى نفسه نبياً يوحى إليه حتى وإن كان من أسفل عباد الله سيرة ومسيرة والعياذ بالله، هو واثق جداً بإلهاماته وبنور قلبه، لذلك – كما قلت لكم – حتى الكفار والملاحدة والوثنيون كان لهم قلوب ووجدانات يستندون إليها في موقفهم من خيرة عباد الله وهم الرسل والأنبياء، يكرهونهم ويلعنونهم، يكرهون ريحهم وما أتى من جهتهم، أحدهم يقول مثل للنبي يا محمد – والله – لقد كانت الناحية التي لست فيها أحب إلىّ من الناحية التي تكون فيها، وهو الذي:

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيّنَةٌ                                     لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ.

بمُجرَّد أن تراه ينبغي أن تعلم أنك أمام عبد رباني وعبد مُتألِّه ورسول حق، كما علم حبر اليهود الأكبر في المدينة عبد الله بن سلّام – رضوان الله عليه – من غير نقاش ومن غير محاجات دينية، أول ما رأى النبي قال علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، يُوجَد فيه نور، والله في الدنيا – وأنا أُقسِم بالله – بيننا الكذاب الآشر المُخادِع المُنافِق – أقسم بالله وها قد دخلنا في مُشكِلة الخطبة اليوم – يرين هذا على وجهه، والصادق الأمين الطهور البر المُبارَك يُرى هذا في وجهه ويُعلَم أنه عبد منور وصادق، لكن المُشكِلة الآن – هذه هى المحنة – مَن الذي يرى؟ لذلك هذا لا يُعَد معياراً، للأسف الشديد سأقول لكم هذا لا يُعَد معياراً عاماً يُحاج به ويُحتَج به ويُحاكَم إليه، لأن الناس – كما قلت لكم – لهم قلوب، وهذه القلوب معطوبة إلا ما رحم ربي، فأحدهم يقول للنبي يا محمد – والله – لقد كانت الناحية التي لست فيها أحب إلىّ من الناحية التي تكون فيها، أي أن الجهة التي أنت فيها أنا أكرهها، إذا كنت في المشرق فأنا أكره الآن جهة المشرق كلها لأجلك يا محمد، لماذا؟ إلى ماذا دعاك محمد؟ بماذا أمرك؟ عن ماذا نهاك؟ ماذا فعل لك؟ كرهٌ شديد، كرهٌ غير طبيعي، ولدينا قصة ثُمامة بن أثال – سيد بني حنيفة رضوان الله عليه – حين وقع أسيراً وتعلمون هذه القصة حتماً، واقتصصناها عليكم غير مرة، على كل حال بعد أن أطلقه الرسول ذهب واغتسل وعاد مسلماً وقال والله يا محمد – الآن يقول يا محمد لكنه أسلم – لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلى قلبي، لا يُوجَد بشر على وجه الأرض كنت أكرهه كما أكرهك، يقول له أنا كنت أكره وجهك، الآن بدأ يعترف، متى تبدَّل الحال؟ حين نزل نور الإيمان في القلب، نسأل الله أن يُنوِّر أفئدتنا وأن يُقدِّس ضمائرنا من كل دنس ورجس وغرور وكبر وحقد وحسد وكره ونفاق ورياء وغش وخديعة، هذا شيئ مُخيف، القلب حين يفسد يكون شيئاً مُخيفاً، ولذلك من الأحاديث التي تعقد عليها الخناصر وإن في الجسد مضغة إذا صَلُحَت أو صَلَحَت – كلاهما فصيحتان – صَلُحَ سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ولم يستثن النبي القوة الدرّاكة، حتى التفكير يُصاب بالعمى ويُصاب بالزيف طبعاً، القلوب تُلهِم العقول، قلت لكم مرة يقول نيتشه Nietzsche المُلحِد يكفي فقط أن تنظر إلىّ كعدو حتى تعجز عن فهم كلامي، تبدأ ترى كل كلامي غلطاً، عكس ما هو، وكم ذا جُرِّب هذا المبدأ، جُرِّب عدة مرات، تأتي بفكرة أو بمبدأ أو بنظرية أو بأطروحة مُعيَّنة فتعرضها على إنسان مُتحزِّب – مُتحزِّب لجماعة دينية أو أيدولوجية أو سياسية أو أي شيئ – وتكون هذه الفكرة فكرة زعيم حزبه أو جماعته، تقول له هذه الفكرة قال بها فلان وهو عدوٌ لهم، ومن ثم يقول لك هذه فكرة حقيرة، ما لم يكن مُفكِّراً كبيراً مُطلِعاً خرّيتاً خبيراً بدقائق الأمور، سوف يقول لك هذه فكرة حقيرة، هذا بدأ مُتناقِض، يُناقِض العقل والفكرة والدين، ومن ثم يبدأ يُجادِل، حتى إذا صدمته وقلت له لكن هذه فكرة إمامك فإنه يقول لك كيف؟ ويبدأ طبعاً ينتقم لكرامته الجريحة أنه ضُحِك عليه، أنت في الحقيقة مضحوك عليك من نفسك، أنت تضحك على نفسك، أنت تقبل وترفض لا على أسس عقلية ولا منطقية أبداً وإنما على أسس قلبية، ما تُحِبه تراه حقاً وما لا تُحِبه تراه باطلاً وإن كان هو الحق المحض، فهذا هو إذن، وهذه مصيبة طبعاً، ولذلك ندعو دائماً إلى تربية الملكات النقدية ونقول تجرأوا على استعمال عقولكم، وطبعاً لا يحتجن علينا أحد بأننا نُقدِّس العقل إزاء الشرع، هذا كذب وقاح، نحن نقول تجرأوا يا مسلمون على استخدام عقولكم، من الطبيعي أن المسلم يستخدم عقله، عقله بمعنى شطره وجزئه الذي هو أعدل الأشياء – كما قال ديكارت Descartes – قسمة بين الناس، مباديء العقل مُشترَكة بين كل الآدميين، والمسلم يستخدم أيضاً الشطر الآخر وهو عقله الشرعي، هذا عقل مسلم وليس عقل ملحد وليس عقل يهودي أو مسيحي أو بوذي، هذا عقل إنسان مسلم محكوم بمبادئ الإسلام وثوابت الإسلام ومقاصد وغايات الإسلام، هذا معنى استخدم عقلك، وعلى كل حال نقول استخدموا عقولكم حتى تخرجوا من هذه الوهدة الزرية ومن هذه اللعنة المقيتة، وهى سبب من أكبر أسباب تمزيق أمتنا، لا يقولن أحد أن هؤلاء الملايين – عشرات ومئات الملايين – يحتربون ويتكارهون ويتلاعنون ويتباغضون بناء على مُراجَعات فكرية وفلسفية وعقلية، هذا غير صحيح بالمرة، يا سيدي أكثر كبرائهم لم يفعلوا هذا، كبراء القادة لم يفعلوا، لم يُنجِزوا مُراجَعات حقيقية لفكر الآخر وفكر الذات أبداً، فكيف بالعوام؟ العوام يفعلون هذا بلغة القلوب، يقولون نحن نكرههم، يعلم الله أننا نكرههم، لا نرتاح إليهم يا أخي، قلوبنا لا ترتاح، وهذه لغة عمياء عرجاء وثوقية وجدانية ملعونة أكثر من وثوقية المعرفة والعياذ بالله، طبعاً وثوقية المعرفة تُقسِّم وتلقي العداوة والبغضاء بين الكبار من المُفِّكرين والعلماء، وأما وثوقية الوجدان فهى التي دمَّرت الجماهير، دمَّرت الملايين وأغرت بعضهم ببعض وحرَّضت بعضهم على بعضٍ والعياذ بالله، وفعلا عُدنا – كما قال النبي لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض – كفاراً يستحل بعضنا دماء بعض، وطبعا من باب أهون وأولى عرض بعض وسمعة بعض، هذا شيئ يسير جداً جداً، مَن استحل دمك ألا يستحل عرضك؟ يكذب عليك وينسبك إلى ما يعلم الله والمُنصِفون من عباده أنك منه أبرأ البرءاء، يفعل هذا بشكل عادي وهو مُرتاح الضمير ويقول حُجته قلبه، هذا النبي الكذّاب، هذا الولي الفاجر، هذا ولي الشيطان وليس ولي الرحمن، وهذا جانب المحنة، جانب المحنة هنا في هذه الوثوقية القلبية المُخيفة، لكن سيُقال لنا هذا شطبٌ وإلغاءٌ لأدلة الشارع الحكيم، الله – تبارك وتعالى – ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثير – قد دلانا على أن القلب حُجة، استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك وأفتوك، حديث وابصة بن معبد وهو حديث حسن أخرجه أحمد والدارمي وغيرهما، النبي يقول استفت قلبك فإذن القلب حُجة، سيُقال لي أنت تلوت في صدر الخطبة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ۩، إذن قال الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ۩، فقال السادة العلماء أي نوراً وبصيرة، يجعل لكم نوراً تفرقون به بين الحق والباطل وبين الهُدى والضلال وبين العمى والردى والبصر والنجاة، الله يقول هذا، قال الله وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۩ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۩، يقولون الإلهام حُجة، الله حدَّثنا عن الخضر – عليه السلام – ووصفه بأنه عبدٌ أتاه الله من لدنه علماً، قال الله وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ۩، هذا علم لدني، وفعل به أشياء فظيعة مُستنكَرة، أنكرها الكليم عليه وعلى نبينا الصوات والتسليمات، بماذا؟ بالإلهام، وهو ولي في المشهور – الخضر ولي في المشهور – وفعل هذا بالإلهام، فالإلهام حٌجة إذن، قتل به الغلام وخرق به السفينة وأقام به الجدار وهذا عمل خير في الظاهر لكن لمن لا يتسحق، فعل هذا بالإلهام، فلماذا تُنكِرون الإلهام؟ والنبي يقول اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، أخرجه الترمذي إن كان ضعيفاً، لكنه مشهور جداً وعليه دلائل ووقائع تُؤكِّد أن للمُؤمِنين فراسة، هناك أدلة كثيرة، أين أنت من حديث الولي الذي أخرجه أحمد والبخاري – من أفراد البخاري – أيضاً؟ ولا يزال عبدي يتقرَّب إلي بالنوافل حتى أُحِبه، فإذا أحببته أصبحت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألأني لأعطينه ولئن أستعاذ بي لأعيذنه، تفضَّل هذا إذن، هذا في البخاري فماذا تفعل؟ هل تُنكِر الإلهام؟ هل تُنكِر أن القلوب لها سطوة ولها حُجة ولها لغة ولها صولة في الميدان فتعرف وتعود بطرائف الحكمة مُميِّزة بين الحق والباطل وبين الخاثر والزباد وبين النور والظلام؟ لم تُنكِر يا رجل؟ لأنك عقلاني مُتفلسِف لا تُؤمِن إلا بلغة العقل اليابسة الخشبية الجافة والجامدة، لكن نحن أهل الإيمان وأهل الإسلام لدينا القلوب ولغة القلوب، حدَّثني قلبي عن ربي كما يقول الصوفية، عادوا مُتصوِّفين الآن، مثل هذا التراث ومثل هذه الآيات والأحاديث والأدبيات كثيرة جداً في تراثنا، وهى بلا شك عن وعي وعن غير وعي تُلقي بظلالها على منظومتنا المفاهمية كمسلمين، كعوام وكلماء وقادة روحيين أيضاً، موجود هذا الشيئ وله تأثير كبير، لذلك أنا أقول لكم نحن ربما نكون في مُقدَّم وصدر الأمم التي تحتكم إلى قلوبها، أنا أقول لما دخلت على النت – Net – وجدت شيئاً لا يكاد يصدق، يقولون قلبي يحدثني وقلبي يقول لي ،وقلبي يرتاح لهذا وقلبي لا يرتاح لهذا وأقسم بالله أن هذا كذا وكذا، يُقسِم الواحد منهم بالله – والله يُقسِمون – أن هذا كذا وكذا، كأن قلبه – ما شاء الله – مثل قلب الأنبياء، ولذلك أنا قلت لكم بعض ضلال هذه الأمة وتخبطها – نسأل الله أن يرحمها ونحن فيها ومنها – بسبب أنها عملياً لم تعتقد ما أوجب الله اعتقاده من ختم نبوة محمد، عملياً النبوة غير مُختتَمة، ولذلك هذه الأمة انقلبت على عقبيها، كثيرون من أبنائها مُنقلِبون على أعقابهم – أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ ۩ – لكن كيف انقلبوا؟ لا لم يحتملوا أنه غاب، فإن كان غاب وغيَّبه الثرى – صلوات ربي وتسليماته عليه – ففينا أنبياء، فينا أنبياء بمعنى أو بآخر، كيف هذا؟ كل هؤلاء الذين يُمارِسون الإحتكام إلى لغة القلوب بغير القيود الشرعية بالمرة بل عكس القيود الشرعية تماماً – وهذا موضوع خُطبة اليوم لكن كل هذه مُقدِّمات – إنما يدعون دون أن يدروا طبعاً – أكيد دون أن يدروا – ودون أن يُصرِّحوا شيئاً من النبوة في أنفسهم، وهذا شيئ مُخيف، تقول أُقسِم بالله أن هذا كذا وكذا وأنه من أهل النار، كيف تُقسِم بالله أنه كذا وكذا؟ من أين لك هذا يا نبي؟ لو كنا نعلم لاتبعناك نبياً بعد محمد ولنسخنا رسالة محمد بنبويتك أيها الكذاب، ما هذا الكذب؟ والنبي يقول فيما صح عنه في الصحيحين مَن تحلَّم بحلم لم يره كُلِّفَ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، كأن تقول أنا رأيت في المنام كذا وكذا كذباً، وطبعاً أعلم أن بعض الناس لالتياثٍ عقلي – وسلوا الأطباء العقليين – يرزحون تحت بهاظة وثقل لوثة عقلية، المسكين عنده لوثة في عقله، فطبعاً قد يتخيل فخال، يجلس ويُغمِض عينيه ويقول لك أنا رأيت النبي، لكن هذا المسكين لم يره، هو أحب أن يراه ويُريد أن يراه ويُحِب أن يراه ضمن سيناريو مُحدَّد، ولذلك في بعض الناس يقول لك أنا رأيته أربعين مرة أو خمسين مرة أو سبعين مرة أو ثمانين مرة وكلها في قضايا علمية، يحدث هذا – ما شاء الله – في كل القضايا العلمية، في كل نقاش يخوضه وفي كل مُناظَرة مُتلفَّزة النبي يأتيه ويقول له أنت على حق وهم على باطل وأنت كذا وكذا، وهذا غير معقول، كأن النبي مُتفرِّغ لك ما شاء الله، ثم أننا لم نر من العلم الذي تبثه ما يُشعِرنا بأنه علم رسول الله الداعي إلى الوحدة والمُنفِّر من الفرقة والداعي إلى المحبة والرحمة، لم نر العلم الرحماني الحقيقي، وإنما رأينا اللهم بلا مبالغة علماً في جوانب منه لعنة حقيقية على الأمة، ورأينا حربائية وتقلباً مُخيفاً مُفزِعاً، هذا موجود والشواهد موجودة، لا نفتري على أحد ولا نذكر أحداً بإسمه، لكن من أين لك هذا؟ نعلم أن هذه حالات عقلية وتحتاج إلى طبيب عقلي يُعالِجها، لكن النبي يقول مَن تحلَّم بحلم لم يره كُلِّفَ – يوم القيامة – أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل – مَن يعقد بين حبتي شعير؟ قال النبي ولن يفعل – ومَن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو منه يفرون – هذا في نفس الحديث – صُب في أذنيه الآنك يوم القيامة، وما شاء الله على المسلمين الآن، وطبعاً أقصد أنفاراً منهم، من الفجرة الذين يأتون إلى المساجد وإلى المجالس الخاصة والعامة ومع الواحد منهم طبعاً – ما شاء الله – التليفون الذكي – اليوم كله عنده تليفونه – ويُسجِّل الأشياء الخاصة والأحاديث والتصريحات، ويقول لك هذه تسريبات، يا ويلك يا جاهل، يا ويلك يا مسكين، المفروض لو دُفِعَ لك أموال في هذا ألا تفعل، ينبغي أن تقول لا، لست جاسوساً، أنا لست مُخابَرات ولست ملعوناً وغير مستعد – هذا في البخاري – أن يصب الآنك في أذني، هذا الحديث الصحيح، وليس مَن استمع إلى قينه – مغنية – صُب في أذنيه الآنك، هذا حديث لا يصح، حديث زبالة وكلام فارغ لا يصح، لكن الحديث الذي في البخاري يقول مَن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون – لا نُحِب أن تسمع حديثنا فضلاً عن أنه تُسجِّله وأن تُسرِّبه بعد ذلك للإعلام والفضائيات وفي اليوتيوب YouTube، أنت جاسوس للشيطان والعياذ بالله، تباً لك فاستعد وكبِّر أذنيك – صُب في أذنيه الآنك يوم القيامة، الآنك في جهنم، ما هو الآنك؟ الرصاص الخالص إذا أذيب، رصاص خالص يُذاب ويٌصَب في أذنيه، وهذا فقط استمع، وليس استمع وسجَّل وسرَّب ومع ذلك يفرح بنفسه، يحدوه الحقد والكراهية والحسد والفجور، يا ويلك يا مسكين، أين التقوى يا إخواني؟ أنا أقول لكم الإيمان بما هو كإيمان له منطق عجيب،بعض الناس يتساءلون عن سر حماسنا لدينا، نحن نفهم ديننا يا إخواني، مَن يفهم دينه ويعيشه يعلم قيمته ونفاسته والله العظيم، هذا الدين جميل، هذا دين فضيل ودين عظيم ودين قوي ولا يُخرِّج إلا الرجال الأقوياء، ليسوا أقوياء في ضرب السيف وضرب الرصاص وإنما هم أقوياء في أخلاقهم وفي فضائلهم وفي محاسنهم وفي رجولتهم، المسلم لا يتجسَّس، المسلم لا يكذب، المسلم لا يهتك الستر ولا يفضح ولا يشمت ولا يؤجِّج بين الناس العداوة، المُؤمِن لا يفعل هذا يا إخواني، المُؤمِن التقي المربوط حبله بحبل الله – تبارك وتعالى – لا يُمكِن أن يفعل هذا والله العظيم، لكن أين الإيمان؟ ابحث أولاً عن الإيمان حتى تتحدَّث عن أخلاق الإيمان وليس عن مظاهر الإسلام وإنما عن أخلاق الإيمان، قال النبي ومَن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو منه يفرون صُب في أذنيه الآنك يوم القيامة والعياذ بالله تبارك وتعالى، هذا هو إذن، فنأتي إلى موضوعنا مرة أُخرى.

هذه الأدبيات موجودة وكثيرة وتُلهِم العامة والخاصة لكن للأسف على النحو الخاطيء وبالطريقة الغالطة وتُساهِم في تقيق وتبديد قوى الامة وتمزيق أواصلها ووصلاتها، أي قطع وصلاتها، لماذا؟ لأنها على طريقة حدَّثني قلبي، وهذا كلام فارغ لا ينفع، ونأتي الآن إلى الأدلة، أولاً هل الإلهام – بعد أن نُعرِّفه – حُجة في دين الله؟ لابد أن نضبط أنفسنا بالفهم الشرعي، أليس عندنا أهل شريعة وأهل دين؟ نعود إلى العلم والعلماء والأدلة، وإن كان هناك مندوحة ومظنة للاجتهاد اجتهدنا لكي نرى هذا، نرجع للأُناس الفاهمين، هل الإلهام حُجة في الدين؟ هل الإلهام حُجة شرعية؟ مثلاً الله – تبارك وتعالى – حرَّم دم المسلم وعرضه وماله وأن يُنال شيئ منه بغير حق تحريماً شديداً، وهذه وصاة رسول الله في حجة الوداع، وهو الذي أخبرنا وأنهى إلى علمنا مِن قبلُ أن أربى الربا عند الله الإستطالة في عرض المسلم، لماذا أقول هذا؟ لأن الأمة الآن أُغريَ بعضها ببعض، لا يرحم بعضها بعضاً ولا يتقي بعضها بعضاً في الله أبداً إلا ما رحم ربي فنسأل الله أن يُكثِّرهم وأن يُبارِك فيهم، لا تُوجَد تقوى أبداً، يكفي فقط أن تختلف معه أو يختلف معك فقط لحسد أو لغيرة لاختلاف حزبي أو لاختلاف في الرأي أو في الفقه حتى – والعياذ بالله – يركب الصعب والذلول غير عابيء لا بالله ولا بالسؤال بين يديه ولا بخراج ما قال، هل عنده خراج – أي مخرج – مما قال؟ لأن من المُؤكَّد أنه سمع وخاصة إن كان من طلاب العلم أو من أهل العلم الكبار بحديث رسول الله الذي قال فيه مَن قال في أخيه المؤمن كلمة ليست فيه ليشنأه بها حبسه الله يوم القيامة في ردغة الخبال حتى يأتي بخراج ما قال، يا رسول الله ما ردغة الخبال؟ قال عصارة أهل النار، تُحبس فيها أو تأتي بالبرهان على ما قلت، أنت قلت أن فلاناً هو كذا وكذا، ما هو البرهان؟ هل برهانك حدَّثني قلبي أيها المُتنبيء الكذوب؟ هل بُرهانك حدَّثني قلبي؟ ويعلم الله والناس لا يعلمون أنه ربما بالأمس انتهك حُرمة كبيرة من حرمات الله أو أنه اليوم لم يُصل الفجر أصلاً ومع ذلك يقول لك حدَّثني قلبي، ما هذا العته؟ ما هذه الجنون؟ ما هذا النفاق؟ ما هذه الجرأة على الله لا إله إلا هو؟ عجيب أن نكون جرءاء على الله إلى هذا الحد، هذا شيئ مُخيف ومُرعب، وأُقسِم بالله العظيم على هذا، لذلك يقر في أذهان كثير منا أن بعض الناس – أعني من المسلمين – إن لم يُصرِّح بإلحاده لكنه يعيش حياته على نحو ما يعيش مُلحِد لا يرجو لله لقاءً ولا وقاراً ولا يُراعيه لا فيه كبير ولا في صغير، ثم هو على مدار الأربع وعشرين ساعة يقول لا إله إلا الله، أي أنه يذكر الله دائماً، وهذا أمرٌ عجيب، سلوكك وتصرفاتك تُؤكِّد أنك كالمُلحِد غير المُؤمِن بلقائه ومُواجَهته – لا إله إلا هو – وأنه سائلك عن كل ما عملت وعن كل ما أخذت وتركت وعن كل ما انفرجت عنه شفتاك أو خطه قلمك في يدك، كله مسئول والله، قال الله وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ۩، كل شيئ مكتوب ومُستطَر عنده لا إله إلا هو، فلماذا لا تخافه يا فاجر؟ لأن لا يُوجَد إيمان، يُوجَد إسلام ظاهر لكن لا يُوجَد إيمان حقيقي، ثم نسأل لم هذا البلاء يحل بنا؟ لم هذه اللعنات؟ أين رحمة الله منا؟ أين لطف الله بنا؟ نكذب على مَن؟ ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفِع إلا بتوبة، الله – عز وجل – لا يظلم الناس مثقال ذرة، حاشاه لله أن يظلمنا ونحن لا نستحق، حاشاه لله وهو أغنى الأغنياء عن الظلم لا إله إلا هو، هو لا يظلم أحداً، لكن هذا بعض ثمار ما زرعنا، هذا بعض أعمالنا وبعض سوءاتنا – والعياذ بالله – وانحرافاتنا، ولا نُريد أن نواجه الحقيقة المُرة الصعبة.

نعود إلى الأدلة الشرعية، اعلموا يا إخواني – علَّمني الله وإياكم وهداني الله وإياكم إلى ما يُحِبه ويرضاه – أن من العلماء من أنكر حجية الإلهام رأساً، قال الإلهام ليس حُجة في دين الله، لا في حق المُلهَم ولا في حق غيره، وهذا رأي طائفة من العلماء، منهم الإمام مُحقِّق السادة الحنفية العلّامة الكبيرة الهمام – الكمال بن الهمام – صاحب التحرير وفتح القدير، وهو معروف عند مَن يعرف الفقه الحنفي والأصول الحنفية وحتى علم العقائد لأنه إمام جليل، والعجيب أن ابن الهمام كان صوفياً – هذا شيئ غريب – وله مواجيد وأذواق ويُجدَب، كان يُجدَب في درسه ويخلع الجبة ويمشى في الشوارع، عجيب أن هذا الرجل المُتصوِّف العارف بالله يقول لك الإلهام ليس حُجة في دين الله، لا في حق المُلهَم فضلاً عن أن يكون حجة في حق الآخرين، هذا غريب جداً، ومنهم مَن توسَّط وقال الإلهام حجة في حق المُلهَم بشروط، والآن سنقفكم عليها، ومنهم مَن توسَّع كالسادة الصوفية عموماً وقالوا الإلهمام حُجة، أي يُمكِن أن يُستحَل به الحرام – هذا أمرٌ عجيب – على سبيا الاستنثناء للمُلهَم، وهذا شيئ فظيع، كالأمام اليافعي – رحمة الله عليه – وهو من أئمة الشريعة وأئمة الصوفية، في روض الرياحين يقول ولو أن امرأً أو عبداً من عباد الله الصالحين المُلهَمين أُلهِمَ أن الحرير حلالٌ له – هو حرام على ذكورالأمة وحلال لإناثه، لكن هذا الرجل الصالح الذكر أُلهِمَ عكس هذا، لكن كيف نعرف؟ والدليل معروف في حرمة الحرير على الرجال كالذهب – يجوز له لبسه واستعماله، يقول ومأخذه مأخذ الخضر، والصحيح أنه كان ولياً وليس بنبي، يقول مثلما الخضر أُلهِمَ وعمل أشياء مُحرَّمة في ظاهر شريعة موسى وحري أن تكون بعض هذه الأشياء مُحرَّمة في كل الشرائع الإلهية فكذلك هذا، لكن هذا غير صحيح، هذا اجتهاد غير مُوفَّق، هذا عالم جليل لكنه هنا اخطأ، عثرت به قدمه، زلت القدم هنا، حتى قال الإمام الآلوسي – قدَّس الله سره – في روح المعاني عثرة لا يقال لصاحبها لعا، أي لا يقال له نعشها الله منها، كأن تقول الله لا ينعشك منها، وهذه كلمة كبيرة من الآلوسي في حق اليافعي مع أنه يحترمه ويعتبره، لكن هذه كبيرة، تخيَّلوا لو فُتِح هذا الباب وصحت مثل هذه الفتوى ومُشيَّت كما يقال، سوف ترى – ما شاء الله – هذا يلبس الذهب وهذا يلبس الحرير وهذا يفعل كذا وكذا وهذا يحمل طاسة الخمر ويقول لك لقد أُلهمت ومن ثم هذا حلال لى، هذا حرامٌ عليكم لكنه حلال لي، بماذا يا حبيبي؟ بالإلهام، بابٌ – والعياذ بالله – لنسخ شرع رسول الله طبعاً، يُنسَخ فراداً حكماً حكماً حتى يُوشك أن يعود منسوخاً جملةً، يُصبِح شرعاً منسوخاً في الجُملة، تُنسَخ قواعده ومبانيه وأصوله بمثل هذه الطريقة، كيف نعلم؟ ثم أن هل في شرع الله أن الله – تبارك وتعالى – بإسم الإلهام وغير الإلهام يُبيح لك ما يجعلك تُهمةً بين الناس فتكون متهماً على الدوام؟ سوف تُتهَم بالزندقة، سوف تُتهَم بالانحلال، مَن سيُصدِّق دعواك في أنك قد أُلهِمت؟ ولذلك الإمام الكمال بن الهمام حين أنكر حُجية الإلهام في حق المُلهَم فضلاً عن غير المُلهَم قال ماذا؟ علَّل لأنه لابد أن يُعلِّل قائلاً لعدم وجود ما يُثبِت نسبته إلى الله تعالى، مِن أين لنا أن الله ألهمك؟ قد يكون الشيطان ألهمك، قد تكون النفس الطمّاعة الشاهية الهاوية الضعيفة الهشة ألهمتك، كيف تقول لي الله ألهمك؟ قد تكون مجنوناً أو مريضاً عقلياً، هذه مُصيبة فماذا نفعل؟ قد يقول لي هل من المُمكِن أن يكون عالماً؟ نعم، هذا عادي جداً، عادي أن يكون عالم وبلحية وعنده كتب ويكون مجنوناً أو مُصاباً بانفصام الشخصية Schizophrenic، هذا أمرٌ عادي، وهو موجود في الشرق والغرب فانتبهوا، اسألوا واقرأوا عن هذا، هذا أمرٌ عادي، وطبعاً الناس الخبراء في لحظة مُعيَّنة سيُدركون أنه مجنون، علمياً هو مجنون وليس بالشماتة، علمياً هو مجنون يحتاج إلى علاج، فهذا مُمكِن ولذا من أين لنا أنك مجنون أو أنه الشيطان أو النفس؟ من أين لنا هذا؟ فعلاً كلام ابن الهمام هنا قوي، ويُمكِن أن يُستدَل لكلام ابن الهمام بشيئ أقوى، ما هو؟ الأنبياء أنفسهم والرسل أنفسهم – أي رسول وليس محمداً عليه السلام وآله فقط – لم يُوجِب الله على أممهم تصديقهم – ولك أن تتخيَّل هذا – في أن هذا حلال وهذا حرام وحتى في العقائد في أن هناك بعثاً ونشوراً وجنة وناراً وحساباً وجزاءً وما إلى ذلك في الأصول والفروع إلا بعد أن يبرزوا معاجزهم، ينبغي أن تأتيني بمعجزة حقيقية – معجزة لا يُمكِن لأحد أن يأتي بنظير لها وبمثلها – فتُثبِت لي بها صدق هذا، مُعجِزة محمد القرآن وفعلاً قد أفحمهم وقطع بهم وأعجزهم من عند آخرهم، لم يقدروا على أن يأتوا بسورة من مثله، كلهم لم يقدروا على هذا وهم العرب العرباء الفصحاء الأبيناء الألباء والأذكياء أيضاً، لم يقدروا على هذا، وعيسى عنده معاجز وموسي وإبراهيم ما شاء الله، النبي بعد أن يُقيم الحُجة على كونه نبياً مرسلاً نقول له أهلاً وسهلاً ويا حيهلاً، الآن سنُصدِّقك والآن سيكون لك الحُجة علينا، إذ الحُجة فرع ماذا؟ التصديق، يقول العلماء الحُجة فرع التصديق، بعد أن صدَّقنا أنك نبي ورسول صار لكلامك حُجة علينا وصرنا محجوجين وانتهى كل شيئ، قال الله رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ ۩ وقال أيضاً وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ۩، كيف يُعرف أنه رسول؟ بالمعجزة، لذلك ما من رسول إلا أُؤيّدَ بمعجزة قاهرة دكَّت صروح التشكيك والإرتياب ودقَّت الأعناق، أي أعناق المُكابَرة والحجاب لأنها مُعجِزة، فلابد إذن من المعاجز، وإذا كان هذا يحدث مع النبي فلماذا أُصدِّقك أنت وأُصدِّق هذا أو تُصدِّقني في أنك أُلهِمت أو أنني أُلهِمت؟ لا ينبغي لأحد أن يُصدِّق أحداً في هذا، وخاصة كيف أُصدِّقك في شيئ تنقض به حكماً شرعياً أو قاعدة شرعية، ولذلك ذكر الإمام أبو إسحاق الشاطبي – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه العظيم المُوافَقات في أصول الشريعة مسألة رُفِعَت إلى ابن رشد، ليس ابن رشد الحفيد الفيلسوف القاضي وإنما ابن رشد الجد وهو أبو محمد رحمة الله تعالى عليه صاحب المُقدِّمات المُمهِّدات والبيان والتحصيل، وهو من أوسع موسوعات الفقه المالكي على الإطلاق وقد في عشرين مجلداً، هذا الإمام العلاّمة كبير – أبو محمد بن رشد – رُفِعت إليه هذه المسألة: حاكمٌ – أي قاضٍ، الذي يقضي بين الناس إسمه الحاكم – شهد عنده شاهدان عدلان على رجل في قضية – كأن يُقال هذا أخذ أو هذا أعطى أو هذا فعل، وهما شاهدان عدلان – فأتاه النبي – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – في المنام وقال له لا تعمل بهذه الشهادة فإنها باطل، ما قول أهل العلم هنا؟ قالوا لا، لا يأخذ بهذه الرؤيا أبداً، لا يُسقِط ما قضى به، لا يرد شهادة عدلين بهذه الرؤيا ولا تلزم بها لا بشارة ولا نذارة ولا رد قاعدة شرعية، وهذه الرؤيا يلزم منها رد قاعدة شرعية وليس فقط رد حكم جزئي فرعي وإنما قاعدة، ما هى؟ قاعدة الإشهاد وقاعدة قبول العدل في الشهادة، وهذان عدلان استكملا نصاب الشهادة، كيف أرد شهادتهما؟ إذا رد شهادتهما أو أعلن أمام الناس قائلاً أنني أرد شهادتهما برؤيا رسول الله وهى رؤيا حق فهل تعلم ما معنى هذا؟ هذا يعني أنه بهرجهما للناس، أي أنه فضحهما، صارت هذه فضيحة عند الناس، سوف يُقال كنا نظن أنه عدل لكن الرسول أسقط شهادته، وهذه مُصيبة طبعاً، وبعد ذلك ينفتح الباب لكل كذّاب ومُختدِع وزنديق أن يقول أنا – والله – رأيت أن الرسول يقول عن فلان أنه زنديق، وهذه مُصيبة يا أخي، لذا العلماء الراسخون قالوا لا، لا يُؤخَذ بها، انس هذه الرؤيا ولابد أن تأخذ بشهادتيهما، وهذا الكلام الصحيح، لكن ما الدليل؟ الرسول نفسه – صلوات ربي وتسليماته عليه – يقول فيما أُخرِجَ في الصحيحين أنه يأتيني منكم الخصمان – اثنان يختصمان – ولعل بعضكما أن يكون ألحن بحُجته من بعض فأقض له على نحو ما أسمع منه إلى آخر الحديث، قال السادة العلماء فقيَّد النبي الحكم – أي القضاء بما سمع لا بما علم، نقول لأرباب القلوب – ما شاء الله – وللأنبياء الكذبة وأولياء الهوى هذا أمرٌ عجيب، مَن قلبه أنوَّر وبصيرته أنفذ وأبهر: أنتم أم رسول الله؟ لماذا لا يقضي بعلمه وبقلبه؟ كأن يُقال شعرت أن هذا كذاب ومُتفنِّن في الحديث ومُتفلسِّف وزلق اللسان ومن ثم هذا كذاب وسوف أترك البينات، هذا غير صحيح، النبي قال بمعنى الكلام أنا أقضي على نحو ما أسمع لا على نحو ما أعلم، ما أعلم هو أمر بيني وبين الله، النبي كان يعلم بعض المُنافِقين، أليس كذلك؟ لكن ممنوع أن يفضحهم، حتى الذين أرادوا دهورته من فوق عقبة تبوك وقتله لم يفضحهم، الحديث في مسلم وعند أحمد طبعاً وعند كثيرين، النبي لم يفضحهم ولم يُبهرِجهم، وإنما ائتمن حُذيفة وقيل عماراً أيضاً وعليّاً – رضوان الله على الجميع – على أسماء هؤلاء المُنافِقين حتى تحذرهم الأمة في المُلِمات والنوائب الكبيرات، لكنه لم يفضحهم ولم يهتك سترهم وهم مُنافِقون، وعلى كل حال هل كان النبي – والحديث يُذكِّر بعضه ببعض – على علم بكل المُنافِقين في المدينة؟ اللهم لا قولاً واحداً بلا مثنوية، قال الله وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ – لم يقل مُنافِقون – مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ – عُتاة المُنافِقين، رؤوس في النفاق، شياطين والعياذ بالله – لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ۩، يا الله، هل رسول الله لا يعلمهم؟ لا يعلمهم، قال له أنت لا تعلمهم ونحن لن نفضحهم، الله يقول لكن أنا أعلمهم، قارنوا بين هذه الآية في حق سيد الخلق وحبيب الحق – صلوات ربي وتلسماته عليه وآله – وبين ما حدَّثني به أستاذٌ شيخٌ عالمٌ فاضلٌ والله – أستاذ في علم الحديث – قبل أقل من شهرين، قال لي : كنت أحد المُشرِفين على رسالة – رسالة دكتوراة – لأحد طلاب الشريعة فإذا به يكتب في الرسالة بمعنى الكلام والمُؤمِن بنور قلبه وبصيرته يستطيع أن يُميِّز المُنافِق من المُؤمِن، قال فوقفت وكنت الوحيد، انظروا إلى هذا الرجل الذكي سبحان الله، الله نوَّره فقال له والله لن تمر هذه الرسالة ولن أسمح بأن تجاز بها حتى تحذف هذه الفقرة، ما هذا؟ قال له لماذا يا دكتور؟ قال له هذا كلام خطير جداً، ما معنى هذا؟ طبعاً هذا باباً لتسليط البشر بعضهم على بعض، سوف يُقال قلبي حدَّثني أنه منافق وقلبي يقول لي هذا زنديق مدسوس على الأمة يُريد هدم الدين يا إخواني، والله قلبي يقول أُقسِم بالله، قلبك مَن أنت يا رجل؟ قلبك مَن أنت؟ مَن أنت؟ هل أنت نبي أو رسول؟ النبي لم يقل قلبي وإنما يقول على نحو ما أسمع، لكن أنت تقول قلبي وتحكم في عباد الله وتُفرِّق الأمة، مَن أنت؟ فقلت له يا بروفيسور- Professor – أين أنت من قول الله تعالى وتلوت الآية فقال أي والله، لم تحضرني ، قلت له كان يُمكِن أن ترده بهذه الآية وتقول له النبي خُوطب بقوله لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ ۩، قال فعلاً هذا جواب قاطع حاسم، لكن هذا الدكتور يعلمهم، لأنه أصبح دكتوراً، هذا الدكتور في الشريعة يعلمهم، لم يقرأ هذا الدكتور – هدانا الله وإياه وأمثاله – ما حدَّثتكم به مرة ربما قبل سنة أو أكثر أو أقل، وأنتم تعرفون أنني أُحرَج حين أُكرِّر نفسي، لا أُحِب أن أُكرِّر نفسي لذلك أُذكِّر بهذا وأقول أنني فعلت لأنني أعلم أنني ذكرته ولا أُحِب أن أكرر نفسي، حدَّثتكم عن مصائب دولة المُوحِّدين، والمُوحِّدون والمالكية أشاعرة، وأنا أشعري من حيث الأصل وليس عندي ثأر معهم أبداً لكن لهم مصائب، مثل مصائب الدول الإسلامية الأخرى بما فيها العباسية والأموية، وهى مصائب مخيفة يقشعر البدن منها، حين تقرأ تاريخهم أٌقسِم بالله يقشعر بدنك، لن نتكلَّم الآن عنهم، لكن الكلام فقط عن مسألة التمييز الذي يجعل صاحبه يعرف هذا مُنافِق وهذا مُؤمِن، أبو عبد الله الونشريشي حدَّثتكم عنه، هذا الرجل كان أحد العمد التي يعتمد عليها ويستند إليها المهدي، مهدي المُوحِّدين أبو عبد الله المهدي بن تومرت رحمة الله عليه وغفر الله له، ابن تومرت أتى بهذا الرجل وقال له أنت تُمثِّل على الناس بضع سنين أنك مختل مهبول مجذوب أهبل بريالة كما يُقال، فعل هذا الرجل وفعلاً أصبح يُعرَف بأنه الرجل المسكين الدرويش الذي على باب الله، وبعد سبع سنين تقريباً فجأة ادّعى أن الله فتح عليه، والرجل حافظ للصحيحين وموطأ مالك ويعرف الفقه المالكي بدقة، عالم هو ومثَّل دور أهبل لسبع سنين، وكم لأبي عبد الله المهدي من مثل هذه الأخدوعة، معروف تاريخه الملآن بمثل هذه الأخاديع، وهذا شيئ مُخيف، هذه هى السياسة لتثبيت الأقدام، هناك مئات الألوف الذين قتلهم من المُرابِطين، شيئ لا يكاد يُصدَّق، حتى من استسلم ووافق أن يدخل في طاعته أحياناً كان يذبحهم من عند آخرهم، وهذا شيئ مُخيف ومُرعِب، لعنة الله على السياسة، تباً لهذه السياسة التي تتوسل الدين، وبإسم الدين قامت دولة المُوحِّدين، يا أخي ما هذا؟ مسلم يذبح مسلماً، مذابح مليونية في تاريخنا، على كل حال ادّعى الرجل أن الله فتح عليه وأن الله أنزل ملكين بالبئر الفلانية يشهدان على صدقه، وطبعا حيل ابن تومرت كثيرة، والناس بسطاء أُميون، علماً بأن إلى اليوم معظم أمتنا أُميون سُذج، أي مُخابَرات عالمية تضحك عليهم، أي مُخابَرات محلية تضحك عليهم بأي شيئ، فقط ضع مُلصَق – Label أو Sticker – إسلام، ومن ثم سوف يُضحَك مباشرة، افعل ما تريد أو افعل البدع كما يُقال وضع فقط مُلصَق الإسلام حتى تضحك عليهم، قل لهم هذا دين وهذا بإسم الدين وهذه دولة وهذه شريعة وهذا جهاد، ومن هنا يُضحَك على هذه الأمة وتذبح بعضها بعضاً بإسم هذه المُلصَقات، وهذا شغل استخبارات وهو مفهوم لكن لا تفهمه هذه الأمة التي يذبح بعضها بعضاً، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩ ، المُهِم أنهم ذهبوا إلى البئر، وطبعاً هناك رجلان وضعهما المهدي ونطقا على أنهما ملكان بصدق أبي عبد الله الونشريشي، ومُباشَرةً حتى لا تُفتضَح الحيلة قال انتهى الأمر فهذه البئر الآن بعد الذي حدث ينبغي أن تُطمَر وهذا حكم شرعي، لماذا؟ بالعكس هذه بئر مُقدَّسة وفيها ملائكة، لكنه فعل هذا حتى يموت الشاهدان طبعاً وطُمرت ومات الاثنان المساكين مُباشَرةً، شهيدان في سبيل الدولة المُوحِّدية، وجاء هذا الونشريشي اللعنة – هذا الدرويش اللعنة – لكي يُمارِس دوره، ما دوره الآن؟ أن يُميِّز، قال أنا أُعطيت ربانياً – والملائكة شهدت على هذا في البئر قبل أن تموت في داخله – قدرة التمييز، هذا إسمه التمييز كما يقول ابن الأثير وغيره، كأن يُقال لك قلبي يُميِّز، وهذا ولي يُميِّز بنور قلبه وليس بجبريل فيقول هذا مسلم وهذا كافر وهذا مُنافِق وهذا صادق، هل تعرفون كم قتلوا بتمييز أبي عبد الله الونشريشي؟ يُدهور الرجل من فوق الجبل، والناس تقف لكي تُشاهِد هذا، يأتي الونشريشي ويقول هذا مُنافِق فمُباشَرةً يُلقى به، قتلوا سبعين ألفاً، وعودوا للتاريخ، هذا شيئ – كما قلت لكم – تقشعر منه الأبدان، وهذه الأمة لم تتعلَّم، طبعاً لأن هذه الأمة حرَّمت على نفسها أن تدرس تاريخها وأن تعتبر بها، وطبعاً يا ويلي ويا ويلك ويا ويلها ويا ويلنا إن فتحنا ملف التاريخ وقلنا هذا أخطأ وهذا أجرم، سوف يُقال للواحد منا لعنة الله عليك هل أنت تُشكِّك في التاريخ؟ لأن التاريخ طبعاً كله مُقدَّس عندهم، التاريخ مُقدَّس والبشر مُقدَّسون، إياك أن تُشكِّك في التاريخ، أصبح عندنا الكتاب المقدس إسمه التاريخ وليس حتى القرآن، التاريخ أيضاً مُقدَّس، هذه الأمة لم تتعلَّم من تاريخها، كما قال جورج سانتيانا George Santayana الأمم التي لا تدرس تاريخها وتتعلَّم منه جيداً تُغامِر بتكرير أخطائه، ونحن إلى اليوم بعد أن داخلنا الفيروس التاريخي اللعين نُكرِّر أخطاءنا، المهم هو أنني أُحِب أن ألفت إلى أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين شهد لعمر بن الخطاب مُلهَم الأمة في الحديث المخرج في الصحيحين قال قد كان فيمَن قبلكم مِن الأمم مُحدَّثون، وإن يكن في هذه الأمة أحدٌ منهم فعمر بن الخطاب، والحديث في الصحيحين، ووقائع كثيرة في حياة عمر تشهد بأنه كان رجل مُلهم، لكن بالله عليكم هل سمعتم عمر مرة واحدة قال حدَّثني قلبي عن ربي ولذلك الأمر كذا والشأن كذا وانتهى كل شيئ؟ لم يحدث هذا أبداً، عمر كان يجمع أهل الشورى ويستشير ويأخذ برأي الكبير والصغير، عمر أدخل عبد الله بن عباس غلاماً صغيراً في مجلس شوراه ويأخذ برأيه على رؤوس الكبر، عمر ردته امرأة لا يُدرى مَن هي ولا ما هى، هل هى طالبة علم أم عالمة أم جاهلة؟ لا ندري، لكن هى امرأة الله فتح عليها في مسألة، فقالت له ليس هذا لك يا عمر، كيف أنت تمنعنا ما أعطانا الله في كتابه؟ قال أين في كتابه؟ قالت وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ ۩، قال الله قِنْطَارًا ۩، إذن من المُمكِن أن يصل المهر إلى قنطار لأن الله قال هذا، قال كل الناس أفقه من عمر، أصابت امرأة وأخطأ عمر، قالوا هذا حديث ضعيف، لكن هذا لا يهمني، مثله مئات الوقائع في حياة عمر أنه كان بهذا التواضع، عندما كتب كاتبه هذا ما رأى الله وما رأى عمر وفي رواية هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر، فقال له بئس ما قلت امحه واكتب هذا ما رأى عمر بن الخطاب، فإن يكن صواب فمن الله وإن يكن خطأ فمن نفسي، والله بريءٌ منه ورسوله، رضيَ الله عن عمر، لم يقل أنا المُلهَم فأغلقوا أفواهكم لأن النبي قال أن المُلهَم وقد حدَّثني قلبي عن ربي وانتهى الأمر، لم يقل هذا أبداً، لا يُريد أن يفتح باب شر وباب هبل على الامة، لا يُريد أن يفتح باب شر واستهبال واستغفال وتزييف لوعي الأمة أبداً، هو مع الأدلة ومع الشورى ومع الظواهر، كان عمر إذا اجتهد ربما قيل له أحسنت فيقول والله ما يدري عمر بن الخطاب أصاب أم اخطأ، أنتم تقولون أحسنت لكن الله أعلم أصبت في اجتهادي أم ركبني الخطأ أصلا، أنا لا أعرف، الله أعلم أصابنا أما اخطأنا، فعمر لم يحتج بمُلهَميته الثابتة، وانتبهوا إلى هذا على كل حال، حديث التحديث في صحيح مسلم فيه لفتة غريبة لفت إليها ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، ما هى؟ النبي يقول قد كان فيمَن كان قبلكم مِن الأمم مُحدَّثون، فإن يكن … النبي قال فإن، أي يُوجَد تعليق هنا، هذا أسلوب تعليق، لماذا؟ لأن (إن) شرطية، إذن هنا يُوجَد تعليق، لم يقل (فإذا) وإنما قال (فإن)، أي أن من المُمكِن يكون هذا ومن المُمكِن ألا يكون، لكن لو قال (فإذا) سوف يكون هذا قطعاً، لكنه علَّق بقول (فإن) وهذا معروف هذا في النحو، لماذا؟ لأن الأمم التي كانت قبلنا كانت تحتاج إلى هؤلاء المُلهَمين المُحدَّثين، وهذه الأمة المرحومة بكمال شرعها وخاتمية نبوتها ورسالتها لا تحتاج مُلهَمين، قال الله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ۩، رحمة الله على شيخنا وشيخ دعاة القرن العشرين المنصرم حقيقة – شيخ الدعاة أسلوباً وقلماً وبياناً على الحق وجرأة في الصدع به وإحتمال الأذى في سبيله – العلّامة محمد الغزالي روَّح الله روحه في عليين، الشيخ الغزالي كان يقول شرع محمد اكتمل في اليقظة لا في المنام، لا تقل لي رأيت كذا في المنام، هذا لا يهمني، أنت رأيت هذا وحدك، لا تقل لي جاءني في المنام النبي أو أبو بكر أو عليّ، جاءك وحدك فلا تقل لنا، ماذا نحتاج من هذا؟ ماذا سنفعل بهذا؟ هل ستحل لنا أو ستُحرِّم علينا؟ لا نريد هذا، وهنا قد يقول لي أحدكم أنت الآن أسرفت على نفسك وأسرفت في حق الحقيقة، لماذا؟ هل تُنكِر المرائي والرؤى الحسنة؟ لا أُنكِر، اللهم لا، هل تُنكِر الإلهام كما أنكره بعضهم؟ لا أُنكِر الإلهام، انتبهوا إلى أن حتى العلماء الذين أنكروا حجية الإلهام لم يُنِكروا وقوع الإلهام وأن الإلهام واقع ويختص الله به الصالحين من عباده، لأن الإلهام ضرب من النبوة، مثلما الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة، وطبعاً الإلهام إنباء عن غيبة، وهنا قد يقول لي أحدكم ما معنى إلهام وتحديث وفيض وكشف؟ لا يتسع المقام للتفريق بين هذه المُصطلَحات، وهناك فروق في العموم والخصوص، وعلى كل حال التحديث أخص من الإلهام، التحديث ضرب وحي لغير نبي، مثلما حدَّث الله – تبارك وتعالى – مثلاً أم موسى وعبَّر عنه بالوحي، قال الله إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ۩، وأم موسى ليست نبية، هذا إسمه تحديث، كأن يُوجَد شيئ يُخاطِبها في قلبها بإذن الله، وهى فعلت هذا وألقت بابنها في اليم بناءً على هذا الوحي، فالتحديث ضرب مخصوص من الإلهام.

قال الله وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ۩، هل الحواريون أنبياء؟ طبعاً لا، هم ليسوا أنبياء ولا رسلاً، لكن كيف الله أوحى إليهم؟ هذا ليس وحي نبوة طبعاً، هذا وحي تحديث ووحي إلهام، وطبعاً هذا يكون للأنبياء ولغير الأنبياء، ولا يجعل غير النبي نبياً، يبقى صالحاً والياً لكنه غير نبي طبعاً، هذا وحي بسيط على قده وليس وحي نبوة أو وحي تشريع أبداً، وهذا معروف طبعاً، والوحي في كتاب الله لايختص بالمُكلَفين بل هو أعم من هذا، يُوجَد وحي إلى الملائكة، قال الله إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ ۩، ويُوجَد وحي إلى الحيوان، قال الله وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ۩، فالنحل يُوحى إليها، ويُوجَد وحي إلى الجماد الذي لا يعقل ولا يشعر، قال الله بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ۩، لمَن؟ للأرض، الله أوحى للأرض، فالوحي – كما قلت مرة – مُحرِّك الوجود، فلا نُنكر هذا ولا نُنكِر وقوعه لكن النقاش في ماذا؟ في حُجيته، هل هو حُجة؟ لكن هو حُجة في ماذا وأنت قلت بعض العلماء قالوا حجة لكن بقيدين؟ هذا ما سنعرض له خطفاً – إن شاء الله – وعجلاً في الخطبة الثانية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

تخيَّل أخي المسلم وأختي المسلمة أنك الآن في محكمة مُحترَمة – ليس مثل محاكم أو بعض محاكم العرب وإنما محكمة مُحترَمة حقيقية – القضاء فيها مُحترَم والقانون فيها مُحترَم والقضاة فيها مُحترَمون نزيهون ويهمهم جداً أن يحكموا بمقتضى القوانين لا بمقتضى أهوائهم، حدَّثتكم مرة عن رئيس المحكمة العُليا في الولايات المُتحِدة الأمريكية، يقول له سائقه قبل أن ينزل إلى المحكمة يا سيدي لا تنس أن تحكم بالعدل، فتجهم وغضب وقال له لا تقل لي احكم بالعدل وإنما قل لي احكم بالقانون، لا أُحِب أن أحكم بشيئ أرى أنه عدل أو بشيئ يرتاح إليه قلبي، هذا غير موجود، وإنما أُحِب أن أحكم بالقانون، القانون علىّ وعلى الرئيس وعلى ابني وعلى الكل، القانون على الكل، هذه دولة القانون وهؤلاء أُناس يفهمون، لا يحكم بما يراه عدلاً أو بما قال له قلبه وإنما بالقانون، وعلى كل حال تخيَّل أنك في محكمة محترمة وطُلبت للشهادة وشهدت لـ أو على وحُجتك قلبي قال لي أو شعرت أو عندي شعور أو أُلهِمت أو رأيت في المنام، ستُصبِح – أقسم بالله – مسخرة وخاصة محاكم غربية، ستُصبِح مسخرة وستتحدَّث الجرائد عنك، ومُباشَرةً ستُصنَّف على أنك مُعتل عقلي أو نفسي، سيُقال أنت شخص مُضطرِب وغير طبيعي بالمرة، هذا لا ينفع في الجد فكيف في جد الجد وهو شرع الله تبارك وتعالى؟ قال الله فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت وَمَنْ تَابَ مَعَك ۩، الله قال له استقم كما أمرتك وليس كما بما تهوى، قال الله إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ۩، إذن قال له بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ۩، ولم يقل له بما تحب وتهوى، وأنتم تعرفون القصة فلن نُعيدها، لكن هذا أمرٌ غريب، آيات تقريع وعتب شديد، قال له بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ۩، لا بما تُحِب ولا بما تُريد، القانون الإلهي تُنفِّذه على مَن تُحِب وعلى مَن تكره، هذا شرع الله تبارك وتعالى، وطبعاً نحن ما زلنا في بداية الحديث ولعلنا نستكمله في فرصة أخرى، لكن ما هو محل النزاع؟ محل النزاع هل يحتج بإلهام في الشرع، وهنا قد يقول لي أحدكم هل الكلام في الناس شرع ؟ طبعاً الكلام في الناس شرع، كيف لا يكون شرعاً؟ الله – تبارك وتعالى – حرَّم البهت، أي أن ترمي الناس بما ليس فيهم، ترميهم بما هم برءاء منه أو براءٌ منه، حرَّم الغيبة وحرَّم النميمة والتحريش بين الناس، أليس كذلك؟ وحرَّم انتقاص الناس وحرَّم وحرَّم وحرَّم، وأنت الآن تأتي ليس فقط تغتاب وإنما تشهد وتُقسِم أن فلاناً زنديقاً مدسوساً على الامة ويبغي الإسلام الشر وأن كذا كذا وتُقسِم وتقول أنني أرى فيه كذا وكذا بقلبك، تقول قلبي يقول لي لأنه لا يرتاح، فما هذا؟ من أين لك أن تستحل من عرض المسلمين ومن عرض الناس أصلاً بغير دليل شرعي؟ أين دليلك؟ هل الله أنزل آية خاصة بك وقال لك أنت بالذات تحكم على جواهر الناس وعلى قلوب الناس؟ هل أنت مثل رب العالمين تعرف السرائر – ليس الظواهر وإنما السرائر – مثلاً؟ هل حكم السرائر لك؟ من أين لك هذا؟ إذا قلت لي بالإلهام فهذا باطل، هذا أبطل الباطل.

باختصار قال الإمام أبو زيد الدبوسي – من أئمة الأحناف الكبار وهو مُحقِّق وأصولي كبير فرحمة الله تعالى عليه – الإلهام يُقبَل بشرطين، أولاً عند انعدام الحُجج كلها، لا تُوجَد حُجة في المسألة لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قياس وبقية حتى المصادر التبعية الثانوية، إذا لم يُوجَد أي دليل إلا الإلهام نذهب إليه، لكن في ماذا؟ انتبهوا إلى هذا، نذهب إلى الإلهام في المُباح، وهذا كان ثانياً، نذهب إلى الإلهام في أمر مُباح، انظروا إلى الدقة وإلى العلم، قال نذهب إليه في مسألة مُباحة فقط، أما في المسألة المُحرَّمة أو المكروهة أو المُستحَبة أو الواجبة ارم هذا الإلهام في كل وعرٍ وحزن وفي كل سهل، لا يُلتفَت إليه ولا إلى مَن جاء به، لن ننسخ شرع الله ولن نستثني من شرع الله ولن نعقب على الله ورسوله بإلهاماتك وبقولك حدَّثني قلبي عن ربي، هذا هو الخطل وهذا هو الهبل وهذا باب من أبواب الشر، وأقول آن الأوان أن يُسد هذا الباب، ينبغي على السادة العلماء والوعاظ والخطباء والمُتكلِّمين أن يُبدئوا ويُعيدوا في هذه الموضوعات، لماذا؟ لكي يخطموا ويذموا هؤلاء الذين اندلعوا – كما قلت لكم – يُحرِّشون الأمة بعضها على بعض ويضربون بعضها ببعض ويُمزِّقونها ويُقطِّعون أواصرها، وإلى الله المُشتكى.

اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا حاجةً لنا من حوائج الدنيا لنا فيها صلاح ولك فيها رضا إلا أعنت على قضائها وإتمامها برحمتك يا أرحم الراحمين.

زِدنا ولا تنقصنا، وأعطِنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تُهِنا، وانصرنا على مَن بغى علينا يا قوي يا عزيز يا جبّار يا رب العالمين، اللهم حقِّق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (20/3/2015)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: