افتتح الدكتور أحمد العرفج حلقته بعددٍ من الأسئلة التي تتعلَّق بموضوع تقنين الفقه بين الرفض والقبول مُشيراً إلى وجود مُطالَبات عديدة بتقنينه.

قال الدكتور عدنان إبراهيم إن الفقه في التعريف الاصطلاحي باختصار هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية – لأن في مُقابِل الفرعية هناك الأصولية وهي العقيدة – المُستمَدة من أدلتها التفصيلية.

أشار إلى أن كلمة الشريعة وردت في القرآن الكريم في خمسة مواضع، مُوضِّحاً أن الشريعة في اللُغة العربية تدل على الاستبانة والوضوح، ولذا منها الشرعة أو الشريعة وهي الطريق التي يُوصَل منه إلى ماء لا انقطاع له ولا يُستخرَج بآلة، أي أنه ماء سهل، كأن شرع الله هذه الطريق التي تُوصِلك إلى ما فيه سر الحياة بغير جُهد كبير.

أضاف أن الشريعة هي مجموع الدين أصولاً وفروعاً، وهذا عكس قول بعض العلماء الذين قصروها على العقيدة، لكن الله قال شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۩.

ذكر أن العلّامة مُصطفى الزرقا تحدَّث عن العلاقة بين الفقه والشريعة مُوضِّحاً أن أحكام الشريعة أحكام منصوصة لذا لا اختلاف عليها بخلاف الأحكام التي في الفقه، فالفقه يعتمد أحكام الشريعة المنصوصة فضلاً عن تلك الأُخرى التي يستنبطها الفقيه بطرق الاجتهاد أو يُجمَع عليها، ومن هنا الشريعة أعم باعتبار مجالها وموضوعاتها والفقه أهم باعتبار أنه ليس قصراً على الأحكام الفرعية المنصوصة.

أشار إلى أن التفرقة بين العقيدة والشريعة تفرقة مُستحدَثة أتتنا من المُستشرِقون، فالمُستشرِقون هم الذين ميَّزوا وقالوا الإسلام عقيدة وشريعة، مثل جولدتسيهر Goldziher الذي وضع هذه التفرقة وتابعه عليها بعض كبار العلماء مثل العلّامة محمود شلتوت وألَّف كتابه الإسلام عقيدة وشريعة.

ذكر أن البعض يقول عن كلمة القانون إنها عربية أصيلة في حين أن بعضهم قال هي كلمة مُعرَّبة وإن لم ترد في مُعرَّب الجواليقي، لكن أبو البقاء العكبري قال هي كلمة كُلية تعني المسطرة، وهذا فعلاً أصل كلمة قانون، فهي مأخوذة من kanun، فهي تُستخدَم مع الشيئ الذي يُنسَج على منواله والذي يُعيَّر به.

أشار إلى أن أبا البقاء قال إن كلمة القانون استُخدِمت بعد ذلك في معنى القاعدة الكُلية التي يتفرَّع منها أحكام جُزئية، وهذه القاعدة الكُلية تُسمى أصلاً والأحكام التي تتفرَّع منها تُسمى فروعاً والعملية نفسها تُسمى تفريعاً.

أكَّد على استخدام هذه الكلمة كثيراً في الأدبيات الإسلامية، مُشيراً إلى عدد من الكُتب مثل كتاب حُجة الإسلام الغزّالي قانون التأويل ومثل كتاب أبي بكر بن العربي قانون التأويل.

أوضح أن القانون في الاصطلاح الحديث هو مجموعة قواعد تم شرعها أو تشريعها لتنظيم العلاقة بين الناس في المُجتمَع، ويُوقَّع على مُخالِفها جزاءات من السُلطة العامة.

ذكر أن التقنين بالمُصطلَح الأجنبي هو Codification – لأن Code هي المُدوَنة، مثل مُدوَنة الإمبراطور الروماني جستنيان Justinian – ويعني الإتيان إلى الأحكام القانونية وجعلها في شكل مُتسلسِل مُرتَبةً بأرقام – في شكل مواد مُرقَّمة – حسب الموضوعات، مثل القانون المدني والقانون التجاري وإلى آخره.

أوضح أن هذه المواد يتم شرحها بعد ذلك في شروح ضافية تجعلها قريبة المنال لتُبيّن مُجمَلها.

تحدَّث عن القسمة الحديثة للفقه الإسلامي، فالفقه الإسلامي سبعة أقسام رئيسة، وذكر أن القانون المدني مُكوَّن من المُعامَلات والأحوال الشخصية، فضلاً عن وجود القانون الجنائي والسياسة الشرعية أو الأحكام السُلطانية التي تُنظِّم العلاقة بين الحاكم والمحكومين والمحكومين وحاكمهم.

أضاف أن هذا في الاصطلاح القانوني الحديث انقسم قسمين: حقوق دستورية وحقوق إدارية، مُشيراً إلى وجود أحكام السير التي تُسمى بالاصطلاح الحديث أحكام القانون الدولي، فما يُنظِّم العلاقة بين الدولة المُسلِمة وسائر الدول الأُخرى يُسمى السير، فضلاً عن وجود أحكام الحشمة والأخلاق والآداب.

أوضح أننا حين نتكلَّم عن التقنين نستثني أمرين: العبادات وأحكام الحشمة والأخلاق والآداب، ومع ذلك قد نسمع مَن يتكلَّم عن التقنين ويأتي بأمثلة من العبادات، والعبادات لا تُقنَّن.

ألمع إلى أن تقنين الفقه يكون بالإتيان إلى أحكام الفقه المُختلِفة المُرتَّبة في كتب الفقه بطريقة الكُتب وذلك في سائر الأبواب إلا ما اسُتثنيَ لكي تُكتَب في شكل مواد مُتسلسِلة بطريقة منطقية، فيسهل على المحامي أو القاضي أو الباحث أن يصل إلى الحُكم بسرعة شديدة وأن يُحيل عليه بالرقم.

أوضح أن الفقه نفسه يتغيَّر مُستشهِداً بمثالين عن الإمام الشافعي وعمر بن الخطاب، وهذا باستثناء الأحكام الشرعية في الكتاب والسُنة بطريقة لا تقبل بالاجتهاد.

أكَّد على أن الأمة أذعنت لحُكم الواقع والضرورة، مُشيراً إلى أن ابن تيمية تم تكفيره من بعض العلماء الذين كانوا حنابلة – أي أنهم على مذهبه – بسبب أنه خالف المذاهب الأربعة في مسألة الطلاق الثلاث لأنه لم يُوقِعه إلا طلقة واحدة، وقد أتى بأدلة وكتب زُهاء ثلاثة آلاف صفحة في الموضوع رُغم أن هذا ليس تخصصه.

أوضح أن الآن لا تكاد تُوجَد دولة مُسلِمة إلا وقانونها يأخذ بفتوى ابن تيمية في هذا الباب حفاظاً على الأسرة، خاصة أن هناك مَن يستسهل الحديث عن الطلاق وهذه مُصيبة.

ألمع إلى أن تحجر المُسلِمين ليس ضد فكرة التقنين وإنما ضد منهج التقنين حتى لا يلتزموا بمذهب ما دون باقي المذاهب، وهذا الذي طرَّق طريقاً للقوانين الوضعية لتغزو بلادنا.

ضرب مثالاً بواقعة تاريخية حدثت بعد حرب القرم في تركيا التي كان فيها الكثير من الأجانب – نصف إسطنبول على الأقل كانوا من الأجانب – وكان هناك مُعامَلات والتزامات كثيرة، وقد رغبوا في تطبيق قوانين الأحكام العدلية لكن المذهب الحنفي في باب الشروط لم يكن مُتوسِّعاً كالمذهب الحنبلي الذي يُعدَ أوسع المذاهب في هذا الباب، ما أدى إلى بطلان الكثير من العقود فعضلت بهم المسألة، وهنا تدخلت فرنسا وألزمتهم بقوانينها، وهذه كانت فرصة وثغرة كبيرة لدخول القوانين الأفرنجية إلى السلطة العثمانية التي سعت إلى تغريبنا عن ديننا.

أضاف أن كان في الوسع بجرة قلم من السُلطان أن يُؤخَذ بالمذهب الحنبلي في مسألة العقود والشروط الذي يُعدَ أوسع من القوانين الأوروبية الآن أو يُؤخَذ بمذهب ابن شُبرمة الذي قال فيه إن الشروط بحسب ما يتفق عليه المُتعاقِدان وهذا معمول به الآن، مُشيراً إلى أن هذا مذهب عربي قديم في الجاهلية، لأنهم كانوا يقولون الشرط أملك عليك أم لك، والآن يُقال في الدول الحديثة الشرط قانون لك، وتُرجِم هذا القول إلى العقد شريعة المُتعاقدين.

تحدَّث عن مجلة الأحكام العدلية التي عليها شروحات كثيرة في تركيا والتي تُمثِّل نقلة نوعية رهيبة، مُشيراً إلى أن آثارها موجودة في مُعظَم البلاد العربية والإسلامية إلى اليوم.

عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة، وهي مُداخَلة للدكتور علي الموسى تحدَّث فيها عن اتساع التراث الفقهي الذي أدى إلى وجود آراء كثيرة في المسألة الواحدة.

تساءل عن مدى إمكامية تقنين الفقه بالعودة إلى مصادر قليلة ثابتة بعيداً عن التضارب الفقهي، وهذا ما ختم به مُداخَلته.

أثنى الدكتور عدنان إبراهيم على المُداخَلة التي اعتبرها تمس عصباً حساساً ومكشوفاً، مُؤكِّداً على أن في الخلاف النازل – في المذهب الواحد – وليس في الخلاف الصاعد – بين المذاهب – قد نجد أكثر من بضعة عشر قولاً، وهذا واضح خاصة في المذهب الحنبلي ويعلمه مَن قرأ كتاب الإنصاف للمرداوي.

أكَّد على أهمية التقنين كحل لدرء الفوضى الفقهية والتحكم الأهوائي، لأن بعض القُضاة وبعض المُفتين أحياناً يُحكمِّون أهواءهم ويتخيَّرون ما يُريدون بحسب الميل النفساني.

ذكر أن مُعظَم علماء وأساتذة الفقه الإسلامي خارج المملكة لا يشكون في أن التقنين ضرورة بل تجاوز الضرورة، مُشيراً إلى أن التقنين يحل الكثير من المشاكل التي يُعاني منها المظلومين والمهضومين في بلادنا باسم الشرع.

ضرب مثالاً لامرأة مُسلِمة طُلقت بعد أربعين سنة من المُساهَمة بالمال والجهد والتعب، وهذه المرأة تزوَّجت بمهر قليل على السُنة ومُؤخَّر مهرها كان قليلاً لأنها كانت مُحترَمة ووالدها كان أكثر منها احتراماً، وتساءل ماذا تفعل هذه المسكينة الآن خاصة إذا مات عائلها الأول – والدها مثلاً – ولم يكن لها ولد؟ مُشيراً إلى أن المرأة المُطلَّقة في أمريكا تأخذ نصف الثروة، ومع ذلك يتم الحديث عن الشرع الإسلامي والحقوق، فأي حقوق هذه؟

أضاف أننا لابد أن نكون مُنصِفين مع الحقائق وأن نُحدِّق في شمس الحقائق، ولذا الصحيح في الحالة السابقة هو تفعيل رأي فقهي – موجود عند الظاهرية ومُعتمَد عند الشافعية فضلاً عن أنه قول عند الحنابلة واختاره شيخ الإسلام، فابن تيمية كان رجلاً نبيلاً وله اختيارات رائعة جلب بها اللعنات والغضب على نفسه لكنه أراد إنصاف الحقائق – يقول أن المُتعة لكل المُطلَّقات – تجب لكل المُطلَّقات – إلا غير المدخول بها إذا فُرِض لها مهر، أما غير المدخول بها إذا لم يُفرَض لها مهر فشيئ آخر، وهذا واضح بنص كتاب الله: لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ۩.

أضاف أن القضاء يُمكِن أن يضع مادة لفرض مُتعة تشتري بها بيتاً على الأقل لترتاح فيه، لكي نُنصِف المرأة بعض الإنصاف.

أوضح أن الملك عبد العزيز تشوّف إلى إنجاز مجلة على غرار مجلة الأحكام العدلية، مُشيراً إلى أنه كان أكثر ذكاءً من السُلطة العثمانية التي أبت إلا أن تكون المجلة حنفية وهذا تسبَّب لهم في ورطة، لكن الملك عبد العزيز قال لابد أن تكون على المذاهب الأربعة، لكن المشروع مات في مكانه بسبب التعصب المذهبي فضلاً عن منكورية فكرة التقنين.

ذكر أن القاضي أحمد عبد الله القاري كتب مجلة على مذهب أحمد بن حنبل لكنها كانت مُقنَّنة، وظلت في طي الكتمان خمسين سنة حتى جاء عبدالوهاب أبو سليمان ومحمد إبراهيم عليّ وطبعاها مُحقَّقة.

أكَّد على أن مجلة الأحكام العدلية العثمانية جرت الويلات على تركيا، فالتعنت في مسألة التقنين طرَّق طريقاً اجتاحتنا من خلالها القوانين الوضعية.

ألمع إلى وجود خطوات كثيرة على طريق التقنين، وهنا تأتي أهمية صحيفة المدينة التي وضعها النبي في شكل مواد فضلاً عن الكتاب الذي وضعه النبي في الزكاة التي تتعلَّق بحقوق الناس وقد يُقاتَل عليها كما فعل أبو بكر، ولم يُخرَج الكتاب للناس إلا بعد موت النبي.

ذكر أن عمر بن عبد العزيز طلب من عماله جمع حديث وسُنة رسول الله لكي يُصبِح موضوع الاستنباط والاجتهاد دقيقاً، وهذه كانت خُطوة على الطريق، لكن الخُطوة الأهم أُنجِزت في سنة ألف وستمائة وسبعين وهي الفتاوى العالمكيرية، فكلمة عالمكير تعني فاتح العالم وهو السُلطان الهندي العادل أورنك زيب الذي كان من أحفاد تيمورلنك لكنه جمع أربعين فقيهاً وأمرهم بوضع الفقه الحنفي وأصح الأقوال فيه في شكل واضح بسيط ليعود إليه الناس.

أكَّد على أن أوضح خُطوة على طريق التقنين هي مجلة الأحكام العدلية التي تلتها خُطوات كثيرة، وأكَّد أيضاً على أهمية مبدأ علانية القوانين، فمن حق المُستثمِر – مثلاً – أن يعرف القوانين قبل أن يُغامِر بماله ومن حق المُواطن العادي أن يعرف عقوبة الجرائم والجُنح، فلا يُمكِن أن يقضي كل قاضٍ بحسب ما يعن له.

أوضح أن جمود بعض الفقهاء أتى في رأس الأسباب التي أعاقت التقنين، فلم يستطع صاحب الأمر في بعض الأحيان أن يسمح بتحكيم الأحكام الشرعية في كل الأبواب، فمُعظَم الدول العربية وإن كانت علمانية في الظاهر تُحكِّم الأحكام الشرعية في القوانين الشخصية لكنها لا تفعل هذا في باقي الأبواب.

أضاف أن هذه المجلة اقتصرت على القوانين المدنية في باب المُعامَلات ولم تتحدَّث عن أحكام الأسرة، ومع ذلك هذه المجلة دُرسِّت في الكثير من الدول مثل العراق وسوريا وتُرجِمت، لكنها لم تُدرَّس في مصر، لأن مصر أرادت أن تُثبِت استقلاليتها في هذا الباب عن تركيا، ولذا أوعزت إلى محمد قدري باشا – وهو من أصل تركي أيضاً – فعمل شيئاً مُشابِهاً لمجلة الأحكام العدلية، وبعد ذلك صار أساتذة القانون المدني في تلك الحقب يُسمون أساتيذ المجلة.

قال لو أننا قننا أحكام الشريعة في سائر الأبواب لوجدنا أنفسنا الآن نُحكَم بشرع الله من غير إرهاق وتعنت ومن غير هذه المعارك التي أودت بألوف الضحايا.

عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة الذي قال فيه الشيخ محمد الحسن الددو إن الفقه لا يدخل في تعريفه الوحي، فالفقه هو نتاج عقول الرجال وفهمهم من كتاب الله وسُنة رسوله، ومن ثم لا حرج في كتاب الفقه بأي طريقة سواء أكان ذلك على طريقة القدماء أو كان على طريقة المُحدَثين أو كان تقنيناً على مواد مكتوبة، لأن المُهِم هو حفظ الفقه على الناس وتسهيله بين أيديهم.

أكَّد على أن الآراء الاجتهادية ليست مُلزِمة للقُضاة في أحاكمهم، فالقاضي الأصل أن يكون مُجتهِداً ويجب عليه الحُكم بالحق البيّن كما في كتاب عمر المشهور إلى أبي موسى الأشعري.

قال الدكتور عدنان إبراهيم كلام العلّامة الددو – حفظه الله وأمتع به – سليم، لكن له مُلاحَظتان، الأولى على تعريف فضيلته بالفقه والثانية على ما اختتم به حديثه لأن تقنين الفقه في النهاية المقصود به إلزام القُضاة.

تساءل أين المُجتهِدون في القُضاة الذي يتخرَّجون اليوم بل أين المُجتهِدون في العلماء الكبار أصلاً؟ وقال إن هذا الأمر يعرفه العلّامة الددو ويعرفه كل طلّاب العلوم الشرعية.

أكَّد على ان الاجتهاد قضية كبيرة، مُشيراً إلى أن القاضي المُسمى بالحاكم في بدايات الإسلام كان ينبغي أن يكون مُجتهِداً بالمعنى الكامل للاجتهاد – أي الاجتهاد المُطلَق – مثل أبي حنيفة ومالك، لكن اليوم مُعظَم القُضاة لا يعرفون الترجيح بين أقوال المذهب الواحد، لذا كلام فضيلة الشيخ صحيح من حيث هو لكنه مبتوت الصلة تقريباً بالواقع، فالقُضاة في الواقع ليسوا مُجتهِدين.

أشار إلى أن الحديث الآن ليس عن الأحكام الوضعية، مُؤكِّداً على أن تقنين الأحكام الفقهية بوابة لسد الطريق على الفقه الغربي، فالمرأة المُطلَّقة التي لا مُتعة لها فضلاً عن أبنائها وبعض العلماء والمُتعاطِفين مع الحقوق قد يلجأون إلى القانون الوضعي لأنه يُنصِف هذه المرأة.

أوضح أن في أوروبا زُهاء أربعين مليون مُسلِم، لذا قد تلجأ النساء هناك إلى المحاكم الوضعية التي ستُنصِفهن، ومن هنا ينبغي أن نسد هذا الطريق من خلال التقنين وتخير ما هو أصلح.

ذكر أن العلّامة محمد سلام مدكور قال حتى الاقتصار على مذهب واحد أو رأي مُعيَّن في المذهب جناية على الفقه الإسلامي، وذكر أن العلّامة الزرقا استوعب فكرة أن المدارس الفقهية كلها تُشكِّل الفقه الإسلامي وقد شبهها بالصيدلية التي يذهب إليها الإنسان ليجد زُهاء خمسين دواءً للداء الواحد لكنه يتخيَّر بحسب الحالة ووصف الطبيب.

أضاف أن محمد أمين بن العابدين في أكثر من مرة كان يذكر الأقوال في المذاهب ثم يقول والفتوى على هذا القول المرجوح، لأن هذا أرفق بالناس وأكثر وفاءً بمصالحهم.

أكَّد على غلبة التطرف والتنطع اليوم في العلاقة مع الآخر وأكَّد على غلبة الانغلاق والجمود والجدب في الفقه، فالفقهاء قبل مائة سنة كانوا أكثر انفتاحاً منا اليوم، ونحن بهذه الطريقة لن نتقدَّم وسنضطر الناس إلى أن يزوروا عن شريعة الله.

أوضح أن الكثير من أحكام القانون الوضعي يتفق مع شرع الله، فالقانون الفرنسي مُعظَمه مبني على الفقه المالك، فنابليون Napoléon حين جاء إلى مصر أخذ الفقه المالكي الذكي الذي يهتم بالمصالح والمقاصد.

استدل بقول أبي إسحاق الشاطبي الناس لا يتعارفون إلا مصالحهم، مُؤكِّداً على أن الشريعة تأتي بمصالح الناس وتحوطها.

ذكر أن القرآن الكريم دائماً ما يُحيل على العُرف، مثل وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۩، خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ۩، وأوضح أن العرف أو المعروف هو ما يتعارفه الناس، ولذا أحال الله في مسائل حقوق على الأعراف لأن الناس لا يتعارفون إلا ما يُصلِحهم.

تساءل لماذا هذا الخوف والتشنج من تقنين الفقه الإسلامي؟ وقال إن هذا أذكره بعبد الله بن المقفع الذي كتب رسالة الصحابة – أصحاب الخليفة أبي جعفر المنصور وليس أصحاب رسول الله – التي يُقال إنها كانت سبب مقتله، وقد أعرب فيها عن تبرمه من اختلاف القضاء والفتوى في البلاد، وقال للمنصور في الحيرة يُستحَل الفرج والدم وهما مُحرَّمان في الكوفة ومثل هذا في مكة.

أكَّد على أنه ليس مُتعصِباً أو مُتشدِّداً كما يقول البعض، لكنه يشعر بالألم، فالجهل أحياناً نعمة، وأشاد بإدراك ابن المقفع في هذه المسألة في مُنتصَف القرن الثاني الهجري، ولذا قال للخليفة لا يجوز أن يبقى الصواب مُختلِطاً في كثير من الباطل، وطلب من الخليفة أن ينظر في هذه الأحكام وإن كان غير أهل لهذا لكنه أوصل إليه الفكرة.

ختم الحلقة بتغريدة من وحي التخوفات الموجودة من التقنين وهي: قنِّنوا لتقطعوا الطريق على القوانين الوضعية المُخالِفة لشرع الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: